سورة يوسف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية واثنا عشر ركوعا.
ﰡ
﴿ الر تِلْكَ ﴾ إشارة إلى آيات السورة، ﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ : الواضح الجلي، أو المفصح عن الأشياء المبهمة.
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ﴾ أي : الكتاب، ﴿ قُرْآنًا ﴾، حال، فإنه مصدر بمعنى مفعول، ﴿ عَرَبِيًّا ﴾ صفة له، أو حال، ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي أنزلناه بلغتكم كي تفهموا معانيه.
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ مصدر بمعنى الاقتصاص، وأحسنيته في كونه بالغة في الفصاحة، فيكون مفعولا مطلقا، والمقصوص محذوف، أو فعل بمعنى مفعول، وأحسنيته لما فيه من النكت والحكم والعجائب، فيكون مفعولا به، ﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا ﴾ : بإيحائنا، ﴿ إِلَيْكَ هَذَا القرآن ﴾ أي : السورة، وهو إما مفعول الإيحاء، أو مفعول نقص على الوجه الأول، ﴿ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ : عن هذه القصة، لا تعلمها، وإن هي المخففة.
﴿ إِذْ قَال ﴾ بتقدير اذكر، أو بدل اشتمال من أحسن القصص على تقدير مفعوليته، ﴿ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ ﴾ تاء التأنيث عوض عن الياء، ومن يفتح التاء، فلأنه كان يا أبتا، فحذفت الألف، ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ ﴾ : من الرؤيا، ﴿ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ : استئناف، كأنه قيل : كيف رأيتهم ؟ فقال رأيتهم لي ساجدين، وأجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم، وساجدين حال.
﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ ﴾ التصغير للشفقة، ﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا ﴾ : يحتالون لإهلاكك حيلة، حسدا مهم، فإنهم يعلمون تأويلها، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ فيحملهم على الكيد.
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، كما اجتباك بهذه الرؤيا العظيمة، ﴿ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ : يصطفيك، ﴿ وَيُعَلِّمُكَ ﴾ : كلام برأسه غير داخل في التشبيه، ﴿ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ تعبير الرؤيا، وقيل : تأويل آيات كتب الله - تعالى، ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ بالنبوة، ﴿ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ﴾ أراد سائر أولاده، ﴿ كمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل هذا الوقت، ﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ عطف بيان لأبويك، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ ﴾ : بمن يستحق النبوة، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ : في أفعاله.
﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ﴾ : في قصتهم، ﴿ آيَاتٌ ﴾ : عظة وعبرة، ﴿ لِّلسَّائِلِينَ ﴾ : عنها المستخبرين، فإنه خبر عجيب يستحق الأخبار عنه، وقيل : اليهود سألوه ومن آياته وضوح دلالته على صدق محمد – عليه السلام - فإنه موافق لما في التوراة.
﴿ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُف ﴾ اللام للابتداء، ﴿ وَأَخُوهُ ﴾ أي : من الأبوين، ﴿ أَحَبُّ ﴾ يستوي في أفعل، من الواحد والجمع، ﴿ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ ﴾ الواو للحال، ﴿ عُصْبَة ﴾ جماعة أقوياء، أليق بالمحبة، ﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ لتفضيل المفضول أي : ضلال دنيوي، ولا يجب عصمة الأنبياء عن ذلك الضلال ولا شك أن إخوته ليسوا في ذلك الحين أنبياء، قال بعضهم : لم يقم دليل على أنهم صاروا أنبياء.
﴿ اقْتُلُواْ يُوسُفَ ﴾ من جملة المحكي، ﴿ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ﴾ بعيدة منكورة، وهو معنى تنكيرها، ولإبهامها نصبت نصب الظروف المبهمة، ﴿ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ﴾ جواب الأمر، يخلص لكم وجهه عن إقباله بيوسف، فقيل بكليته عليكم، ﴿ وَتَكُونُواْ ﴾ عطف على يخل، ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ : بعد يوسف، ﴿ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ : تائبين أو يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
﴿ قَالَ قَائِلٌ مَّنْهُمْ ﴾ هو يهوذا، أو رويبيل، أو شمعون، ﴿ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾ : قعر قيل : هو بئر بيت المقدس، ﴿ يَلْتَقِطْه ﴾ : يأخذه، ﴿ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ﴾ : المسافرين، ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ : عازمين على أن تفعلوا به شيئا، كأنه لم يرض بإضراره.
﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ أي : لم تخافنا عليه، ونحن مشفقون عليه مردوه له الخير.
﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا ﴾ : إلى الصحراء، ﴿ يَرْتَعْ ﴾ الرتع الاتساع في الملاذ، ﴿ وَيَلْعَبْ ﴾ : بالاستباق، ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ : من أن يناله ضر.
﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ ﴾ : لشدة مفارقته علي، ﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ﴾ فإن أرضهم كانت مذأبة، ﴿ وَأنتم عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ : مشتغلون بلعبكم.
﴿ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ ﴾ اللام موطئة للقسم، ﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ : جماعة أقوياء والواو للحال، ﴿ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴾ : ضعفاء عاجزون وهو جواب القسم.
﴿ فلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ ﴾ : اتفقوا، ﴿ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾ وجواب لما محذوف، أي : فعلوا به ما فعلوا، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا ﴾، لتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا، ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ : بوحي الله وإعلامه إياه ذلك، أو هم لا يعرفونك حين تخبرهم، كما قال تعلى :" فعرفهم وهم له منكرون ".
﴿ وَجَاءواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ﴾، العشاء : آخر النهار، ويبكون حال.
﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ : نتسابق في الرمي أو العدو، ﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ ﴾ : بمصدق، ﴿ لِّنَا ﴾ : في هذه القصة، ﴿ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ : عندك في القضايا لسوء ظنك بنا.
﴿ وَجَاءوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾، وصف بالمصدر مبالغة، كأنه نفس الكذب، وعلى قميصه حال من دم، وجاز تقدمه على صاحبه، لأنه ظرف، أو محله النصب على الظرف، أي : فوق قميصه، كما تقول : جاء على جماله بأحمال، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ : سهلت، ﴿ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ : عظيما، ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ : أجمل، أو فأمري صبر جميل، ﴿ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾، أي : على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف، وقد نقل أنهم ذبحوا سلخة ولطخوا ثوبه بدمها فلماجاءوا بثوبه، قال يعقوب، ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني، ولم يمزق عليه قميصه.
