تفسير سورة سورة يوسف من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سورة يوسف مكية، أو إلا أربع آيات " ع "
ﰡ
١ - ﴿تلك آيات﴾ هذه السورة، أو السورة التي قبلها، أو إشارة إلى ما افتتح به السورة من الحروف، علامات ﴿الْكِتَابِ﴾ العربي ﴿الْمُبِينِ﴾ حلاله وحرامه، أو هداه ورشده، أو المبين للأحرف الساقطة من ألسنة الأعاجم وهي ستة قاله معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه -.
٢ - ﴿أنزلناه﴾ خبر يوسف - عليه الصلاة والسلام -، أو الكتاب عند الجمهور.
108
٢ - ﴿نَقُصُّ﴾ نبين والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها. {إذ قال يوسف لأبيه يآ أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رءياك على إخواتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوٌّ مبينٌ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم
108
نعمته عليك وعلىءال يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم}
109
﴿ نقصّ ﴾ نبين والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
٤ - ﴿رَأَيْتُ﴾ رأى أبويه وإخوته ساجدين له فعبّر عنهم بالشمس والقمر والكواكب فالشمس أبوه والقمر أمه راحيل " ع " أو رأى الكواكب والشمس والقمر فتأولهم بإخوته والقمر بأُمه والشمس بأبيه عند الأكثرين، أو الشمس أمه والقمر أبوه لتأنيثها وتذكير القمر، ﴿رأيتهم﴾ تأكيد ل ﴿رَأَيْتُ﴾ الأول لبعد ما بينهما، أو رؤيته الأولى لهم والثاني لسجودهم، ﴿سَاجِدِينَ﴾ كسجود الصلاة إعظاماً لا عبادة، أو عبّر عن الخضوع بالسجود. وكانت رؤياه ليلة القدر في ليلة الجمعة، فلما قصّها على يعقوب خاف عليه حسد إخوته، فقال: هذه رؤيا ليل فلا تعمل عليها، فلما خلا به قال: ﴿لا تقصص رؤياك﴾ الآية [٥]، وقيل كان عمره عند الرؤيا سبع عشرة سنة. ويوسف أعجمي عبراني، أو عربي من الأسف لأنه حزن وأحزن.
٦ - ﴿يجتبيك﴾ بالنبوة، أو بحسن الخلق فالخلق أو بترك الانتقام. ﴿تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ عواقب الأمور، أو عبارة الرؤيا، أو العلم والحكمة. ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ بالنبوة، أو بإعلاء كلمتك وتحقيق رؤياك ﴿وعلى آل يعقوب﴾ بأن ٣ يجعل فيهم النبوة ﴿كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ نعمته على إبراهيم بالنجاة من النار وعلى إسحاق بالنجاة من الذبح. {لقد كان في يوسف وإخوته ءايات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى
109
أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين}
110
٧ - ﴿آيات﴾ عبر، أو زواجر بما ظهر في يوسف من عواقب البغي عليه، أو بصدق رؤياه وصحة تأويله، أو بقهره شهوته / [٨٣ / أ] حتى سلم من المعصية، أو بحدوث الفرح بعد شدة الإياس، قال ابن عطاء: ما سمع سورة يوسف محزون إلا استروح إليها.
٨ - ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ كانا أخوين للأبوين ثم ماتت أُمهما فكفلهما أبوهما وزاد لذلك في مراعاتهما فحسدوهما وكان عطفه على يوسف أكثر فلذلك كان حسده أكثر ثم اشتد بسبب رؤياه. ﴿عُصْبَةٌ﴾ العصبة، الجماعة أو ستة أو سبعة، أو من عشرة إلى خمسة عشرة، أو إلى أربعين. ﴿ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ محبة ظاهرة، أو خطأ في رأيه، أو جور في فعله لتفضيله الصغير على الكبير والقليل على الكثير ومن لا يراعي ماله على من يراعيه وكانوا حينئذ بالغين مؤمنين ليسوا بأنبياء لقولهم: ﴿استغفر لنا ذنوبنا) {الي﴾ (خاطئين} [٩٧]، أو لم يبلغوا لقولهم: ﴿ويلعب﴾ [١٢].
٩ - ﴿أَرْضاً﴾ لتأكله السباع، أو ليبعد عن أبيه، ﴿صَالِحِينَ﴾ بالتوبة، أو في دنياكم دون الدين.
١٠ - ﴿قَآئِلٌ﴾ شمعون، أو يهوذا، أو أكبرهم روبيل بن خالة يوسف ﴿غيابة الْجُبِّ﴾ قعره، أو ظلمته التي تغيب عن الأبصار. سمي غيابة لأنه يغيب فيه أثره، أو خبره، وكان رأسه حنيفاً وأسفله واسعاً. والجب بئر في بيت المقدس، أو بئر غير معينة، أو الجب ما عظم من الآبار سواء كان فيه ماء أو لم يكن، أو ما لا طي له لأنها قطعت ولم يحدث فيها غير القطع قاله الزجاج. ﴿يَلْتَقِطْهُ﴾ يأخذه من
110
اللقطة. ﴿السَّيَّارَةِ﴾ المسافرون لسيرهم، أو مارة الطريق. ﴿قالوا يا آبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قالوا إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون﴾
111
١٢ - ﴿نرتع﴾ نلهوا ونلعب، أو نسعى وننشط، أو نتحافظ ويلهو، أو يرعى ويتصرف، أو نطعم ونتنعم من الرتعة وهي سعة المطعم والمشرب. ولم ينكر أبوهم اللعب لأنهم أرادوا المباح منه.
