ﰡ
مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣)شرح الكلمات:
الحمد لله: أي قولوا الحمد لله فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد.
فاطر السموات والأرض: أي خالقهما على غير مثال سابق.
جاعل الملائكة رسلا: أي جعل منهم رسلا إلى الأنبياء كجبريل عليه السلام.
أولي أجنحة: أي ذوي أجنحة جمع جناح كجناح الطير.
يزيد في الخلق ما يشاء: أي يزيد على الثلاثة ما يشاء فإن لجبريل ستمائة جناح.
وما يمسك: أي الله من الرحمة فلا أحد يرسلها غيره سبحانه وتعالى.
وهو العزيز الحكيم: أي الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
اذكروا نعمة الله عليكم: أي اذكروا نعمه تعالى عليكم في خلقكم ورزقكم وتأمينكم في حرمكم.
هل من خالق غير الله: أي لا خالق لكم غير الله ولا رازق لكم يرزقكم.
من السماء والأرض: أي بإنزال المطر من السماء وإنبات الزروع في الأرض.
فأنى تؤفكون: أي كيف تصرفون عن توحيده مع اعترافكم بأنه وحده الخالق الرازق.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ (١) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي الشكر الكامل والحمد التام لله استحقاقاً، والكلام خرج مخرج الخبر ومعناه الإنشاء أي قولوا الحمد لله. واشكروه كما هو أيضاً إخبار منه تعالى بأن الحمد له ولا مستحقه غيره ومقتضى حمده فطره السموات والأرض أي خلقه لهما على غير مثال سابق ولا نموذج حاكاه في خلقهما. وجعله الملائكة (٢) رسلاً إلى الأنبياء وإلى من يشاء من عباده بالإلهام والرؤيا الصالحة. وقوله ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ صفة للملائكة أي أصحاب أجنحة مثنى أي اثنين اثنين، وثلاث أي ثلاثة ثلاثة، ورباع أي أربعة أربعة. وقوله ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ أي خلق الأجنحة ما يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلام ستمائة جناح كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحاح ويزيد في خلق (٣) ما يشاء من مخلوقاته وهو على كل شيء قدير.
وقوله تعالى ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ (٤) فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء بيده فما يفتح للناس من أرزاق وخيرات وبركات لا يمكن لأحد من خلقه أن يمسكها دونه وما يمسك من ذلك فلا يستطيع أحد من خلقه أن يرسله، وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده فلا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى الحكيم في صنعه وتدبير خلقه. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ هذا نداؤه تعالى لأهل مكة من قريش يأمرهم (٥) بعده بأن يذكروا نعمه تعالى عليهم حيث خلقهم ووسع أرزاقهم وجعل لهم حرماً آمنا والناس يتخطفون من
٢ - المراد بالملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزائيل "وملك الموت" وما شاء الله.
٣ - جائز أن يكون في ملاحة العين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم، وفي الصوت الحسن والشعر الحسن والحظ الحسن كل هذا مذكور وداخل في العبارة فإنها عامة.
٤ - لفظ الرحمة نكرة دال على الكثرة والشيوع فهو يتناول كل ما هو رحمة من النبوة والعلم إلى المطر والرزق إلى النصر والفوز.
٥ - أي بعد أن ناداهم أمرهم بأن يذكروا نعمه عليهم إذ نداء المأمور يلفت نظره ويحضر حواسه لاستقبال ما يلقى إليه ويؤمر به أو يحذر منه.
هذا ما دل عليه قوله تعالى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ (١) اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب حمد الله تعالى وشكره على إنعامه.
٢- تقرير الرسالة والنبوة لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإخباره أنه جاعل الملائكة رسلاً.
٣- وجوب اللجوء إلى الله تعالى في طلب الخير ودفع الضر فإنه بيده خزائن كل شيء.
٤- وجوب ذكر النعم ليكون ذلك حافزاً على شكرها بطاعة الله ورسوله.
٥- تقرير التوحيد بالأدلة العقلية التي لا ترد.
٦- العجب من حال المشركين يقرون بانفراد الله تعالى بخلقهم ورزقهم ويعبدون معه غيره.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)
وإن يكذبوك: أي يا رسولنا فيما جئت به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء ولم يؤمنوا بك.
فقد كذبت رسل من قبلك: أي فلست وحدك كذبت إذاً فلا تأس ولا تحزن واصبر كما صبر مَن قبلك.
وإلى الله ترجع الأمور: وسوف يجزي المكذبين بتكذيبهم والصابرين بصبرهم.
ولا يغرنكم بالله الغرور: أي ولا يغرنكم بالله أي في حلمه وإمهاله الغرور أي الشيطان.
فاتخذوه عدواً: أي فلا تطيعوه ولا تقبلوا ما يغركم به وأطيعوا ربكم عز وجل.
إنما يدعوا حزبه: أي أتباعه في الباطل والكفر والشر والفساد.
ليكونوا من أصحاب السعير: أي ليؤول أمرهم إلى أن يكونوا من أصحاب النار المستعرة.
لهم مغفرة وأجر كبير: أي لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير في الجنة وذلك لإيمانهم وعملهم الصالحات.
معنى الآيات:
لما أقام تعالى الحجة على المشركين في الآيات السابقة قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ (١) ﴾ بعدما أقمت عليهم الحجة فلست وحدك المكذَّب فقد كذبت قبلك رسل كثيرون جاءوا أقوامهم بالبينات والزبر وصبروا إذاً فاصبر كما صبروا ﴿وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ (٢) الْأُمُورُ﴾ وسوف يقضي بينك وبينهم بالحق فينصرك في الدنيا ويخذلهم، ويرحمك في الآخرة ويعذبهم.
