تفسير سورة فاطر

القطان
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

فاطر السموات والأرض: خالقهما، فَطَرَ الشيءَ أوجده على غير مثال: رسلا: وسائط بينه وبين انبيائه يبلّغون عنه رسالاته. مثنى وثلاث ورباع: اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة اربعة، ما يفتح الله: ما يعطي الله. انى تؤفكون: كيف تُصرفون عن توحيد الخالق، وعن الحق الى الضلال.
الثناء الجميل والشكر لله تعالى، منشىء هذا الكون وما فيه من خلائق على غير مثال سابق، جاعل الملائكة رسُلا الى خلقه، ذوي اجنحة متعددة مختلفة. فهو ﴿يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ﴾ ان يزيدَ من الأعضاء، لا يعجزه شيء ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
ولأول مرة يأتي وصف للملائكة بأنهم أشكال، لهم اجنحة متعددة. وليس هذا بغريب، فان بعض المخلوقات لها عدد من الأرجل والاشكال. وفيما نشهده ونراه اشكال لا تحصى من الخلق، وما لا نعلم اكثرُ بكثيرٍ مما نعلم، ولا نعرف إلا القليل القليل عما هو موجود في هذا الكون: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الاسراء: ٨٥].
وبعد ان يقرر الله تعالى انه على كل شيء قدير - يوضح هنا ان كل شيء في هذا الكون بيده، يتصرف فيه كيف يشاء، فحين يفتح الله أبواب رحمته للناس لا يستطيع أحدٌ إغلاقها، ومتى أَمسكها فلا احد يستطع فتحها، فمفاتيحُ الخير ومغاليقه كلها بيده سبحانه وتعالى، ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ صاحب العزة والسلطان والحكمة.
روى ابن المنذر عن عامر بن عبد القيس قال: اربع يات من كتاب الله اذا قرأتُهن فما أبالي ما أُصبح عليه وأمسي:
١ - ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل لها من بعده.
٢ - وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو، وإن يردْك بخير فلا رادّ لفضله.... يونس: ١٠٧
٣ - سيجعل اللهُ بعد عسرٍ يسراً.... الطلاق ٧.
٤ - وما من دابةٍ في الأرض الا على الله رزقها... هود ٦
وهذا يعني ان عامر بن عبد القيس كان يقرأ هذه الآيات ويستأنس بها ويعمل بها.
ثم يؤكد الله تعالى في الآية الثالثة أنه الخالقُ الوحيد الذي يرزق عبادَه من السماء والارض، وانه لا اله الا هو، لذلك يجب على الناس جميعاً ان يذكروا نعمة الله عليهم ويحمدوه ويشكروه، ليحفظوا هذه النعم ويؤدوا حقها.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: هل من خالق غير الله بجرّ غيرِ، والباقون: غير بالرفع.
الغرور: بفتح الغين: الشيطان، وقد فسره في الآية التي بعدها. السعير: نار جهنم.
بعد ان قرر الله التوحيدَ وهو أصلُ الأصول في الايمان - ذكر هنا الأصلَ الثاني وهو الرسالة، وسلّى رسوله الكريم عن تكذيب قومه له بأنه ليس ببدعٍ بين الرسل، فقد كُذِّب كثيرٌ منهم قبله، فعليه ان يتأسّى بهم ويصبر على أذى قومه، والى الله مرجعُ الجميع.
ثم ذكر الأصل الثالث وهو البعثُ والنشور، وانه حق لا شك فيه... فلا تغرَّنكم الحياة الدنيا، فيذهلكم التمتعُ بها وبزخرفها عن طلب الآخرة، ولا يخدعنّكم الشيطان عن اتّباع الرسول، ان الشيطان لكم عدوٌّ قديم فلا تنخدعوا بوعوده، واحذروا منه واتخذوه عدوا حقيقيا.