١٣ - ﴿وَأَخَافُ﴾ خافهم عليه فكنى عنهم بالذئب " ع " أو خاف الذئب لغلبته في الصحارى. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق
111
﴿وتركنا يوسف عند متاعنا فأكلهُ الذئبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنا صَادِقِينَ وجآءُو على قميصه بدم كذب قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميلٌ والله المستعان على ما تصفون﴾
112
١٥ - ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ) ألهمناه، أو نَبَّأه في الجب {لَتُنَبِّئَنَّهُم﴾ لتوبخنهم بفعلهم، بشره بخلاصه من الجب، أو أخبره بما يصنعون به قبل إلقائهم أياه في الجب إنذاراً له. ﴿لا يَشْعُرُونَ﴾ بأنك أخوهم، أو بأن الله - تعالى - أوحى إليه بالنبوة " ع ".
١٧ - ﴿نَسْتَبِقُ﴾ على الأقدام أو بالنضال، أو في اقتناص الصيد، أو في عملهم الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب. ﴿صَادِقِينَ﴾ وإن صَدَقْنا أو إن كنا أهل صدق لما صدقتنا.
١٨ - ﴿بِدَمٍ﴾ سخلة، أو ظبية. فلما رأى القميص غير مشقوق قال: يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً أفأكل ابني وأبقى عليه قميصه. ﴿كَذِبٍ﴾ وصفه بالمصدر، وكان في القميص ثلاث آيات: حين جاءوا عليه بالدم، وحين قُد، وحين أُلقي على وجه أبيه. ﴿سَوَّلَتْ﴾ زينب، أو أمرت " ع "، قاله عن وحي، أو عن علم تقدم له به، أو عن حدس وفراسة ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ ومن الجميل أن أصبر، أو أمر نفسه بصبر جميل / لا جزع فيه، أو لا شكوى فيه، وسئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عنه فقال: " صبر لا شكوى فيه، من بث فلم يصبر " ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾ على الصبر الجميل، أو على احتمال ما تصفون أو تكذبون ابتُلي يعقوب في كبره ويوسف في صغره. {وجآءت سيّارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسرّوه بضاعة والله
112
عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين}
113
١٩ - ﴿فَأَدْلَىَ دَلْوَهُ﴾ أرسلها ليملأها، ودلاها أخرجها ملأى فلما أرسلها تعلق بها يوسف ﴿بشراي﴾ بشرهم بذلك، أو نادى رجلاً اسمه ﴿بشرى﴾ يعلمه بالغلام، وألقي فيه وهو ابن سبع عشرة سنة، أو ست سنين. أخرجته السيارة بعد ثلاثة أيام ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾ كان أخوته بقرب الجب فلما أخرج قالوا: هذا عبدنا أوثقناه فباعوه وأسروا بيعه بثمن جعلوه بضاعة لهم " ع "، أو أسرّ ابتياعه الذين وردوا الجب من أهل الرفقة لئلا يشركوهم وتواصوا أنها بضاعة استبضعناها من أهل الماء، أو أسر مشتروه بيعه من الملك لئلا يعلم أصحابهم وذكروا أنه بضاعة.
٢٠ - ﴿وَشَرَوْهُ﴾ باعه إخواته من السيارة " ع "، أو السيارة من الملك. ﴿بَخْسٍ﴾ حرام لأنه ثمن حر " ع "، أو ظلم أو قليل ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ عشرين أقتسمها العشرة كل واحد درهمين " ع "، أو اثنين وعشرين اقتسمها الأحد عشر كل واحد درهمين، أو أربعين درهماً: قال السدي: اشتروا بها خفافاً ونعالاً ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ غير موزونة لزهدهم فيه، أو كانوا لا يزنون أقل من أوقية وهي أربعون وكان ثمنه أقل منها. ﴿وَكَانُواْ فِيهِ﴾ إخوته زهدوا فيه لما صنعوا به، أو السيارة لأنهم باعوه بما باعوا لعلمهم حريته، أو ظنوه عبداً فخافوا أن يظهر عليهم مالكه فيأخذه، قال عكرمة أعتق يوسف لما بيع. {وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً
113
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده ءاتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين} ٢١ - ﴿الَّذِى اشْتَرَاهُ﴾ العزيز ملك مصر " أطيفر بن روجيب ". وامرأته " راعيل "، أو اسمه " قطفير " وكان على خزائن مصر، والملك حينئذ " الوليد بن الرياني " من العماليق " ع "، وباعه مالك بن دعر بعشرين ديناراً وزاده املك بَغْلَة ونعلين ﴿أَكْرِمِى﴾ أجملي منزله، أو أحلي منزلته بطيب الطعام ولين المرقد واللباس. ﴿يَنفَعَنَآ﴾ بالربح في ثمنه، أو نعتقه ونتبناه. قال ابن مسعود: أحسن الناس فراسة ثلاثة: العزيز وابنة شعيب وأبو بكر - رضي الله تعالى عنه - في استخلافه عمر - رضي الله تعالى عنه - ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ﴾ بإخراجه من الجب، أو باستخلاف الملك له ﴿عَلَى أَمْرِهِ﴾ أمر الله - تعالى - فيما أراده فيقول له كن فيكون، أو أمر يوسف حتى يبلغ فيه مراده.