وقوله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ أي يا أهل مكة وكل مغرور من الناس بالحياة الدنيا اعلموا أن وعد الله بالبعث والجزاء حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا بطول أعماركم وصحة أبدانكم وسعة أرزاقكم، فإن ذلك زائل عنكم لا محالة ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ﴾ أي حلمه وإمهاله ﴿الْغَرُورُ (٣) ﴾ وهو الشيطان حيث يتخذ من حلم الله تعالى عليكم وإمهاله لكم طريقا إلى إغوائكم وإفسادكم بما يحملكم عليه من تأخير التوبة والإصرار على المعاصي، والاستمرار عليها {إِنَّ الشَّيْطَانَ
٢ - قرأ الجمهور ترجع بضم التاء وقرأ بعض بفتحها والكل صحيح ومآل المعنى واحد.
٣ - الغرور بالضم مصدر غره يغره غرورا، وبالفتح الشيطان وهو المراد هنا وصيغته من صيغ المبالغة "فعول" إذ هو كثير الغرور يأتيهم من حيث حلم الله وإمهاله فيصرفهم عن الحق مغرراً إياهم بأنهم لو كانوا على باطل لأهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم، ويسوّف آخرين بحلم الله فيصرفهم عن التوبة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدخل فيها كل دعاة الحق إذا كذّبوا وأوذوا فعليهم أن يصبروا.
٢- تقرير البعث والجزاء المتضمن له وعد الله الحق.
٣- التحذير من الاغترار بالدنيا أي من طول العمر وسعة الرزق سلامة البدن.
٤- التحذير من الشيطان ووجوب الاعتراف بعداوته، ومعاملته معاملة العدو فلا يقبل كلامه ولا يستجاب لندائه ولا يخدع بتزيينه للقبيح والشر.
٥- بيان جزاء أولياء الرحمن أعداء الشيطان، وجزاء أعداء الرحمن أولياء الشيطان.
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
٢ - الذين كفروا: الجملة مستأنفة بيانياً لأنه بعد التحذير من طاعة الشيطان يلوح في الأذهان سؤال: ما جزاء من أطاع الشيطان وما جزاء من عصاه؟ فالجواب الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ويرى بعضهم أنها ابتدائية ذكرت فذلكة لما تقدم من الكلام.
شرح الكلمات:
أفمن زين له سوء عمله: أي قبيح عمله من الشرك والمعاصي.
فرآه حسنا: أي رآه حسناً زيناً لا قبح فيه.
فلا تذهب نفسك عليهم: أي على أولئك الذين زين لهم الشيطان قبيح أعمالهم.
حسرات: أي لا تهلك نفسك بالتحسر عليهم لكفرهم.
إن الله عليم بما يصنعون: وسيجزيهم بصنيعهم الباطل.
فتثير سحاباً: أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير.
فسقناه إلى بلد ميت: أي لا نبات فيه.
فأحيينا به الأرض: أي بالنبات والعشب والكلأ والزرع.
كذلك النشور: أي البعث والحياة الثانية.
فلله العزة جميعا: أي فليطلب العزة بطاعة الله فإنها لا تنال إلا بذلك.
إليه يصعد الكلم الطيب: أي إلى الله تعالى يصعد الكلم الطيب وهو سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
والعمل الصالح يرفعه: أي أداء الفرائض وفعل النوافل يرفع إلى الله الكلم الطيب.
يمكرون السيئات: أي يعملونها ويكسبونها.
مكر أولئك هو يبور: أي عملهم هو الذي يفسد ويبطل.
خلقكم من تراب: أي أصلكم وهو آدم.
ثم من نطفة: أي من ماء الرجل وماء المرأة وذلك كل ذرّية آدم.
وما تحمل من أنثى: أي ما تحمل من جنين ولا تضعه إلا بإذنه.
وما يعمر من معمر: أي وما يطول من عمر ذي عمر طويل إلا في كتاب.
ولا ينقص من عمره: أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إلا في كتاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقوية روح الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشد من عزمه أمام تقلبات المشركين وعنادهم ومكرهم فقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ (١) زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (٢) ﴾ أي أفمن زين له الشيطان ونفسه وهواه قبيح عمله وهو الشرك والمعاصي فرآه حسنا كمن هداه الله فهو على نور من ربه يرى الحسنة حسنة والسيئة سيئة والجواب: لا، لا. وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ يضل بعدله وحسب سنته في الإضلال من يشاء من عباده، ويهدي بفضله من يشاء هدايته إذاً فلا تذهب (٣) نفسك أيها الرسول على عدم هدايتهم حسرات فتهلك نفسك تحسّراً على عدم هدايتهم. وقوله ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فلذا لا داعي إلى الحزن والغمّ ما دام الله تعالى وهو ربهم قد أحصى أعمالهم وسيجزيهم بها وقوله تعالى ﴿وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾ أي تزعجه وتحركه. ﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ (٤) أي لا نبات ولا زرع به ﴿فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ أي كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها كذلك يحيى الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت الإنسان من عظم يقال له عجُبُ الذَنَّب فيتم خلقه، ثم يرسل الله تعالى الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فلا تخطئ روح جسدها. هكذا كما تتم عملية إحياء الأرض بالنبات تتم عملية إحياء الأموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت والله سريع الحساب.
٢ - ذكر القرطبي لأهل العلم أقوالا فيمن زين له سوء عمله وفي عمله الذي زين له قيل إنهم اليهود والنصارى والمجوس، وسوء عمله معاداة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل إنهم الخوارج وسوء عمله تحريف التأويل وقيل الشيطان وعمله الإغراء وقيل كفار قريش وهو الظاهر.
٣ - قرأ الجمهور فلا تذهب نفسك بفتح التاء ورفع السين من نفسك وقرئ بضم التاء ونصب نفسك على أنها مفعول به.
٤ - الراجح من الأقوال لغة أن ميت مشددة وميت مخفف لا فرق بينهما وشاهده قول الشاعر:
ليس من مات واستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء.
