ﰡ
مكية
وآياتها مائة وإحدى عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)شرح الكلمات:
ألر: تكتب آلر وتقرأ: ألف، لام، را، والله أعلم بمراده بذلك.
الكتاب المبين: أي القرآن المظهر للحق في الاعتقادات والعبادات والشرائع.
قرآنا عربيا: أي بلغه العرب العدنانيّون والقحطانيون سواء.
نحن نقص: نحدثك متتبعين آثار الحديث على وجهه الذي كان عليه وتم به.
بما أوحينا: أي بإيحائنا إليك فالوحي هو أداة القصص.
من قبله: أي من قبل نزوله عليك.
لمن الغافلين: أي من قبل إيحائنا إليك غافلا عنه لا تذكره ولا تعلم منه شيئاً.
إن المناسبة بين سورتي هود ويوسف عليهما السلام أن الثانية تتميم للقصص الذي اشتملت عليه الأولى إذ سورة يوسف اشتملت على أطول قصص في القرآن الكريم أوله ﴿إذ قال يوسف لأبيه﴾ رابع آية وآخره ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم﴾ الآية الثانية بعد المائة وأما سبب نزول هذه السورة فقد قيل للرسول١ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو قصصت علينا فأنزل الله تعالى ﴿ألر تلك آيات الكتاب المبين﴾ إلى قوله ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم﴾ فقص أحداث أربعين سنة تقريباً، فقوله تعالى ﴿ألر﴾ من هذه الحروف المقطعة تألفت آيات القرآن الكريم، فأشار إليها بقوله ﴿تلك آيات الكتاب المبين﴾ أي المبيّن للحق المُظهر له ولكل ما الناس في حاجة إليه مما يصلح دينهم ودنياهم. وقوله تعالى ﴿إنا أنزلناه﴾ أي القرآن ﴿قرآنا عربيّاً﴾ ٢ أي بلسان العرب ليفهموه ويعقلوا معانيه فيهتدوا عليه فيكملوا ويسعدوا. وقوله ﴿لعلكم تعقلون٣﴾ أي ليمكنكم فهمه ومعرفة ما جاء فيه من الهدى والنور. وقوله تعالى ﴿نحن نقص عليك﴾ يا رسول الله ﴿أحسن القصص٤﴾ أي أصحه وأصدقه وأنفعه وأجمله ﴿بما أوحينا إليك هذا القرآن﴾ أي بواسطة إيحائنا إليك هذا القرآن، ﴿وإن كنت من قبله﴾ أي من قبل إتيانه إليك ﴿لمن الغافلين﴾ عنه لا تذكره ولا تعلمه.
هداية الآيات:.
من هداية الآيات:
١- تقرير إعجاز القرآن إذ هو مؤلف من مثل ألر، وطس، وق، ومع هذا لم يستطع العرب أن يأتوا بسورة مثله.
٢- بيان الحكمة في نزول القرآن باللغة العربية وهي أن يعقله العرب ليبلغوه إلى غيرهم.
٢ قرآناً عربياً حال من الضمير في أنزلناه وعربياً صفة له فلم يكن على نهج الأشعار- والقصص التي تقص وإنما هو كتاب منظم يقرأ ويحفظ ويعلم ما فيه ويعمل به لسعادة الدارين.
٣ أي جعلناه قرآناً عربياً بلغتكم التي تتخاطبون بها وتفهمون أساليبها الكلامية ومعانيها الإفرادية والتركيبية رجاء أن تتمكنوا من فهمه ومعرفة ما يدعو إليه من الحق والصراط المستقيم.
٤ القصص منقول من قص الأثر إذا تتبع آثار الأقدم ليعرف منتهى سير صاحبها فالقصص تتبع الأخبار للمعرفة والعظة والاعتبار.
٤- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإثباتها بأقوى برهان عقليّ وأعظم دليل نقليّ.
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (٥) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
شرح الكلمات
لأبيه: أي يعقوب بن اسحق بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
إني رأيت: أي في منامي.
أحد عشر كوكبا: أي من كواكب السماء.
ساجدين: أي نزل الكل من السماء وسجدوا ليوسف وهو طفل.
فيكيدوا لك: أي يحتالوا عليك بما يضرك.
عدو مبين: أي بين العداوة ظاهرها.
يجتبيك ربك: أي يصطفيك له لتكون من عباده المخلصين.
من تأويل الأحاديث: أي تعبير الرؤيا.
ويتم نعمته عليك: أي بأن ينبّئك ويرسلك رسولاً.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إذ قال يوسف﴾ ٢ هذا بداية القصص أي اذكر أيها الرسول إذ قال يوسف بن
٢ إذ ظرف في محل نصب والعامل فيه أذكر أي اذكر لهم حين قال يوسف الخ.
وقوله ﴿ويعلمك من تأويل الأحاديث﴾ أي ويعلمك معرفة ما يزول إليه أحاديث الناس ورؤياهم٤ المنامية، ويتم نعمته عليك بالنبوة وعلى آل يعقوب أي أولاده. ﴿كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحق﴾ اسحق جد يوسف الأدنى وإبراهيم جده الأعلى حيث أنعم عليهما بانعامات كبيرة أعظمها النبوة والرسالة، وقوله تعالى ﴿إن ربك عليم﴾ أي بخلقه ﴿حكيم﴾ أي في تدبيره فيضع كل شيء في موضعه فيكرم من هو أهل للإكرام، ويحرم من هو أهل للحرمان.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- ثبوت الرؤيا شرعاً ومشروعية تعبيرها٥.
٢ ساجدين جمع ساجد وهو للعاقل، والشمس والقمر والنجوم من غير العقلاء. فلم ما قال ساجدة؟ والجواب لما كان السجود وهو طاعة لا يصدر إلا من عاقل ذكر الفعل فقال ساجدين.
٣ الرؤيا ما يراه المرء في منامه من أمور وأحوال، وهي ثلاثة أنواع لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا من الله والحلم من الشيطان.
٤ قيل لمالك أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: بالنبوة تلعب؟ لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيراً أخبر به وان رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت.
٥ روى البخاري عن أبي قتادة أنه قال كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وليتفل ثلاث مرات ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره" وروى: "أن الرؤيا على رجل طائر مالم تعبّر فإذا عُبرت وقعت".
٣- مشروعية الحذر والأخذ بالحيطة في الأمور الهامة.
٥- بيان إفضال الله على آل إبراهيم بما أنعم عليهم فجعلهم أنبياء آباء وأبناء وأحفاداً.
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (٨) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩) قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)
شرح الكلمات:
آيات للسائلين١: عبر للسائلين عن أخبارهم وما كان لهم من أحوال غريبة.
ونحن عصبة: أي جماعة إذ هم أحد عشر رجلا.
أو اطرحوه أرضا: أي ألقوه في أرض بعيدة لا يعثر عليه.
يخل لكم وجه أبيكم: أي من النظر إلى يوسف فيقبل عليكم ولا يلتفت إلى غيركم.
في غيابة الجب: أي ظلمة البئر.
بعض السيارة: أي المسافرين السائرين في الأرض.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة يوسف عليه السلام قال تعالى ﴿لقد كان في يوسف وإخوته﴾ أي
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الميل إلى أحد الأبناء بالحب يورث العداوة بين الإخوة.
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
فليسوا سواء عالم وجهول
٢ مهما يقال لها راحيل بنت لابان وباقي الأخوة منهم الأشقاء لبعضهم ومنهم لأب إذا لم تكن أمهم واحدة.
٣ نظرتهم هذه مادية بحتة إذ رأوا أن نفع الجماعة لأبيهم أكثر من نفع الواحد والاثنين وهو ما فَضُلَ يوسفَ للمادة ولكن للكمال الروحي المهيأ له الدال عليه رؤياه. والعصبة الجماعة ولا واحد لها من لفظها.
٤ الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً قال فماذا قالوا في تآمرهم وتشاورهم فأجيب قالوا أقتلوا الخ.
٥ غيابة الجب والجمع غيابات وهي ما غاب عن البصر من شيء والمراد هنا قعر الجب وسمي الجب جباً لأنه مقطوع من الأرض ويجمع على جياب وجيبة.
٦ في الآية دليل على مشروعية التقاط اللقطة وقد أذن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يأذن في ضالة الإبل إذ قال في اللقطة: "اعرف عقاصها (وعاءها) ووكاءها ثم عرَفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها. وقال في ضالة الغنم هي لك أو لأخيك أو للذئب وقال في الإبل مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.
٣- ارتكاب أخف الضررين قاعدة شرعية عمل بها الأولون.
٤- الشفقة والمحبة في الشقيق أكبر منها في الأخ للأب.
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (١٣) قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ (١٤)
شرح الكلمات:
لناصحون: لمشفقون عليه نحب له الخير كما نحبه لأنفسنا.
يرتع ويلعب٢: أي يأكل ويشرب ويلعب بالمسابقة والمناضلة.
إني ليحزنني: أي يوقعني في الحزن الذي هو ألم النفس أي ذهابكم به.
الذئب: حيوان مفترس خداع شرس.
ونحن عصبة: أي جماعة قوية.
لخاسرون: أي ضعفاء عاجزون عرضة للخسران بفقدنا أخانا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة يوسف إنهم بعد ائتمارهم واتفاقهم السري على إلقاء يوسف في غيابة الجب طلبوا من أبيهم أن يترك يوسف يخرج معهم إلى البر كعادتهم للنزهة والتنفه
٢ قرأ نافع يرتِعَ بكسر العين مجزوم في جواب الطلب بحذف الياء من ارتعى يرتعي الغنم ليتدرب بذلك وقرأها حفص بإسكان العين. جزماً من رتع يرتع في المكان إذا أكل كيف شاء قال الشاعر:
ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير قاعدة: لا حذر مع القدر أي لا حذر ينفع٣ في ردّ المقدور.
٢- صدق المؤمن يحمله على تصديق من يحلف له ويؤكد كلامه.
٣- جواز الحزن وأنه لا إثم فيه وفي الحديث "وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
٤- أكل الذئب٤ للإنسان إن أصاب منه غفلة واقع وكثير أيضاً.
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (١٥) وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (١٦) قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ
٢ أي يشق على مفارقته مدة ذهابكم له وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة ومخائل الكمال.
٣ وينفع في ما لم يقدر بإذن الله تعالى.
٤ الذنب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه. وقرأ ورش عن نافع الذيب بدون همز لأن الهمزة ساكنة وقبلهما كسرة فحذفت تخفيفاً.
شرح الكلمات:
وأجمعوا: أي أمرهم على إلقائه في غيابة الجب.
في غيابة الجب: أي في ظلمة البئر.
وأوحينا إليه: أي أعلمناه بطريق خفي سريع.
عشاء: أي بعد غروب الشمس أول الليل.
نستبق: أي بالمناضلة.
عند متاعنا: أي أمتعتنا من ثياب وغيرها.
وما أنت بمؤمن لنا: أي بمصدّق لنا.
بدم كذب: أي بدم مكذوب أي دم سخلة وليس دم يوسف.
بل سولت لكم: أي زينت وحسنت.
على ما تصفون: أي من الكذب.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الإخبار عما عزم عليه إخوة يوسف أن يفعلوه فقد أقنعوا والدهم يوم أمس على إرسال يوسف معهم إلى البر وها هم أولاء وقد أخذوه معهم وخرجوا به، وما إن بعدوا به حتى تغيرت وجوههم عليه وصار يتلقى الكلمات النابية والوكز والضرب أحياناً، وقد أجمعوا أمرهم على إلقائه في بئر معلومة لهم في الصحراء، ونفذوا مؤامرتهم وألقوا أخاهم وهو يبكي بأعلى صوته وقد انتزعوا منه قميصه وتركوه مكتوفاً في قعر البئر. وهنا أوحى الله تعالى إليه أي أعلمه بما شاء من وسائط العلم انه سينبئهم في يوم من الأيام بعملهم الشنيع هذا وهو معنى قوله تعالى في السياق ﴿وأوحينا١ إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون﴾ وبعد أن فرغوا من أخيهم ذبحوا سخلة ولطخوا بدمها قميصه، وعادوا
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- جواز صدور الذنب الكبير من الرجل المؤمن المهيء للكمال مستقبلا٧.
٢- لطف الله تعالى بيوسف وإكرامه له بإعلامه إياه أنه سينّبىء إخوته بفعلتهم هذه وضمن ذلك بشره بسلامة الحال وحسن المآل.