﴿ وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ ﴾ : مسافرين، ﴿ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ ﴾، وهو الذي يطلب لهم الماء، ﴿ فَأَدْلَى ﴾ : أرسل، ﴿ دَلْوَهُ ﴾، في الجب فتدلى بها يوسف فلما رآه، ﴿ قَالَ يَا بُشْرَى ﴾ : نادى البشرى : كأنه يقول : تعالى فهذا من أونتك، قال بعضهم : بشرى اسم صاحب له ناداه، ﴿ هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ ﴾ : أخفى الواردون أمره من بقية السيارة، ﴿ بِضَاعَةً ﴾، حال، أي متاعا للتجارة، قالوا : هو بضاعة لنا من أهل هذا الماء، أو ضمير الجمع لإخوة يوسف أي كتموا أنه أخوهم، وباعوه، فإنهم يستخبرون كل يوم منه، ﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ : بيوسف.
﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ : باعه الواردون أو إخوته، ﴿ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ : زيف أو قليل، ﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ : قليلة، بدل من الثمن، والدراهم عشرون أو اثنان وعشرون أو أربعون، ﴿ وَكَانُواْ ﴾، أي : إخوته، ﴿ فيه ﴾ : في يوسف، ﴿ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ : من الراغبين عنه أو كان الواردون زاهدين في يوسف فهم الذين باعوا بثمن بخس، لأنه ملتقط وهم خائفون من انتزاعه فاستعجلوا في بيعه فيكونوا راغبين عنه وفيه متعلق بمحذوف يبينه من الزاهدين، لأن ما بعد الجار والوصول لا يعمل فيما قبله.
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ ﴾ وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر، ﴿ لاِمْرَأَتِهِ ﴾ : راعيل أو زليخا، ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾ : منزله، أي : أحسني تعهده، ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَا ﴾ : يكفينا أمورنا أو نبعه بالربح، ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ وكان عقيما، ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ﴾ أي : مكناه في مصر، وجعلناه ملكا، مثل ما أنجبناه وعطفنا عليه العزيز، ﴿ وَلِنُعَلِّمَهُ ﴾، عطف على مقدر أي : مكنا لمصالح ولنعلمه، ﴿ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ تعبير الرؤيا وقيل : معاني كتب الله تعالى، ﴿ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ : يفعل ما يشاء لا يغلبه شيء قيل : الضمير ليوسف أي : أراد إخوته شيئا والله أراد شيئا آخر ولا راد لما أراد، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ : إن الأمر كله بيده، والمراد منه الكفار أو لا يعلمون لطائف تدبيره، فالمراد منه أعم.
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ : استكمل خلقه وتم كان سنه حينئذ ثلاثة وثلاثين أو بضعا وثلاثين أو عشرين أو أربعين أو هو الحلم وقيل غير ذلك، ﴿ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ : نبوة وفقها في الدين، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ : فإنه محسن في عمله صابر على النوائب.
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾ : طلبتمنه أن يواقعها، ﴿ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ ﴾ وكانت سبعة، ﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ : أقبل وبادر اسم فعل واللام للتبيين كما في سقيا لك، ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ ﴾ : أعوذ بالله معاذا، ﴿ إِنَّهُ ﴾، أي : الشأن، ﴿ رَبِّي ﴾ : سيدي الذي اشتراني، ﴿ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ : أكرمني فلا أخونه وقيل إن الله ربي أحسن منزلتي فلا أعصيه، ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ : المجازون الحسن بالسيئ أو يسعد الزناة.
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ : قصدت مخالطته، ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ : قصد مخالطتها لميل الطبع والشهوة الغير الاختياري، ﴿ لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ : جوابه محذوف أي : لخالطها وما ذكره أكثر السلف هو أن رأى صورة أبيه عاضا على أصبعه يعظه، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك التثبيت ثبتناه، ﴿ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ﴾ : خيانة صاحبه، ﴿ وَالْفَحْشَاء ﴾ : الزنا، ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾، من الذين أخلصهم الله تعالى لعبادته.
﴿ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ ﴾ فيه تضمير الابتدار ولذلك عدى بنفسه أو تسابقا إليه تسابقا إليه بحذف إلى، ﴿ وَقَدَّتْ ﴾ : شقت، ﴿ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾ : من خلف، و ذلك لأنه فر منها وأسرعت وراءه واجتذبت ثوبه لتمنعه الخروج فانقد، ﴿ وَأَلْفَيَا ﴾ : صادفا، ﴿ سَيِّدَهَا ﴾ : زوجها، ﴿ لَدَى الْبَابِ ﴾ فأحضرت كيدها وتبرأت ساحتها ونسبت إليه، ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ليس جزاؤه إلا السجن أو أي : شيء جزاؤه إلا السجن.
﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ الشاهد كان صبيا في المهد أو رجلا من أرقاب زليخا أو من خاصة الملك، ﴿ إِن كَانَ قَمِيصُهُ ﴾ أي : فقال الشاهد : إن كان قميصه و سماه شاهد، لأنه ثبت قول يوسف بكلامه قال بعضهم : شهد شاهد أي : حكم حاكم فقال : إن كان إلخ، ﴿ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾ : فإنه إذا كان تابعها وهي دافعة عن نفسها قدت قميصه من قدامه بالدفع.
﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ﴾ : فإنه دال على أنها هي التي تبعته واجتذبت ثوبه إليها والجمع بين إن للاستقبال وكان على تأويل أن يعلم أنه كان قميصه.
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ ﴾ : لما عرف خيانة امرأته، ﴿ إِنَّهُ ﴾ : إن هذا الصنيع، ﴿ مِن كَيْدِكُنَّ ﴾ والخطاب لها لسائر النساء، ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾.
﴿ يُوسُفُ ﴾ أي : يا يوسف، ﴿ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ : اكتمه ولا تذكره، ﴿ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ : من القوم المتعمدين للذنب والتذكير للتغليب قيل : إنه كان قليل الغيرة.
