تفسير سورة فاطر

إيجاز البيان
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان .
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

ومن سورة الملائكة
١ مَثْنى وَثُلاثَ: هذه الأوزان لتكرير تلك الأعداد ولذلك عدل عن البناء الأول «١»، ف ثُلاثَ هي ثلاث ثلاث فتكون ثلاثة أجنحة من جانب ومثله من جانب فيعتدل، فلا يصح قول الطاعن: إنّ صاحب الأجنحة الثلاثة لا يطير ويكون كالجادف. أو يجوز أن يكون موضع الجناح الثالث بين الجناحين فيكون عونا لهما فتستوي القوى والحصص.
٣ هَلْ مِنْ خالِقٍ: لا أحد يطلق له صفة خالق، أو لا خالق على هذه الصّفة إلّا هو.
٥ الْغَرُورُ: الشّيطان «٢». ويقرأ «الغرور» «٣» أي: الأباطيل، جمع «غار» ك «قاعد» و «قعود» «٤».
(١) البناء الأول هو اثنان، ثلاثة، أربعة...
وانظر المعنى الذي ذكره المؤلف في الكشاف: ٣/ ٢٩٨، والمحرر الوجيز: (١٢/ ٢١٣، ٢١٤)، وتفسير القرطبي: ١٤/ ٣١٩.
(٢) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: ٢٢/ ١١٧ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: ١٢/ ٢١٧، وابن كثير في تفسيره: ٦/ ٥٢١ عن ابن عباس أيضا.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٢٦٣، وتفسير البغوي: ٣/ ٥٦٥، وتفسير القرطبي: ١٤/ ٣٢٣.
(٣) بضم الغين المعجمة، وتنسب هذه القراءة إلى أبي حيوة، وأبي السّمال العدوي، ومحمد بن السميفع، وسماك بن حرب.
انظر إعراب القرآن للنحاس: ٣/ ٣٦١، وتفسير القرطبي: ١٤/ ٣٢٣، والبحر المحيط:
٧/ ٣٠٠.
(٤) عن معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٢٦٣.
١٠ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: التوحيد والعمل الصالح يرفعه، أي:
[٨٠/ أ] يرتفع الكلم الطّيّب بالعمل الصالح «١»، أو العمل الصالح يرفعه/ الكلم الطّيّب «٢» إذ لا يقبل العمل إلّا من موحد.
١١ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ: أي: من عمر آخر غير الأول كقولك: عندي درهم ونصفه «٣»، بل لا يمتنع أن يزيد الله في العمر أو ينقصه. كما روي «٤» أنّ صلة الرحم تزيد في العمر. على أنّ الأحوال مستقرة في سابق العلم.
١٣ قِطْمِيرٍ: لفافة النّواة «٥»، والنّقير «٦» : النقرة التي في ظهرها،
(١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٢٢/ ١٢١ عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره:
٣/ ٣٧٠ عن سعيد بن جبير، والضحاك.
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: ٢/ ١٦٨ عن مجاهد.
وأورده البغوي في تفسيره: ٣/ ٥٦٦، وقال: «وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير والحسن، وعكرمة، وأكثر المفسرين».
(٢) ذكره الفراء في معانيه: ٢/ ٣٦٧، والطبري في تفسيره: ٢٢/ ١٢٠.
ونقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ٣٧٠ عن يحيى بن سلام، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: ٦/ ٤٧٨، وقال: «وبه قال أبو صالح وشهر بن حوشب».
(٣) عن معاني القرآن للفراء: ٢/ ٣٦٨، ونص كلامه: ما يطوّل من عمر، ولا ينقص من عمره، يريد آخر غير الأول، ثم كنى عنه بالهاء كأنه الأول. ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفه، يعني نصف آخر، فجاز أن يكنى عنه بالهاء، لأن لفظ الثاني كلفظ الأول، فكنى عنه ككناية الأول».
(٤) أخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله ﷺ قال: «من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه».
صحيح البخاري: ٣/ ٨، كتاب البيوع، باب «من أحب البسط في الرزق».
صحيح مسلم: ٤/ ١٩٨٢، كتاب البر، باب «صلة الرحم وتحريم قطعها».
(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣٦٠، وتفسير الطبري: ٢٢/ ١٢٥، ومعاني الزجاج:
٤/ ٢٦٦، والمفردات للراغب: ٤٠٨.
قال ابن قتيبة- رحمه الله-: «وهو من الاستعارة في قلة الشيء وتحقيره».
(٦) وردت هذه اللفظة مرتين في سورة النساء في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً آية: ٥٣.
وفي قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [آية: ١٢٤].
وانظر معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٢٦٦، والمفردات للراغب: ٥٠٣. [.....]
والفتيل «١» : الذي في وسطها.
١٤ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ: بعبادتكم إياهم.
