ﰡ
وقوله: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ [١١٧].
يقول: لَمْ يكن ليهلكهم وهم مصلحونَ فيكونَ ذَلِكَ ظلمًا. ويُقال: لَمْ يكن ليهلكهم وهم يتعاطونَ الحقّ فيما بينهم وإن كانوا مشركين والظلم الشرك.
وقوله: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ [١١٨] إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [١١٩] يقول: (لَا يَزالُونَ) يعني أهل الباطل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أهل الحقّ (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يقول: للشقاء وللسعادة. ويُقال:
(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) : للاختلاف والرحمة.
وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [١١٩] : صارَ قوله عَزَّ وَجَلَّ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) يمينًا كما تَقُولُ: حَلِفي لأضربنَّك، وبدا لي لأضربنّك. وكلّ فعل كَانَ تأويله كتأويل بلغني، وقيل لي، وانتهى إليّ، فإن اللام وأن تصلحان فِيهِ. فتقول: قد بدا لي لأضربنّك، وبد الى أن أضربك. فلو كَانَ: وَتَمَّت كلمة ربك أن يملأ جهنم كَانَ صوابًا وكذلك (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «١» مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) ولو كَانَ أن يسجنوهُ كَانَ صوابًا.
وقال: (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ [١٢٠] ) فى «٢» هذه السورة.
ومن سورة يوسف
قَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [٣]
(٢) يذكر وجه تأنيث اسم الإشارة وأن المراد السورة
ولو خفضت (هذا) و (القرآن) كَانَ صوابًا: تجعل (هذا) مكرورًا «٢» على (ما) تَقُولُ: مررتُ بِما عندك متاعِك تجعل المتاع مردودًا على (مَا) ومثله فِي النحل: (وَلا تَقُولُوا»
لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) و (الْكَذِبِ) على ذَلِكَ.
وقوله: يَا أَبَتِ «٤» لا تقفْ عليها بالهاء وأنت خافض لَهَا فِي الوصل لأن تِلْكَ الْخَفْضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلم. ولو قرأ قارئ (يا أَبَتُ) لجازَ (وَكَانَ «٥» الوقفُ عَلَى الْهَاء جائِزًا.
ولم يقرأ بِهِ أحد نعلمه. ولو قيل: يا أبَتَ لجاز) الوقوف عليها (بالهاء «٦» ) من جهة، ولم يجز من أخرى. فأمّا جواز الوقوف على الْهَاء فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوي أن تصلها بألف الندبة فكأنه كقول الشاعر «٧» :
كِلِينِي لِهَمٍّ يا أمَيْمَةَ نَاصِبِ
وأمّا الوجه الَّذِي لا يَجوز الوقف على الْهَاء فأن تنوي: يا أبتاهُ ثُمَّ تَحذف الْهَاء والألف لأنَّها فِي النِّيَّة متّصلة بالألف كاتّصالِها فِي الخفض بالياء من المتكلّم.
وأمّا قوله: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [٤] فإن العرب تجعل العدد ما بين أحد عشر
(٢) يريد أن يكون بدلا.
(٣) الآية ١١٦ سورة النحل
(٤) قرأ بالخفض ابن كثير ويعقوب وهما يقفان بالهاء، كما فى الإتحاف.
(٥) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٦) سقط ما بين القوسين فى ا، ب.
(٧) هو النابغة. وعجزه:
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وقد روى «أميمة» بالضم والفتح وهو يريد رواية الفتح وانظر مختار الشعر الجاهلى ١٥٣. [.....]
واستجازوا أن يضيفوا (بعل) إلى (بَكّ) لأن هذا لا يُعرف فِيهِ الانفصال من ذا، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة، فجعلوهما بإعراب واحد لأن معناهما فِي الأصل هذه عشرة وخمسة، فلمّا عُدِلا عَن جهتهما أُعطيا إعرابًا واحدًا فِي الصرف «٢» كما كَانَ إعرابُهما واحدًا قبل أن يُصرفا.
فأمَّا «٣» نصب كوكب فإنه خرج مفسِّرًا للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرتَ عَنْهُ. وهو فِي الكلام بِمنزلة قولك: عندي كذا وكذا دِرْهَمًا. خرج الدرهم مفسرًا لكذا وكذا لأنَّها واقعة على كلّ شيء. فإذا أدخلتَ فِي أحد عشر الألف واللام أدخلتهما فِي أوَّلها فقلت: ما فعلت الخمسةَ عَشَرَ.
ويَجوز ما فعلت الخمسة العشرَ، فأدخلت عليهما الألف واللام مرتين لتوهّمهم انفصَال ذا من ذا فِي حال. فإن قلت: الخمسة العشر لَمْ يجز لأن الأوّل غير الثاني ألا ترى أن قولهم: ما فعلت الخمسة الأثواب لمن أجازه تَجد الخمسة هي الأثواب ولا تَجد العشر الخمسة. فلذلك لَمْ تصلح إضافته بألف ولام. وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضًا فِي الدرهم الَّذِي يَخرج مفسرًا فتقول: ما فعلت الخمسة العشر الدرهم «٤» ؟. وإذا أضفت الخمسة العشر «٥» إلى نفسك رفعت الخمسة. فتقول: ما فعلت خمسةُ عشري؟: ورأيتُ خمسةَ عَشْرِي، (ومررتُ بِخمسة «٦» عشري) وإنَّما عُرِّبت الخمسة لإضافتك العشر، فلمّا أضيف العشر إلى الياء منك لَمْ يستقم للخمسة أن تُضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسمًا، كما صارَ ما بعدها بالإضافة اسما. سمعتها من أبى فقعس الأسدى
(٢) يريد صرفهما عن حالة الإفراد إلى التركيب.
(٣) ا: «وأما».
(٤) ا: «الدراهم».
(٥) ش، ب: «العشر الدرهم».
(٦) سقط ما بين القوسين فى ا، ش.
ما فَعَلَتْ عِشروك درهمًا، أو خمسة عشرك درهمًا. ومثله أنك تَقُولَ: مررتُ بضارب زيدًا.
فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لَمْ يصلح أن يقع عَلَى زيد أبدًا.
ولو نويت بِخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر فِي شعر لجازَ، فقلت: ما رأيتُ خمسة عشرٍ قطُّ «١» خيرًا منها، لأنك نويت الأسماء ولم تنو العدد. ولا يَجوز للمفسر أن يدخل هاهنا كما لَمْ يَجز فِي الإضافة أنشدني الْعُكْليّ أَبُو ثرْوان:
كُلِّف من عَنائه وشِقْوته | بنتَ ثَماني عَشرةٍ من حِجَّته «٢» |
وأمّا قوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فإن هذه النون والواو إنّما تكونان «٧» فِي جَمع ذُكْران الجن والإنس وما أشبههم. فيُقال: الناس ساجدونَ، والملائكة والجن ساجدون: فإذا عدوت هذا
(٢) فى مختصر الشواهد للعينى فى باب العدد أنه رجز لم يدر راجزه. وقيل: قاله نفيع بن طارق.
(٣) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف.
(٤) ش، ب: «عشرة».
(٥) سقط فى ا.
(٦) سقط ما بين القوسين فى ش.
(٧) ا: «يكون».
وكذلك (يا أَيُّهَا «٣» النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) فَمَا أتاكَ مواقعًا لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا.
[قوله] «٤» (يا بُنَيَّ) و (يا بُنيِّ) «٥» لغتان، كقولك: يا أَبَتَ ويا أَبَتِ لأن مَن نصب أراد النُّدبة: يا أبتاهُ فحذفها.
وإذا تركت الْهَمْزَةَ من (الرُّؤْيَا) قالوا: الرّؤيا طلبًا «٦» للهمزة. وإذا كَانَ من شأنِهم تَحويل الْهَمْزَةِ: قالوا: لا تقصص رُيّاك فِي الكلام، فأمّا فِي القرآن فلا يَجوز لِمخالفة الكتاب. أنشدني أَبُو الجرَّاح:
لِعرض من الأعراض يُمسي حَمَامُه | ويُضحي على أفنانِهِ الغينِ يَهْتِفُ |
أحبّ إلى قلبي من الديك رُيَّة | وبابٍ إذا ما مال للغلق يَصرِف «٧» |
(٢) الآية ٢١ سورة فصلت.
(٣) الآية ١٨ سورة النمل.
(٤) الفتح لحفص والكسر للباقين.
(٥) الفتح لحفص والكسر للباقين.
(٦) أي مراعاة لها كأنها موجودة، ومن ثم تجب القلب والإدغام.
(٧) العرض: الوادي فيه شجر. والغين جمع الغيناء وهى الخضراء من الشجر وهو بدل من (أفنانه) و (يصرف) :
يصوت. وقوله: (رية) فى اللسان (عرض) :«رنة» ولا شاهد فيه.
(٨) هو ما يسمى فى كتب النحو بالإشمام وهو أن تأتى بحركة بين الضمة والكسرة.
وقوله: (وكذلك يجتبيك ربّك) [٦] جواب لقوله (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) فقيل لَهُ: وهكذا يَجْتَبيكَ رَبُّكَ. كذلك وهكذا سواء فِي المعنى. ومثله فِي الكلام أن يقول الرجل قد فعلت اليوم كذا وكذا من الخير فرأيت عاقبته محمودة، فيقول لَهُ القائل: هكذا السعادة، هكذا التوفيق و (كَذلِكَ) يصلح فيه. و (يَجْتَبِيكَ) بصطفيك.
قوله: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [٨] والعُصْبَة: عَشرة فما زاد.
وقوله: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) [٩] جواب للأمر ولا يصلح الرفع فِي (يَخْلُ) لأنه لا ضمير فِيهِ. ولو قلت: أعِرْني ثوبًا ألبس لجازَ الرفع والجزم لأنّك تريد: أَلْبَسُه فتكون رفعًا من صلة النكرة. والجزم على أن تَجعله شرطًا.
قوله: (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) [١٠] واحدة «٤». وقد قرأ أهلُ الحجاز (غَيَابَاتِ) على الجمع (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) قرأهُ العامَّة بالياء لأن (بعض) ذكر وإن أُضيفَ إلى تأنيث. وقد قرأ «٥» الْحَسَن- فيما ذُكِرَ «٦» عَنْهُ- ب: ذكروا (تَلْتَقِطْهُ) بالتاء وَذَلِكَ أنه ذهب إلى السّيارة والعرب إذا أضافت المذكر إلى المؤنث وهو فعل لَهُ «٧» أو هُوَ بعض لَهُ قالوا فِيهِ بالتأنيث والتذكير. وأنشدونا:
(٢) فى الآيتين ٧١، ٧٣ سورة الزمر.
(٣) الآية ٤٣ سورة يوسف. وقد ضبط «للريا» بكسر الراء وفقا لما ا. وفى اللسان (رأى) ضبط بضم الراء.
(٤) يريد (غيابة) بالإفراد. وهو مقابل (غيابات) فى القراءة الأخرى. والإفراد قراءة غير نافع وأبى جعفر.
أما هما فقرأ ا (غيابات) كما فى الإتحاف. وقوله «أهل الحجاز» فالأولى. «أهل المدينة».
(٥) سقط فى ا
(٦) ا: «ذكروا».
(٧) سقط فى ا. [.....]
عَلَى قَبْضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه | فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طاعم «١» |
أرى مَرَّ السنين أخذنَ مني | كما أخَذ السِّرار من الهلِال |
قد صرّح السير عَن كُتْمان وابتذلتْ | وَقْعُ المحاجن بالْمَهْرِيَّة الذُّقُنِ «٢» |
إذا ماتَ منهم سَيّد قام سَيّد | فَدَانَتْ لَهُ أهل الْقُرى والكنائسِ |
وَتَشرَقُ بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه | كما شَرِقت صدر القناة من الدَّم |
لَمّا أتى خبرُ الزُّبَير تهدّمت | سورُ المدينة والجبالُ الْخُشّعُ «٣» |
(٢) انظر ص ١٨٧ من الجزء الأول.
