تفسير سورة يوسف

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الر﴾ يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَأَن مَا يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ كَلَامي وَيُقَال قسم أقسم بِهِ ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين﴾ إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي
﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ يَقُول إِنَّا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد على مجْرى اللُّغَة الْعَرَبيَّة ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكَي تعقلوا مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ نبين لَك ﴿أَحْسَنَ الْقَصَص﴾ أحسن الْخَبَر من أَخْبَار يُوسُف وَإِخْوَته ﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ ﴿هَذَا الْقُرْآن﴾ فِي هَذَا الْقُرْآن ﴿وَإِن كُنتَ﴾ وَقد كنت ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ من قبل نزُول جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ ﴿لَمِنَ الغافلين﴾ عَن خبر يُوسُف وَإِخْوَته
﴿إِذْ قَالَ﴾ قد قَالَ ﴿يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْتُ﴾ فِي مَنَام النَّهَار ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾ نَزَلْنَ من أماكنهن وسجدن لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهم إخْوَته أحد عشر أَخا ﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ يَقُول رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر نزلا من أمكنتهما وَسجدا لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهما أَبَوَاهُ راحيل وَيَعْقُوب
﴿قَالَ﴾ يَعْقُوب ليوسف فِي السِّرّ ﴿يَا بني﴾ إِذا رَأَيْت رُؤْيا بعد هَذَا ﴿لاَ تَقْصُصْ﴾ لَا تخبر ﴿رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ﴾ لإخوتك ﴿فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً﴾ فيحتالوا لَك حِيلَة يكون فِيهَا هلاكك ﴿إِنَّ الشَّيْطَان لِلإِنْسَانِ﴾ لبني آدم ﴿عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة يحملهم على الْحَسَد
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ يصطفيك ﴿رَبُّكَ﴾ بِالنُّبُوَّةِ ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث﴾ من تَعْبِير الرُّؤْيَا ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام أَي يُمِيتك على ذَلِك
193
﴿وعَلى آلِ يَعْقُوبَ﴾ بك وَيتم نعْمَته على أَوْلَاد يَعْقُوب بك ﴿كَمَآ أَتَمَّهَآ﴾ نعْمَته بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام ﴿على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ من قبلك ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ﴾ بنعمته ﴿حَكِيمٌ﴾ بإتمامها وَيُقَال عليم برؤياك حَكِيم بِمَا يصيبك
194
﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ﴾ فِي خبر يُوسُف ﴿وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ﴾ عبرات ﴿لِّلسَّائِلِينَ﴾ عَن خبرهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي حبر من الْيَهُود
﴿إِذْ قَالُواْ﴾ إخْوَة يُوسُف بَعضهم لبَعض ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ بنيامين ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا﴾ آثر عِنْده ﴿مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ عشرَة ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي خطأ بَين فِي حب يُوسُف واختياره علينا
ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً﴾ فِي جب ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ يَقُول يقبل عَلَيْكُم أبوكم بِوَجْهِهِ ﴿وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد قَتله ﴿قَوْماً صَالِحِينَ﴾ تَائِبين من قَتله وَيُقَال صلحت حالكم مَعَ أبيكم
﴿قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ﴾ من إخْوَة يُوسُف وَهُوَ يهوذا لإخوته ﴿لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ﴾ وَلَكِن اطرحوه ﴿فِي غَيَابَةِ الْجب﴾ فِي أَسْفَل الْجب وَيُقَال فِي ظلمته ﴿يَلْتَقِطْهُ﴾ يرفعهُ ﴿بَعْضُ السيارة﴾ مارى الطَّرِيق من الْمُسَافِرين ﴿إِن كُنْتُم فاعلين﴾ بِهِ أمرا ثمَّ جَاءُوا إِلَى أَبِيهِم
﴿قَالُوا﴾ لأبيهم ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ حافظون
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ﴾ يذهب وَيَجِيء وينشط ﴿وَيَلْعَبْ﴾ يَله ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ مشفقون
﴿قَالَ﴾ أبوهم ﴿إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ﴾ فَلَا أرَاهُ ﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْب﴾ لِأَنَّهُ رأى فِي مَنَامه أَن ذئباً يشْتَد عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَالَ وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب ﴿وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ باللعب وَيُقَال مشغولون بعملكم
﴿قَالُواْ﴾ لأبيهم ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ عشرَة ﴿إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ لعاجزون وَيُقَال مغبونون بترك حُرْمَة الْوَالِد وَالْأَخ
﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ بعد مَا أذن لَهُم بذهابه ﴿وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ﴾ يَقُول اجْتَمعُوا على أَن يطرحوه ﴿فِي غَيَابَةِ الْجب﴾ فِي أَسْفَل الْجب ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ﴾ إِلَى يُوسُف أرسلنَا إِلَيْهِ جِبْرِيل وَيُقَال ألهمه ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾ لتخبرنهم يَا يُوسُف ﴿بِأَمْرِهِمْ﴾ بصنيعهم ﴿هَذَا﴾ بك ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ وهم لَا يعلمُونَ أَنَّك يُوسُف حَتَّى تخبرهم وَيُقَال لَا يعلمُونَ بوحينا إِلَى يُوسُف
﴿وجاؤوا أَبَاهُمْ﴾ إِلَى أَبِيهِم ﴿عِشَآءً﴾ بعد الظّهْر ﴿يَبْكُونَ﴾ على يُوسُف
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ ننتضل ونصطاد ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْد متاعنا﴾ ليحفظ ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْب﴾ كَمَا قلت ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ﴾ بمصدق ﴿لنا وَلَو كُنَّا﴾ وَإِن كُنَّا ﴿صَادِقين﴾ فِي قَوْلنَا
﴿وجاؤوا على قَمِيصِهِ﴾ لطخوا على قَمِيصه
194
﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ دم جدي وَيُقَال طري إِن قَرَأت بِالدَّال ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ﴾ زينت ﴿لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ فِي هَلَاك يُوسُف ففعلتم ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فعلى صَبر جميل بِلَا جزع ﴿وَالله الْمُسْتَعَان﴾ مِنْهُ أستعين ﴿على مَا تَصِفُونَ﴾ على صبري على مَا تَقولُونَ من هَلَاكه وَلم يُصدقهُمْ فِي قَوْلهم لأَنهم قَالُوا مرّة أُخْرَى قبل هَذَا قَتله اللُّصُوص