وقوله تعالى ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم، ثم خلقنا نحن ذريتة من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة، ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً﴾ أي ذكراً وأنثى. هذه مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء، وقوله ﴿وَمَا تَحْمِلُ (٢) مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ أي يزاد في عمره، ولا ينقص من عمره فلا يزاد فيه إلا في كتاب وهو كتاب المقادير. هذا مظهر من مظاهر العلم، وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى وبعث الناس للحساب والجزاء. ولذا قال تعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده في كتاب المقادير على الله يسير أي سهل لا صعوبة فيه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان فإن ذلك يؤدي بالعبد إلى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية الله فلا يهتدي أبداً وهذا ينتج عن الإدمان على المعاصي والذنوب.
٢- عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم.
٢ - فما يكون حمل ولا وضع أي ولادة إلا بعلمه، فلا يخرج شيء عن تدبيره وحكمته وما يعمر سماه معمراً باعتبار ما هو صائر إليه وفي الحديث الصحيح: "من أحب أن يسط له في رزقه وينسأ له في أثره أي أجله فليصل رحمه. "
٢- علم الله المتجلي في الخلق والتدبير يضاف إليه قدرته تعالى التي لا يعجزها شيء بهما يتم الخلق والبعث والجزاء.
٣- تقرير البعث والجزاء وتقرير كتاب المقادير وهو اللوح المحفوظ.
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)
شرح الكلمات:
عذب فرات: أي شديد العذوبة.
وهذا ملح أجاج: أي شديد الملوحة.
ومن كل تأكلون: أي ومن كل منهما.
لحماً طرياً: أي السمك.
حلية تلبسونها: أي اللؤلؤ والمرجان.
لتبتغوا من فضله: أي لتطلبوا الرزق بالتجارة من فضل الله تعالى.
ولعلكم تشكرون: أي رجاء أن تشكروا الله تعالى على ما رزقكم.
يولج الليل في النهار: أي يدخل الليل في النهار فيزيد.
ويولج النهار في الليل: أي يدخل النهار في الليل فيزيد.
وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما.
كل يجري لأجل مسمى: أي في فلكه إلى يوم القيامة.
والذين تدعون: أي تعبدون بالدعاء وغيره من العبادات وهم الأصنام.
ما يملكون من قطمير: أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة.
ولو سمعوا: أي فرضاً ما استجابوا لكم.
يكفرون بشرككم: أي يتبرأون منكم ومن عبادتكم إياهم.
ولا ينبئك مثل خبير: أي لا ينبئك أي بأحوال الدارين مثلي فإني خبير بذلك عليم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعمله وحكمة تدبيره لخلقه وهي مظاهر موجبة لله العبادة وحد دون غيره، ومقتضية للبعث الذي أنكره المشركون قال تعالى ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ أي لا يتعادلان. ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ (١) شَرَابُهُ﴾ أي ماؤه عذب شديد العذوبة ﴿وَهَذَا مِلْحٌ (٢) أُجَاجٌ﴾ أي ماؤه شديد الملوحة لمرارته مع ملوحته، فهل يستوي الحق والباطل هل تستوي عبادة الأصنام مع عبادة الرحمن؟ والجواب لا. وقوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ﴾ أي ومن كل من البحرين العذب والملح تأكلون لحماً طرياً وهو السمك ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ أي اللؤلؤ والمرجان. وهي حلية يتحلى بها النساء للرجال، وقوله ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ أي وترى أيها السامع لهذا الخطاب ﴿الْفُلْكَ﴾ أي السفن مواخر في البحر تمخر عباب البحر وتشق ماءه غادية رائحة تحمل الرجال والأموال، سخرها وسخر البحر ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي الرزق بالتجارة، ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي سخر لكم البحر لتبتغوا من فضله ورجاء أن تشكروا. لم يقل لتشكروا كما قال
فساغ لي الشراب وكنت قبلا
أكاد أغص بالماء الفرات
٢ - المالح من الطعام والشراب: هو الذي يجعل فيه الملح والملح بكسر الميم وسكون اللام الشيء الموصوف بالملوحة بذاته لا بإلقاء الملح فيه والأجاج الشديد الملوحة.
وقوله ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ أي ذللهما فهما يسيران الدهر كله بلا كلل ولا ملل لصالح العباد إذ بهما كان الليل والنهار، وبهما تعرف السنون والحساب وقوله ﴿كُلٌّ يَجْرِي﴾ أي كل منهما يجري ﴿لِأَجَلٍ مُسَمّىً﴾ أي إلى وقت محدود وهو يوم القيامة. ولما عرف تعالى نفسه بمظاهر القدرة قدرته وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته قال للناس ﴿ذَلِكُمُ (٢) اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ﴾ أي بعد أن أقام الحجة وأظهر الدليل لم يبق إلا الإعلان عن الحقيقة التي ينكر لها الكافرون فأعلنها بقوله ﴿ذَلِكُمُ﴾ ذو الصفات العظام والجلال والإكرام هو الله ربكم الذي لا رب لكم سواه له الملك، وليس لغيره فلا يصح طلب شيء من غيره، إذ الملك كله لله وحده، وأما الذين تدعون من دونه أي تعبدونهم من دونه وهي الأصنام والأوثان وغيرها من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنهم لا يملكون من قطمير فضلاً عن غيره تمرة فما فوقها لأن الذي لا يملك قطميراً – وهو القشرة الرقيقة على النواة (٣) - لا يملك بعيراً.
