تفسير سورة يوسف

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ وكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾، أي : يختارك.
﴿ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ﴾، أي : على أهل يعقوب، والدليل على ذلك أنك إذا صغرت آل، قلت : أهيل، وعلى أهل ملته أيضاً.
﴿ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ ﴾، مجازها : أن كل شئ ﴿ غُيّب عنك شيئاً ﴾ فهو غيابة، قال المُنَخَّل بن سُبَيع العَنْبَريُّ :
فإن أنا يوماً غيَّبَتْنِي غَيابتي فسيروا مَسيري في العشيرة والأهلِ
والجب : الركِيّة التي لم تُطوَ، قال الأعْشَى :
لئن كنتَ في جُبِّ ثمانين قامةً ورُقِّيتَ أسبابَ السماءَ بسُلَّمِ
﴿ نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ ﴾، أي : ننعم ونلهو. وقال في المثل :﴿ القَيْدُ والرَّتْعَةُ ﴾، وقرأها قوم : يرتع، أي : إبلنا، ونُرتِع نحن إبلَنا.
﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾، أي : بمصدق ولا مُقرّ لنا أنه صدق.
﴿ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ ﴾، أي : زّينتْ وحسَّنتْ، وتابعتكم على ذلك.
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾، مرفوعان ؛ لأن جميل صفة للصبر ولو كان الصبر وحده لنصبوه، كقولك : صبراً، لأنه في موضع : اصبر، وإذا وصفوه رفعوه واستغنوا عن موضع : اصبر، قال الراجز :
يشكو إلىَّ جَمَلى طولَ السُّرَى صَبرٌ جميلٌ فكِلانا مبُتَلى
قال أبو الحسن الأثرم : سمعت من ينشد : صبراً جُمَيل، أراد نداء : يا جُميلُ.
﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنِ بَخْسٍ ﴾، أي : باعوه، فإذا بعته أنت قلت : اشتريته، قال ابن مُفَرِّغ :
وشَريتُ بُرْداً ليتَني من بَعد بُردٍ كنتُ هامْه
أي : بعته ؛ بَخْسٍ : أي نقصان ناقص، منقوص، يقال : بخسَني حقي، أي : نقصني، وهو مصدر : بخست، فوصفوا به. وقد تفعل العرب ذلك.
﴿ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾، جررتَه على التكرير والبدل.
﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾، أي : مقامه الذي ثواه، ومنه قولهم : هي أُمّ مَثْوىَ، وهو أبو مَثْوىَ، إذا كنت ضَيفاً عليهم.
﴿ ولَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾، مجازه : إذا بلغ منتهى شبابه وحدّه وقوّته من قبل أن يأخذ في النقصان، وليس له واحد من لفظه.
﴿ وَقَالتْ هَيْتَ لَكَ ﴾، أي : هلُمَّ لك، أنشدني أبو عمرو بن العلاء :
أبلْغ أمير المؤمن *** ين أخا العِراق إذا أتَيتَا
أنّ العِراق وأهلَه *** عُنُقٌ إليك فهيتَ هَيْتا
يريد عليّ بن أبي طالب رحمه الله، أي تعالى وتقرب وادته، وكذا لفظ هيت للاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء إلا أن العدد فيما بعدها تقول : هيت لكما وهيت لكن، وشهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد أو أحمد، وكان عالماً بالقرآن، وكان لألأً، ثم كبر، فقعد في بيته، فكان يؤخذ عنه القرآن، ويكون مع القُضاة، فسأله عن قول من قال : هئت، فكسر الهاء وهمز الياء، فقال أبو عمرو : نبسى، أي : باطل جعلها قُلْتُ مِن تهيأت ؛ فهذا الخِنْدِق، واستعرِضِ العربَ حتى تنتهى إلى اليمن هل يعرف أحد هئت لك ؛ كان خندق كسرى إلى هيت حين بلغه أن النبي صلى الله عليه يخرج وخاف العرب فوضع عليه المراصد وصوامع وحرساً ودون ذلك مناظر ثم لما كانت فتنة ابن الأشعث حفره عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، وكان أعور، فقال له حميد الأرقط :
يا أعور العين فديتَ العُورا *** لا تحسبنَّ الخِندق المحفورا
يردّ عنك القدرَ المقدورا ***
وذلك أنه لما انهزم ابن الأشعث من الزاوية قام هو بأمر أهل البصرة فناصب الحجاج، ثم لما هرب يزيد بن المهلب من سجن عمر بن عبد العزيز حفره عدى بن أرطاة عامل البصرة، لئلا يدخل يزيد البصرة، ثم حفره المنصور وجعل عليه حائطاً مما يلي الباب، فحصنه أشد من تحصين الأولين للحائط، ولم يكن له حائط قبل ذلك.
﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ﴾، أي : وجدا، قال :
فألقيُته غير مستعِتب ولا ذاكرَ الله إلاّ قليلا
أي : وجدته.
﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً ﴾، أي : قد وصل الحب إلى شغف قلبها، وهو غلافه، قال النّابغة الذُّبيانيُّ :
ولكن همّاً دون ذلك والجٌ مكان الشِّغَاف تبتغيه الأصابعُ
ويقرؤه قوم : قد شعفها : وهو من المشعوف.
﴿ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً ﴾، أفعلت من العتاد، ومعناه : أَعدّت.
لهن مُتكَئاً، أي : ممرقاً تتكئ عليه، وزعم قوم أنه الأترج، وهذا أبطل باطل في الأرض ولكن عسى أن يكون من المتكاء أترج يأكلونه، ويقال : ألق له مُتكَئاً.
﴿ أَكْبَرْنَهُ ﴾، أجللنه وأعظمنه، ومن زعم أن أكبرنه حضن فمن أين، وإنما وقع عليه الفعل ذلك، لو قال : أكبرن، وليس في كلام العرب : أكبرن حضن، ولكن عسى أن يكون من شده ما أعظمنه حضن.
﴿ وُقُلْنَ حَاشَ للهِ ﴾، الشين مفتوحة ولا ياء فيه، وبعضهم يدخل الياء في آخره، كقوله :
حاشى أبِى ثَوْبانَ إنّ به ضَنّا عن المَلْحاةِ والشَّتْمِ
ومعناه معنى التنزيه والاستثناء من الشرن، ويقال : حاشيته أي استثنيته.
﴿ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾، أي : أهواهُنّ وأمِيل إليهن، قال : يَزِيد بن ضَبَّة :
إلى هِندٍ صبَا قلبِي وهِندٌ مثلُها تُصبِى
وقال :
صَبا صَبوةً بل لَجَّ وهو لَجوجُ ***وزالت له بالأنْعَمَينِ حُدوجُ
﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾، أي : عند سيدك من بني آدم ومولاك، وقال :
فإن يك رَبُّ أذوادٍ بحِسْمَي أصابوا من لقائك ما أصابوا
قال الأعشَى :
رَبّي كريم لا يكدّرِ نِعمةً وإذا تُنوشِدَ في المَهارِق أَنشدا
يعني : النٌّعمان، إذا سئل بالمهارق الكتب، أنشدا : أعطى، كقولك : إذا سُئل أعطى.
﴿ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾، واحدها : ضغث، مكسور، وهي ما لا تأويل لها من الرؤيا، أراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش، فيقال : ضغث، أي : ملء كف منه، قال عَوْف بن الخَرِع التَّيْميّ :
وأسفلَ مني نَهدةً قد ربطتُها وأَلقيتُ ضِغْثا من خَلىً متَطيّبِ
أي : تطيبت لها أطايبَ الحشيش، وفي آية أخرى ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضْرِبْ بِهِ ﴾.
﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أمَّةٍ ﴾، أي : افتعل من ذكرت، فأدغم التاء في الذال، فحولوها دالاً ثقيلة، بعد أَمْةٍ، أي : بعد حين، وبعضهم يقرؤها : بعد أمه، أي : بعد نسيان، ويقال : أمهت تأمه أمهاً، ساكن، أي : نسيت.
﴿ إِلاَّ قَليلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ ﴾، أي : مما تحرزون.
﴿ وَفِيه يَعْصِرُونَ ﴾، أي : به ينجون، وهو من العصر، وهي العصرة أيضاً، وهي المنجاة، قال :
ولقد كان عُصْرةَ المنجودِ ***
أي : المقهور المغلوب، وقال لبيد :
فبات وأَسرَى القومُ آخرَ ليلهم وما كان وقّافاً بغير معُصَّرٍ
﴿ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ ﴾، أي : الساعةَ وضح الحقُّ وتبيِّن.
﴿ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾، من مِرت تمير ميراً، وهي الميرة، أي : نأتيهم ونشترى لهم طعومهم، قال أبو ذؤيب :
أتى قَريةً كانت كثيراً طَعامُها كرفع التراب كلُّ شئ يَميرُها
﴿ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ أي حمل بعير يكال له ما حمل بعير.
﴿ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾ وهو يؤوى إليه إيواءً، أي ضمّه إليه.
﴿ السِّقَايَةَ ﴾ مكيال يكال به ويُشرَب فيه.
﴿ صُوَاعَ المُلِكِ ﴾ والجميع صيعان خرج مخرج الغراب والجمع غربان، وبعضهم يقول : هي صاعُ المَلِكِ والجميع أصواع خرج مخرج باب والجميع أبواب.