٣- اختيار الليل للاعتذار دون النهار لأن العين تستحي من العين كما يقال. وكما قيل "كيف يرجو الحياء منه صديق... ومكان الحياء منه خراب" يريد عينيه لا تبصران.
٤- فضيلة الصبر الجميل وهو الخالي من الجزع والشكوى معاً.
٢ هو المسابقة وقيل ننتضل وهو نوع من المسابقة وهو في السهام لا في الأقدام وفي الآية دليل على مشروعية السباق وقد سابق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، والحفياء تبعد من ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة، أجمع المسلمون أنه لا يجوز الرهان في السباق إلا في الخيل والإبل والنصل وهي الرماية بالسهام لإصابة الهدف.
٣ أي ثيابنا وأمتعتنا.
٤ استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الامارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها إذ يعقوب عليه السلام استدل على كذب بنيه بصحة القميص وعدم تمزقه بأنياب الذئب.
٥ فصبر جميل أولى به فصبر جميل مبتدأ وأولى به الخبر وهو محذوف وما في التفسير واضح كذلك.
٦ والله مبتدأ والمستعان خبر وعلى ما تصفون متعلق به، والمعنى والله المستعان به على احتمال ما تصفون من الكذب.
٧ لأن إخوة يوسف بعد فعلتهم تلك بأخيهم تاب الله عليهم ونجاهم ومن ألطافه بهم أنه حال بينهم وبين جريمة القتل ونجا يوسف وهم يعلمون.
شرح الكلمات:
سيارة: رُفْقَة من الناس تسير مع بعضها بعضا.
واردهم: أي الذي يرد لهم الماء.
فأدلى دلوه: أي دلى دلوه في البئر.
وأسروه بضاعة: أي أخفوه كبضاعة من البضائع.
وشروه بثمن بخس: أي باعوه بثمن ناقص.
وقال الذي اشتراه: أي الرجل الذي اشتراه واسمه قطفير ولقبه العزيز.
أكرمي مثواه: أي أكرمي موضع إقامته بمعنى أكرميه وأحسني إليه.
أو نتخذه ولدا: أي نتبناه فقال ذلك لأنه لم يكن يولد له.
من تأويل الأحاديث: أي تعبير الرؤيا.
ولما بلغ أشده: أي قوته البدنية والعقلية.
حكماً وعلماً: أي حكمة ومعرفة أي حكمة في التدبير ومعرفة في الدين.
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وإخوته إنه لما ألقى يوسف في الجب وترك هناك جاءت قافلة من بلاد مدين تريد مصر فأرسلوا وارداً لهم١ يستقي لهم الماء فأدلى دلوه في البئر فتعلق به يوسف فخرج معه وما إن رآه المدلي حتى صاح قائلاً يا بشراي٢ هذا غلام وكان إخوة يوسف يترددون على البئر يتعرفون على مصير أخيهم فلما رأوه بأيدي الوارد ورفقائه قالوا لهم هذا عبد لنا أبق، وإن رأيتم شراءه بعناه لكم فقالوا ذاك الذي نريده فباعوه لهم بثمن ناقص وأسره٣ الذين اشتروا أي أخفوه عن رجال القافلة حتى لا يطالبونهم بالاشتراك فيه معهم، وقالوا هذه بضاعة كلفنا أصحاب الماء بإيصالها إلى صاحبها بمصر. هذا ما دل عليه قوله تعالى ﴿وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة﴾ ﴿وشروه بثمن بخس دراهم معدودة﴾.
وكونها معدودة غير موزونة دال على قلتها ﴿وكانوا فيه من الزاهدين﴾ أي إخوته لا الذين اشتروه٤. ولما وصلوا به مصر باعوه من وزير يقال له قطفير العزيز فتفرس فيه الخير فقال لامرأته زليخا أكرمي مقامه بيننا رجاء أن ينفعنا في الخدمة أو نبيعه بثمن غال، أو نتخذه ولداً حيث نحن لا يولد لنا. هذا معنى قوله تعالى ﴿وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً﴾ قال تعالى ﴿وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض﴾ أي وكما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه العزيز مكّنا له في الأرض فيما بعد فصار ملك مصر بما فيها يحكمها ويسوسها بالعدل والرحمة. وقوله تعالى ﴿ولنعلمه من تأويل الأحاديث﴾ أي ولنعلمه٥ تعبير الرؤا من أحاديث الناس وما يقصونه منه. وقوله تعالى ﴿والله غالب على أمره﴾ ٦ أي على أمر يوسف فلم يقدر إخوته أن يبلغوا منه مرادهم
٢ قرأ ورش بُشْرَايَ، وقرأ حفص بُشْرَى.
٣ اختلف فيمن أسروا يوسف بضاعة. فقيل إنهم إخوة يوسف وقيل هم التجار الذين اشتروه وقيل هم الوارد وأصحابه وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنهم إخوة يوسف لما استخرج الوارد يوسف أدركهم إخوته وقالوا لهم هذا عبدنا أبق وإن شئتم بعناكموه فقالوا نود ذلك فباعوهم إياه كبضاعة لأنّ العبد يباع ويشترى كالبضاعة وما في التفسير وهو اختيار ابن جرير أصوب والله أعلم.
٤ لفظ الزاهدين وصف للذين باعوا يوسف ومن هنا قيل هم إخوة يوسف وقيل الواردة وقيل السيارة فالخلاف عائد إلى الأول حيث اختلف فيمن أسروا يوسف بضاعة. واستدل مالك بالآية على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير ويكون البيع لازماً.
٥ قال القرطبي: أي فعلنا ذلك تصديقاً لقول يعقوب ويعلمك من تأويل الأحاديث.
٦ اختلف في عود الضمير في قوله (على أمره) هل هو عائد إلى الله تعالى فهو الغالب على أمره دون سواه، إذ لا يغلب الله شيء بل هو الغالب على أمره وقيل الضمير يعود إلى يوسف أي أن الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- جواز الفرح بما يسر٣ والإعلان عنه.
٢- جواز الاحتياط لأمر الدين والدنيا.
٣- إطلاق لفظ الشراء على البيع.
٤- شمخ التبنّي في الإسلام.
٥- معرفة تعبير الرؤيا كرامة لمن علّمه الله ذلك.
٦- من غالب الله غُلِبَ.
٧- بلوغ الأشد يبتدى بانتهاء الصبا والدخول في البلوغ.
٨- حسن الجزاء مشروط بحسن القيد والعمل.
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا
٢ هذا الجزاء عام في كل مؤمن أحسن فبقدر إحسان العبد يكون جزاء الرب له فالخطاب يتناول يوسف ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتناول غيرهما لأن القرآن كتاب هداية فعمومه لا يخصص بالواحد والاثنين.
٣ مأخوذ من قول الوارد، يا بشرى هذا غلام.
شرح الكلمات:
راودته: أي طالبته لحاجتها تريد أن ينزل عن إرادته لإرادتها وهو يأبى.
التي هو في بينها: أي زليخا امرأة العزيز.
وغلقت الأبواب: أغلقتها بالمغّاليق.
هيت لك: أي تعال عندي.
معاذ الله: أي أعوذ بالله أي أتحصن وأحتمي به من فعل مالا يجوز.
أحسن مثواي: أي إقامتي في بيته.
همت به: أي لتبطش به ضرباً.
وهم بها: أي ليدفع صولتها عليه.
برهان ربّه: ألهمه ربّه أن الخير في عدم ضربها.
السوء والفحشاء: السوء ما يسوء وهو ضربها، والفحشاء الخصلة القبيحة.
المخلصين: أي الذين استخلصناهم لولايتنا وطاعتنا ومحبتنا.
وقدت قميصه: أي قطعته من وراء.
وألفيا سيدها: أي وَجَدا العزيز زوجها وكانوا يطلقون على الزوج لفظ السيد لأنه يملك المرأة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وما جرى له من أحداث في بيت العزيز الذي اشتراه إنه ما إن أوصى العزيز امرأته بإكرام يوسف حتى بادرت إلى ذلك فأحسنت طعامه وشرابه ولباسه وفراشه، ونظراً إلى ما تجلبه الخلوة بين الرجل والمرأة من إثارة
وقوله إنه لا يفلح الظالمون تعليل ثان فالظالم بِوَضْعِ الشيء في غير موضعه يخيب في سعيه ويخسر في دنياه وأُخراه فكيف أرضى لنفسي ولك بذلك وقوله تعالى ﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه٤﴾ أي همت بضربه لامتناعه عن إجابتها لطلبها بعد مراودات طالت مدتها، وهم هو بها أي بضربها دفعاً لها عن نفسه إلا إنه أراه الله برهاناً في نفسه فلم يضربها وآثر الفرار إلى خارج البيت، ولحقته تجري وراءه لترده خشية أن يعلم أحد بما صنعت معه. واستبقا الباب هو يريد الخروج وهي تريد رده إلى البيت خشيه الفضيحة وأخذته من قميصه فقدته أي شقته من دُبر أي من وراء لأنه أمامها وهي وراءه. وقوله تعالى: ﴿كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء٥﴾ أي هكذا نصرف عن يوسف السوء فلا يفعله والفحشاء فلا يقربها، وعلل لذلك بقوله إنه من عبادنا المخلصين أي الذين استخلصناهم لعبادتنا ومحبتنا فلا نرضى لهم أن يتلوثوا بآثار الذنوب والمعاصي. يقوله تعالى ﴿وألفيا سيّدها لدى الباب٦﴾ أي ووجدا زوجها عند الباب جالساً في حال هروبه منها
٢ أي هلم وأقبل وتعال ولا مصدر له ولا تصريف. كأنه اسم فعل أمر بمعنى أقبل وتعال وفيه سبع قراءات أفصحها وأجلها هَيْتَ لك بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء ونظيرها هيت بكسر الهاء وفتح التاء وهي قراءة نافع وروي أن عكرمة قال إنها لغة عربية تدعو بها إلى نفسها. قال الجوهري يقال هرّت وهيّت به إذا صاح به ودعاه. قال الشاعر:
قد رابني أن الكرىّ أسكتا
لو كان معنيا بها لهيّتا
(أي لصاح)، وقال آخر: يحدو بها كل فتى هيّاتِ.
٣ يعني بقوله ربي زوجها أي سيده.
٤ جواب لولا محذوف لعلم السامع به وتقديره لضربها أو لكان ما كان.
٥ السوء هو ضرب وقدم في الذكر عن الفحشاء لأنه الحادث الأخير وأما الفحشاء فكانت قبل.
٦ في عرف لغتهم إطلاق السيد على الزوج.
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)
شرح الكلمات:
وشهد شاهد من أهلها: أي ابن عمها.
قْدَّ من قُبل: أي من قدام.
قدَّ من دبُر: أي من وراء أي من خلف.
إنه من كيدكن: أي قولها، ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً.
يوسف أعرض عن هذا: أي عن هذا الأمر ولا تذكره لكيلا يشيع.
من الخاطئين: المرتكبين للخطايا الآثمين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث كل يوسف وأحداث القصة فقد ادعت زليخا أن يوسف راودها عن نفسها وطالبت بعقوبته فقالت ﴿ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم﴾ وهنا رد يوسف ما قذفته به، ولولا أنها قذفته ما أخبر عن مراودتها إياه فقال ما أخبر تعالى به في هذه الآيات ﴿هي راودتني عن نفسي﴾ وهنا انطق الله جل جلاله طفلاً رضيعاً١
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الدفاع عن النفس ولو بما يُسيُّ إلى الخصم.
٢- إكرام الله تعالى لأوليائه حيث أنطق طفلا في المهد فحكم ببراءة يوسف.
٣- تقرير أن كيد النساء عظيم وهو كذلك.
٤- استحباب الستر على المسيء وكراهية إشاعة الذنوب بين الناس.
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا
٢ القائل هو الشاهد وقيل الزوج، والراجح حسب السياق والعادة أنه الشاهد الذي أصبح حكماً بينهما.
شرح الكلمات:
في المدينة: أي عاصمة مصر يومئذ.
نراود فتاها: أي عبدها الكنعاني.
قد شغفها حبا: أي دخل حبّه شغاف قلبها أي أحاط بقلبها فتملكه عليها..
إنا لنراها في ضلال مبين: أي في خطأ بيّن بسبب حبها إياه.
فلما سمعت بمكرهن: أي بما تحدثن به عنها في غيبتها.
وأعتدت لهن متكئا: أي وأعدت لهن فراشاً ووسائد للاتكاء عليها.
