وآياتها خمس وأربعون
كلماتها ٧٧٧- حروفها ٣١٣٠.
ﰡ
﴿ أولي ﴾ ذوي، وأصحاب.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير١ ﴾
الله تعالى المعبود بحق هو دون سواه المستحق للشكر على إنعامه، والحمد لجزيل فضله ورفيع مقامه، فهو- تبارك اسمه- شق السماوات والأرض وابتدأهما، وأوجدهما على غير مثال سبق، وهو خالق الملائكة يرسل من شاء منهم إلى من يريد- سبحانه- من عباده يبلغون وحيه وينفذون أمره، ومن هؤلاء الملائكة الكرام ملائكة ذوو جناحين، منهم ذوو ثلاثة أجنحة، ومنهم ذوو أربعة أجنحة، ومنهم أصحاب أجنحة أكثر-﴿ يزيد في الخلق ما يشاء ﴾ وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء، ونقصانه عن الآخر ما أحب، وكذلك في جميع خلقه، يزيد ما يشاء في خلق ما يشاء منه، وينقص ما شاء من خلق ما شاء، له الخلق والأمر، وله القدرة والسلطان، ﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾ يقول : إن الله تعالى ذكره قدير على زيادة ما شاء من ذلك فيما شاء، ونقصان ما شاء منه ممن شاء، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده سبحانه وتعالى-١.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن في معنى قول المولى جل وعز :﴿ يزيد في الخلق ما يشاء ﴾ والظاهر أنه عام يتناول كل زيادة في كل أمر يعتبر في الصورة كحسن الوجه والخط ونحوهما، أو في المعنى كحصانة العقل، وجزالة الرأي، وسماحة النفس، وذلاقة اللسان، وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة. اه
﴿ العزيز ﴾ الغالب على كل ما يشاء، المنيع جنابه، الذي لا نظير له.
﴿ الحكيم ﴾ بالغ الحكمة، كل فعله موافق للحق والصواب.
﴿ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم٢ ﴾
الخالق المنشئ البارئ المصور، هو المالك لكل الخلق والمدبر أمر الكون، وهو الرب الذي يعطي ويمنع، ويقدر وييسر، وهو غالب على كل ما يشاء، لا يغلب على شيء أراده، فلا ند له ولا ضد، وكل فعله موافق للحكمة والصواب والحق.
[ واختلاف الضميرين١ لما أن مرجع الأول مبين بالرحمة، ومرجع الثاني مطلق يتناولها وغيرها، وفي ذلك مع تقديم فتح الرحمة إشعار بأن رحمته تعالى سبقت غضبه عز وجل كما ورد في الحديث الصحيح ]٢.
وقريب من معنى هذه الآية قول العلي الكبير سبحانه :) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله.. ( ٣ وقوله جل وعز : ، (.. قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون( ٤ ) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير( ٥، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول :" سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
ومما أورد صاحب جامع البيان : وقوله :﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾ يقول : وهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته، الحكيم في تدبير خلقه وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة. اه.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
٣ سورة يونس. من الآية ١٠٧..
٤ سورة الزمر. من الآية ٣٨..
٥ سورة الأنعام. الآية ١٧..
﴿ تؤفكون ﴾ تصرفون.
﴿ يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ٣ ﴾
نداء إلى الناس أن يذكروا النعمة فيشكروا المنعم، وما دام هو المتفرد بالإيجاد والتدبير، والمنع والمنح والعطاء، فليفرد بالتقديس والعباد والدعاء، وما ينبغي لعاقل أن ينصرف إلى عبادة ما يخلق من شركاء.
-ولما كانت نعم الله تعالى مع تشعب فنونها منحصرة في نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء نفى سبحانه أن يكون في الوجود شيء غيره سبحانه يصدر عنه إحدى النعمتين بطريق الاستفهام الذي هو لإنكار التصديق، وتكذيب الحكم، فقال عز وجل :﴿ هل من خالق غير الله.. ﴾-١.
و﴿ غير ﴾ مرفوعة على أنها نعت على موضع ما قبلها، لأن المعنى : هل خالق غير الله يرزقكم ؟ ! وتكون﴿ من ﴾ لتوكيد المعنى، أو تكون﴿ هل ﴾ بمعنى : ما، فيصير التقدير : ما من خالق إلا الله، ما خالق غير الله. ﴿ يرزقكم من السماء والأرض ﴾ يأتينا رزقه سبحانه من أي صوب شاء، من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، من فوقنا ومن تحت أرجلنا، [ ﴿ يرزقكم من السماء ﴾ أي المطر، ﴿ والأرض ﴾ أي النبات. ]٢.
٢ ما بين العلامتين[ ] من الجامع لأحكام القرآن..
تثبيت لفؤاد النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم لكيلا يأسى على ضلال المشركين، وغواية المبطلين الكافرين، فهكذا مضى مثل الأولين :)ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله.. ( ١- وإلى الله مرجع أمرك وأمرهم، فمحل بهم العقوبة إن لم ينيبوا إلى طاعتنا في اتباعك والإقرار بنبوتك، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة، نظير ما أحللنا بنظرائهم من الأمم المكذبة رسلها قبلك، ومنجيك وأتباعك من ذلك، سنتنا بمن قبلك في رسلنا وأوليائنا –٢.
٢ مابين العارضتين من جامع البيان..
ختمت الآية السابقة بأن مرد الأمور ومصيرها، ونهايتها وعاقبتها لله الذي لا ينبغي أن يعبد سواه، ثم جاءت هذه الآية تنادي الناس إلى اليقين بهذا المآل، وأن ما وعد ربنا كائن لا محالة، ).. له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك.. ( ١ وعنده ثواب العاجلة والآجلة، فلا تخدعنكم المعيشة الدنيئة، ولا تلهينكم ولا تطغينكم الزهرة الفانية، ولا يفتنكم الشيطان عن الإذعان للملك الديان، إن إبليس لكم أنكى عدو معاند، يسعى في خبالكم، ومن قبل أقسم ليهلكنكم :).. لأحتنكن ذريته إلا قليلا( ٢ لم يكفه إخراج أبينا آدم عليه السلام من الجنة لكنه حلف ليقعدن لنا كل مرصد :)قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين( ٣. )قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين( ٤ )قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا. واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا( ٥. ﴿ فاتخذوه عدوا ﴾ بمخالفته، والحذر من وسوسته، ومن قبل ذلك عوذوا بالله من شره، واستديموا العبودية لله تعالى واستكثروا من ذكره، فإن هؤلاء- بعصمة المولى القدير- مصروف عنهم كيد إبليس، )إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون( ٦، أولئك :)استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون( ٧، فلن ينالوا باتباعه إلا الهوان والخسران، وحر السعير وحريق النيران، وهكذا مصير المجرمين والكافرين، أما الصالحون المؤمنون فإن التواب الرحيم يتوب عليهم، ويتجاوز عن سيآتهم، ويستر ما كان زللهم، ويتقبل عنهم صالح عملهم، ويزيدهم في الأجر إحسانا فوق إحسانهم.
يأيها الناس إن وعد الله إياكم على إصراركم على الكفر به وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذيركم نزول سطوته بكم على ذلك حق، فأيقنوا بذلك، وبادروا حلول عقوبته بكم بالتوبة والإنابة إلى طاعة الله والإيمان به وبرسوله.
﴿ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ﴾ يقول : فلا يغرنكم ما أنتم فيه من العيش في هذه الدنيا...
٢ سورة الإسراء. من الآية ٦٢..
٣ سورة الأعراف. الآيتان: ١٦، ١٧..
٤ سورة ص. الآيتان: ٨٢، ٨٣..
٥ سورة الإسراء. الآيتان: ٦٣، ٦٤..
٦ سورة النحل. الآيتان: ٩٩، ١٠٠..
٧ سورة المجادلة. الآية ١٩..
قال ابن السماك : ياعجبا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه، وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته، اه
ربما يكون الاستفهام هنا بمعنى النفي فكأن التقدير : ليس من زين له عمله القبيح فرآه حسنا مثل من سرته حسنته وساءته سيئته، ورأى الحق حقا والباطل باطلا ! لا يستويان ! نقل عن الكسائي وغيره :﴿ من ﴾ في موضع رفع بالابتداء، وخبره محذوف، والذي يدل عليه قوله تعالى :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ أي لا تهلك نفسك وتقتلها تحسرا على ضلالهم، فكأن المعنى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات، ومما نقل عن النحاس : والمعنى أن الله عز وجل نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم، وهم- كما قال الكلبي- : كفار قريش، ويكون﴿ سوء عمله ﴾ الشرك.
مما أورد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره : يقول تعالى ذكره : أفمن حسن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به وعبادة مادونه من الآلهة والأوثان﴿ فرآه حسنا ﴾ فحسب سيء ذلك حسنا، وظن أن قبحه جميل، لتزيين الشيطان ذلك له، ذهبت نفسك عليهم حسرات. وحذف من الكلام ذهبت نفسك عليهم حسرات اكتفاء بدلالة قوله :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ منه، قوله :﴿ فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ يقول : يحول من يشاء عن الإيمان به واتباعك وتصديقك فيضله عن الرشاد إلى الحق في ذلك، ﴿ ويهدي من يشاء ﴾ يقول : ويوفق من يشاء للإيمان به واتباعك والقبول منك فتهديه إلى سبيل الرشاد... ﴿ إن الله عليم بما يصنعون ﴾.. إن الله يا محمد ذو علم بما يصنع هؤلاء الذين زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وهو محصيه عليهم ومجازيهم به جزاءهم. اه
-أكد كونه فاعلا مختارا، قادرا قهارا، مبدئا معيدا-١ الله ذو الجلال المستحق للعبادة دون من سواه هو الذي يسير الرياح ويسخرها ويوجهها حيث يشاء فتحمل سحابا يحمل الغيث والسقيا، ينزل الله تعالى مطره ورحمته على البلد المجدب الأهل، الممحل الأرض، الداثر الذي لا نبت فيه ولا زرع، فيحيي بغيث ذلك السحاب الأرض التي أراد، فإذا هي بعد همودها تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، كذلك الإحياء بعد الإقواء ينشر الله تعالى الموتى بعد الفناء، )ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ( ٢ ( فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير )٣، )ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. والنخل باسقات لها طلع نضيد. رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج( ٤[ وصيغة المضارع في قوله تعالى :﴿ فتثير سحابا ﴾ لحكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ]٥.
٢ سورة فصلت. الآية ٣٩..
٣ سورة الروم. الآية ٥٠..
٤ سورة ق. الآيات: ٩، ١٠، ١١..
٥ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
﴿ يبور ﴾ يفسد ويهلك، أو يكسد.
﴿ العزة ﴾ العلو والمنعة.
﴿ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيآت لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ١٠ ﴾
نسب إلى قتادة : الآية في الكافرين كانوا يتعززون بالأصنام، كما قال تعالى :)واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا( ١، والمنافقون كانوا يتعززون بالمشركين. كما قال سبحانه :)الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبغون عندهم العزة.. ( ٢. اه
وهكذا فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز... )وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين( ٣ )ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.. )٤وطريق تحصيل العزة وسلوك السبيل إلى نيلها هو الطاعة لله ولرسوله قولا وعملا.
