تفسير سورة سورة يوسف من كتاب صفوة التفاسير
المعروف بـصفوة التفاسير
.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
ﰡ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
ﰀ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﰁ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﰂ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﰃ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﰄ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰅ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
ﰆ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰇ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰈ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﰉ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰊ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰋ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﰌ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ
ﰍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰎ
ﭤﭥﭦﭧ
ﰏ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰐ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰑ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ
ﰒ
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﰓ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﰔ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰕ
اللغَة: ﴿المبين﴾ الظاهر الجلي ﴿القصص﴾ إتباعُ الخبر بعضُه بعضاً وأصلُه في اللغة المتابعة ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] أي اتبعي أثَره والمراد بالقَصَص الأخبار التي قصها علينا الله في كتابه العزيز ﴿الرؤيا﴾ خاصة بالمنام وأما باليقضة فهي بالتاء الرؤية قال الألوسي: مصدر رأى الحلمية الرؤيا ومصر البصرية الرؤية ولهذا خُطّىء المتنبي في قوله «ورؤياكَ أحلى في العيون من الغَمْض» ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ الاجتباء: الاصطفاء والاختيار وأصله من جبيتُ الشيء أي حصَّلته ﴿عُصْبَةٌ﴾ جماعة قال الفراء: ما زاد على العشرة، والعصبةُ والعصابة العشرة فصاعداً ﴿اطرحوه﴾ الطرح: رمب الشيء وإلقاؤه ﴿غيابت الجب﴾ قعره وغوره سمي به لغيبته عن عين الناظر ﴿يَرْتَعْ﴾ يتسع في أكل ما لذَّ وطاب قال الراغب: الرع حقيقته في أكل البهائم ويستعار للإِنسان إذا أريد به الأكل الكثير قالت الخنساء:
ترتَعُ ما رتَعَتْ حتَّى إذا ادكرتْ | فإِنَّما هيَ إقبالٌ وإدبار |
هممتُ بهمٍّ من بثيةً لو بدا | شفيتُ غليلاتِ الهوى من فؤاديا |
سَرَى همِّي فأَمْرضني | وقِدْماً زَادَنِي مَرَضاً |
كذاك الحُبُّ قبلَ اليَو | مِ ممّا يُورِثُ الحَرَضا |
التفسِير: ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ﴾ أي وحين دخل أولاد يعقوب على يوسف ﴿آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ أي ضمَّ إليه أخاه الشقيق بنيامين ﴿قَالَ إني أَنَاْ أَخُوكَ﴾ أي أنا أخوك يوسف، أخبره بذلك واستكتمه ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي لا تحزنْ بما فعلوا بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا بخير قال المفسرون: لما دخل إخوة يوسف عليه أكرمهم وأحسن ضيافتهم ثم أنزل كل اثنين في بيت وبقي «بنيامين» وحيداً فقال: هذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويعانقه، وقال له: أنا أخوك يوسف فلا تحزن بما صنعوا، ثم أعمله أنه سيحتال لإبقائه عنده وأمره أن يكتم الخبر ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ أي ولمّا قضى حاجتهم وحمَّل إبلهم بالطعام والميرة ﴿جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ أي أمر يوسف بأن تُجعل السقاية - وهي صاعٌ مرصَّعٌ بالجواهر - في متاع أخيه بنيامين ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ أي نادى منادٍ ﴿أَيَّتُهَا العير﴾ أي يا أصحاب الإبل ويا أيها الركب المسافرون ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ أي أنتم قوم سارقون، وإنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه ﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ ؟ قال المفسرون: لما وصل المنادون إليهم قالوا: ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم؟ ونوفّ إليكم الكيل؟ ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم؟ قالوا: بلى وما ذاك؟ قالوا: فقدنا سقاية الملك ولا نتّهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى: ﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ أي التفتوا إليهم وسألوهم ماذا ضاع منكم وماذا فُقد؟ وفي قولهم ﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ بدل «ماذا سرَقْنا» إرشادٌ لهم إلى مراعاة حسن الأدب، وعدم المجازفة بنسبة البريئين إلى تهمة السرقة، ولهذا التزموا الأدب معهم فأجابوهم ﴿قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك﴾ أي ضاع منا مكيال الملِك المُرصَّع بالجواهر ﴿وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ أي ولمن جاءنا بالمكيال وردَّه إلينا حِمْلُ بعيرٍ