﴿الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾
الذين كفروا من أتباعِ الشيطان واغتروا به هم أصحابُ النار، يقابلهم الذين آمنوا فلم ينخدعوا باقوال الشيطان، بل آمنوا بالله وعزّروا إيمانهم بالعمل الصالح... وهؤلاء اصحاب الجنة ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ من الله.
ثم بيّن البعدَ بين الفريقين: الضالين والمهتدين، واختلاف حالهم فقال:
﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾
أفمن زين له الشيطان عمله السيّء فرآه حسنا هو في الواقع كمن هداه الله فرأى الحسنَ حسنا والسيء سيئا؟ انهما لا يستويان أبدا.
﴿فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾
يضلّ من يشاء من الجاحدين الذين ارتضوا سبيل الضلال، ويهدي من يشاء ممن اختاروا سبيل الهداية.
ثم يخاطب الرسولَ الكريم حتى يسليه فيقول:
﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
فلا تُهلك نفسَك حزناً على الضالين الذين لم يؤمنوا وحسرةً عليهم، ان الله محيط علمه بما يصنعون من شر فيجزيهم به.
ارسل الرياح: أطلقها. تثير: تحرك. بلد ميت: لا نبات فيه. النشور: إحياء الاموات يوم القيامة. العزة: الشرف والمنعة. يبور: يفسد ويهلك من البوار وهو الهلاك. ازواجا: اصنافا، ذكورا واناثا. يعمّر: يمد في عمره: طال عمره.
الله الذي يرسل الرياحَ فتحرّك سحاباً كان ساكنا، فيسوقه الى بلدٍ ميتٍ لا نبات فيه، فيحيي به أرضَها بعد جدْبها ويبسها، كذلك يحيي الامواتَ ويبعثهم للحشر يوم القيامة.
من كان يريد الشرف والمَنَعة فإنهما لله جميعا يَهبُهما لمن يطيعه، إليه يرتفع الكلام الطّيب والعملُ الصالح فيقبلهما ويثيب عليهما، وللذين يمكرون ويدبّرون المكائد للمؤمنين عذابٌ شديد، أما تدبيرهم ومكرهم فهو فاسد لا قيمة له ولا يحقق غرضاً.
والله تعالى خلقكم ايها البشَر من تراب، ثم خَلَقَكم من نطفة هي الماء الذي يصبّ في الأرحام، ثم جعلكم ذكوراً واناثا. وما تحمل انثى ولا تضع حَملها الا بعلمه تعالى، وما يمد في عمرِ أحدٍ ولا ينقص من عمره الا مسجَّلٌ في كتاب، ومقرر في علم الله القديم.
﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ﴾.
قراءات:
قرأ ابن كثير والكسائي: الريح بالافراد. والباقون: الرياح بالجمع. وقرأ نافع وحمزة اولكسائي وحفص: الى بلد ميّت بتشديد الياء. والباقون ميت بسكون الياء. وقرأ يعقوب وحده: ولا ينقص بفتح الياء. وضم القاف. والباقون: ولا ينقص بضم الياء وفتح القاف.
العذب: الطيب السائغ من الماء والشرب والطعام والكلام. الفرات: الوافر والشديد العذوبة. سائغ: سهل المرور في الحلق. أُجاج: شديد الملوحة. حلية: كل ما يتحلى به الانسان من لؤلؤ ومرجان وغير ذلك. مواخر: جمع ماخرة تشق الماء حين جريانها. يولج: يدخل. القطمير: القشرة الرقيقة التي على نواة التمرة. يكفرون بشرككم: يجحدون باشراككم وعبادتكم لهم. ولا ينبئك مثل خبير: ولا يخبرك بالأمر مثل الخيبر به. ولا تزر وازرة وزر اخرى: لا تحمل نفس آثمة اثم نفس اخرى، يعني لا يحمل احد ذنب الآخر، الوزر: الذنب. المثقلة: النفس التي أثقلتها الذنوب. تزكى: تطهر من دنس الأوزار.