-ثم إن الكفار كأنهم قالوا : نحن لا نعبد من لا نراه ولا نحضر عنده، فإن البعد من الملك ذلة فقال :﴿ إليه يصعد ﴾ أي إن كنتم لا تصلون إليه فهو يسمع كلامكم، ويقبل الطيب.. وذلك آية العزة، وأما هذه الأصنام فلا يتبين عندها الذليل من العزيز، إذ لا حياة لها ولا شعور، وهكذا العمل الصالح لا تراه هذه الأصنام، فلا يمكن لها مجازاة الأنام، وفاعل قوله :﴿ يرفعه ﴾ إن كان هو الله فظاهر، وإن كان الكلم، أعني قوله : لا إله إلا الله فمعناه أنه لا يقبل عمل إلا من موحد، وإن كان هو العمل فالمعنى : أن الكلم وهو كل كلام فيه ذكر أو رضاه يريد الصعود إلى الله إلا أنه لا يستطيع الصعود ولا يقع القبول إلا إذا كان مقرونا بالعمل الصالح.... وحين بين حال العمل الصالح ذكر أن المكرات السيئات بائرة كاسدة لا حقيقة لها، ولعله أشار بها إلى مكرات قريش المذكورات في قوله :)وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك.. ( ٥ جمع الله مكراتهم فقلبها عليهم حين أوقعهم في قليب بدر-٦.
٢ سورة النساء. من الآية ١٣٩..
٣ سورة آل عمران. من الآية ١٣٩..
٤ سورة المنافقين. من الآية٨..
٥ سورة الأنفال. من الآية ٣٠..
٦ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
﴿ نطفة ﴾ الماء الدافق الذي يخرج عند قضاء الشهوة.
أزواجا } أصنافا ذكرانا وإناثا.
﴿ تضع ﴾ تلد.
﴿ كتاب ﴾ اللوح المحفوظ.
﴿ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ١١ ﴾
في الآية التاسعة :﴿ والله الذي أرسل الرياح.. ﴾ بين الله الحكيم برهانا آفاقيا في آفاق الكون، وفي هذه الآية المباركة يعلمنا برهانا من أنفسنا نتأمله فنرى فيه آية من آيات قدرة ربنا وحكمته، ولطفه وعلمه ونافذ إرادته، فأبونا آدم عليه السلام أصل البشرية خلقه مولانا البارئ المصور من تراب، وخلق أبينا أبي الإنسانية سبب لخلق الناس جميعا، ثم جعل سبحانه نسل هذا الجنس الآدمي من نطفة، وخلق بني البشر أصنافا، ذكرانا وإناثا، وهيأهم ومنّ عليهم أن يتزوج رجالهم من نسائهم، فهي منة من ربنا وعلامة على بديع صنعه، وعزيز تدبيره، يقول الحق جل علاه :)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( ١، ويجعل من هذا التزاوج- إذا أراد – ذرية وعقبا ونسلا :).. يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما.. ( ٢، وما يبدأ حبل ولا يكون حمل المرأة إلا إذا كان قد سبق هذا في علم الله، وما يزاد في عمر معمر ولا ينتقص من عمر إلا كما سبق به مراد ربنا، وسطر في اللوح المحفوظ، وذلك على القوي القدير هين يسير، يقول مولانا العليم الخبير :)يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر.. ( ٣، والذي شهدت الدلائل وقام البرهان على تفرده بالخلق والإيجاد، وليس بعسير عليه إحياء الناس ونشرهم يوم التناد.
نقل عن سعيد بن جبير ما حاصله : ما مضى من أجله فهو النقصان، وما يستقبل فهو الذي يعمره، فالهاء على هذا للمعمر، وعنه أيضا : يكتب عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب.. ذهب يوم، ذهب يومان.. اه.
ومما أورد القرطبي : وقيل : إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو كتاب. وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام :" من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره٤ فليصل رحمه " أي أنه يكتب في اللوح المحفوظ : عمر فلان كذا سنة، فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة... والكناية على هذا ترجع إلى العمر. اه
ومما نقل ابن جرير الطبري : عن ابن عباس.. يقول : ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر... وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر.. كل ذلك في كتاب عنده.. ثم أورد رأيا لآخرين، ثم قال : وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب التأويل الأول.. اه
٢ سورة الشورى. من الآية ٤٩، ومن الآية ٥٠..
٣ سورة الحج. من الآية ٥..
٤ يبقى نفع عمله بعدد انقضاء أجله، أو يزاد في عمره بالصلة – مالو قطع لانقطعت..
﴿ فرات ﴾ كاسر العطش مزيله.
﴿ أجاج ﴾ شديد الملوحة والمرارة.
﴿ لحما طريا ﴾ سمكا.
﴿ حلية تلبسونها ﴾ لؤلؤا ومرجانا.
﴿ الفلك ﴾ السفن.
﴿ حواجز ﴾ جاريات تشق صفحة مائه.
﴿ لتبتغوا ﴾ لتطلبوا.
﴿ من فضله ﴾ مما يتفضل عليكم به من رزق.
﴿ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ١٢ ﴾
وحجة بالغة على بديع صنع ربنا، وعظيم فيضه، فما يعتدل البحران فيستويان، فهل النهر الذي طاب ماؤه وعذب، يروي عطش الإنسان ويزيله، ويحيا به النبات والحيوان، يستوي مع البحر الذي ملح ماؤه واشتدت مرارته ؟ لا يستويان ! فمن الذي أودع هذا عذوبته، وأعطى ذلك ملوحته ؟ إنه الله جل علاه ! ومع التضاد في مذاقهما، والتنافي في أثرهما، فمن كليهما نأخذ السمك الطري، ذا اللحم الشهي، ومن العذب والملح نستخرج اللؤلؤ والمرجان، وهما من أنفس الحلي، تلبس ويزدان بها، وعلى صفحة النهر وثبج البحر تحمل السفن، وتجري وتشق ماءهما، لنركبها فنطلب علما، أو نصل رحما، أو نهزم عدوا، أو نلتمس معايش وعملا، وتجارة ورزقا، ورجاء أن يعقبنا هذا إقرارا بنعمة ربنا وحمدا، وعرفانا بفضله وشكرا.
[ وأفرد ضمير الخطاب-﴿ وترى ﴾- مع جمعه فيما سبق- :﴿ تأكلون ﴾- وما لحق- :﴿ لتبتغوا ﴾- لأن الخطاب لكل أحد تتأتى منه الرؤية دون المنتفعين بالبحر فقط... ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ تعرفون حقوقه تعالى فتقومون بطاعته عز وجل، وتوحيده سبحانه، ﴿ لعل ﴾ للتعليل- على ما عليه جمع من الأجلة- وقال كثير : هي للترجي، ولما كان محالا عليه تعالى كان المراد اقتضاء ما ذكر من النعم للشكر حتى كأن كل أحد يترجاه من المنعم عليه بها، فهو تمثيل يئول إلى أمره تعالى بالشكر للمخاطبين ]١.
﴿ سخر ﴾ ذلل وسير، وطوع.
﴿ لأجل مسمى ﴾ لوقت آت قدره الله تعالى.
﴿ قطمير ﴾ لفافة نواة التمرة أو الرطبة.
دليل على تفرد ربنا بالجلال، وقدرته على التدبير وتصريف الأحوال، يطالعنا هذا البرهان صباح مساء، فمولانا العلي الأعلى يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار فتذهبه وتغطيه، وبهذا أقسم سبحانه :)والليل إذا يغشى( ١، ويدخل ضوء النهار في الليل الساجي فيبدد ظلامه، وتبارك العزيز المقتدر :)وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. ( ٢ : وذلل- عز وجل- وسخر وطوع وسير الشمس والقمر كل يسبح في فلكه، ويمضي على سننه ونسقه، يتعاقبان على مدى الأيام والأعوام، حتى تتجلى الواقعة للأنام، ويجمعهما ويذهبهما الملك العلام، هذا الذي علا مقامه، وعم فيضه وعظم إنعامه، هو مالك الكون كله والمهيمن عليه، ومليكه إيجادا وسلطانا وتدبيرا، ﴿ والذين تدعون من دونه ﴾ توجه الخطاب للمشركين، ، الذين يدعون مع الله آلهة أخرى، وأزهق الحق سبحانه باطلهم بحجته البالغة ﴿ ما يملكون من قطمير ﴾ فما خلقوا خلقا، ولا ملكوا شيئا ولو كان تافها مثل اللفافة الرقيقة التي بين النواة والتمرة، أو بين الرطبة ونواتها، ﴿ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ﴾ فإن الأصنام التي يعبدونها أحجار لا حياة بها، وإن عبدوا كوكبا أو نارا أو حيوانا فهيهات ومحال أن تستمع لمن ينعق بها، وإن عبدوا جنا أو ملكا أو نبيا فليس من هؤلاء من يملك لنفسه ضرا أو نفعا فضلا عن أن يهب شيئا من ذلك لغيره، وصدق الله العظيم :﴿ ولو سمعوا ما استجابوا لكم ﴾ وهم براء ممن ألّهوهم واتخذوهم من دون الله أربابا :)ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون( ٣ )ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل. قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا. فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا.. ( ٤ )وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم.. ( ٥ ).. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة.. ( ٦، ولا يعلمك بعواقب الأمور ومآلها، إلا الخبير بكل الأشياء ومصيرها، وهو الله العظيم، مبدئ الخلائق ومالك أولاها وآخرتها- لا أحد أخبر بخلق الله من الله، فلا ينبئك مثله في علمه-٧.
دليل على تفرد ربنا بالجلال، وقدرته على التدبير وتصريف الأحوال، يطالعنا هذا البرهان صباح مساء، فمولانا العلي الأعلى يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار فتذهبه وتغطيه، وبهذا أقسم سبحانه :)والليل إذا يغشى( ١، ويدخل ضوء النهار في الليل الساجي فيبدد ظلامه، وتبارك العزيز المقتدر :)وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. ( ٢ : وذلل- عز وجل- وسخر وطوع وسير الشمس والقمر كل يسبح في فلكه، ويمضي على سننه ونسقه، يتعاقبان على مدى الأيام والأعوام، حتى تتجلى الواقعة للأنام، ويجمعهما ويذهبهما الملك العلام، هذا الذي علا مقامه، وعم فيضه وعظم إنعامه، هو مالك الكون كله والمهيمن عليه، ومليكه إيجادا وسلطانا وتدبيرا، ﴿ والذين تدعون من دونه ﴾ توجه الخطاب للمشركين، ، الذين يدعون مع الله آلهة أخرى، وأزهق الحق سبحانه باطلهم بحجته البالغة ﴿ ما يملكون من قطمير ﴾ فما خلقوا خلقا، ولا ملكوا شيئا ولو كان تافها مثل اللفافة الرقيقة التي بين النواة والتمرة، أو بين الرطبة ونواتها، ﴿ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ﴾ فإن الأصنام التي يعبدونها أحجار لا حياة بها، وإن عبدوا كوكبا أو نارا أو حيوانا فهيهات ومحال أن تستمع لمن ينعق بها، وإن عبدوا جنا أو ملكا أو نبيا فليس من هؤلاء من يملك لنفسه ضرا أو نفعا فضلا عن أن يهب شيئا من ذلك لغيره، وصدق الله العظيم :﴿ ولو سمعوا ما استجابوا لكم ﴾ وهم براء ممن ألّهوهم واتخذوهم من دون الله أربابا :)ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون( ٣ )ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل. قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا. فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا.. ( ٤ )وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم.. ( ٥ ).. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة.. ( ٦، ولا يعلمك بعواقب الأمور ومآلها، إلا الخبير بكل الأشياء ومصيرها، وهو الله العظيم، مبدئ الخلائق ومالك أولاها وآخرتها- لا أحد أخبر بخلق الله من الله، فلا ينبئك مثله في علمه-٧.