56
من الطعام كجائزة له ﴿وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ أي أنا كفيلٌ وضامنٌ بذلك ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض﴾ قسمٌ فيه معنى التعجب أي قالوا متعجبين: والله لقد علمتم أيها القوم ما جئنا بقصد أن نفسد في أرضكم ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أي ولسنا ممن يُوصف بالسرقة قطُّ لأننا أولاد أنبياء ولا نفعل مثل هذا الفعل القبيح قال البيضاوي: استَشْهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم من فرط أمانتهم، كردّ البضاعة التي جُعلت في رحالهم، وككمِّ أفواه الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد ﴿قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أي ما عقوبة السارق في شريعتكم إن كنتم كاذبين في ادعاء البراءة ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أي جزاء السارق الذي يوجد الصاع في متاعه أن يُسترقَّ ويصبح مملوكاً لمن سَرَق منه ﴿كذلك نَجْزِي الظالمين﴾ أي كذلك نجازي من تعدَّى حدود الله بالسرقة وأمثالها، وهذا القول منهم هو الحكم في شريعة يعقوب وقد نسخ بقطع الأيدي في الشريعة الإِسلامية ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين قال المفسرون: هذا من تمام الحيلة ودفع التهمة فإنهم لما ادعوا البراءة قال لهم: لا بدَّ من تفتيش أوعيتكم واحداً واحداً فانطلقوا بهم إلى يوسف فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء «بنيامين» قال قتادة: ذُكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر وعاءً إلا استغفر الله مما قذفهم به، حتى بقي أخوه - وكان أصغرَ القوم فقال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله لا نتركُك حتى تنظر في رَحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى ﴿ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي استخرج الصواع من متاع أخيه بنيامين، فلما أخرجها منه نكَّس الإِخوةُ رءوسَهم من الحياء، وأقبلوا عليه يلومونه ويقولون له فضحتنا وسوَّدت وجوهنا يا ابن راحيل ﴿كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ أي كذلك صنعنا ودبرنا ليوسف وألهمناه الحيلة ليستبقي أخاه عنده ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك﴾ أي ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين ملك مصر، لأن جزاء السارق عنده أن يُضرب ويُغرَّم ضعفَ ما سَرَق ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي إلا بمشيئته تعالى وإذنه، وقد دلّت الآية على أن تلك الحيلة كانت بتعليم الله وإلهامه له ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ أي نرفع بالعلم منازل من نشاء من عبادنا ما رفعنا يوسف ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ أي فوق كل عالمٍ من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى ذي العلم البالغ وهو ربُّ العالمين قال الحسن: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله وقال ابن عباس: الله العليم الخبير فوق كل عالم ﴿قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ أي إن سرق فقد سرق أخوه الشقيق من قبله يعنون يوسف، تنصّلوا من السرقة ورموا بها يوسف وأخاه ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ أي أخفى تلك القولة في نفسه وكتمها ولم يُظهرها لإِخوته تلطفاً معهم ﴿قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ أي أنتم شرٌ منزلةًً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريء، ولم يواجههم بهذا الكلام وإنما قاله في نفسه ﴿والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ أي أعلم بما تتقوّلوا وتفترون ﴿قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً﴾ استرحامٌ واستعطافٌ أي قالوا مستعطفين يا أيها السيد المبجَّل إنَّ أباه شيخ كبير في السِّن لا يكاد يستطيع فراقه ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أي خذْ بدله
57
واحداً منا فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ أي أتممْ إحسانك علينا فقد عودتنا الجميل والإحسان ﴿قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ أي نعوذ بالله من أن نأخذ أحداً بجرم غيره ﴿إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ﴾ أي نكون ظالمين إن فعلنا ذلك قال الألوسي: والتعبير بقوله ﴿مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ بدل «من سَرَقَ» لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ أي ولما يئسوا من إجابة طلبهم يأساً تاماً، وعرفوا أن لا جدوى من الرجاء، اعتزلوا جانباً عن الناس يتناجون ويتشاورون ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله﴾ أي قال أكبرهم سناً وهو «روبيل» أليس قد أعطيتم أباكم عهداً وثيقاً بردِّ أخيكم؟ ﴿وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ﴾ أي ومن قبل هذا ألا تذكرون تفريطكم في يوسف؟ فكيف ترجعون إليه الآن؟ ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لي أبي﴾ أي فلن أفارق أرض مصر حتى يسمح لي أبي بالخروج منها ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لِي﴾ أي يحكم لي بخلاص أخي ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾ أي وهو سبحانه أعدل الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالعدل والحق ﴿ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ ياأبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ أي ارجعوا إلى أبيكم فأخبروه بحقيقة ما جرى وقولوا له إن ابنك بنيامين سَرَق ﴿وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ أي ولسنا نشهد إلا بما تيقنا وعلمنا فقد رأينا الصاع في رَحْله ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ أي ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق ﴿وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا﴾ أي واسأل أهل مصر عن حقيقة ما حدث قال البيضاوي: أي أرسلْ إلى أهلها واسألهم عن القصة ﴿والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أي واسأل أيضاً القافلة التي جئنا معهم وهم قوم من كنعان كانوا بصحبتهم في هذه السفرة ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ أي صادقون فيما أخبرناك من أمره ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنتْ وسهَّلت لكم أنفسكم أمراً ومكيدةً فنفذتموها، اتهمهم بالتآمر على «بنيامين» لما سبق منهم في أمر يوسف ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي لا أجد سوى الصبر محتسباً أجري عند الله ﴿عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ أي عسى أن يجمع الله شملي بهم، ويقرّ عيني برؤيتهم جميعاً ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العالم بحالي الحكيم في تدبيره وتصريفه ﴿وتولى عَنْهُمْ﴾ أي أعرض عن أولاده كراهة لما سمع منهم ﴿وَقَالَ ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ أي يا لهفي ويا حسرتي وحزني على يوسف ﴿وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن﴾ أي فقد بصره وعشي من شدة البكاء حزناً على ولديه ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي مملوء القلب كمداً وغيظاً ولكنه يكتم ذلك في نفسه، وهو مغموم ومكروب لتلك الداهية الدهياء قال أبو السعود: وإنما تأسف على يوسف مع أن الحادث مصيبة أخويه لأن ذكر يوسف كان آخذاً بمجامع قلبه لا ينساه ولأنه كان واثقاً بحياتهما طامعاً في إيابهما وأما يوسف فلم يكن في شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وقال الرازي: الحزن الجديد يقوّي الحزن القديم الكامن في النفس، والأسى
58
يبعث الأسى ويثير الأحزان قال الشاعر:
﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أي لا تفتأ ولا تزال تذكر يوسف وتتفجع عليه ﴿حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾ أي حتى تكون مريضاً مشرفاً على الهلاك أو تهلك أسىً وحسرة وتموت ﴿قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله﴾ أي قال لهم يعقوب: لستُ أشكو غميّ وحزني إليكم وإنما أشكو ذلك إلى الله فهو الذي تنفع الشكوى إليه ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون أنتم فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ويأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب ﴿يابني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ أي اذهبوا إلى الموضع الذي جئتم منه فالتمسوا يوسف وتعرّفوا على خبره وخبر أخيه بحواسكم ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ أي لا تقنطوا من رحمة الله وفرجه وتنفيسه ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون﴾ أي فإنه لا يقنط من رحمته تعالى إلا الجاحدون المنكرون لقدرته جلَّ وعلا ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر﴾ في الكلام محذوف أي فخرجوا راجعين إلى مصر فدخلوا على يوسف فلما دخلوا قالوا يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا الشدة من الجدب والقحط ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ أي وجئنا ببضاعة رديئة مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً قال ابن عباس: كانت دراهمهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، أظهروا له الذل والانكسار استرحاماً واستعطافاً ﴿فَأَوْفِ لَنَا الكيل﴾ أي أتمم لنا الكيل ولا تنقصْه لرداءة بضاعتنا ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ﴾ أي بردّ أخينا إلينا أو بالمسامحة عن رداءة البضاعة ﴿إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين﴾ أي يثيب المحسنين أحسن الجزاء.
. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم ﴿قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ﴾ أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟ ﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِي﴾ أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق ﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ﴾ أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم ﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا ﴿قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ أي قال لهم يوسف:
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى | فدعْني فهذا كله قبر مالك |
. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم ﴿قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ﴾ أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟ ﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِي﴾ أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق ﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ﴾ أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم ﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا ﴿قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ أي قال لهم يوسف:
59
لا عتب عليكم اليوم ولا عقوبة بل أصح وأعفو ﴿يَغْفِرُ الله لَكُمْ﴾ دعاءٌ لهم بالمغفرة وهذا زيادة تكريم منه لما فرط منهم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ أي هو جل وعلا المتفضل على التائب بالمغفرة والرحمة، أرحم بعباده من كل أحد ﴿اذهبوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي﴾ قال الطبري: ذُكر أن يوسف لمّا عرَّف نفسه إخوته سألهم عن أبيهم فقالوا: ذهب بصره من الحزن فعند ذلك أعطاهم قميصه، وأراد يوسف تبشير أبيه بحياته، وإدخال السرور عليه بذلك ﴿يَأْتِ بَصِيراً﴾ أي يرجع إليه بصره ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي وجيئوني بجميع الأهل والذرية من أولاد يعقوب.
البَلاَغَة: ١ - ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ فيه جناس الاشتقاق وكذلك في ﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾.
٢ - ﴿فَأَسَرَّهَا... وَلَمْ يُبْدِهَا﴾ بينهما طباق.
٣ - ﴿شَيْخاً كَبِيراً﴾ فيه إطناب للاستعطاف.
٤ - ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ مجاز مرسل علاقته المحلية.
٥ - ﴿ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ بين لفظتي الأسف ويوسف جناس الاشتقاق.
٦ - ﴿تَالله تَفْتَؤُاْ﴾ إِيجاز بالحذف أي تالله لا تفتأ.
٧ - ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ فيه استعارة استعير الرَّوْح وهو تنسيم الريح التي يلذُّ شميمها ويطيب نسيمها، للفَرَج الذي يأتي بعد الكربة، واليُسر الذي يأتي بعد الشدة.
لطيفَة: ذكر القاضي عياض في كتابه «الشفا» أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ هذه الآية ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام. وذلك أن الآية ذكرت صفة اعتزالهم لجميع الناس، وانفرادهم من غيرهم، وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث، فتضمنت تلك الآية القصيرة، معاني القصة الطويلة.
البَلاَغَة: ١ - ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ فيه جناس الاشتقاق وكذلك في ﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾.
٢ - ﴿فَأَسَرَّهَا... وَلَمْ يُبْدِهَا﴾ بينهما طباق.
٣ - ﴿شَيْخاً كَبِيراً﴾ فيه إطناب للاستعطاف.
٤ - ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ مجاز مرسل علاقته المحلية.
٥ - ﴿ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ بين لفظتي الأسف ويوسف جناس الاشتقاق.
٦ - ﴿تَالله تَفْتَؤُاْ﴾ إِيجاز بالحذف أي تالله لا تفتأ.
٧ - ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ فيه استعارة استعير الرَّوْح وهو تنسيم الريح التي يلذُّ شميمها ويطيب نسيمها، للفَرَج الذي يأتي بعد الكربة، واليُسر الذي يأتي بعد الشدة.
لطيفَة: ذكر القاضي عياض في كتابه «الشفا» أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ هذه الآية ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام. وذلك أن الآية ذكرت صفة اعتزالهم لجميع الناس، وانفرادهم من غيرهم، وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث، فتضمنت تلك الآية القصيرة، معاني القصة الطويلة.