وما يستوي البحران: أحدُهما ماؤه عذْب شرابه سائغ يجري في الانهار المفيدة للناس فيحي الاقاليم والامصار، والثاني مالح ساكن تسير فيه السفن. ومن كلٍ منها تأكلون السمك الطري فضلا من الله، كما تستخرجون حلياً، كالدرّ والأصداف والمرجان وغيرها، وتجري السفن في كل منهما تشقه شقا لتطلبوا من فضل الله ما تحصلونه بالتجارة. ولعلّكم تشكرون لربكم هذه النعم.
إنه يُدخل الليلَ في النهار ويدخلُ النهارَ في الليل، وسخَّر الشمس والقمر كلٌّ يجري الى موعدٍ مقرر. والذي يصنع هذا كلَّه هو الله ربكم، له الملك التام والسلطان الملطق، أما لاذين تعبدونهم من الأصنام والأوثان فإنهم لا يملكون شيئا مهما كان صغيرا تافها.
وهذه الآلهة لا يسمعون ولا ينفعون ولا يضرّون، وان تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا دعاءَكم ما أجابوكم بشيء مما تطلبون. وهم ينكرون اشراككم لهم مع الله يوم القيامة.
﴿وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
ولا يخبرك الحقيقة الا الخبير العليم، الله تعالى:
يا ايها الناس: انتم الفقراء المحتاجون إلى الله في كل شيء والله هو الغني عن خلقه المستحق للحمد على كل حال.
والله إن شاءَ يهلككم ويأتي بخلْقٍ جديد يطيعونه ويؤمنون به، وليس هذا على الله بمستحيل.
ثم أخبرَ عن أحوال يوم القيامة فقال:
﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾
في ذلك اليوم العصيب يكون كلُّ انسان مسئولا عن اعماله وعن نفسه، فلا تحمل نفسٌ مذنبةٌ ذَنْبَ نفس اخرى.
وان تسأل نفسٌ ذاتُ حَملٍ ثقيل أحداً أن يحمل عنها بعض ذنوبها لن تجد من يجيبها أو يحمل عنها شيئا، وذلك لانشغال كل انسان بنفسه. ﴿لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٧] ثم سلّى رسول الله ﷺ على عدم قبولهم دعوتَه وإصرارهم على عنادهم فقال:
﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير﴾
لا تحزن ايها النبي لعنادِ قومك، انماينفع تحذيرُك الذين يخافون ربهم ويقيمون الصلاة، ومن تطهَّرَ فانما يتطهر لنفسه، والى الله المرجع في النهاية.
استوى هذا وذاك: تساويا. الظل: الفيء جمعه ظلال. الحرور: الريح الحارة، السموم. خلا: سلف ومضى. الزُّبُر: مفردها زبور: الكتب. نكيري: انكاري لعملهم. جدد: واحدها جدة، وهي الطرق المختلفة الألوان في الجبل ونحوه. غرابيب: واحدها غربيب وهو شديد السواد.
ليس يتساوى الأعمى الذي لا يهتدي والبصيرُ الذي آمن واهتدى، ولا ظلمات الكفر مع نور الايمان، وما يستوي أحياءُ القلوب بالإيمان بالله ورسوله مع أمواتِ القلوب بالكفر والعناد. ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا؟﴾ [الأنعام: ١٢٦].
﴿إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ﴾ ان الهداية والتوفيق بيده سبحانه. ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور﴾ جعل الله المشركين كالأموات الذين في القبور لا يسمعون. وما انت ايها لرسول الا نذير تبلّغ وتنذر.
إنا أرسلناك أيها الرسول بالإيمان بي وحدي مبشراً بالجنة من صدَّقك، ومنذرا بالعقاب من كذَّبك، وما من أمة من الأمم الماضية الا جاءها من عند الله من ينذرها. وإن يكذَّبْك قومك فقد كذّب الذين من قبلهم رسُلهم حين ﴿جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير﴾.
ثم أخذتُ الذين كفروا أخذاً شديدا، فانظر كيف كان إنكاري لعملهم وغضبي عليهم!!