أكبرنه: أي أعظمنه في نفوسهن.
فذلك الذي لمتنني فيه: أي قلتن كيف تحب عبداً كنعانياً.
فاستعصم: أي امتنع مستمسكا بعفته وطهارته.
الصاغرين: الذليلين المهانين.
أصب إليهن: أمل إليهن.
وأكن من الجاهلين: أي المذنبين إذ لا يذنب إلا من جهل قدرة الله وإطلاعه عليه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة يوسف إنه بعد الحكم الذي أصدره شاهد يوسف عليه السلام انتقل الخبر إلى نساء بعض الوزراء فاجتمعن في بيت إحداهن وتحدثن بما هو لوم لامرأة العزيز حيث راودت عبداً لها كنعانياً عن نفسه وهو ما أخبر تعالى عنه في الآيات الآتية قال تعالى ﴿وقال نسوة١ في المدينة﴾ أي عاصمة مصر يومئذ {امرأة العزيز تراود
٢ شغاف القلب: غلافه، وهو: جلدة عليه، وقرىء: شعفها بالعين المهملة أي: أحرق حبّه قلبها، يقال: شعفه الحب: إذا أحرق قلبه.
٣ وجه مكرهن: أنهن لما سمعن بجمال يوسف وحسنه، رغبن في النظر إليه فاحتلن لذلك بالحديث عن زليخا وانتقادها في حبها لخادمها.
٤ في الكلام حذف تقديره: فأرسلت إليهن تدعوهنّ إلى وليمة لتوقعن فيما وقعت فيه. أعتدت: هذا من العتاد وهو ما جعل عدّة لشيء ومنه العتاد الحربي وهو ما أعدّ للحرب من أنواع السلاح.
٥ أصل: ﴿متكأ﴾ موتكأ، حذفت منه الواو كمتزن من وزنت، ومتعدّ من وعدت وقرىء: متكاً غير مهموز وهو الأترج وأمّا مهموزاً فهو: كل ما اتكىء عليه عند الجلوس.
٦ قال مجاهد: ليس قطعاً تبينُ به اليد، وإنما خدش وحزر وهو معروف في كلام العرب، يقال قطع يده إذا جرحها.
٧ قرىء: ﴿حاش لله﴾ و ﴿حاشا لله﴾، وفيه أربع لغات، ويقال: حاشا زيداً وحاشاً زيداً، ومعناه هنا: معاذ الله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان طبيعة الإنسان في حب الإطلاع وتتبع الأخبار.
٢- رغبة الإنسان في الثأر لكرامته، وما يحميه من دم أو مال أو عرض.
٣- ضعف النساء أمام الرجال، وعدم قدرتهن على التحمل كالرجال.
٤- إيثار يوسف عليه السلام السجن على معصية الله تعالى وهذه مظاهر الصديقية.
٥- الجهل بالله تعالى وبأسمائه وصفاته ووعده ووعيده وشرعه هو سبب كل الجرائم في الأرض.
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (٣٨)
ثم بدا لهم: أي ظهر لهم.
الآيات: أي الدلائل على براءة يوسف.
أعصر خمرا: أي أعصر عنباً ليكون خمرا.
واتبعت ملة: أي دين.
ما كان لنا: أي ما انبغى لنا ولا صح منّا.
أن نشرك بالله من شيء: أي أن أشرك بالله شيئا من الشرك وإن قل ولا من الشركاء وإن عظموا أو حقروا.
ذلك من فضل الله علينا: أي ذلك التوحيد والدين الحق.
وعلى الناس: إذ جاءتهم الرسل به ولكنهم ما شكروا فلم يتبعوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن يوسف عليه السلام وما حدث له بعد ظهور براءته من تهمة امرأة العزيز قال تعالى ﴿ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين﴾ أي ثم ظهر للعزيز ومن معه من بعد ما رأوا الدلائل الواضحة على براءة يوسف وذلك كقدّ القميص من دُبر ونطق الطفل وحكمه في القضية بقوله ﴿إن كان قميصه﴾ الخ وهي أدلة كافية في براءة يوسف إلا أنهم رأوا سجنه إلى حين١ ما، أي ريثما تسكن النفوس وتنسى الحادثة ولم يبق لها ذكر بين الناس. وقوله تعالى ﴿ودخل معه السجن٢ فتيان﴾ أي فقرروا سجنه وادخلوه السجن ودخل معه فتيان أي خادمان كانا يخدمان ملك البلاد بتهمة وجهت٣ إليهما. وقوله تعالى ﴿قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ومال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين﴾ وكان هذا الطلب منهما بعد أن أعجبا بسلوكه مع أهل السجن وحسن معاملته وسألاه عن معارفه فأجابهم
٢ رضي بالسجن ولم يرض ارتكاب الفاحشة لعصمة الله تعالى له، ومن هنا قال العلماء: لو أكره مؤمن على الفاحشة أو السجن لتعيّن عليه أن يدخل السجن ولا يرتكب الفاحشة.
٣ هذه التهمة هي: تآمرهما على قتل الملك بوضع سمّ في طعامه أو شرابه، وفعلاً كان الطاهي قد وضع سماً في الطعام وأعطى حيواناً فمات لفوره، ومن ثمّ أدخلا السجن معاً نظراً للحكم عليهما.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- دخول يوسف السجن بداية أحداث ظاهرها محرق وباطنها مشرق.
٢- دخول السجن ليس دائما دليلا على أنه بيت المجرمين والمنحرفين إذ دخله صفيٌ لله تعالى يوسف عليه السلام.
٣- تعبير الرؤى تابع لصفاء الروح وقوة الفراسة وهي في يوسف علم لدني خاص.
٤- استغلال المناسبات للدعوة إلى الله تعالى كما استغلها يوسف عليه السلام.
٥- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
٦- اطلاق لفظ الآباء على الجدود إذ كل واحد هو أب لمن بعده.
٢ أي: بتفسيره في اليقظة، فقالا له: هذا من فعل العرّافين والكهنة فردّ عليهما قائلا: ﴿ذلكما مما علّمني ربّي﴾.
٣ لمّا ردّ عليهما بقوله: ﴿ذلكما مما علمني ربي﴾ علل له بقوله: ﴿إني تركت ملة قوم..﴾.
٤ إذ جعلنا أنبياء ورسلا ندعوا الناس إلى عبادة ربهم، وتوحيده فيها ليكملوا عليها ويسعدوا في الدارين.
٥ أي: لا يعرفون نعمة الله تعالى عليهم بإرسال الرسل إليهم مبشرين ومنذرين فلذا هم لا يعبدون الله ولا يوحدونه فيها.
شرح الكلمات:
يا صاحبي السجن: أي يا صاحبي في السجن وهما الفتيان صاحب طعام الملك وصاحب شرابه.
أأرباب متفرقون: أي آلهة متفرقون هنا وهناك أي في ذواتهم وصفاتهم وأماكنهم.
من دونه: أي من دون الله سبحانه وتعالى.
إلا أسماء.: أي مجرد اسم إله، وإلا في الحقيقة هو ليس بإله إنما هو صنم.
ما أنزل الله بها من سلطان: أي لم يأمر الله تعالى بعبادتها بأي نوع من أنواع العبادة.
فيسقي ربه خمرا: أي يسقي سيده الذي هو ملك البلاد شراب الخمر.
قضي الأمر: أي فرغ منه وبتّ فيه.
ظن انه ناج منهما: أي أيقن إنه محكوم ببراءته.
اذكرني عند ربك: أي أذكرني عند الملك بأني مسجون ظلما بدون جريمة.
فأنساه الشيطان ذكر ربه: أي أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه تعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وهو في السجن لقد سبق أن استعبر الفتيان يوسف رؤياهما أي طلبا منه أن يعبرها لهما لما علما منه أنه يعبر الرؤى غير أن يوسف استغل الفرصة وأخذ يحدثهما عن أسباب علمه بتعبير الرؤى وأنه تركه لملّة الكفر وإيمانه بالله تعالى وحده وأنه في ذلك متّبع ملة آبائه إبراهيم واسحق ويعقوب، وانه لا ينبغي لهم أن يشركوا بالله وفي هذا تعريض بما عليه أهل السجن من الشرك بالله تعالى بعبادة الأصنام، وواصل حديثه داعياً إلى الله تعالى فقال ما أخبر به تعالى في هذا السياق ﴿يا صاحبي١ السجن آرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾ فخاطب صاحبيه يا صاحبي السجن أخبراني واصدقاني: آرباب أي آلهة متفرقون هنا وهناك، هذا صنم وهذا كوكب، وهذا إنسان، وهذا حيوان، وهذا لونه كذا وهذا لونه كذا خير أم الله الواحد في ذاته وصفاته القهار لكل ما عداه من سائر المخلوقات، ولم يكن لهم من جواب سوى ﴿الله الواحد القهار﴾ إن العقل يقضي بهذا. ثم خاطب أهل السجن كافة فقال ﴿ما تعبدون من دونه﴾ ٢ أي من دون الله الواحد القهار ﴿إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم﴾ إنها مجرد أسماء لا غير إذ كونكم تطلقون لفظ إله أو رب على صنم أو كوكب مرسوم له صورة لا يكون بذلك ربّاً وإلهاً إن الرب هو الخالق الرازق المدبر أما المخلوق المرزوق الذي لا يملك نفعا ولا ضراً لنفسه فضلا عن غيره فإطلاق الربّ والإله عليه كذب وزور، إنّها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان٣ حجة ولا برهاناً فتعبد لذلك بحكم أن الله أمر بعبادتها. ثم قال لهم ﴿إن الحكم إلا لله﴾ أي ما الحكم إلا لله، وقد حكم بأن لا يعبد إلا هو، إذاً فكل عبادة لغيره
٢ بيّن بذلك عجز تلك الآلهة الباطلة.
٣ أي: من حجّة تحكم بمشروعية عبادتها كما تفعلون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب اغتنام الفرص للدعوة إلى الله تعالى.
٢- تقرير التوحيد عن طريق أحاديث السابقين.
٣- لا حكم في شيء إلا بحكم الله تعالى فالحق ما أحقه الله والباطل ما أبطله والدين ما شرعه.
٤- مشروعية الاستفتاء في كل مشكل من الأمور.
٢ إطلاق لفظ الربّ على السيد كان عند من قبلنا أمّا نحن امّة الإسلام، فقد نهينا عن ذلك، روى مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقل أحدكم: اسق ربّك أطعم ربّك وضىء ربك، ولا يقل أحدكم: ربّي، وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل: فتاي فتاتي غلامي".
٣ عجباً لبعض المفسرين كيف يرجعون الضمير في قوله: ﴿فأنساه الشيطان﴾ إلى الفتى الخادم. ولم يرجعوه إلى يوسف عليه السلام كما رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره، إذ لو كان الضمير يصحّ رجوعه إلى الخادم لكان النظم القرآني هكذا: فأنساه الشيطان ذكر يوسف عند ربّه فلبث في السجن.
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (٤٣) قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ (٤٤) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦)
شرح الكلمات:
الملك: ملك مصر الذي العزيز وزير من وزرائه واسمه الريان بن الوليد.
سبع عجاف: هزال غير سمان.
يا أيها الملأ: أيها الأشراف والأعيان من رجال الدولة.
أفتوني في رؤياي: أي عبروها لي.
أضغاث أحلام: أي أخلاط أحلام كاذبة لا تعبير لها إلا ذاك.
وادّكر بعد امة: أي وتذكر بعد حين من الزمن أي قرابة سبع سنين.
يوسف أيها الصديق: أي يا يوسف أيها الصديق أي يا كثير الصدق علم ذلك منه في السجن.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وهو في محنته إنه لما قارب الفرج أوانه رأى
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- جواز الرؤيا الصالحة يراها الكافر والفاسق.
٢- الرؤى نوعان حلم من الشيطان، ورؤيا من الرحمن.
٣- النسيان من صفات البشر.
٤- جواز وصف الإنسان بما فيه من غير إطراء كقوله أيها الصديق.
٥- لعل تكون بمعنى كي التعليلية.
٢ الأضغاث: جمع ضغث والضّغث في اللغة: الحزمة من الشيء كالبقل والكلأ، والأحلام: الرؤيا المختلطة، ومالا تأويل له من الرؤى.