وقوله ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ نعم لا يسمعون لأنهم جمادات وأصنام من حجارة فكيف يسمعون وعلى فرض لو أنهم سمعوا ما استجابوا لداعيهم لعدم قدرتهم على الاستجابة. وقوله تعالى ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ فهم إذاً محنة لكم في الدنيا تنحتونهم وتحمونهم وتعبدونهم ويوم القيامة يكونون أعداء لكم وخصوماً فيتبرءون من شرككم إياهم في عبادة الله، فتقوم عليكم الحجة بسببهم فما الحاجة إذاً إلى الإصرار على عبادتهم وحمايتهم والدفاع عنهم. وقوله تعالى ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ﴾ أيها السامع ﴿مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ (٤) وهو الله تعالى فالخبير أصدق من ينبئ
٢ - هذا استئناف موقعه موقع النتيجة من الأدلة السابقة وهي أدلة مفصلة في غاية القوة والوضوح.
٣ - جاء في القرآن ذكر النقير والقطمير والفتيل واضطربت أقوال أهل اللغة في تحديدها والصحيح: أن النقير النقرة في وسط النواة، وأن الفتيل الخيط الأبيض في وسط النواة، وأن القطمير اللفافة البيضاء على النواة.
٤ - خبير صفة مشبهة مشتقة من خبر بضم الباء فلان الأمر إذا علمه علماً لا شك فيه وأجريت هذه الجملة مجرى المثل يقال (ولا ينبئك مثل خبير).
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير ربوبية الله المستلزمة لألوهيته.
٢- بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة وبها تقرر ربوبيته تعالى وألوهيته لعباده.
٣- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر يوم القيامة وبراءة الآلهة من عابديها.
٤- بيان عجز الآلهة عن نفع عابديها في الدنيا وفي الآخرة.
٥- تقرير صفات الكمال لله تعالى من الملك والقدرة والعلم، والخبرة التامة الكاملة وبكل شيء.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦)
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨)
شرح الكلمات:
أنتم الفقراء إلى الله: أي المحتاجون إليه في كل حال.
والله هو الغني الحميد: أي الغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه، المحمود بأفعاله وأقواله وحسن تدبيره فكل الخلائق تحمده لحاجتها إليه وغناه عنها.
ويأت بخلق جديد: أي بدلا عنكم.
ولا تزر وازرة وزر أخرى: أي في حكم الله وقضائه بين عباده أن النفس المذنبة الحاملة لذنبها لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها.
وإن تدع مثقلة: أي بأوزارها حتى لم تقدر على المشي أو الحركة.
لا يحمل منه شيء: أي لا تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو أباها أو أمها فضلا عن غيرهم، بهذا حكم الله سبحانه وتعالى.
يخشون ربهم بالغيب: أي لأنهم ما رأوه بأعينهم.
ومن تزكى: أي طهّر نفسه من الشرك والمعاصي.
فإنما يتزكى لنفسه: أي صلاحه واستقامته على دين الله ثمرتهما عائدة عليه.
معنى الآيات:
بعد تلك الأدلة والحجج التي سيقت في الآيات السابقة وكلها مقررة ربوبية الله تعالى وألوهيته وموجبة توحيده وعبادته نادى تعالى الناس بقوله ﴿يأَيُّهَا النَّاسُ﴾ ليعلمهم بأنه وإن خلقهم لعبادته وأمرهم بها وتوعد بأليم العذاب لمن تركها ولم يكن ذلك لفقر منه إليها ولا لحاجة به إليهم فقال ﴿يأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ (١) إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ إن عبادة الناس لربهم تعود عليهم فيكملون عليها في أخلاقهم وأرواحهم ويسعدون عليها في دنياهم وآخرتهم أما الله جل جلاله فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية. وهو الغني عن كل ما سواه ﴿الْحَمِيدُ﴾ أي المحمود بنعمه فكل نعمة بالعباد موجبة له الحمد والشكر. وقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ (٢) بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهذا دليل غناه؛ وافتقارهم كما هو دليل قدرته وعلمه، وقوله: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ أي إذهابهم والإتيان بخلق جديد غيرهم ليس بالأمر العزيز الممتنع ولا بالصعب المتعذر بل هو اليسير السهل عليه تعالى.
٢ - الجملة بيانية فيه مبينة لغناه وموجب حمده والثناء عليه ببيان قدرته على إهلاك الموجود من عباده والإتيان بخلق جديد غيرهم ومن كان هكذا هو الغني الحق والمحمود الحق فلله الحمد وله المنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان فقر العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وإزالة فقرهم وسد حاجتهم يكون باللجوء إليه والاطراح بين يديه يعبدونه ويسألونه.
٢- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة.
٣- بيان صعوبة الموقف في عرصات القيامة لا سيما عند وضع الميزان ووزن الأعمال.
٢ - وإن تدع مثقلة أي أحدا إلى حملها.
٣ - أي المدعو ذا قربى.
٤ - قال الفضيل بن عياض هي المرأة تلقى ولدها فتقول يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثدي لك سقاء ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول بلى يا أماه فتقول يا بني قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنباً واحداً، فيقول إليك عني يا أماه فإني بذنبي عنك مشغول.
٥ - الجملة مستأنفة بيانياً لأن الحال تستدعي سؤالاً وهو لِم لَمْ يتأثر المشركون بالإنذار فالجواب إنما يقبل النذارة ويستجيب للمنذر أهل الإيمان والخشية لله تعالى لأنهم أحياء وأما الكافرون فهم أموات وهل يستجيب غير الحي؟ وفي الآية دليل على قوة تأثير الصلاة في تزكية النفوس وتطهير الأرواح.
٦ - هذه الجملة تذييل للجملة المذيل بها قبلها وهي قوله تعالى: ﴿ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه﴾ وهي تفيد تقرير البعث والجزاء وهما مما ينكر المشركون كما يفيد التسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتهديد للكافرين أيضاً فإن من صار إلى الله أخذه بذنبه.
٥- تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة.
٦- تقرير حقيقة وهي أن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها.
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٢٦)
شرح الكلمات:
وما يستوي الأعمى والبصير: أي لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
ولا الظلمات ولا النور: أي لا يستويان فكذلك الكفر والإيمان لا يستويان.
