تفسير سورة النّور

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة النور من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
مدنية
وآياتها أربع وستون
كلماتها : ١٣١٦ ؛ حروفها : ٥٣٣٠

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ١ ) ﴾
﴿ سورة ﴾ يوصف بها في اللغة ما ارتفع وأحاط، وهي في القرآن الكريم : جملة من كلام الله تعالى، وطائفة من آياته الحكيمة المتلوة.
﴿ فرضناها ﴾ أصل الفرض : القطع والتقدير، وقد يراد بها هنا : فصلناها ونزلنا فيها فرائض، وأمرنا فيها بالحلال، ونهينا عن الحرام، وألزمناكم ذلك.
﴿ آيات ﴾ علامات على الحق ودلالات على الهدى والرشد.
﴿ بينات ﴾ واضحات ومبينات.
﴿ لعلكم تذكرون ﴾ لتتذكروا بهذه الآيات.
هذه السورة المباركة أنزلناها كما أنزلنا سائر سور القرآن العزيز فتلقوها بالتقديس واستقيموا على شرعتنا ومنهاجنا الذي ارتضيناه لكم ولمن يجيء بعدكم إلى يوم الدين.
مما يقول صاحب تفسير القرآن العظيم في معنى :﴿ سورة أنزلناها ﴾ فيه تنبيه على الاعتناء بها، ولا ينفي ما عداها. اه.
كما أورد الألوسي :﴿ سورة ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي هذه السورة.. وقوله تعالى :﴿ أنزلناها ﴾ مع ما عطف عليه صفات لها مؤكدة.. وقوله تعالى :{ وفرضناها إما على تقدير مضاف، أي فرضنا أحكامها، وإما على اعتبار المجاز في إسناد ما للمدلول للدال لملابسة بينهما تشبه الظرفية. ا ه.
ومما قال أبو جعفر الطبري : يعني بقوله تعالى ذكره :﴿ سورة أنزلناها ﴾ : وهذه السورة أنزلناها، وإنما قلنا معنى ذلك كذلك لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذ لم تكن جوابا... وأما قوله :﴿ وفرضناها ﴾.. عن مجاهد في قوله :﴿ وفرضناها ﴾ قال : الأمر بالحلال والنهي عن الحرام، ... وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يوجه إلى معناه : وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة.. ﴿ وفرضناها ﴾ بتخفيف الراء بمعنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم وألزمناكموه وبينا ذلك لكم. اه.
﴿ وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ﴾ وأنزلنا في هذه السورة علامات على الحق، ودلالات على الهدى والرشد موضحات مفسرات مبينات لتتذكروا بها، وتستقيموا على طريقها، وربما يكون تكرار الفعل ﴿ أنزلنا ﴾ لإبراز كمال العناية بشأنها.
مما نقل صاحب روح المعاني : إنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود، وفي آخرها دلائل التوحيد، فقوله تعالى :﴿ فرضناها ﴾ إشارة إلى الأحكام المبينة أولا، وقوله سبحانه ﴿ وأنزلنا فيها آيات بينات ﴾ إشارة إلى ما في وسطها وآخرها من دلائل التوحيد، ويؤيده قوله عز وجل ﴿ لعلكم تذكرون ﴾ فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكرونها.. اه.
ومما قال صاحب جامع البيان :﴿ بينات ﴾ يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحق المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم اه.
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ { ٢ ) ﴾
﴿ الزانية والزاني ﴾ المرأة تمكن من ليس زوجا لها ولا مالكا من الاستمتاع بها في قبلها، والرجل يطأ المرأة في قبلها في غير زوجية ولا ملك، أو يمكنها من ذلك.
﴿ فاجلدوا ﴾ فاضربوا جلد كل واحد منهما بسوط أو نحوه.
﴿ رأفة ﴾ رقة وشدة عطف.
﴿ في دين الله ﴾ في إنفاذ شرع الله وحكمه الذي قضى فيهما، وهو إقامة الحد.
﴿ طائفة ﴾ جماعة، أو واحد فصاعدا.
التي تزني من النساء، والذي يزني من الرجال حد كل واحد منهما كما شرع الله سبحانه أن يضرب ويجلد مائة جلدة عقوبة له على ما فعل وارتكب من معصية مولانا عز وجل، هذا إذا كانت الزانية والزاني غير محصنين أي لم يسبق لهما أن استمتعا بوطء في نكاح صحيح وأما المملوكات فحد من تزني منهن خمسون جلدة، بدليل ما جاء في الآية الكريمة :{ .. فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات١من العذاب.. )٢. ويقاس العبد على الجارية فحكمه كحكمها ؛ ولا تمتنعوا معاشر المؤمنين بالله واليوم الآخر عن إقامة الحدود على مستحقيها شفقة عليهم، فإن الحكيم الذي شرع أولى بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من أمهاتهم، وإنما فرض ما فرض من عقوبة إصلاحا لهم ولغيرهم.
﴿ وليشد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ وليحضر إقامة الحد على كل من الزاني والزانية جماعة من أهل التصديق بالله تعالى ورسوله وما يجب اليقين والتصديق به، وقد يدعى لها بالمغفرة والتوبة فيستجيب العفو الكريم، ويغفر لهما هذا الذنب العظيم.
مما أورد صاحب تفسير٣ القرآن العظيم : الزاني لا يخلو، إما أن يكون بكرا، وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة، كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما : يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا يعني أجيرا على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل من أسلم إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها.. فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم.. وأورد عن الإمام مالك بسنده.. أن ابن عباس أخبره أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا.. اه.
ومما قال صاحب الجامع لأحكام القرآن٤ : قوله تعالى :﴿ الزانية٥ والزاني ﴾ كان الزنى في اللغة معروفا قبل الشرع، مثل اسم السرقة والقتل، وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح، بمطاوعتها... قوله تعالى ﴿ فاجلدوا ﴾ دخلت الفاء لأنه موضع أمر، والأمر مضارع للشرط، وقال المبرد : فيه معنى الجزاء، أي إن زنى زان فافعلوا به كذا، ولهذا دخلت الفاء، وهكذا :{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.. )٦ الحد الذي أوجب الله في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن تقام بين أيدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك، وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك، رضي الله عنهم، وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية، تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة، فتجب مراعاته بكل ما أمكن، روي في الصحيح عن حصين بن النذر أبي ساسان قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال : أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال : يا علي قم فاجلده. فقال علي : قم يا حسن فاجلده فقال الحسن : ولّ حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال : يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعلي يعد... الحديث... فانظر قول عثمان للإمام علي : قم فاجلده.. فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك.. قال ابن العربي : وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر ولا احلولت لهم المعاصي، حتى يتخذوها ضراوة٧ ويعطفون عليها بالهوادة فلا يتناهوا عن منكر فعلوه، فحينئذ تتعين الشدة ويزاد الحد [ وفي نسخ : الجلد ] لأجل زيادة الذنب، وقد أتى عمر بسكران في رمضان فضربه مائة، ثمانين حد الخمر، وعشرين لهتك حرمة الشهر، فهكذا يجب أن تركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات. وقد لعب رجل بصبي فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغير ذلك مالك حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة، لمات كمدا ولم يجالس أحدا، وحسبنا الله ونعم الوكيل. اه. في روح المعاني ص ٧٩ زيادة مفيدة.
١ الحرائر..
٢ سورة النساء. من الآية ٢٥..
٣ هو الحافظ ابن كثير، يراجع من شاء جـ٣ ص ٢٦٠ طبعة عيسى البابي الحلبي..
٤ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، جاء ذلك في الجزء الثاني عشر ص ١٥٩ وما بعدها، طبعة دار الكتب المصرية..
٥ قدمت الزانية في هذه الآية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكن مجاهرات بذلك، وقيل: لأن الزنى في النساء أعر، وهو لأجل الحبل أضر، وقيل: لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب، فصدرها تغليظا لتردع شهوتها، وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، وأيضا فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا..
٦ سورة المائدة: من الآية ٣٨.
٧ الضراوة: العادة، وشدة الشهوة..
﴿ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ { ٣ ) ﴾
المفحش حين يقترف خطيئته إنما يطأ زانية من المسلمين أو أخس منها زانية من المشركين والزانية١ يجامعها حين زناها زان من المسلمين أو أدون منه وهو المشرك. وحرم الله تعالى الزنى على المؤمنين.
وقيل٢ : النكاح بمعنى التزوج، والنفي بمعنى النهي، وعبر به عنه للمبالغة.
قال ابن المسيب : وكان الحكم عاما في الزناة أن لا يتزوج أحدهم إلا زانية، ثم جاءت الرخصة٣. ونسخ ذلك بقوله تعالى :{ وأنكحوا الأيامي منكم.. )٤ وقوله سبحانه :{ .. فانكحوا ما طاب لكم من النساء.. )٥. وورد القول بالنسخ عن مجاهد٦.
١ أورد صاحب تفسير غرائب القرآن.. أسئلة في الآية الكريم والأجوبة عليها، ومنها: كيف قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة، وعكس الترتيب في هذه الآية؟ والجواب: أن تلك الآية مسوقة لبيان عقوبتهما على جنايتهما، وكانت المرأة أصلا فيها لأنها هي التي أطمعت الرجل في ذلك، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل هو الأصل في الرغبة والخطبة، والثاني: ما الفرق بين الجملتين في الآية؟ والجواب: معنى الأول صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر، ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للإعفاء ولكن للزناة.. الثالث: أنا نرى الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف؟ الجواب: للمفسرين فيه وجوه: أحدها-وهو الأحسن- قول القفال: إن اللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد منه الأعم الأغلب، وذلك أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزني والتقحب لا يرغب غالبا في نكاح الصوالح من النساء، وإنما يرغب فاسقة خبيثة من شكله أو في مشركة، والفاسقة الخبيثة المسافحة لا يرغب في نكاحها الصلحاء في الأغلب، وإنما يرغب فيها أشكالها من الفسقة أو المشركين، نظير هذا الكلام قول القائل: لا يفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي، وأما المحرم على المؤمنين فصرف الرغبة إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات..
٢ نقل نحو هذا عن أبي مسلم، وأبي حيان، وأبي داود في ناسخه، والبيهقي في سننه، وغيرهم. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما..
٣ أورده صاحب روح المعاني..
٤ سورة النور. من الآية ٣٢..
٥ سورة النساء. من الآية ٣..
٦ يقول علماء الأحكام: اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أوجه من التأويل..
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { ٤ ) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ٥ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون ويشتمون، ويتهمون بالزنى ويسبون.
﴿ المحصنات ﴾ العفيفات.
ومن رمى محصنة حرة عفيفة، واتهمها بالزنى ولم يشهد على قذفه هذا وسبه أربعة شهود فإن حكم الله تعالى فيه أن يجلد ثمانين جلدة، وأن ترد شهادته إذ لم يعد من عدول المسلمين، وهو قد أبعد في الخروج على طاعة الله تعالى، وغدا من زمرة العاصين، إلا من تاب واستغفر وأقلع عن ذنبه الذي ارتكب، فإن الله المعبود بحق، الرحيم بالخلق يتجاوز عن إساءته، ولا يفضحه بخطيئته.
واتهام الرجال المسلمين الأعفاء بالزنى داخل في هذا الحكم بالمعنى، فإن فريقا من علماء القرآن : المراد ب﴿ المحصنات ﴾ ها هنا : النفوس المحصنات فشملت أهل العفة المؤمنين والمؤمنات، والإجماع على ذلك. مما ذكر علماء الأحكام : وخص النساء بذلك وإن كان الرجال يشركونهن في الحكم لأن القذف فيهن أبشع وأنكر للنفوس، ومن حيث هن هوى الرجال، فذكرهن الله تعالى في الآية من حيث هن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأئمة على ذلك..
والجمهور على أنه لا حد على من قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم.. وإذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة.. والعبد إذا قذف حرا يجلد أربعين.. وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه، لتباين مرتبتهما، لقوله عليه السلام : " من قذف مملوكه بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال "، أخرجه البخاري ومسلم. قال العلماء : وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿ .. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ والخامسة ﴾ وتكون شهادته الخامسة أن يقول : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.

﴿ ويدرأ عنها العذاب ﴾ ويدفع عنها الحد.
﴿ إنه لمن الكاذبين ﴾ إن زوجها لكاذب فيما رماها به من الزنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.

﴿ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ﴾ فيما اتهمها به
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.

﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ﴾ : جواب لولا محذوف، وتقديره : لأحرجكم أو لفضحكم أو نحو ذلك.
[ ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم وأنه عواد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم وسياسته لهم لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم، وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلا رحمة منه بكم وتفضلا عليكم، فاشكروا نعمه، وانتهوا عن التقدم عما عنه نهاكم من معاصيه ؛ وترك الجواب في ذلك اكتفاء بمعرفة السامع المراد منه ]١.
﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ﴾ أي فيما بين من هذه الأحكام وفيما أمهل وأبقى ومكن من التوبة، وجواب لولا محذوف، أي لهلكتم أو فضحتم، أو لكان ما كان من أنواع المفاسد وإنما حسن حذفه ليذهب الوهم كل مذهب فيكون أبلغ في البيان، فرب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به ٢
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول : " كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : " كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال : " أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : " أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿ .. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ إفك مبين ﴾ زور وافتراء واضح ظاهر مكشوف.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ أفضتم فيه ﴾ اندفعتم في ترديده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ تلقونه ﴾ تتلقونه وتتلقفونه وتتهافتون على سماعه وتسرعون، وتتصيدون ما حبك من باطل هذا القول.
﴿ هينا ﴾ سهلا لا تبعة فيه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ بهتان ﴾ كذب يحير سامعه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ يعظكم ﴾ ينصحكم ويذكركم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ تشيع ﴾ تنتشر وتفشو، وتتفرق وتظهر.
﴿ الفاحشة ﴾ الخطيئة القبيحة، المفرطة السوء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ رءوف ﴾ عظيم الرفق.
﴿ رحيم ﴾ واسع الرحمة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ٢١ ) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ٢٢ ) ﴾
﴿ خطوات الشيطان ﴾ نزغه ووسوسته ومسلكه.
﴿ يأمر بالفحشاء ﴾ يأمر بما فحش قبحه وأفرط في الزنى والرمي به.
﴿ والمنكر ﴾ ما ينكره الشرع.
﴿ زكي ﴾ طاهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:نادى الله تبارك اسمه عباده المؤمنين أن يجتنبوا مسالك الشيطان، فإنه لهم عدو مبين، ومن يقتف أثره، أو يذهب مذهبه فإنه داعية إلى أفجر الفجور وأسوأ الشرور وأقبح القبائح، ولولا فضل الله تعالى علينا بالحلم والتوبة، وتكفير الذنب والرحمة، ما تطهر أحد من الدنس ـ والله لولا الله ما اهتدينا ـ ولكن مولانا بمنه وكرمه يطهر من يشاء، والله سميع لمن دعاه أن يزكيه، عليم بالأطهار والأخيار الأبرار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
[ روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.. ﴾ العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ إلى قوله :﴿ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾. فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.. قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى :﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )١ وقد قال تعالى في آية أخرى {.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )٢ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك، ومن آيات الرجاء في قوله :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. )٣وقوله تعالى :{ الله لطيف بعباده.. )٤ ؛ وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى )٥ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. قوله تعالى { أن يؤتوا ﴾ أي : ألا يؤتوا، فحذف ـ لا ـ.. ]٦

﴿ يأتل ﴾ يحلف. ﴿ أولي القربى ﴾ أصحاب القرابة.
﴿ المساكين ﴾ المحتاجين.
﴿ وليعفوا ﴾ وليتجاوزوا عن أخطائهم.
﴿ وليصفحوا ﴾ وليعرضوا عن إساءاتهم.
﴿ يغفر ﴾ يستر الذنب.
﴿ رحيم ﴾ واسع الرحمة.
﴿ ولا يأتل ﴾ الفعل قبل دخول الجازم عليه [ يأتل } من الألي وهو الحلف، فهو منته بالياء مثل يهتدي ويعتدي، فلما سبقته [ لا ] النهاية جزمته، فحذف من آخره حرف العلة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:نادى الله تبارك اسمه عباده المؤمنين أن يجتنبوا مسالك الشيطان، فإنه لهم عدو مبين، ومن يقتف أثره، أو يذهب مذهبه فإنه داعية إلى أفجر الفجور وأسوأ الشرور وأقبح القبائح، ولولا فضل الله تعالى علينا بالحلم والتوبة، وتكفير الذنب والرحمة، ما تطهر أحد من الدنس ـ والله لولا الله ما اهتدينا ـ ولكن مولانا بمنه وكرمه يطهر من يشاء، والله سميع لمن دعاه أن يزكيه، عليم بالأطهار والأخيار الأبرار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
[ روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.. ﴾ العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ إلى قوله :﴿ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾. فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.. قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى :﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )١ وقد قال تعالى في آية أخرى {.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )٢ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك، ومن آيات الرجاء في قوله :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. )٣وقوله تعالى :{ الله لطيف بعباده.. )٤ ؛ وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى )٥ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. قوله تعالى { أن يؤتوا ﴾ أي : ألا يؤتوا، فحذف ـ لا ـ.. ]٦