195
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ قافلة من الْمُسَافِرين من قبل مَدين يُرِيدُونَ مصر فتحيروا فِي الطَّرِيق فأخطئوا الطَّرِيق فَجعلُوا يهيمون فِي الأَرْض حَتَّى وَقَعُوا فِي الْأَرَاضِي الَّتِي فِيهَا الْجب وَهِي أَرض دوثن بَين مَدين ومصر فنزلوا عَلَيْهِ ﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ فَأرْسل كل قوم طَالب المَاء وَهُوَ ساقيهم فَوَافَقَ جب يُوسُف مَالك بن دعر رجل من الْعَرَب من أهل مَدين ابْن أخي شُعَيْب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ﴿فأدلى دَلْوَهُ﴾ فَأرْخى دلوه فِي جب يُوسُف فَتعلق يُوسُف بِهِ فَلم يقدر على نَزعه من الْبِئْر فَنظر فِيهِ فَرَأى غُلَاما قد تعلق بالدلو فَنَادَى أَصْحَابه ﴿قَالَ يَا بشرى﴾ هَذَا بشراي يَا أَصْحَابِي قَالُوا مَا ذَلِك يَا مَالك قَالَ ﴿هَذَا غُلاَمٌ﴾ أحسن مَا يكون من الغلمان فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ فأخرجوه من الْجب ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ وكتموه من الْقَوْم وَقَالُوا لقومهم هَذِه بضَاعَة استبضعها أهل المَاء لنبيعه لَهُم بِمصْر ﴿وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ بِيُوسُف يَعْنِي إخْوَة يُوسُف وَيُقَال أهل الْقَافِلَة
﴿وَشَرَوْهُ﴾ باعوه إخْوَته من مَالك بن دعر ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ نُقْصَان بِالْوَزْنِ وَيُقَال زيوف وَيُقَال حرَام ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ عشْرين درهما وَيُقَال اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما ﴿وَكَانُواْ فِيهِ﴾ فِي ثمن يُوسُف ﴿مِنَ الزاهدين﴾ لم يحتاجوا إِلَيْهِ وَيُقَال كَانَ إخْوَة يُوسُف فِي يُوسُف من الزاهدين لم يعرفوا قدره ومنزلته عِنْد الله تَعَالَى وَيُقَال كَانَ أهل الْقَافِلَة فِي يُوسُف من الزاهدين
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ﴾ اشْترى يُوسُف ﴿مِن مِّصْرَ﴾ فِي مصر وَهُوَ الْعَزِيز خَازِن الْملك وَهُوَ صَاحب جُنُوده وَكَانَ يُسمى قطفير ﴿لاِمْرَأَتِهِ﴾ زليخا ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ قدره ومنزلته ﴿عَسى أَن يَنفَعَنَآ﴾ فِي ضيعتنا ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ أَو نتبناه وَكَانَ اشْتَرَاهُ من مَالك بن دعر بِعشْرين درهما وحلة ونعلين ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ ملكنا يُوسُف ﴿فِي الأَرْض﴾ أَرض مصر ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث﴾ تَعْبِير الرُّؤْيَا ﴿وَالله غَالِبٌ على أَمْرِهِ﴾ على مقدوره وَلَا يرد مقدوره أحد ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مصر ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون وَيُقَال لَا يعلمُونَ أَن الله غَالب على أمره
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ والأشد من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة ﴿آتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿حُكْماً وَعِلْماً﴾ فهما ونبوة ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْعلمِ وَالْحكمَة
﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ طلبته ﴿الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ أَن تستمكن من نَفسه ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب﴾ عَلَيْهَا وعَلى يُوسُف ﴿وَقَالَتْ﴾ ليوسف ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ هَلُمَّ أَنا لَك وَيُقَال تَعَالَى أَنا لَك وَيُقَال تهيأت لَك مَعْنَاهُ إِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَالتَّاء هَلُمَّ لَك وَإِن قَرَأت بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء والهمزة تهيأت لَك وَإِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَرفع التَّاء تَعَالَى أَنا لَك ﴿قَالَ﴾ يُوسُف ﴿مَعَاذَ الله﴾ أعوذ بِاللَّه من هَذَا الْأَمر ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ سَيِّدي الْعَزِيز ﴿أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ قدري ومنزلتي لَا أخونه فِي أَهله ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ﴾ لَا يَأْمَن وَلَا ينجو ﴿الظَّالِمُونَ﴾ الزانون من عَذَاب الله
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ الْمَرْأَة ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ يُوسُف ﴿لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ عَذَاب ربه لَازِما على نَفسه وَيُقَال رأى صُورَة أَبِيه وَيُقَال لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه لَهُم مقدم ومؤخر ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿لنصرف عَنهُ السوء﴾ الْقَبِيح ﴿والفحشآء﴾ يَعْنِي الزِّنَا ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين﴾ المعصومين من الزِّنَا
﴿واستبقا الْبَاب﴾ تبادرا إِلَى الْبَاب أَرَادَ يُوسُف ليخرج وأرادت الْمَرْأَة لتغلق الْبَاب على يُوسُف فسبقته الْمَرْأَة ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ﴾ شقَّتْ قَمِيص يُوسُف نِصْفَيْنِ ﴿مِن دُبُرٍ﴾ من الْخلف من وَسطه إِلَى قَدَمَيْهِ ﴿وَأَلْفَيَا﴾ ووجدا ﴿سَيِّدَهَا﴾ زوج الْمَرْأَة وَيُقَال ابْن عَمها ﴿لَدَى الْبَاب﴾ عِنْد الْبَاب ﴿قَالَتْ﴾ الْمَرْأَة لزَوجهَا ﴿مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بأهلك سوءا﴾ زنا ﴿إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَو يضْرب ضربا وجيعاً
﴿قَالَ﴾ يُوسُف ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ هِيَ دعتني وَطلبت أَن تستمكن من نَفسِي ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ حكم حَاكم ﴿مِّنْ أَهْلِهَآ﴾ وَهُوَ أَخُوهَا وَيُقَال ابْن عَمها
195
﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ﴾ قَمِيص يُوسُف ﴿قُدَّ﴾ شقّ ﴿مِن قُبُلٍ﴾ من قُدَّام ﴿فَصَدَقَتْ﴾ الْمَرْأَة ﴿وَهُوَ من الْكَاذِبين﴾
196
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ﴾ شقّ ﴿مِن دُبُرٍ﴾ من خلف ﴿فَكَذَبَتْ﴾ الْمَرْأَة ﴿وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ﴾ فِي قَوْله إِنَّهَا راودتني
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ﴾ شقّ ﴿مِن دُبُرٍ﴾ من خلف ﴿قَالَ﴾ أَخُوهَا ﴿إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ﴾ من مكركن وصنيعكن ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ﴾ مكركن وصنيعكن ﴿عَظِيمٌ﴾ يخلص إِلَى البريء والسقيم
ثمَّ قَالَ أَخُوهَا ليوسف ﴿يُوسُفُ﴾ يَعْنِي يَا يُوسُف ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ الْأَمر وَلَا تخبر أحدا ثمَّ أعرض إِلَى الْمَرْأَة وَقَالَ ﴿واستغفري لِذَنبِكِ﴾ استحلي واعتذري إِلَى زَوجك من سوء صنيعك أيتها الْمَرْأَة ﴿إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين﴾ من الخائنين لزوجك فَفَشَا أَمرهمَا بعد ذَلِك فِي الْمَدِينَة