٣ قرىء: ﴿وادَّكَر بعد أمةٍ﴾ بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي: بعد نسيان يقال: أمِهَ أَمْهَاً إذا نُسي، قال الشاعر:
أمهت وكنت لا أنسى حديثاً
كذاك الدهر يودي بالعقول
﴿وادكر﴾ أصلها: واذدكر، فأبدلت التاء دالا، ثم أدغمت الذال في الدال فصارت: وادكر، وذلك لمناسبتين الأولى: لقرب مخرج التاء من الذال والثانية: رخاوة الدال ولينها فحصل الإدغام لذلك.
شرح الكلمات:
دأبا: أي متتابعة على عادتكم.
فذروه في سنبله: أي اتركوه في سنبله لا تدرسوه.
سبع شداد: أي صعاب قاسية لما فيها من الجدب.
بما تحصنون: أي تحفظونه وتدخرونه للبذر والحاجة.
يغاث الناس: أي يُغيثهم ربهم بالأمطار وجريان النيل.
وفيه يعصرون: أي ما من شأنه أن يعصر كالزيتون والعنب وقصب السكر.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿قال تزرعون﴾ إلى آخره هو جواب يوسف للذي استفتاه أي طلب منه تعبير رؤيا الملك قال له في بيان تأويل الرؤيا تزرعون بمعنى ازرعوا سبع سنين دأباً أي١ متتالية كعادتكم في الزرع كل سنة وهي تأويل السبع البقرات السمان، فما حصدتم من زروع فذروه في سنبله أي اتركوه بدون درس حتى لا يفسد٢ إلا قليلا مما تأكلون أي فادرسوه لذلك. ثم يأتي بعد ذلك أي من بعد المخصبات سبع٣ شداد أي مجدبات صعاب وهي
كدأبك من أم الحويرث قبلها
وجارتها أم الرباب بمأسل
٢ أي: بأكل السوس له.
٣ هذه الآية دليل على مشروعية المصالح الشرعية المرسلة، التي هي حفظ الأديان، والنفوس، والعقول، والأنساب، والأموال، فكل ما تضمّن تحصيل شيء من هذه الكليات الخمس فهو مصلحة، وكل ما يُفوِّت شيئاً منها فهو مفسدة ودفعه مصلحة، ولا خلاف أن مقصود الشارع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية. على هذا أهل السنة والجماعة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- أرض مصر أرض فلاحة وزراعة من عهدها الأول.
٢- الاحتفاظ بالفائض في الصوامع وغيرها مبدأ اقتصادي هام ومفيد.
٣- كمال يوسف في حسن تعبير الرؤى شيء عظيم.
٤- فضل يوسف عليه السلام على أهل مصر حيث أفادهم بأكثر مما سألوا.
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)
٢ يقال: غوّث الرجل: إذا قال: واغوثاه، والاسم الغوث، والغواث واستغاثة فأغاثه إغاثة والاسم الغياث، والغيث: المطر.
وقال الملك ائتوني به: أي بيوسف.
فلما جاءه الرسول: أي مبعوث الملك.
ارجع إلى ربّك: أي سيدك.
ما بال النسوة.: ما حالهن.
ما خطبكن: ما شأنكن.
حاش لله: أي تنزيهاً لله تعالى عن العجز أن يخلق بشراً عفيفا.
حصحص الحق: وضح وظهر الحق.
معنى الآيات:
إن رؤيا الملك كانت تدبيراً من الله تعالى لإخراج يوسف من السجن إنه بعد أن رأى الملك الرؤيا وعجز رجاله عن تعبيرها وتذكّر أحد صاحبي السجن ما وصّاه به يوسف، وطلب من الملك أن يرسله إلى يوسف في السجن ليستفتيه في الرؤيا وأرسلوه واستفتاه فأفتاه وذهب به إلى الملك فأعجبه التعبير وعرف مدلوله أمر بإحضار يوسف لإكرامه لما ظهر له من العلم والكمال وهو ما أخبر تعالى به في قوله ﴿وقال الملك ائتوني به﴾ أي يوسف ﴿فلما جاءه الرسول﴾ أي جاء يوسف رسول الملك وهو صاحبه الذي كان معه في السجن ونجا من العقوبة وعاد إلى خدمة الملك فقال له إن الملك يدعوك فقال له عد إليه١ وإسأله ﴿ما بال النسوة٢ التي قطّعن أيديهن﴾ أي قل له يسأل عن حال النسوة اللائي قطعن أيديهن والمرأة التي اتهمتني فجمع الملك النسوة وسألهن قائلا ما خطبكن٣ إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ فأجبن قائلات حاش لله ما علمنا عليه من سوء أي نُنَزِهُ الله تعالى أن يعجز أن يخلق بشرا عفيفا مثل هذا. ما علمنا عليه من سوء.
٢ ذكر النسوة جملة: حتى لا يؤذي امرأة العزيز لو خصها بالذكر إكراما منه وحلماً، وكمالا خلقيا وإلاّ فالمراد زليخا.
٣ قوله ﴿ما خطبكن﴾ : جرى فيه على سنّة يوسف إذ خاطب النسوة كافة ولم يفرد زليخا وهذا أيضاً من باب الستر متي أمكن ولم تحوج الحال إلى التعيين والكشف.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فضل العلم وشرفه إذ به رفع الملك يوسف إلى حضرته وهو رفيع.
٢- فضيلة الحلم والأناة وعدم التسرع في الأمور.
٣- فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس.
٤- شرف زليخا٢ بإقرارها بذنبها رفعها مقاما ساميا وأنزلها درجة عالية فقد تصبح بعد قليل زوجة لصفي الله يوسف الصديق بن الصديق زوجة له في الدنيا وزوجة له في الآخرة وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قد حصّت البيضة رأسي فما
أطعم نوماً غير تهجاع
أي: النوم الخفيف، ومنه الحصّة: القطعة من الشيء، فالمعنى إذاً بانت حصة الحق من حصة الباطل.
٢ ذهبت في التفسير مذهب إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى وكثير من علماء السلف إلى أنّ القائل: ﴿ذلك ليعلم إني لم أخنه بالغيب إلى قوله غفور رحيم﴾ هو يوسف عليه السلام: أي: إنه لما جاء الرسول يدعوه إلى حضرة الملك أبى أن يجيب الدعوة حتى يحقق الملك في قضيته التي سجن فيها ثمّ بعد ذلك يخرج. ودعا الملك النسوة وحقق معهن وبرأن يوسف بقولهن: ما علمنا عليه من سوء، وقول امرأة العزيز أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين كأن سائلا قال ليوسف: لم لَم تجب الداعي؟ فأجاب: ذلك أي: فعلت ذلك ليعلم أي: العزيز: أني لم أخنه بالغيب، ثم قال تواضعاً: وما أبرىء نفسي إذ هم بضرب زليخا لما ألحت عليه وأرادت ضربه.
وذهبت إلى هذا مرجحاً له لأمرين الأول: ترجيح إمام المفسرين له والثاني: أنَّى لتلك المرأة المشركة أن ترقى إلى هذا المستوى فتقول: وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. إنّ هذا الكلام لا يجري إلا على لسان الأنبياء والصالحين.
ومع هدا فمن رجّح أن يكون القول قول زليخا كابن القيم رحمه الله تعالى فلا بأس، ويجب على الجميع أن يقول الله أعلم.
إذ قولنا مجرد ارتئاء رأيناه والعلم الحق لله وحده لا شريك له.
﴿ وقال الملك ائتوني به ﴾ : أي بيوسف.
﴿ فلما جاءه الرسول ﴾ : أي مبعوث الملك.
﴿ ارجع إلى ربّك ﴾ : أي سيدك.
﴿ ما بال النسوة ﴾ : ما حالهن.
المعنى :
إن رؤيا كانت تدبيرا من الله تعالى لإِخراج يوسف من السجن إنه بعد أن رأى الملك الرؤيا وعجز رجاله عن تعبيرها وتذكّر أحد صاحبي السجن وما وصّاه به يوسف، وطلب من الملك أن يرسله إلى يوسف في السجن ليستفتيه في الرؤيا وأرسلوه واستفتاه فأفتاه وذهب به إلى الملك فأعجبه التعبير وعرف مدلوله أمر بإِحضار يوسف لإِكرامه لما ظهر له من العلم والكمال وهو ما أخبر تعالى به في قوله ﴿ وقال الملك ائتوني به ﴾ أي يوسف ﴿ فلما جاءه الرسول ﴾ أي جاء يوسف رسول الملك وهو صاحبه الذي كان معه في السجن ونجا من العقوبة وعاد إلى خدمة الملك فقال له إن الملك يدعوك فقال له عد إليه وأسأله ﴿ ما بال النسوة التي قطّعن أيديهن ﴾ أي قل له يسأل عن حال النسوة اللائي قطعن أيديهن والمرأة التي اتهمتني.
الهداية :
من الهداية :
- فضل العلم وشرفه إذ به رفع الملك يوسف إلى حضرته وهو رفيع.
- فضيلة الحلم والأناة وعدم التسرع في الأمور.
﴿ ما خطبكن ﴾ : ما شأنكن.
﴿ حاش لله ﴾ : أي تنزيهاً لله تعالى عن العجز أن يخلق بشراً عفيفا.
﴿ حصص الحق ﴾ : وضح وظهر الحق.
المعنى :
فجمع الملك النسوة وسألهن قائلا ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟ فأجبن قائلات حاش لله ما علمنا عليه من سوء أي نُنَزِهُ الله تعالى أن يعجز أن يخلق بشرا عفيفا مثل هذا. ما علمنا عليه من سوء. وهنا قالت امرأة العزيز زليخا ما أخر تعالى به عنها ﴿ الآن حصص الحق ﴾ أي وضح وبان وظهر.
﴿ أنا راودته عن نفسه ﴾ وليس هو الذي راودني، ﴿ وإنه لمن الصادقين ﴾.
الهداية :
من الهداية :
- فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس.
- شرف زليخا بإِقرارها بذنبها رفعها مقاما ساميا وأنزلها درجة عالية فقد تصبح بعد قليل زوجة لصفي الله يوسف الصديق بن الصديق زوجة له في الدنيا وزوجة له في الآخرة وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى ﴿ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ﴾ هذا إخبار عن يوسف عليه السلام فإِنه قال ذلك أي امتناعي من الخروج من السجن وعدم إجابتي الملك وطلب إليه أن يسأل عن حال النسوة حتى تم الذي تم من براءتي على لسان النسوة عامة، وامرأة العزيز خاصة حيث اعترفت قطعياً ببراءتي وقررت أنها هي التي راودتني عن نفسي فأبيت ورفضت فعلت هذا ليعلم زوجها العزيز أني لم أخنه في أهله في غيبته وأن عرضه مصان وشرفه لم يدنس لأنه ربي أحسن مثواي. وإن الله لا يهدي كيد الخائنين فلو كنت خائنا ما هداني لمثل هذا الموقف المشرف والذي أصبحت به مبرأ الساحة سليم العرض طاهر الثوب والساحة.
وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٥٣) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (٥٧)
شرح الكلمات:
لأمارة بالسوء: أي كثيرة الأمر والسوء هو ما يُسيء إلى النفس البشرية مثل الذنوب.
إلا ما رحم ربي: أي إلا من رحمه الله فإن نفسه لا تأمر بالسوء لطيبها وطهارتها.
استخلصه لنفسي: أجعله من خلصائي من أهل مشورتي وأسراري.
مكين أمين: أي ذو مكانة تتمكن بها من فعل ما تشاء، أمين مؤتمن على كل شيء عندنا.
خزائن الأرض: أي خزائن الدولة في أرض مصر.
إني حفيظ عليم: أي أحافظ على ما تسنده إليّ واحفظه، عليم بتدبيره.
يتبوأ: أي ينزل ويحل حيث يشاء بعد ما كان في غيابة الجُب وضيق السجن.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث على يوسف عليه السلام فقوله تعالى: ﴿وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم﴾ هذا من قول يوسف علية١
٢ وبذلك يتمّ عصمتها بإذن الله تعالى.
٣ قال بعض أهل العلم: في الآية دليل على جواز عمل الرجل الصالح للرجل الكافر أو الفاجر إذا كان ذلك لا يضرّ بدينه، وهو كذلك، وفيها دليل على جواز ذكر طالب العمل كفاءته العلمية حتى يسند إليه العمل على أن يكون صادقاً في ذلك، وليس هذا من باب: ﴿فلا تزكوا أنفسكم﴾ ولا هو من باب طلب الإمارة حيث قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لن نستعمل على عملنا هذا مَنْ أراده" رواه مسلم.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- فضيلة هضم النفس باتهامها بالنقص والتقصير.