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ ﴾، اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي، ﴿ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾ : تطلب من عبدها الفاحشة، ﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾، أي : خرق* حبه شغاف أي : حجاب قلبها، فوصل إلى الفؤاد، وحبا تمييز، وفاعل شغف ضمير الفتى، ﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾.
﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ﴾، تسميته مكرا لما علمت أنهن أردن بهذا القول أن تريهن يوسف أو لأنهن أفشين سرها، ﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ : دعتهن، ﴿ وأعدت لَهُنَّ مُتَّكَأ ﴾ : ما يتكأ عليه قال أكثر السلف المتكأ المجلس المعد فيه مفارش ومخاد وطعام فيه ما يقطع بالسكين، ﴿ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ﴾ : لقطع ما في المائدة مما يحتاج إليه، ﴿ وَقَالَتِ ﴾ : حين أخذن السكاكين :﴿ اخْرُجْ ﴾ : يا يوسف، ﴿ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ﴾ عظمنه وهبن ذلك الحسن وقيل : أكبرنه أي : حضن له من شدة الشبق فإن المرأة إذا أكبرت حاضت أو الهاء للسكت، ﴿ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ : جرحنها من فرط الحيرة، ﴿ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ﴾ : أصله حاشا فحذفت الألف تخفيفا وهي من حروف الجر وضعت موضع التنزيه والبراءة كأنه قال : براءة ثم قال : لله ؛ لبيان من يبرئ وينزه كسقيا لك والمعنى تنزيها لله من العجز وتعجبا من قدرته على هذا الخلق الجميل، ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا ﴾ : فإنه لم يعهد للبشر مثل ذلك الجمال وأعمل ما عمل ليس لمشاركتهما في نفي الحال وهو لغة الحجاز، ﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ فإن جماله فوق جمال البشر.
﴿ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ﴾ : وضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلته واستبعادا لمحله في الحسن، ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ : بالغ في عصمته اعترفت عندهن لما علمت أنهن يعذرنها، ﴿ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ ﴾ بحذف حرف الجر أي : ما أمر به، ﴿ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ : من الأذلاء والنون الخفيفة يكتب في خط المصحف ألفا على حكم الوقف.
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ : من المعصية أصناف الدعوة إليهن تنصحن له مطاوعتها، ﴿ وَإِلاَّ ﴾ أي : وإن لم، ﴿ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ ﴾ : أمل، ﴿ إِلَيْهِنَّ ﴾ بإجابة كلامهن، وقيل : إنهن جميعا دعونه إلى أنفسهن، ﴿ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ : من السفهاء الذين يعملون القبائح.
﴿ فاسْتَجَابَ ﴾ : أجاب، ﴿ لَهُ رَبُّهُ ﴾ : دعائه، ﴿ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ﴾ : بأن عصمه الله حتى اختار السجن، ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ : لدعوات الملتجئين إليه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ : بأحوالهم.
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم ﴾ : ظهر للعزيز وأصحابه، ﴿ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ﴾ : على براءة يوسف من قد القميص وكلام الطفل وغيرهما وفاعل بدا ضمير يفسره قوله ﴿ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ أي : إلى مدة يرون فيه رأيهم فإن المرأة خدعت لروجها وحملت على سجنه ليظهر للناس أنه راودها عن نفسها.
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾ : أحدهما ساقي الملك والآخر خبازه آتهما بأنهما يردان إهلاك الملك بالسم، ﴿ قَالَ أَحَدُهُمَا ﴾ أي : الشرابي، ﴿ إِنِّي أَرَانِي ﴾ : في المنام، ﴿ أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ أي : عنبا سماه باسم ما يئول إليه، ﴿ وَقَالَ الآخَرُ ﴾ أي : الخباز، ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا ﴾ : أخبرنا ﴿ بِتَأْوِيلِهِ ﴾ : بتعبير ما قصصنا قال بعضهم : إنهما اخترعا تلك الرؤيا لاختبار يوسف، ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ : في أعمالك وأقوالك أو من الذين يحسنون تعبير الرؤيا.
﴿ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ﴾ : في نومكما، ﴿ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾ التعبير في اليقظة أو معناه لا يأتيكما طعام من بيتكما تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بقدره ولونه ووقته قبل وصوله إليكم وهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال :" وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " ( آل عمران : ٤٩ ) ﴿ ذَلِكُمَا ﴾ : العلم، ﴿ مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾ : لا من التكهن و التنجيم ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ ﴾ : كأنه قال علمني لأني تركت، ﴿ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ لتأكيد كفرهم كرر الضمير.
﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ ﴾ : ما صح وما استقام، ﴿ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾ أي شيء كان ﴿ ذَلِكَ ﴾ : التوحيد ﴿ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ﴾ : على الرسل والمرسل إليهم فإنهم أرشدوهم إلى فضل الله ونبهوهم عليه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ ذلك الفضل، بل يعرضون عنه.
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾ : يا ساكنيه دعاهم إلى الإسلام فقال :﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ ﴾ : آلهة شتى واحد من فضة وواحد من ذهب وواحد من حديد وواحد من حجر ﴿ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ : الذي ذل كل شيء لعز جلاله.
﴿ ما تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ ﴾ : من دون الله خطاب لهما ولمن على دينهما، ﴿ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أنتم وَآبَاؤُكُم ﴾ إلا أسماء خالية عن المعنى لا مسميات تحتها فإنهم سموا ما لا يستحق الإلهية آلهة ثم يعبدونها، ﴿ مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا ﴾ : بتسميتها، ﴿ مِن سُلْطَانٍ ﴾ : حجة، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ ﴾ : الأمر والنهي، ﴿ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ ﴾ : على لسان أنبيائه، ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ المستقيم الذي لا عوج فيه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ : فيهلكون في جهالتهم.
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا ﴾ أي : الشرابي، ﴿ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ : يعود منصبه إليه، ﴿ وَأَمَّا الآخَرُ ﴾ : أي الخباز، ﴿ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ﴾ قال بعضهم : لما عبر رؤياهما قالا : ما رأينا شيئا فقال :﴿ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ : هذا ما يئول إليه أمر كما وهو لا محالة واقع صدقتم أو كذبتم وفي الحديث " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت " وأيضا " الرؤيا لأول عابر ".