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَة﴾ وَهن أَربع نسْوَة امْرَأَة ساقي الْملك وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه ﴿امْرَأَة الْعَزِيز﴾ زليخا ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ تَدْعُو عَبدهَا أَن يستمكنها ﴿عَن نَّفْسِهِ﴾ من نَفسه ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً﴾ قد شقّ شغَاف قَلبهَا حب يُوسُف وَيُقَال بَطنهَا حب يُوسُف إِن قَرَأت بالشين وَالْعين ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي خطأ بَين فِي حب عَبدهَا يُوسُف
﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ بقولهن ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾ ودعتهن إِلَى الضِّيَافَة ﴿وأعتدت لَهُنَّ متكأ﴾ وسائد يتكئن عَلَيْهَا إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَإِن قُرِئت مُخَفّفَة يَقُول أترنجة وَجَاءَت بِاللَّحْمِ وَالْخبْز فَوَضَعته بَين أَيْديهم ﴿وَآتَتْ﴾ أَعْطَتْ ﴿كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً﴾ تقطع بهَا اللَّحْم لأَنهم كَانُوا لَا يَأْكُلُون من اللَّحْم إِلَّا مَا يقطعون بسكاكينهم ﴿وَقَالَتِ﴾ زليخا ليوسف ﴿اخْرُج عَلَيْهِنَّ﴾ يايوسف ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أعظمنه ﴿وَقَطَّعْنَ﴾ خدشن وخمشن ﴿أَيْدِيَهُنَّ﴾ بالسكين من الدهشة والتحير مِمَّا رأين من حسن يُوسُف ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ﴾ معَاذ الله ﴿مَا هَذَا بشرا﴾ آدَمِيًّا ﴿إِن هَذَا﴾ مَا هَذَا ﴿إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ على ربه
﴿قَالَتْ﴾ زليخا لَهُنَّ ﴿فذلكن الَّذِي لُمْتُنَّنِي﴾ عذلتنني وعيبتنني ﴿فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ﴾ دَعوته إِلَى نَفسِي وطلبته لأستمكن من نَفسه ﴿فاستعصم﴾ فَامْتنعَ عني بالعفة ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمره ليسجنن﴾ فِي السجْن ﴿وليكونن مِّن الصاغرين﴾ من الذليلين فِيهِ وقلن هَؤُلَاءِ النسْوَة ليوسف أطع مولاتك
﴿قَالَ﴾ يُوسُف ﴿رَبِّ﴾ يَا رب ﴿السجْن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ﴾ من الزِّنَا ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ﴾ إِن لم تصرف ﴿عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ مكرهن ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ أمل إلَيْهِنَّ ﴿وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلين﴾ بنعمتك وَيُقَال من الزانين
﴿فَاسْتَجَاب لَهُ رَبُّهُ﴾ دَعوته ﴿فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾ مكرهن ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع﴾ للدُّعَاء ﴿الْعَلِيم﴾ بالإجابة وَيُقَال السَّمِيع لمقالتهن الْعَلِيم بمكرهن
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾ ظهر لَهُم يَعْنِي للعزيز ﴿مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الْآيَات﴾ شقّ الْقَمِيص وَقَضَاء أَخِيهَا ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ إِلَى سِنِين وَيُقَال إِلَى حِين يقطع مقَالَة النَّاس
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السجْن﴾ بعد دُخُوله إِلَى خمس سِنِين ﴿فَتَيَانَ﴾ عَبْدَانِ للْملك صَاحب شرابه وَصَاحب مطبخه غضب عَلَيْهِمَا وأدخلهما السجْن ﴿قَالَ أَحَدُهُمَآ﴾ وَهُوَ الساقي ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾ رَأَيْت نَفسِي ﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾ عنباً وأسقي الْملك وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يدْخل كرماً فَرَأى فِي الْكَرم حبلة حَسَنَة فِيهَا ثَلَاث قضبان وعَلى القضبان عناقيد الْعِنَب فاجتنى الْعِنَب فعصره وناوله الْملك فَقَالَ لَهُ يُوسُف أحسن مَا رَأَيْت أما الْكَرم فَهُوَ الْعَمَل الَّذِي كنت فِيهِ وَأما الحبلة فَهِيَ سلطانك على ذَلِك وَأما حسنها فَهُوَ عزك وكرامتك فِي ذَلِك الْعَمَل وَأما ثَلَاثَة قضبان على الحبلة فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن فَتخرج فتعود إِلَى عَمَلك وَأما الْعِنَب الَّذِي عصرت وناولت الْملك فَهُوَ أَن يردك إِلَى عَمَلك ويكرمك وَيحسن إِلَيْك
196
﴿وَقَالَ الآخر﴾ وَهُوَ الخباز ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾ رَأَيْت نَفسِي ﴿أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ﴾ وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يخرج من مطبخ الْملك وعَلى رَأسه ثَلَاث سلال من الْخبز فَوَقع طير على أَعْلَاهَا وَأكل مِنْهَا فَقَالَ لَهُ يُوسُف بئس مَا رَأَيْت أما خُرُوجك من المطبخ فَهُوَ أَن تخرج من عَمَلك وَأما ثَلَاث سلال فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن وَأما أكل الطير من رَأسك فَهُوَ أَن يخْرجك الْملك بعد ثَلَاثَة أَيَّام ويصلبك وتأكل الطير من رَأسك وَقَالَ قبل تَعْبِيره ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أخبرنَا بِتَأْوِيل رؤيانا ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ إِلَى أهل السجْن وَيُقَال من الصَّادِقين فِيمَا تَقول
197
﴿قَالَ﴾ لَهما يُوسُف وَأَرَادَ أَن يعلمهما علمه بتعبير الرُّؤْيَا ﴿لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ تطعمانه ﴿إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ بلونه وجنسه ﴿قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا﴾ كَيفَ لَا أعلم تَعْبِير رؤياكما ﴿ذلكما﴾ التَّعْبِير ﴿مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ﴾ لم أتبع دين قوم ﴿لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَهُمْ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿هُمْ كافرون﴾ جاحدون
﴿وَاتَّبَعت مِلَّةَ آبآئي﴾ اسْتَقَمْت على دين آبَائِي ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ﴾ مَا جَازَ لنا ﴿أَن نُّشْرِكَ بِاللَّه مِن شَيْءٍ﴾ شيأ من الْأَصْنَام ﴿ذَلِك﴾ الدّين الْقيم النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام اللَّذَان أكرمنا الله بهما ﴿مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا﴾ منّ من الله علينا ﴿وَعَلَى النَّاس﴾ بإرسالنا إِلَيْهِم وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ بِالْإِيمَان ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مصر ﴿لاَ يَشْكُرُونَ﴾ لَا يُؤمنُونَ بذلك
﴿يَا صَاحِبي السجْن﴾ قَالَ هَذَا للسجان وَلأَهل السجْن ﴿أأرباب مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ﴾ يَقُول أعبادة آلِهَة شَتَّى خير ﴿أَمِ الله الْوَاحِد القهار﴾ أم عبَادَة الله الْوَاحِد بِلَا ولد وَلَا شريك القهار الْغَالِب على خلقه
﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿إِلاَّ أَسْمَآءً﴾ أصناماً أَمْوَاتًا ﴿سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ﴾ الْآلهَة ﴿مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا﴾ بعبادتكم لَهَا ﴿مِن سُلْطَانٍ﴾ من كتاب وَلَا حجَّة ﴿إِنِ الحكم﴾ مَا الحكم بِالْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال مَا الْقَضَاء فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ﴾ فِي الْكتب كلهَا ﴿أَلاَّ تعبدوا﴾ أَن لَا توحدوا ﴿إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ إِلَّا الله ﴿ذَلِك﴾ التَّوْحِيد ﴿الدّين الْقيم﴾ وَهُوَ الدّين الْقَائِم الَّذِي يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مصر ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون
ثمَّ بَين تَعْبِير رُؤْيا الفتيين فَقَالَ ﴿يَا صَاحِبي السجْن أَمَّآ أَحَدُكُمَا﴾ وَهُوَ الساقي فَيرجع إِلَى مَكَانَهُ وسلطانه الَّذِي كَانَ فِيهِ ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾ سَيّده الْملك ﴿خَمْراً وَأَمَّا الآخر﴾ وَهُوَ الخباز يخرج من السجْن ﴿فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ﴾ ففزعا لتعبير رُؤْيا الخباز وَقَالا جَمِيعًا مَا رَأينَا شَيْئا قَالَ لَهما يُوسُف ﴿قُضِيَ الْأَمر الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ تَسْأَلَانِ فَكَمَا قلتما وَقلت لَكمَا كَذَلِك يكون رَأَيْتُمَا أَو لم تريا
﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ﴾ علم ﴿أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا﴾ من السجْن وَالْقَتْل وَهُوَ الساقي ﴿اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾ عِنْد سيدك الْملك أَنِّي مظلوم عدا عليَّ إخوتي فباعوني وَأَنا حر وحبست فِي السجْن وَأَنا مظلوم ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَان ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ فأشغله الشَّيْطَان حَتَّى نسي ذكر يُوسُف عِنْد سَيّده الْملك وَيُقَال وسوس لَهُ الشَّيْطَان إِن ذكرت السجْن للْملك يرجعك إِلَى السجْن فَلذَلِك لم يذكرهُ وَيُقَال فأنساه الشَّيْطَان أنسى الشَّيْطَان يُوسُف ذكر ربه حَتَّى ترك ذكر ربه وَذكر مخلوقاً دونه ﴿فَلَبِثَ﴾ فَمَكثَ ﴿فِي السجْن بِضْعَ سِنِينَ﴾ عُقُوبَة بترك ذكر الله وَكَانَ قبل هَذَا فِي السجْن خمس سِنِين
﴿وَقَالَ الْملك إِنِّي أرى﴾ رَأَيْت فِي الْمَنَام ﴿سبع بقرات سمان﴾ خرجن من نهر ﴿يأكلهن﴾ يبتلعهن ﴿سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ بقرات هالكات من الهزال خرجن من بعد السمان وَلم يستبن عَلَيْهِنَّ شَيْء ﴿وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾
197
التوين على الْخضر وغلبن خضرتهن وَلم يستبن عَلَيْهِنَّ شَيْء ﴿يَا أَيهَا الْمَلأ﴾ يَعْنِي العرافين والسحرة والكهنة ﴿أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ﴾ فِي تَعْبِير رُؤْيَايَ ﴿إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تعبرون﴾ تعلمُونَ
198
﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي العارفين والكهنة والسحرة ﴿أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ هَذِه أباطيل أَحْلَام كَاذِبَة مُخْتَلفَة ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام﴾ يَقُول بتعبير رُؤْيا الأحلام ﴿بِعَالِمِينَ﴾
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا﴾ من السجْن وَالْقَتْل وَهُوَ الساقي ﴿وادكر﴾ تذكر يُوسُف ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ سبع سِنِين وَيُقَال بعد النسْيَان إِن قَرَأت بِالْهَاءِ ﴿أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ﴾ قَالَ للْملك أَنا أخْبرك بتعبير الرُّؤْيَا يَا أَيهَا الْمَلأ ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ إِلَى السجْن فَإِن فِيهِ رجلا وَوصف علمه وحلمه وإحسانه إِلَى أهل السجْن وَصدقه بِتَأْوِيل الرُّؤْيَا
فَأرْسلهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ ليوسف يَا ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصّديق﴾ الصَّادِق فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا الأولى ﴿أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾ خرجن من نهر ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾ يبتلعهن ﴿سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ هزال هالكات ﴿وَسَبْعِ سنبلات خضر وَأخر يابسات﴾ التوين على الْخضر وغلبن خضرتهن ﴿لعَلي أَرْجِعُ إِلَى النَّاس﴾ إِلَى الْملك ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ لكَي يعلمُوا رُؤْيا الْملك فَقَالَ يُوسُف نعم أما السَّبع بقرات السمان فهن سبع سِنِين مخصبة وَأما السَّبع سنبلات الْخضر فَهُوَ الخصب والرخص فِي السنين المخصبة وَأما السَّبع بقرات الهزال الهالكات فَهِيَ سبع سِنِين مُجْدِبَة وَأما السَّبع سنبلات اليابسات فَهُوَ الْقَحْط والغلاء فِي السنين المجدبة
ثمَّ علمهمْ يُوسُف كَيفَ يصنعون ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ﴾ المخصبة ﴿دَأَباً﴾ دَائِما كل عَام ﴿فَمَا حَصَدتُّمْ﴾ من الزَّرْع ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ﴾ فِي كوافره وَلَا تدوسوه لِأَنَّهُ أبقى لَهُ ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ يَقُول بِقدر مَا تَأْكُلُونَ
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد السنين المخصبة ﴿سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ سبع سِنِين قحطة ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ مَا رفعتم لَهُنَّ للسنين المجدبة فِي السنين المخصبة ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ تحرزون
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد السنين المجدبة ﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاس﴾ أهل مصر بِالطَّعَامِ والمطر ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ الكروم والأدهان وَالزَّيْت فَرجع الرَّسُول وَأخْبر الْملك بذلك
﴿وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ﴾ بِيُوسُف ﴿فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُول﴾ وَهُوَ الساقي إِلَى يُوسُف فَقَالَ إِن الْملك يَدْعُوك ﴿قَالَ﴾ لَهُ يُوسُف ﴿ارْجع إِلَى رَبِّكَ﴾ إِلَى سيدك الْملك ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسْوَة﴾ يَقُول قل للْملك حَتَّى يسْأَل عَن خبر النسْوَة ﴿اللَّاتِي قَطَّعْنَ﴾ خدشن وخمشن ﴿أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي﴾ سَيِّدي ﴿بِكَيْدِهِنَّ﴾ بمكرهن وصنيعهن ﴿عَلِيمٌ﴾ فَرجع الرَّسُول وَأخْبر الْملك فَجمع الْملك هَؤُلَاءِ النسْوَة كُلهنَّ وَكن أَربع نسْوَة امْرَأَة سَاقيه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة الْعَزِيز أَيْضا وَلم يكن فِي مصر أعظم مِنْهُنَّ دون الْملك