٢٧ جُدَدٌ: طرائق، جمع «جدّة» ك «مدة» ومدد «٢».
والمقتصد «٣» : المتوسط في الطاعة، والسّابق: أهل الدرجة القصوى منها، والظالم: مرتكب الصغيرة «٤»، كقوله في الآية الأخرى «٥» : وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ فكان لهؤلاء الجنّة.
قال عمر- رضي الله عنه- «٦» :«سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج،
(١) من قوله تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: ٤٩]، ومن قوله تعالى:
قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: ٧٧]، وقوله تعالى: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [الإسراء: ١٧].
وانظر المفردات للراغب: ٣٧١.
(٢) معاني القرآن للفراء: ٢/ ٣٦٩، وغريب القرآن لليزيدي: ٣٠٩، وتفسير غريب القرآن:
٣٦١، وتفسير الطبري: ٢٢/ ١٣١.
(٣) في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [آية: ٣٢].
(٤) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ٣٧٦، وابن الجوزي في زاد المسير: ٦/ ٤٨٩، والقرطبي في تفسيره: ١٤/ ٣٤٦، ويكون الضمير في قوله تعالى: يَدْخُلُونَها عائدا على الأصناف الثلاثة، ولا يكون الظالم هاهنا كافرا ولا فاسقا.
قال القرطبي رحمه الله: «وممن روي عنه هذا القول عمر، وعثمان، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وعقبة بن عمرو وعائشة»
.
وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٦/ ٥٣٣ الاختلاف في هذه الآية، ثم قال: «والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله ﷺ من طرق يشد بعضها بعضا... » اه-.
وأورد طائفة من الآثار للدلالة على هذا القول.
(٥) سورة فاطر: آية: ٣٦.
(٦) أخرجه البغوي في تفسيره: ٣/ ٥٧١ عن عمر رضي الله تعالى عنه ورفعه. وأورده الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف: ١٣٩ وعزاه إلى البيهقي في «الشعب» من رواية ميمون بن سياه عن عمر رضي الله عنه مرفوعا، وقال الحافظ: «وهذا منقطع، وأخرجه الثعلبي، وابن مردويه من وجه آخر عن ميمون بن سياه عن أبي عثمان النهدي عن عمر، فيه الفضل بن عميرة، وهو ضعيف. ورواه سعيد بن منصور عن فرج بن فضالة عن أزهر بن عبد الله الحرازي عمن سمع عمر، فذكره موقوفا» اه-.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٧/ ٢٥، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في «البعث» عن عمر رضي الله عنه موقوفا.
و المقتصد : المتوسط في الطاعة.
و السابق : أهل الدرجة القصوى منها.
و الظالم٢ : مرتكب٣ الصغيرة لقوله٤ في الآية الأخرى :﴿ و الذين كفروا لهم نار جهنم ﴾ فكان لهؤلاء الجنة. قال عمر :( سابقنا سابق، و مقتصدنا ناج، و ظالمنا مغفور له ) ٥.
وظالمنا مغفور له».
٤٥ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ: لأنّها خلقت للنّاس.
ومن سورة يس
٦ ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ: يجوز ما نافية، ويجوز بمعنى «الذي» «١» أي:
لتخوفنّهم الذي خوّف آباؤهم لأنّ الأرض لا تخلو من حجة.
٨ إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ: هي صورة عذابهم، أو مثل امتناعهم عن الإيمان كالمغلول عن التصرف «٢».
وفي حديث النساء «٣» :«منهن غلّ قمل» فإنّه إذا يبس الغلّ قمل في
(١) معاني القرآن للأخفش: ٢/ ٦٦٦، ومعاني القرآن للزجاج: ٤/ ٢٧٨، وإعراب القرآن للنحاس: ٣/ ٣٨٣، والتبيان للعكبري: ٢/ ١٠٧٩.
(٢) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: ٣/ ٣٨٣ عن يحيى بن سلام، وذكره البغوي في تفسيره: ٤/ ٦، وابن الجوزي في زاد المسير: ٧/ ٦، ونقله القرطبي في تفسيره: ١٥/ ٨ عن يحيى بن سلام، وأبي عبيدة.
(٣) هو من حديث عمر رضي الله عنه كما في غريب الحديث لابن قتيبة: (١/ ٦٠٢، ٦٠٣)، ولفظ الحديث: «النساء ثلاث، فهينة لينة، عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غل قمل، يضعه الله في عنق من يشاء، ويفكه عمّن يشاء... ».
قال ابن قتيبة: «قوله: «غل قمل»، الأصل فيه أنهم كانوا يغلون بالقدّ وعليه الشعر فيقمل على الرجل».
وانظر الحديث ومعناه في الفائق: ٤/ ١٢٢، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ١٦١، والنهاية: ٣/ ٣٨١.
Icon