﴿ وَقَالَ ﴾ : يوسف، ﴿ لِلَّذِي ظَنَّ ﴾ : علم يوسف، ﴿ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ﴾ : أو الظان الشرابي، ﴿ اذْكُرْنِي ﴾ : أذكر حالي، ﴿ عِندَ رَبِّكَ ﴾ : أي الملك كي يخلصني ﴿ فأنسَاهُ ﴾ أي : الشرابي، ﴿ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّه ﴾ أي : ذكره لربه أو معناه أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه فاستعان بغير الله تعالى، ﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ هو ما بين الثلاث إلى التسع وأكثرهم على أنه سبع سنين.
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ﴾ : بعد مضى سبع سنين، ﴿ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾ : وسبع بقرات مهازيل، ﴿ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ : ابتلعت المهازيل السمان والعجف نهاية الهزال، ﴿ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ ﴾ : قد انعقد حبها، ﴿ وَأُخَرَ ﴾ أي : وسبعا أخر، ﴿ يَابِسَاتٍ ﴾ : قد استحصدت والتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ ﴾ أي : الأشراف من العلماء والحكماء، ﴿ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ﴾ : عبروها، ﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ : علمين بتعبيرها واللام لتقوية العامل فإن معموله مقدم عليه فضعف عمله فقوى باللام أو لتضمين تعبرون معنى تنتدبون.
﴿ قَالُواْ ﴾ : هذه، ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾ : أضغاث الأحلام تخاليطها وأباطيلها والأحلام جمع حلم وهو الرؤيا لتضمنه أشياء مختلفة جمعوا وإن لم يكن إلا حلم واحد أو للمبالغة في وصف الحلم البطلان، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ ﴾ أي : ذلك الأحلام التي هي الأضغاث، ﴿ بِعَالِمِينَ ﴾ أو المراد أنهم اعترفوا بالعجز وقالوا لسنا في علم التعبير بنحارير.
﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ﴾ : من صاحبي السجن، ﴿ وادّكر بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ : تذكر يوسف بعد جماعة كثيرة من الزمان يعني مدة طويلة، ﴿ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ : إلى من عنده علمه فأرسل إليه فجاء وقال :﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ﴾ : الكثير الصدق، ﴿ أَفْتِنَا فِي ﴾ : رؤيا، ﴿ سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ﴾ : إلى الملك وأهله، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ : تأويلها أو فضلك و لما جرب كما علمه كلمه كلام محترز وبناه على الرجاء لا على اليقين فربما اخترم دون الرجوع وربما لم يعلموا.
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ﴾ : على عادتكم حال، ﴿ فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ﴾ : لئلا يفسد ويحفظ من السوس، ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ : في تلك السنين.
﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ : السبيع، ﴿ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ ﴾ : أصناف الأكل إلى السنين وهو لأهلهن على المجاز، ﴿ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾ : ما ادخرتم لأجلهن، ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ تحرزون للبذر والظاهر أن قوله :" تزرعون " على أصله بدليل قوله :" ثم يأتي " لا أنه خبر بمعنى الأمر وقوله :" فما حصدتم " اعترض لاهتمامه عليه الصلاة والسلام بشأنهم يأمرهم بما فيه صلاحهم في أثناء التأويل.
﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ لنَّاسُ ﴾ : من الغيث أي : يمطرون، ﴿ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ : العنب والزيتون وما يعصر قال بعضهم : ودخل فيه حلب اللبن أيضا، أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بمجدبة وأكل العجاف السمان بأكل ما جمع في المخصبة في المجدبة ثم بشرهم بما يكون بعد المجدبة بإلهام الله تعالى إياه لا من تأويل رؤياه.
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ : بعد مراجعة الرسول، ﴿ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ﴾ ليخرجه، ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ : إلى الملك، ﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ : أراد أن يعلم الملك براءة ساحته ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدبا واحتراما وهن يعلمن أيضا براءته بإقرارها عندهن وفي الحديث ”لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي“ وفيه أيضا ”لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه – والله يغفر له حين سئل عن تعبير الرؤيا ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني“، ﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ : حين قلن : أطع مولاتك، في الاستشهاد بعلم الله تعالى على براءته أو الوعيد لهن على كيدهن أو تعظيم كيدهن.
﴿ قَالَ ﴾ : الملك لهن، ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾ : ما شأنكن، ﴿ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ : هل وجدتن منه سوء خاطبهن والمراد الأصلي امرأة العزيز، ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ﴾ : تعجبا من عفته و نزاهته، ﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ ﴾ : ثبت واستقر، ﴿ الْحَقُّ ﴾ قيل : أقبلن كلهن عليها فقررنها، ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِه وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.
﴿ ذَلِكَ ﴾ : الذي فعلت من رد الرسول، ﴿ لِيَعْلَمَ ﴾ : العزيز، ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ : بظهر الغيب حال من الفاعل أي : وأنا غائب أو من المفعول أو ظرف أي : بمكان الغيب، ﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ : لا ينفذ ولا يسدد، ﴿ كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾.
﴿ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي ﴾ عن السلف أنه لما قال : ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل : ولا حين هممت فقال ذلك، ﴿ إِنَّ النَّفْسَ ﴾ : بطبعها، ﴿ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ﴾ إلا وقت رحمة ربي، أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه، ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قال بعضهم : قوله :" ذلك ليعلم " الخ من كلام امرأة العزيز أي : اعترفت بما هو الواقع ليعلم زوجي أني لم أخنه وما صدر مني المحذور الأكبر وإنما راودته مراودة فامتنع ولست أبرىء نفسي فإن النفس تتمنى وتشتهي ولذلك راودته : لأنها أمارة بالسوء إلا نفس من عصمه الله تعالى إنه غفور حليم وعند بعض المفسرين إن القول أليق وأقرب.
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ : بيوسف، ﴿ أَسْتَخْلِصْهُ ﴾ : أجعله خالصا، ﴿ لِنَفْسِي فَلَمَّا ﴾ : فلما أتوا به، ﴿ كَلَّمَهُ ﴾ وشاهد منه الكمال، ﴿ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ ﴾ : ذو منزلة، ﴿ أَمِينٌ ﴾، مؤتمن على الأشياء صادق.
﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ ﴾ : ولني أمر خزائن أرض مصر، ﴿ إِنِّي حَفِيظٌ ﴾ : لها، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بوجوه التصرف فيها وقيل : حفيظ عليم كاتب حاسب أو عليم بسنين الجذب. وسأل العمل لما في ذلك من مصالح الناس ليتصرف لهم في القحط على الوجه الأحوط. قيل : إن العزيز توفى أو عزل فجعل الملك يوسف مكانه فزوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء وولد له منها ابنان.
﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ﴾ : أرض مصر، ﴿ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا ﴾ : ينزل، ﴿ حَيْثُ يَشَاء ﴾ : بعد الضيق والحبس أو يتصرف فيها كيف يشاء، ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
﴿ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾، فما أعد الله ليوسف في الآخرة أعظم و أجل مما خوله في الدنيا.
﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ ﴾، لما ولاه ملك مصر الوزارة العدل اجتهد في العدل وتكثير الزراعات فدخلت السنون المجدبة وعم القحط حتى وصل بلاد كنعان فجاءه إخوته ليشتروا منه الطعام، ﴿ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ ﴾ : يوسف، ﴿ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ لم يعرفوه فإنه قد تقرر في أنفسهم هلاكه وكان مدة المفارقة أربعين سنة.
﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ﴾ : أصلحهم بعدتهم وأوفر حمولاتهم بما جاءوا له، ﴿ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ﴾ لما دخلوا عليه قال كالمنكر عليهم : لعلكم عيون جواسيس قالوا : معاذ كالله نحن إخوة بنو أب واحد نبي من أنبياء الله تعالى قال : كم أنتم ؟ قالوا : كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وله أخ من أمه احتبسه أبوه ليتسلى به عنه قال : ائتوني به حتى أعلم صدقكم، ﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ﴾ : أتمه، ﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴾ : المضفين.
﴿ فإن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ﴾ : ليس لكم عندي طعام أكيله لكم، ﴿ وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ : لا تدخلوا بلادي وهو إما عطف على الجزاء أو نهي.
﴿ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ﴾ : نلح في طلبه من أبيه، ﴿ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ : ما وعدناك.
﴿ وَقَالَ ﴾ : يوسف، ﴿ لِفِتْيَانِهِ ﴾ : لغلمانه، ﴿ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ ﴾ : ثمن طعامهم، ﴿ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا ﴾ : بأنها بضاعتهم، ﴿ إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ ﴾ : وفتحوا أوعيتهم، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إذا عرفوا ذلك فإنهم لا يستحلون إمساكها أو إذا عرفوا كرامتهم علينا وبرنا عليهم أو فعل ذلك حذرا من ألا يكون عندهم بضاعة أخرى فلا يمكن لهم الرجوع أو رأى لؤم أخذ الثمن من أبيه وإخوته مع حاجتهم.
﴿ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ﴾ : بعد ذلك إن لم نذهب بأخينا، ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ﴾ : نحن وهو الطعام، ونرفع المانع من الكيل، ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾.
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ ﴾ فإنكم ذكرتم في يوسف مثل ما ذكرتم هنا بعينه فهل يكون أماني هنا إلا كأماني هنالك أي كما لا يحصل الأمان هناك لا يحصل هنا، ﴿ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ﴾ فاعتمد عليه ونصبه على التمييز، ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ : فالله أسأل أن يرحمني بحفظه.
﴿ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ﴾ أي : لا نطلب أو أي شيء نطلب ذلك من الإحسان قيل : لا نبغي منك شيئا في ثمن الكيل وقيل : هو من البغي بمعنى الكذب أي : لا نبغي في القول ولا نتزايد فيه، ﴿ هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ﴾ استئناف موضح لما نبغي، في ﴿ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾ مار أهله حمل إليهم الطعام من بلد آخر عطف على محذوف أي : ردت إلينا فنستظهر بها ونمير ويحتمل عطفه على ما ينبغي إذا كانت نافية، ﴿ وَنَحْفَظُ أَخَانَا ﴾ : عن المكاره، ﴿ وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ : حمل بعير من الطعام لأن يوسف إنما يعطي كل شخص وقرا، ﴿ ذَلِكَ ﴾ : الذي جئنا به، ﴿ كَيْلٌ ﴾ : مكيل، ﴿ يَسِيرٌ ﴾ : قليل لا يكفينا أو ذلك أي : كيل بعير شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك.
﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ ﴾، تعطوني، ﴿ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ﴾ : عهدا مؤكدا بذكر الله تعالى، ﴿ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ ﴾ جواب القسم إذ معناه حتى تحلفوا لتأتنني، ﴿ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ : إلا أن تغلبوا فلا تقدروا على إتيانه أو إلا أن تهلكوا جميعا أي : لتأتنني على كل حال إلا الإحاطة بكم، ﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ﴾ : يعقوب، ﴿ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ ﴾ : من العهد، ﴿ وَكِيلٌ ﴾ : مطلع ويمكن أن يكون معناه الله تعالى وكيل على حفظ ذلك العهد نكل أمره إليه.
﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾ لأن لا يصيبكم العين، ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾، أي : لو أراد الله بكم سوءا لا يدفع عنكم ما قلت لكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾.
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم ﴾ أي : من أبواب متفرقة في البلد، ﴿ مَّا كَانَ يُغْنِي ﴾ : يدفع دخولهم متفرقين، ﴿ عَنْهُم مِّنَ اللّهِ ﴾ : من قضائه عليهم، ﴿ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ استثناء منقطع أي : لكن حاجة أي : شفقة في قضاها أي : أظهرها ووصى بها، أو معناه ما دفع عنهم بسبب دخولهم كذلك إلا إصابة العين وهي الحاجة التي في نفس يعقوب، ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ ﴾ : لذو يقين أو لذو عمل، ﴿ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أن يعقوب لذو علم فإن المشركين لا يعلمون ما ألهم الله أولياءه.
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾ من أبويه في منزله وأجلسه معه في مائدته واسمه بنيامين ﴿ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ : لا تحزن، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ : في حقنا فيما مضى.