ولا الظل ولا الحرور: أي لا يستويان فكذلك الجنة والنار لا يستويان.
وما يستوي الأحياء ولا الأموات: فكذلك لا يستوي المؤمنون والكافرون.
وما أنت بمسمع من في القبور: أي فكذلك لا تسمع الكفار فإنهم كالأموات.
إنا أرسلناك بالحق: أي بالدين الحق والهدى والكتاب.
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير: أي سلف فيها نبي ينذرها.
جاءتهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والأدلة الواضحة.
وبالزبر والكتاب المنير: أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل.
فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد لله.
معنى الآيات:
لما تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتفع به إلا المؤمن المقيم للصلاة وأن الكافر المكذب الجاحد لا ينتفع به ذكر تعالى هنا مثلاً للكافر والمؤمن وأنهما لا يستويان فقال ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١) ﴾ فالأعمى الكافر والبصير المؤمن وهما لا يستويان في عقل ولا شرع ﴿وَلا الظُّلُمَاتُ (٢) وَلا النُّورُ﴾ أي ولا يستوي الظلمات ولا النور كما لا يستوي الكفر والإيمان ولا الظل ولا الحرور (٣)، فبرودة الجو، لا تستوي مع حرارته فكذلك الجنة لا تستوي مع النار، وقوله ﴿وما يستوي الأحياء ولا أموات﴾ أي ولا المؤمنون مع الكافرين كذلك وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (٤) هذا شروع في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم لدعوته، فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما أنت أيها الرسول فإنك لا تسمع الأموات وإنما تسمع الأحياء، والكفار شأنهم شأن الأموات في القبور فلا تقدر على إسماعهم. ولا يحزنك ذلك فإنك ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً لمن آمن به واتبع هداه بالجنة، ونذيراً لمن كفر به وعصاه
٢ - قيل لا زائدة في كل من قوله تعالى ولا الظل ولا الحرور ولا الأموات واختلف في أيهما يكون بالليل وأيهما يكون بالنهار الحرور أو السموم وفي حديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيان ذلك وأن كلاهما يقع في النهار كما يقع في الليل إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.
٣ - قال قطرب أحد أعلام اللغة: الحرور: الحر والظل البرد.
٤ - قرأ الجمهور بتنوين بمسمعٍ بكسرة واحدة والمراد بمن في القبور الكفار حيث أمات الكفر قلوبهم أي كما لا تسمع من مات فإنك لا تسمع من مات قلبه بالجهل وظلمة الكفر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- استحسان ضرب الأمثال للكشف عن الحال وزيادة البيان.
٢- الكفار عمى لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم ولا أبصارهم.
٣- تقرير نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأكيد رسالته.
٤- تسلية الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات.
٥- بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم.
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
٢ - في الآيات تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهرة تطلبها المقام حيث أصر المشركون على تكذيبه وعدم الإيمان بما جاءهم به من الهدى والدين الحق.
٣ - استفهام مستعمل في التعجب من حالهم مفرع بالفاء على قوله أخذت الذين كفروا والنكير اسم لشدة الإنكار وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب وحذفت ياء المتكلم في نكيري تخفيفاً ولرعاية الفواصل في الوقف.
شرح الكلمات:
ثمرات مختلفاً ألوانها: أي كأحمر وأخضر وأصفر وأزرق وغيره.
ومن الجبال جدد: أي طرق في الجبال إذ الجدة الطريق ومنه جادة الطريق.
بيض وحمر مختلف ألوانه: أي طرق وخطط في الجبال ذات ألوان كالجبال أيضاً.
وغرابيب سود (١) : منها الأبيض والأصفر والأسود الغربيب.
ومن الناس والدواب والأنعام: فمنها أبيض وهذا أحمر وهذا أسود.
مختلف ألوانه كذلك: أي كاختلاف الثمار والجبال والطرق فيها.
إنما يخشى الله من عباده العلماء: أي العالمين بجلاله وكماله، إذ الخشية متوقفة على معرفة المخشيّ.
يتلون كتاب الله: أي يقرأونه تعبداً به.
تجارة لن تبور: أي لن تهلك ولن تضيع بدون ثواب عليها.
غفور شكور: أي غفور لذنوب عباده التائبين شكور لأعمالهم الصالحة.
معنى الآيات:
هذا السياق الكريم ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ (٢) مَاءً﴾ في بيان تفاوت المخلوقات واختلافاتها فمن مؤمن إلى كافر، ومن صالح إلى فاسد ومن أبيض إلى أحمر أو أسود وابتدأه تعالى بخطاب رسوله مقرراً له بقوله ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أي ألم تبصر بعينك أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ما بين تمر أصفر وآخر أحمر، وآخر أسود وهذا واضح في التمر
٢ - من هداية هذه الآية الإشارة الواضحة إلى وجود اختلاف بشري جبلّي فطري كما هو في سائر الكائنات الأرضية، وفي النباتات والحيوانات وحتى الجبال والمعادن ومن عرف عليه هان عليه اختلاف الناس ولم يحزن له ولم يهتم ويكرب.
وقوله تعالى في ختام هذا السياق: ﴿إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (٣) كشف عن حقيقة ينبغي أن يعرفها أهل مكة المصرون على الكفر والتكذيب وهي أن الله قادر على أخذهم والبطش بهم فإنه عزيز لا يمانع فيما يريده وغفور لذنوب التائبين من عباده ومهما كانت ذنوبهم ألا فليتب أهل مكة فإن توبتهم خير لهم من إصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب إذ في التوبة نجاة، وفي الإصرار هلاك.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ (٤) ﴾ وهم المؤمنون ﴿وَأَقَامُوا الصَّلاةَ﴾ أدوها أداء وافياً لا نقص فيه ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً﴾ الزكاة والصدقات بحسب الأحوال والظروف سراً أحياناً وعلانية أخرى. يخبر تعالى عنهم بعدما وصفهم بما شرفهم به من صفات أنهم يرجون تجارة لن تبور أي لن تهلك ولن تخسر وذلك يوم القيامة وقوله ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ (٥) وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ أي هداهم لذلك ووفقهم إليه تعالى ليوفهم أجورهم ويزيدهم من فضله. وعلة ذلك أنه غفور لعباده المؤمنين التائبين فيغفر ذنوبهم ويدخلهم جنته شكور لطاعاتهم وصالح أعمالهم فلذا يضاعف لهم أجورهم ويزيدهم من فضله وله الحمد المنة.