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ٢٣ ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { ٢٤ ) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ { ٢٥ ) ﴾
﴿ الغافلات ﴾ لم يخطر ببالهن أبدا مقارفة الفاحشة أو دنس
﴿ لعنوا ﴾ طردوا وأبعدوا من رحمة الله سبحانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:إن من يتهم عفيفة طاهرة كاملة النزاهة عن الفحش حتى ما يخطر لها شيء من ذلك على بال وهي مصدقة مستيقنة بما يجب الإيمان به، من يتهم واحدة من هؤلاء بالزنى فإنه مبعد عن رحمة ربنا في الدنيا والآخرة، وله النكال والجحيم والعذاب الأليم، يوم ينطق الواحد القهار جوارحه فيشهد عليه لسانه بما نهش من أعراض، وبما عاب وانتقص من صالحات قانتات، وصالحين قانتين، وينطق الكبير المتعال أيديهم وأرجلهم لتشهد على الفجار الأشرار بما جرحت أيديهم من فساد، وما سعوا إليه من خبال وضلال وظلم للعباد، فيومئذ يجزون الجزاء الأوفى {.. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )١ { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون )٢، ويبدو لهم من الله تعالى ما لم يكونوا يحتسبون، ويظهر لهم أن مولانا لا يضل ولا ينسى ما كانوا يفترون، ويريهم أعمالهم حسرات عليهم، فهو سبحانه شهيد على الذين كانوا يفعلون. قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة : الإبعاد، وضرب الحد، واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال : هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال : نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية : إنه عام لجميع الناس من القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير :[ إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث ]٣
﴿ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ﴾ ينطقها الله تعالى يوم القيامة بما كان من أصحابها من خطايا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:إن من يتهم عفيفة طاهرة كاملة النزاهة عن الفحش حتى ما يخطر لها شيء من ذلك على بال وهي مصدقة مستيقنة بما يجب الإيمان به، من يتهم واحدة من هؤلاء بالزنى فإنه مبعد عن رحمة ربنا في الدنيا والآخرة، وله النكال والجحيم والعذاب الأليم، يوم ينطق الواحد القهار جوارحه فيشهد عليه لسانه بما نهش من أعراض، وبما عاب وانتقص من صالحات قانتات، وصالحين قانتين، وينطق الكبير المتعال أيديهم وأرجلهم لتشهد على الفجار الأشرار بما جرحت أيديهم من فساد، وما سعوا إليه من خبال وضلال وظلم للعباد، فيومئذ يجزون الجزاء الأوفى {.. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )١ { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون )٢، ويبدو لهم من الله تعالى ما لم يكونوا يحتسبون، ويظهر لهم أن مولانا لا يضل ولا ينسى ما كانوا يفترون، ويريهم أعمالهم حسرات عليهم، فهو سبحانه شهيد على الذين كانوا يفعلون. قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة : الإبعاد، وضرب الحد، واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال : هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال : نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية : إنه عام لجميع الناس من القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير :[ إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث ]٣
﴿ دينهم الحق ﴾ حسابهم وجزاءهم الذين يستحقون، لا يظلمون.
﴿ ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾ يعلمون يوم الحساب عيانا كيف ينتقم الله تعالى من الظالم للمظلوم بالعدل والحق، ويبدو لهم من الواحد القهار ما لم يكونوا يحتسبون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:إن من يتهم عفيفة طاهرة كاملة النزاهة عن الفحش حتى ما يخطر لها شيء من ذلك على بال وهي مصدقة مستيقنة بما يجب الإيمان به، من يتهم واحدة من هؤلاء بالزنى فإنه مبعد عن رحمة ربنا في الدنيا والآخرة، وله النكال والجحيم والعذاب الأليم، يوم ينطق الواحد القهار جوارحه فيشهد عليه لسانه بما نهش من أعراض، وبما عاب وانتقص من صالحات قانتات، وصالحين قانتين، وينطق الكبير المتعال أيديهم وأرجلهم لتشهد على الفجار الأشرار بما جرحت أيديهم من فساد، وما سعوا إليه من خبال وضلال وظلم للعباد، فيومئذ يجزون الجزاء الأوفى {.. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )١ { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون )٢، ويبدو لهم من الله تعالى ما لم يكونوا يحتسبون، ويظهر لهم أن مولانا لا يضل ولا ينسى ما كانوا يفترون، ويريهم أعمالهم حسرات عليهم، فهو سبحانه شهيد على الذين كانوا يفعلون. قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة : الإبعاد، وضرب الحد، واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال : هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال : نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية : إنه عام لجميع الناس من القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير :[ إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث ]٣
﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { ٢٦ ) ﴾
﴿ الخبيثات للخبيثين ﴾ الزوجات أو الكلمات السيئات للسيئين
﴿ والطيبون للطيبات ﴾ الأزواج أو المتكلمون الخيرون للزوجات أو الكلمات الصالحات.
﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ الذين عفوا منزهون عن الدنس الذي يرميهم به الخبثاء.
﴿ ورزق كريم ﴾ لهم مع النجاة من العقاب أكرم المآب وعظيم الثواب في الجنة، يرزقون فيها بغير حساب.
من زاغ عن الحق والرشد والبر أزاغ الله قلبه، ومن نسي مولاه أنساه ربنا نفسه، ومن خبث لا يخرج إلا سوءا ونكدا، ومن فسد باطنه ترجم لسانه عن طويته، كما قال الشاعر :
ومهما تكن امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم.
فالكلمات والنعوت القبيحة ملازمة للخبثاء من الناس ذكورهم وإناثهم ؛ يقول حكيم : إنك لا تجني من الشوك العنب ؛ ويقول آخر : وكل إناء بالذي فيه ينضح ؛ وأما من حسنت سريرته من الناس من رجل أو امرأة فإنه مهدي إلى الطيب من القول والفعل، وليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، إذ قد جاءته من ربه الموعظة :{ .. وقولوا للناس حسنا.. )١ وضرب الله تعالى الأمثال لقوم يتفكرون :{ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون )٢ ﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ أولئك المصطفون الأخيار منزهون عما يقول المجرمون والمفترون، وهم بحسن المآب وعظيم الثواب فائزون ﴿ يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم )٣مما قال الطبري : وقال آخرون : بل معنى ذلك الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء.. قال ابن زيد في قوله :{ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ﴾ قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبي هو خبيث وكان أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا وكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة وكان أولى أن يكون لها الطيب ﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ قال : ههنا برئت عائشة ﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية قول من قال : عني بالخبيثات : الخبيثات من القول وذلك قبيحه وسيئه للخبيثين من الرجال والنساء، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول هم بها أولى، لأنهم أهلها، والطيبات من القول وذلك حسنه وجميله للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول، لأنهم أهلها وأحق بها ؛ وإنما قلنا : هذا القول أولى بتأويل الآية لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله القائلين في عائشة الإفك، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به أشبه من الخبر عن غيرهم، .. وقد قيل : عني بقوله :﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ عائشة وصفوان بن المعطل الذي رميت به، فعلى هذا القول قيل :﴿ أولئك ﴾ فجمع، والمراد ذانك، كما قيل، { .. فإن كان له إخوة.. )٤.. اه.
١ سورة البقرة. من الآية ٨٣..
٢ سورة إبراهيم. الآيتان ٢٤، ٢٥..
٣ سورة التوبة. الآيتان: ٢١، ٢..
٤ سورة النساء. من الآية ١١..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ٢٧ ) ﴾
﴿ بيوتكم ﴾ بيوت سكنكم.
﴿ تستأنسوا ﴾ تطلبوا علم من في الدار بوجودكم، وطلب الإذن لكم.
﴿ وتسلموا ﴾ تقولوا : السلام عليكم.
﴿ خير ﴾ هو الخير.
﴿ تذكرون ﴾ تتذكرون به وتتعظون فتعملوا بمقتضاه.
نهى الله تعالى المؤمنين عن دخول بيوت يسكنها غيرهم، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أمهاتهم إلا بعد أن يعلموا ساكنيها ويطلبوا إذنهم، ويسلموا عليهم، فإن ذلك الاستئناس والسلام وطلب الإذن قبل الدخول خير، يحفظ على الزائر والمزور حياءهما وقدرهما، وصفاء ود كل منهما لصاحبه ؛ وتبارك الحكيم العليم الذي شرع ما به تمام النعمة.
وقيل : الاستئناس خلاف الاستيحاش فهو من الأنس [ بالضم ] خلاف الوحشة، والمراد به المأذونية فكأنه قيل : حتى يؤذن لكم، فإن من يطرق بيت غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش. فإذا أذن له استأنس.. ﴿ وتسلموا على أهلها ﴾ أي الساكنين فيها، وظاهر الآية أن الاستئذان قبل التسليم وبه قال بعضهم ؛ وقال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان.
﴿ خير لكم ﴾ من الدخول بغتة، والدخول على تحية الجاهلية، فقد كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتا غير بيته يقول : حييتم صباحا، حييتم مساء فيدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف... وجوز أن يكون ﴿ خير ﴾ صفة.. وقوله تعالى :﴿ لعلكم تذكرون ﴾ تعليل على ما اختاره جمع لمحذوف، أي : أرشدتم إلى ذلك، أو قيل لكم هذا كي تتذكروا وتتعظوا وتعملوا بموجبه.
وجاء في تفسير القرآن العظيم : هذه آداب شرعية، أدب الله بها عباده المؤمنين.. أمرهم أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده. وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا انصرف، كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف، ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " فقال عمر : لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا، فذهب إلى ملأ من الأنصار، فذكر لهم ما قال عمر، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق.. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " وأخرج الجماعة من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر " قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال : " من ذا " ؟ فقلت : أنا، قال : " أنا أنا " كأنه كرهه، وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان الذي هو الاستئناس١ المأمور به في الآية٢ اه.
١ في سنن ابن ماجة ـ بسنده ـ عن أبي أيوب الأنصاري قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت" يقول بعض المفسرين: وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان، كما قال مجاهد ومن وافقه..
٢ روى الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية ـ عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة..﴾.
﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { ٢٨ ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ { ٢٩ ) ﴾
في الآية الكريمة السابقة وصانا ربنا تبارك وتعالى بالاستئناس والسلام قبل دخول بيوت ليست لنا، وكأنما جاءت الآية على أثرها لتؤكد أنه إذا لم يؤذن لنا فلا حق للمستأذن في الدخول، وإن طلب إليه أصحاب الدار أن يرجع فليرجع، فذلك أطهر وأقوم سبيلا، وأعون على ستر العورات وصون الحرمات ؛ ومولانا المعبود بحق يعلم المفسد من المصلح، فلا يسترقن أحد السمع، أو يختلس النظرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين.
﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ يدفع الله تعالى الحرج ولم يحرم على عباده أن يدخلوا بيوتا ليست للسكنى فإن كانت خربة وأووا إليها في سفرهم، أو لقضاء الحاجة، فما هم بحاجة إلى الاستئذان قبل دخولها، أما إذا كانت لغير السكنى كحوانيت التجار جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، فقد ذهب الطبري والقرطبي إلى أنها محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها.. ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس، وخالفهما ابن زيد والشعبي، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي فقال : أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، الطالب يدخل في الخانكان وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفناتق، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. اه.
﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.
﴿ جناح ﴾ حرج.
﴿ ما تبدون ﴾ الذي تظهرونه.
﴿ وما تكتمون ﴾ والذي تخفونه وتسترونه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { ٢٨ ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ { ٢٩ ) ﴾
في الآية الكريمة السابقة وصانا ربنا تبارك وتعالى بالاستئناس والسلام قبل دخول بيوت ليست لنا، وكأنما جاءت الآية على أثرها لتؤكد أنه إذا لم يؤذن لنا فلا حق للمستأذن في الدخول، وإن طلب إليه أصحاب الدار أن يرجع فليرجع، فذلك أطهر وأقوم سبيلا، وأعون على ستر العورات وصون الحرمات ؛ ومولانا المعبود بحق يعلم المفسد من المصلح، فلا يسترقن أحد السمع، أو يختلس النظرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين.
﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ يدفع الله تعالى الحرج ولم يحرم على عباده أن يدخلوا بيوتا ليست للسكنى فإن كانت خربة وأووا إليها في سفرهم، أو لقضاء الحاجة، فما هم بحاجة إلى الاستئذان قبل دخولها، أما إذا كانت لغير السكنى كحوانيت التجار جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، فقد ذهب الطبري والقرطبي إلى أنها محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها.. ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس، وخالفهما ابن زيد والشعبي، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي فقال : أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، الطالب يدخل في الخانكان وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفناتق، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. اه.
﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ { ٣٠ ) ﴾
﴿ يغضوا ﴾١ يطبقوا أجفان أعينهم على بعض، ويغمضوها.
﴿ ويحفظوا فروجهم ﴾ ويصونوها عما حرم الله.
بعد أن زجرت الآيات المباركات السابقات عن الزنى، وفرض الله تعالى الحد على من ارتكب تلك الفاحشة، أو اتهم غيره بهتانا بها، وشرع الاستئذان حتى لا يطلع أحد على عورة أحد، ولا تسبق عينه أو أذنه إلى ما لا يحل، قطعا لدابر الفتنة وسدا لأسباب المفسدة جاءت هذه الآية الكريمة لتؤدب المؤمنين عامة بأحكام شاملة يدخل فيها حكم المستأذنين دخولا أوليا، ووصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر النظر ؛ وفي البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك، يقول الله تعالى :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.. ﴾، روي في الصحيحين صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " فقالوا : يا رسول الله : ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال " فإذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : " غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
﴿ يحفظوا فروجهم ﴾ ويصونوا فروجهم عما حرم الله تعالى، فلا تنكشف السوءات، ولا يتمتع بالفرج إلا فيما أحل ربنا سبحانه، و﴿ يغضوا ﴾، ﴿ ويحفظوا ﴾ مجزومان إما بلام أمر مقدرة، أي قل لهم ليغضوا.. وليحفظوا، والجملة نصب على المفعولية للقول، و﴿ من ﴾ للتبعيض، وكأن المراد : غضوا البصر عما يحرم واقتصروا به على ما يحل٢، ﴿ ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ﴾ ذلك الذي شرعته لكم من غض البصر وحفظ الفرج أطهر لكم وأبعد عن الفتن، وأنفع من الزنى والنظرة الحرام، فإني خبير بعمل كل عامل، وما تصنع كل جارحة من جوارحه، بل وبما توسوس به نفسه، فليحذر العاقل أن يرى الله تعالى منه ما يغضبه، فإنه سبحانه على كل شيء رقيب :{ وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك إلا في كتاب مبين )٣.
١ وجائز أن تكون ﴿يغضوا﴾ مجزومة لوقوعها في جواب ﴿قل﴾ لتضمنه حرف الشرط، كأنه قيل: إن تقل لهم غضوا يغضوا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره عليه الصلاة والسلام، وأنه كالسبب الموجب له وهذا هو المشهور ـ أورد هذا روح المعاني ـ..
٢ ومما قال الألوسي: النظر باب إلى كثير من الشرور، وهو بريد الزنى ورائد الفجور، وقال بعضهم:
﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { ٣١ ) ﴾
﴿ خمرهن ﴾ بأقنعتهن وأغطية رءوسهن.
﴿ جيوبهن ﴾ موضع القطع من الدرع والقميص، الفتحة حول العنق.
﴿ يبدين ﴾ يظهرن
﴿ لبعولتهن ﴾ لأزواجهن.
﴿ بني إخوانهن ﴾ أبناء إخوانهن.
﴿ نسائهن ﴾ يعني المسلمات المختصات بهن بالصحبة والخدمة.
﴿ الإربة ﴾ الحاجة.
﴿ الطفل ﴾ اسم جنس يراد به الأطفال.
﴿ تفلحون ﴾ تفوزون، وتدركون نجحكم.
بعد أن أمر الله تعالى المؤمنين بغض البصر وحفظ الفرج، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم ذلك. جاء أمره سبحانه المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن فلا ينظرن إلا إلى ما أحل المولى لهن، وأن يحفظن فروجهن عما لا يحل لهن من كشف أو زنى أو نحوه، ولا يؤذن لهن أن يظهرن زينتهن ومواطنها من أبدانهن إلا لأزواجهن، بل عليها أن تتزين لزوجها ؛ وأحد عشر صنفا بينتهم الآية الكريمة، لو أن أحدا منهم اطلع على زينة المرأة أو على مواطنها من بدنها ما دامت قد سترت ما بين سرتها وركبتها فلا وزر عليها في ذلك، وهو : الأب، وأبو الزوج، والابن، وابن الزوج، والأخ، وابن الأخ، وابن الأخت، والصاحبة المسلمة، والمملوكة ؛ ولو شاهد التابع الذي يصاحب لينال فضل الطعام، وليست له إلى النساء رغبة، ولا له بذلك طاقة، وكذا الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم لو شاهد واحد من هؤلاء شعر المرأة أو جزءا من صدرها أو ساقها أو ذراعها، فلا وزر عليها.
﴿ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ﴾ نهي عن إسماع صوت زينتها، بعد النهي عن كشفها، إذ قد تعشق الأذن قبل العين.
﴿ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ﴾... ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين.. والمعنى : توبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى فلا تتركوا التوبة في كل حال١.
روى أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد عن الأغر رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة ".
وليعد كل مؤمن ومؤمنة إلى صراط ربنا العزيز الحميد، ليدرك الفوز والمآل السعيد، وليكون مرجوا له النجح والفوز والسعادة.
ومما أورد الحافظ ابن كثير : قال البخاري :... عن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل :﴿ وليضربن بخمرهن على جيوبهن... ﴾ شققن مروطهن فاختمرن بها.. وقوله :﴿ أو نسائهن ﴾ يعني تظهر بزينتها أيضا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة لئلا تصفهن لرجالهن، وذلك وإن كان محذورا في جميع النساء إلا أنه في نساء أهل الذمة أشد، فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع، فأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها " أخرجاه في الصحيحين عن ابن مسعود...... وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إياكم والدخول على النساء " قيل : يا رسول الله، أفرأيت الحمو ؟ قال : " الحمو الموت "..... ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها.... ومن ذلك أيضا أنهن ينهين عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج. اه.
يقول الفقهاء : العورات على أربعة أقسام : عورة الرجل مع الرجل، وعورة المرأة مع المرأة، وعورة المرأة مع الرجل، وبالعكس، أما الرجل مع الرجل فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنه إلا إلى عورته، وعورته ما بين السرة والركبة، ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان واحد منهما في جانب الفراش لرواية أبي سعيد الخذري أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد لا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد "، والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل، فلها النظر إلى جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة، ولا يجوز عند خوف الفتنة. ولا يجوز أن تنظر الذمية إلى بدن المسلمة لأنها أجنبية في الدين. والله تعالى يقول :﴿ أو نسائهن ﴾ : أما عورة المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين، قال العلماء : لا يجوز أن يعمد النظر إلى وجه الأجنبية بغير غرض فإن وقع بصره عليها بغتة غض بصره، فإن كان هناك غرض ولا شهوة ولا فتنة فذاك ؛ والغرض أمور منها : أن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفها، ومنها إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها، ومنها أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها حتى يعرفها عند الحاجة، ومنها : يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إلى بدن الأجنبية للمعالجة ؛ وإن كانت الأجنبية أمة فالأصح أن عورتها ما بين السرة والركبة ؛ وأما إن كانت المرأة ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهرية، فعورتها ما بين السرة والركبة، وأما عورة الرجل مع المرأة فإن كان أجنبيا منها فعورته معها ما بين السرة والركبة ولا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة، وإن كان محرما لها فعورته معها ما بين السرة والركبة، وإن كان زوجها أو سيدها الذي يحل له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه، ولا يجوز للرجل أن يجلس عاريا في بيت خال وله ما يستر عورته، لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : " الله أحق أن يستحيا منه ".
١ ما بين العارضتين مما أورد القرطبي..
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { ٣٢ ) ﴾
﴿ أنكحوا ﴾ زوجوا.
﴿ الأيامي ﴾ من لا أزواج لهم.
﴿ عبادكم ﴾ عبيدكم ومماليككم.
﴿ إمائكم ﴾ جواريكم ومملوكاتكم.
﴿ واسع ﴾ عظيم فضله، ذو سعة، وخزائنه مملوءة بالعطاء.
﴿ عليم ﴾ محيط علمه.
تتابعت الآيات المباركات في الزجر عن الزنى وعما يوصل إليه، فجاءت هذه الآية الكريمة تأمر بالتزويج الذي هو سبيل العفاف، مع ما فيه من حفظ النوع، وأن الله الحكيم جعله من أسباب عمران الكون.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".
﴿ والأيامي ﴾... جمع أيم.. والأيم قال النضر بن شميل : كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها، بكرا أو ثيبا.. ، أي زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر ﴿ والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ على أن الخطاب للأولياء والسادات والمراد بالصلاح : معناه الشرعي، واعتباره في الأرقاء لأن من لا صلاح له منهم بمعزل من أن يكون خليقا بأن يعتني مولاه بشأنه، ويشفق عليه، ويتكلف في نظم مصالحه بما لابد منه شرعا وعادة من بذل المال والمنافع، بل ربما يحصل له ضرر منه بتزويجه فحقه أن يستبقيه عنده، ولما لم يكن من لا صلاح له من الأحرار والحرائر بهذه المثابة لم يعتبر صلاحهم... والأمر هنا للوجوب، وإليه ذهب أهل الظاهر، وقيل للندب، وإليه ذهب الجمهور.. ﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾ الظاهر أنه وعد من الله بالإغناء.. وفي الآية شرط مضمر، وهو المشيئة.. ودليل الإضمار قوله تعالى :﴿ .. فإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء.. )١ وكونه واردا في منع الكفار عن الحرم لا يأبى الدلالة.. { والله واسع ﴾ أي غني ذو سعة لا يرزأه إغناء الخلائق، إذ لا نفاذ لنعمته، ولا غاية لقدرته ﴿ عليم ﴾ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، فإن مآل هذا إلى المشيئة.. ]٢.
يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : اختلف العلماء في هذا الأمر على ثلاثة أقوال، فقال علماؤنا : يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت، ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر وزوال خشية العنت عنه، وإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حتم، وإن لم يخش شيئا وكانت الحال مطلقة فقال الشافعي : النكاح مباح، وقال مالك وأبو حنيفة : هو مستحب ؛ تعلق الشافعي بأنه قضاء لذة فكان مباحا كالأكل والشرب، وتعلق علماؤنا بالحديث الصحيح : " من رغب عن سنتي فليس مني ". اه. ٣
١ سورة التوبة. من الآية ٢٨..
٢ ما بين العلامتين من روح المعاني..
٣ اهـ: يعني إلى هنا انتهى كلامه..
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ٣٣ ) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ { ٣٤ ) ﴾.
﴿ وليستعفف ﴾ وليطلب أن يكون عفيفا.
﴿ الذين لا يجدون نكاحا ﴾ الذين لا تتوفر لهم نفقات النكاح.
﴿ يبتغون الكتاب ﴾ يطلبون المكاتبة توصلا إلى العتق والحرية.
﴿ إن علمتم فيهم خيرا ﴾ دينا وأمانة وقدرة على الاكتساب.
﴿ وآتوهم ﴾ وأعطوهم.
﴿ البغاء ﴾ الزنى.
﴿ تحصنا ﴾ تعففا عن الفحش والحرام.
﴿ عرض الحياة ﴾ متاعها ومالها.
﴿ يكرههن ﴾ يقهرهن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن توجه الأمر إلى مستطيع النكاح أن يتزوج إذ قد طولب الأولياء والسادات بعونهم على تحقيق ذلك جاءت الوصية من الله العليم الحكيم لمن لا يقدرون على نفقات النكاح أن يستمسكوا بالعفة والطهارة حتى يجعل الله تعالى لهم بعد العسر يسرا ؛ والعبد المملوك إذا طلب من مالكه أن يعتقه مقابل مال يدفعه المملوك فيندب لسيده أن يقبل منه هذا إن علم منه الدين والأمانة والقدرة على الاكتساب، بل ويعينه على التحرر بقدر مما أعطاه المولى الغني الوهاب ؛ ثم جاء النهي عن استكراه الإماء والجواري على البغي والمعاهرة لتحصيل مال لقاء الفجور بهن، ومن يقهرهن على الزنى فإن الله الغفار لا يؤاخذهن على ارتكاب وزر قهرن عليه.
أخرج مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه أن جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال له مسيكة، وأخرى يقال لها أمية كان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ؛ - وقوله عز وجل :﴿ إن أردن تحصنا ﴾ ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنا وإخراج ما عداها عن حكمه.. بل هو للمحافظة على عادة من نزلت فيهم الآية حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور، وقصورهن في معرفة الأمور الداعية إلى المحاسن، الزاجرة عن تعاطي القبائح، وفيه من الزيادة لتقبيح حالهم، وتشنيعهم على ما كانوا يفعلونه من القبائح ما لا يخفى، فإن من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه بيته من إماء فضلا عن أمرهن به أو إكراههن عليه، لاسيما عند إرادة التعفف وتوفر الرغبة فيها كما يشعر به التعبير بـ﴿ أردن ﴾ بلفظ الماضي، وإيثار كلمة ﴿ إن ﴾ على [ إذا ] لأن إرادة التحصن من الإماء كالشاذ النادر، أو للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه عند كون إرادة التحصين في حيز التردد والشك، فكيف إذا كانت محققة الوقوع كما هو في الواقع١ -.
﴿ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ﴾ وتحققوا أن القرآن المجيد قد أنزلنا آياته إليكم واضحات مفسرات تبين لكم شرع ربكم الذي تكفل بإسعادكم ما استقمتم على منهاجه، ﴿ ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ﴾ وخبرا عجيبا ومعتبرا من أنباء أسلافكم ومن سبقكم، ﴿ وموعظة للمتقين ﴾ ونصحا ومزدجرا لمن خاف مقام ربه وخاف وعيده