114
﴿ الذي اشتراه ﴾ العزيز ملك مصر ' أطيفر بن روجيب '. وامرأته ' راعيل '، أو اسمه ' قطفير ' وكان على خزائن مصر، والملك حينئذ ' الوليد بن الرياني ' من العماليق " ع "، وباعه مالك بن دعر بعشرين ديناراً وزاده الملك بغلة ونعلين ﴿ أكرمي ﴾ أجملي منزله، أو أحلي منزّلته بطيب الطعام ولين المرقد واللباس. ﴿ ينفعنا ﴾ بالربح في ثمنه، أو نعتقه ونتبناه. قال ابن مسعود : أحسن الناس فراسة ثلاثة : العزيز وابنة شعيب وأبو بكر - رضي الله تعالى عنه - في استخلافه عمر - رضي الله تعالى عنه - ﴿ مكنا ليوسف في الأرض ﴾ بإخراجه من الجب، أو باستخلاف الملك له ﴿ على أمره ﴾ أمر الله -تعالى- فيما أراده فيقول له كن فيكون، أو أمر يوسف حتى يبلغ فيه مراده.
٢٢ - ﴿أَشُدَّهُ﴾ أشد يوسف عشرون سنة، أو ثلاثون سنة، والأشد قوة الشباب وهو الحلم، أو ثماني عشرة سنة " ع "، أو خمس وعشرون أو ثلاثون، أو ثلاث وثلاثون، وآخر الأشد أربعون، أو ستون ﴿حُكْماً﴾ على الناس، أو عقلاً، أو حكمة في أفعاله، أو القرآن، أو النبوة ﴿وَعِلْماً﴾ فقهاً، أو نبوة ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ المطيعين، أو المهتدين " ع ".
114
﴿وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لايفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا أن رءا برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين﴾
115
٢٣ - ﴿والتي هُوَ فِى بَيْتِهَا﴾ " راعيل " امرأة العزيز " أطفير " أو زليخة وكان العزيز لا يأتي النساء. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: اقتسم يوسف وحواء الحسن نصفين. ﴿وغلقت / [٨٤ / أ] الأَبْوَابَ﴾ بكثرة الأغلاق، أو بشدة الاستيثاق ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ هلم لك ﴿هِئتُ لك﴾ تهيأت لك، و " هيت " قبطية " ع "، أو سريانية، أو عربية. ﴿إِنَّهُ رَبَّى﴾ الله ﴿أَحْسَنَ مَثْوَاىَ﴾، فلا أعصيه، أو العزيز أو أطفير ربي سيدي أحسن مثواي فلا أخونه.
٢٤ - ﴿هَمَّتْ بِهِ﴾ شهوة، أو استلقت له وتهيأت لوقوعه ﴿وَهَمَّ﴾ بضربها، أو التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، أو كان همه عظة، أو كان همه حديث نفس من غير عزم، أو همه ما في طباع الرجال من شهوة النساء وإن كان قاهراً له، أو عزم على وقاعها فحل الهميان وهو السراويل وجلس منها مجلس الرجل من المرأة " ع "، وجمهور المفسرين، وابتلاء الأنبياء بالمعاصي ليكونوا على وجل ويجدُّوا في الطاعة، أو ليعرفهم نعمته عليهم بالصفح والغفران، أو
115
ليقتدى بهم المذنبون في الخوف والرجاء عند التوبة. ﴿بُرهَانَ رَبِّهِ﴾ نودي أتزني فتكون كطائر وقع ريشه فذهب يطير فلم يستطع، أو رأى صورة أبيه يقول أتهم بفعل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء فخرجت شهوته من أنامله، وولد لكل من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكراً إلا يوسف لم يولد له إلا غلامين ونقص بتلك الشهوة ولده، أو رأى مكتوباً على الحائط ﴿ولا تقربوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٣٢]، أو رأى أطفير سيده، أو ما أتاه الله - تعالى - من العفاف والصيانة وترك الفساد والخيانة، أو رأى ستراً فقال: ما وراء هذا فقالت: صنمي الذي أعبده سترته حياء منه فقال: إذا استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر فأنا أحق أن أستحي من إلهي وأتوقاه. ﴿السُّوءَ﴾ الشهوة ﴿وَالْفَحْشَآءَ﴾ المباشرة، أو ﴿السُّوءَ﴾ الثناء القبيح، ﴿وَالْفَحْشَآءَ﴾ الزنا. ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ للطاعة و ﴿المخلصين﴾ للرسالة. {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبرٍ وألفيا سيّدها لدا الباب قالت ماجزاء من أراد
116
بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليمٌ قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهدٌ من أهلها إن كان قميصه قد من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصادقين فلمّا رءا قميصه قدّ من دبرٍ قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين}
117
٢٥ - ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ ليخرج منه هرباً وأسرعت إليه طلباً ﴿وَقَدَّتْ﴾ أدركته وقد فتح بعض الأغلاق فجذبته فشقت قميصه إلى ساقه فسقط عنه وتبعته. ﴿وَالْفَيَا) {وجدا﴾ (سَيِّدَهَا} زوجها بلسان القبط.