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾
الم تشاهد أيها الرائي أنا خلقنا الاشياءَ المختلفة من الشيء الواحد، فأنزلنا من السماءِ ماءً وأخرجنا به ثمراتٍ مختلفةً ألوانُها وطعمها ورائحتها.
﴿وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾
وخلق في الجبال طرقاً بيضاً وحمرا وذات الوان اخرى، وجعل منها جبالاً سودا حالكة.
هذا كما خلق من الناس والدوابّ والإبل والبقر والغنم الواناً مختلفة كذلك في الشكل والحجم واللون.
ولم عدّد الله آياتِه وأعلامَ قدرته وآثارَ صنعه بيّن انه لا يعرف ذلك حقَّ المعفرة الا العلماءُ بأسرار الكون، العالمون بدقائق صنعه، فهم الذين يخشون ربهم حقَّ الخشية:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.
يتلون كتاب الله: يقرأونه ويتّبعونه. يرجون تجارةً لن تبور: مغفرة من الله لن تكسد. الكتاب: القرآن. مقتصد: عاملٌ به تارةً ومخالف له اخرى. سابق: متقدم الى ثواب الله. جنات عدْن: جنات الاقامة. أذهَبَ عنا الحزن: الخوف. دار المقام: دار الاقامة، دار الخلود، وهي الجنة. النصَب: التعب. اللغوب: الفتور والكلال.
ان الذين يقرأون كتاب الله، فيعملون به، قد أقاموا الصلاة على وجهها، وانفقوا مما رزقناهم على المحتاجين والمصالح العامة وفي سبيل الله، سرا وجهرا يتاجرون تجارة رابحة عند الله لا تكسد، وسيوفّيهم الله أجورهم ويزيدهم من فضله ﴿إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.
ثم اشار الى طبيعة الكتاب، وما فيه من الحق، تمهيداً للحديث عن ورثة هذا الكتاب:
﴿والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي لما سبقه في العصور من الكتب المنزلة على الرسل قبلك، أنها من نبع واحد، ﴿إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.
ثم جعلْنا هذا الكتابَ ميرثاً للذين اخترناهم من عبادنا، فكانوا فئات ثلاثاً: فمنهم ظالمٌ لنفسه بغَلَبة سيئاته على حسناته، ومنه مقتصد لم يسرف في السيئات ولم يكثر من الحسنات، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله.
﴿ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير﴾ ذلك الميراث والاصطفاء فضل عظيم من الله لا يقدَّر قدره.
ثم بين جزاءهم ومآلهم بقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾.
ويقولون عند دخولهم الجنة: الحمدُ لله الذي أذهبَ عنا الخوفَ من كل ما نحذر. ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ أنزَلَنا دار النعيم الدائم من فضله لا يصيبنا فيه تعبٌ ولا يمسّنا فيها إعياءٌ ولا فتور.
قراءات:
قرأ ابو عمرو: يدخَلونها بضم الياء وفتح الخاء، والباقون يدخلونها بفتح الياء وضم الخاء.
لا يقضي عليهم: لا يحكم عليهم بموت ثان. يصطرخون: يصيحون أشد الصياح للاستغاثة.
نعمّركم: نمهلكم. خلائف: جمع خليف وهو الذي يخلق من قبله.
ثم بيّن حال الجاحدين الكافرين وما ينتظرهم من عذاب فقال:
﴿والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا﴾
هؤلاء الذين لم يؤمنوا واستمرّوا على عنادهم وجحودهم سيكون مقامُهم في نارِ جهنّم يعذَّبون فيها لا يموتون، ولا يخفف عنهم العذاب.
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ هذا جزاء كل من يكفر.
وهم من شدة العذاب يستغيثون فيها قائلون: ربنا، أخرِجنا من النار حتى نعملَ صالحاً غير الذي كنا نعمله في الدنيا، فيقول لهم:
﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾
ألم نمكّنكم من العمل ونُطِلْ أعماركم زمنا يمكن فيه التدبر لِمَنْ يريد ذلك؟ لقد جاءكم الرسول يحذّركم من هذا العذاب.... فذوقوا في جهنم جزاء ظُلمكم ومخالفتكم للانبياء في حياتكم الدنيا. ﴿فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾.