﴿ بعزيز ﴾ بشديد، أو بعسير، أو بممتنع.
ينادي ربنا الأناسي ويذكرهم أنهم أصحاب الاحتياج إلى المولى سبحانه :)وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه.. ( ١ )وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.. ( ٢ ).. ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون( ٣، المخلوقات كلها مفتقرة إليه، متذللة بين يديه، لكن الإنسان أشدها إليه حاجة، أو لعله أكثرها جدلا وظلما ولجاجة [ هم المحتجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو تعالى الغني عنهم بالذات، ولهذا قال عز وجل :﴿ والله هو الغني الحميد ﴾ أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يقوله ويفعله، ويقدره ويشرعه ]٤.
مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وليس كل غني نافعا بغناه، إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم، واستحق عليهم الحمد- ذكر﴿ الحميد ﴾ ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق إنعامه عليهم أن يحمدوه. اهـ
ومما قال الطبري :﴿ الحميد ﴾ يعني المحمود على نعمه، فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فلله الحمد والشكر بكل حال، ﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ﴾ يقول تعالى ذكره : إن يشأ يهلككم أيها الناس ربكم، لأنه أنشأكم من غير ما حاجة به إليكم، ﴿ ويأت بخلق جديد ﴾ يقول : ويأت بخلق سواكم، يطيعونه، ويأتمرون لأمره، وينتهون عما نهاهم عنه... وما ذهابكم والإتيان بخلق سواكم على الله بشديد... فاتقوا الله وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك. اهـ بتصرف.
وفي الكلام محذوف تقديره : إن يشأ أن يذهبكم أيها الناس يذهبكم.
﴿ بعزيز ﴾ بشديد، أو بعسير، أو بممتنع.
ينادي ربنا الأناسي ويذكرهم أنهم أصحاب الاحتياج إلى المولى سبحانه :)وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه.. ( ١ )وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.. ( ٢ ).. ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون( ٣، المخلوقات كلها مفتقرة إليه، متذللة بين يديه، لكن الإنسان أشدها إليه حاجة، أو لعله أكثرها جدلا وظلما ولجاجة [ هم المحتجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو تعالى الغني عنهم بالذات، ولهذا قال عز وجل :﴿ والله هو الغني الحميد ﴾ أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يقوله ويفعله، ويقدره ويشرعه ]٤.
مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وليس كل غني نافعا بغناه، إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم، واستحق عليهم الحمد- ذكر﴿ الحميد ﴾ ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق إنعامه عليهم أن يحمدوه. اهـ
ومما قال الطبري :﴿ الحميد ﴾ يعني المحمود على نعمه، فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فلله الحمد والشكر بكل حال، ﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ﴾ يقول تعالى ذكره : إن يشأ يهلككم أيها الناس ربكم، لأنه أنشأكم من غير ما حاجة به إليكم، ﴿ ويأت بخلق جديد ﴾ يقول : ويأت بخلق سواكم، يطيعونه، ويأتمرون لأمره، وينتهون عما نهاهم عنه... وما ذهابكم والإتيان بخلق سواكم على الله بشديد... فاتقوا الله وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك. اهـ بتصرف.
وفي الكلام محذوف تقديره : إن يشأ أن يذهبكم أيها الناس يذهبكم.
﴿ بعزيز ﴾ بشديد، أو بعسير، أو بممتنع.
ينادي ربنا الأناسي ويذكرهم أنهم أصحاب الاحتياج إلى المولى سبحانه :)وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه.. ( ١ )وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.. ( ٢ ).. ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون( ٣، المخلوقات كلها مفتقرة إليه، متذللة بين يديه، لكن الإنسان أشدها إليه حاجة، أو لعله أكثرها جدلا وظلما ولجاجة [ هم المحتجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو تعالى الغني عنهم بالذات، ولهذا قال عز وجل :﴿ والله هو الغني الحميد ﴾ أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يقوله ويفعله، ويقدره ويشرعه ]٤.
مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وليس كل غني نافعا بغناه، إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم، واستحق عليهم الحمد- ذكر﴿ الحميد ﴾ ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق إنعامه عليهم أن يحمدوه. اهـ
ومما قال الطبري :﴿ الحميد ﴾ يعني المحمود على نعمه، فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فلله الحمد والشكر بكل حال، ﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ﴾ يقول تعالى ذكره : إن يشأ يهلككم أيها الناس ربكم، لأنه أنشأكم من غير ما حاجة به إليكم، ﴿ ويأت بخلق جديد ﴾ يقول : ويأت بخلق سواكم، يطيعونه، ويأتمرون لأمره، وينتهون عما نهاهم عنه... وما ذهابكم والإتيان بخلق سواكم على الله بشديد... فاتقوا الله وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك. اهـ بتصرف.
وفي الكلام محذوف تقديره : إن يشأ أن يذهبكم أيها الناس يذهبكم.
﴿ وازرة ﴾ نفس خاطئة.
﴿ وزر ﴾ جريمة وذنب.
﴿ مثقلة ﴾ ثقلت أوزارها.
﴿ تنذر ﴾ تخوف وتحذر.
﴿ يخشون ﴾ يخافون، ويهابون مقام العلي الأعلى.
﴿ أقاموا الصلاة ﴾ جعلوها منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها وبآدابها.
﴿ تزكى ﴾ تطهر.
﴿ المصير ﴾ المرجع.
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
﴿ { ونذيرا ﴾ توعد المجرمين بالعذاب الأليم.
﴿ وإن من أمة ﴾ ما من أمة وجماعة.
﴿ خلا فيها ﴾ مضى فيها، وسلف.
كثير من الآيات منذ مفتتح السورة الكريمة قررت البعث والنشور، ثم أقامت على إتيان هذا اليوم ووقوعه ومجيئه الحجة والدليل والبرهان، وجاءت الآية الثانية عشرة﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ لتبين الوزن الحق، والجزاء العدل في يوم الصاخة والطامة الكبرى :)يوم يفر المرء من أخيه. وأمه١ وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢، فلا تحمل نفس إلا وزرها، ).. لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق.. ( ٣، وإن تستغث نفس أثقلتها ذنوبها بمن تؤمل منه الغياث ليحمل عنها بعض ذنوبها التي حملتها لا يحمل من خطاياها من شيء مهما كان من ذوي قرباها، من أب أو أخ أو ابن أو أم، بل يريد كل فاجر أن يفتدي نفسه ولو بأقرب الناس إليه فلا تقبل منه الفدية ).. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا.. ( ٤ -تحمل كل نفس وزرها ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.. ( ٥ ؛ فإنه من الضالين المضلين، وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم، ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه :(... مع أثقالهم... )لأن المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم، وبما معها : ما كان بسوقهم وتسببهم، فهو للمضلين من وجه، وللآخرين من آخر- ٦.
﴿ ونصب{ ذا قربى ﴾ على تمام ﴿ كان ﴾ لأن معنى الكلام : ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها، وأنثت ﴿ مثقلة ﴾ لأنه ذهب بالكلام إلى النفس. كأنه قيل : وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدى عن الذكر والأنثى، كما قيل :)كل نفس ذائقة الموت.. ( ٧ يعني بذلك كل ذكر وأنثى ]٨.
﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ إنما ينفع إنذارك من خافوا مقام ربهم من غير معاينة منهم، هابوا جلاله، وهم لم يروه تعالى وتقدس، أو يخافون عقاب الله في الآخرة دون أن يشاهدوه﴿ لكن لإيمانهم بما أتيتهم به وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله، فهؤلاء ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ]٩. ، { وأقاموا الصلاة ﴾ وجعلوا الصلاة منارا مقصودا، وأدوها تامة في مواقيتها، وبآدابها، ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ ومن تطهر عن دنس الشرك والمعاصي فإن ثواب ذلك راجع إليه هو، فكما أن كل نفس خاطئة تتحمل جرمها، ووزرها عائد عليها، فكذلك كل مهتد فإنما يهتدي لنفسه.
ومع قرب معنى الخشية من معنى الخوف والإشفاق نلمح أكثر الآيات القرآنية تورد[ الخشية ] حين توردها على أنها المهابة والإجلال لمقام الله العلي الأعلى، بينما يذكر الإشفاق والخوف مقرونا بالحذر من البلاء، ومن ذلك قول الله الحكيم :).. ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ١٠وقوله عز شأنه :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون( ١١ وقوله سبحانه :).. وخشي الرحمن بالغيب.. ( ١٢ )إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير( ١٣ بينما تأتي آيات الخوف مقرونة بالفزع من الأهوال- غالبا- ومن ذلك ما ختمت به سورة )ق( :).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) وما جاء في سورة الرعد :).. ويخافون سوء الحساب ) وما جاء في سورة غافر :)وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ١٤ )ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ١٥، وكذا ما جاء في سورة )هل أتى على الإنسان( :( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا( ١٦، وما حكاه القرآن عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى( ١٧.
عن قتادة : قوله :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ أي من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه، وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس مؤمنكم وكافركم وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر.
ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات مع النور، ولا يستوي ظل وحرور، ولا يستوي الحي والميت، فلا نسوي بين مسلم ومجرم :)أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون( ١٨ )أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار( ١٩ )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون( ٢٠ )قل لا يستوي الخبيث والطيب.. ( ٢١، مما قال قتادة : هذه كلها أمثال ! أي كما لا تستوي هذه الأشياء كلها كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. اهـ
﴿ ومايستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فبالإيمان تحيا القلوب، وبدونه تظل ميتة، ولقد بين القرآن الحكيم ما بين حاليهما من تخالف، فقال الله جل وعز :)أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. ( ٢٢.
[ كما لا يقدر- الرسول- أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.. وقوله :﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيد غيره من الناس فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك ]٢٣.
﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ﴾ شهد الله- وكفى به شهيدا- أن محمدا مبعوثه بالبر والرشد، واليسر والخير، والهدى ودين الحق، ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، وينذر الجاحدين والمنكرين والمكذبين خزيا وتخسيرا، وسلاسل في الآخرة وأغلالا وسعيرا، ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ وما من أمة سبقت إلا مضى فيها وسلف نذير من الله لئلا يكون للناس على الله حجة، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث على سنن إخوانه من النبيين الأولين )قل ما كنت بدعا من الرسل. )٢٤، وقال تعالى :)ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ٢٥...