60
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱝ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱞ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﱟ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﱠ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﱡ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱢ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
ﱣ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﱤ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﱥ
ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
ﱦ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﱧ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﱨ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱩ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﱪ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﱫ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﱬ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﱭ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ
ﱮ
المنَاسَبَة: تتحدث الآيات عن مجيء أسرة يعقوب بأسرهم إلى مصر، ودخولهم على يوسف وهو في عز السلطان وعظمة الملك، وتحقيق الرؤيا بسجود إخوته الأحد عشر له مع أبيه وأمه، واجتماع الشمل بعد الفرقة، وحلول الأنس بعد الكدر، ثم تختم السورة الكريمة بتوجيه الأنظار إلى عجائب الكون الدالة على القدرة والوحدانية، وما في قصص القرآن من العبر والعظات ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ ! ﴿.
للغَة: {تُفَنِّدُونِ﴾ تنسبوني إلى الخَرَف قال الأصمعي: إذا كَثُر كلام الرجل من خَرَف فهو المفند وقال الزمخشري: التفنيد النسبة إلى الفَنَد وهو الخَرَف وإنكار العقل من هرم يقال: شيخ مُفند ولا يقال عجوز مُفْندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها ﴿ضَلاَلِكَ﴾ ذهابك عن الصواب ﴿البدو﴾ البادية ﴿نَّزغَ﴾ أفسد وأغوى وأصله من نزغ الراكب الدابة إذا نخسها ليحملها على الجري ﴿فَاطِرَ﴾ مبدع ومخترع وأصله من فطر إذا شقَّ ثم صار عبارة عن الخلق والإِيجاد ﴿غَاشِيَةٌ﴾ عذاب يغشاهم ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿عِبْرَةٌ﴾ عظة وتذكرة.
التفسِير: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ العير﴾ أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام ﴿قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ أي قال يعقوب لمن حضر من قرابته إني لأشمّ رائحة يوسف قال ابن عباس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف وبينهما مسيرة ثمان ليال ﴿لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾ أي تسفهوني وتنسبوني إلى الخَرَف وهو ذهاب العقل وجواب ﴿لَوْلاَ﴾ محذوف تقديره لأخبرتكم أنه حيٌّ ﴿قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم﴾ أي قال حفدته ومن عنده: والله إنك لفي خطأ وذهاب عن طريق الصواب قديم، بإفراطك في محبة يوسف، ولهجك بذكره، ورجائك للقائه قال المفسرون: وإنما قالوا ذلك لاعتقادهم أن يوسف قد مات ﴿فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير﴾ أي فلما جاء المبشر بالخبر السارّ
للغَة: {تُفَنِّدُونِ﴾ تنسبوني إلى الخَرَف قال الأصمعي: إذا كَثُر كلام الرجل من خَرَف فهو المفند وقال الزمخشري: التفنيد النسبة إلى الفَنَد وهو الخَرَف وإنكار العقل من هرم يقال: شيخ مُفند ولا يقال عجوز مُفْندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها ﴿ضَلاَلِكَ﴾ ذهابك عن الصواب ﴿البدو﴾ البادية ﴿نَّزغَ﴾ أفسد وأغوى وأصله من نزغ الراكب الدابة إذا نخسها ليحملها على الجري ﴿فَاطِرَ﴾ مبدع ومخترع وأصله من فطر إذا شقَّ ثم صار عبارة عن الخلق والإِيجاد ﴿غَاشِيَةٌ﴾ عذاب يغشاهم ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿عِبْرَةٌ﴾ عظة وتذكرة.