٢٦ - ﴿هِىَ رَاوَدَتْنِى﴾ لما كذبت عليه دافع عن نفسه بالصدق ولو كفت عن كذبها لكف عن الصدق، ولو خلص حبها من الشهوة لما كذبت عليه ﴿شَاهِدٌ﴾ صبي أنطقه الله - تعالى - في مهده، أو خلق من خلق الله - تعالى - ليس بإنس ولا جن، أو حكيم ﴿مِّنْ أَهْلِهَآ﴾ ابن عمها، أو شهادة القميص المقدود لو كان مقدوداً من قُبُل لَدلَّ على الطلب لكنه قد من دُبُر فَدَلَّ على الهرب.
٢٨ - ﴿كَيْدِكُنَّ﴾ كذبها، أو إرادتها السوء، قاله الزوج، أو الشاهد.
٢٩ - ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ الأمر تسلية له إذ لا إثم فيه، أو عن هذا القول تصديقاً له في براءته قاله الزوج، لأنه لم يكن غيوراً، أو سلبه الله - تعالى - الغيرة إبقاء على يوسف حفظاً / [٨٤ / ب] له من بادرته، وأمر زوجته الإقلاع عن مثل ذلك بالاستغفار ﴿الخاطئين﴾ خطئ إذا قصد الذنب وأخطأ إذا لم يقصده
117
وكذلك الصواب والصوب.
﴿وقال نسوةٌ في المدينة أمرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً وإنّا لنراها في ضلال مبين فلمّا سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وءاتت كل واحدة منهن سكيناً وقالت أخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ قالت فذلكنّ الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما ءامره ليسجننّ وليكونا من الصاغرين قال رب السجن أحب إليّ ممّا يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنّ أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربّه فصرف عنه كيدهن إنّه هو السميع العليم﴾
(لعمرك أنما خطئي وصوبي | عليّ وإنما أهلكت مالي) |
118
٣٠ - ﴿نِسْوَةٌ﴾ أربع، امرأة الحاجب، وامرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة القهرمان، أو الخامسة امرأة السجان. ﴿في المدينة﴾ مصر، أوعين شمس شغاف ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ بَرَّأْن يوسف وذممنها وطعنَّ فيها ﴿شَغَفَهَا﴾ ولج حبه شغاف قلبها وهو حجابه، أو غلافه: جلدة رقيقة بيضاء تكون عليه وتسمى لباس القلب، أو باطن القلب، أو حبته، أو داء يكون في الجوف، أو الذعر والفزع الحادث عن شدة الحب، والشغف: الحب القاتل والشغف دونه " ع "، أو الشغف الجنون والشغف الحب ﴿ضَلالٍ﴾ عن الرشد، أو محبة شديدة.
٣١ - ﴿بِمَكْرِهِنَّ إنكارهن، أو أسرَّت إليهن حبها له فأذعنه، {وأعتدت﴾ من الإعتاد، أو العدوان ﴿متكأ﴾ مجلساً، أوالنمارق والوسائد التي يتكأ عليها، أو الطعام من قولهم: اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده لأنهم كانوا يعدون المتكأ للمدعو إلى الطعام فسمي به الطعام توسعاً والمراد به هنا البزماورد، أو الأترج " ع "، " والمتك " مجفف الأترج، أو كل ما يحز بالسكين، أو عام في كل الطعام. ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾ أعظمنه " ع "، أو وجدن شبابه في الحسن والجمال كبيراً، أو حِضْنَ، والمرأة إذا جزعت أو خارت حاضت والإكبار الحيض، قال:
﴿قطعن أيدهن﴾ حتى بانت، أو جرحنها حتى دميت. ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ معاذ الله أو سبحان الله. مأخوذ من المراقبة، ما أحاشي في هذا الأمر أحداً أني ما أراقبه، أو من قولهم: كنت في حشا فلان أي ناحيته، فحاشى فلاناً أي أعزله في حشا وهو الناحية ﴿بَشَراً﴾ أهل للمباشرة، أو من جملة البشر لما علمن من عفته إذ لو كان بشراً لأطاعها، أو شبهنه بالملائكة حسناً وجمالاً ﴿كَرِيمٌ﴾ مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة.
(نأتي النساء على أطهارهن ولا | نأتي النساء إذا أكبرن إكباراً) |
٣٣ - ﴿أَصْبُ﴾ أتابع، أو أميل، قال:
(إلى هند صبا قلبي... وهند مثلها يصبى)
﴿ثم بدا لهم من بعد ما ما رأوا الآيات ليسجننّه حتى حين ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين﴾
(إلى هند صبا قلبي... وهند مثلها يصبى)
﴿ثم بدا لهم من بعد ما ما رأوا الآيات ليسجننّه حتى حين ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين﴾
٣٥ - ﴿الأَيَاتِ﴾ قدِّ القميص وقطع الأيدي، أو ما ظهر من عفته وجماله ﴿حِينٍ﴾ هنا ستة أشهر، أو سبع سنين، أو زمان غير محدود، قالت لزوجها: قد فضحي هذا العبد العبراني، وقال: إني راودته عن نفسي فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه.