﴿ خلوا ﴾ مضوا.
﴿ ومثلا ﴾ خبرا ومعتبرا.
﴿ وموعظة ﴾ نصحا ومزدجرا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن توجه الأمر إلى مستطيع النكاح أن يتزوج إذ قد طولب الأولياء والسادات بعونهم على تحقيق ذلك جاءت الوصية من الله العليم الحكيم لمن لا يقدرون على نفقات النكاح أن يستمسكوا بالعفة والطهارة حتى يجعل الله تعالى لهم بعد العسر يسرا ؛ والعبد المملوك إذا طلب من مالكه أن يعتقه مقابل مال يدفعه المملوك فيندب لسيده أن يقبل منه هذا إن علم منه الدين والأمانة والقدرة على الاكتساب، بل ويعينه على التحرر بقدر مما أعطاه المولى الغني الوهاب ؛ ثم جاء النهي عن استكراه الإماء والجواري على البغي والمعاهرة لتحصيل مال لقاء الفجور بهن، ومن يقهرهن على الزنى فإن الله الغفار لا يؤاخذهن على ارتكاب وزر قهرن عليه.
أخرج مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه أن جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال له مسيكة، وأخرى يقال لها أمية كان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ؛ - وقوله عز وجل :﴿ إن أردن تحصنا ﴾ ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنا وإخراج ما عداها عن حكمه.. بل هو للمحافظة على عادة من نزلت فيهم الآية حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور، وقصورهن في معرفة الأمور الداعية إلى المحاسن، الزاجرة عن تعاطي القبائح، وفيه من الزيادة لتقبيح حالهم، وتشنيعهم على ما كانوا يفعلونه من القبائح ما لا يخفى، فإن من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه بيته من إماء فضلا عن أمرهن به أو إكراههن عليه، لاسيما عند إرادة التعفف وتوفر الرغبة فيها كما يشعر به التعبير بـ﴿ أردن ﴾ بلفظ الماضي، وإيثار كلمة ﴿ إن ﴾ على [ إذا ] لأن إرادة التحصن من الإماء كالشاذ النادر، أو للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه عند كون إرادة التحصين في حيز التردد والشك، فكيف إذا كانت محققة الوقوع كما هو في الواقع١ -.
﴿ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ﴾ وتحققوا أن القرآن المجيد قد أنزلنا آياته إليكم واضحات مفسرات تبين لكم شرع ربكم الذي تكفل بإسعادكم ما استقمتم على منهاجه، ﴿ ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ﴾ وخبرا عجيبا ومعتبرا من أنباء أسلافكم ومن سبقكم، ﴿ وموعظة للمتقين ﴾ ونصحا ومزدجرا لمن خاف مقام ربه وخاف وعيده

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { ٣٥ ) ﴾
﴿ كمشكاة ﴾ ككوة في الحائط، وأصلها الوعاء يوضع فيه الشيء، أو عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، أو القنديل.
﴿ مصباح ﴾ فتيل بناره.
﴿ كوكب دري ﴾ نجم أضوأ منير متلألئ.
في الآية السابقة يمتن الله تبارك اسمه على عباده بما أنزله إليهم من آيات مبينات، ومن أنباء ومثل الذين خلوا من قبل، وجعل هذا الذكر الحكيم هدى وموعظة لمن اتقى، ونورا وضياء لذوي العقول والبصائر، والقلوب والألباب ؛ ثم علمنا جل وعلا في هذه الآية المباركة أن نوره سبحانه ملء السماوات والأرض { .. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )١.
مما يقول صاحب٢ جامع البيان : يعني تعالى ذكره بقوله :﴿ الله نور السماوات والأرض ﴾ هادي من في السماوات والأرض فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلال يعتصمون... عن ابن عباس : قوله :﴿ الله نور السماوات والأرض ﴾ الله سبحانه هادي أهل السماوات والأرض... عن أنس بن مالك قال : إن إلهي يقول : نوري هداي.. اه.
ومما أورد صاحب٣ الجامع لأحكام القرآن : واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقيل : المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها.. وهو في صفة الله حقيقة محضة، إذ هو الذي أبدع الموجودات، وخلق العقل نورا هاديا، لأن ظهور الموجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات، تبارك الله تعالى لا رب غيره : قال معناه مجاهد والزهري وغيرهما........ ثم ذكر أقوالا أخرى ثم قال : الأول أعم المعاني وأصح مع التأويل. قوله تعالى :﴿ مثل نوره ﴾، أي صفة دلائله التي يقذفها في قلب المؤمن، والدلائل تسمى نورا، وقد سمى الله تعالى كتابه نورا فقال :{ .. وأنزلنا إليكم نورا مبينا )٤، وسمى نبيه نورا فقال { .. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين )٥، وهذا لأن الكتاب يهدي ويبين، وكذلك الرسول، ووجه الإضافة إلى الله تعالى أنه مثبت الدلالة ومبينها وواضعها، وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل به، بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة، وذلك أن يريد : مثل نور الله الذي هو هداه، وإتقانه صنعة كل مخلوق، وبراهينه الساطعة على الجملة، كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة، التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر، ثم يقول :٦ هذا مثل ضربه الله تعالى لنوره، ولا يمكن أن يضرب لنوره المعظم مثلا تنبيها لخلقه إلا ببعض خلقه، لأن الخلق لقصورهم لا يفهمون إلا بأنفسهم ومن أنفسهم، ولولا ذلك ما عرف الله إلا الله وحده. اه.
﴿ كمشكاة فيها مصباح ﴾ ككوة في حائط، أو عمود قنديل، في الكوة أو العمود فتيل مضاء وهو المصباح المتوهج، هكذا تكون الكوة أجمع للضوء والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها، ﴿ المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ﴾ السراج المتوهج، ضوؤه في المشكاة أجمع، ونوره أبهى، فإذا وضع في زجاجة تتلألأ كالدراري والنجوم اللوامع كان أعظم وأجل، ﴿ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ﴾ والفتيل يوجد من شجرة كثر الله تعالى خيرها، وعظم النفع بها، تلك هي الزيتونة، وقد جمع الحكيم العليم لها كريم الصفات فهي ليست إلى الشرق ولا إلى الغرب فيحتجب عنها الضوء، بل لا تغيب عنها الشمس، فيجود ثمرها، ويصفو دهنها وزيتها ﴿ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ﴾ ولشدة صفاء الزيت وتألقه يوشك أن ينبعث منه الضياء حتى دون أن يشتعل الفتيل، ﴿ نور على نور ﴾ يجمع الله تعالى نورا إلى نور، فكأن المعنى : القرآن نور من الله تعالى لخلقه، مع ما أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نورا على نور ﴿ يهدي الله لنوره من يشاء ﴾ يشرح ربنا صدر من يريد للحق والهدى والبرهان العقلي والسمعي والآيات الكونية والقرآنية فينشرح وينفسخ القلب، ويستقيم المهتدي على طريق الرشد، ﴿ ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ﴾ ما يعقل الأمثال إلا العالمون ؛ والمولى الحكيم يسوقها للعباد لعلهم يتفكرون، فإن لضرب المثل دخلا عظيما في باب الإرشاد، لأنه إبراز للمعقول في هيئة المحسوس. فأما الذين آمنوا فتزيدهم إيمانا، والله بهم وبكل شيء ذو علم محيط ؛ وقيل : جيء بها لوعد من تدبر الأمثال، ووعيد من لم يكترث بها.
١ سورة النور. من الآية ٤٠..
٢ هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري جـ١٨ ص ١٠٥ طبعة المطبعة الأميرية ببولاق ـ مصر سنة ١٣٢٨ هـ.
٣ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: جـ١٢ ص٢٥٦ طبعة دار الكتب المصرية.
٤ سورة النساء. من الآية ١٧٤..
٥ سورة المائدة. من الآية ١٥..
٦ المرجع السابق ص ٢٦٤.
﴿ فِي بُيُوتٍ ١أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ { ٣٦ ) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ٢ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ٣ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ { ٣٧ ) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ { ٣٨ ) ﴾
﴿ في بيوت ﴾في مساجد.
﴿ أذن الله ﴾ أمر الله.
﴿ ترفع ﴾ تبنى وتطهر وتصان
﴿ يسبح له فيها ﴾ يصلى له في المساجد
﴿ بالغدو ﴾ وقت الغداة وهو الصبح وأول النهار إلى زوال الشمس عند الظهيرة.
﴿ الآصال ﴾ وقت الآصال جمع أصيل وهو من زوال الشمس حتى الصباح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:المهتدون المستنيرون بنور الله العلي الأعلى يذكرون الولي الحميد ويتلون كتابه، ويقيمون الصلاة بكرة وعشيا في بيوت أمر الله تعالى أن تبنى، ومساجد فضلها على سائر البقاع ؛ والأكثرون على أن ﴿ في بيوت ﴾ راجع إلى المشكاة أو المصباح متعلق بهما أو بإحداهما قال ابن زيد : المصابيح في بيوت أذن الله أن ترفع اهـ. إذ المشكاة غالبا تكون في بيوت العبادة٤ أو المشكاة التي فيها مصباح إذا كانت في مثل هذه البيوت الرفيعة كانت أعظم، ﴿ أذن الله أن ترفع ﴾ أمر المعبود بحق سبحانه أن تبنى المساجد وتطهر، وإن الذكر فيها لأعظم أجرا، ٥ وأن الصلاة فيها لتعدل عشرات أو مئات أو ألوفا في غيرها من الأماكن ﴿ ويذكر فيها اسمه ﴾ يحب ربنا أن نذكره في مساجده وأن نعمرها ذاكرين بأي من صيغ الذكر : تهليل أو تحميد أو استغفار أو دعاء أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم، ﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ﴾ يصلي لله تعالى في هذه المساجد بكرة وعشيا ففي الغداة يصلون الصبح، وحين يظهرون يصلون الظهر، فإذا دخل الأصيل صلوا العصر، ثم المغرب ثم العشاء، هؤلاء المصلون لا تشغلهم التجارة ولا البيع ولا يلهيانهم ولا يثنيانهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
قال جمع من المفسرين : قال ابن عباس : كل تسبيح في القرآن صلاة، ويدل عليه قوله :﴿ بالغدو والآصال ﴾ أي بالغداة والعشي، وقال أكثر المفسرين : أراد الصلاة المفروضة، فالغدو : صلاة الصبح ؛ والآصال : صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم ﴿ الآصال ﴾ يجمعهما، كما قالوا. خص الرجال بالذكر في قوله تبارك اسمه :﴿ رجال ﴾ لأن النساء لا جمعة عليهن ولا جماعة، أو لأن الأصل في ذلك الرجال، والنساء لهم تبع، وفرقوا بين التجارة والبيع بما حاصله : أن التجارة فيها جلب وارتحال وضرب في الأرض، بينما البيع مقابلة شيء بشيء، أو يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة، وبالبيع المعاوضة مطلقا، وفي مثل هذا المعنى جاءت الآية الكريمة :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع.. )٦ وقوله سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله.. )٧. { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ﴾ يسبحون ويذكرون ويصلون ويزكون، يخشون يوم الحساب، يوم تضطرب الأفئدة وتفزع، وتزيغ الأبصار وتشخص، وتتبدل أحوال القلوب فتتنبه بعد سكرة ﴿ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك.. )٨ { ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا.. )٩ {.. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون )١٠{ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير )١١. لكن الذاكرين المصلين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون { الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله.. )١٢ { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ﴾ هؤلاء الذين لا تشغلهم شواغل، ولا تثنيهم ولا تلهيهم مباهج عن ذكر مولاهم وعبادته يسبحون ويعبدون ليجزيهم الله الغفور الشكور أحسن الذي عملوه مصداقا لوعده الكريم ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.. )١٣ { وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )١٤، [ فاللام في { ليجزهم ﴾ للتعليل :﴿ والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾.. تذييل مقرر للزيادة ووعد كريم بأنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات ما لا يفي به الحساب، والموصول عبارة عمن ذكرت صفاتهم الجميلة، كأنه قيل : والله يرزقهم بغير حساب، ووضعه موضع ضميرهم للتنبيه بما في حيز الصلة على أن مناط الرزق المذكور محض مشيئته تعالى، لا أعمالكم المحكية، كما أنها المناط لما سبق من الهداية لنوره عز وجل، وللإيذان بأنهم ممن شاء الله تعالى أن يرزقهم، كما أنهم ممن شاء سبحانه أن يهديهم لنوره، حسبما يعرب مما فصل من أعمالهم الحسنة فإن جميعها من آثار تلك الهداية ]١٥