(٣) هو لجرير من قصيدة يهجو فيها الفرزدق. وكان قاتل الزبير بن العوام غدرا رجلا من رهط الفرزدق، فعيره جرير بهذا. وانظر الديوان ٢٧٠.
وقوله يرتع ويلعب [١٢] مَنْ سَكّن الْعَين أخذه من القيد والرَّتْعَة «٢» وهو يفعل حينئذ ومن قَالَ (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) فهو يفتعل من رعيت، فأسقط الياء للجزم.
وقوله: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [١٨] معناهُ: مكذوب: والعرب تَقُولُ للكذب. مكذوب وللضعف «٣» : مضعوف، وليس لَهُ عَقْد رَأْي ومعقودُ رأْيٍ فيجعلونَ المصدر فِي كَثِير من الكلام مفعولًا. ويقولون: هذا أمر لَيْسَ لَهُ مَعْنِيّ يريدونَ مَعْنًى، ويقولون للجَلَد: مجلود قَالَ الشاعر:
إن أخا المجلود من صبرا «٤» وقال الآخر «٥» :
حَتَّى إذا لَمْ يتركوا لعظامه | لَحمًا ولا لفؤادِهِ معقولَا |
(٢) هو الاتساع فى الخصب واللهو.
(٣) فى الأصول: «للضعيف» وما أثبت عن اللسان فى حكاية كلام الفراء فى (كذب)
(٤) الشطر فى اللسان (جلد) : واصبر فان أخا المجلود من صبرا.
(٥) هو الراعي النميري.
(٦) ب: «لجدهم».
فَصَبْرًا جَميلًا يكون كالآمر لنفسه بالصبر لجاز. وهي فِي قراءة أُبَيّ (فَصَبْرًا جَمِيلًا) كذلك على النصب بالألف.
وقوله: (يَا بُشْرى «٣» [١٩] هذا غُلامٌ) (وَيَا بُشْرَايَ «٤» ) بنصب الياء، وهي لغة فِي بعض قيس.
وَهُذَيْلٌ: يا بُشْرَى. كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه جعلتها ياء مشدَّدة. أنشدني القاسم بن مَعْن:
تَركوا هوَيّ وأعْنَقوا لَهواهم | ففقدتهم ولكل جَنْب مَصْرع «٥» |
أنشدنى المفضّل:
يطوّف بي عكبّ فِي مَعَدّ | ويطعُن بالصُمُلَّة فِي قَفَيَّا |
فإن لم تثأروا لي من عِكَبّ | فلا أرويتما أبدًا صَدَيَّا «٦» |
والعربُ تَقُولُ: يا نفسِ اصبري ويا نِفس اصبري وهو يعني نفسه فِي الوجهين و (يَا بُشْرَايَ) فِي موضع نصب. ومن قَالَ: يا بشَريَّ فأضافَ وغيَّرَ الألف إلى الياء فإنه طلب «٧» الكسرة التي تلزم ما قبل
(٢) الآية ٢٩، سورة البقرة.
(٣) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي، والأخرى للباقين.
(٤) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي، والأخرى للباقين.
(٥) هو من عينية أبى ذؤيب المشهورة. [.....]
(٦) الشعر للمنخل اليشكري. وعكب اللخمي صاحب سجن النعمان بن المنذر. والصملة: العصا. وقوله. «يثأروا» فى ش: «تثأروا» والرواية: «تثأرا» ليناسب قوله بعد: «فلا أرويتما» وفى الشعر:
ألا من مبلغ الحرين عتى | مغلغلة وخص بها أبيا |
(٧) يريد أنه مال إلى الكسرة فأتى بالياء التي هى مناسبة للكسرة.
وقوله: (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) ذَلِكَ أن الساقي الَّذِي التقطه قَالَ للذين كانوا معه: إن سَألكم أصحابُكم عَن هذا الغلام فقولوا: أبضعَناهُ أهلُ الماء لنبيعهُ بِمصر.
وقوله: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [٢٠] قيلَ: عشرين. وإنَّما: قيلَ معدودة ليُستدل بِهِ على القلَّة لأنَّهم كانوا لا يَزِنُونَ الدراهم حَتَّى تبلغ أُوقِيَّة، والأُوقيَّة كانت وزن أربعين درهما.
وقوله: (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يقول: لَمْ يعلموا منزلته من الله عَزَّ وجلّ.
وقوله: (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [٢٣] قرأها عبد الله بن مسعود وأصحابه حَدَّثَنَا الفرّاء قال: حدثنى بن أبى يحيى عن أبي حبيب عن الشّعبىّ عن عبد الله ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عليه وسلم (هَيْتَ) وَيُقَالُ: إِنَّهَا لُغَةٌ لِأَهْلِ حَوْرَانَ سَقَطَتْ إِلَى مَكَّةَ فَتَكَلَّمُوا بِهَا. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ هِيتَ لَكَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَلَا يَهْمِزُونَ وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَرَءَا (هِئْتُ لَكَ) يُرَادُ بِهَا: تَهَيَّأَتْ لَكَ وقد قَالَ الشاعر:
أنّ الْعِراق وَأَهْلَهُ | سَلْمٌ عَلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا «١» |
وقوله: (إِنَّهُ رَبِّي) يعني مولاهُ الَّذِي اشتراهُ. يقول: قد أحسنَ إليَّ فلا أخونُه.
وقوله: أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [٢٤] ذكروا أنُّهُ رأى صورة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام.
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا وهو يريد عليا رضي الله عنه. ويروى «عنق» إليك أي ماثلون فى مكان (أسلم عليك) ويروى (إن العراق) بكسر النون. وانظر الخصائص ١/ ٢٧٩.
قوله: (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [٢٦].
قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عنْ أَبِي حصين عن سعيد ابن جُبَير فِي قوله:
(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قَالَ: صبيّ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عَن رجلٍ عَن مُجاهد أَنَّهُ رجلٌ. قَالَ:
وَحَدَّثَنِي مُعَلَّى بن هلال عَن أبي يَحْيَى عَن مُجاهد فى قوله: (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قَالَ: حكم حاكم من أهلها.
ولو كَانَ فِي الكلام: (أَنْ إِنْ كَانَ قميصُه) لصلح لأن الشهادة تُستقبل ب (أن) ولا يُكتفى بالجزاء فإذا اكتفت فإنَّما ذهبَ بالشهادة إلى معنى القول كأنه قَالَ: وقال قائل من أهلها، كما قَالَ: (يُوصِيكُمُ «٢» اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فذهبَ بالوصية إلى القول، وأنشدني الْكِسَائي:
وخَبَّرْتُمَا أَن إِنَّمَا بَيْنِ بيَشَةٍ | ونَجْرَان أَحْوَى «٣» والمحَلِّ قريب |
(٢) الآية ١١ سورة النساء.
(٣) أحوى وصف من الحوة، وهو سواد يضرب إلى الخضرة ويوصف به الشجر الأخضر والنبات الأخضر، وكأنه يريد أن ما بين بيشة ونجران كثير الشجر والنبات.
وقوله: قَدْ شَغَفَها حُبًّا [٣٠] أي قد خرق شَغَاف «٢» قلبها وتقرأ «٣» (قَدْ شَعَفَهَا) بالعين وهو من قولك: شُعِف بِهَا. كأنّه «٤» ذَهَبَ بِهَا كلّ مذهب. والشَعَف: رءوس الجبال.
وقوله: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) يُقال: اتخذت لَهُنّ مجلسًا. ويُقال: إنّ مُتْكًا غير مهموز، فسمعت «٥» أَنَّهُ الْأُتْرُجُّ. وَحَدَّثَنِي شيخ من ثقات أهل البصرة أَنَّهُ قَالَ: الزُّمَاوَرْدُ «٦».
وقوله: وقطّعن أيديهنّ يقول: وَخَدشنها ولم يُبِنَّ أيديهن، مِن إعظامه، وذلك قوله:
(حاشَ لِلَّهِ) أعظمته أن يكون بشرًا، وقلن: هذا مَلَكٌ. وَفِي قراءة «٧» عبد الله (حَاشَا لِلَّهِ) بالألف، وهو فِي معنى مَعَاذَ الله.
وقوله: (مَا هَذَا بَشَراً) نصبت (بَشَراً) لأن الباء قد استعملت فِيهِ فلا يكاد أهل الحجاز ينطقونَ إِلَّا بالباء، فلمّا حذفوها أحبُّوا أن يكون لَهَا أثر فيما خَرَجت منه فنصبوا عَلَى ذَلِكَ ألا ترى أن كلّ ما في القرآن أتى بالباء إِلَّا هذا، وقوله: (مَا هُنَّ «٨» أُمَّهاتِهِمْ) وأمّا أهلُ نَجدٍ فيتكلمونَ بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين فِي العربية. أنشدني بعضهم:
لَشتَّانَ ما أَنْوِي وينوي بنو أبى | جميعا فما هذان مستويان |
(٢) شغاف القلب غلافه.
(٣) ش: «يقرأ» وهى قراءة الحسن وابن محيصن.
(٤) هذا تفسير لقراءة العين فى الآية.
(٥) ا: «وسمعت».
(٦) هو طعام يتخذ من البيض واللحم.
(٧) قرأ أبو عمرو بالألف فى الوصل.
(٨) الآية ٢ سورة المجادلة. [.....]
تَمَنَّوْا ليَ الموتَ الَّذِي يَشْعَب الفتى | وكلُّ فتًى والموتُ يلتقيانِ «١» |
ركابُ حُسَيْلٍ أشهرَ الصيفِ بُدَّن | ونَاقةُ عَمْرو ما يُحَلُّ لَهَا رَحْلُ |
ويزعمُ حِسْلٌ أَنَّهُ فَرْع قومِهِ | وما أنت فرع يا حُسيل ولا أصْلُ «٢» |
أمَا نحنُ راءُو دارِها بعد هذه | يدَ الدهر إلا أنْ يمرّ بِهَا سَفْرُ «٣» |
أن تَقُولُ: لَيْسَ بقائم أخوكَ لأن (لَيْسَ) فعل يقبل المضمر، كقولك: لست ولسنا ولم يُمكن ذَلِكَ فِي (ما).
فإن قلت: فإني أراهُ لا يمكن فِي (لا) وقد أدخلت العرب الباء فِي الفعل التي تليها «٤» فقالوا «٥» :
لا بالْحَصُورِ ولا فِيهَا بسوَّارِ
قلت: إن (لا) أشبه بليس من (ما) ألا ترى أنك تَقُولُ: عبد الله لا قائم ولا قاعد، كما تَقُولُ:
عبد الله لَيْسَ قاعدًا ولا قائِمًا، ولا يَجوز عبد الله ما قائم ولا قاعد فافترقتا هاهنا.
(٢) فرع القوم: الشريف فيهم.
(٣) من قصيدة له في مدح بنى ضبة. وانظر ديوانه ٣١٥: وقوله: «بها» فى ا: «لها» والسفر: المسافرون ويد الدهر: طول الدهر.
(٤) أراد بالفعل الكلمة فأنث اسم الموصول لها. وأراد بالفعل هنا الوصف وفى ب: «الفعل يليها»
(٥) الشطر من بيت تقدم للأخطل. ونسبه إلى العرب لما سمعهم ينشدونه هكذا ويقرونه
أمَا واللهِ أنْ لو كنتَ حُرًّا | وما بالحُرّ أنتَ ولا الْعَتِيقِ «١» |
وقوله: رَبِّ السِّجْنُ [٣٣] السِّجن: الْمَحْبِسُ. وهو كالفعل. وكل موضع مشتق من فعلٍ فهو يقوم مقام الفعل كما قالت العرب: طلعت الشمسُ مَطْلَعًا وغَرَبت الشمس مغربا، فجعلوهما خلفًا من المصدر وهما اسمان، كذلك السِّجن. ولو فتحت السِّين لكان مصدرًا بينًا. وقد قرىء:
(ربّ السّجن).