التفسِير: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ العير﴾ أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام ﴿قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ أي قال يعقوب لمن حضر من قرابته إني لأشمّ رائحة يوسف قال ابن عباس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف وبينهما مسيرة ثمان ليال ﴿لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾ أي تسفهوني وتنسبوني إلى الخَرَف وهو ذهاب العقل وجواب ﴿لَوْلاَ﴾ محذوف تقديره لأخبرتكم أنه حيٌّ ﴿قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم﴾ أي قال حفدته ومن عنده: والله إنك لفي خطأ وذهاب عن طريق الصواب قديم، بإفراطك في محبة يوسف، ولهجك بذكره، ورجائك للقائه قال المفسرون: وإنما قالوا ذلك لاعتقادهم أن يوسف قد مات ﴿فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير﴾ أي فلما جاء المبشر بالخبر السارّ
61
قال مجاهد: كان البشير أخاه يهوذا الذي حمل قميص الدم فقال: أُفرحه كما أحزنته ﴿أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ﴾ أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب ﴿فارتد بَصِيراً﴾ أي عاد بصيراً لما حدث له من السرور والانتعاش ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي قال يعقوب لأبنائه: ألم أخبركم بأني أعلم ما لا تعلمونه من حياة يوسف وأن الله سيرده عليَّ لتتحقق الرؤيا؟ قال المفسرون: ذكّرهم بقوله ﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٨٦] روي أنه سأل البشير كيف يوسف؟ فقال: هو ملك مصر، قال ما أصنع بالملك} على أيّ دين تركتَه؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمَّت النعمة ﴿قَالُواْ ياأبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ﴾ طلب أبناؤه أن يستغفر لهم لما فرط منهم ثم اعترفوا بخطأهم بقولهم ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ أي مخطئين فيما ارتكبنا مع يوسف ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي﴾ وعدهم بالاستغفار قال المفسرون: أخَّر ذلك إلى السَّحَر ليكون أقرب إلى الإِجابة وقيل: أخرَّهم إلى يوم الجمعة ليتحرى ساعة الإِجابة ﴿إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾ أي الساتر للذنوب الرحيم بالعباد ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ أي فلما دخل يعقوب وأبناؤه وأهلوهم على يوسف ضمَّ إليه أبويه واعتنقهما ﴿وَقَالَ ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ أي ادخلوا بلدة مصر آمنين من كل مكروه، وإنما قال ﴿إِن شَآءَ الله﴾ تبركاً وتيمناً ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش﴾ أي أجلسهما على سرير الملك بجانب ﴿وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أي سجد له أبوه وأمه وإخوته حين دخولهم عليه قال المفسرون: كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة ﴿وَقَالَ ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾ أي هذا تفسير الرؤيا التي رأيتها في منامي وأنا صغير ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾ أي صدقاً حيث وقعت كما رأيتها في النوم ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجن﴾ أي أنعم عليَّ بإخراجي من السجن قال المفسرون: ولم يذكر قصة الجب تكرماً منه لئلا يُخْجل إخوته ويذكّرهم صنيعهم بعد أن عفا عنهم ﴿وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو﴾ أي جاء بكم من البادية لأنهم كانوا أهل إبل وغنم ببادية فلسطين، ذكّرهم بنعمة الله على آل يعقوب حيث نقلهم من البادية إلى الحضر واجتمع شمل الأسرة بمصر قال الطبري: ذُكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهليهم وأبنائهم وهم أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا وهم زيادة على ستمائة ألف ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي﴾ أي أفسد ما بيني وبين إخوتي بالإِغواء قال أبو حيان: وذكر هذا القدر من أمر إخوته لأن النعمة إذا جاءت إِثْر بلاءٍ وشدة كانت أحسن موقعاً ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ﴾ أي لطيف التدبير يحقّق مشيئتَه بلطفٍ ودقةٍ خفية لا يحسها الناس ولا يشعرون بها ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العليم بخلقه الحكيم في صنعه قال المفسرون: إن يعقوب عليه السلام أقام مع يوسف في مصر أربعاً وعشرين سنة ثم مات وكان قد أوصى أن يُدفن بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فمضى يوسف بنفسه ودفنه ثمَّة، ثم لما عاد إلى مصر عاش بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، فلما تم أمره وعلم أنه لا
62
يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم الخالد، واشتاق إلى لقاء الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق فقال ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك﴾ أي أعطيتني العزَّ والجاه والسلطان، وذلك من نعمة الدنيا ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي علمتني تفسير الرؤيا، وذلك من نعمة العلم ﴿فَاطِرَ السماوات﴾ أي يا مبدع السماوات والأرض وخالقَهما على غير مثال سابق ﴿والأرض أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة﴾ أي أنت يا رب متولي أموري وشئوني في الدارين ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ أي اقبضني إليك مسلماً، واجعل لحاقي بالصالحين، ابتهل إلى ربه أن يحفظ عليه إسلامه حتى يموت عليه، وإلى هنا تنتهي