١ متعلق ﴿في بيوت﴾ كمشكاة فيها مصباح في بيوت.. إذ المشكاة غالبا تكون في بيوت العبادة، والمراد النوع لا الواحد..
٢ ﴿تجارة ولا بيع﴾ قد يراد بالتجارة: المعاوضة الرابحة، وبالبيع المعاوضة مطلقا..
٣ ﴿تتقلب فيه القلوب﴾ تفقه بعد جهالة، وتبصر بعد عماية، وتسمع بعد صمم..
﴿ تلهيهم ﴾ تشغلهم وترفهم وتثنيهم.
﴿ تجارة ﴾ جلب أقوات ونحوها، وارتحال وضرب في الأرض ابتغاء معاوضتها.
﴿ بيع ﴾ مقابله متمول بغيره، وأخذ شيء لقاء آخر طلبا للربح.
﴿ وإقام الصلاة ﴾ إقامتها وأدائها لمواقيتها.
﴿ وإيتاء الزكاة ﴾ إعطاء المال الذي فرض الله إخراجه للمستحقين.
﴿ تتقلب فيه القلوب والأبصار ﴾ تضطرب وتفزع وتتغير أحوالها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:المهتدون المستنيرون بنور الله العلي الأعلى يذكرون الولي الحميد ويتلون كتابه، ويقيمون الصلاة بكرة وعشيا في بيوت أمر الله تعالى أن تبنى، ومساجد فضلها على سائر البقاع ؛ والأكثرون على أن ﴿ في بيوت ﴾ راجع إلى المشكاة أو المصباح متعلق بهما أو بإحداهما قال ابن زيد : المصابيح في بيوت أذن الله أن ترفع اهـ. إذ المشكاة غالبا تكون في بيوت العبادة٤ أو المشكاة التي فيها مصباح إذا كانت في مثل هذه البيوت الرفيعة كانت أعظم، ﴿ أذن الله أن ترفع ﴾ أمر المعبود بحق سبحانه أن تبنى المساجد وتطهر، وإن الذكر فيها لأعظم أجرا، ٥ وأن الصلاة فيها لتعدل عشرات أو مئات أو ألوفا في غيرها من الأماكن ﴿ ويذكر فيها اسمه ﴾ يحب ربنا أن نذكره في مساجده وأن نعمرها ذاكرين بأي من صيغ الذكر : تهليل أو تحميد أو استغفار أو دعاء أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم، ﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ﴾ يصلي لله تعالى في هذه المساجد بكرة وعشيا ففي الغداة يصلون الصبح، وحين يظهرون يصلون الظهر، فإذا دخل الأصيل صلوا العصر، ثم المغرب ثم العشاء، هؤلاء المصلون لا تشغلهم التجارة ولا البيع ولا يلهيانهم ولا يثنيانهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
قال جمع من المفسرين : قال ابن عباس : كل تسبيح في القرآن صلاة، ويدل عليه قوله :﴿ بالغدو والآصال ﴾ أي بالغداة والعشي، وقال أكثر المفسرين : أراد الصلاة المفروضة، فالغدو : صلاة الصبح ؛ والآصال : صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم ﴿ الآصال ﴾ يجمعهما، كما قالوا. خص الرجال بالذكر في قوله تبارك اسمه :﴿ رجال ﴾ لأن النساء لا جمعة عليهن ولا جماعة، أو لأن الأصل في ذلك الرجال، والنساء لهم تبع، وفرقوا بين التجارة والبيع بما حاصله : أن التجارة فيها جلب وارتحال وضرب في الأرض، بينما البيع مقابلة شيء بشيء، أو يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة، وبالبيع المعاوضة مطلقا، وفي مثل هذا المعنى جاءت الآية الكريمة :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع.. )٦ وقوله سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله.. )٧. { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ﴾ يسبحون ويذكرون ويصلون ويزكون، يخشون يوم الحساب، يوم تضطرب الأفئدة وتفزع، وتزيغ الأبصار وتشخص، وتتبدل أحوال القلوب فتتنبه بعد سكرة ﴿ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك.. )٨ { ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا.. )٩ {.. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون )١٠{ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير )١١. لكن الذاكرين المصلين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون { الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله.. )١٢ { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ﴾ هؤلاء الذين لا تشغلهم شواغل، ولا تثنيهم ولا تلهيهم مباهج عن ذكر مولاهم وعبادته يسبحون ويعبدون ليجزيهم الله الغفور الشكور أحسن الذي عملوه مصداقا لوعده الكريم ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.. )١٣ { وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )١٤، [ فاللام في { ليجزهم ﴾ للتعليل :﴿ والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾.. تذييل مقرر للزيادة ووعد كريم بأنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات ما لا يفي به الحساب، والموصول عبارة عمن ذكرت صفاتهم الجميلة، كأنه قيل : والله يرزقهم بغير حساب، ووضعه موضع ضميرهم للتنبيه بما في حيز الصلة على أن مناط الرزق المذكور محض مشيئته تعالى، لا أعمالكم المحكية، كما أنها المناط لما سبق من الهداية لنوره عز وجل، وللإيذان بأنهم ممن شاء الله تعالى أن يرزقهم، كما أنهم ممن شاء سبحانه أن يهديهم لنوره، حسبما يعرب مما فصل من أعمالهم الحسنة فإن جميعها من آثار تلك الهداية ]١٥

﴿ ويزيدهم من فضله ﴾ يعطيهم فوق ما يستحقونه عدلا، فيضاعف لهم ويجزل لهم ثوابهم، فضلا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:المهتدون المستنيرون بنور الله العلي الأعلى يذكرون الولي الحميد ويتلون كتابه، ويقيمون الصلاة بكرة وعشيا في بيوت أمر الله تعالى أن تبنى، ومساجد فضلها على سائر البقاع ؛ والأكثرون على أن ﴿ في بيوت ﴾ راجع إلى المشكاة أو المصباح متعلق بهما أو بإحداهما قال ابن زيد : المصابيح في بيوت أذن الله أن ترفع اهـ. إذ المشكاة غالبا تكون في بيوت العبادة٤ أو المشكاة التي فيها مصباح إذا كانت في مثل هذه البيوت الرفيعة كانت أعظم، ﴿ أذن الله أن ترفع ﴾ أمر المعبود بحق سبحانه أن تبنى المساجد وتطهر، وإن الذكر فيها لأعظم أجرا، ٥ وأن الصلاة فيها لتعدل عشرات أو مئات أو ألوفا في غيرها من الأماكن ﴿ ويذكر فيها اسمه ﴾ يحب ربنا أن نذكره في مساجده وأن نعمرها ذاكرين بأي من صيغ الذكر : تهليل أو تحميد أو استغفار أو دعاء أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم، ﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ﴾ يصلي لله تعالى في هذه المساجد بكرة وعشيا ففي الغداة يصلون الصبح، وحين يظهرون يصلون الظهر، فإذا دخل الأصيل صلوا العصر، ثم المغرب ثم العشاء، هؤلاء المصلون لا تشغلهم التجارة ولا البيع ولا يلهيانهم ولا يثنيانهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
قال جمع من المفسرين : قال ابن عباس : كل تسبيح في القرآن صلاة، ويدل عليه قوله :﴿ بالغدو والآصال ﴾ أي بالغداة والعشي، وقال أكثر المفسرين : أراد الصلاة المفروضة، فالغدو : صلاة الصبح ؛ والآصال : صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم ﴿ الآصال ﴾ يجمعهما، كما قالوا. خص الرجال بالذكر في قوله تبارك اسمه :﴿ رجال ﴾ لأن النساء لا جمعة عليهن ولا جماعة، أو لأن الأصل في ذلك الرجال، والنساء لهم تبع، وفرقوا بين التجارة والبيع بما حاصله : أن التجارة فيها جلب وارتحال وضرب في الأرض، بينما البيع مقابلة شيء بشيء، أو يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة، وبالبيع المعاوضة مطلقا، وفي مثل هذا المعنى جاءت الآية الكريمة :﴿ يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع.. )٦ وقوله سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله.. )٧. { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ﴾ يسبحون ويذكرون ويصلون ويزكون، يخشون يوم الحساب، يوم تضطرب الأفئدة وتفزع، وتزيغ الأبصار وتشخص، وتتبدل أحوال القلوب فتتنبه بعد سكرة ﴿ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك.. )٨ { ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا.. )٩ {.. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون )١٠{ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير )١١. لكن الذاكرين المصلين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون { الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله.. )١٢ { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ﴾ هؤلاء الذين لا تشغلهم شواغل، ولا تثنيهم ولا تلهيهم مباهج عن ذكر مولاهم وعبادته يسبحون ويعبدون ليجزيهم الله الغفور الشكور أحسن الذي عملوه مصداقا لوعده الكريم ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.. )١٣ { وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )١٤، [ فاللام في { ليجزهم ﴾ للتعليل :﴿ والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾.. تذييل مقرر للزيادة ووعد كريم بأنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات ما لا يفي به الحساب، والموصول عبارة عمن ذكرت صفاتهم الجميلة، كأنه قيل : والله يرزقهم بغير حساب، ووضعه موضع ضميرهم للتنبيه بما في حيز الصلة على أن مناط الرزق المذكور محض مشيئته تعالى، لا أعمالكم المحكية، كما أنها المناط لما سبق من الهداية لنوره عز وجل، وللإيذان بأنهم ممن شاء الله تعالى أن يرزقهم، كما أنهم ممن شاء سبحانه أن يهديهم لنوره، حسبما يعرب مما فصل من أعمالهم الحسنة فإن جميعها من آثار تلك الهداية ]١٥

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ { ٣٩ ) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ { ٤٠ ) ﴾
﴿ أعمالهم ﴾ التي يعدونها برا وخيرا.
﴿ كسراب ﴾ كبخار رقيق يرتفع من القيعان، فإذا انعكس عليه ضوء الشمس أشبه - من بعيد - الماء السارب، أي الجاري.
﴿ بقيعة ﴾ بأرض منبسطة
﴿ يحسبه ﴾ يعده ويحكم عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات السابقة المباركة ضرب الله تعالى مثلا للمؤمن، وفي هذه الآيات ضرب مثلا للكافر وحاله وأعماله، فمهما عمل مما يظنه برا وخيرا : ككرم، وإطعام طعام، وصلة أرحام، فإن أحكم الحاكمين يحبط أعمالهم، كما جاء في القرآن العزيز { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )١ { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد )٢. وما ظلمهم الله تعالى، فهم ما عملوا له ولا ابتغوا بها رضاه، وهو سبحانه لا يتقبل من العمل إلا ما كان لوجهه خالصا من شوائب الزيغ والشك والرياء والشرك {.. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )٣ والشيطان يسول للكافرين ويملي لهم فيحسبون أنهم على شيء، ويتراءى لهم أنهم بما أوتوا من عرض الحياة، وما متعوا به من جاه، ستكون لهم الزلفى يوم لقاء الله، إن كان ثم لقاء، كالذي شهد به الكتاب المجيد على البطر العنيد، وحكى على لسانه :{ وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٤ وآخرون كانوا على شاكلته، { وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين )٥ وهم في هذا الزعم كالذي يسير في الصحراء المترامية وكلما توهجت الشمس، وافتقد الري، وآذاه الظمأ، التمع السراب في عينيه من بعيد فحسبه الماء الذي سيروي غلته، حتى إذا جاء المكان الذي تراءى له من قبل، حان موعد هلاكه، ثم هو ملاق حسابه وجزاءه ؛ ومثل ثان لهذا الضال عن الهدى، الخائض في المهالك والردى : كمثل مبحر في لجج عميقة يغطيه موج، ومن فوق الموج موج، ومن فوق الموج الثاني سحاب، فهي ظلمات متراكمة متراكبة، حتى إذا أراد أن يبصر كفه لم يقارب رؤيتها، وأنى له الإبصار والضياء ؟ وقد استحب العمى، ونودي إلى الرشد فأعرض وتولى، وهكذا {... من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا )٦ {.. ونحشره يوم القيامة أعمى )٧.
﴿ ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور ﴾ {.. فمن يهديه من بعد الله.. )٨. هدى الله الذين آمنوا وآتاهم أجرهم ونورهم، والكافرون لما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ؛ فاللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأتمم لنا نورنا.
[ ﴿ والذين كفروا ﴾ إلى آخره، عطف على ما قبله عطف القصة على القصة، أو على مقدر ينساق إليه ما قبله، كأنه قيل : الذين آمنوا أعمالهم حالا ومآلا كما وصف، والذين كفروا ﴿ أعمالهم كسراب ﴾ أي أعمالهم التي هي من أبواب البر كصلة الأرحام وفك العناة وسقاية الحاج وعمارة البيت وإغاثة الملهوفين.. والسراب : بخار رقيق يرتفع من قعور القيعان، فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه –من بعيد- الماء السارب- أي الجاري-.. وتخصيص الحسبان بالظمآن مع شموله لكل من يراه كان من كان من العطشان والريان، لتكميل الشبه بتحقيق شركة طرفيه في وجه الشبه، الذي هو : المطلع المطمع، والمقطع المؤيس..
﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾.. ذلك لعدم هدايته تعالى إياهم لنوره.. وقيل معنى الآية : من لم يكن له نور في الدنيا فلا نور له في الآخرة، وقيل : كلا الأمرين في الآخرة، والمعنى : من لم ينوره الله تعالى بعفوه ويرحمه برحمته يوم القيامة فلا رحمة له من أحد فيها.. والظاهر أن المراد تشبيه أعمال الكفرة بالظلمات المتكاثفة من غير اعتبار أجزاء في طرفي التشبيه يعتبر تشبيه بعضها ببعض٩ ]