٢ - في الجملة قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الخشية على العلماء دون الجهلة وبهذا علا شأن العلماء وعظم قدرهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا إنما يخشى الله من عباده العلماء والمراد بالعلماء العالمون بالله أي بأسمائه وصفاته ومحابه ومكارهه وما عنده من نعيم لأوليائه وما لديه من عذاب لأعدائه، وآية العالم الخشية لله والمحبة له تعالى فمن لم يخش الله تعالى فليس بعالم.
٣ - الجملة تذييلية مشعرة بغنى الله تعالى عن عباده قدير على أخذهم متى أراد بهم ذلك، ذو مغفرة لهم متى تابوا إليه وطلبوا مرضاته ولو عرف المشركون هذا ما أصروا على الشرك ولكنهم لا يعلمون.
٤ - لما أثنى على العلماء بما وصفهم به من الخشية وكان في الكلام إيجاز أوضحه بهذه الجملة فقال إن الذين يتلون كتاب الله، وما تلا كتاب الله غير مؤمن عالم ولا أقام الصلاة وأنفق سراً وعلانية إلا ذو خشية ومحبة بعدما وصفهم وحدهم بشرهم بقوله يرجون تجارة لن تبور.
٥ - التوفية جعل الشيء وافياً أي تاماً لا نقيصة فيه ولا غبن.
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات.
٢- العلم سبيل الخشية فمن لا علم له بالله فلا خشية له إنما يخشى الله من عباده العلماء.
٣- فضل تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات.
٤- في وصف الله تعالى بالغفور والشكور ترغيب للمذنبين أن يتوبوا، وللعاملين أن يزيدوا.
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥)
شرح الكلمات:
من الكتاب: أي القرآن الكريم.
مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل.
ثم أورثنا الكتاب: أي الكتب التي سبقت القرآن إذ محصلها في القرآن الكريم.
الذين اصطفينا: أي اخترنا المؤمنين من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومنهم مقتصد: مؤد للفرائض مجتنب للكبائر.
ومنهم سابق بالخيرات: مؤد للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر.
بإذن الله: أي بتوفيقه وهدايته.
ذلك: أي إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير.
ولؤلؤاً: أي أساور من لؤلؤ مرصع بالذهب.
أحلنا دار المقامة: أي الإقامة وهي جنات عدن.
لا يمسنا فيها نصب: أي تعب.
ولا يمسنا فيها لغوب: أي إعياء من التعب، وذلك لعدم التكليف فيها.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ (١) ﴾ أي القرآن الكريم هو ﴿الْحَقُّ﴾ أي الواجب عليك وعلى أمتك العمل به لا ما سبقه من الكتب كالتوراة والإنجيل، ﴿مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي أمامه من الكتب السابقة، وقوله ﴿إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢) ﴾ فهو تعالى يعلم أن الكتب السابقة لم تصبح تحمل هداية الله لعباده لما داخلها من التحريف والتغيير فلذا مع علمه بحاجة البشرية إلى وحي سليم يقدم إليها فتكمل وتسعد عليه متى آمنت به وأخذته نوراً تمشي به في حياتها المادية هذه أرسلك وأوحى إليك هذا الكتاب الكريم وأوجب عليك وعلى أمتك العمل به.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ (٣) الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ يخبر تعالى أنه أورث أمة الإسلام الكتاب السابق إذ كل ما في التوراة والإنجيل من حق وهدى قد حواه القرآن الكريم فأمة القرآن قد ورّثها الله تعالى كل الكتاب الأول. وقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ (٤) ﴾ بالتقصير في العمل وارتكاب بعض الكبائر، ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وهو المؤدي للفرائض المجتنب للكبائر،
٢ - الخبير: العالم بدقائق الأمور المعقولة والمحسوسة والظاهرة والخفية وصاحب هذه الصفة هو الذي يجب أن يعبد ويتقى.
٣ - حاول كثير من المفسرين البعد عن الحقيقة التي تضمنتها هذه الآية وهي أن الآية في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هي التي قال الله تعالى فيها هو اجتباكم والاجتباء كالاصطفاء والظالم لنفسه لا يكون الكافر ولا المنافق وإنما هو المؤمن يغشى بعض الكبائر وما في التفسير هو الحق فتأمله.
٤ - فمنهم: هذه الفاء التفريعية التفصيلية حيث فصل بها مجمل الذين أوتوا الكتاب والبداية بالظالمين لأنفسهم إيماء إلى أنهم غير محرومين من جنات عدن دفعاً لمن يتوهم أنهم لما كانوا ظالمين لا يدخلون الجنة.
وقوله: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ (٢) الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا همَّ ولا كرب فمِن أين يأتي الحزن. وقولهم ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ قالوا هذا لأنه تعالى غفر للظالم وشكر للمقتصد عمله فأدخل الجميع الجنة فهو الغفور الشكور حقاً حقاً.
وقولهم: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ أي الإقامة من فضله هذا ثناء منهم على الله تعالى بإفضاله عليهم، وقولهم ﴿لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ أي تعب ﴿وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ أي إعياء من التعب وصف لدار السلام وهي الجنة الخالية من النصب واللغوب جعلنا الله من أهلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب العمل بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآداباً وأخلاقاً وقضاء وحكماً.