٣٦ - ﴿فَتَيَانِ﴾ عبدان والعبد يسمى فتى صغيراً كان أو كبيراً، كان أحدهما على طعام الملك الأكبر " الوليد بن الريان " والآخر ساقية فاتُّهما بسمه، فلما دخلا معه سألاه عن علمه فقال: عابر، فسألاه عن رؤياهما صدقاً منهما، أو كذباً ليجربا علمه فلما أجابهما قالا: كنا نلعب فقال: ﴿قضي الأمر﴾ الآية [٤١]، أو كان المصلوب كاذباً والآخر صادقاً. ﴿خَمْراً﴾ / [٨٥ / أ] عنباً سماه بما يؤول إليه، أو أهل عمان يسمون العنب خمراً. ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ قالوه لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم، أو كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالأجر، أو كان لا يرد عذر معتذر ويقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه، أو ممن أحسن العلم، أو نراك من المحسنين إن نبأتنا بتأويل هذه الرؤيا. {قال لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي
120
إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالأخرة هم كافرون واتبعت ملة ءاباءى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئٍ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}
121
٣٧ - ﴿تُرْزَقَانِهِ﴾ لا يأتيكما في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة قبل إتيانه، أو لا يأتيكما في اليقظة إلا أخبرتكما به لأنه كان يخبر عن الغيب كعيسى، أو كان الملك إذا أراد قتل إنسان أرسل إليه طعاماً معروفاً فكره يوسف تعبيرها لئلا يحزنه فوعده بتأويلها عند وصول الطعام إليه فلما ألح عليه عبّرها له، قاله ابن جريج ﴿ذَلِكُمَا﴾ تأويل الرؤيا، وعدل عن العبارة إلى قوله: ﴿تركت ملة قوم﴾ لما كان في عبارتها من الكراهة، ورغبهما في طاعة الله - تعالى -.
٣٨ - ﴿فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا﴾ بالنبوة ﴿وَعَلَى النَّاسِ﴾ بأن بعثنا إليهم " ع ". ﴿يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾
٤٠ - ﴿الْقَيِّمُ﴾ المستقيم، أو الحساب البَيَّن، أو القضاء الحق " ع ". {يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقى ربّه خمراً وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الأمر الذي فيه تستفتيان وقال الذي ظنّ أنّه ناجٍ منهما
121
أذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربّه فلبث في السجن بضع سنين}
122
٤١ - ﴿قَُضِىَ الأَمْرُ﴾ السؤال والجواب. أو استقصى التأويل، ويجوز أن يكون قوله ذلك عن وحي.
٤٢ - ﴿ظَنَّ﴾ تيقن، أو على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن فلم يقطع بها، أو لم يقطع بصدقها فكان ظنه لشكه في صدقهما ﴿رَبٍّكَ﴾ سيدك " الوليد بن الريان " رجاء للخلاص بذكره عنده ﴿فَأَنسَاهُ﴾ الضمير للساقي نسي ذكر يوسف عند ربه، سيده، أو ليوسف نسي ذكر الله - تعالى - بالاستغاثة به، قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث " قال " ع ": عوقب بطول السجن بضع سنين بكلمته ولو ذكر ربه لخصله. وكانت مدة لبثه في السجن سبع سنين، أو ثنتي عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة والبضع منها مدة عقوبته على الكلمة لا مدة الحبس كله، قيل لبث سبعاً عقوبة بعد الخمس. والبضع من ثلاث إلى سبع، أو تسع، أو عشر " ع "، أو إلى الخمس حكاه الزجاج، ولا يذكر البضع إلا مع العشر أو العشرين إلى التسعين ولا يذكر بعد المائة، قاله الفراء، ورأى الملك الأكبر الوليد رؤياه
122
لطفاً بيوسف ليخرج من السجن ونذيراً بالجدب ليتأهبوا له. ﴿وقال الملك إني ارى سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبعٌ عجافٌ وسبع سنبلات خضرٍ وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رءياي إن كنتم للرءيا تعبرون قالوا أضغاث أحلامٍ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمةٍ أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبع عجافٌ وسبع سنبلاتٍ خضرٍ وأخر يابساتٍ لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون ٤٧ ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شدادٌ يأكلن ما قدمتم لهنّ إلا قليلاً مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس وفيه يعصرون﴾
123
٤٤ - ﴿أَضْغَاثُ﴾ أخلاط، أو ألوان، أو أهاويل، أو أكاذيب، أو شبهة أحلام، أبو عبيدة: الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا، قال: كضِغث حُلم غُرَّ منه حالِمه والضِغث حزمة الحشيش المجموع بعضه إلى بعض، وقيل ما ملأ الكف.
123
والأحلام في النوم مأخوذة من الحِلْم وهو الأناة والسكون، لأن النوم حال أناةٍ وسكون، ويجوز أن يكونوا صرفوا عن عبارتها لطفاً بيوسف ليكون سبباً في / [٨٥ / ب] خلاصه.
124
٤٥ - ﴿أُمَّةٍ﴾ حين " ع "، أو نسيان. أو أمة من الناس، قال الحسن رضي الله تعالى عنه - ألقوه في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة، وعاش بعد جمع شمله ثلاثاً وعشرين سنة. ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ لم يكن السجن في المدينة فانطلق إليه وذلك بعد أربع سنين من فراقه.
٤٦ - ﴿سُنبُلاتٍ خُضْرٍ﴾ بقر الخصب سمان وسنابله خضر، وبقر الجدب عجاف وسنابلها يابسات فعبّر ذلك بالسنين. ﴿النَّاسِ﴾ الملك وقومه، ويحتمل أنه عبّر بالناس عن الملك تعظيماً له.