﴿قَالَ﴾ لَهُنَّ الْملك ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ مَا شأنكن وَمَا حالكن ﴿إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ﴾ معَاذ الله ﴿مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ﴾ مَا رَأينَا مِنْهُ ﴿من سوء﴾ من قَبِيح ﴿قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز الْآن حَصْحَصَ الْحق﴾ الْآن تبين الْحق ليوسف وَيُقَال الْآن خبر الصدْق ﴿أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ﴾ أَنا دَعوته إِلَى نَفسِي ﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقين﴾ فِي قَوْله إِنَّه لم يراودني
قَالَ يُوسُف ﴿ذَلِك لِيَعْلَمَ﴾ الْعَزِيز ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ﴾ فِي امْرَأَته ﴿بِالْغَيْبِ﴾ إِذا غَابَ عني
198
﴿وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يصوب وَلَا يرضى ﴿كَيْدَ الخائنين﴾ عمل الزانين
199
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا حِين هَمَمْت بهَا يَا يُوسُف فَقَالَ يُوسُف ﴿وَمَآ أبرئ نَفسِي﴾ قلبِي من الْهم ﴿إِنَّ النَّفس﴾ يَعْنِي الْقلب ﴿لأمارة﴾ للجسد ﴿بالسوء﴾ بالقبيح من الْعَمَل ﴿إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ عصم رَبِّي ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لما هَمَمْت
﴿وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أخصه لنَفْسي دون الْعَزِيز ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ بعد مَا جَاءَ إِلَيْهِ وَفسّر رُؤْيَاهُ ﴿قَالَ﴾ لَهُ الْملك ﴿إِنَّكَ الْيَوْم لَدَيْنَا﴾ عندنَا ﴿مِكِينٌ﴾ لَك قدر ومنزلة ﴿أَمِينٌ﴾ بالأمانة وَيُقَال بِمَا وليتك
﴿قَالَ اجْعَلنِي على خَزَآئِنِ الأَرْض﴾ على خراج مصر ﴿إِنِّي حَفِيظٌ﴾ بتقديرها ﴿عَلِيمٌ﴾ بساعة الْجُوع حِين يَقع وَيُقَال حفيظ لما وليتني عليم بِجَمِيعِ ألسن الغرباء الَّذين يأتونك
﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ هَكَذَا مكنا يُوسُف ﴿فِي الأَرْض﴾ أَرض مصر ﴿يَتَبَوَّأُ﴾ ينزل ﴿مِنْهَا﴾ فِيهَا ﴿حَيْثُ يَشَآءُ﴾ يُرِيد ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا﴾ نخص برحمتنا النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام ﴿مَن نَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَلاَ نُضِيعُ﴾ لَا نبطل ﴿أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ثَوَاب الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل
﴿وَلأَجْرُ الْآخِرَة﴾ ثَوَاب الْآخِرَة ﴿خَيْرٌ﴾ من ثَوَاب الدُّنْيَا ﴿لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بِاللَّه وَجُمْلَة الْكتب وَالرسل ﴿وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ﴾ إِلَى مصر وهم عشرَة ﴿فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ﴾ على يُوسُف ﴿فَعَرَفَهُمْ﴾ يُوسُف أَنهم إخْوَته ﴿وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ لَا يعْرفُونَ أَنه أخوهم يُوسُف
﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ﴾ كال لَهُم كيلهم ﴿قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ﴾ كَمَا قُلْتُمْ إِن لنا أَخا من أَبينَا عِنْد أَبينَا ﴿أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْل﴾ أوفر الْكَيْل وَيُقَال بيَدي كيل الطَّعَام ﴿وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ أفضل المضيفين
﴿فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ﴾ بأخيكم من أبيكم ﴿فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي﴾ فِيمَا تستقبلون ﴿وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ مرّة أُخْرَى
﴿قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ﴾ سنطلبه من أَبِيه ونغري أَبَاهُ ﴿وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾ لضامنون أَنا سنجيء بِهِ
﴿وَقَالَ﴾ يُوسُف ﴿لِفِتْيَانِهِ﴾ لخدامه ﴿اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ﴾ دسوا دراهمهم ﴿فِي رِحَالِهِمْ﴾ فِي جواليقهم كي لَا يعلمُونَ ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ﴾ لكَي يعرفوا هَذِه الْكَرَامَة مني وَيُقَال لكَي يعرفوا أَنَّهَا دراهمهم فيردوها لي ﴿إِذَا انقلبوا إِلَى أَهْلِهِمْ﴾ إِذا رجعُوا إِلَى أَبِيهِم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ مرّة أُخْرَى
﴿فَلَمَّا رجعُوا إِلَى أَبِيهِم﴾ بكنعان ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا منع منا الْكَيْل﴾ فِيمَا يسْتَقْبل إِن كم ترسل مَعنا بنيامين ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا﴾ بنيامين ﴿نَكْتَلْ﴾ يشتر لنَفسِهِ حملا وَيُقَال نشتر لَهُ حملا إِن قَرَأت بالنُّون ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ضامنون برده إِلَيْك
﴿قَالَ﴾ لَهُم يَعْقُوب ﴿هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على بنيامين ﴿إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قبل﴾
199
من قبل يُوسُف يَقُول هَل أقدر أَن آخذ عَلَيْكُم الْعَهْد والميثاق أَكثر مِمَّا أخذت عَلَيْكُم فِي يُوسُف ﴿فَالله خَيْرٌ حَافِظاً﴾ مِنْكُم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ وَهُوَ أرْحم بِهِ من وَالِديهِ وَمن إخْوَته
200
﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ﴾ جواليقهم ﴿وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ﴾ دراهمهم ثمن طعامهم ﴿رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾ مَعَ طعامهم ﴿قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي﴾ مَا نكذب بِمَا قُلْنَا من إِحْسَان الرجل ولطفه بِنَا وَيُقَال مَا طلبنا هَذَا مِنْهُ ﴿هَذِه بِضَاعَتُنَا﴾ دراهمنا الَّتِي أعطيناه ثمن الطَّعَام ﴿رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾ مَعَ الطَّعَام وَهَذَا من إحسانه إِلَيْنَا قَالَ لَهُم أبوهم بل جربكم الرجل بِهَذَا ردوا هَذِه الدَّرَاهِم إِلَيْهِ ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ نمتار أهلنا ﴿وَنَحْفَظُ أَخَانَا﴾ فِي الذّهاب والمجيء بنيامين ﴿وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ وقر بعير إِذْ كَانَ هُوَ مَعنا ﴿ذَلِك كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾ حمل يسير نعطي بِسَبَبِهِ وَيُقَال هَذَا أَمر يسير وحاجة هينة نطلب مِنْك
﴿قَالَ﴾ لَهُم أبوهم ﴿لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ﴾ بِهَذِهِ الْمقَالة ﴿حَتَّى تُؤْتُونِ﴾ تعطوني ﴿مَوْثِقاً﴾ عهدا ﴿مِّنَ الله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ لتردنه عليَّ ﴿إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ﴾ إِلَّا أَن ينزل عَلَيْكُم أَمر من السَّمَاء وَيُقَال إِلَّا أَن يُصِيبكُم أَمر من السَّمَاء أَو من الأَرْض ﴿فَلَمَّآ آتَوْهُ﴾ أعْطوا أباهم ﴿مَوْثِقَهُمْ﴾ عهودهم من الله على رده إِلَى أَبِيهِم ﴿قَالَ﴾ يَعْقُوب ﴿الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ شَهِيد وَيُقَال كَفِيل