٢- بيان شرف هذه الأمة، وأنه المرحومة فكل من دخل الإسلام بصدق وأدى الفرائض واجتنب المحارم فهو ناج
فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بالله شيئاً فهو آئيل إلى دخول الجنة راجع إليها بإذن الله.
٣- بيان نعيم أهل الجنة وحلية أهلها وهي الأساور (٣) من الذهب واللؤلؤ.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ
٢ - لما دخلوا جنات عدن حمدوا الله تعالى وأثنوا عليه وإن قيل كيف دخل الظالم لنفسه الجنة وهو ظالم قلنا هذا الظلم ليس ظلما لربه بأن عبد غير الله ولا هو ظلم لغيره وإنما ظلم لنفسه بارتكاب بعض الذنوب وهذا غير مانع من دخول الجنة إذ هو وارث بوصفه مؤمنا والجنة تورث والورثة يستوي فيهم البار مع العاق فلا يمنع من الإرث العاق بل يرث كالبار سواء بسواء.
٣ - ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
شرح الكلمات:
لا يقضى عليهم: أي بالموت فيموتوا ويستريحوا.
كذلك نجزي كل كفور: أي كذلك الجزاء نجزي كل كفور بنا وبآياتنا ولقائنا.
وهم يصطرخون فيها: أي يصيحون بأعلى أصواتهم يطلبون الخروج منها.
يقولون: أي في عويلهم وصراخهم ربنا أخرجنا أي منها نعمل صالحا.
أو لم نعمركم ما يتذكر فيه: أي وقتا يتذكر فيه من تذكر.
وجاءكم النذير: أي الرسول فلم تجيبوا وأصررتم على الشرك والمعاصي.
إنه عليم بذات الصدور: أي بما في القلوب من إصرار على الكفر ولو عاش الكافر طوال الحياة.
خلائف في الأرض: يخلف بعضكم بعضا. والخلائف جمع خليفة وهو من يخلف غيره.
فعليه كفره: أي وبال كفره.
إلا مقتا: أي إلا غضبا شديداً عليهم من الله عز وجل.
إلا خساراً: أي في الآخرة إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
معنى الآيات:
بعدما ذكر تعالى جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح ذكر جزاء أهل الكفر والمعاصي فقال:
وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ (٦) ﴾ أي يخلف بعضكم بعضاً وفي ذلك ما يمكّن من العظة والاعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم لا تتعظون بهم وقد خلفتموهم وجئتم بعدهم إذاً فلا عذر لكم أبداً.
وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم ﴿إِلَّا مَقْتاً﴾ أي بعداً عن الرحمة وبعضاً شديداً، ﴿وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ﴾ أي المصرين على الكفر كفرهم ﴿إِلَّا خَسَاراً﴾ أي هلاكاً في الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مُرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين.
٢- الإعذار لمن بلّغه الله من العمر أربعين سنة.
٢ - هذا كقوله تعالى: ﴿ثم لا يموت فيها ولا يحيا﴾ من سورة الأعلى.
٣ - يصطرخون مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون من شدة ما أصابهم.
٤ - الاستفهام للتقريع والتوبيخ والواو عاطفة قولا محذوفاً تقديره يقولون ربنا أخرجنا ونقول ألم نعمركم والتعمير تطويل العمر.
٥ - هل النذير القرآن أو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الشيب قال الشاعر:
رأيت الشيب من نُذُر المنايا
لصاحبه وحسبك من نذير.
وما في التفسير أصح.
٦ - أي خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن، والخلف هو التالي للمتقدم.
٢- في كون البشرية أجيالا جيلا يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعبر بغيره.
٣- الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة ومقتاً عند الله تعالى والمقت أشد الغضب.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣)
شرح الكلمات:
قل أرأيتم: أي أخبروني
تدعون من دون الله: أي تعبدون من غير الله وهي الأصنام.
أروني ماذا خلقوا: أي أخبروني ماذا خلقوا من الأرض أي أيّ جزء منها خلقوه.
أم لهم شرك: أي لهم شركة في خلق السموات.
إلا في غروراً: أي باطلاً إذ قالوا إنها آلهتنا تشفع لنا عند الله يوم القيامة وتقربنا
يمسك السموات والأرض أن تزولا: أي يمنعهما من الزوال.
إن أمسكهما من أحد من بعده: أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك.
إنه كان حليماً غفوراً: أي حليماً لا يعجل بالعقوبة غفوراً لمن ندم واستغفر.
لئن جاءهم نذير: أي رسول.
من إحدى الأمم: أي اليهود والنصارى.
فلماء جاءهم نذير: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ما زادهم إلا نفوراً: أي مجيئه إلا تباعداً عن الهدى ونفرة منه.
ومكر السيء: أي الشرك والمعاصي.
ولا يحيق المكر السيء: أي ولا يحيط إلا بأهله العاملين له.
سنة الأولين: أي سنة الله فيهم وهي تعذيبهم بكفرهم وإصرارهم عليه.
ولن تجد لسنة الله تبديلاً: أي فلا يبدل العذاب بغيره.
ولن تجد لسنة الله تحويلاً: أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل للمشركين من قومك: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ (١) الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ أي تعبدون من دون الله أخبروني: ماذا خلقوا من الأرض حتى استحقوا العبادة مع الله فعبدتموهم معه؟ أم لهم شرك (٢) في السموات بأن خلقوا جزءاً وملكوه بالشركة. والجواب قطعاً لم يخلقوا شيئاً من الأرض وليس لهم في خلق السموات شركة أيضاً إذاً فكيف عبدتموهم مع الله؟ وقوله تعالى: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ أي أم آتينا هؤلاء المشركين كتاباً يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه فهم لذلك على بينة بصحة الشرك. والجواب ومن أين لهم هذا الكتاب الذي يبيح لهم الشرك؟ بل إن يعد (٣) الظالمون بعضهم بعضاً ﴿إِلَّا غُرُوراً﴾ أي باطلاً إذ الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك،
٢ - الشرك اسم للنصيب المشترك به في ملك الشيء، والمعنى ألهم شرك مع الله في ملك السموات وتصريف أحوالها كسير الكواكب وتعاقب الليل والنهار وتسخير الرياح وإنزال المطر.