وقوله: فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ [٣٤] ولم تكن منه مسألة إنما قال: (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) فجَعله الله دعاء لأن فِيهِ معنى الدعاء، فلذلك قال: (فاستجاب له) ومثله فِي الكلام أن تَقُولَ لعبدك: إلَّا تطِع تعاقَب، فيقول: إِذًا أطيعك كأنّك قلت لَهُ:
أطع فأجابك.
وقوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ [٣٥] آيات البراءة قَدّ القميص من دبر (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) فهذه اللام فِي اليمين وَفِي كل ما ضارع القول. وقد ذكرناهُ. أَلَا ترى قوله:
(وَظَنُّوا «٢» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (وَلَقَدْ «٣» عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) دخلت هذه اللام و (ما) مع الظنّ (والعلم) لأنَّهما فِي معنى القول واليمين.
(٢) الآية ٤٨ سورة فصلت.
(٣) الآية ١٠٢ سورة البقرة.
حَدَّثَنَا ابن «١» الْغَسيل الْأَنْصَارِيّ عَن عكرمة قَالَ: الْحِين حينان: حين لا يدرك وهو قوله عَزَّ وَجَلَّ:
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (قَالَ «٢» الفراء فهذا يقلّ ويكثر) ليست لَهُ غاية.
قَالَ عكرمة: وحينٌ يُدركَ وهو قوله: (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يعني ستَّة أشهر.
وقوله: (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) [٣٧] يقول: بسببه وألوانه. وقوله: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) العرب لا تَجمع اسمين قد كُنِّيَ عنهما لَيْسَ بينهما شىء إلّا أن ينووا التكرير وإفهام المكلّم فإذا أرادوا ذلك قالوا: أنت أنت فعلت، وهو هو أخذها. ولا يَجوز أن نَجعل الآخرة تَوكيدًا للأولى، لأن لفظهما واحد. ولكنهم إذا وصلوا الأول بناصب أو خافض أو رافع أدخلوا لَهُ اسمه فكان توكيدًا. أمّا المنصوب فقولك: ضربتك أنت، والمخفوض: مررت بك أنت، والمرفوع:
قمت أنت. وإنما فعلوا ذلك لأن الأول قلَّ واختلف لفظه، فأدخلوا اسمه المبتدأ. فإذا قالوا: أنت فينا أنت رَاغب ففرقوا بينهما بصفة «٣» قالوا ذَلِكَ، وكأنه فِي مذهبه بِمنزلة قوله: (كُتِبَ «٤» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) كأنّ الأوّل مُلْغًى والاتّكاء والْخَبَر عَن الثاني. وكذلك قوله:
(أَيَعِدُكُمْ «٥» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) ثم قال: (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) وهما جَميعًا فِي معنى واحد، إلا أن ذَلِكَ جازَ حينَ فُرق بينهما بإذا. ومثله: (وَهُمْ «٦» بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
وقوله: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) [٣٨] تهمِز وتُثبت فيها الياء. وأصْحَابنا يروون عَن الأعمش
وانظر التاج فى غسل.
(٢) ما بين القوسين كتب فى ابعد قوله. «ستة أشهر».
(٣) يريد الجار والمجرور: (فينا).
(٤) الآية ٤ سورة الحج.
(٥) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.
(٦) الآية ٤ سورة لقمان. [.....]
وقوله: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [٤١] ) ذكروا أَنَّهُ لَمّا عبَّر لَهما الرؤيا فقال للآخر:
تصلبُ رجعا عَن الرُّؤْيَا، فقالا: لَمْ نرَ شيئًا فقال يوسف: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).
وقوله: (فَأَنْساهُ [٤٢] الشَّيْطانُ).
يقول: أنسى الشيطان يوسَف أن يَجعل ذكره ومستغاثه إلى الله. ويُقال: أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف.
وقوله: (ذِكْرَ رَبِّهِ) يقول: ذكر يوسف لِمولاه.
وقوله: (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ذكروا أَنَّهُ لبث سبعًا بعد خَمس والبضع ما دون العشرة.
وقوله: (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ) [٤٣] هُوَ من كلام العرب: أن يقول الرجل: إني أخرج إلى مكَّة وغير ذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ للنوم ولو أراد الخبر لقال: إني أفعلُ إني أقوم فيُستدلّ على أنها رُؤيا «٢» لقوله: أرى، وإن لَمْ يذكر نومًا. وقد بيَّنها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فقال: إِنِّي «٣» أَرَى في المنام أنّى أذبحك) وقوله: أَضْغاثُ أَحْلامٍ [٤٤] رفع، لأنهم أرادوا: ليس هذه بشى إِنَّما هي أضغاثُ أحلام «٤».
وهو كقوله: (مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «٥» ) كفروا فقالوا: لَم يُنزل شيئًا، إنَّما هي
(٢) كذا. والأولى: «بقوله».
(٣) الآية ١٠٢ سورة الصافات.
(٤) سقط فى ا.
(٥) الآية ٢٤ سورة النحل.
وقوله: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [٤٥] الأمة: الحين من الدَّهْرِ. وقد ذُكِرَ عَن بعضهم «٢» (بَعْدَ أَمَهٍ) وهو النسيان. يُقال رجلٌ مأموه كأنه الَّذِي لَيْسَ معه عقله وقد أمه الرجل.
وقوله: وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ [٤٦] لو كَانَ الخضر منصوبة تُجعل نعتًا للسبع حسن ذَلِكَ. وهي إذ خُفَضت نعْت للسنبلات. وقال الله عَزَّ وَجَلَّ: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ «٣» خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ولو كانت (طباقٍ) كَانَ صوابًا وقوله: دَأَباً [٤٧] وقرأ بعض «٤» قرّائنا (سبع سنين دأبا) : فَعَلًا. وكذلك كل حرف فُتِحَ أوَّله وَسُكِّنَ ثانيه فتثقيله جائزٌ إذا كَانَ ثانيه همزة أو عينًا أو غينًا أو حاءً أو خاء أو هاء.