﴿وَقَالَ﴾ لَهُم ﴿يَا بني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ﴾ من سكَّة وَاحِدَة ﴿وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ﴾ من سِكَك مُخْتَلفَة ﴿وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله﴾ من قَضَاء الله فِيكُم ﴿مِن شَيْءٍ إِنِ الحكم﴾ مَا الحكم بِالْقضَاءِ فِيكُم ﴿إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ اتكلت وفوضت أَمْرِي وأمركم إِلَيْهِ ﴿وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون﴾ فليثق الواثقون وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله وَكَانَ خَافَ عَلَيْهِم يعقوبَ من الْعين لأَنهم كَانُوا صباح الْوُجُوه جمالا فَمن ذَلِك خَافَ عَلَيْهِم
﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ﴾ مصر ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ﴾ كَمَا أَمرهم ﴿أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله﴾ من قَضَاء الله فيهم ﴿مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً﴾ حزازة ﴿فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ﴾ فِي قلب يَعْقُوب ﴿قَضَاهَا﴾ أبداها ﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي يَعْقُوب ﴿لَذُو عِلْمٍ﴾ حفظ ﴿لِّمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ من الَّذِي علمناه من الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْقَضَاء وَالْقدر علم أَنه لَا يكون إِلَّا مَا قضى الله ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مصر ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون
﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ﴾ ضم إِلَيْهِ ﴿أَخَاهُ﴾ من أَبِيه وَأمه وَحبس سَائِر إخْوَته على الْبَاب ﴿قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ﴾ بِمَنْزِلَة أَخِيك الْهَالِك ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ﴾ فَلَا تحزن ﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بك إخْوَتك من الْجفَاء وَيَقُولُونَ لَك من السب وَالتَّعْبِير
﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ كال لَهُم كيلهم ﴿جَعَلَ السِّقَايَة فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ دس سقايته الَّتِي كَانَ يشرب فِيهَا ويكيل بهَا فِي رَحل أَخِيه من أَبِيه وَأمه ثمَّ أَمرهم بالرحيل ثمَّ أرسل خَلفهم فَتى ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ نَادَى مُنَاد وَهُوَ فَتى يُوسُف ﴿أَيَّتُهَا العير﴾ أهل الْقَافِلَة ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾
﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ﴾ يَقُول وَأَقْبلُوا عَلَيْهِم وَقَالُوا ﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ مَا تطلبون
﴿قَالُواْ نَفْقِدُ﴾ نطلب ﴿صُوَاعَ الْملك﴾ إِنَاء الْملك الَّذِي كَانَ يشرب فِيهِ ويكيل بِهِ وَكَانَ إِنَاء من الذَّهَب وَقد اتهمني الْملك ﴿وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ كَفِيل قَالَ لَهُم هَذَا القَوْل فَتى يُوسُف
﴿قَالُواْ تالله﴾ وَالله ﴿لَقَدْ عَلِمْتُمْ﴾ يَا أهل مصر ﴿مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْض﴾ أَرض مصر بِالسَّرقَةِ ومضرة النَّاس ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ مَا تطلبون
﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي فَتى يُوسُف ﴿فَمَا جَزَآؤُهُ﴾ يَعْنِي مَا جَزَاء السَّارِق ﴿إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾
﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ﴾ السَّارِق ﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ السّرقَة ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ يَقُول الاستعباد جَزَاء سَرقته ﴿كَذَلِك نَجْزِي الظَّالِمين﴾ السارقين بأرضنا
﴿فَبَدَأَ﴾ فَتى يُوسُف ﴿بِأَوْعِيَتِهِمْ﴾ ففتشها ﴿قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ فَلم يجدهَا فِيهَا ﴿ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ من أَبِيه وَأمه فَقَالَ لَهُ فَتى يُوسُف فرجك الله كَمَا فرجتني (كَذَلِك) هَكَذَا ﴿كِدْنَا﴾ صنعنَا ﴿لِيُوسُفَ﴾ أكرمناه بِالْعلمِ وَالْحكمَة والفهم والنبوة وَالْملك ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ﴾ يَقُول لم يَأْخُذ ﴿أَخَاهُ فِي دِينِ الْملك﴾ فِي قَضَاء الْملك ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ وَقد شَاءَ الله أَن لَا يَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك وَكَانَ قَضَاء الْملك للسارق أَنه يضْرب وَيغرم وَيُقَال يقطع وَيغرم وَيُقَال إِلَّا أَن يَشَاء الله إِلَّا مَا علم يُوسُف أَنه يُرْضِي الله من قَضَاء الْملك فَكَأَن يَأْخُذ بذلك ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ﴾ فَضَائِل ﴿مَّن نَّشَآءُ﴾ كَمَا نرفع فِي الدُّنْيَا ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ وَفَوق كل ذِي علم عَالم حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الله فَلَيْسَ فَوْقه أحد وَيُقَال الله عَالم وَفَوق كل عَالم فَلَيْسَ فَوْقه أحد
﴿قَالُوا﴾ إخْوَة يُوسُف ﴿إِن يَسْرِقْ﴾ إِن سرق بنيامين سِقَايَة الْملك ﴿فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ من قبله أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأمه صنماً ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ﴾ جَوَاب هَذِه الْكَلِمَة ﴿فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ جوابها ﴿قَالَ﴾ فِي نَفسه ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ صنيعاً من يُوسُف ﴿وَالله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ تَقولُونَ من أَمر يُوسُف
﴿قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً﴾ يفرح بِهِ إِن رددناه ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا﴾ رهنا ﴿مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ﴾ إِن فعلت ذَلِك ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ إِلَيْنَا
﴿قَالَ﴾ لَهُم يُوسُف ﴿مَعَاذَ الله﴾ أعوذ بِاللَّه ﴿أَن نَّأْخُذَ﴾ بِالسَّرقَةِ ﴿إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ﴾ بِحَبْس من لم نجد متاعنا عِنْده
﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ﴾ أيسوا مِنْهُ ﴿خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ خلوا نجياً للمناجاة فِيمَا بَينهم ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ﴾ أفضلهم فِي الْعقل وَهُوَ يهوذا ﴿أَلَمْ تعلمُوا﴾ يَا إخوتاه ﴿أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله﴾ لتردنه عليَّ ﴿وَمِن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا الْغُلَام ﴿مَا فَرَّطتُمْ﴾ مَا تركْتُم عَهده وميثاقه ﴿فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْض﴾ أَرض مصر ﴿حَتَّى يَأْذَن لي أبي﴾ بِالرُّجُوعِ وَيُقَال يَأْذَن لي أبي حَتَّى أناجزهم الْقِتَال ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لِي﴾ فِي رد أخي ﴿وَهُوَ خَيْرُ﴾ أفضل ﴿الْحَاكِمين﴾ فِي رده إِلَى