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ﴾ : أصلحهم بعدتهم، ﴿ جَعَلَ السِّقَايَةَ ﴾ : المشربة، ﴿ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ : من أبويه وهي من فضة أو ذهب أو من زبرجد وكان يشرب فيها ويكيل بها للناس من عزة الطعام، ﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ﴾ : نادى مناد، ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ ﴾ أيك القافلة، ﴿ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ : قال بعضهم : إن كان النداء بأمر يوسف فعلى تأويل إنهم سرقوا يوسف من أبيه عليه السلام أو النداء برضى أخيه.
﴿ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ : أي : شيء ضاع عنكم.
﴿ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ : من الطعام، ﴿ وَأَنَاْ بِهِ ﴾ : بحمل من الطعام، ﴿ زَعِيمٌ ﴾ : كفيل قاله المؤذن.
﴿ قَالُواْ تَاللّهِ ﴾ : قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم ثم استشهدوا بعلمهم على براءة ساحتهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم في كرتى مجيئهم فقالوا، ﴿ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ : لا نوصف بها قط.
﴿ قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ ﴾ : أي : السارق، ﴿ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ : في ادعاء البراءة.
﴿ قَالُواْ جَزَاؤُهُ ﴾ أي : جزاء سرقته، ﴿ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ أي : أخذ من وجد واسترقاقه، ﴿ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ تقرير للحكم وقيل : جزاء لمن على أنها شرطية والجملة الشرط والجزاء خبر ( جزاؤه ) على إقامة الظاهر مقام الضمير، وأصله : فهو هو، وضمير الثاني إلى ( جزاؤه ).
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ : بالسرقة. وشريعة إبراهيم أن السارق يدفع إلى المسروق منه.
﴿ فَبَدَأَ ﴾ : المؤذن أو يوسف بعد ما ردوا إليه، ﴿ بِأَوْعِيَتِهِمْ ﴾ فتشها أولا، ﴿ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ﴾ :من أبويه، ﴿ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك الكيد، ﴿ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ : بأن علمناه إياه، ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ فإن دين ملك مصر الضرب والتغريم في السارق دون الاسترقاق، ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ﴾، أي : لم يتيسر له أخذه في دين الملك بحال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله تعالى بأن أجرى على ألسنة إخوته أن السارق الاسترقاق فوجد السبيل إلى ذلك وجاز أن يكون منقطعا، ﴿ نرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء ﴾ : بالعلم كما رفعنا درجة يوسف ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ : حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى.
﴿ قَالُواْ ﴾ أي : إخوته، ﴿ إِن يَسْرِقْ ﴾ : بنيامين، ﴿ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ ﴾ أي : يوسف، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ يعني لا عجب فإن هذا طريقتهم ونحن براء منها.
وأما وصفهم إياه بالسرقة فإنه كان لجده أبي أمه صنم يعبده فأخذه سرا وكسره أو كانت عمته تحضنه بعد وفاة أمه فلما ترعرع أراد يعقوب أن يكون معه ويأخذه من عمته وكانت لا تطيق فراقه فعمدت إلى منطقة هي لها ورثتها من إسحق فحزمتها على يوسف تحت ثيابه ثم قالت : فقدت المنطقة اكتشفوا أهل البيت، فكشفوا فوجدوها مع يوسف وهو صغير فقالت : صار يوسف سلما لي فأمسكته، فإن السارق يسترق لمن سرق منه كما مر، وكان يأخذ من البيت للسائل أشياء فيعطيه ففطن به إخوته.
﴿ فأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾ ضمير أسرها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله، ﴿ قَالَ أنتم شَرٌّ مَّكَانًا ﴾ يعني قال في نفسه : أنتم شر منزلة في السرقة : لأن خيانتكم حقيقة وأنث الضمير لأن المراد منه جملة وهي بدل من أسرها وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل : الضمير للإجابة أو لنسبة السرقة، ﴿ وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ : في شأني من الرقة فإنه كذب وهذا أيضا من جملة ما أسر يوسف.
﴿ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ﴾ : بدله فإن أباه مستأنس به على أخيه الهالك، ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ : إلى الخلق فأحسن إلينا.
﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ ﴾ : أعوذ بالله معاذا من، ﴿ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ ﴾ : في فتواكم لو أخطنا غير السارق.
﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ ﴾ : من يوسف وإجابته إياهم وباب الاستفعال للمبالغة، ﴿ خَلَصُواْ ﴾ : انفردوا واعتزلوا، ﴿ نَجِيًّا ﴾ : ذوي نجوى أو فوجا نجيا وكان تناجيهم في تدابير أمرهم، ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾ : في السن روبيل أو في الرأي وهو يهوذا أو في الرياسة وهو شمعون، ﴿ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ﴾ : عهدا وثيقا بذكر الله، ﴿ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾ ما صلة أي : من قبل هذا قصرتم في شأنه أو مصدرية عطف على مفعول تعلموا أو موصولة أي : لم تعلموا ما قدمتموه فهو من الفرط وهو التقدم، ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ ﴾ : أفارق، ﴿ الأَرْضَ ﴾ : أرض مصر، ﴿ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي ﴾ : في الرجوع، ﴿ أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي ﴾ : بخلاص أخي أو بخروجي أو بالمقاتلة، ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ : فحكمه الحق.
﴿ ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ﴾ : على حسب الظاهر، ﴿ وَمَا شَهِدْنَا ﴾ : عليه، ﴿ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ﴾ : بأن رأينا إخراج الصاع من متاعه، ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ : فلا ندري أنه سرق أو دست الصاع في رحله أو ما كنا حين عهدنا أن نأتي به للعواقب عالمين فلم ندر أنه سيسرق.
﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ : أي : أرسل مصر واسألهم عن القصة، ﴿ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ ﴾ أي : القافلة، ﴿ الَّتِي أَقْبَلْنَا ﴾ : توجهنا، ﴿ فِيهَا وَإِنَّا ﴾ : والله، ﴿ لَصَادِقُونَ ﴾.