٣ - إن نافية بمعنى "ما" بقرينة الاستثناء والغرور الأباطيل تغرو وهي قول السادة للسفلة إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم وتشفع لكم كما أن الشياطين توحي لهم بذلك من طريق الوسوسة.
وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (٤٢) ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا يحلفون بالله جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير (٣) أي الرسول وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادهم مجيئه ﴿إِلَّا نُفُوراً﴾ أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
وقوله تعالى ﴿وَلا يَحِيقُ (٤) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيء وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين. إلا سنة الأولين وهي إهلاك الماكرين الظالمين ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ﴾ أيها (٥)
٢ - إن نافية بمعنى ما أي ما أمسكهما أحد سواه.
٣ - هذا كان منهم قبل البعثة النبوية فقد بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فلعنوا من كذب نبيه منهم وأقسموا بالله جل اسمه لئن جاءهم نذير أي نبي ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب وكانوا يتمنون أن يكون منهم رسول فلما جاءهم ما تمنوه نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
٤ - حاق به: أحاط والحوق الإحاطة روي أن كعباً قال لابن عباس إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس فإني وجدت في القرآن ذلك قال وأين؟ قال اقرأ ﴿ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله﴾ ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً" وجملة لا يحيق المكر السيء إلا بأهله تذييل لما سبق وتحمل موعظة.
٥ - السنة الطريقة والجمع سنن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
٢- بيان أن المشركين لا دليل لهم على صحة الشرك لا من عقل ولا من كتاب.
٣- بيان قدرة الله ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السموات والأرض عن الزوال.
٤- بيان كذب المشركين، ورجوعهم عما كانوا يتقالونه بينهم من أنه لو أرسل إليهم رسول لكانوا أهدى من
اليهود أو النصارى.
٥- تقرير حقيقة وهي أن المكر (١) السيء عائد على أهله لا على غيرهم وفي هذا يُرى أن ثلاثة على أهلها
رواجع، وهي المكر السيء، والبغي، والنكث لقوله تعالى ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ وقوله ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ وقوله ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً (٤٥)
وكانوا أشد منهم قوة: أي وأهلكهم الله تعالى بتكذيبهم رسلهم.
وما كان الله ليعجزه من شيء: أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه.
إنه كان عليماً قديراً: أي عليماً بالأشياء كلها قديراً عليها كلها.
بما كسبوا: أي من الذنوب والمعاصي.
ما ترك على ظهرها: أي ظهر الأرض من دابة نسمة تدب على الأرض وهي كل ذي روح.
إلى أجل مسمى: أي يوم القيامة.
فإن الله كان بعباده بصيراً: فيحاسبهم ويجزيهم بحسب كسبهم خيراً كان أو شراً.
معنى الآيات:
لما هدد الله المشركين بإمضاء سنته فيهم وهي تعذيب وإهلاك المكذبين إذا أصروا على التكذيب ولم يتوبوا. قال ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا﴾ أي المشركون المكذبون لرسولنا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ شمالاً وجنوباً ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ كقوم صالح وقوم هود، إنها كانت دماراً وخساراً ﴿وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ (١) قُوَّةً﴾ أي من هؤلاء المشركين اليوم قوة وقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ (٢) مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ﴾ أي لم يكن ليعجز الله شيء فيفوت الله ويهرب منه ولا يقدر عليه بل إنه غالب لكل شيء وقاهر له وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً﴾ تقرير لقدرته وعجز كل شيء أمامه، فإن العليم القدير لا يعجزه شيء بالاختفاء والتستر، ولا بالمقاومة والهرب.
وقوله تعالى ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ وهي الآية (٣) الأخيرة من هذا السياق (٤٥) أي ولو كان الله يؤاخذ الناس بذنوبهم فكل من أذنب ذنباً انتقم منه فأهلكه ما ترك على ظهر الأرض من نسمة ذات روح تدب على وجه الأرض، ولكنه تعالى يؤخر الظالمين ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً﴾ (٤) أي معين الوقت محدده إن كان في الدنيا ففي الدنيا، وإن كان يوم القيامة ففي القيامة. وقوله:
٢ - أي هبكم أنكم أقوى ممن كان قبلكم وأشد حيلة وتصرفاً في الحياة فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وذلك لعلمه وقدرته، إذاً فلا مهرب لكم منه إذا أراد إهلاككم.
٣ - قال ابن مسعود، يريد جميع الحيوان مما دبّ ودرج وقال قتادة وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام: قال ابن جرير هنا الناس وحدهم وهو كذلك.
٤ - قال مقاتل الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ وقيل هو يوم القيامة ولا منافاة بين القولين إذ يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية السير في الأرض للعبرة لا للتنزه واللهو واللعب.
٢- بيان أن الله لا يعجزه شيء وذلك لعلمه وقدرته وهي حال توجب الترهيب منه تعالى والإنابة إليه.
٣- حرمة استعجال العذاب فإن لكل شيء أجلاً ووقتاً معيناً لا يتم قبله فلا معنى للاستعجال بحال.
مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥)لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى
٢ - ورد في فضل هذه السورة حديث أبي داود عن معقل بن يسار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اقرأوا يس على موتاكم" ورود عن أبي الدرداء أو أم الدرداء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه، " وأخرج الدارمي عن أبي هريرة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة" وخرجه الحافظ أبو نعيم أيضاً.