﴿ وبالزبر ﴾ الصحف المنزلة المكتوبة.
﴿ وبالكتاب المنير ﴾ وبطائفة من الكتاب السماوي المخرج من الظلمات إلى النور /خ*
﴿ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير٢٦ ﴾
يسلي الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتوعد الكافرين الصادين عن دينه أن يصيبهم القوي القدير بما أصاب به الجاحدين ممن سبقوهم ويحذرهم أن يحل بهم مثل ما حل بأسلافهم، فيا أيها الداعي إلينا : إن كذبك مكذب فلا تحزن، فما أنت بأول من صد عنه، وجحد بما جاءه من الحق، والويل لمن أعرض عن الهدى بعد أن تبين له ).. فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون( ١، )وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين( ٢، ولقد جاء المرسلون من قبلك إلى أقوامهم بالآيات الواضحات، والعلامات على صدقهم والمعجزات، والصحف السماوية المكتوبة، وبطائفة من الكتاب المنزل، المخرج من الظلمات إلى النور، كالتوراة والإنجيل- فهما الكتابان اللذان أنزلا قبل نزول القرآن، - ﴿ جاءتهم رسلهم ﴾ في موضع الحال- على ما قال أبو البقاء- إما بدون تقدير [ قد ] أو بتقديرها، أي : كذب الذين من قبلهم وقد جاءتهم رسلهم ﴿ بالبينات ﴾ أي بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقهم فيما يدعون ﴿ بالزبر ﴾ كصحف إبراهيم عليه السلام ﴿ وبالكتاب المنير ﴾.. على إرادة التفصيل، يعني أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا، لا على إرادة الجمع وأن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب- وعدد الرسل أكثر بكثير من عدد الكتب كما هو معروف-.. ويجوز أن يراد بالزبر والكتاب واحد والعطف لتغاير العنوانين، لكن فيه بعد-٣. ﴿ ثم أخذت الذين كفروا ﴾ فلما كذب هؤلاء الذين عتوا ممن قبلكم جازيتهم وعاقبتهم – وضع الظاهر موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة، والإشعار بعلة الأخذ- ٤. ﴿ فكيف كان نكير ﴾ الاستفهام يراد به التهويل [ فانظر يا محمد كيف كان تغييري بهم، وحلول عقوبتي بهم. ]٥ لقد كان إنكاري عليهم عذابا بئيسا، ونكالا وبيلا.
٢ سورة النمل. الآية ١٤..
٣ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٤ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٥ ما بين العلامتين[ ] من جامع البيان.
﴿ نكير ﴾ إنكاري عليهم وتغييري ما بهم.
سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون
كلماتها ٧٧٧- حروفها ٣١٣٠.
﴿ غرابيب ﴾ مبعدة في السواد.
﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ٢٧ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ٢٨ ﴾
تقرير لوحدانيته تعالى بأدلة سماوية وأرضية إثر تقريرها بأمثال ضربها.. والاستفهام للتقرير والرؤية قلبية.. والخطاب عام. - ١.
[ لما بين دلائل الوحدانية بطريق الأخبار، ذكر دليل آخر بطريق الاستخبار، لأن الشيء إذا كان خفيا ولا يراه من بحضرتك كان معذورا. أما إذا كان بارزا مكشوفا فإنك تقول : أما تراه ؟ ! ]٢.
إنك تعلم أن الله المعبود بحق – دون سواه- هو الذي أنزل من جهة السماء ماء الغيث والسقيا والمطر، فجعله سببا في إنبات الزرع والشجر، ومنها نرزق القوت والثمر، ومع أن المطر النازل واحد فإن الثمرات التي سقيت به لا تكون متحدة بل مختلفة. ﴿ مختلف ألوانها ﴾ أي : متفاوتة الأنواع من تمر إلى عنب إلى تين ورمان، إلى غير ذلك مما لا نكاد نحصيه- وهذا كما يقال : فلان أتى بألوان من الأحاديث، قدم كذا لونا من الطعام... ويجوز أن يراد اختلاف كل نوع باختلاف أفراده... عن قتادة أنه حمل الألوان على معناها المعروف، واختلافها بالصفرة والحمرة والخضرة وغيرها. وروى ذلك عن ابن عباس أيضا وهو الأوفق لما في قوله تعالى :﴿ ومن الجبال جدد بيض وحمر.. ﴾-٣.
نقل عن بعض المفسرين : هنا محذوف تقديره : ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر مختلف ألوانها في البياض والحمرة، لأن الأبيض قد يكون على لون الجص، وقد يكون أدنى من ذلك، وكذلك الحمرة. اه
ومعلوم أن الجدد هي الطرائق والخطط، وإنك حين تعاين بعض الجبال تجد الواحد منها قد احتوى الحجارة البيضاء تلاحقها الصخور الحمراء وتختلف درجات ألوانها، بل وربما طبيعة تكوينها، وما استودعت من عناصر ومعادن تتفاوت في نفاستها وخواصها، فسبحان من برأ وذرأ ! ﴿ وغرابيب سود ﴾ وجدد ممعنة في السواد، مما قال أبو عبيدة :.. ففي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب، وقال غيره : صفة لمحذوف أقيم مقامه بعد حذفه، وقوله تعالى :﴿ سود ﴾ بدل منه أو عطف بيان له، وهو مفسر للمحذوف، وفيه التفسير بعد الإبهام، ومزيد الاعتناء بوصف السواد حيث دل عليه من طريق الإضمار والإظهار، ويجوز أن يكون العطف على﴿ جدد ﴾ على معنى : ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون، وكأنه لما اعتنى بأمر السواد بإفادة أنه في غاية الشدة لم يذكر بعده الاختلاف بالشدة والضعف.
٢ ما بين العلامتين[ ] من تفسير غرائب القرآن..
٣ ما بين العارضتين نقله الألوسي..
﴿ كذلك ﴾ في محل نصب صفة لمصدر ﴿ مختلف ﴾ المؤكد، والتقدير : مختلف اختلافا كائنا كذلك، أي كاختلاف الثمرات والجبال، فهو من تمام الكلام قبله، والوقف عليه حسن بإجماع أهل الأداء-١.
﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ هيبة الله العلي الأعلى وخوف غضبه ونقمته تكون على أكمل وجوهها في الذين يعبدون ربهم على علم بجلاله، وفضله وكماله. -وتقديم المفعول لأن المقصود بيان الخاشين، والإخبار بأنهم العلماء خاصة دون غيرهم...
﴿ إن الله عزيز غفور ﴾ تعليل لوجوب الخشية، لأن العزة دالة على كمال القدرة على الانتقام، ولا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة-٢ فالعزة توجب الخوف من أليم عقابه، والمغفرة توجب الطمع في نعيمه وثوابه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ تبور ﴾ تكسد وتهلك وتخسر.
مع أفضلية أعمال القلب والعقل من اليقين والتصديق، والحب والرجاء والخوف، فإن أفعال الجوارح مما يعبد به الله سبحانه، ويبتغي بأدائها رضاه، فمن الحتم المقضي- تفضلا من الله تعالى وكرما- أن من قرأ القرآن العزيز، وأتم صلاته وحافظ على أدائها معظما لها، وسعى يبتغي من رزق ربنا، وأنفق منه الواجب والمسنون، استخفى بصدقته، واستعلن بزكاته وسهم جهاده، أولئك لهم مع مولانا البر الرحيم تبايع رابح، وقرض يضاعف ولا يضيع، وهو سبحانه محقق رجاءهم، ومعظم مثوبتهم وجزاءهم على أعمالهم، ثم يفيض عليهم زيادة من لدنه فينعمون بالنظر إلى وجهه الكريم )وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة( ١ ويحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبدا )وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم( ٢.
إن ربنا واسع الرحمة كثير العفو، يحب الستر على من أساء ثم أناب واستغفر، ﴿ شكور ﴾ يشكر طاعات المطعين، فيتقبل منهم حتى اليسير، ويمنحهم عليه الثواب الجزيل، والأجر الكبير، وجاءت الآية الثالثة ها هنا﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ﴾ ترسخ الإيمان بالكتاب العزيز، وتشهد أنه حق من الله الحق )لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد( ٣ )... ليزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون.. ( ٤.
﴿ مصدقا لما بين يديه ﴾ يوافق ما سبقه من كتب أنزلتها إلى رسل سبقوك زمانا، كالتوراة التي أنزلتها على موسى، والإنجيل الذي أنزلته على عيسى، وهو مؤيد ما فيها من حقيقة الإيمان، وأصول الأحكام، وإن زاد عليها في يسر التشريع، والحفظ دون نسخ ولا تبديل، إن المعبود بحق لذو خبرة بالغة بأحوال عباده وما يصللاهم، بصير بأعمالهم وبكل شيء، فلا تفوته الحكمة، وفي الآية مع هذا توكيد حجة الله على الكافرين، المكذبين بالكتاب الكريم، ووعيد على مكرهم في آيات ربهم، ولغوهم وصدهم عنها.
[ قوله تعالى :﴿ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ﴾ هذه آية القراء العاملين العالمين، الذين يقيمون الصلاة الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق... ﴿ ويزيدهم من فضله ﴾ وقيل : الزيادة : الشفاعة في الآخرة.. ]٥.
مما يقول صاحب روح المعاني :﴿ إن الذين يتلون كتاب الله ﴾ أي يداومون على قراءته حتى صارت سمة لهم وعنوانا، كما يشعر به صيغة المضارع، ووقوعه صلة، واختلاف الفعلين... التالين :.. هم المؤمنون أي عامة وهو الأرجح، ويدخل الأصحاب دخولا أوليا، وقيل : معنى :﴿ يتلون كتاب الله ﴾ يتبعونه فيعملون بما فيه، وكأنه جعل﴿ يتلون ﴾ من تلاه إذا تبعه...... وفي كون الإنفاق مما رزقوا إشارة إلى أنهم لم يسرفوا ولم يبسطوا أيديهم كل البسط، ومقام التمدح مشعر بأنهم تحروا الحلال الطيب.