٢- تحقيق الحكمة القائلة: المرءُ مخبوء تحت لسانه.
٣- جواز ذكْرِ المًرشِّح للعمل كحذق الصنعة ونحوه ولا يعد تزكية للنفس.
٤- فضيلة الإحسان في المعتقد والقول والعمل.
٥- فضل الإيمان والتقويم.
وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (٥٩) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ (٦٠) قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
شرح الكلمات:
وهم له منكرون: أي غير عارفين أنه أخوهم.
ولما جهزهم بجهازهم: أي أكرمهم وزودهم بما يحتاجون إليه في سفرهم بعدما كال لهم ما ابتاعوه منه.
بأخ لكم من أبيكم: هو بِنْيامين لأنه لم يجيء معهم لأن والده لم يقدر على فراقه.
سنراود عنه أباه: أي سنجتهد في طلبه منه.
وقال لفتيانه: أي غلمانه وخدمه.
بضاعتهم: أي دراهمهم التي جاءوا يمتارون بها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن قصة يوسف عليه السلام وتتبع أحداثها، إنه بعد أن ولي يوسف أمر الوزارة ومرت سنوات الخصب وجاءت سنوات الجدب فاحتاج أهل أرض كنعان إلى الطعام كغيرهم فبعث يعقوب عليه السلام بنيه يمتارون وكانوا عشرة رجال بعد أن علم أن ملك مصر يبيع الطعام، قال تعالى مخبراً عن حالهم: ﴿وجاء إخوة١ يوسف﴾ أي من أرض كنعان ﴿فدخلوا عليه﴾ أي على يوسف ﴿فعرفهم وهم له منكرون﴾ أي لم يعرفوه لتغيره بكبر السن وتغير أحواله٢ وقوله تعالى: ﴿ولما جهزهم بجهازهم٣﴾ أي كال لهم وحَمَّل لكل واحد بعيره بعد أن أكرمهم غاية الإكرام ﴿قال ائتوني٤ بأخ لكم من أبيكم﴾ ولا شك أنه قد سألهم عن أحوالهم فأخبروه عن أبيهم وأولاده بالتفصيل فلذا قال لهم ﴿ائتوني بأخ لكم من أبيكم﴾ وهو بنيامين ورغبهم في ذلك بقوله: ﴿ألا ترون أني أوفِ الكيل وأنا خير المنزلين﴾ أي خير المضيفين لمن نزل عليهم ﴿فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون﴾. بعد هذا الإلحاح عليهم أجابوه بما أخبر تعالى به عنهم بقوله: ﴿قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون﴾ أي سنبذل جهدنا في طلبه
٢ ولطول المدة إذ مضى عليهم يوم فارقوه أربعون سنة.
٣ الجهاز بالفتح والكسر: ما يحتاج إليه المسافر والمراد به: الطعام الذي امتاروه من عنده.
٤ سبب طلب يوسف أخاهم أنه كان معهم أحد عشر بعيراً وهم عشرة وقالوا ليوسف: إنّ لنا أخاً تخلف عنا، وبعيره معنا، فسألهم لِمَ تخلّف؟ فقالوا: لحب أبيه إيّاه وذكروا له القصة وما جرى فيها، وهنا قال لهم: إن رجعتم للميرة مرّة أخرى فأتوني بأخٍ لكم من أبيكم، ورغّبهم في ذلك وحذّرهم من أن يأتوا بدونه فإنه لا يبيعهم الطعام الذي هو حاجتهم.
وقوله تعالى: ﴿وقال لفتيانه١ اجعلوا بضاعتهم في رحالهم﴾ يخبر تعالى عن قيل يوسف لغلمانه اجعلوا دراهمهم التي اشتروا بها الطعام في رحالهم من حيث لا يشعرون ﴿لعلهم يعرفونها٢ إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون٣﴾ كل هذا كان رغبة من يوسف في إحضار أخيه الشقيق فجعل رد الدراهم وسيلة لذلك لأنهم إذا وجدوها تحرجوا من أخذها فرجعوا بها. وجاءوا بأخيهم معهم، وهو مطلب يوسف عليه السلام حققه الله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- عجيب تدبير الله تعالى إذ رؤيا الملك وتعبير يوسف لها وظهورها كما عبرها كان تدبيراً لولاية يوسف ثم لمجيء إخوته يطلبون الطعام لأهليهم ولتتم سلسلة الأحداث الآتية، فلا إله إلا الله، ولا رب سواه.
٢- حسن تدبير يوسف عليه السلام للإتيان بأخيه بنيامين تمهيداً للإتيان بالأسرة كلها.
٣- أثر الإيمان في السلوك، إذ عرف يوسف أن أخوته لا يستحلون أكل مال بغير حقه فجعل الدراهم في رحالهم ليرجعوا بها ومعهم أخوهم الذي يريد إحضاره.
فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا
٢ قال لعلهم يعرفونها: إذ من الجائز أن لا تسلم لهم بضاعتهم بأن تؤخذ منهم في الطريق مثلا.
٣ من الجائز أن يكون ردّ البضاعة إلى إخوته لأنه كره أن يأخذها من أبيه وإخوته، ومن الجائز أن يكون ردّها إليهم لعلمه أنهم لا يأكلون الطعام بغير حقّه فسيرجعون بها، وهو المراد.
شرح الكلمات:
منع منا الكيل: أي منع الملك منا الكيل حتى نأتيه بأخينا.
نكتل: أي نحصل على الكيل المطلوب.
على أخيه من قبل: أي كما أمنتكم على يوسف من قبل وقد فرطتم فيه.
ما نبغي: أي أي شيء نبغي.
ونزداد كيل بعير: أي بدل ما كنا عشرة نصبح أحد عشر لكل واحد حمل بعير.
ذلك كيل يسير: أي على الملك لغناه وطوله فلا يضره أن يزيدنا حمل بعير.
موثقاً: أي عهدا مؤكدا باليمين.
إلا أن يحاط بكم: أي تهلكوا عن آخركم.
من شيء: أي أراد الله خلافه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وإخوته قال تعالى مخبراً عن رجوع إخوة يوسف من مصر إلى أرض كنعان بفلسطين: ﴿فلما رجعوا إلى أبيهم﴾ أي يعقوب عليه
٢ أصل نكتل: نكتال فحذفت الألف لسكون اللام بالجازم وقرىء بالياء يكتل: أي أخوهم بنيامين.
٣ وقرىء: ﴿خير حفظاً﴾، قراءة سبعية.
٤ ﴿نمير أهلنا﴾ أي نجلب لهم الطعام قال الشاعر:
بعثتك مائراً فمكثت حولاً
متى يأتي غياثك مَنْ تُغيث
٥ أي: تهلكوا أو تموتوا وإلاّ أن تغلبوا عليه.
٦ في الآية دليل على ما يلي:
أ- على التحرّز من العين، والعين حق لحديث: "إن العين لتدخل الرجل القبر ولجمل القدر" ولتعوذ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها في غير حديث.
ب- على المسلم إن أعجبه شيء أن يبرّك، لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا برَّكت"!! والتبريك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه.
جـ - إذا أصاب العبد بعينه لأنّه لم يبرّك فإنه يؤمر بالاغتسال ويجبر عليه.
د – إذا عرف المرء بأذاه للناس بعينه يبعد عنهم وجوباً.
هـ- الاغتسال من العين: هو أن يغسل المعيان وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه وداخل إزاره في إناء ثم يصب على المصاب بالعين فيشفى بإذن الله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مدى توكل يعقوب عليه السلام على الله وثقته في ربّه عز وجل، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وكيف لا وهو أحد أنبياء الله ورسله عليهم السلام.
٢- جواز أخذ العهد المؤكد في الأمور الهامة ولو على أقرب الناس كالأبناء مثلاً.
٣- لا بأس بتخوف المؤمن من إصابة العين وأخذ الحيطة للوقاية منها مع اعتقاد أن ذلك لا يغني من الله شيئاً وأن الحكم لله وحده في خلقه لا شريك له في ذلك.
٤- وجوب التوكل على الله تعالى وإمضاء العمل الذي تعيَّن وتفويض أمر ما يحدث لله تعالى.
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ
شرح الكلمات:
إلا حاجة في نفس يعقوب: هي إرادة دفع العين عن أولاده شفقة عليهم.
آوى إليه أخاه: أي ضمه إليه أثناء الأكل وأثناء المبيت.
فلا تبتئس: أي لا تخزن.
جعل السقاية: أي صاع الملك وهو من ذهب كان يشرب فيه ثم جعله مكيالاً يكيل به.
أذن مؤذن: نادى مناد.
أيتها العير: أي القافلة.
صواع الملك.: أي صاع الملك. فالصاع والصواع بمعنى واحد.
وأنا به زعيم: أي بالحمل كفيل.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن إخوة يوسف فقد عهد إليهم إذا هم وصلوا إلى ديار مصر أن لا يدخلوا من باب واحد بل من أبواب متعددة خشية العين عليهم، وقد وصلوا وعملوا بوصية أبيهم فقد قال تعالى مخبراً عنهم ﴿ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم﴾ أي دخولهم من أبواب متفرقة ﴿من الله﴾ أي من قضائه ﴿من شيء إلا حاجة﴾ أي لكن حاجة ﴿في نفس يعقوب﴾ وهي خوف العين عليهم ﴿قضاها﴾ ١ أي لا غير.
وقوله تعالى: ﴿وإنه لذو علم لما علمناه﴾ ثناء على يعقوب أي إنه لصاحب علم وعمل لتعليمنا إياه وقوله: ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ هو كما أخبر عز وجل أكثر
أما الآية الثانية فقد أخبر تعالى أن إخوة يوسف لما دخلوا عليه في منزله آواى إليه أخاه أي شقيقه وهو بنيامين، وذلك لما جاء وقت النوم جعل كل اثنين في غرفة وهم أحد عشر رجلاً بقى بنيامين فقال هذا ينام معي، وأنه لما آواه إليه في فراشه أعلمه أنه أخوه يوسف، وأعلمه أن لا يحزن بسبب ما كان إخوته قد عملوه مع أبيهم ومع أخيهم يوسف وأعلمه أنه سيحتال على بقائه معه فلا يكترث بذلك ولا يخبر إخوته بشيء من هذا. هذا ما دلت عليه الآية الثانية وهي قوله تعالى: ﴿ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس١ بما كانوا يعملون﴾.
أما الآية الثالثة (٧٠) فقد تضمنت الإخبار عن تدبير٢ يوسف لبقاء أخيه معه دونهم وذلك أنه لما جهزهم بجهازهم أي كال لهم الطعام وزودهم بما يحتاجون إليه بعد إكرامه لهم جعل بطريق خفيّ لم يشعروا به سقاية الملك وهي الصاع أو الصواع وهي عبارة عن إناء من ذهب كان يشرب فيه ثم جعل آلة كيل خاصة بالملك عرفت بصواع الملك أو صاعه. جعلها في رحل أخيه بنيامين، ثم لما تحركت القافلة وسارت خطوات نادى منادٍ قائلاً أيتها العير٣ أي يا أهل القافلة إنكم لسارقون. هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى: ﴿فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير أنكم لسارقون﴾. قال تعالى إخباراً عنهم: ﴿قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون﴾ فأجابوا بقولهم: ﴿نفقد صواع الملك، ولمن جاء به حمل بعير﴾ أي مكافأة له ﴿وأنا به زعيم٤﴾ أي وأنا بإعطائه حمل البعير كفيل.
هداية الآيات:
٢ قيل: إن بنيامين قال ليوسف: لا تردني إليهم فأجابه يوسف ودبر كيفية إبقاء أخيه معه وكلّ ذلك بتدبير الله تعالى لهم.
٣ العير: لفظ يطلق على ما امتير عليه من الإبل والخيل والبغال، والحمير، والمراد بها هنا: الإبل.
٤ الزعيم: الكفيل، والحميل، والضمين، والقبيل، وهي بمعنى واحد سواء، ويطلق الزعيم على الرئيس.
١- بيان فضل العلم وأهله.
٢- تقرير حقيقة وهي أن أكثر الناس لا يعلمون.
٣- حسن تدبير يوسف للإبقاء على أخيه معه بعد ذهاب إخوته.
٤- مشروعية إعطاء المكافآت لمن يقوم بعمل معين وهي الجعالة في الفقه.
٥- مشروعية الكفالة والكفيل غارم.
قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣) قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)
شرح الكلمات:
تالله: أي والله.
لنفسد في الأرض: أي بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.
وما كنا سارقين: أي لم نسرق الصوامع كما أنا لم نسرق من قبل متاع أحد.
من وجد في رحله فهو جزاؤه: أي يأخذ بالسرقة رقيقاً.
كذلك نجزي الظالمين: أي في شريعتنا.
كذلك كدنا ليوسف: أي يسرنا له هذا الكيد الذي توصل به إلى أمر محمود.
في دين الملك: أي في شرعه إذ كان يضرب السارق ويغرم بمثل ما سرق.
نرفع درجات من نشاء: أي كما رفع يوسف عليه السلام.
معنى الآيات:.
ما زال السياق في الحديث عن يوسف وإخوته، إنه لما أعلن عن سرقة صواع الملك وأوقفت القافلة للتفتيش، وأعلن عن الجائزة لمن يأتي بالصواع وأنها مضمونة هنا قال إخوة يوسف ما أخبر تعالى به عنهم: ﴿قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض﴾ أي بالسرقة وغشيان الذنوب وإنما جئنا للميرة١ ﴿وما كنا سارقين٢﴾ أي في يوم من الأيام. وهنا قال رجال الملك رداً على مقالتهم بما أخبر تعالى به: ﴿قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين﴾ فأجاب الإخوة بما أخبر تعالى عنهم بقوله: ﴿قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه﴾ يريدون أن السارق يُسترق أي يملك بالسرقة وقوله ﴿كذلك نجزي الظالمين﴾ أي في شريعتنا. وهنا أخذ يوسف بنفسه يفتش أوعية إخوته بحثاً عن الصواع، وبدأ بأوعيتهم واحداً بعد واحد وآخر وعاء وعاء أخيه بنيامين دفعاً للتهمة والتواطؤ في القضية، حتى استخرجها من وعاء أخيه الذي كان في رحله، هذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها٣ من وعاء أخيه﴾ وقوله تعالى: ﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ أي هكذا يسرنا٤ له هذا الكيد الذي توصل به إلى أمر محمود غير مذموم. وقوله تعالى: ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك﴾ أي لم يكن في شرع مصر أن يأخذ أخاه عبداً بالسرقة بل السارق يضرب ويغرم فقط، ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أمراً فإنه يكون. وقوله
٢ إذ لو كانوا سارقين ما ردّوا البضاعة التي وضعت لهم في رحالهم من أجل أن يرجعوا إلى مصر، فمن ردّ بضاعة بعد ما تمكن منها لا يكون سارقاً.
٣ الوعاء: ما يحفظ فيه الشيء، وتُضمّ واوه وتكسر، والكسر أشهر قيل لمّا استخرج السقاية من وعاء بنيامين طأطأوا رؤوسهم حياءً، وقالوا لأخيهم بنيامين: ويلك يا بنيامين ما رأينا كاليوم قط.
٤ قالت العلماء: يجوز للرجل أن يتصرف في ماله بالبيع والشراء والهبة والعطاء قبل حلول حول الزكاة ما لم ينو الفرار من الزكاة فإن حال الحول فلا يصح شيء إلا بعد إخراج الزكاة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- جواز الحلف بالله تعالى للحاجة.
٢- مشروعية دفع التهمة عن النفس البريئة.
٣- معرفة حكم السرقة في شرعة يعقوب عليه السلام.
٤- بيان حسن تدبير الله تعالى لأوليائه.
٥- بيان حكم السرقة في القانون المصري على عهد يوسف عليه السلام.
٦- علوّ مقام يوسف عليه السلام في العلم.
٧- تقرير قاعدة ﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾ إلى أن يبتهي العلم إلى الله تعالى.
قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧) قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ (٧٩)
٢ قال ابن عباس رضي الله عنهما يكون ذا أعلم من ذا، وذا أعلم من ذا، والله فوق كل عليم وقرأ الجمهور: ﴿درجات من نشاء﴾ بإضافة درجات إلى مَنْ وقرأ حفص ﴿درجات﴾ بالتنوين تمييز لتعلق فعل نرفع بمفعوله وهو: ﴿من نشاء﴾.
إن يسرق: أي يأخذ الصواع خفية من حرزه.
فقد سرق أخ له: أي يوسف في صباه.
فأسرها يوسف: أي أخفى هذه التهمة في نفسه.
ولم يبدها لهم: أي لم يظهرها لهم.
أنتم شر وكاناً: أي منزلةً ممن رميتموه بالسرقة.
بما تصفون: أي بحقيقة ما تصفون أي تذكرون.
أباً شيخاً كبيراً: أي يعقوب عليه السلام.
معاذ الله: أي نعوذ بالله من أن نأخذ من لم نجد متاعنا عنده.
متاعنا: أي الصواع.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث مع يوسف عليه السلام وإخوته، إنه بعد أن استخرج يوسف الصواع من متاع أخيه وتقرر ظاهراً أن بنيامين قد سرق، قال إخوته ما أخبر به تعالى عنهم في قوله: ﴿قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من أخ له من قبل﴾ ١ أي إن يكن بنيامين قد سرق كما قررتم فلا عجب فقد سرق أخ له من قبل يعنون يوسف أيام صباه، كان يسرق الطعام ويعطيه للمساكين وسوق صنماً لأبي أمه فكسره حتى لا يعبده، وليس هذا من السرقة المحرمة ولا المذمومة بل هي محمودة. وقوله تعالى: ﴿فأسرها يوسف٢ في نفسه ولم يبدها لهم﴾ أي أسر يوسف قولتهم ﴿فقد سرق أخ له من قبل﴾ ولم يظهرها لهم وقال رداً لقولتهم الخاطئة: ﴿أنتم شر٣ مكاناً﴾ ي شر منزلة ممن رميتموه بالسرقة ﴿والله أعلم بما تصفون﴾ أي بحقيقة ما تذكرون. ولما سمعوا قول يوسف وكان فيه نوع من الصرامة والشدة قالوا مستعطفين يوسف مسترحمينه بما حكى الله تعالى عنهم في قوله: {قالوا يا
٢ وجائز أن يكون: ﴿فأسرها يوسف في نفسه﴾ : أي أسرّ كلمة: ﴿أنتم شرّ مكاناً﴾ أي: أخفاها فلم يتلفظ بها إحسانا إليهم ثم جهر بقوله والله أعلمُ كما تصنعون.
٣ شرّ: اسم تفضيل بمعنى: أشرّ، والمكان بمعنى: حالة أي: الحال التي أنتم عليها من أشر الأحوال.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية الاعتذار عن الخطأ.
٢-قد يضطر الحليم إلى أن يقول ما لم لكن يقوله لولا ما وُوجِهَ به من السوء.
٣- مشروعية الاسترحام والاستعطاف لمن احتاج إلى ذلك رجاء أن يرحم ويعطف عليه.
٤- حرمة ترك الجاني وأخذ غيره بدلاً منه إذ هذا من الظلم المحرم.
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ
٢ هذه أسلوب الاستعطاف والاسترحام، اقتضاه موقف يوسف الحازم الصارم فنادوه بعنوان الحكم وذكروا له ضعف أبيهم وحالته النفسية إزاء ولده.
٣ أي: خذه عبداً لتسترقه لأنّه سبق أن قيل: إن شريعة يعقوب عليه السلام أنّ السارق يسترق بالسرقة.
٤ ﴿معاذ﴾ : مصدر ميمي من العوذ الذي هو مصدر عاذ يعوذ عوذاً إذا تحصّن واستجار فهو مصدرٌ قام مقام الفعل.
شرح الكلمات:.
خلصوا نجيا: أي اعتزلوا يناجي بعضهم بعضاً.
أخذ عليكم موثقاً: أي عهداً وميثاقاً لتأتن به إلا أن يحاط بكم.
ومن قبل ما فرطتم: أي ومن قبل إضاعتكم لبنيامين فرطتم في يوسف كذلك.
فلن أبرح الأرض: أي لن أفارق الأرض، أي أرض مصر.
وما كنا للغيب حافظين: أي لما غاب عنا ولم نعرفه حافظين.
العير التي أقبلنا فيها: أي أصحاب القافلة التي جئنا معها وهم قوم كنعانيون.
سولت لكم أنفسكم: أي زينت وحسنت لكم أمراً ففعلتموه.
أن يأتيني بهم جميعاً: أي بيوسف وأخويه بنيامين وروبيل.
وتولى عنهم: أي معرضاً عن حديثهم.
وقال يا أسفى: أي يا حزني أحضر هذا أوان حضورك.
فهو كظيم: أي مغموم مكروب لا يظهر كربه.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث على قصة يوسف وإخوته، إنه بعد أن أخذ يوسف أخاه بالسرقة ولم يقبل استرحامهم له بأخذ غيره بدلاً عنه انحازوا ناحية يفكرون في أمرهم وهو
ولما أقنعهم بتخلفه عنهم أخذ يرشدهم إلى ما يقولونه لوالدهم وهو ما أخبر تعالى به في قوله عنه: ﴿ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق٥ وما شهدنا إلا بما علمنا﴾ ٦ أي حيث رأينا الصواع يستخرج من رحل أخينا ﴿وما كنا للغيب حافظين﴾ أي ولو كنا نعلم أن أخانا يحدث له هذا الذي حدث ما أخذناه معنا. كما أننا ما شهدنا بأن السارق يؤخذ بالسرقة إلا بما علمنا منك ﴿واسأل القرية التي كنا فيها﴾ ٧ وهي عاصمة مصر ﴿والعير التي أقبلنا فيها﴾ إذ فيها كنعانيون من جيرانك ﴿وإنا لصادقون﴾ في كل ما أخبرناك به. هذا ما أرشد به روبيل إخوته، ولما ذهبوا به واجتمعوا بأبيهم وحدثوه بما علمهم روبيل أن يقولوه فقالوه لأبيهم. رد عليهم يعقوب عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه في قوله: ﴿قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً﴾ أي زينت لكم أنفسكم أمراً ففعلتموه ﴿فصبر جميل﴾ أي فصبري على ما أصابني صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية لأحد غير الله ﴿عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً﴾ أي يوسف
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
واضطرب القوم اضطراب الأدشية.
هناك أوصيني ولا توصي بيه٢ قيل: هو شمعون إذ كان أكبرهم في الرأي، وقيل: يهوذا وكان أعقلهم. وقيل: هولاوى وهو أبو الأنبياء.
٣ ما: مصدرية أي: تفريطكم في يوسف، والجملة معترضة.
٤ بأن يطلق سراح أخي فأمضي معه إلى أبينا، أو يحكم الله لي بالسيف فأحارب حتى أخلّص أخي، أو أغلب فأعذر إذ قال والدي: إلاّ أن يحاط بكم.
٥ قرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين سُرّق بتشديد الراء والبناء للمجهول أي: نسب إلى السرقة ورمي بها، السرق: بفتح السين والراء: مصدر سرق والسِّرِق والسرقة: اسم الشيء المسروق.
٦ في الآية دليل على مشروعية الشهادة بأي وجه حصل العلم بالبصر، بالسمع باللمس إذ الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعاً، وفي الحديث: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها".
٧ المراد: أهل القرية إذ العادة أن القرية لا تنطق، ولو قال: أحد كلّم هنداً وهو يريد غلامها لما جاز.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية المناجاة للتشاور في الأمر الهام.
٢- مشروعية التذكير بالالتزامات والعهود والمحافظة على ذلك.
٣- قد يغلب الحياء على المؤمن فيمنعه من أمور هي خير له.
٤- مشروعية النصح وتزويد المنصوح له بما يقوله ويعمله.
٥- جواز اتهام البرىء لملابسات أو تهمة سابقة.
٦- جواز إظهار التأسف والحزن والشكوى لله تعالى.
قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨٦) يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ
شرح الكلمات:
تالله تفتؤا تذكر: أي والله لا تزال تذكر يوسف.
حرضاً: أي مشرفاً على الهلاك لطول مرضك.
أشكو بثي: أي عظيم حزني إذ البث الذي لا يصبر عليه حتى يبث إلى الغير.
فتحسسوا: أي اطلبوا خبرهما بلطف حتى تصلوا إلى النتيجة.
من روح الله: أي من رحمة الله.
ببضاعة مزجاة: أي بدراهم مدفوعة لا يقبلها الناس لرداءتها.
يجزي المتصدقين: أي يثيب المتصدقين بثواب الدنيا والآخرة.
