تفسير سورة الأحزاب

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ فَإخْوَانكُمْ فيِ الدِّينِ ﴾ أي إخوانكم في المِلّة وخرج مخرج فتىً والجميع فتيان وفيتية.
﴿ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ أي بنو عمكم وولاتكم.
﴿ فيِ الكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ أي مكتوباً قال العجاج :
في الصُّحُف الأولى التي كان سَطِرْ
﴿ وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ ﴾ أي حارت وطمحت وعدلت وفي آية أخرى :﴿ مَا زَاغَ البْصَر ُ ﴾.
﴿ زُلِزْلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ أي ابتلوا وفتنوا ومنه الزلازل.
﴿ يَثْرِبَ ﴾ اسم أرض ومدينة النبي صلى الله عليه في ناحية من يثرب قال حسان في الجاهلية :
سأُهدِي لها في كل عامٍ قصيدةً وأَقعدُ مَكفِياً بيَثْرِبَ مُكَرما
﴿ لاَ مَقَامَ لَكُمْ ﴾ مفتوحة الأول ومجازها : لا مكان لكم تقومون فيه ومنه قوله :
فايٌّ ما وأيُّك كان شراً فَقِيدَ إلى المقامة لا يراها
﴿ مِنْ أَقْطَارِهَا ﴾ أي من جوانبها ونواحيها وأحدها قطر.
﴿ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأَتَوْهَا ﴾ أي لأعطوها.
﴿ فَإذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةِ حِدَادٍ ﴾ أي بالغوا في عيبكم ولا ائمتكم ومنه قولهم خطيب مسلقٌ ومنه الخاطب المسلاق وبالصاد أيضاً وقال الأعشى :
فيهم الَحْزَمُ والسَّماحةُ والنَّجْد ة فيهم والخاطب المِسْلاَقُ
ويقال : لسان حديد أي ذلقٌ وذليق.
﴿ الأحْزَابَ ﴾ واحدهم حزب يقال : من أي حزب أنت وقال رؤبة :
وكيف أَضوَى وبِلالٌ حِزْبي ***
﴿ فَمِنْهُم مَنْ قضَى نَحْبَهُ ﴾ أي نذره الذي كان نحب أي نذر والنحب أيضاً النفس أي الموت وجعله جرير الخطر العظيم فقال :
بِطَخْفةَ جالدنا المُلوكَ وَخَيْلنا عَشِيَّةَ بِسْطامٍ جَرينَ على نَحْبِ
أي خطر عظيم، قال ومنه التنحيب قال الفرزدق :
وإذ نحبَّت كلبٌ على الناس أيُّهمْ أحقٌّ بتاجٍ الماجد المُتكرِّم
وقال ذو الرمة :
قَضَى نَحْبَه في مُلْتَقى الخيل هَوْبَرُ ***
أي نفسه وإنما هو يزيد بن هوبر ويقال : نحب في سيره يومه أجمع إذا مدًّ فلم ينزل وليلته جميعاً.
﴿ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ ﴾ أي عاونوهم وهو من التظاهر.
﴿ مِنْ صَياصِيهْم ﴾ أي من حصونهم وأصولهم يقال : جذ الله صيصة فلانٍ أي أصله وهي أيضاً شوك الحاكة قال :
وما راعني إلاّ الرماحُ تنوشُهُ كوَقْع الصَّياصي في النَّسيج الممُدَّد
وهي شوكتا الديك وهي قرن البقرة أيضاً.
﴿ يُضَاعَفْ لَهَا العْذَابُ ضِعفْيَن ﴾ أي يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة لأن ضعف الشيء مثله، وضعفي الشيء مثلا الشيء ومجاز ﴿ يضاعف ﴾ أي يجعل الشيء، شيئين حتى يكون ثلاثة فأما قوله ويضعف أي يجعل الشيء شيئين.
﴿ نُؤْتَها أَجْرَهَا ﴾ أي نُعطها ثوابها.
﴿ لَسْتُنَّ كأحَدٍ من النِّسَاءِ ﴾ أحد يقع على الذكر والأنثى بلفظ واحد يقع على ما ليس في الآدميين، يقال : لم أجد فيها أحداً شاة ولا بعيراً.
﴿ وَقِرْنَ فيِ بُيُوتِكُنَّ ﴾ القاف مكسورة ؛ لأنها من وقرت تقر، تقديره وزنت تزن، ومعناه من الوقار، ومن فتح القاف فإن مجازها من " قرّت تقر " تقديره : قررت تقر فحذف الراء الثانية فخففها، وقد تفعل العرب ذلك وقال الشاعر :
خَلا أنَّ العِتاق من المَطايا أَحسْنَ به فهنَّ إليه شُوسُ
أراد أحسسن.
﴿ وَلاَ يَتَبَرَّجْنَ ﴾ وهو من التبرج وهو أن يبرزن محاسنهن فيظهرونها.