ان الله مطلع على كل غائب في السموات والأرض، لا يغيبُ عن علمه شيء، ولو أجابكم وأعادكم الى الدنيا لعُدتم الى ما نهاكم عنه ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾.
والله هو الذي جعل بعضكم يخلُفُ بعضاً في تعمير الأرض وتثميرها، فمن كفر بالله فعليه وِزْرُ كفرِه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتا وبغضا.
قراءات:
قرأ ابو عمرو وحده: كذلك يجزي كل كفور بضم الياء وفتح الزاي. والباقون: نجزي بفتح النون وكسر الزاي.
أرأيتم: أَخبروني. ام لهم شِرك: ام لهم شركة. يمسك: يحفظ. جهد ايمانهم: بالغو في ايمانهم. نفورا: تباعد.
أخبِروني ايها المشركون عن شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله، ماذا خلقوا؟ ألهم شركة مع الله في خلق السموات؟ أم أعطيناهم كتابا ينطق بأنّا اتخذناهم شركاءَ، فهم على حجة ظاهرة من ذلك الكتاب
﴿بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً﴾
ان وعد بعضهم لبعض أن الآلهة التي يعبدونها من دون الله ستشفع لهم - هو كذب وغرور.
ان الله يحفظ السمواتِ من الخلل او من الزوال، بنظام دقيق. ولو انها زالت لما كان هناك احد في الكون يمنعها الا الله.
﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ يحلم وينظِر، ويؤجّل ولا يعجّل، ويستر ويغفر.
﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾
أقسم المشركون بالله باغلظ الايمان، وبالغوا فيها اشد المبالغة، لئن جاءهم رسول ينذرهم ليكونُنّ اكثر هداية من كل امة من الأمم التي خلت من قبلهم.
﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾
فلما جاءهم رسول منهم ينذرهم ما زادهم مجيئه وانذارُه ونصحه الا نفورا عن الحق. ﴿استكبارا فِي الأرض وَمَكْرَ السيىء وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾
لقد نفروا استكبارا في الأرض وأنفة من الخضوع للرسول الكريم وللدينِ الذي جاء به، ومكروا مكرا سيئا، ولا يحيط شرر المكر السيء الا بأهله الذين دبروه.
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً﴾
هل ينتظر هؤلاء المشركون الا ما جرت به سنّة الله في الذين سبقوهم، وسنّةُ الله في معاملة الأمم لن تتبدل، ولن تتحول.
قراءات:
قرأ ابن كثير وابو عمرو وحفص: على بينة بالافراد والباقون: على بينات بالجمع.
الدابة: كل حيوان يدب على الأرض بما فيه الانسان.
أوَلَم يَسِرْ هؤلاء المشركون أثناء رضحلاتهم الى الشام ويروا الأرض التي اهلكنا فيها أهلَها بكفرهم وجعلناهم مثلاً لمن بعدهم. لقد كان أولئك أقوى منهم واغنى فلم تمنعهم قوتهم من عذاب الله.
﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً﴾
وهذا تهديدٌ لهم أنهم إذا ساروا على تمرّدِهم وعنادهم فمصيرهم مصيرُ منسبقَهم، وان هذا سهلٌ عليه، ولا يُعجِزه شيء يريده في هذا الكون الكبير كله.
ولو يؤاخذ الله الناس بما يكسبونه من آثام وما يجرّونه على أنفسهم من الفتن، ما تَرَكَ على ظهر الأرض دابةً تدبّ عليها، ولكنه يؤخرهم الى يوم الحساب والجزاء، فإذا جاء موعدُهم هذا فسيجازيهم بكل ما عملوا ولا يفلِتُ من حسابه احد، إنه باعمال عباده بصير لا يخفى عليه شيء.
Icon