وقوله: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ [٤٨] يقول ما تقدَّمتم فِيهِ لَهُنَّ من الزرع.
وقوله: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ: [٥٢] قَالَ ذَلِكَ يوسف لَمّا رجعَ إِلَيْهِ الساقي فأخبره «٥» ببراءة النسوة إيَّاه. فقال يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) وهو متصل بقول امرأته (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ) وربّما وُصل الكلامُ بالكلام، حَتَّى كأنه قولُ واحدٍ وهو كلام اثنين، فهذا من ذَلِكَ. وقوله (مِنْ أَرْضِكُمْ «٦» بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ) اتّصل قول فرعون بقول الملأ: وكذلك قوله (إِنَّ «٧» الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا
(٢) هو الحسن كما فى الإتحاف.
(٣) الآية ١٥ سورة نوح.
(٤) هو حفص.
(٥) كذا. والمناسب: «بتبرئة»
(٦) الآية ٣٥ سورة الشعراء. يريد الفراء، أن قوله «يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره» من كلام فرعون، وقوله: «فَماذا تَأْمُرُونَ» من خطاب الملأ لفرعون. ويرى جمهور المفسرين أن الكل من كلام فرعون، وأنه غشيه الدهش حتى استأمر رعيته ونسى مكانه فيما يزعم فى الألوهية.
(٧) الآية ٣٤ سورة النمل.
وقوله: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ [٥١] لَمَّا دَعَا النسوة فبرّأته قالت: لَمْ يبق إلا أن يُقِبل عليّ بالتقرير فأقرَّت، فذلك قوله: (حَصْحَصَ الْحَقُّ) يقول: ضاق الكذب وتَبيَّن الحقّ.
وقوله: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [٥٣] (ما) فِي موضع نصب. وهو استثناء منقطع مِمّا قبله: ومثله (إِلَّا حاجَةً «١» فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) ومثله فى سورة يس (فَلا صَرِيخَ «٢» لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) إِنَّما هُوَ- والله أعلم- إلا أن يُرحموا. و (أن) تضارع (ما) إذا كانتا فِي معنى مصدر.
وقوله: وَلا تَقْرَبُونِ [٦٠] فِي موضع جزم، والنون فِي موضع نصب حذفت ياؤها. ولو جعلتها رفعًا فنصبت النون كَانَ صوابًا على معنى قوله ولستم تقربونَ بعد هذه كقوله (فَبِمَ «٣» تُبَشِّرُونَ) و (الَّذِينَ «٤» كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ).
وقوله: وَقالَ لِفِتْيانِهِ [٦٢] و (لِفِتْيَتِهِ) قراءتان «٥» مستفيضتان.
وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا) قيل فيها قولان: أحدهما أن يوسف خاف ألَّا يكون عند أبيه دراهم، فجعل البضاعة فِي رحالِهم ليرجعوا. وقيل إنَّهم إن عرفوا أنَّها بضاعتهم وقد اكتالوا ردُّوهَا على يوسف ولم يستحلّوا إمساكها.
(٢) الآيتان ٤٣، ٤٤. [.....]
(٣) الآية ٥٤ سورة الحجر.
(٤) الآية ٢٧ سورة النحل.
(٥) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والثانية لغيرهم، كما فى الاتحاف.
[قوله] : فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً «٢» [٦٤] و (حفظا «٣» وهي فِي قراءة عبد الله (والله خيرُ الحافظين) وهذا شاهدٌ للوجهين جَميعًا. وَذَلِكَ أنك «٤» إذا أضفتَ أفضل إلى شيء فهو بعضه، وحذف المخفوض يَجوز وأنت تنويه. فإن شئتَ جعلته خيرهم حفظًا فحذفتَ الْهَاء والميم وهي تُنوي فِي المعنى وإن شئت جعلت (حافِظاً) تفسيرًا لأفضل. وهو كقولك: لك أفضلهم رجلًا ثُمَّ تلغِي الْهَاء والميم فتقول لك أفضل رجلًا وخير رجُلًا. والعربُ: تَقُولُ لك أفضلها كبشًا، وإنَّما هُوَ تفسير الأفضل.
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ «٥» قَاضِي سِجِسْتَانَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً «٦» وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (خَيْرُ الْحَافِظِينَ) وَكَانَ هَذَا- يَعْنِي أَبَا لَيْلَى- مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ. وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَرَأَ (فَلَا أُقْسِمُ «٧» بِمَوْقِعِ النُّجُومِ) (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) «٨» يَقُولُونَ: مُؤَدُّونَ فِي السِّلاحِ أَدَّى يُؤَدِّي.
وقوله: يَا أَبانا مَا نَبْغِي [٦٥] كقولك فِي الكلام ماذا تَبْغي؟ ثُمَّ قَالَ (هذِهِ بِضاعَتُنا) كأنهم طيّبوا بنفسه «٩». و (ما) استفهام فِي موضع نصب. ويكون معناها جحدًا كأنَّهم قالوا:
لسنَا نريدُ منكَ دراهم. والله أعلم بصواب ذلك.
(٢) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والأخرى للباقين. لأ
(٣) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والأخرى للباقين. لأ
(٤) سقط فى ا.
(٥) ش: «جرير».
(٦) ش: «حفظا».
(٧) الآية ٧٥ سورة الواقعة. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(٨) الآية ٥٦ سورة الشعراء. وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان وهشام.
(٩) كذا. وكأن الباء زائدة.
وقوله: يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ [٦٧] يقول: لا تدخلوا مصر من طريق واحد.
كانوا صِبَاحًا تأخذهم الْعَين.
[وقوله] : وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ [٦٨] يقول: إنه لذو علم لتعليمنا إيّاه ويُقال: إنه لذو حفظ «١» لِما علمناه.