ثمَّ قَالَ لَهُم يهوذا ﴿ارْجعُوا﴾ يَا إخوتي ﴿إِلَى أبيكم فَقولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنك سَرَقَ﴾ صواع الْملك إِنَاء من ذهب وَيُقَال أَخذ بِالسَّرقَةِ إِن قَرَأت بِضَم السِّين وخفض الرَّاء بِالتَّشْدِيدِ ﴿وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ رَأينَا أَن السّرقَة أخرجت من رَحْله ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ يَقُول لَو علمنَا الْغَيْب مَا ذَهَبْنَا بِهِ وَيُقَال مَا كُنَّا لَهُ بِاللَّيْلِ حافظين
﴿واسأل الْقرْيَة﴾ أهل الْقرْيَة ﴿الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ وَهِي قَرْيَة من قرى مصر ﴿وَالْعير﴾ أهل العير ﴿الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ جِئْنَا مَعَهم وَكَانَ صحبهم قوم من كنعان ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فِيمَا قُلْنَا لَك فَقَالُوا ليعقوب هَذَا القَوْل
﴿قَالَ﴾ يَعْقُوب لَهُم ﴿بَلْ سَوَّلَتْ﴾ زينت ﴿لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ ففعلتموه ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فعلي صَبر جميل بِلَا جزع ﴿عَسَى الله﴾ لَعَلَّ الله ﴿أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ بِيُوسُف وأخيه من أَبِيه وَأمه بنيامين ويهوذا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم﴾ بمكانهم ﴿الْحَكِيم﴾ بردهمْ عَليّ
﴿وَتَوَلَّى عَنْهُم﴾ خرج من بَينهم ﴿وَقَالَ يَا أسفى﴾ يَا حزنا ﴿عَلَى يُوسُفَ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الْحزن﴾ من الْبكاء ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ مغموم يتَرَدَّد حزنه فِي جَوْفه
﴿قَالُوا﴾ وَلَده وَولد وَلَده ﴿تالله﴾ وَالله ﴿تفتأ﴾ لَا تزَال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً﴾ حَتَّى تكون دنفاً ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾ بِالْمَوْتِ
﴿قَالَ﴾ يَعْقُوب ﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي﴾ أدفَع غمي ﴿وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ يَقُول أعلم أَن رُؤْيا يُوسُف صَادِقَة وَأَنا لنسجد لَهُ وَيُقَال أعلم من رَحْمَة الله وَجَمِيل نظره وصنعه مَا لَا تعلمُونَ وَيُقَال أعلم أَن يُوسُف حَيّ لم يمت لِأَنَّهُ دخل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ هَل قبضت روح ابْني يُوسُف فِيمَن قبضت قَالَ لَا فَمن ذَلِك
قَالَ ﴿يَا بني اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ فاستخبروا واطلبوا خبر يُوسُف وأخيه بنيامين ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ من رَحْمَة الله ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله﴾ من رَحْمَة الله ﴿إِلاَّ الْقَوْم الْكَافِرُونَ﴾ بِاللَّه وبرحمته
﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ﴾ على يُوسُف فِي الْمرة الثَّالِثَة ﴿قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مَسَّنَا﴾ أَصَابَنَا ﴿وَأَهْلَنَا الضّر﴾ الْجُوع ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ بِدَرَاهِم لَا تنْفق فِي الطَّعَام وتنفق فِيمَا بَين النَّاس وَيُقَال بمتاع الْجَبَل كالصنوبر والحبة الخضراء وَيُقَال بمتاع الْعَرَب مثل الأقط وَالصُّوف والجبن وَالسمن ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْل﴾ يَقُول وفر لنا الْكَيْل كَمَا توفر بالدارهم الْجِيَاد ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ﴾ مَا بَين الثمنين وَيُقَال بَين الكيلين ﴿إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿قَالَ﴾ لَهُم يُوسُف ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ شُبَّان غافلون
﴿قَالُوا أئنك لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ من أبي وَأمي ﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ﴾ بِالصبرِ ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ﴾ فِي النِّعْمَة ﴿وَيِصْبِرْ﴾ فِي الشدَّة ﴿فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ﴾ لَا يبطل ﴿أَجْرَ﴾ ثَوَاب ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ بالتقوى وَالصَّبْر
﴿قَالُواْ﴾ إخْوَة يُوسُف ليوسف ﴿تالله﴾ وَالله ﴿لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ فضلك الله علينا ﴿وَإِن كُنَّا﴾ وَقد كُنَّا ﴿لَخَاطِئِينَ﴾ مسيئين بك عاصين لله
﴿قَالَ﴾ لَهُم يُوسُف ﴿لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم﴾ يَقُول لَا أعيركم بعد الْيَوْم ﴿يَغْفِرُ الله لَكُمْ﴾ مَا كَانَ مِنْكُم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ من الْوَالِدين
﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا﴾ وَكَانَ قَمِيصه كسْوَة من الْجنَّة ﴿فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً﴾ يرجع بَصيرًا ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وَكَانُوا نَحْو سبعين إنْسَانا
﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ العير﴾ خرجت العير من الْعَريش وَهِي قَرْيَة بَين مصر وكنعان ﴿قَالَ أَبُوهُمْ﴾ يَعْقُوب ﴿إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾ تسفهونني وتخزونني وتكذبونني فِيمَا أَقُول
﴿قَالُواْ﴾ وَلَده وَولد وَلَده الَّذين كَانُوا عِنْده ﴿تالله﴾ وَالله ﴿إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيم﴾ فِي خطئك الأول فِي ذكر يُوسُف
﴿فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير﴾ وَهُوَ يهوذا بالقميص ﴿أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ فَارْتَد بَصِيراً﴾ صَار بَصيرًا ﴿قَالَ﴾ لِبَنِيهِ وَبني بنيه ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ يَقُول إِن يُوسُف حَيّ لم يمت
﴿قَالُوا﴾ وَلَده وَولد وَلَده ﴿يَا أَبَانَا اسْتغْفر لَنَا ذُنُوبَنَآ﴾ ادْع الله أَن يغْفر لنا ذنوبنا ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ مسيئين عاصين لله
﴿قَالَ﴾ لَهُم ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ أَدْعُو لكم رَبِّي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر السحر ﴿إِنَّهُ هُوَ الغفور﴾ المتجاوز ﴿الرَّحِيم﴾ لمن تَابَ
﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ ضم إِلَيْهِ أَبَاهُ وخالته لِأَن أمه كَانَت مَاتَت قبل ذَلِك ﴿وَقَالَ ادخُلُوا﴾ انزلوا ﴿مِصْرَ إِن شَآءَ الله﴾ وَقد شَاءَ الله ﴿آمِنِينَ﴾ من الْعَدو وَالسوء وَيُقَال ادخُلُوا مصر آمِنين من الْعَدو وَالسوء إِن شَاءَ الله مقدم ومؤخر
﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش﴾ على السرير ﴿وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ خضعوا لَهُ بِالسُّجُود أَبَوَاهُ وَإِخْوَته وَكَانَ سجودهم تحيتهم فِيمَا بَينهم كَانَ يسْجد الوضيع للشريف والشاب للشَّيْخ وَالصَّغِير للكبير كَهَيئَةِ الرُّكُوع نَحْو فعل الْأَعَاجِم ﴿وَقَالَ يَا أَبَت هَذَا﴾ السُّجُود ﴿تَأْوِيلُ﴾ تَعْبِير ﴿رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾ صدقا ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي﴾ إليّ ﴿إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجْن﴾ ونجاني من الْعُبُودِيَّة ﴿وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو﴾ من الْبَادِيَة ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ﴾ أفسد ﴿الشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي﴾ بِالْحَسَدِ ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ﴾ لما جمع بَيْننَا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم﴾ بِمَا أَصَابَنَا ﴿الْحَكِيم﴾ بِالْجمعِ والفرقة
﴿رَبِّ﴾ يَا رب ﴿قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْملك﴾ أَعْطَيْتنِي ملك مصر أَرْبَعِينَ فرسخاً فِي أَرْبَعِينَ فرسخاً ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث﴾ تَعْبِير الرُّؤْيَا ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَا خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿أَنتَ وَلِيِّي﴾ رَبِّي وخالقي ورازقي وحافظي وناصري ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة تَوَفَّنِي مُسْلِماً﴾ مخلصاً بِالْعبَادَة والتوحيد ﴿وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ بآبائي الْمُرْسلين فِي الْجنَّة
﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي ذكرت لَك يَا مُحَمَّد من خبر يُوسُف وَإِخْوَته ﴿مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْب﴾ من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ نرسل إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ﴾ عِنْدهم ﴿إِذْ أَجمعُوا أَمْرَهُمْ﴾ اجْتَمعُوا على أَن يطْرَحُوا يُوسُف فِي الْجب ﴿وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ يُرِيدُونَ بذلك هَلَاك يُوسُف
﴿وَمَآ أَكْثَرُ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿وَلَوْ حَرَصْتَ﴾ لَو جهدت كل الْجهد مقدم ومؤخر ﴿بِمُؤْمِنِينَ﴾ بالكتب وَالرسل
﴿وَمَا تَسْأَلهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿عَلَيْهِ﴾ على التَّوْحِيد ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ من جعل ﴿إِنْ هُوَ﴾ مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ عظة ﴿لِّلْعَالَمِينَ﴾ الْجِنّ وَالْإِنْس
﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ﴾ من عَلامَة ﴿فِي السَّمَاوَات﴾ من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك ﴿وَالْأَرْض﴾ وَمَا فِي الأَرْض من الْجبَال والبحار وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ أهل مَكَّة ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ مكذبون بهَا لَا يتفكرون فِيهَا
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ﴾ أهل مَكَّة ﴿بِاللَّه﴾ فِي السِّرّ وَيُقَال بعبودية الله ﴿إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ بوحدانية الله فِي الْعَلَانِيَة
﴿أفأمنوا﴾ أهل مَكَّة ﴿أَن تَأْتِيَهُمْ﴾ أَن لَا تأتيهم ﴿غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله﴾ عَذَاب من عَذَاب الله مثل يَوْم بدر ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة﴾ عَذَاب السَّاعَة ﴿بَغْتَةً﴾ فَجْأَة ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ بنزول الْعَذَاب
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿هَذِه﴾ يَعْنِي مِلَّة إِبْرَاهِيم ﴿سبيلي﴾ ديني ﴿أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَةٍ﴾ على دين وَبَيَان ﴿أَنَاْ﴾ أَدْعُو ﴿وَمَنِ اتبعني﴾ آمن بِي يدعونَ إِلَى الله أَيْضا على بَصِيرَة على دين وَبَيَان ﴿وَسُبْحَانَ الله﴾ نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْركين﴾ مَعَ الْمُشْركين على دينهم
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ﴾ نرسل إِلَيْهِم جِبْرِيل كَمَا أرسل إِلَيْك ﴿مِّنْ أَهْلِ الْقرى﴾ مَنْسُوب إِلَى الْقرى مثلك ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ﴾ أهل مَكَّة ﴿فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ﴾ فيتفكروا ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ كَيفَ صَار آخر أَمر ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الْكفَّار ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَة﴾ الْجنَّة ﴿خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وآمنوا بِاللَّه بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أفليس لكم ذهن الإنسانية أَن الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا وَيُقَال إِن الدُّنْيَا تفنى وَالْآخِرَة تبقى وَيُقَال أَفلا تصدقُونَ بِمَا أصَاب الْأَوَّلين حَيْثُ كذبُوا الرُّسُل
﴿حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل﴾ فَلَمَّا أيس الرُّسُل من إِجَابَة الْقَوْم ﴿وظنوا﴾ علمُوا وأيقنوا يَعْنِي الرُّسُل ﴿أَنَّهُمْ﴾ يَعْنِي قَومهمْ ﴿قد كذبُوا﴾ كذبوهم بِمَا جَاءُوا بِهِ من الله إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَيُقَال وظنوا يَعْنِي الْقَوْم يَعْنِي الرُّسُل قد كذبُوا أخلف وعد الرُّسُل إِن قُرِئت مُخَفّفَة ﴿جَآءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ يَعْنِي عذابنا بِهَلَاك قَومهمْ ﴿فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ﴾ يَعْنِي الرُّسُل وَمن آمن بالرسل ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿عَنِ الْقَوْم الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ﴾ فِي خبرهم خبر يُوسُف وَإِخْوَته ﴿عِبْرَةٌ﴾ آيَة ﴿لأُوْلِي الْأَلْبَاب﴾ لِذَوي الْعُقُول من النَّاس ﴿مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى﴾ يَعْنِي الْقُرْآن لَيْسَ بِحَدِيث يختلق ﴿وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ مُوَافق للتوراة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع وَخبر يُوسُف ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ تبيان كل شَيْء من الْحَلَال وَالْحرَام ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةً﴾ من الْعَذَاب ﴿لقوم يُؤمنُونَ﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك وَالله أعلم بأسرار كِتَابه
204
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الرَّعْد وَهِي مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ قَوْله ﴿وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة﴾ إِلَى آخرهَا وَقَوله ﴿وَيَقُول الَّذين كفرُوا﴾ إِلَى ﴿وَمن عِنْده علم الْكتاب﴾ فَإِنَّهُمَا مدنيتان آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَخمْس وَخَمْسُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتَّة أحرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {
205
Icon