٤٧ - ﴿دأبا﴾ تباعاً، أوالعادة المألوفة في الزراعة. ﴿تَزْرَعُونَ﴾ خبر أو أمر لأنه نبي يأمر بالمصالح. ﴿فذروه﴾ أمرلأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل.
٤٨ - ﴿شِدَادٌ﴾ على أهلها لجدبها، كان يوسف يضع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفاً، فقربه إليه يوماً فأكله كله فقال يوسف هذا أول يوم من السبع الشداد، ﴿قَدَّمْتُمْ﴾ ادخرتم لهن. ﴿تُحْصِنُونَ﴾ تدخرون، أو تخزنون في الحصون.
٤٩ - ﴿يغاث الناس﴾ بنزول الغيث " ع "، أو بالخصب ﴿يَعْصِرُونَ﴾ العنب والزيتون من خصب الثمار، أو يحلبون الماشية من خصب المرعى، أو يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر ﴿مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً﴾ [النبأ: ١٤] أو
124
ينجون من العصرة وهي النجاة، قاله أبو عبيدة والزجاج، أو يحبسون ويفضلون. وليس هذا من تأويل الرؤيا وإنما هو خبر أطلعه الله - تعالى - عليه علماً لنبوته. ﴿وقال الملك أئتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة الآتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ماخطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت أمرأت العزيز الئان حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنّه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم﴾
125
٥٠ - ﴿ارْجِعْ إِلَىَ رَبِّكَ﴾ توقف عن الخروج لئلا يراه الملك خائناً ولا مذنباً. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" رحم الله يوسف أن كان ذا أناة لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعاً " ﴿مَا بَالُ النِّسْوَةِ﴾ سأل عنهن دونها إرادة أن لا
125
يبتذلها بالذكر، أو لأنهن شاهدات عليه. ﴿إِنَّ رَبِّى﴾ الله - تعالى - أو سيده العزيز. ٥١ - ﴿رَاوَدتُّنَّ﴾ راودنه على طاعتها فيما طلبت منه، أو راودته وحدها فجمعهن احتشاماً. ﴿مَا عَلِمْنَا﴾ شهدن على نفي علمهن لأنه نفى ﴿حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ وضع وبان " ع "، وفيه زيادة تضعيف مثل كبو وكبكوا قاله الزجاج، مأخوذ من حص شعره إذا استأصل قطعه، والحصة من الأرض قطعة منها، فحصحص الحق انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه. ﴿أَنَاْ رَاوَدتُّهُ﴾ برأة الله - تعالى - عند الملك بشهادة النسوة وبإقرار امرأة العزيز واعترافها بذلك توبة بما قرفته به.
126
٥١ - ﴿ راودتنّ ﴾ راودنه على طاعتها فيما طلبت منه، أو راودته وحدها فجمعهن احتشاماً. ﴿ ما علِمنا ﴾ شهدن على نفي علمهن لأنه نفى ﴿ حصحص الحق ﴾ وضع وبان " ع "، وفيه زيادة تضعيف مثل كبو وكبكوا قاله الزجاج، مأخوذ من حص شعره إذا استأصل قطعه، والحصة من الأرض قطعة منها، فحصحص الحق انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه. ﴿ أنا راودته ﴾ برأه الله -تعالى- عند الملك بشهادة النسوة وبإقرار امرأة العزيز واعترافها بذلك توبة بما قرفته به.
٥٢ - ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ﴾ يوسف أني لم أكذب عليه الآن في غيبته.
٥٣ - ﴿وما أبرئ نفسي﴾ لأني راودته، لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة، قالته امرأة العزيز، أو قال يوسف بعد ظهور صدقه ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ﴾ العزيز أني لم / أخنه في زوجته، فقالت امرأة العزيز: ولا حين حللت السراويل، فقال: ﴿ما أبرئ نَفْسِى﴾، أو غمزه جبريل - عليه السلام - فقال: ولا حين هممت، فقال: ﴿وما أبرئ نَفْسِى﴾ " ع " أو قال الملك الذي مع يوسف: اذكر ما هممت به، فقال: ﴿وَمَآ أبرئ نَفْسِى﴾ قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه -، أو قال العزيز ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ﴾ يوسف ﴿أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ وأغفل عن مجازاته على أمانته ﴿وما أبرئ نفسي﴾ من سوء الظن به. {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال
126
اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}
127
٥٤ - ﴿أَسْتَخْلِصْهُ﴾ لما علم الملك الأكبر أمانته طلب استخدامه في خاص خدمته ﴿مَكِينٌ﴾ وجيه، أو متمكن في الرفعة والمنزلة ﴿أَمِينٌ﴾ آمن لا يخاف العواقب، أو ثقة مأمون، أو حافظ ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ استدل بكلامه على عقله، وبعفته على أمانته.