وقوله: فَلا تَبْتَئِسْ [٦٩] معناهُ: لا تستكن من الحزن والبُؤْس. يَقول: لا تَحْزن.
وقوله: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ [٧٠] «٢» جواب وربّما أدخلت العرب فِي مثلها الواو وهي جَواب على «٣» حَالِها كقوله فِي أول السورة (فَلَمَّا «٤» ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) والمعنى- والله أعلم-: أوحينا إِلَيْهِ. وهي فِي قراءة عبد الله (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ وَجَعَل السِّقَايَةَ) ومثله فِي الكلام: لَمَّا أتاني وأثِبَ عَلَيْهِ كأنه قَالَ: وثبتُ عَلَيْهِ.
وربّما أدخلت العرب فِي جواب لَمَّا لكن. فيقول الرجل: لَمَّا شتَمني لكن أثِبُ عَلَيْهِ، فكأنه استأنف الكلام استئنافًا، وتوهَّم أنّ ما قبله فِيهِ جوابه. وقد جاء (الشعر «٥» فِي كل ذَلِكَ) قال امرؤ القيس:
فلمّا أَجزنا سَاحة الحيَّ وانتحى | بنا بطنُ خَبْت ذي قِفافٍ عقنقل «٦» |
(٢) فى الأصول: «جوابا» ولا وجه للنصب. [.....]
(٣) ش: «فى».
(٤) الآية ١٠.
(٥) كذا. والأنسب: «فى الشعر كل ذلك».
(٦) البيت من معلقته. «انتحى» : اعترض. والخبت: المتسع من بطون الأرض. والقفاف جمع قف وهو ما ارتفع من الأرض. والعقنقل: المنعقد المتداخل.
حَتَّى إذا قمِلت بطونُكم | ورأيتمُ أبناءكم شبوا |
وقلبتم ظهر المجن لنا | إن اللّئيم العاجزُ الْخَبُّ «١» |
قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ [٧٢].
وقوله: الصُّواع ذكر. وهو الإناءُ الَّذِي كَانَ الملكُ يشرب فِيهِ. والصاعُ يؤنَّث ويُذَكَّر. فمن أنَّثه قَالَ: ثلاث أصْوُع مثل ثلاث أَدْؤُر. ومن ذكّره قَالَ: ثلاثة أصواع مثل أبواب. وقوله (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يقول: كفيل. وزعيم القوم سيّدهم.
وقوله: تَاللَّهِ [٧٣] العربُ لا تَقُولُ تالرحمنِ ولا يَجْعلونَ مكانَ الواو تَاء إِلَّا فِي الله عَزَّ وَجَلَّ.
وَذَلِكَ أنَّها أكثرُ الأيْمَانِ مُجْرى فِي الكلام فتوهّموا أنّ الواو منها لكثرتِها فِي الكلام، وأبدلوها تاء كما قالوا: التّراث، وهو من ورث، وكما قَالَ: (رُسُلَنا «٢» تَتْرا) وهي من المواترة، وكما قالوا:
التُّخْمَة وهي من الْوَخَامة، والتُّجَاه وهي من واجهك. وقوله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ) يقول القائل: وكيف علموا أنهم لَمْ يأتوا للفساد ولا للسرقة؟ فذُكر أنَّهم كانوا فِي طريقهم لا يُنزلون بأَحد ظلمًا، ولا ينزلونَ فِي بساتين الناس فيُفسدوها فذلك قوله (مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) يقول: لو كنا سارقين ما رددنا عليكم البضاعة التي وجدناها فِي رِحَالِنا.
وقوله: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ [٧٥] (من) فِي معنى جزاء وموضعها رفع بالهاء التي عادت. وجواب الجزاء الفاء فِي قوله: (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ويكون قوله (جَزاؤُهُ) الثانية
(٢) الآية ٤٤ سورة المؤمنين.
ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها [٧٦] ذَهَبَ إلى تأنيثِ السَّرقة. وإن يكن الصُّواع فِي معنى الصَّاع فلعلّ هذا التأنيث من ذَلِكَ. وإن شئت جعلته لتأنيث السِّقَاية.
وقوله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (مَنْ) فِي موضع نصب، أي نرفعُ مَنْ نَشَاءُ دَرجاتٍ.
يقول: نفضِّل من نشاء بالدرجات. ومن «١» قَالَ (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) فيكون (مَنْ) فِي موضع خفض.
وقوله (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يقول: لَيْسَ مِنْ عالِم إِلَّا وفوقه أعلم منه.
وقوله: (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) [٧٧] أَسَرَّ الكلمة. ولو قَالَ: (فأسرَّهُ) ذهب إلى تذكير الكلام كَانَ صَوَابًا كقوله (تِلْكَ «٢» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ «٣» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) : أضمرها فِي نفسه ولم يظهرهَا.
وقوله: مَعاذَ اللَّهِ [٧٩] نَصْب لأنه مصدر، وكل مصدر تكلّمت العرب فِي معناهُ بفَعَل أو يفعل فالنصبُ فِيهِ جائز. ومن ذَلِكَ الحمدَ لله لأنّك قد تَقُولُ فِي موضعه يَحمد الله. وكذلك أعوذ بالله تصلح فى معنى معاذ الله.
(٢) الآية ٤٩ سورة هود.
(٣) الآية ٤٤ سورة آل عمران
فإن «١» شئت جعلتها نصبًا، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبلُ تفريطكم فِي يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال «٢» : ومن قبلُ فرَّطتم فى يوسف.