معنى الآيات:
مازال السياق فيما جرى من حديث بين يعقوب عليه السلام وبنيه أنه بعدما ذكروا له ما جرى لهم في مصر اعرض عنهم وقال يا أسفى على يوسف وأبيضت عيناه من الحزن وهو كظيم. قالوا له ما أخبر به تعالى في قوله: ﴿قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف١﴾ أي والله لا تزال تذكر يوسف حتى تصبح حرضاً مشرفاً٢ على الموت أو تكون من الهالكين أي الميتين. أجابهم بما أخبر تعالى به عنه: ﴿قال إنما أشكو بثي﴾ ٣ أي همي ﴿وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون﴾ يريد أن رجاءه في الله كبير وأن الله لا يخيب رجاءه وأن رؤيا يوسف صادقة وأن الله تعالى سيجمع شمله به ويسجد له كما رأى. ومن هنا قال لهم ما أخبر تعالى به: ﴿يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه﴾ ٤ أي التمسوا أخبارهما
٢ الحرض: شدة المرض المشفي بصاحبه على الهلاك، وأصل الحرض: الفساد في الجسم أو العقل، من الحزن أو العشق أو الهرم.
٣ البث: الهم الشديد.
٤ هذا اللفظ دال على أنه تيقن حياة يوسف وذلك إمّا بوحي إلهي أو إلهام أو هداية عقل، وإلا كيف يطلب منهم التحسس على يوسف، والتحسس: شدة التَّطلب، والتعّرف وهو أعم من التجسس.
وامتثل الأبناء أمر الوالد وذهبوا إلى مصر وانتهوا إليها ونزلوا بها وأتوا إلى دار العزيز ﴿فلما دخلوا عليه قالوا﴾ ما أخبر تعالى به عنهم ﴿يا أيها العزيز مسنا٢ وأهلنا الضر﴾ أي من الجدب والقحط والمجاعة ﴿وجئنا ببضاعة مزجاة﴾ أي دراهم رديئة مدفوعة لا تقبل كما تقبل الجيدة منها ﴿فأوف٣ لنا الكيل﴾ بها ﴿وتصدق علينا﴾ بقبولها على رداءتها ﴿إن الله يجزي٤ المتصدقين﴾ أي يثيبهم على إحسانهم ويجزيهم به خيراً.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- شدة الحزن تعرض صاحبها للحرض أو الموت.
٢- تحرم الشكوى لغير الله عز وجل.
٣- حرمة اليأس من الفرج عند الشدة والرحمة عند العذاب.
٤- جواز الشكوى إذا كان المراد بها الكشف عن الحال للإصلاح أو العلاج كأن يقول المحتاج إني جائع أو عار مثلاً وكأن يقول المريض للطيب أشكو ألماً في بطني أو رأسي مثلاً.
٥- فضل الصدقة وثواب المتصدقين.
قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ
٢ أي: أصابهم الضرّ.
٣ جملة تعليلية لاستدعائهم التصدق عليهم.
٤ قال مالك: في الآية دليل على أنّ أجرة الكيال والوزان على البائع، إذ هو باع شيئاً لا بد وأن يبرزه ويفصله لمن اشتراه.
شرح الكلمات:.
إذ أنتم جاهلون: أي لا تعلمون ما يؤول إليه أمر يوسف.
قد منّ الله علينا: أي أنعم علينا بأن جمع بيننا بعد افتراق طويل أنتم سببه.
من يتق ويصبر: أي يتق الله فيخافه فلا يعصيه ويصبر على ما يناله من وصب ونصب.
لقد آثرك الله علينا: أي فضلك علينا بما من عليك من الإنعام والكمال.
لا تثريب عليكم: أي لا عتب عليكم ولا لوم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث مع يوسف وإخوته، إنه لما وصلوا إليه من أرض كنعان بأمر والدهم وشكوا إليه ما هم فيه من ضيق الحال إذ قالوا له: قد مسنا الضر١ وجئنا ببضاعة٢ مزجاة، لما سمع منهم ذلك رق قلبه وارفَضَّت عيناه بالدموع وأراد أن ينهي التكتم الذي كان عليه وهو إخفاء حاله عليهم فقال لهم: ﴿هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه﴾ ٣ ذكرهم
٢ بضاعة مزجاة: البضاعة: القطعة من المال يقصد بها شراء شيء يقال: أبضعت الشيء واستبضعته أي: جعلته بضاعة، والمزجاة: المدفوعة الني لا تقبل من الإزجاء الذي هو السوق بدفع، ومنه قوله تعالى: ﴿يزجي سحاباً﴾ يريدون أنها بضاعة رديئة.
٣ كأنه يقول: أنا يوسف أنا المظلوم أنا المراد قتله.
هداية الآيات
٢ آثره بكذا: إذا فضّله به، والمصدر: الإيثار، واسم الفاعل مؤثر.
٣ التثريب: التوبيخ، والتقريع، واللوم، وفي الحديث الصحيح: "إذا زنت أمَة أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يثرِّب عليها" أي: لا يعيّرها. قال الشاعر:
فعفوت عنهم غير مثرّب
وتركتهم لعقاب يوم سرمد
٤ لا يصحّ تعليق اليوم بيغفر الله إذ لا يعلم الغفران متى يتم لهم فكيف يصح أن يقال: يغفر الله لكم اليوم أوغدا؟ بل يتعلق اليوم بكلمة لا تثريب.
٥ قال عطاء الخرساني: طلب الحوائج من الشباب أسهل منها من الشيوخ ألم تَرَ إلى قول يوسف: يغفر الله لكم، وقال يعقوب: سوف استغفر لكم ربي.
٦ لا شك أنّ هذا العلم حصل ليوسف بوحي من الله تعالى، ولعل يوسف بنئ ساعتئذ وأراد يوسف بإلقاء القميص على وجه أبيه المفاجأة السارة لتكون سبباً في رجوع البصر.
٧ قال مسروق: كانوا ثلاثة وتسعين نسمة ما بين رجل وامرأة.
١- تقرير مبدأ أن المعاصي لن تكون إلا نتيجة للجهل بالله تعالى وجلاله وشرائعه ووعده ووعيده.
٢- فضل التقوى والصبر وما لهما من حسن العاقبة.
٣- فضل الصفح والعفو وترك عتاب القريب إذا أساء.
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ (٦٤) قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٩٦) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)
ولما فصلت العير: أي خرجت من عريش مصر متوجهة إلى أرض فلسطين.
أني لأجد ريح يوسف: أشتمها لأن الريح حملتها إليه بأمر الله تعالى.
لولا أن تفندّون: أي تسفّهون، لصدقتموني فإني وجدت ريح يوسف.
إنك لفي ضلالك القديم: أي خطإك بإفراطك مي حب يوسف.
فلما أن جاء البشير١: هو يهودَا الذي حمل إليه القميص الملطخ بالدم الكذب.
فارتد بصيراً: أي رجع بصيراً.
سوف استغفر لكم ربي: أجَّلَ الاستغفار لهم إلى آخر الليل أو إلى ليله الجمعة.
على العرش: أي السرير.
وخروا له سجداً: أي سجدوا له تحية وتعظيماً.
من البدو: أي البادية، بادية الشام.
من بعد أن نزع: أي أفسد.
لطيف لما يشاء: أي لطيف في تدبيره لمن يشاء من عباده كما لطف بيوسف.
معنى الآيات:
هذه أواخر قصة يوسف عليه السلام، إنه بعد أن بعث بقميصه إلى والده وحمله أخوه يهودا ضمن القافلة المتجهة إلى أرض كنعان، ولما فصلت٢ العير من عريش مصر حملت ريح الصبا ريح يوسف إلى أبيه قال: ﴿إني لأجد ريح يوسف٣ لولا أن تفندون﴾ أي تسفهون لصدقتموني فإني٤ أجدها فقال الحاضرون مجلسه من أفراد الأسرة والذين لم يعلموا بخبر يوسف بمصر قالوا له: ﴿إنك لفي ضلالك القديم٥﴾ أي من خطإك بإفراطك في حب يوسف. واصلت العير سيرها وبعد أيام وصلت وجاء يهودا يحمل القميص فألقاه على وجه يعقوب فاترد بصيراً كما أخبر يوسف إخوته بمصر. وهنا واجه أبناءه بالخطاب الذى أخبر تعالى به في قوله: ﴿قال أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون﴾ أي أعلم من لطف الله وحسن تبديره ورحمته وإفضاله ما لا تعلمون. وهنا طلبوا من الواحدهم أن يعفوا عنهم ويستغفر لهم ربهم فقالوا ما أخبر تعالى به: ﴿قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال سوف استغفر لكم ربي إنه الغفور الرحيم﴾. أجَّلَ لهم طلب المغفرة إلى ساعة الاستجابة كآخر الليل وقت السحر أو يوم الجمعة. وتنفيذاً لأمر يوسف أخوته بأن يأتوه بأهلهم أجميعن تحملت الأسرة بسائر أفرادها مهاجرين إلى مصر. وكان يوسف وملك مصر وألوف من رجال الدولة وأعيان البلاد في استقبالهم، وكان يوسف قد ضربت له خيمة أو فسطاط، ووصلت المهاجرة إلى مشارف الديار المصرية وكان يوسف في فسطاطه ﴿فلما دخلوا عليه آوى إليه أبويه﴾ أي ضمّهما إلى موكبه ﴿وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين﴾ ولما انتهوا إلى القصر ودخلوا ﴿ورفع﴾ يوسف ﴿أبويه﴾ أمه وأباه ﴿على العرش﴾ سرير الملك ﴿وخروا له سجداً﴾ تحية وتشريفاً. وهنا قال يوسف ﴿يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً﴾ إذ رأى في صباه أن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رآهم له ساجدين.
وقوله ﴿وقد أحسن بي إذ أخرجني الله بنعمه وتذكير للحاضرين بالحادثة والطاف الله تعالى فيها. ومن كرم نفس يوسف وسمو آدابه لم يقل قد أحسن بي إذ أخرجني من الجب فيذكرهم بما يؤلمهم بل قال من من إخوته إلى الشيطان تلطيفاً للجو ومبالغة في إذهاب الهم من نفس إخوته، وختم حديث النعمة في أعظم فرحة {إن ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم﴾ أي بخلقه
٢ فصلت: بمعنى: انفصلت، وبانت وبعدت من المكان الذي كانت فيه كقوله تعالى: ﴿فلما فصل طالوت بجنوده﴾.
٣ الريح: الرائحة، وهي ما يعبق من طيب تدركه حاسّة الشّم.
٤ لصدّقتموني: جواب لولا، وهو يخاطب أحفاده أي: أولاد أولاده، والتفنيد النسبة إلى الفّند محرّك الفاء والنون وهو اختلال العقل من الهرم ونحوه قال الشاعر:
يا عاذليَّ دعا الملام وأقصرا
طال الهوى وأطلمتا التفنيدا
٥ أي: لفي ذهاب عن طريق الحق والصواب، والقائلون ليعقوب هذا هم أحفاده أو بعض الأقارب لجهلهم بمقام يعقوب، وهي عبارة فيها خشونة لكن من الجائز أن تكون في عرفهم لا خشونة فيها ولا إساءة أدب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- آية عظيمة هي حمل الريح ريح١ يوسف على مسافات بعيدة.
٢- آية أخرى هي ارتداد بصر يعقوب بعد العمى بمجرد أن ألقي القميص على وجهه.
٣- كرم يعقوب وحسن عفوه وصفحه على أولاده إذ استغفر لهم ربهم فغفر لهم.
٤- مشروعية الخروج خارج المدينة لاستقبال أهل الكمال والفضل كالحجاج مثلاً.
٥- صدق رؤيا يوسف عليه السلام إذ تمت حرفياً فجلس يوسف على عرشه وخر له أبواه وإخونه ساجدين.
٦- قد يتأخر تأويل الرؤيا عشرات السنين إذ تأخرت رؤية يوسف أربعين سنة.
٧- تجليات الألطاف الإلهية والرحمات الربانية في هذه القصة في مظاهر عجيبة.
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)
شرح الكلمات:
رب: أي يا رب خالقي ورازقي ومالك أمري ومعبودي الذي ليس لي معبود سواه.
من الملك: أي من بعض الملك إذ أصبح ملكًا لمصر فقط.
تأويل الأحاديث: تعبير الرؤا.
فاطر السموات والأرض: أي خالقهما على غير مثال سابق.