٥٥ - ﴿خَزَآئِنِ﴾ الأموال، أو الطعام، أو الخزائن: الرجال، لأن الأقوال والأفعال مخزونة فيهم، وهذا تعمق مخالف للظاهر، وهذا مجوز لطلب الولاية لمن هو أهل لها، فإن كان المولى ظالماً جاز تقلد الولاية منه إذا عمل الوالي بالحق لأن يوسف قبل من فرعون، أو لا يجوز ذلك لما فيه من تولي الظالمين ومعونتهم بالتزكية وتنفيذ أعمالهم، وإنما قبل يوسف من الملك ولاية ملكه الخاص به، أو كان فرعون يوسف صالحاً وكان فرعون موسى طاغياً، والأصح أن ما جاز لأهله توليه من غير اجتهاد في تنفيذه جازت ولايته من الظالم كالزكوات المنصوصة، وما لا يجوز أن ينفردوا به كأموال الفيء لا يجوز توليه من الظالم، وما يجوز أن يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضاء فإن كان حكماً بين متراضيين أو توسطا بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز. ﴿حَفِيظٌ﴾ لما استودعتني. ﴿عَلِيمٌ﴾ بما وليتني، أو ﴿حَفِيظٌ) {بالكتاب﴾ (عَلِيمٌ} بالحساب، وهو أول من كتب في القراطيس، أو ﴿حَفِيظٌ﴾ للحساب ﴿عَلِيمٌ﴾ بالألسن أو ﴿حَفِيظٌ﴾ بما وليتني، ﴿عَلِيمٌ﴾ بسني المجاعة، فيه دليل على جواز تزكية النفس عند حاجة تدعو إلى ذلك. ﴿وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خيرٌ للذين ءامنوا وكانوا يتقون﴾
٥٦ - ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ استخلفه الوليد على عمل أطيفر وعزله، قال مجاهد: وأسلم على يده، قال " ع ": ملك بعد سنة ونصف. ثم مات أطفير
127
فزوجه الملك بامرأته راعيل فوجدها يوسف عذراء، وولدت له ولدين، أفرائيم وميشا، ومن زعم أنها زليخا قال لم يتزوجها يوسف، ولما رأته في فوكبه بكت ثم قالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيداً والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكاً فضمها إليه فكانت من عياله حتى ماتت ولم يتزوجها. ﴿يَتَبَوَّأُ﴾ يتخذ من أرض مصر منزلاً حيث شاء، أو يصنع في الدنيا ما يشاء لتفويض / [٨٨ / ب] الأمر إليه. ﴿بِرَحْمَتِنَا﴾ نعمة الدنيا، ﴿وَلا نُضِيعُ﴾ ثواب ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ في الآخرة، أو كلاهما في الدنيا، أو كلاهما في الآخرة، ونال يوسف ذلك ثواباً على بلواه، أو تفضلاً من الله - تعالى - وثوابه باقٍ في الآخرة بحاله.
128
٥٧ - ﴿وَلأَجْرُ الأَخِرَةِ خَيْرٌ﴾ من أجر الدنيا لأنه دائم وأجر الدنيا منقطع، أو خير ليوسف من التشاغل بملك الدنيا لما فيه من التبعة. ﴿وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين ٥٩ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلّهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلّهم يرجعون﴾
٥٨ - ﴿فَعَرَفَهُمْ﴾ من غير تعريف، أو ما عرفهم حتى تعرفوا إليه، أو عرفهم بلسانهم العبراني، قال " ع "،: لما عبر أبوهم بهم فلسطين فنزل وراء النهر سموا عبرانيين. وجاءو ليمتاروا في سني القحط التي ذكرها يوسف في عبارته فدخلوا عليه لأنه كان يتولى بيع الطعام لعزته. ﴿مُنكِرُونَ﴾ لانهم فارقوه صغيراً فكبر، وفقيراً فاستغنى، وباعوه عبداً فصار ملكاً.
٥٩ - ﴿بِجَهَازِهِم﴾ كال لكل واحد منهم بعيراً بعدتهم. ﴿ائْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ﴾ خلا بهم وقال قد ارتبت بكم وأخشى أن تكونوا عيوناً فأخبروني من أنتم؟
128
فذكروا حالهم وحال أبيهم وإخواتهم يوسف وبنيامين، فقال: أئتوني بهذا الأخ يظهر أنه يستبرئ بذلك أحوالهم، أو ذكروا له أنه أحب إلى أبيهم منهم فأظهر لهم محبة رؤيته ﴿الْمُنزِلِينَ﴾ المضيفين من النزل وهو الطعام، أو خير من نزلتهم عليه من المنزل وهو الدار، وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا فرهنوا شمعون، واختاره لأنه كان يوم الجب أجملهم قولاً ورأياً.
129
٦١ - ﴿سَنُرَاوِدُ﴾ المراودة: الاجتهاد في الطلب مأخوذ من الإرادة ﴿لفاعلون﴾ العود بأخيهم، أو المرادوة وطلب أخاه وإن كان فيه إحزان أبيه لجواز أن يكون أمر بذلك ابتلاء ومحنة أو لتتضاعف له المسرة برجوع الابنين، أو ليتنبه أبوه على حاله، أو ليقدم سرور أخيه بلقائه قبل إخوته لميله إليه.
٦٢ - ﴿لفتيته﴾ الذين كالوا الطعام، أو غلمانه ﴿بِضَاعَتَهُمْ﴾ الورق التي اشتروا بها الطعام، أو ثمانية جرب فيها سويق المقل. ﴿فلمّا رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منّا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنّا له لحافظون قال هل ءامنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين﴾
٦٣ - ﴿رَجَعُواْ إِلَى أَبِيهِمْ﴾ بالعربات من فلسطين، أو بالأولاج من ناحية الشعب أسفل من [حِسمى]، وكانوا بادية أهل إبل وشاء ﴿مُنِعَ﴾ سيمنع ﴿نَكْتَلْ﴾ أي إن أرسلته أمكننا أن نعود فنكتال
٦٤ - ﴿هل آمنكم﴾ لما ضمنوا حفظ يوسف وأضاعوه قال لهم ذلك في حق أخيه.