وقوله: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [٨١] ويقرأ (سُرِّق) ولا أشتهيها لأنّها شاذَّة. وكأنه ذهب إلى أَنَّهُ لا يستحلّ أن يسرَّقَ ولم يَسرِق: وذُكِرَ أن ميمون بن مِهْران لقي رجاءَ بن حَيوَة بِمكَّة، وَكَانَ رجاء يقول: لا يصلح الكذب فِي جد ولا هزل. وَكَانَ ميمون يقول: ربّ كَذْبة هي خير من صدق كَثِير. قَالَ فقال ميمون لرجاء: من كَانَ زَمِيلَك؟ قَالَ: رجل من قيس. قَالَ: فلو أنك إذ مررت بالبِشْر «٣» قالت لك تغلِب: أنت الغاية فِي الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كَانَ مِنْ قيس قتلناه، فقد علمتَ ما قتلتْ قيسٌ مِنَّا، أكنت تَقُولُ: مِنْ قيس أم من غير قيس؟ قال: بَلْ من غير قيس. قَالَ: فهي كانت أفضل أم الصدق؟ قَالَ الفراء: قد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ للأنبياء من المكايد ما هُوَ أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك.
وقوله: وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ يقول: لَمْ نَكُن نَحفظ غيبَ ابنك ولا ندري ما يصنعُ إذا غابَ عنا. ويُقال: لو علمنا أن هذا يكون لَمْ نُخرجه معنا.
وقوله: أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [٨٣] الصبرُ الجميل مرفوع لأنه عَزَّى نفسَه وقال: ما هُوَ إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل، كما قال الشاعر:
(٢) سقط فى ا.
(٣) البشر: جبل من منازل تغلب. وبين تغلب وقيس حروب وغارات.
يشكو إِليَّ جَمَلي طُول السُّرى | صَبْرًا جَميلًا فَكِلانا مبتلى «١» |
قالو: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا: [٨٥] معناه لا تزال تذكر يوسف و (لا) قد تضمر مع الأيمان لأنّها إذا كانت خبرًا لا يضمر فيها (لا) لَمْ تكن إلا بِلَام ألا ترى أنك تَقُولُ: والله لآتينَّكَ، ولا يَجوز أن تَقُولُ: والله آتيك إِلَّا أن تكون تريد (لا) فلمَّا تبيّن موضعُها وقد فارقت الخبر أُضمرت، قَالَ امرؤ القيس:
فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا | ولو قطعوا رأسي لديكِ وأَوْصَالِي «٢» |
فلا وأبي دَهْمَاء زالت عزيزةً | عَلَى قَوْمها ما فَتَّلَ الزَّنْدَ قادِح |
والفاسد فِي عقله أيضًا. وأمَّا حَرَض فتُرك جَمعه لأنه مصدر بِمنزلة دَنَف وضَنَى «٤». والعربُ تَقُولُ:
قوم دَنَف، وضَنًى وَعدْل، وَرِضًا، وزَوْر، وعَوْد، وضَيْف. ولو ثُنّي وجمع لكان صَوَابًا كما قالوا: ضيف وأضياف. وقال عزّ وجلّ (أَنُؤْمِنُ «٥» لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال فِي موضع آخر:
(مَا أَنْتُمْ «٦» إِلَّا بَشَرٌ) والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جَمعه لأن الواحد قد يكون فى معنى
(٢) من قصيدة له فى الديوان ٣٢. [.....]
(٣) ا: «الفاعل».
(٤) الضنى فى الأصل المرض المخامر كلما ظن برؤه نكس.
(٥) الآية ٤٧ سورة المؤمنين.
(٦) الآية ١٥ سورة يس.
كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يُجمع.
وقوله: وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ [٨٨] ذكروا أنَّهم قَدمِوا مصر ببضاعة، فباعوها بدراهم لا تَنْفُق فِي الطعام إِلَّا بغير سعر الجياد، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله:
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بفضل ما بين السِّعرين.
وقوله: يَأْتِ بَصِيراً [٩٣] أي يرجع بَصِيرًا.
وقوله: لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ [٩٤] يقول: تكذّبون وتُعَجِّزون وتضعفِّون.
وقوله: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [٩٨] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «١» (عَن) شريك عَن السُّدِّي فِي هذه الآية أخرهم «٢» إلى السّحر (قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا «٣» وَزَادَنَا حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ.
وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [١٠٥] فآيات السَّموات الشمسُ والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذَلِكَ.
وقوله: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [١٠٦] يقول: إذا سألتهم مَن خلقكم؟
قالوا: الله، أو من رزقكم؟ قالوا: الله، وهم يشركون بِهِ فيعبدونَ الأصنام. فذلك قوله:
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).
وقوله: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [١٠٨] يقول: أنا ومن اتّبعني، فهو يدعو على بصيرة كما أدعو.
وقوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ [١٠٩] أُضِيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة وقد تضيف العرب الشيء
(٢) أي أخر الاستغفار لهم.
(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وتَذمّ عَبْسًا | أَلا لِلَّهِ أُمُّكَ من هَجِين «٢» |
ولو أقوت «٣» عَلََيْكَ ديارُ عَبْس | عرفتَ الذُّلَّ عِرفان اليقين |
وقوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [١١٠].
خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل، وقرأها ابنُ عباس بالتخفيف، وفسّرها: حَتَّى إذا استيأس الرُّسُل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل قد كُذِبوا جاءهم نصرنا. وحُكِيَت عَن عبد الله (كُذِّبُوا) مشدّدة وقوله: (فنجى من نشاء) القراءة بنونين «٤» والكتابُ أَتى بنون واحدة. وقد قرأ عاصم (فنجّى من نشاء) فجعلها نونًا، كأنه كره زيادة نون ف (مَنْ) حينئذ فِي موضع رفع. وأمّا الَّذِينَ قرءوا بنونين فإن النون الثانية، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى، فلمّا خفيت حذفت، ألا ترى أنك لا تَقُولُ فننجي بالبيان. فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابُهما واحدًا.
وقوله: مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ [١١١] منصوب، يُرادُ بِهِ: ولكن كَانَ تصديقَ ما بين يديه من الكتب: التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: ما كان
(٢) الهجين: عربى ولد من أمة أو من أبوه خير من أمه.
(٣) أقوت: أقفرت وخلت.
(٤) قرأ «فتنجى» غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقد قرءوا: «فنجى» على صيغة المبنى للمفعول من نجى.