﴿ قَالَ ﴾ أي : لما رجعوا وقالوا ليعقوب ما قالوا قال :﴿ بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ : زينب وسهلت، ﴿ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ : عظيما قررتموه، ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ : أجمل، ﴿ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ ﴾ : بيوسف وأخيه وأخيهما الذي توقف بمصر، ﴿ جَمِيعًا ﴾ : مجتمعين، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ : بحالي، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ : في أفعاله.
﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ : أعرض عنهم كراهة، ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ : يا شدة حزني إليه تعالى فهذا أوانك والألف عوض عن ياء المتكلم، ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ﴾ : عمي من كثرة العبرة التي لا يتمالك فيها نفسه، ﴿ فهو كظيم ﴾ : مملوء من الغيظ على أولاده لا يظهره.
﴿ قَالُواْ تَالله ﴾ لا ﴿ تفتؤا ﴾ بحذف حرف النفي فإنه لا يلتبس بالإثبات لأنه لو كان إثباتا لابد في جوابه من اللام والنون المؤكدة أي : لا تزال، ﴿ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ﴾ : مشفيا على الهلاك أو ذايبا من الغم أو من المرض مصدر وضع موضع الاسم، ﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ : الميتين.
﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي ﴾ هو أصعب هم لا يصبر صاحبه على كتمانه فيبثه وينشره إلى الناس، ﴿ وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ ﴾ : لا إليكم و لا غيركم فخلوني وشكايتي، ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ : فإني أعلم أن رؤيا يوسف صدق وإني سوف أسجد له أو أخبره ملك الموت بحياة يوسف.
﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ ﴾ : تفحصوا، ﴿ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ ﴾ : لا تقنطوا، ﴿ مِن رَّوْحِ اللّهِ ﴾ : من فرجه وتنفيسه، ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ : فإن المؤمن لا يزال يطمع في رحمة الله تعالى.
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ ﴾ : بعدما رجعوا إلى مصر، ﴿ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ : شدة الجوع، ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ﴾ : رديئة أو قليلة كانت دراهم رديئة أو الغرايئر والحبائل أو الصوف والأقط أو حبة الخضراء أو الأدم والنعال، ﴿ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ﴾ : أتمه لنا، ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ : برد أخينا أو بقبض هذه البضاعة المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ : أحسن الجزاء.
﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم ﴾ : قبح، ﴿ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ : فرقتم بينهما وذللتموه حتى لا يستطيع أن يتكلم بينكم بعد فقد يوسف إلا بذلة، ﴿ إِذْ أنتم جَاهِلُونَ ﴾ : فإن فعلتكم فعل الجهال.
﴿ قَالُواْ أَإِنَّكَ ﴾ : استفهام تقرير، ﴿ لَأَنتَ يُوسُفُ ﴾ : وضع التاج وكان فوق جبهته مثل شامة بيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها فعرفوه أو هو من وراء ستر فرفع الحجاب فعرفوه، ﴿ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾ : من الأبوين ذكره لتعريف نفسه ولإدخاله في قوله :﴿ قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا ﴾ : بالوصال، ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ﴾ : الله، ﴿ وَيِصْبِرْ ﴾ : على المصائب، ﴿ فإن اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي : أجره ولإحسانه بالجمع بين الصبر والتقوى.
﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ﴾ : اختارك، ﴿ اللّهُ عَلَيْنَا ﴾ : بالعلم والحسن، ﴿ وَإِن كُنَّا ﴾ : إن شأننا إنا كنا، ﴿ لَخَاطِئِينَ ﴾ : مذنبين.
﴿ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ ﴾ : لا تعيير ولا مؤاخذة، ﴿ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ : متعلق الخبر أي لا مؤاخذة في هذا اليوم فكيف بما بعده من الأيام أو المراد من اليوم الدنيا أي : لا مؤاخذة في الدنيا وأما في الآخرة فبيد الله ولذلك قال، ﴿ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ﴾ : دعا لهم بالمغفرة، ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ : فإنه يغفر الصغائر والكبار.
﴿ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا ﴾ أي : القميص الذي كان عليه، ﴿ فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ : يصير بصيرا ذا بصر قالوا : القميص من نسج الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي، ﴿ وَأْتُونِي ﴾ : أنتم وأبي، ﴿ بِأَهْلِكُمْ ﴾ : نسائكم و ذراريكم، ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾.
﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ ﴾ : خرجت، ﴿ الْعِيرُ ﴾ : من مصر، ﴿ قَالَ أَبُوهُمْ ﴾ : لمن حضره، ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾ هاجت ريح فجاءت برائحة قميصه من مسيرة ثمانية أيام، ﴿ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ﴾ أي : لولا تسفهوني وتنسبوني إلى نقصان عقل للهرم لصدقتموني وجواب لولا محذوف.
﴿ قَالُواْ ﴾ : الحاضرون، ﴿ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ﴾ : لفي خطئك القديم من حب يوسف.
﴿ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ ﴾ أي : البريد قال البصريون : تقديره لما ظهر مجيء البشير فأضمر الرافعَ قال بعضهم : البشير يهوذا الذي جاء بقميصه ملطخا بدم كذب، ﴿ ألْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ ﴾ : عاد، ﴿ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ﴾ : بتعليمه، ﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾.
﴿ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قَالَ ﴾ : يعقوب، ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ ﴾ : أخر الدعاء إلى السحرِ أو إلى ليلة الجمعة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف، ﴿ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾.
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ﴾ : في موضع خارج عن البلد حين استقبلهم يوسف وأهل مصر، ﴿ آوَى ﴾ : ضم، ﴿ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾ : أباه وخالته فإن أمه ماتت، وعن بعض السلف أن أمه في حياة، ﴿ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ﴾ : من القحط والمكاره فالاستثناء متعلق بالدخول المكيف بالأمن.