﴿ لجي ﴾ عميق عظيم العمق.
﴿ يغشاه ﴾ يغطيه ويستره.
﴿ لم يكد يراها ﴾ لم يقترب من رؤيتها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات السابقة المباركة ضرب الله تعالى مثلا للمؤمن، وفي هذه الآيات ضرب مثلا للكافر وحاله وأعماله، فمهما عمل مما يظنه برا وخيرا : ككرم، وإطعام طعام، وصلة أرحام، فإن أحكم الحاكمين يحبط أعمالهم، كما جاء في القرآن العزيز { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )١ { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد )٢. وما ظلمهم الله تعالى، فهم ما عملوا له ولا ابتغوا بها رضاه، وهو سبحانه لا يتقبل من العمل إلا ما كان لوجهه خالصا من شوائب الزيغ والشك والرياء والشرك {.. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )٣ والشيطان يسول للكافرين ويملي لهم فيحسبون أنهم على شيء، ويتراءى لهم أنهم بما أوتوا من عرض الحياة، وما متعوا به من جاه، ستكون لهم الزلفى يوم لقاء الله، إن كان ثم لقاء، كالذي شهد به الكتاب المجيد على البطر العنيد، وحكى على لسانه :{ وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٤ وآخرون كانوا على شاكلته، { وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين )٥ وهم في هذا الزعم كالذي يسير في الصحراء المترامية وكلما توهجت الشمس، وافتقد الري، وآذاه الظمأ، التمع السراب في عينيه من بعيد فحسبه الماء الذي سيروي غلته، حتى إذا جاء المكان الذي تراءى له من قبل، حان موعد هلاكه، ثم هو ملاق حسابه وجزاءه ؛ ومثل ثان لهذا الضال عن الهدى، الخائض في المهالك والردى : كمثل مبحر في لجج عميقة يغطيه موج، ومن فوق الموج موج، ومن فوق الموج الثاني سحاب، فهي ظلمات متراكمة متراكبة، حتى إذا أراد أن يبصر كفه لم يقارب رؤيتها، وأنى له الإبصار والضياء ؟ وقد استحب العمى، ونودي إلى الرشد فأعرض وتولى، وهكذا {... من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا )٦ {.. ونحشره يوم القيامة أعمى )٧.
﴿ ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور ﴾ {.. فمن يهديه من بعد الله.. )٨. هدى الله الذين آمنوا وآتاهم أجرهم ونورهم، والكافرون لما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ؛ فاللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأتمم لنا نورنا.
[ ﴿ والذين كفروا ﴾ إلى آخره، عطف على ما قبله عطف القصة على القصة، أو على مقدر ينساق إليه ما قبله، كأنه قيل : الذين آمنوا أعمالهم حالا ومآلا كما وصف، والذين كفروا ﴿ أعمالهم كسراب ﴾ أي أعمالهم التي هي من أبواب البر كصلة الأرحام وفك العناة وسقاية الحاج وعمارة البيت وإغاثة الملهوفين.. والسراب : بخار رقيق يرتفع من قعور القيعان، فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه –من بعيد- الماء السارب- أي الجاري-.. وتخصيص الحسبان بالظمآن مع شموله لكل من يراه كان من كان من العطشان والريان، لتكميل الشبه بتحقيق شركة طرفيه في وجه الشبه، الذي هو : المطلع المطمع، والمقطع المؤيس..
﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾.. ذلك لعدم هدايته تعالى إياهم لنوره.. وقيل معنى الآية : من لم يكن له نور في الدنيا فلا نور له في الآخرة، وقيل : كلا الأمرين في الآخرة، والمعنى : من لم ينوره الله تعالى بعفوه ويرحمه برحمته يوم القيامة فلا رحمة له من أحد فيها.. والظاهر أن المراد تشبيه أعمال الكفرة بالظلمات المتكاثفة من غير اعتبار أجزاء في طرفي التشبيه يعتبر تشبيه بعضها ببعض٩ ]

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ { ٤١ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ { ٤٢ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ { ٤٣ ) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ { ٤٤ ) ﴾.
﴿ ألم تر ﴾ ألم تر ببصيرتك وتعلم ؟ والهمزة للتقرير، أي أبصرت وعلمت.
﴿ يسبح له ﴾ ينزهه ويقدسه عما لا يليق به.
﴿ من في السماوات والأرض ﴾ من ملك، وإنس، وجن، وغير ذلك.
﴿ صافات ﴾ مصطفات الأجنحة في الهواء.
﴿ الأبصار ﴾ التي تدرك المرئيات، أو البصائر التي تدرك المعقولات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ لما وصف أنوار المؤمنين وظلمات الكافرين، صرح بدلائل التوحيد، فقال مستفهما على سبيل التقرير ـ١ : ألم تعلم وتدرك ؟ بمعنى علمت وأدركت أن الله المعبود بحق ينزهه ويقدسه الذين هم في السماوات والذين هم في الأرض فمخلوقات علوي الكون كالملائكة ومخلوقات سفليه كالإنس والجن وغير ذلك يبرءون المولى المتعال عن كل ما لا يليق بجلاله ؛ وما نراه معلقا بين السماء والأرض صافا أجنحته في الهواء من الطير هو كذلك يبرئ الله سبحانه عن كل نقص وباطل، كل من هؤلاء قد علم صلاته لمولاه وتسبيحه إياه جل علاه، والله واسع علمه، محيط بذكر الذاكرين وغفلة الغافلين ﴿.. وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ﴾٢.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا.. والخطاب في ﴿ ألم تر ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه : ألم تعلم ؟ والمراد الكل.. قال مجاهد وغيره : الصلاة للإنسان والتسبيح لما سواه من الخلق.. ﴿ كل قد علم صلاته وتسبيحه ﴾ يجوز أن يكون المعنى : كل قد علم صلاته وتسبيحه.. وقد قيل : المعنى : قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه.. اهـ.
[.. الله تعالى ينزهه آنا فآنا في ذاته وصفاته وأفعاله عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل من نقص أو خلل تنزيها معنويا تفهمه العقول السليمة جميع من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم كائنا ما كان.... عبر عنها بما يخص العقلاء من التسبيح الذي هو أقوى مراتب التنزيه وأظهرها تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال.
﴿ والطير ﴾ بالرفع على ﴿ من ﴾ وتخصيصا بالذكر... مع اندراجها في جملة ما في الأرض لعدم استمرار قرارها فيها.
﴿ صافات ﴾ أي تسبحه الطير حال كونها صافات أجنحتها، فإن إعطاء الله للأجرام الثقيلة ما يتمكن به من الوقوف في الجو، والحركة كيف شاء، من الأجنحة والأذناب الخفيفة، وإرشادها إلى كيفية استعمالها بالقبض والبسط والتحريك يمينا وشمالا ونحو ذلك، حجة واضحة الدلالة على كمال قدرة الصانع المجيد، وغاية حكمة المبدئ المعيد.
﴿ ولله ملك السماوات والأرض ﴾ لا لغيره تعالى استقلالا أو إشراكا لأنه سبحانه الخالق لهما ولما فيهما من الذوات والصفات، وهو المتصرف في جميعها إيجادا وإعداما، إبداء وإعادة٣ ]. ومما يقول صاحب جامع البيان : ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كل من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن خزائن السماوات والأرض لا يخشى بعطاياكم منها فقرا، ﴿ وإليه المصير ﴾ يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم مصيركم ومعادكم، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته واجتهدوا في طاعته، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال. اهـ.
﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله ﴾ علمتنا هذه الآية الكريمة برهانا علويا على حكمة البارئ سبحانه واقتداره، وعلى إتقان صنعته، وفيض رحمته، فكل من يتأتى منه العلم، وكل من أوتي بصيرة مستيقن بأن الله دون سواه يسوق جنس السحاب برفق، ويسيره بإرادته، ويدفعه إلى حيث شاء، ثم يصل بعضه ببعض ويؤلف بين أجزائه وقطعه التي تبدو متناثرة، ثم يجعله القوي القدير متراكما طبقات منه تركب طبقات أخرى وتعلوها٤، فيتراءى لكل ذي عينين أن القطر والمطر يخرج من خلال السحاب وفتوقه، ولهذا قالوا : السحاب غربال المطر، وقد ينزل الغيث بردا ـ ماء متجمدا ـ ويتتابع سقوطه حتى يعلو ويتعاظم كالجبال، ثم قد يتحدر على خلق مهدما مغرقا مدمرا، وقد يتنزل على آخرين رحمة وسقيا، وغياثا وحياة٥. ومع ما يحمل السحاب من ماء وبرد فإن البرق الذي يتوهج من بينه شديد لمعانه، قوي ضوؤه، حتى ليقارب أن يخطف أبصار من يشاهدونه، وهذا من أقوى الدلائل على كمال قدرة الله من حيث إنه توليد للضد من الضد.
وبرهان في علوي الكون كذلك، أو بين علويه وسفليه، ترشد إليه الآية المباركة ﴿ يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ﴾ مولانا المعبود بحق يمحو آية الليل ويجعل آية النهار مبصرة ﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ﴾٦ ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾٧.
﴿ إن في ذلك ﴾ ـ إشارة إلى ما فصل آنفا وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته.
﴿ لعبرة ﴾ لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء، ونفاذ مشيئته، وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي.
ـ ﴿ لأولي الأبصار ﴾ أي لكل من له بصيرة يراجعها ويعملها، فالأبصار هنا : جمع بصر، بمعنى البصيرة، بخلافها فيما سبق، وقيل : هو بمعنى البصر الظاهر كما هو المتبادر منه، والتعبير بذلك دون البصائر للإيذان بوضوح الدلالة ـ٨.
[ وفي كل معتبر لذوي الأبصار، والذين يترقون من المصنوع إلى الصانع، ويستدلون بالمحسوس على الغائب، منتقلين من ظلمة التقليد إلى نور البرهان٩ ]

﴿ المصير ﴾ المرجع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ لما وصف أنوار المؤمنين وظلمات الكافرين، صرح بدلائل التوحيد، فقال مستفهما على سبيل التقرير ـ١ : ألم تعلم وتدرك ؟ بمعنى علمت وأدركت أن الله المعبود بحق ينزهه ويقدسه الذين هم في السماوات والذين هم في الأرض فمخلوقات علوي الكون كالملائكة ومخلوقات سفليه كالإنس والجن وغير ذلك يبرءون المولى المتعال عن كل ما لا يليق بجلاله ؛ وما نراه معلقا بين السماء والأرض صافا أجنحته في الهواء من الطير هو كذلك يبرئ الله سبحانه عن كل نقص وباطل، كل من هؤلاء قد علم صلاته لمولاه وتسبيحه إياه جل علاه، والله واسع علمه، محيط بذكر الذاكرين وغفلة الغافلين ﴿.. وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ﴾٢.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا.. والخطاب في ﴿ ألم تر ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه : ألم تعلم ؟ والمراد الكل.. قال مجاهد وغيره : الصلاة للإنسان والتسبيح لما سواه من الخلق.. ﴿ كل قد علم صلاته وتسبيحه ﴾ يجوز أن يكون المعنى : كل قد علم صلاته وتسبيحه.. وقد قيل : المعنى : قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه.. اهـ.
[.. الله تعالى ينزهه آنا فآنا في ذاته وصفاته وأفعاله عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل من نقص أو خلل تنزيها معنويا تفهمه العقول السليمة جميع من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم كائنا ما كان.... عبر عنها بما يخص العقلاء من التسبيح الذي هو أقوى مراتب التنزيه وأظهرها تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال.
﴿ والطير ﴾ بالرفع على ﴿ من ﴾ وتخصيصا بالذكر... مع اندراجها في جملة ما في الأرض لعدم استمرار قرارها فيها.
﴿ صافات ﴾ أي تسبحه الطير حال كونها صافات أجنحتها، فإن إعطاء الله للأجرام الثقيلة ما يتمكن به من الوقوف في الجو، والحركة كيف شاء، من الأجنحة والأذناب الخفيفة، وإرشادها إلى كيفية استعمالها بالقبض والبسط والتحريك يمينا وشمالا ونحو ذلك، حجة واضحة الدلالة على كمال قدرة الصانع المجيد، وغاية حكمة المبدئ المعيد.
﴿ ولله ملك السماوات والأرض ﴾ لا لغيره تعالى استقلالا أو إشراكا لأنه سبحانه الخالق لهما ولما فيهما من الذوات والصفات، وهو المتصرف في جميعها إيجادا وإعداما، إبداء وإعادة٣ ]. ومما يقول صاحب جامع البيان : ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كل من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن خزائن السماوات والأرض لا يخشى بعطاياكم منها فقرا، ﴿ وإليه المصير ﴾ يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم مصيركم ومعادكم، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته واجتهدوا في طاعته، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال. اهـ.
﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله ﴾ علمتنا هذه الآية الكريمة برهانا علويا على حكمة البارئ سبحانه واقتداره، وعلى إتقان صنعته، وفيض رحمته، فكل من يتأتى منه العلم، وكل من أوتي بصيرة مستيقن بأن الله دون سواه يسوق جنس السحاب برفق، ويسيره بإرادته، ويدفعه إلى حيث شاء، ثم يصل بعضه ببعض ويؤلف بين أجزائه وقطعه التي تبدو متناثرة، ثم يجعله القوي القدير متراكما طبقات منه تركب طبقات أخرى وتعلوها٤، فيتراءى لكل ذي عينين أن القطر والمطر يخرج من خلال السحاب وفتوقه، ولهذا قالوا : السحاب غربال المطر، وقد ينزل الغيث بردا ـ ماء متجمدا ـ ويتتابع سقوطه حتى يعلو ويتعاظم كالجبال، ثم قد يتحدر على خلق مهدما مغرقا مدمرا، وقد يتنزل على آخرين رحمة وسقيا، وغياثا وحياة٥. ومع ما يحمل السحاب من ماء وبرد فإن البرق الذي يتوهج من بينه شديد لمعانه، قوي ضوؤه، حتى ليقارب أن يخطف أبصار من يشاهدونه، وهذا من أقوى الدلائل على كمال قدرة الله من حيث إنه توليد للضد من الضد.
وبرهان في علوي الكون كذلك، أو بين علويه وسفليه، ترشد إليه الآية المباركة ﴿ يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ﴾ مولانا المعبود بحق يمحو آية الليل ويجعل آية النهار مبصرة ﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ﴾٦ ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾٧.
﴿ إن في ذلك ﴾ ـ إشارة إلى ما فصل آنفا وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته.
﴿ لعبرة ﴾ لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء، ونفاذ مشيئته، وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي.
ـ ﴿ لأولي الأبصار ﴾ أي لكل من له بصيرة يراجعها ويعملها، فالأبصار هنا : جمع بصر، بمعنى البصيرة، بخلافها فيما سبق، وقيل : هو بمعنى البصر الظاهر كما هو المتبادر منه، والتعبير بذلك دون البصائر للإيذان بوضوح الدلالة ـ٨.
[ وفي كل معتبر لذوي الأبصار، والذين يترقون من المصنوع إلى الصانع، ويستدلون بالمحسوس على الغائب، منتقلين من ظلمة التقليد إلى نور البرهان٩ ]