وقيل جيء بـ﴿ من ﴾ لذلك.... والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم... ﴿ ليوفيهم ﴾.... لا مانع من جعلها لام العلة، كما هو الشائع الكثير ولا يظهر للعدول عنه وجه.. لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقيق الحبر.. وإنما لم يذهب للعدول عنه وجه.. لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقيق الحبر.. وإنما لم يذهب بعض الأجلة- إلى أن اللام للصيرورة – لأن هذه اللام لا توجد إلا فيما يترتب الثاني الذي هو مدخولها على الأول، ولا يكون مطلوبا، نحو قوله تعالى :)فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا.. ( ٦.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن... :﴿ يرجون ﴾- وهو خبر إن- إشارة إلى الإخلاص في العقائد و الأعمال، أي ينفقون من الأموال لا ليقال إنه كريم، أو لغرض آخر، بل لتجارة لا كساد فيها ولا بوار، وهي طلب مرضاة الله.. و ﴿ الكتاب ﴾ للجنس، فـ ﴿ من ﴾ للتبعيض، أو : هو القرآن، و﴿ من ﴾ للتبيين، أو : هو اللوح المحفوظ، و﴿ من ﴾ للابتداء... ﴿ مصدقا ﴾ حال مؤكدة... ﴿ بصير ﴾ الذي يكون عالما بالبواطن والظواهر لم يمكن أن يكون في كلامه شوب باطل، وفيه : لم يختر محمدا للرسالة جزافا، ولا على سبيل الاتفاق، ولكنه أعلم حيث يجعل رسالته. اهـ
مع أفضلية أعمال القلب والعقل من اليقين والتصديق، والحب والرجاء والخوف، فإن أفعال الجوارح مما يعبد به الله سبحانه، ويبتغي بأدائها رضاه، فمن الحتم المقضي- تفضلا من الله تعالى وكرما- أن من قرأ القرآن العزيز، وأتم صلاته وحافظ على أدائها معظما لها، وسعى يبتغي من رزق ربنا، وأنفق منه الواجب والمسنون، استخفى بصدقته، واستعلن بزكاته وسهم جهاده، أولئك لهم مع مولانا البر الرحيم تبايع رابح، وقرض يضاعف ولا يضيع، وهو سبحانه محقق رجاءهم، ومعظم مثوبتهم وجزاءهم على أعمالهم، ثم يفيض عليهم زيادة من لدنه فينعمون بالنظر إلى وجهه الكريم )وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة( ١ ويحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبدا )وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم( ٢.
إن ربنا واسع الرحمة كثير العفو، يحب الستر على من أساء ثم أناب واستغفر، ﴿ شكور ﴾ يشكر طاعات المطعين، فيتقبل منهم حتى اليسير، ويمنحهم عليه الثواب الجزيل، والأجر الكبير، وجاءت الآية الثالثة ها هنا﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ﴾ ترسخ الإيمان بالكتاب العزيز، وتشهد أنه حق من الله الحق )لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد( ٣ )... ليزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون.. ( ٤.
﴿ مصدقا لما بين يديه ﴾ يوافق ما سبقه من كتب أنزلتها إلى رسل سبقوك زمانا، كالتوراة التي أنزلتها على موسى، والإنجيل الذي أنزلته على عيسى، وهو مؤيد ما فيها من حقيقة الإيمان، وأصول الأحكام، وإن زاد عليها في يسر التشريع، والحفظ دون نسخ ولا تبديل، إن المعبود بحق لذو خبرة بالغة بأحوال عباده وما يصللاهم، بصير بأعمالهم وبكل شيء، فلا تفوته الحكمة، وفي الآية مع هذا توكيد حجة الله على الكافرين، المكذبين بالكتاب الكريم، ووعيد على مكرهم في آيات ربهم، ولغوهم وصدهم عنها.
[ قوله تعالى :﴿ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ﴾ هذه آية القراء العاملين العالمين، الذين يقيمون الصلاة الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق... ﴿ ويزيدهم من فضله ﴾ وقيل : الزيادة : الشفاعة في الآخرة.. ]٥.
مما يقول صاحب روح المعاني :﴿ إن الذين يتلون كتاب الله ﴾ أي يداومون على قراءته حتى صارت سمة لهم وعنوانا، كما يشعر به صيغة المضارع، ووقوعه صلة، واختلاف الفعلين... التالين :.. هم المؤمنون أي عامة وهو الأرجح، ويدخل الأصحاب دخولا أوليا، وقيل : معنى :﴿ يتلون كتاب الله ﴾ يتبعونه فيعملون بما فيه، وكأنه جعل﴿ يتلون ﴾ من تلاه إذا تبعه...... وفي كون الإنفاق مما رزقوا إشارة إلى أنهم لم يسرفوا ولم يبسطوا أيديهم كل البسط، ومقام التمدح مشعر بأنهم تحروا الحلال الطيب.
وقيل جيء بـ﴿ من ﴾ لذلك.... والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم... ﴿ ليوفيهم ﴾.... لا مانع من جعلها لام العلة، كما هو الشائع الكثير ولا يظهر للعدول عنه وجه.. لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقيق الحبر.. وإنما لم يذهب للعدول عنه وجه.. لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقيق الحبر.. وإنما لم يذهب بعض الأجلة- إلى أن اللام للصيرورة – لأن هذه اللام لا توجد إلا فيما يترتب الثاني الذي هو مدخولها على الأول، ولا يكون مطلوبا، نحو قوله تعالى :)فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا.. ( ٦.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن... :﴿ يرجون ﴾- وهو خبر إن- إشارة إلى الإخلاص في العقائد و الأعمال، أي ينفقون من الأموال لا ليقال إنه كريم، أو لغرض آخر، بل لتجارة لا كساد فيها ولا بوار، وهي طلب مرضاة الله.. و ﴿ الكتاب ﴾ للجنس، فـ ﴿ من ﴾ للتبعيض، أو : هو القرآن، و﴿ من ﴾ للتبيين، أو : هو اللوح المحفوظ، و﴿ من ﴾ للابتداء... ﴿ مصدقا ﴾ حال مؤكدة... ﴿ بصير ﴾ الذي يكون عالما بالبواطن والظواهر لم يمكن أن يكون في كلامه شوب باطل، وفيه : لم يختر محمدا للرسالة جزافا، ولا على سبيل الاتفاق، ولكنه أعلم حيث يجعل رسالته. اهـ
مع أفضلية أعمال القلب والعقل من اليقين والتصديق، والحب والرجاء والخوف، فإن أفعال الجوارح مما يعبد به الله سبحانه، ويبتغي بأدائها رضاه، فمن الحتم المقضي- تفضلا من الله تعالى وكرما- أن من قرأ القرآن العزيز، وأتم صلاته وحافظ على أدائها معظما لها، وسعى يبتغي من رزق ربنا، وأنفق منه الواجب والمسنون، استخفى بصدقته، واستعلن بزكاته وسهم جهاده، أولئك لهم مع مولانا البر الرحيم تبايع رابح، وقرض يضاعف ولا يضيع، وهو سبحانه محقق رجاءهم، ومعظم مثوبتهم وجزاءهم على أعمالهم، ثم يفيض عليهم زيادة من لدنه فينعمون بالنظر إلى وجهه الكريم )وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة( ١ ويحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبدا )وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم( ٢.
إن ربنا واسع الرحمة كثير العفو، يحب الستر على من أساء ثم أناب واستغفر، ﴿ شكور ﴾ يشكر طاعات المطعين، فيتقبل منهم حتى اليسير، ويمنحهم عليه الثواب الجزيل، والأجر الكبير، وجاءت الآية الثالثة ها هنا﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ﴾ ترسخ الإيمان بالكتاب العزيز، وتشهد أنه حق من الله الحق )لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد( ٣ )... ليزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون.. ( ٤.
﴿ مصدقا لما بين يديه ﴾ يوافق ما سبقه من كتب أنزلتها إلى رسل سبقوك زمانا، كالتوراة التي أنزلتها على موسى، والإنجيل الذي أنزلته على عيسى، وهو مؤيد ما فيها من حقيقة الإيمان، وأصول الأحكام، وإن زاد عليها في يسر التشريع، والحفظ دون نسخ ولا تبديل، إن المعبود بحق لذو خبرة بالغة بأحوال عباده وما يصللاهم، بصير بأعمالهم وبكل شيء، فلا تفوته الحكمة، وفي الآية مع هذا توكيد حجة الله على الكافرين، المكذبين بالكتاب الكريم، ووعيد على مكرهم في آيات ربهم، ولغوهم وصدهم عنها.
[ قوله تعالى :﴿ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ﴾ هذه آية القراء العاملين العالمين، الذين يقيمون الصلاة الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق... ﴿ ويزيدهم من فضله ﴾ وقيل : الزيادة : الشفاعة في الآخرة.. ]٥.
مما يقول صاحب روح المعاني :﴿ إن الذين يتلون كتاب الله ﴾ أي يداومون على قراءته حتى صارت سمة لهم وعنوانا، كما يشعر به صيغة المضارع، ووقوعه صلة، واختلاف الفعلين... التالين :.. هم المؤمنون أي عامة وهو الأرجح، ويدخل الأصحاب دخولا أوليا، وقيل : معنى :﴿ يتلون كتاب الله ﴾ يتبعونه فيعملون بما فيه، وكأنه جعل﴿ يتلون ﴾ من تلاه إذا تبعه...... وفي كون الإنفاق مما رزقوا إشارة إلى أنهم لم يسرفوا ولم يبسطوا أيديهم كل البسط، ومقام التمدح مشعر بأنهم تحروا الحلال الطيب.
وقيل جيء بـ﴿ من ﴾ لذلك.... والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم... ﴿ ليوفيهم ﴾.... لا مانع من جعلها لام العلة، كما هو الشائع الكثير ولا يظهر للعدول عنه وجه.. لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقيق الحبر.. وإنما لم يذهب للعدول عنه وجه.. لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقيق الحبر.. وإنما لم يذهب بعض الأجلة- إلى أن اللام للصيرورة – لأن هذه اللام لا توجد إلا فيما يترتب الثاني الذي هو مدخولها على الأول، ولا يكون مطلوبا، نحو قوله تعالى :)فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا.. ( ٦.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن... :﴿ يرجون ﴾- وهو خبر إن- إشارة إلى الإخلاص في العقائد و الأعمال، أي ينفقون من الأموال لا ليقال إنه كريم، أو لغرض آخر، بل لتجارة لا كساد فيها ولا بوار، وهي طلب مرضاة الله.. و ﴿ الكتاب ﴾ للجنس، فـ ﴿ من ﴾ للتبعيض، أو : هو القرآن، و﴿ من ﴾ للتبيين، أو : هو اللوح المحفوظ، و﴿ من ﴾ للابتداء... ﴿ مصدقا ﴾ حال مؤكدة... ﴿ بصير ﴾ الذي يكون عالما بالبواطن والظواهر لم يمكن أن يكون في كلامه شوب باطل، وفيه : لم يختر محمدا للرسالة جزافا، ولا على سبيل الاتفاق، ولكنه أعلم حيث يجعل رسالته. اهـ
﴿ الكتاب ﴾ القرآن.
﴿ اصطفينا ﴾ اخترنا.
تلقيت منا الكتاب الحق، ثم أعطينا أمتك هذا الميراث لأنا اخترناهم من بين خلقنا وعبيدنا، فمن هؤلاء من هو ظالم لنفسه١ بارتكاب المآثم، ومنهم من هو مقتصد، يعمل حينا، ويخالف حينا، ومنهم من هو مسارع في الطاعات كالذين وصفهم الكتاب الحكيم :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون( ٢، ذلك السبق وتلك المسارعة بتوفيق الله تعالى، وفي ذلك تمام النعمة، وأكبر الفيض )قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون( ٣.
﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ أي القرآن- كما عليه الجمهور- والعطف قيل على ﴿ الذي أوحينا ﴾.. أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه ﴿ الذين٤ اصطفينا من عبادنا ﴾ وهم كما قال ابن عباس وغيره أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، وخصهم بالانتماء إلى أكرم رسله وأفضلهم، عليهم الصلاة والسلام، و﴿ ثم ﴾ للتراخي الرتبي، فإن إيحاء الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الإيراث المذكور... وليست من التراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة والسلام هو زمان إيراثه وإعطائه أمته، بمعنى تخصيصه بهم، وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون، وبالعمل بما فيه ينتفعون.... ﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ الفاء للتفصيل لا للتعليل... والظالم لنفسه من قصر في العمل بالكتاب، وأسرف على نفسه... واللام للتقوية.. ﴿ ومنهم سابق ﴾ متقدم إلى ثواب الله تعالى وجنته﴿ بالخيرات ﴾... محرز الفضل بسببها.. -٥.
و﴿ الكتاب ﴾ هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن- وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة – فكأنه ورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا.... ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ يعني إتياننا الكتاب لهم، وقيل : ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير : وقيل : وعد الجنة لهؤلاء الثلاثة٦ فضل كبير.. وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق، فقيل : التقديم في الذكر لا يقتضي تشريفا، كقوله تعالى :)لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.. ( ٧ وقيل : قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل.. ]٨.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن.. : والإيراث : الحكم بالتوريث، أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه، أي : نريد أن نورثه... وبعبارة أخرى : من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها﴿ ظالم ﴾ ومن جاهد نفسه فغلبته تارة وغلب أخرى فهو المقتصد، ومن قهر نفسه فهو السابق.. اهـ
ويقول الطبري رحمه الله : فبين أمر المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه٩ فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة، فإن قال قائل : فإن قوله :﴿ يدخلونها ﴾ إنما عنى به المقتصد والسابق، قيل له : وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر عقل ؟ ! فإن قال : قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد، قيل : إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، إنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا وظلمه نفسه فيها بالنار، أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾. اهـ
﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ مبتدأ وخبره- وهذا للجميع، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى-١٠، وأعربها بعضهم على أنها بدل من ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ بساتين إقامة يدخلها هؤلاء الذين أورثهم الله تعالى يدخلونها يوم القيامة، ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ ﴿ من ﴾ الأولى قد تكون للتبعيض، و﴿ من ﴾ الثانية بيانية-[ كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا فأباحه الله تعالى لهم في الآخرة، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ]١١ ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ويقول الذين يدخلهم الله تعالى جنات عدن بعد أن يدخلوها- يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا ما كان يحزننا، ويثنون عليه وقد حمدوه، ويمجدونه مرددين ذاكرين أسماء من أسمائه الحسنى﴿ إن ربنا لغفور شكور ﴾ إن مولانا البر الرحيم لعظيم الستر واسع الرحمة والمغفرة للذين تابوا، ﴿ شكور ﴾ يتقبل العمل ممن اتبع سبيله مهما كان يسيرا، ويثيبه عليه أجرا كثيرا، ونعيما كبيرا، ﴿ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ ولينا الكريم الوهاب أسكننا دار القرار لا ظعن معها، ولا تحول عنها، تفضلا منه وإحسانا، لا يدركنا فيها صخب ولا تعب، ولا ينالنا كدر ولا إعياء ولا ملل ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا( ١٢ )لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين( ١٣.
[ أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لن يدخل أحد منكم عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ ! قال :" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل " ]١٤- وقال بعضهم : النصب : التعب الجسماني، واللغوب : التعب النفساني -١٥.
تلقيت منا الكتاب الحق، ثم أعطينا أمتك هذا الميراث لأنا اخترناهم من بين خلقنا وعبيدنا، فمن هؤلاء من هو ظالم لنفسه١ بارتكاب المآثم، ومنهم من هو مقتصد، يعمل حينا، ويخالف حينا، ومنهم من هو مسارع في الطاعات كالذين وصفهم الكتاب الحكيم :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون( ٢، ذلك السبق وتلك المسارعة بتوفيق الله تعالى، وفي ذلك تمام النعمة، وأكبر الفيض )قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون( ٣.
﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ أي القرآن- كما عليه الجمهور- والعطف قيل على ﴿ الذي أوحينا ﴾.. أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه ﴿ الذين٤ اصطفينا من عبادنا ﴾ وهم كما قال ابن عباس وغيره أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، وخصهم بالانتماء إلى أكرم رسله وأفضلهم، عليهم الصلاة والسلام، و﴿ ثم ﴾ للتراخي الرتبي، فإن إيحاء الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الإيراث المذكور... وليست من التراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة والسلام هو زمان إيراثه وإعطائه أمته، بمعنى تخصيصه بهم، وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون، وبالعمل بما فيه ينتفعون.... ﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ الفاء للتفصيل لا للتعليل... والظالم لنفسه من قصر في العمل بالكتاب، وأسرف على نفسه... واللام للتقوية.. ﴿ ومنهم سابق ﴾ متقدم إلى ثواب الله تعالى وجنته﴿ بالخيرات ﴾... محرز الفضل بسببها.. -٥.
و﴿ الكتاب ﴾ هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن- وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة – فكأنه ورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا.... ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ يعني إتياننا الكتاب لهم، وقيل : ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير : وقيل : وعد الجنة لهؤلاء الثلاثة٦ فضل كبير.. وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق، فقيل : التقديم في الذكر لا يقتضي تشريفا، كقوله تعالى :)لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.. ( ٧ وقيل : قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل.. ]٨.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن.. : والإيراث : الحكم بالتوريث، أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه، أي : نريد أن نورثه... وبعبارة أخرى : من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها﴿ ظالم ﴾ ومن جاهد نفسه فغلبته تارة وغلب أخرى فهو المقتصد، ومن قهر نفسه فهو السابق.. اهـ
ويقول الطبري رحمه الله : فبين أمر المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه٩ فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة، فإن قال قائل : فإن قوله :﴿ يدخلونها ﴾ إنما عنى به المقتصد والسابق، قيل له : وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر عقل ؟ ! فإن قال : قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد، قيل : إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، إنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا وظلمه نفسه فيها بالنار، أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾. اهـ
﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ مبتدأ وخبره- وهذا للجميع، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى-١٠، وأعربها بعضهم على أنها بدل من ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ بساتين إقامة يدخلها هؤلاء الذين أورثهم الله تعالى يدخلونها يوم القيامة، ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ ﴿ من ﴾ الأولى قد تكون للتبعيض، و﴿ من ﴾ الثانية بيانية-[ كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا فأباحه الله تعالى لهم في الآخرة، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ]١١ ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ويقول الذين يدخلهم الله تعالى جنات عدن بعد أن يدخلوها- يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا ما كان يحزننا، ويثنون عليه وقد حمدوه، ويمجدونه مرددين ذاكرين أسماء من أسمائه الحسنى﴿ إن ربنا لغفور شكور ﴾ إن مولانا البر الرحيم لعظيم الستر واسع الرحمة والمغفرة للذين تابوا، ﴿ شكور ﴾ يتقبل العمل ممن اتبع سبيله مهما كان يسيرا، ويثيبه عليه أجرا كثيرا، ونعيما كبيرا، ﴿ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ ولينا الكريم الوهاب أسكننا دار القرار لا ظعن معها، ولا تحول عنها، تفضلا منه وإحسانا، لا يدركنا فيها صخب ولا تعب، ولا ينالنا كدر ولا إعياء ولا ملل ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا( ١٢ )لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين( ١٣.
[ أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لن يدخل أحد منكم عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ ! قال :" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل " ]١٤- وقال بعضهم : النصب : التعب الجسماني، واللغوب : التعب النفساني -١٥.
تلقيت منا الكتاب الحق، ثم أعطينا أمتك هذا الميراث لأنا اخترناهم من بين خلقنا وعبيدنا، فمن هؤلاء من هو ظالم لنفسه١ بارتكاب المآثم، ومنهم من هو مقتصد، يعمل حينا، ويخالف حينا، ومنهم من هو مسارع في الطاعات كالذين وصفهم الكتاب الحكيم :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون( ٢، ذلك السبق وتلك المسارعة بتوفيق الله تعالى، وفي ذلك تمام النعمة، وأكبر الفيض )قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون( ٣.
﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ أي القرآن- كما عليه الجمهور- والعطف قيل على ﴿ الذي أوحينا ﴾.. أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه ﴿ الذين٤ اصطفينا من عبادنا ﴾ وهم كما قال ابن عباس وغيره أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، وخصهم بالانتماء إلى أكرم رسله وأفضلهم، عليهم الصلاة والسلام، و﴿ ثم ﴾ للتراخي الرتبي، فإن إيحاء الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الإيراث المذكور... وليست من التراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة والسلام هو زمان إيراثه وإعطائه أمته، بمعنى تخصيصه بهم، وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون، وبالعمل بما فيه ينتفعون.... ﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ الفاء للتفصيل لا للتعليل... والظالم لنفسه من قصر في العمل بالكتاب، وأسرف على نفسه... واللام للتقوية.. ﴿ ومنهم سابق ﴾ متقدم إلى ثواب الله تعالى وجنته﴿ بالخيرات ﴾... محرز الفضل بسببها.. -٥.
و﴿ الكتاب ﴾ هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن- وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة – فكأنه ورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا.... ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ يعني إتياننا الكتاب لهم، وقيل : ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير : وقيل : وعد الجنة لهؤلاء الثلاثة٦ فضل كبير.. وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق، فقيل : التقديم في الذكر لا يقتضي تشريفا، كقوله تعالى :)لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.. ( ٧ وقيل : قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل.. ]٨.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن.. : والإيراث : الحكم بالتوريث، أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه، أي : نريد أن نورثه... وبعبارة أخرى : من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها﴿ ظالم ﴾ ومن جاهد نفسه فغلبته تارة وغلب أخرى فهو المقتصد، ومن قهر نفسه فهو السابق.. اهـ
ويقول الطبري رحمه الله : فبين أمر المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه٩ فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة، فإن قال قائل : فإن قوله :﴿ يدخلونها ﴾ إنما عنى به المقتصد والسابق، قيل له : وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر عقل ؟ ! فإن قال : قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد، قيل : إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، إنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا وظلمه نفسه فيها بالنار، أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾. اهـ
﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ مبتدأ وخبره- وهذا للجميع، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى-١٠، وأعربها بعضهم على أنها بدل من ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ بساتين إقامة يدخلها هؤلاء الذين أورثهم الله تعالى يدخلونها يوم القيامة، ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ ﴿ من ﴾ الأولى قد تكون للتبعيض، و﴿ من ﴾ الثانية بيانية-[ كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا فأباحه الله تعالى لهم في الآخرة، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ]١١ ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ويقول الذين يدخلهم الله تعالى جنات عدن بعد أن يدخلوها- يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا ما كان يحزننا، ويثنون عليه وقد حمدوه، ويمجدونه مرددين ذاكرين أسماء من أسمائه الحسنى﴿ إن ربنا لغفور شكور ﴾ إن مولانا البر الرحيم لعظيم الستر واسع الرحمة والمغفرة للذين تابوا، ﴿ شكور ﴾ يتقبل العمل ممن اتبع سبيله مهما كان يسيرا، ويثيبه عليه أجرا كثيرا، ونعيما كبيرا، ﴿ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ ولينا الكريم الوهاب أسكننا دار القرار لا ظعن معها، ولا تحول عنها، تفضلا منه وإحسانا، لا يدركنا فيها صخب ولا تعب، ولا ينالنا كدر ولا إعياء ولا ملل ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا( ١٢ )لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين( ١٣.
[ أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لن يدخل أحد منكم عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ ! قال :" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل " ]١٤- وقال بعضهم : النصب : التعب الجسماني، واللغوب : التعب النفساني -١٥.
﴿ لغوب ﴾ إعياء وكلل.
تلقيت منا الكتاب الحق، ثم أعطينا أمتك هذا الميراث لأنا اخترناهم من بين خلقنا وعبيدنا، فمن هؤلاء من هو ظالم لنفسه١ بارتكاب المآثم، ومنهم من هو مقتصد، يعمل حينا، ويخالف حينا، ومنهم من هو مسارع في الطاعات كالذين وصفهم الكتاب الحكيم :)إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون( ٢، ذلك السبق وتلك المسارعة بتوفيق الله تعالى، وفي ذلك تمام النعمة، وأكبر الفيض )قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون( ٣.
﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ أي القرآن- كما عليه الجمهور- والعطف قيل على ﴿ الذي أوحينا ﴾.. أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه ﴿ الذين٤ اصطفينا من عبادنا ﴾ وهم كما قال ابن عباس وغيره أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، وخصهم بالانتماء إلى أكرم رسله وأفضلهم، عليهم الصلاة والسلام، و﴿ ثم ﴾ للتراخي الرتبي، فإن إيحاء الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الإيراث المذكور... وليست من التراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة والسلام هو زمان إيراثه وإعطائه أمته، بمعنى تخصيصه بهم، وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون، وبالعمل بما فيه ينتفعون.... ﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ الفاء للتفصيل لا للتعليل... والظالم لنفسه من قصر في العمل بالكتاب، وأسرف على نفسه... واللام للتقوية.. ﴿ ومنهم سابق ﴾ متقدم إلى ثواب الله تعالى وجنته﴿ بالخيرات ﴾... محرز الفضل بسببها.. -٥.
و﴿ الكتاب ﴾ هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن- وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة – فكأنه ورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا.... ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ يعني إتياننا الكتاب لهم، وقيل : ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير : وقيل : وعد الجنة لهؤلاء الثلاثة٦ فضل كبير.. وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق، فقيل : التقديم في الذكر لا يقتضي تشريفا، كقوله تعالى :)لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.. ( ٧ وقيل : قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل.. ]٨.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن.. : والإيراث : الحكم بالتوريث، أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه، أي : نريد أن نورثه... وبعبارة أخرى : من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها﴿ ظالم ﴾ ومن جاهد نفسه فغلبته تارة وغلب أخرى فهو المقتصد، ومن قهر نفسه فهو السابق.. اهـ
ويقول الطبري رحمه الله : فبين أمر المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه٩ فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة، فإن قال قائل : فإن قوله :﴿ يدخلونها ﴾ إنما عنى به المقتصد والسابق، قيل له : وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر عقل ؟ ! فإن قال : قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد، قيل : إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، إنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا وظلمه نفسه فيها بالنار، أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾. اهـ
﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ مبتدأ وخبره- وهذا للجميع، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى-١٠، وأعربها بعضهم على أنها بدل من ﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾ بساتين إقامة يدخلها هؤلاء الذين أورثهم الله تعالى يدخلونها يوم القيامة، ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ ﴿ من ﴾ الأولى قد تكون للتبعيض، و﴿ من ﴾ الثانية بيانية-[ كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا فأباحه الله تعالى لهم في الآخرة، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ]١١ ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ويقول الذين يدخلهم الله تعالى جنات عدن بعد أن يدخلوها- يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا ما كان يحزننا، ويثنون عليه وقد حمدوه، ويمجدونه مرددين ذاكرين أسماء من أسمائه الحسنى﴿ إن ربنا لغفور شكور ﴾ إن مولانا البر الرحيم لعظيم الستر واسع الرحمة والمغفرة للذين تابوا، ﴿ شكور ﴾ يتقبل العمل ممن اتبع سبيله مهما كان يسيرا، ويثيبه عليه أجرا كثيرا، ونعيما كبيرا، ﴿ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ ولينا الكريم الوهاب أسكننا دار القرار لا ظعن معها، ولا تحول عنها، تفضلا منه وإحسانا، لا يدركنا فيها صخب ولا تعب، ولا ينالنا كدر ولا إعياء ولا ملل ) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا( ١٢ )لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين( ١٣.
[ أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لن يدخل أحد منكم عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ ! قال :" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل " ]١٤- وقال بعضهم : النصب : التعب الجسماني، واللغوب : التعب النفساني -١٥.
﴿ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ٣٦ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ٣٧ ﴾
بعد أن بينت الآيات التي سبقت وعد الله ونعيمه للمسلمين المصدقين جاءت هذه بوعيد الواحد القهار وشديد عقابه للمفسدين الجاحدين، فجزاؤهم في الآخرة أن يصاحبوا حر السعير ويستقروا في دار البوار )جهنم يصلونها فبئس المهاد( ١ وبئس القرار، تلفحهم النار، ويتمنون الموت ليستريحوا من الحريق الذي يشويهم فلا يدركونه )ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ما كثون. لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون( ٢.
﴿ ولا يخفف عنهم من عذابها ﴾ واللظى والعذاب الموجع دائم على شدته، لا ينقطع، ولا تنكسر حدته )لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون( ٣ ).. كلما خبت زدناهم سعيرا( ٤ )وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب( ٥. كذلك يكون جزاء الملك الحق لكل من صد عن الرشد، وكذب بدين الحق.
٢ سورة الزخرف. الآيتان: ٧٧، ٧٨..
٣ سورة الزخرف. الآية ٧٦..
٤ سور الإسراء. من الآية ٩٧..
٥ سورة المؤمن. الآية ٤٩..
﴿ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ والمعذبون الهالكون يصيحون مستغيثين ويدعون ربهم نادمين- لكن حين لا ينفع الندم – يسألونه سبحانه أن يعيدهم إلى دار التكليف ليعملوا غير الذي كانوا عملوه(.. فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين( ١( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون( ٢ ).. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ٣، فيوبخهم الواحد القهار، كما توبخهم الملائكة خزنة النار، فتقول لهم الملائكة ما أخبر به القرآن :).. أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال( ٤(. وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى.. ( ٥.
﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ﴾- جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم... والهمزة للإنكار.. و﴿ ما ﴾ موصولة أو موصوفة، أي ألم نمهلكم ونعمركم العمر، أو عمرا يتمكن فيه من أراد التذكر وتحققت منه الإرادة من التذكر والتفكر....
﴿ وجاءكم النذير ﴾ عطف على معنى الجملة الاستفهامية... والمراد بالنذير... رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل : ما معه من القرآن... وقيل : كمال العقل-٦ [ فما للكافرين الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها غضب الله بكفرهم بالله في الدنيا من نصير ينصرهم من الله ليستنقذهم من عقابه ]٧.
٢ سورة المؤمنون. الآيتان: ١٠٦. ١٠٧..
٣ سورة الأنعام. من الآية ٢٨..
٤ سورة المؤمن. من الآية ٥٠..
٥ سورة الزمر. من الآية ٧١..
٦ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٧ ما بين العلامتين [ ] من جامع البيان..
﴿ ذات الصدور ﴾ مضمرات النفوس والقلوب.
﴿ إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور ٣٨ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ٣٩ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ما ذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينات منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ٤٠ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ٤١ ﴾
شهد الله- وكفى به شهيدا- أنه أحاط علما بما في السماوات والأرض ما تبصرون منه وما لا تبصرون، واستيقنوا وصدقوا تصديقا راسخا لا شك فيه أنه عليم بخفيات النوايا، وما انطوت عليه البواطن ).. ونعلم ما توسوس به نفسه.. ( ١، فلولا علمه سبحانه بخبث نوايا المجرمين، وبالغ عمى قلوب الكافرين لما خلدهم في عذاب الجحيم( ولوعلم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون( ٢-... مظنة أن يقال : كيف يخلدون في العذاب وهم قد ظلموا في أيام معدودة ؟ فأجيب بأنه ﴿ عليم بذات الصدور ﴾ على معنى أنه تعالى يعلم ما انطوت عليه ضمائرهم فيعلم أنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد-٣[ و ﴿ عالم ﴾ إذا كان بغير تنوين صلح أن يكون للماضي والمستقبل، وإذا كان منونا لم يجز أن يكون للماضي ]٤.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : وذات الصدور : صواحباتها من الظنون والعقائد، فذو موضوع لمعنى الصحبة، فالصدور ذات العقائد، والعقائد ذات الصدور، باعتبار أنها تصحبها، وحين ذكرهم بما مر من أنه سوف يوبخهم بالتعمير- أي بأنه عمرهم مدة تكفي لتذكر من يريد تفكرا وشكورا وإتياء العقول، وإرسال من يؤيد المعقول بالمنقول، وعظهم بأنه ﴿ هو الذي جعلكم ﴾.. للعدول عن خطاب أهل الآخرة إلى خطاب أهل الدنيا.. ﴿ خلائف في الأرض ﴾ كأنه قيل : أمهلتم، وعمرتم، وأمرتم على لسان الرسل بما أمرتم، وجعلتم خلفاء الهالكين الماضين، فأصبحتم بحالهم راضين﴿ فمن كفر ﴾ بعد هذا كله ﴿ فعليه ﴾ وبال﴿ كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ﴾ لأن الكافر السابق ممقوت، واللاحق الذي انتظر الرسول ولم ينتبه أمقت، لأنه رأى عذاب من تقدمه ولم يتنبه.. اه. كلما استمروا على كفرهم من غير أن يزدجروا، أو يتنبهوا فيعتبروا، كلما مد الله تعالى لهم في العذاب مدا، وخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ولقد أعذر الله تعالى إلى خلقه، وأنذرهم على لسان أنبيائه ورسله، فهود عليه السلام وعظ عادا بما بينه الكتاب العزيز ).. واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون( ٥.
ومما جاء في الآيات المباركات :)أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذا بطشتم بطشتم جبارين. فاتقوا الله وأطيعون. واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون( ٦ أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون. إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم. قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين )وصالح عليه السلام يعظ قومه يعدد آلاء الله الكريم الوهاب، عسى أن يردهم استحضار فضل المنعم إلى شكره واستدامة نعمه، كما في الآية الكريمة :)واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين( ٧.