أنت ولي: أي متولي أمري في الحياتين الدنيا والآخرة.
هذا آخر الحديث عن قصة يوسف، إنه بعد أن جمع الله تعالى شمله بكافة أفراد أسرته وفتح عليه من خزائن رحمته ما فتح، وانقلبت الإحراقات: إحراقات الإلقاء في الجب، والبيع رقيقاً بثمن بخس، وفتنة امرأة العزيز، والسجن سبع سنين؛ انقلبت إلى اشراقات ملكاً ودولة، عزاً ورفعة، مالاً وثراء، اجتماعاً ووئاماً، وفوق ذلك العلم اللدنى والوحي الإلهي وتأويل الأحاديث. وبعد أن قبض الله تعالى والده وتاب على إخوته وهيأهم للنبوة ونبأهم. تاقت نفس يوسف إلى الملكوت الأعلى إلى الجيرة الصالحة إلى رفقة الأخيار آبائه الأطهار إبراهيم وإسحق ويعقوب رفع يديه إلى ربه وقال: ﴿رب قد آتيتني من١ الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليّ في الدنيا والآخرة توفني٢ مسلماً وألحقني بالصالحين﴾ واستجاب الله تعالى دعاءه فلم يلبث إلا قليلاً حتى وافاه الأجل فارتحل والتحق بآبائه وصالحي إخوانه فسلام عليه وعليهم وعلى كل صالح في الأرض والسماء، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
هداية الآية
من هداية الآية:
١- مشروعة دعاء الله تعالى والتوسل إليه بأسمائه وصفاته.
٢- مشروعيه العزوف عن الدنيا والرغبة عنها عند حصولها والتمكن منها.
٣- فضل الشوق إلى الله والحنين إلى رفقة الصالحين في الملكوت الأعلى.
٤- مشروعية سؤال الموت إن لم يكن لضر أو ملل من العبادة، أو رغبة في الراحة لحديث "لا يسألن أحدكم٣ الموت لضر نزل به" وهو صحيح. ولكن شوقاً إلى الله تعالى والالتحاق بالصالحين٤، عزوفاً عن هذه الدار وشوقاً إلى الأخرى دار السلام.
٢ قال قتادة: لم يتمن الموت أحد نبي ولا غيره إلاّ يوسف عليه السلام حين تكاملت عليه النعِّم، وجمع له الشمل اشتياقاً إلى لقاء ربه عز وجل، وردّ الجمهور هذا وقالوا: إنّما تمنى الموت على الإسلام وما ذكرته في التفسير أرجح وأوضح.
٣ في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم احيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " رواه مسلم.
٤ قيل: كان عمره يوم مات: مائة عام وسبع سنين، وخلف من الولد ثلاثة: افراثيم، ومنشا، ورحمة.
شرح الكلمات:
ذلك: إشارة إلى ما قص تعالى على رسوله من قصة يوسف وإخوته.
من أنباء الغيب: أي أخبار الغيب.
وما كنت لديهم: أي لدى إخوة يوسف.
إذ أجمعوا أمرهم: أي اتفقوا على إلقاء يوسف في غيابة الجب.
وهم يمكرون: أي يحتالون على إخراجه وإلقائه في الجب.
عليه من أجر: أي على القرآن وإبلاغه من ثواب أي مال.
إن هو إلا ذِكْرٌ: أي ما هو إلا ذكر أي موعظة يتعظ بها المؤمنون.
معنى الآيات:
بعد ما قص تعالى على رسوله بواسطة الوحي قصة يوسف وإخوته وهي من الغيب المحض إذ لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا قومه من العرب يعرفون عن هذه الأحداث التاريخية شيئاً، لاسيما وأن بعض هذه الأنباء تم في ظلام الليل وبعضها في ظلام البئر وبعضها وراء الستور، وبعضها في طبقات السجون وبعضها في قصور الملوك وبعضها في الحضر وبعضها في البدو، وبعد تطاول الزمن وتقادم العصور. بمد أن قص ما قص قال لرسوله
وقوله تعالى: ﴿إن هو إلا ذكر للعالمين﴾ أي ما هذا القرآن وما يحمله من هدى ونور وقراءتك له إلا ذكرى أي موعظة يتعظ بها من يسمعها من أهل البصيرة والإيمان من العالمين ممن هيأهم الله تعالى للسعادة والكمال، وقوله تعالى: ﴿وكأين من آية في٤ السموات والأرض﴾ أي وكثير من الآيات الدالة على الله وعلى وجوب عبادته وتوحيده فيها
٢ في الآية تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا آلمه عدم إيمان قريش بعد أن سألوه عن هذه القصة ليؤمنوا فلمّا قصها عليهم لم يؤمنوا فآلمه ذلك.
(من) صلة لتقوية النفي.
٤ أصل: كأيّن: أي. فدخلت عليها كاف التشبيه، وبنيت معها فصار معناها (كم) قال القرطبي: قد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة المحمدية بأصدق برهان وأعظم حجة.
٢- بيان حكم الله في الناس وهو أن أكثرهم لا يؤمنون فلا يحزن الداعي ولا يكرب.
٣- دعوة الله ينبغي أن نقدم إلى الناس مجّاناً، وأجر الداعي على الله تعالى الذي يدعو إليه.
٤- ذم الغفلة وعدم التفكر في الآيات الكونية.
٥- بيان حقيقة ثابتة وهي أن غير أهل التوحيد وإن آمنوا بالله رباً خالقاً رازقاً مدبراً أكثرهم يشركون به غيره في بعض صفاته وعباداته.
أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هَذِهِ
شرح الكلمات:
غاشية من عذاب الله: أي نقمة من نقمه تعالى تغشاهم١ أي تحوط بهم.
بغتة: فجأة وهم مقيمون على شركهم وكفرهم.
هذه سبيلي: أي دعوتي وطريقتي التي أنا عليها.
على بصيرة: أي على علم يقين مني.
وسبحان الله: أي تنزيهاً لله وتقديساً أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه.
من أهل القرى: من أهل المدن والأمصار لا من أهل البوادي.
للذين اتقوا: أي الله تعالى بأداء فرائضه وترك نواهيه.
أفلا تعقلون: أي أفلا يعقل هؤلاء المشركون هذا الذي يتلى عليهم ويبين لهم فيؤمنوا ويوحدوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الدعوة إلى الإيمان بالوحي الإلهي والتوحيد والبعث والجزاء وهي أركان الدين العظمى، فقال تعالى: فأمن هؤلاء المشركون والذين لا يؤمن ﴿أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ والذين يمرون بالكثير من آيات الله وهم معرضون، أفأمن هؤلاء ﴿أن تأتيهم غاشية من عذاب الله﴾ أي عقوبة من عذاب تغشاهم وتجللهم بالعذاب الذي لا
وقوله تعالى: ﴿وسبحان الله﴾ أي وقل سبحان الله أي تنزيهاً له عن دن يكون له شريك أو ولد، وقل كذلك معلناً براءتك من الشرك والمشركين ﴿وما أنا من المشركين﴾. هذا ما دلت عليه الآية الثانية. أما الآية الثالثة فإن الله تعالى يخبر رسوله بأنه ما أرسل من قبله من الرسل وهم كثر إلا رجالاً أي لا نساء ولا ملائكة ﴿نوحي إليهم من أهل القرى٣﴾ أي الأمصار والمدن، وهذا إبطال لإنكارهم أن يكون الرسول رجلاً من الناس، وقوله تعالى. ﴿أفلم يسيروا﴾ أي هؤلاء المكذبون من قريش وغيرهم ﴿في الأرض﴾ للاعتبار ﴿فينظروا﴾ ٤ كيف كان عاقبة من سبقهم من الأمم كعاد وثمود فإنا أهلكناهم ونجينا أهل الإيمان والتوحيد من بينهم مع رسلهم هذه النجاة ثمرة من ثمرات الإيمان والتقوى، ﴿ولدار الآخرة خير٥ للذين اتقوا﴾ فإنها دار النعيم المقيم والسلامة من الآهات والعاهات والكبر والهرم والموت والفناء.
قوله تعالى في نهاية الآية ﴿أفلا تعقلون﴾ ٦ يوبخ أولئك المشركين المصرين على
٢ ﴿ولدار الآخرة خير﴾ مبتدأ وخبر، وهل الإضافة هنا كما هي في يوم الخميس وبارحة الأولى؟ خلاف ويُرجحَ أحدَ الرأيين فقول الشاعر:
ولو أقوت عليك ديار عبس
عرفت الذل عرفان اليقين
أي: عرفاناً يقينيا. قال النحاس: إضافة الشيء إلى نفسه محال، لأنّ الشيء يضاف إلى غيره ليعرّف به الأجود أن يقال: الصلاة الأولى.
٣ قرىء: ﴿أفلا يعقلون﴾ ؟ بالياء والتاء في السبع.
٤ منصوب على الحال، ومعناه إصابة من غير توقع ﴿وهم لا يشعرون﴾ : توكيد لمعنى بغتة. هذا كقوله تعالى ﴿تأخذهم وهم يخصمون﴾.
٥ أي: على يقين وحق كقولهم: فلان مستبصر بهذا الأمر.
٦ قوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم﴾ ردٌ على القائلين ﴿لولا أنزل عليه ملك﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التحذير من العقوبات المترتبة على الشرك والمعاصي.
٢- تقرير عقيدة البعث الآخر.
٣- تعين الدعوة إلى الله تعالى على كل مؤمن تابع للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- تعين العلم اليقيني للداعي إلى الله إذ هو البصيرة المذكورة في الآية.
٥- وجوب توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
٦- الرسالة من خصوصيات الرجال وليس في النساء رسولة١.
٧- بيان ثمرات التوحيد والتقوى في الدنيا والآخرة.
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)
شرح الكلمات:
استيأس الرسل: أي يئسوا من إيمان قومهم.
وظنوا أنهم قد كذبوا: أي ظن الأمم المرسل إليهم أن الرسل قد أخلفوا ما وعدوا به
ولا يرد بأسنا: أي عذابنا الشديد.
عن القوم المجرمين: أي الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي وأجرموا على غيرهم بصرفهم عن الإيمان.
لقد كان في قصصهم: أي الرسل عليهم السلام.
ما كان حديثا يفترى: أي ما كان هذا القرآن حديثاً يختلق.
تصديق الذي بين يديه: أي ما قبله من الكتب الإلهية إذ نزل مصدقاً لها في الإيمان والتوحيد.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في الدعوة إلى الإيمان والتوحيد بقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا﴾ أي ما زال من أرسلنا مَنْ رسلنا يدعون إلينا ويواصلون دعوتهم ويتأخر نصرهم حتى يدب اليأس إلى قلوبهم١ ويظن أتباعهم أنهم قد أخلفوا ما وعدوا به من نصرهم وإهلاك أعدائهم ﴿جاءهم﴾ بعد وجود اليأس نصرنا٢ ﴿فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين﴾. هذا ما جاء في الآية الأولى ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين﴾ وهم أهل الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿لقد كان في قصصهم٣ عبرة لأولي الألباب﴾ أي كان في قصص الرسل مع أممهم بذكر أخبارهم وتبيان أحوالهم من نجاة المؤمنين وهلاك الكافرين المكذبين عبرة٤ يعتبر بها المؤمنون فيثبتون على إيمانهم ويواصلون تقواهم لربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.
وأولوا الألباب هم أصحاب العقول، وقوله تعالى: ﴿ما كان حديثاً يفترى،﴾ أي لم يكن هذا القرآن العظيم بالحديث الذي في إمكان الإنسان أن يكذب ويختلق مثله بحال من
٢ المراد بالنصر: العذاب، فلما جاء العذاب بعد طول انتظار نجى الله تعالى رسله والمؤمنين، وأهلك أعداءه وأعداءهم الكافرين.
٣ يدخل أوّلا قصة يوسف، وإخوته ثم بافي القصص.
٤ فكرة وتذكرة وعظة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله تعالى في تأخر النصر على رسله وعباده المؤمنين زيادة في الإعداد والتمحيص ثم يأتي نصر الله فيعز أولياء الله ويذل أعداءه.
٢- التنديد بالإجرام وهو الإفساد للعقائد والأخلاق والشرائع والأحكام.
٣- بيان فضل القرآن وما فيه من الهدى والرحمة لمن طلب ذلك منه.
٤- المؤمنون باعتبار أنهم أحياء هم الذين ينتفعون بهداية القرآن ورحمته.