قصة يوسف الصدّيق، ثم يأتي التعقيب بعد ذلك بإقامة البرهان على صحة نبوة محمد عليه السلاة والسلام ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ أي ذلك الذي أخبرناك عنه يا محمد من أمر يوسف وقصته، من الأخبار المغيَّبة التي لم تكن تعلمها قبل الوحي، وإنما نُعلمك نحن بها على أبلغ وجه وأدق تصوير، ليظهر صدقُك في دعوى الرسالة ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ أي وما كنت حاضراً مع إخوة يوسف حين تآمروا على أخيهم وأجمعوا أمرهم على إلقائه في الجب وهم يحتالون ويمكرون به وبأبيه ليرسله معهم، فإنك يا محمد لم تشاهدهم حتى تقف على حقيقة القصة وإنما جاءتك بوحيٍ من العليم الخبير ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ هذه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي ليس أكثر الخلق ولو حرصتَ على إيمانهم وبالغتَ في إرشادهم بمصدقين لك لتصميمهم على الكفر ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي وما تطلب منهم على هذا النصح، والدعاء إلى الخير والرشد أجرة حتى يثقل عليهم ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي ما هذا القرآن إلا عظة وتذكير للعالمين، وأنت لا تطلب في تلاوته عليهم مالاً، فلو كانوا عقلاء لقبلوا ولم يتمردوا ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض﴾ أي كم من الآيات والعلامات الدالة على وجود الله جل وعلا ووحدانيته، الكائنة في السماوات والأرض كالشمس والقمر والنجوم، والجبال والبحار والأشجار، وسائر ما فيهما من العجائب ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ أي يشاهدونها ليلَ نهار، ويمرون عليها بالعشي والإبكار ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ أي لا يفركون فيها ولا يعتبرون، فلا تتعجب من إعراضهم عنك فإن إعراضهم عن هذه الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته أغرب وأعجب ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ أي لا يؤمن أكثر هؤلاء المكذبين من قومك إلا إذا أشركوا مع الله غيره، فإنهم يقرّون بأن الله هو الخلاق الرازق ويعبدون معه الأصنام قال ابن عباس: ومن ذلك قولهم في تلبيتهم: ﴿لبَّيْك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك « {أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله﴾ أفأمن هؤلاء المكذبون عقوبةً من عذاب الله تغشاهم وتشملهم؟ ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي أو تأتيهم القيامة بأهوالها فجأة من حيث لا يشعرون ولا يتوقعون؟ والاستفهام إنكاري وفيه معنى التوبيخ ﴿قُلْ هذه سبيلي﴾ أي قل يا محمد هذه طريقي ومنهاجي واضحة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة ﴿أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني﴾ أي أدعو على عبادة الله وطاعته، على بيانٍ وحجة واضحة أنا ومن آمن بي ﴿وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين﴾ أي وأنزهه سبحانه عن الشركاء
63
والأنداد، فأنا مؤمن موحِّد ولست من المشركين ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ﴾ إي وما آرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً من البشر لا ملائكة من السماء قال الطبري: أي رجالاً لا نساءً ولا ملائكة نوحي إليهم آياتنا للدعاء إلى طاعتنا، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون النبي من البشر، أو زعم أن في النساء نبيات ﴿مِّنْ أَهْلِ القرى﴾ أي من أهل المُدن والأمصار لا من أهل البوادي قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن قال المفسرون: وإنما كانوا من أهل الأمصار لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض فينظروا نظر تفكر وتدبر ما حلَّ بالأمم السابقين ومصارع المكذبين فيعتبرون بذلك؟ والاستفهام للتوبيخ ﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا﴾ أي الدار الآخرة خير للمؤمنين المتقين من هذه الدار التي ليس فيها قرار ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تعقلون فتؤمنون!! ﴿حتى إِذَا استيأس الرسل﴾ أي يئس الرسل من إيمان قومهم ﴿وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ﴾ أي أيقن الرسل أن قومهم كذّبوهم ﴿جَآءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ أي أتاهم النصر عند اشتداد الكرب، ففي اللحظة التي تستحكم فيها الشدة، ويأخذ فيها الكرب بالمخانق، ولا يبقى أملٌ في غير الله، في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً ﴿فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ﴾ أي فنجينا الرسل والمؤمنين بهم دون الكافرين ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين﴾ أي ولا يُردُّ عذابنا وبطشنا عن المجرمين إذا نزل بهم ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ أي لقد كان في قصة يوسف وإِخوته عظة وتذكرة لأولي العقول النيِّرة ﴿مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى﴾ أي ما كان هذا القرآن أخباراً تُروى أو أحاديث تختلق ﴿ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي ولكن كان هذا القرآن مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية المنزّلة من قبل ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي تبيان كل ما يُحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والشرائع والأحكام ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي وهداية من الضلالة ورحمة من العذاب لقوم يصدّقون به ويعملون بأوامره ونواهيه.