129
﴿ولمّا فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعيرٍ ذلك كيلٌ يسيرٌ قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله لتأتننّى به إلا أن يحاط بكم فلمّا ءاتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل﴾
130
٦٥ - ﴿مَا نَبْغِى﴾ استفهام أي ما نبغي بعد هذا الذي عاملنا به أو ما نبغي بالكذب فيما أخبرناك به عن الملك. ﴿كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ الذي نحمل عليه أخانا، أو كان يوسف قَسَّط الطعام فلا يعطي لأحد أكثر من بعير ﴿يَسِيرٌ﴾ لا يقنعنا، أو يسير على من يكتله لنا.
٦٦ - ﴿مَوْثِقاً﴾ إشهادهم الله على أنفسهم، أو حلفهم بالله، أوكفيل يكفل ﴿يُحَاطََ بِكُمْ﴾ يهلك جميعكم، أو تغلبوا على أمركم. ﴿وقال يابنيّ لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبوابٍ متفرقةٍ وما أغنى عنكم من الله من شيءٍ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولمّا دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىءٍ إلا حاجةً في نفس يعقوب قضاها وإنّه لذو علمٍ لما علّمناه ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون﴾
٦٧ - ﴿لا تَدْخُلُواْ﴾ مصر من باب من أبوابها عند الجمهور، أو عبر عن الطريق / [٨٧ / أ] بالباب فأراد طريقاً من طرقها خشي عليهم العين لجمالهم، " ع "، أو خاف عليهم الملك أن يرى عددهم وقوتهم فيبطش بهم حسداً. ﴿وَمَآ أُغْنِى عَنكُم﴾ من شيء أحذره أشار بالرأي أولاً، وفوض إلى الله أخيراً.
٦٨ - ﴿حاجة﴾ سكون نفسه بالوصية لحذره العين ﴿لذوعلم﴾ متيقن وعدنا، أو حافظ لوصيتنا، أو عامل بما علم. ﴿ولمّا دخلوا على يوسف ءاوى إليه أخاه قال إنّى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون﴾
٦٩ - ﴿أَنَاْ أَخُوكَ﴾ مكان أخيك الهالك، أو أخوك يوسف ﴿فَلا تَبْتَئِسْ﴾ لا تحزن، أو لا تأيس. ﴿يَعْمَلُونَ﴾ بك وبأخيك فيما مضى، أو باستبدادهم دونك بمال أبيك. ﴿فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم﴾
٧٠ - ﴿بِجَهَازِهِمْ﴾ الطعام وحمل البعير لأخيهم ﴿السِّقَايَةَ﴾ والصواع واحد " ع "، وكل شيء يشرب فيه فهو صواع، قال:
وكان إناء الملك الذي يشرب فيه من فضة، أو ذهب، كال به طعامهم مبالغة في إكرامهم، أو هو المكوك العادي الذي تلتقي طرفاه. ﴿أَذَّنَ﴾ نادى مناد ﴿الْعِيرُ﴾ الرفقة، أو الإبل المرحولة المركوبة. ﴿لَسَارِقُونَ﴾ جَعْلُ السقاية في رحل أخيه عصيان، فعله الكيّال ولم يأمر به يوسف، أو فعله يوسف فلما فقد الكيال السقاية ظن أنهم سرقوها فقال: ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾، أو كانت خطيئة ليوسف جوزي عليها بقولهم: ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ﴾ [٧٧] أو كان النداء
(نشرب الخمر بالصواع جهارا | وترى المتك بيننا مستعارا) |
131
بأمر يوسف وعني بالسرقة سرقتهم ليوسف من أبيه وذلك صدق، لأنهم كالسارق لخيانتهم لأبيهم.
132
٧٢ - ﴿صُوَاعَ﴾ الصواع والصاع واحد، وكانت مشربة للملك أو كالمكوك يكال به. (بَعِيرٍ) ﴿جمل عند الجمهور، أو حمار في لغة. بذله المنادي عن نفسه لقوله: {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾، أو بذله عن الملك من طعام الملك ويجوز أن يكون الحمل معلوماً عندهم كالوسق فيكون جعلاً معلوماً، ويمكن أن يكون مجهولاً. ﴿قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاءه إن كنتم كاذبين قالوا جزاءه من وجد في رحله فهو جزاءه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثمّ استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علمٍ عليمٌ﴾
٧٣ - ﴿لَقَدْ عَلِمْتُم﴾ ذكروا ذلك لأنهم عرفوا أمانتهم بردهم البضاعة التي وجدوها في رحالهم ﴿لِنُفْسِدَ﴾ لنسرق.
٧٥ - ﴿جَزَآؤُهُ﴾ جزاء من سرق أن يسترق كذلك يُجزى السارق بالاسترقاق، كان هذا دين يعقوب.
٧٦ - ﴿استخراجها﴾ الضمير للسرقة، أو للسقاية، أو الصاع يذكر ويؤنث قاله الزجاج ﴿كِدْنَا﴾ صنعنا، أو دبرنا، أو أردنا..