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ : السرير، ﴿ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا ﴾ : أبواه وإخوته وكان سجود التعظيم شائعا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم في هذه الملة الغراء وجعل السجود مختصا بجناب الرب تعالى شأنه قال بعضهم : المراد من السجود الانحناء، وعن بعضهم معناه : خروا لله تعالى سجدا شكرا له والأول أصح، ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ ﴾ : الشمس والقمر أبواي وأحد عشر كوكبا إخوتي، ﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ : صدقا وكان بين رؤياه وتأويله أربعون سنة أو ثمانون سنة أو خمس وثلاثون سنة أو ثماني عشرة سنة والله تعالى أعلم، ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ : ولم يذكر الجب لأنه وعد مع إخوته لا تثريب عليكم بعد هذا، وأيضا عد لهم نعما غير معلومة لهم وإخراجه من الجب معلوم لإخوته، ﴿ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ ﴾ : البادية فإنهم كانوا أهل بادية ومواشي، ﴿ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ﴾ : أفسد، ﴿ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ ﴾ : تدبيره، ﴿ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ : بالأمور، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ : الذي لا يفعل إلا على وفق الحكمة.
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾ أي : بعضه وهو ملك مصر، ﴿ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ : بعض تعبير الرؤيا، ﴿ فَاطِرَ ﴾ : مبدع، ﴿ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ : منصوب بالمنادى، ﴿ أَنتَ وَلِيِّي ﴾ : ناصري ومتولى أمري، ﴿ فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ وتَوَفَّنِي ﴾ : اقبضني، ﴿ مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ : من آبائي وغيرهم سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله وانقضى عمره وكلام بعض السلف وهو أنه ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام يشعر بأنه سأل منجزا وهو جائز في ملتهم ويحتمل أن مراده أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام كما أن نوحا عليه السلام أول من قال :" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي " الآية ( نوح : ٢٨ )، وقالوا : أقام يعقوب عند يوسف أربعا وعشرين سنة ثم مات وحمل جسده الشريف عند أبيه إسحاق عليه السلام بالشام.
﴿ ذَلِكَ ﴾ أي : نبأ يوسف، ﴿ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ : يا محمد، ﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾ : لدى إخوة يوسف، ﴿ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ ﴾ : عزموا على أمرهم، ﴿ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ : بيوسف وهذا كالدليل على أنه بالوحي لأنه لم تكن عندهم وما كان أحد من قومك يعلمه فيعلمك.
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ ﴾ : على إيمانهم، ﴿ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ : لعنادهم وعدم إرادة الله تعالى قال بعضهم : نزلت حين سأل قريش واليهود عن قصة يوسف فلما أخبرهم رجاء إيمانهم.
﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ ﴾ : على تبليغ الوحي، ﴿ مِنْ أَجْرٍ ﴾ : من جعل، ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ : عظة، ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ : عامة لا تخص بهم.
﴿ وَكَأَيِّن ﴾ أي : وكم، ﴿ مِّن آيَةٍ ﴾ : دلائل دالة على وجوده وصفاته الحسنى، ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا ﴾ : على الآيات يشاهدونها، ﴿ وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ : لا يتفكرون فيها.
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ ﴾ : في الإقرار بخالقتيه، ﴿ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ : لعبادتهم غيره إنهم إذا قيل لهم : من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله وهم يشركون به، وعن الحسن البصري أن هذا في المنافقين قال بعض السلف : ثمة شرك آخر لا بد أن تشعره وهو الرياء.
﴿ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ ﴾ : عقوبة تغشاهم وتشملهم، ﴿ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾ : فجأة مفعول مطلق، ﴿ وَهُمْ لا َيَشْعُرُونَ ﴾ : فلا يستعدون لها.
﴿ قُلْ هَذِهِ ﴾ أي : الدعوة إلى التوحيد، ﴿ سَبِيلِي ﴾ : طريقتي، ﴿ أَدْعُو إِلَى اللّهِ ﴾ : بينان وتفسير للسبيل، ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ : معرفة وحجة، ﴿ أَنَاْ ﴾ : تأكيد لضمير أدعوا، ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ أي : من آمن بي أيضا يدعوا إلى الله تعالى، قال بعضهم : تم الكلام عند قوله :" إلى الله " و " على بصيرة " خبر أنا وما عطف عليه، ﴿ وَسُبْحَانَ اللّهِ ﴾ أي : قل أنزهه تنزيها عن الشريك، ﴿ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾ : يا محمد، ﴿ إِلاَّ رِجَالاً ﴾ : لا نساء ولا ملائكة، ﴿ نُّوحِي إِلَيْهِم ﴾ : كما أوحينا إليك، ﴿ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ : فإن أهلها أعقل من أهل البادية، ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ : من الأمم المكذبة فيعتبروا، ﴿ وَلَدَارُ ﴾ : الحياة، ﴿ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ ﴾ : الشرك، ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ : يستعملون عقولهم فيؤمنوا.
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ﴾ : متعلق بما دل عليه الكلام كأنه قيل : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فتراخى نصرهم وتطاول عهدهم في الكفار حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، أو استيأسوا من نصرهم، ﴿ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ﴾ فيه قراءتان التخفيف والتشديد وعلى الأول : الضمائر كلها لمن أرسل الرسل إليهم فإن الرسل دال عليهم وحاصله أنهم حسبوا كذب الرسل في الوعيد والوعد والضمائر للرسل يعني قد خطر بخواطرهم خلف الوعد من الله تعالى في نصرهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما لأنهم كانوا بشرا وتلا :" حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " ( البقرة : ٢١٤ )، وقيل معناه : ظنوا كذب القوم بوعد الإيمان وخلف وعدهم وعلى الثاني، الضمائر للرسل والظن بمعنى اليقين وهو شائع أي : أيقنوا تكذيب القوم لهم أو بمعناه أي : ظنوا أنهم يكذبهم من آمن بهم أيضا يرتد عن دينهم لاستبطاء النصر، ﴿ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء ﴾ وهم أتباع الأنبياء، ﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا ﴾ أي : عذابنا ﴿ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾.
﴿ لقد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ﴾ : قصص المرسلين مع قومهم أو قصص يوسف وإخوته، ﴿ عِبْرَةٌ ﴾ : عظة، ﴿ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ ﴾ : القرآن، ﴿ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾ : يخلق، ﴿ وَلَكِن ﴾ كان، ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ : من الكتب السماوية، ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ : يحتاج إليه العباد من أمر الدين، ﴿ وَهُدًى ﴾ : من الضلال، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ : ينال بها خير الدارين ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ : يصدقونه.
اللهم اجعلنا منهم.
* في الأصل ( خزف ) ص٣٣٢.