البَلاغَة: ١ - ﴿تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ﴾ أكدوا كلامهم بالقسم وإنَّ واللام وهذا الضرب يسمى (إنكارياً) لتتابع أنواع المؤكدات.
٢ - ﴿ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ جملة ﴿إِن شَآءَ الله﴾ دعائيةٌ جيء بها للتبرك وفي الآية تقدمي وتأخير تقديره: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله.
٣ - ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أبواه المراد به الأب والأم فهو من باب التغليب، والرفع مؤخر عن الخرور وإن تقدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما أي سجدوا له ثم أجلس أبويه على عرش الملك.
٤ - ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ جملة ﴿وَلَوْ حَرَصْتَ﴾ اعتراضية بين اسم ﴿مَا﴾ الحجازية وخبرها، وجيء بهذا الاعتراض لإفادة أن الهداية بيد الله جل وعلا وحده.
البَلاغَة: ١ - ﴿تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ﴾ أكدوا كلامهم بالقسم وإنَّ واللام وهذا الضرب يسمى (إنكارياً) لتتابع أنواع المؤكدات.
٢ - ﴿ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ جملة ﴿إِن شَآءَ الله﴾ دعائيةٌ جيء بها للتبرك وفي الآية تقدمي وتأخير تقديره: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله.
٣ - ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أبواه المراد به الأب والأم فهو من باب التغليب، والرفع مؤخر عن الخرور وإن تقدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما أي سجدوا له ثم أجلس أبويه على عرش الملك.
٤ - ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ جملة ﴿وَلَوْ حَرَصْتَ﴾ اعتراضية بين اسم ﴿مَا﴾ الحجازية وخبرها، وجيء بهذا الاعتراض لإفادة أن الهداية بيد الله جل وعلا وحده.
64
٥ - ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ هذا على حذف مضاف أي وما تسألهم على تبليغ القرآن من أجر.
٦ - ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ ﴿إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ فيه من المحسنات البديعية «السجعُ» وهو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير.
تنبيه: دلَّ قوله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ على أن الغرض من ذكر هذه القصص والأخبار، العظةُ والاعتبار، ووجه الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إخراج يوسف من الجب بعد إلقائه فيه، وإخراجه من السجن، وتمليكه مصر بعد العبودية، وجمع شمله بأبيه وإخوته بعد المدة الطويلة واليأس من الاجتماع، قادرٌ على إعزاز محمد صلى الله عليه، وإعلاء شأنه، وإظهار دينه، وأن الإِخبار بهذه القصة العجيبة جار مجرى الإِخبار عن الغيوب، فكان ذلك معجزة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
٦ - ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ ﴿إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ فيه من المحسنات البديعية «السجعُ» وهو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير.
تنبيه: دلَّ قوله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ على أن الغرض من ذكر هذه القصص والأخبار، العظةُ والاعتبار، ووجه الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إخراج يوسف من الجب بعد إلقائه فيه، وإخراجه من السجن، وتمليكه مصر بعد العبودية، وجمع شمله بأبيه وإخوته بعد المدة الطويلة واليأس من الاجتماع، قادرٌ على إعزاز محمد صلى الله عليه، وإعلاء شأنه، وإظهار دينه، وأن الإِخبار بهذه القصة العجيبة جار مجرى الإِخبار عن الغيوب، فكان ذلك معجزة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
65