﴿ فلَمَّا قَضًى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ﴾ أي أرباً وحاجة قال الشاعر :
ودَّعَني قبل أن أُودّعَه لمّا قضى من شَبابنا وَطَرا
أي أرباً وحاجة.
﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللّهِ في الذّينَ خَلَوَا مِنْ قَبْلُ ﴾ سنة الله منصوبة لأنها في موضع مصدر من غير لفظها ؛ من حرج أي من ضيق وإثم، خلوا أي مضوا.
﴿ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ ما بين العصر إلى الليل.
﴿ هُوَ الذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ﴾ أي يبارك عليكم قال الأعشى :
عليكِ مِثْل الَّذِي صلَّيْتِ فاغْتمضى نَوْماً فإن لجنب المَرْء مُضطَجعاً
﴿ ألّتي أَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ أي أعطيت مهورهن.
﴿ مَّمِا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْكَ ﴾ أي مما فتح الله عليك من الفيء.
﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةٌ إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبيِّ ﴾ مجازه : إن تهب والموضع موضع مجازاة والعرب قد تجازى بحرف وتضمر الآخر معهما قال ذو الرمة :
وإني متى أُشِرفْ على الجانب الذي به أنتِ ما بين الجَوانب ناظرُ
قال القطامي :
والناسُ من يَلْقَ خيراً قائلون له ما يشتهي ولأُمِّ المُخطئ الهَبَلُ
قال ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ للنَّبيِّ ﴾ إن أراد النبي أن يستنكحها ﴿ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المؤُمْنِينَ ﴾ وهبت في موضع ﴿ تهب ﴾ والعرب تفعل ذلك قال :
إن يَسمعوا ريبةً طاروا بها فَرَحاً وإن ذُكرتُ بسوءٍ عندهم أَذنِوا
أي يطيروا. والعرب قد تخاطب فتخبر عن الغائب والمعنى للشاهد فترجع إلى الشاهد فتخاطبه قال عنترة :
شَطَّتْ مزارُ العاشقين فأَصبحْت عَسِراً عَلَىَّ طلابُك ابنةَ مَخْرَم
﴿ تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ ﴾ أي تؤخر.
﴿ وتُؤْوِى إِلَيْكَ مَنْ تَشَاء ﴾ أي تضم.
﴿ لاَ يَحَلُِّ لَكَ النساءُ مِنْ بَعْدُ ﴾ إذا جعلت العرب من فعل المؤنث وبينها شيئاً ذكروا فعلها ؛ وبعد مرفوعه بغير تنوين لأنه غاية لم تصف وحرم على النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء، فإن قال قائل إنهن لم يحرمن عليه فإن الآية إذا منسوخة ﴿ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ﴾ أي حفيظاً قال أبو داود :
كمقاعد الرُّقباء للضُّرباء أيديهم نَوَاهِدْ
﴿ إلىَ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ ﴾ أي إدراكه وبلوغه ويقال أبي لك أن تفعل، يأني أنياً والاسم إني وأبى أبلغ أدرك قال :
تمخَّضت المَنونَ له بيوم أَنى ولكلِّ حاملةٍ تَمامُ
﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ﴾ مجازه : ما كان لكم أن تفعلوا شيئاً منذ لك وكان من حروف الزوائد قال :
فكيف إذا رأيتَ ديار قومٍ وجيرانٍ لهم كانوا كرامِ
القافية مجرورة والقصيدة لأنه جعل " كانوا " زائدة للتوكيد ولو أعمل " كان " لنصب القافية وقال العجاج :
إلى كِناسٍ كان مُسْتَعِيدِه ***
وقال الفزاري :
لم يُوجَدْ كان مثلُ بني زِياد ***
فرفع مثل بني زياد لأنه ألقى " كان " وأعمل " يوجد ".
﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴾ أي لنسلطنك عليهم.
﴿ وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللِه ﴾ نصبوها لأنها في موضع مصدر فعل من غير لفظها ﴿ وقُتِّلوا ﴾ أشد مبالغة من من " قُتلوا " إذا خففته.
﴿ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ مجازه مجاز الظرف هاهنا ولو كان وصفاً للساعة لكان قريبة وإذا كان ظرفاً فإن لفظها في الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد بغير الهاء وبغير تثنية وبغير جمع.
﴿ فَأَضَلُونَا السَّبِيلاَ ﴾ ويقال أيضاً في الكلام. أضلى عن السبيل ومجازه عن الحق والدين.
﴿ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ قصداً، قال أوس بن حجر :
وما جَبُنوا إني أَسُدُّ عليهمُ ولكن لقواً ناراً تَحُسُّ وتَسفَعُ
ويروى : ناراً تخش توقد، وتحس : تستأصل ؛ أسد أقول عليهم السداد، يقال أسددت بالقوم إذا قلت عليهم حقاً وسدداً.
Icon