والذين كذبوا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بكتهم الله وحذرهم مصير الذين بطروا معيشتهم، وكفروا بأنعم الله :)ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( ٨ وينذرهم أن كلمة العذاب حقت على الباغين، وحيط عملهم :)كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة.. ( ٩.
﴿ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ﴾ أمر الله تعالى نبيه أن يسأل المشركون سؤال تقريع وتبكيت : أخبروني وأعلموني عما زعمتموهم آلهة فأشركتموهم مع الله تعالى في العبادة !
﴿ أروني ماذا خلقوا من الأرض ﴾ أروني أي جزء من الأرض خلقوه حتى ساغ لكم أن تدعوا أنهم شركاء لله جل علاه ؟ ! و ﴿ أروني ﴾ بدل اشتمال من ﴿ أرأيتم ﴾، ﴿ أم لهم شرك في السماوات ﴾ بل ألهم مشاركة مع الله عز وجل في خلق السماوات أو ملكها أو تدبيرها، والسلطان عليها وعلى من فيها وما فيها ؟ وحاشا ! لقد ضل عنهم ما يفترون.
﴿ أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه ﴾ بل أعطيناهم كتابا يشهد أنا اتخذنا هؤلاء لنا شركاء ؟ فهم على حجة ظاهرة موضحة أن لهم شركة معنا ؟ ! وذلك كالذي في سورة الأحقاف :)قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين( ١٠.
﴿ بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ﴾ بل ما يعد المتبوعون من المشركين أتباعهم من الضالين إلا عدة تغرر بهم، وتخدعهم وتضلهم، وما يعدهم الشيطان إلا بزخرف القول وباطله، فقال المستكبرون للذين استضعفوا :(.. هؤلاء شفعاؤنا عند الله.. ( ١١، وقالوا(.. ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.. ( ١٢.
﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ﴾ وبعد أن حصحص الحق في بطلان إفك المشركين، وتبين عجز ما سوى الله الملك المتين، ذكر سبحانه بأنه وحده حافظ السماوات والأرض والكون كله أن يميد أو يهلك ويبيد، و﴿ أن تزولا ﴾ بمعنى : لئلا تزولا، ﴿ ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾ ولو جاء أجل زوالهما والخلق جميعا ما يحفظهما ولا يستبقيهما أحد من بعد نفاذ مراد الله تعالى، فإنه ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، ﴿ إنه كان حليما غفورا ﴾- فلذا حلم على المشركين وغفر لمن تاب منهم مع عظيم جرمهم المقتضي لتعجيل العقوبة وعدم إمساك السماوات والأرض وتخريب العالم الذي هم فيه١٣، فلا يتوهم أن المقام يقتضي ذكر القدرة، لا الحلم والمغفرة-١٤.
٢ سورة الأنفال. الآية ٢٣..
٣ ما بين العارضتين مما جاء في روح المعاني..
٤ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
٥ سورة الأعراف. من الآية ٦٩..
٦ سورة الشعراء. الآيات: من ١٢٨ إلى ١٣٦..
٧ سورة الأعراف. الآية ٧٤..
٨ سورة التوبة. الآية ٧٠..
٩ سورة التوبة. من الآية ٦٩..
١٠ الآية ٤..
١١ سورة يونس. من الآية ١٨..
١٢ سورة الزمر. من الآية ٣..
١٣ قال الكلبي: لما قالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله كادت السماوات والأرض أن تزولا عن أمكنتهما، فمنعهما الله، وأنزل هذه الآية فيه، وهو كقوله تعالى:)وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. أن دعوا للرحمن ولدا. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا(. سورة مريم الآيات من ٨٨ – ٩٢..
١٤ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ مقتا ﴾ بغضا شديدا، وصغارا وغضبا.
﴿ خسارا ﴾ خسرانا وهلاكا.
سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون
كلماتها ٧٧٧- حروفها ٣١٣٠.
﴿ إن يعد ﴾ ما يعد.
﴿ غرورا ﴾ خداعا وتضليلا.
سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون
كلماتها ٧٧٧- حروفها ٣١٣٠.
﴿ إن أمسكهما ﴾ ما يحفظهما.
سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون
كلماتها ٧٧٧- حروفها ٣١٣٠.
﴿ جهد أيمانهم ﴾ ما وسعهم الحلف.
﴿ نفورا ﴾ فرارا عن الحق، وتباعدا عنه.
﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير مازادهم إلا نفورا ٤٢ استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا٤٣ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا٤٤ ﴾
أقسم العرب وأقسمت قريش، وحلفوا جاهدين ما وسعهم الحلف : لئن بعث الله فيهم نبيا كما بعث في غيرهم ليصيرن أتم هداية من أية أمة سواهم، كما جاء في الذكر الحكيم إعذارا فيهم وحجة عليهم :)أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين. أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءتكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها.. ( ١.
وكقوله تعالى :)وإن كانوا ليقولون. لو أن عندنا ذكرا من الأولين. لكنا عباد الله المخلصين. فكفروا به فسوف يعلمون( ٢، ﴿ فلما جاءهم نذير ﴾ وما أكرمه من نذير، فهو خير البرية وخاتم النبيين، حين أتاهم ما ترقبوه ﴿ مازادهم إلا نفورا ﴾ لم يهد لهم مجيئه، ولا انتفعوا ببشارته وإنذاره، وإنما ازدادوا هروبا من الرشد، وفرارا عن الحق والخير وتباعدا، وضموا أرجاسا إلى رجسهم ) وهم ينهون عنه وينأون عنه.. ٣ وضلوا وأضلوا كثيرا، ﴿ استكبارا في الأرض ﴾ وكان مما حملهم على الإبعاد في الغي والصد عن البر أن كبر عليهم الاستجابة لبشر يأكل مما يأكلون منه ويشرب مما يشربون ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا. أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها.. ( ٤. ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( ٥ )أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا )٦، ﴿ ومكر السيء ﴾ مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم أسوأ المكر ليقتلوه أو يحبسوه أو يطردوه، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات، ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون( ٧ وزينوا لمن استضعف منهم أن يثبت على عبادة الأوثان، وتواصى الملأ الذين استكبروا بالاستمساك بتقديس أصنامهم( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد( ٨.
٢ سورة الصافات. الآيات: من ١٦٧ إلى ١٧٠..
٣ سورة الأنعام. من الآية ٢٦..
٤ سورة الفرقان. الآية ٧، ومن الآية ٨..
٥ سورة الزخرف. الآية ٣١..
٦ سورة الإسراء. الآية ٩١..
٧ سورة فصلت. الآية ٢٦..
٨ سورة ص. الآية ٦..
﴿ يحيق ﴾ يحيط.
﴿ فهل ينظرون ﴾ ما ينتظرون.
﴿ سنة الأولين ﴾ سنة الله في إهلاك السابقين من المجرمين.
﴿ تبديلا ﴾ فيعافي المفسدين.
﴿ تحويلا ﴾ فيهلك غير الباغين
﴿ ولايحيق المكر السيء إلا بأهله ﴾ لا تحيط عاقبة المكر السيء والإضلال عن الهدى إلا بالكافرين الماكرين، الصادين عن توحيد رب العالمين، فمن دعا إلى غي فهو أضل الضالين، وأولئك لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم، فما ينتظرون إلا أن يبطش الله تعالى بهم كما مضت سنته فأهلك المكذبين الأولين- و ﴿ سنة الأولين ﴾ من إضافة المصدر إلى مفعوله-( وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية.. ( ١ )وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. وقارون وفرعون وهامان ولقد جاء موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين. فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( ٢
٢ سورة العنكبوت. الآيات من: ٣٨ إلى ٤٠..
﴿ بما كسبوا ﴾ بما عملوا من الذنوب.
﴿ أجل مسمى ﴾ حين علمه الله تعالى، ووقت وقته.
﴿ أجلهم ﴾ ميعاد لقائهم ربهم.
﴿ كان بعباده بصيرا ﴾ ولم يزل بهم وبكل شيء بصيرا.
﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ٤٥ ﴾
لو يعجل الله بأسه الذي كان ينزل بالعصاة أولئك لأهلك كل الأحياء التي تعيش على الأرض، فحبس القطر والغيث، توعد به طائفة من العصاة، ولولا البهائم لم يمطروا، وإنه إن وقع فسيهلك الإنسان والحيوان والنبات، كما جاء في آية أخرى :)ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة.. ( ١- وقيل : المراد بالدابة الإنس وحدهم وأيد بقوله تعالى :﴿ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ﴾ وهو يوم القيامة، فإن الضمير للناس، لأنه ضمير العقلاء، ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء نوعهم، وقيل : هو لجميع من ذكر تغليبا، ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات﴿ فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾ فيجازي المكلفين منهم عند ذلك بأعمالهم إن شرا فشر وإن خيرا فخير.. -٢.
هذا ! ولما كانت سورة سبأ قد قدمت على هذه السورة في التذكير بالبعث، وختمت ببيان ما يحل بمنكريه يوم يأتيهم فلا يجدون عن أهواله مصرفا، صرف الله تعالى في آيات سورة ﴿ فاطر ﴾ البرهان تلو البرهان، على أن الناس سيلاقوا مولاهم الملك الديان ﴿ يا أيها الناس إن وعد الله حق ﴾ ﴿ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ﴾ وختمت بقوله تبارك وتعالى :﴿ .. ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾ وبشرت بنعيم المؤمنين، المصدقين بيوم الدين ﴿ ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ﴾ ﴿ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذين أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ كما حذرت مصير المكذبين باللقاء والجزاء، وأنه حين يحل بهم يتقطع ما بين الأهل والأخلاء، وما بين المشركين وما اتخذوه من دون الله من أولياء ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ﴾ ﴿ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ﴾، وإنه لعذاب أليم مقيم، يخلدون فيه فلا يتحولون عنه، ولا يخرجون منه. ﴿ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ﴾، وإن للذين جحدوا وصدوا عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر ﴿ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ﴾ ﴿ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا. أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ﴾
فمن أراد عز الدنيا فليستيقن بالعزيز، وليعتصم بكتابه المجيد، وليستقيم على هدى رسوله إلى العالمين، نبينا محمد خاتم النبيين، ومن أراد ثواب الآخرة فليصدق باللقاء، وليتهيأ للحساب والفصل والقضاء، فإن ألم بسيئة، وأسرف على نفسه أوزارا، فلينب إلى مولانا البر الرحيم، التواب العظيم، ﴿ إنه كان حليما غفورا ﴾ وما تكرر الاسمان الجليلان مقترنين في غير هذه السورة المباركة ﴿ غفور ﴾ ﴿ شكور ﴾.
فاللهم غفرانك، وعفوك وإحسانك، إنك أنت الشكور، تتقبل العمل القليل، وتثيب عليه بالأجر الجزيل، والثواب الجميل، وأنت أفضل مأمول، وأكرم مسئول. اللهم آمين.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..