﴿ وأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ أي كفيل وقبيل، قال المُؤسِّىُّ الأزْديَّ :
فلست بآمرٍ فيها بسَلْم ولكنّي على نفسي زعيمُ
بغزوٍ مثل وَلْغ الذئب حتى يَنُوءَ بصاحبي ثأرٌ منيم
﴿ تاللهِ ﴾ التاء بمنزلة واو القسم لأن الواو تحَّول تاءً، قالوا : تراث وإنما هي من ورِثتُ، وقالوا : تقوى، وأصلها وقوى لأنها مِن وقيت.
﴿ اسْتَيْئَسوا مِنْهُ ﴾ استفعلوا مِن يئست.
﴿ خَلَصُوا نَجِيّاً ﴾ أي اعتزلوا نجيّاً يتناجون، والنجى يقع لفظه على الواحد والجميع أيضاً وقد يجمع، فيقال : بَجىٌ وأنْجية، وقال لَبِيد :
وشَهدتُ أَبجية الأفاقة عالياً **** كعبي وأَردافُ الملوك شهودُ
﴿ يَأَسَفَي عَلَى يُوسُفَ ﴾ خرج مخرج النُّدبة، وإذا وقفت عندها قلت : يا أسفاه، فإذا اتصلت ذهبت الياء كما قالوا :
يا راكباً إمّا عرضتَ فَبّلغنْ ***
والأسف أشدّ الحزن والتندم، ويقال : يُوسُف مضموم في مكانين، ويُوسِف تضمّ أوله وتكسر السين بغير همز، ومنهم من يهمزه يجعله يُفعِل مِن آسفته.
﴿ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ ﴾ أي لا تزال تذكره، قال أَوْس بن حَجَر :
فما فتِئتْ خيلٌ تَثُوبُ وتدَّعِى ويَلحق منها لاحِقٌ وتقَطَّعُ
أي فما زالت، قال خِداش بن زُهَير :
وأبرَحُ ما أَدام الله قومي بحمد الله منتطِقا مُجيدا
معنى هذا : لا أَبرح لا أَزال ﴿ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً ﴾ والحرض الذي أذابه الحزنُ أو العشق وهو في موضع مُحرضَ، قال :
كأنك صَمٌّ بالأَطِبّاء مُحْرَضُ ***
وقال العَرْجِىّ :
إلِّى امرؤٌ لجَّ بي حُبٌّ فأَحرضنِي ***حتى بكيِتُ وحتى شَفَّني السَّقمُ
أي أذابني. فتبقى مُحرَضاً ﴿ أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ ﴾ أي من الميِّتين.
﴿ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِيَ إلى اللهِ ﴾ البَثّ أشد الحزن، ويقال : حَزَن، متحرك الحروف بالفتحة أي في اكتاءب، والحزن أشدّ الهَمّ.
﴿ اذْهَبُوا فَتَحسَّسُوا ﴾ أي تخبَّروا والتمسوا في المظان.
﴿ مُزْجَاةٍ ﴾ يسيرة قليلة، قال :
وحاجةٍ غيرُ مُزجاة من الحاجِ
﴿ وإِنْ كُنَّا لخَاطِئِينَ ﴾ مجازه : وإن كنا خاطئين، وتزاد اللام المفتوحة للتوكيد والتثبيت، وخطئت وأخطئت واحد، قال امرؤٌ القَيْس :
يا لهفَ هندٍ إذ خطئن كاهلا ***
أي أخطأن، وقال : أُمَيَّة بن الأسْكُر :
وإنّ مُهاجِرَيْنِ تَكَنّفاهُ لعَمْرُ اللّهِ قَدْ خَطِئا وَخابا
﴿ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ أي لا تخليط ولا شَغب ولا إفساد ولا معاقبة.
﴿ يَأْتِ بَصِيراً ﴾ أي يَعُد بصيراً أي يَعُد مُبصراً.
﴿ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾ أي تُسفُّهونِي وتُعَجّزوني وتلوموني، قال هَانئُ بن شكيم العَدَوِيُّ :
يا صاحبيَّ دَعا لَوْمي وتفنيدي ما فات مِن أَمْرٍ بمردودِ
﴿ عَلَى العَرْشِ ﴾ أي السرير. ﴿ مِنَ البَدْوِ ﴾ وهو مصدر بدوت في البادية.
﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ ﴾ أي أَفسد وحمل بعضنا على بعض.
﴿ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ ﴾ : مُجَلِّلةٌ.
﴿ أُوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة، قال ابن ضَبّة وهو يزيد ابن مُقسِم الثّقفي، وأُمه ضبة التي قامت عنه أي ولدته :
ولكنّهم بانوا ولم أَدْرِ بَغتةً وأفظع شئٍ حين يفجَأُكَ البغتُ
﴿ قُلْ هذِهِ سَبِيليَ ﴾ قال أبو عمرو : تذكر وتؤنَّث، وأنشدنا :
فلا تبعَدْ فكل فتى أناسٍ سيصبِح سالكاً تلك السبيلا
﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ﴾ يعني على يقين.
Icon