﴿ يزجي ﴾ يسوق برفق.
﴿ يؤلف بينه ﴾ يوصل بين أجزائه وقطعه.
﴿ ركاما ﴾ متراكما بعضه فوق بعض.
﴿ الودق ﴾ المطر.
﴿ من خلاله ﴾ وفتوقه.
﴿ من جبال ﴾ من قطع سحاب عظيمة كالجبال.
﴿ برد ﴾ ماء متجمد.
﴿ سنا برقه ﴾ ضوء برق السحاب.
﴿ يذهب ﴾ يخطف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ لما وصف أنوار المؤمنين وظلمات الكافرين، صرح بدلائل التوحيد، فقال مستفهما على سبيل التقرير ـ١ : ألم تعلم وتدرك ؟ بمعنى علمت وأدركت أن الله المعبود بحق ينزهه ويقدسه الذين هم في السماوات والذين هم في الأرض فمخلوقات علوي الكون كالملائكة ومخلوقات سفليه كالإنس والجن وغير ذلك يبرءون المولى المتعال عن كل ما لا يليق بجلاله ؛ وما نراه معلقا بين السماء والأرض صافا أجنحته في الهواء من الطير هو كذلك يبرئ الله سبحانه عن كل نقص وباطل، كل من هؤلاء قد علم صلاته لمولاه وتسبيحه إياه جل علاه، والله واسع علمه، محيط بذكر الذاكرين وغفلة الغافلين ﴿.. وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ﴾٢.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا.. والخطاب في ﴿ ألم تر ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه : ألم تعلم ؟ والمراد الكل.. قال مجاهد وغيره : الصلاة للإنسان والتسبيح لما سواه من الخلق.. ﴿ كل قد علم صلاته وتسبيحه ﴾ يجوز أن يكون المعنى : كل قد علم صلاته وتسبيحه.. وقد قيل : المعنى : قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه.. اهـ.
[.. الله تعالى ينزهه آنا فآنا في ذاته وصفاته وأفعاله عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل من نقص أو خلل تنزيها معنويا تفهمه العقول السليمة جميع من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم كائنا ما كان.... عبر عنها بما يخص العقلاء من التسبيح الذي هو أقوى مراتب التنزيه وأظهرها تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال.
﴿ والطير ﴾ بالرفع على ﴿ من ﴾ وتخصيصا بالذكر... مع اندراجها في جملة ما في الأرض لعدم استمرار قرارها فيها.
﴿ صافات ﴾ أي تسبحه الطير حال كونها صافات أجنحتها، فإن إعطاء الله للأجرام الثقيلة ما يتمكن به من الوقوف في الجو، والحركة كيف شاء، من الأجنحة والأذناب الخفيفة، وإرشادها إلى كيفية استعمالها بالقبض والبسط والتحريك يمينا وشمالا ونحو ذلك، حجة واضحة الدلالة على كمال قدرة الصانع المجيد، وغاية حكمة المبدئ المعيد.
﴿ ولله ملك السماوات والأرض ﴾ لا لغيره تعالى استقلالا أو إشراكا لأنه سبحانه الخالق لهما ولما فيهما من الذوات والصفات، وهو المتصرف في جميعها إيجادا وإعداما، إبداء وإعادة٣ ]. ومما يقول صاحب جامع البيان : ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كل من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن خزائن السماوات والأرض لا يخشى بعطاياكم منها فقرا، ﴿ وإليه المصير ﴾ يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم مصيركم ومعادكم، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته واجتهدوا في طاعته، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال. اهـ.
﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله ﴾ علمتنا هذه الآية الكريمة برهانا علويا على حكمة البارئ سبحانه واقتداره، وعلى إتقان صنعته، وفيض رحمته، فكل من يتأتى منه العلم، وكل من أوتي بصيرة مستيقن بأن الله دون سواه يسوق جنس السحاب برفق، ويسيره بإرادته، ويدفعه إلى حيث شاء، ثم يصل بعضه ببعض ويؤلف بين أجزائه وقطعه التي تبدو متناثرة، ثم يجعله القوي القدير متراكما طبقات منه تركب طبقات أخرى وتعلوها٤، فيتراءى لكل ذي عينين أن القطر والمطر يخرج من خلال السحاب وفتوقه، ولهذا قالوا : السحاب غربال المطر، وقد ينزل الغيث بردا ـ ماء متجمدا ـ ويتتابع سقوطه حتى يعلو ويتعاظم كالجبال، ثم قد يتحدر على خلق مهدما مغرقا مدمرا، وقد يتنزل على آخرين رحمة وسقيا، وغياثا وحياة٥. ومع ما يحمل السحاب من ماء وبرد فإن البرق الذي يتوهج من بينه شديد لمعانه، قوي ضوؤه، حتى ليقارب أن يخطف أبصار من يشاهدونه، وهذا من أقوى الدلائل على كمال قدرة الله من حيث إنه توليد للضد من الضد.
وبرهان في علوي الكون كذلك، أو بين علويه وسفليه، ترشد إليه الآية المباركة ﴿ يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ﴾ مولانا المعبود بحق يمحو آية الليل ويجعل آية النهار مبصرة ﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ﴾٦ ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾٧.
﴿ إن في ذلك ﴾ ـ إشارة إلى ما فصل آنفا وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته.
﴿ لعبرة ﴾ لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء، ونفاذ مشيئته، وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي.
ـ ﴿ لأولي الأبصار ﴾ أي لكل من له بصيرة يراجعها ويعملها، فالأبصار هنا : جمع بصر، بمعنى البصيرة، بخلافها فيما سبق، وقيل : هو بمعنى البصر الظاهر كما هو المتبادر منه، والتعبير بذلك دون البصائر للإيذان بوضوح الدلالة ـ٨.
[ وفي كل معتبر لذوي الأبصار، والذين يترقون من المصنوع إلى الصانع، ويستدلون بالمحسوس على الغائب، منتقلين من ظلمة التقليد إلى نور البرهان٩ ]

﴿ يقلب ﴾ يغير.
﴿ لعبرة ﴾ لدلالة واضحة يعتبر بها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ لما وصف أنوار المؤمنين وظلمات الكافرين، صرح بدلائل التوحيد، فقال مستفهما على سبيل التقرير ـ١ : ألم تعلم وتدرك ؟ بمعنى علمت وأدركت أن الله المعبود بحق ينزهه ويقدسه الذين هم في السماوات والذين هم في الأرض فمخلوقات علوي الكون كالملائكة ومخلوقات سفليه كالإنس والجن وغير ذلك يبرءون المولى المتعال عن كل ما لا يليق بجلاله ؛ وما نراه معلقا بين السماء والأرض صافا أجنحته في الهواء من الطير هو كذلك يبرئ الله سبحانه عن كل نقص وباطل، كل من هؤلاء قد علم صلاته لمولاه وتسبيحه إياه جل علاه، والله واسع علمه، محيط بذكر الذاكرين وغفلة الغافلين ﴿.. وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ﴾٢.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا.. والخطاب في ﴿ ألم تر ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه : ألم تعلم ؟ والمراد الكل.. قال مجاهد وغيره : الصلاة للإنسان والتسبيح لما سواه من الخلق.. ﴿ كل قد علم صلاته وتسبيحه ﴾ يجوز أن يكون المعنى : كل قد علم صلاته وتسبيحه.. وقد قيل : المعنى : قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه.. اهـ.
[.. الله تعالى ينزهه آنا فآنا في ذاته وصفاته وأفعاله عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل من نقص أو خلل تنزيها معنويا تفهمه العقول السليمة جميع من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم كائنا ما كان.... عبر عنها بما يخص العقلاء من التسبيح الذي هو أقوى مراتب التنزيه وأظهرها تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال.
﴿ والطير ﴾ بالرفع على ﴿ من ﴾ وتخصيصا بالذكر... مع اندراجها في جملة ما في الأرض لعدم استمرار قرارها فيها.
﴿ صافات ﴾ أي تسبحه الطير حال كونها صافات أجنحتها، فإن إعطاء الله للأجرام الثقيلة ما يتمكن به من الوقوف في الجو، والحركة كيف شاء، من الأجنحة والأذناب الخفيفة، وإرشادها إلى كيفية استعمالها بالقبض والبسط والتحريك يمينا وشمالا ونحو ذلك، حجة واضحة الدلالة على كمال قدرة الصانع المجيد، وغاية حكمة المبدئ المعيد.
﴿ ولله ملك السماوات والأرض ﴾ لا لغيره تعالى استقلالا أو إشراكا لأنه سبحانه الخالق لهما ولما فيهما من الذوات والصفات، وهو المتصرف في جميعها إيجادا وإعداما، إبداء وإعادة٣ ]. ومما يقول صاحب جامع البيان : ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كل من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن خزائن السماوات والأرض لا يخشى بعطاياكم منها فقرا، ﴿ وإليه المصير ﴾ يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم مصيركم ومعادكم، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته واجتهدوا في طاعته، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال. اهـ.
﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله ﴾ علمتنا هذه الآية الكريمة برهانا علويا على حكمة البارئ سبحانه واقتداره، وعلى إتقان صنعته، وفيض رحمته، فكل من يتأتى منه العلم، وكل من أوتي بصيرة مستيقن بأن الله دون سواه يسوق جنس السحاب برفق، ويسيره بإرادته، ويدفعه إلى حيث شاء، ثم يصل بعضه ببعض ويؤلف بين أجزائه وقطعه التي تبدو متناثرة، ثم يجعله القوي القدير متراكما طبقات منه تركب طبقات أخرى وتعلوها٤، فيتراءى لكل ذي عينين أن القطر والمطر يخرج من خلال السحاب وفتوقه، ولهذا قالوا : السحاب غربال المطر، وقد ينزل الغيث بردا ـ ماء متجمدا ـ ويتتابع سقوطه حتى يعلو ويتعاظم كالجبال، ثم قد يتحدر على خلق مهدما مغرقا مدمرا، وقد يتنزل على آخرين رحمة وسقيا، وغياثا وحياة٥. ومع ما يحمل السحاب من ماء وبرد فإن البرق الذي يتوهج من بينه شديد لمعانه، قوي ضوؤه، حتى ليقارب أن يخطف أبصار من يشاهدونه، وهذا من أقوى الدلائل على كمال قدرة الله من حيث إنه توليد للضد من الضد.
وبرهان في علوي الكون كذلك، أو بين علويه وسفليه، ترشد إليه الآية المباركة ﴿ يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ﴾ مولانا المعبود بحق يمحو آية الليل ويجعل آية النهار مبصرة ﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ﴾٦ ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾٧.
﴿ إن في ذلك ﴾ ـ إشارة إلى ما فصل آنفا وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته.
﴿ لعبرة ﴾ لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء، ونفاذ مشيئته، وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي.
ـ ﴿ لأولي الأبصار ﴾ أي لكل من له بصيرة يراجعها ويعملها، فالأبصار هنا : جمع بصر، بمعنى البصيرة، بخلافها فيما سبق، وقيل : هو بمعنى البصر الظاهر كما هو المتبادر منه، والتعبير بذلك دون البصائر للإيذان بوضوح الدلالة ـ٨.
[ وفي كل معتبر لذوي الأبصار، والذين يترقون من المصنوع إلى الصانع، ويستدلون بالمحسوس على الغائب، منتقلين من ظلمة التقليد إلى نور البرهان٩ ]

﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { ٤٥ ) لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ { ٤٦ ) ﴾
﴿ دابة ﴾ حيوان يدب على وجه الأرض، أو : كل ما دب وتحرك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:آية كونية حسية تشهد أن ربنا الخلاق العليم لا شريك له : مخلوقات تدب وتتحرك على الأرض، تفوق الحصر والعد، تشترك في أنها على اختلاف أجناسها مخلوقة من ماء جعله الله جزءا من كيانها، وسببا من أسباب وجودها، فهي إما متولدة من نطفة، وإما بحيث لا تعيش إلا بالماء، ومع اشتراكها في هذا الأصل فهي مختلفة الخلقة : فمنها ما يمشي على بطنه يزحف، أو يسبح، ومن الخلائق من يمشي على رجلين، ومن المخلوقات ما يمشي على أربع.
مما يقول أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : وقيل : إنما قيل :﴿ فمنهم من يمشي على بطنه ﴾ والمشي لا يكون على البطن لأن المشي إنما يكون لما له قوائم ـ على التشبيه ـ وأنه لما خالط ما له قوائم ما لا قوائم له جاز، كما قال :﴿ ومنهم من يمشي على رجلين ﴾ كالطير، ﴿ ومنهم من يمشي على أربع ﴾ كالبهائم ؛ فإن قال قائل : فكيف قيل :﴿ فمنهم من يمشي ﴾ و ﴿ من ﴾ للناس ؟ وكل هذه الأجناس أو أكثرها لغيرهم ؟ قيل : لأنه تفريق ما هو داخل في قوله :﴿ والله خلق كل دابة ﴾ وكان داخلا في ذلك الناس وغيرهم، ثم قال :﴿ فمنهم ﴾ لاجتماع الناس والبهائم وغيرهم في ذلك واختلاطهم، فكنى عن جميعهم كناية عن بني آدم ثم فسرهم بـ ﴿ من ﴾ إذ كان قد كنى عنهم كناية بني آدم خاصة، ﴿ يخلق الله ما يشاء ﴾ يقول : يحدث الله ما يشاء من الخلق ﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾ يقول : إن الله على إحداث ذلك وخلقه، وخلق ما يشاء من الأشياء غيره، ذو قدرة لا يتعذر عليه شيء أراد.. ﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾ يقول تعالى ذكره : لقد أنزلنا أيها الناس علامات واضحات دالات على طريق الحق وسبيل الرشاد ﴿ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ والله يرشد من يشاء من خلقه بتوفيقه فيهديه إلى دين الإسلام وهو الصراط المستقيم، والطريق القاصد الذي لا اعوجاج فيه اهـ.
﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾ [ أي لكل ما يليق بيانه من الأحكام الدينية، والأسرار التكوينية.. ﴿ والله يهدي من يشاء ﴾ هدايته بتوفيقه للنظر الصحيح فيها، والتدبر لمعانيها١ ]

﴿ مبينات ﴾ موضحات.
﴿ صراط مستقيم ﴾ طريق لا عوج فيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:آية كونية حسية تشهد أن ربنا الخلاق العليم لا شريك له : مخلوقات تدب وتتحرك على الأرض، تفوق الحصر والعد، تشترك في أنها على اختلاف أجناسها مخلوقة من ماء جعله الله جزءا من كيانها، وسببا من أسباب وجودها، فهي إما متولدة من نطفة، وإما بحيث لا تعيش إلا بالماء، ومع اشتراكها في هذا الأصل فهي مختلفة الخلقة : فمنها ما يمشي على بطنه يزحف، أو يسبح، ومن الخلائق من يمشي على رجلين، ومن المخلوقات ما يمشي على أربع.
مما يقول أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : وقيل : إنما قيل :﴿ فمنهم من يمشي على بطنه ﴾ والمشي لا يكون على البطن لأن المشي إنما يكون لما له قوائم ـ على التشبيه ـ وأنه لما خالط ما له قوائم ما لا قوائم له جاز، كما قال :﴿ ومنهم من يمشي على رجلين ﴾ كالطير، ﴿ ومنهم من يمشي على أربع ﴾ كالبهائم ؛ فإن قال قائل : فكيف قيل :﴿ فمنهم من يمشي ﴾ و ﴿ من ﴾ للناس ؟ وكل هذه الأجناس أو أكثرها لغيرهم ؟ قيل : لأنه تفريق ما هو داخل في قوله :﴿ والله خلق كل دابة ﴾ وكان داخلا في ذلك الناس وغيرهم، ثم قال :﴿ فمنهم ﴾ لاجتماع الناس والبهائم وغيرهم في ذلك واختلاطهم، فكنى عن جميعهم كناية عن بني آدم ثم فسرهم بـ ﴿ من ﴾ إذ كان قد كنى عنهم كناية بني آدم خاصة، ﴿ يخلق الله ما يشاء ﴾ يقول : يحدث الله ما يشاء من الخلق ﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾ يقول : إن الله على إحداث ذلك وخلقه، وخلق ما يشاء من الأشياء غيره، ذو قدرة لا يتعذر عليه شيء أراد.. ﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾ يقول تعالى ذكره : لقد أنزلنا أيها الناس علامات واضحات دالات على طريق الحق وسبيل الرشاد ﴿ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ والله يرشد من يشاء من خلقه بتوفيقه فيهديه إلى دين الإسلام وهو الصراط المستقيم، والطريق القاصد الذي لا اعوجاج فيه اهـ.
﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾ [ أي لكل ما يليق بيانه من الأحكام الدينية، والأسرار التكوينية.. ﴿ والله يهدي من يشاء ﴾ هدايته بتوفيقه للنظر الصحيح فيها، والتدبر لمعانيها١ ]

﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ { ٤٧ ) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ { ٤٨ ) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ { ٤٩ ) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ { ٥٠ ) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { ٥١ ) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ { ٥٢ ) ﴾.
﴿ آمنا ﴾ صدقنا واستيقنا.
﴿ يتولى ﴾ يعرض.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تتابعت آيات مباركات تبين نور وهدى المؤمنين، ثم آيات كريمات بينت ظلمات وضلال الكافرين، وسيق بعد ذلك البرهان على جلال رب العالمين ؛ ثم جاءت الآيات هذه تفرق بين خلق المنافقين، وبين يقين وسبيل المتقين المخلصين، فأما أهل الفتنة والزيغ فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم، وعلامة نفاقهم أن أفعالهم تكذب أقوالهم، فهم عن نهج الله ورسوله وسننهما مبتعدون، ﴿.. أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴾١، وحين يدعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بما أراه الله، يفاجئون بالإعراض والصدود عن الاحتكام إلى خير الأنام، وخاتم رسل الملك العلام ؛ فهل الذي حملهم على ذلك مرض النفاق، واستصحاب المخادعة والاستهزاء. أم داخلهم ريب وشك في أنه مبلغ ربه، مأمور بالعدل بين الخلق ؟ أم يخافون جور الله ورسوله في الحكم عليهم ـ وحاشا ـ فالله يقضي بالحق ﴿.. ولا يظلم ربك أحدا ﴾٢ ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. ﴾٣ {.. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم.. )٤، بل هم الذين جاروا وفجروا وظلموا وضلوا ضلالا بعيدا.
ولا يستوي أهل الخداع، والصادقون في الطاعة والاتباع، لا يستويان، فالذين استيقنوا وصدقوا إذا ما دعوا إلى حكم الله ورسوله سارعوا إلى الرضا والقبول، وقالوا سمعا وطاعة٥، هؤلاء أعلى المولى سبحانه قدرهم، وأعطاهم سؤلهم، وبلغهم آمالهم، وطيب عاجلهم قبل النعيم الذي ادخر لهم، ﴿ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ﴾ ومن يستجب لأمر ربه، ويهتد بهدي نبيه، ويجتنب مناهي الله، ويراه مولاه في مواطن رضاه، فهذا فائز بكل محبوب، ناج من كل مرهوب.
ـ وقال :﴿ أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾ والمعنى : يحيف رسول الله عليهم فبدأ بالله تعالى تعظيما لله.. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ﴾ : فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل ليحكما٦ـ.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين، فقدم لذلك مقدمة وهي قوله :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾.. [ الغرض ها هنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق.. والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي، ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم، ويجوز أن يراد بالفريق المتولي : رؤساء النفاق.. ﴿ بل أولئك هم الظالمون ﴾... لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم ]٧ ولما حكى سيرة المنافقين وما فعلوه أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه ومعنى ﴿ كان ﴾ : صح واستقام، أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة، عن ابن عباس :﴿ ومن يطع الله ﴾ في فرائضه، ﴿ ورسوله ﴾ في سننه ﴿ ويخش الله ﴾ على ما مضى من ذنوبه، ﴿ ويتقه ﴾ فيما يستقبل من عمره ﴿ فأولئك هم الفائزون ﴾ وهذه آية جامعة لأسباب الفوز، وفقنا الله تعالى للعمل بها

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تتابعت آيات مباركات تبين نور وهدى المؤمنين، ثم آيات كريمات بينت ظلمات وضلال الكافرين، وسيق بعد ذلك البرهان على جلال رب العالمين ؛ ثم جاءت الآيات هذه تفرق بين خلق المنافقين، وبين يقين وسبيل المتقين المخلصين، فأما أهل الفتنة والزيغ فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم، وعلامة نفاقهم أن أفعالهم تكذب أقوالهم، فهم عن نهج الله ورسوله وسننهما مبتعدون، ﴿.. أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴾١، وحين يدعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بما أراه الله، يفاجئون بالإعراض والصدود عن الاحتكام إلى خير الأنام، وخاتم رسل الملك العلام ؛ فهل الذي حملهم على ذلك مرض النفاق، واستصحاب المخادعة والاستهزاء. أم داخلهم ريب وشك في أنه مبلغ ربه، مأمور بالعدل بين الخلق ؟ أم يخافون جور الله ورسوله في الحكم عليهم ـ وحاشا ـ فالله يقضي بالحق ﴿.. ولا يظلم ربك أحدا ﴾٢ ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. ﴾٣ {.. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم.. )٤، بل هم الذين جاروا وفجروا وظلموا وضلوا ضلالا بعيدا.
ولا يستوي أهل الخداع، والصادقون في الطاعة والاتباع، لا يستويان، فالذين استيقنوا وصدقوا إذا ما دعوا إلى حكم الله ورسوله سارعوا إلى الرضا والقبول، وقالوا سمعا وطاعة٥، هؤلاء أعلى المولى سبحانه قدرهم، وأعطاهم سؤلهم، وبلغهم آمالهم، وطيب عاجلهم قبل النعيم الذي ادخر لهم، ﴿ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ﴾ ومن يستجب لأمر ربه، ويهتد بهدي نبيه، ويجتنب مناهي الله، ويراه مولاه في مواطن رضاه، فهذا فائز بكل محبوب، ناج من كل مرهوب.
ـ وقال :﴿ أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾ والمعنى : يحيف رسول الله عليهم فبدأ بالله تعالى تعظيما لله.. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ﴾ : فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل ليحكما٦ـ.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين، فقدم لذلك مقدمة وهي قوله :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾.. [ الغرض ها هنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق.. والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي، ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم، ويجوز أن يراد بالفريق المتولي : رؤساء النفاق.. ﴿ بل أولئك هم الظالمون ﴾... لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم ]٧ ولما حكى سيرة المنافقين وما فعلوه أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه ومعنى ﴿ كان ﴾ : صح واستقام، أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة، عن ابن عباس :﴿ ومن يطع الله ﴾ في فرائضه، ﴿ ورسوله ﴾ في سننه ﴿ ويخش الله ﴾ على ما مضى من ذنوبه، ﴿ ويتقه ﴾ فيما يستقبل من عمره ﴿ فأولئك هم الفائزون ﴾ وهذه آية جامعة لأسباب الفوز، وفقنا الله تعالى للعمل بها

﴿ مذعنين ﴾ خاضعين مستسلمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تتابعت آيات مباركات تبين نور وهدى المؤمنين، ثم آيات كريمات بينت ظلمات وضلال الكافرين، وسيق بعد ذلك البرهان على جلال رب العالمين ؛ ثم جاءت الآيات هذه تفرق بين خلق المنافقين، وبين يقين وسبيل المتقين المخلصين، فأما أهل الفتنة والزيغ فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم، وعلامة نفاقهم أن أفعالهم تكذب أقوالهم، فهم عن نهج الله ورسوله وسننهما مبتعدون، ﴿.. أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴾١، وحين يدعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بما أراه الله، يفاجئون بالإعراض والصدود عن الاحتكام إلى خير الأنام، وخاتم رسل الملك العلام ؛ فهل الذي حملهم على ذلك مرض النفاق، واستصحاب المخادعة والاستهزاء. أم داخلهم ريب وشك في أنه مبلغ ربه، مأمور بالعدل بين الخلق ؟ أم يخافون جور الله ورسوله في الحكم عليهم ـ وحاشا ـ فالله يقضي بالحق ﴿.. ولا يظلم ربك أحدا ﴾٢ ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. ﴾٣ {.. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم.. )٤، بل هم الذين جاروا وفجروا وظلموا وضلوا ضلالا بعيدا.
ولا يستوي أهل الخداع، والصادقون في الطاعة والاتباع، لا يستويان، فالذين استيقنوا وصدقوا إذا ما دعوا إلى حكم الله ورسوله سارعوا إلى الرضا والقبول، وقالوا سمعا وطاعة٥، هؤلاء أعلى المولى سبحانه قدرهم، وأعطاهم سؤلهم، وبلغهم آمالهم، وطيب عاجلهم قبل النعيم الذي ادخر لهم، ﴿ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ﴾ ومن يستجب لأمر ربه، ويهتد بهدي نبيه، ويجتنب مناهي الله، ويراه مولاه في مواطن رضاه، فهذا فائز بكل محبوب، ناج من كل مرهوب.
ـ وقال :﴿ أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾ والمعنى : يحيف رسول الله عليهم فبدأ بالله تعالى تعظيما لله.. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ﴾ : فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل ليحكما٦ـ.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين، فقدم لذلك مقدمة وهي قوله :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾.. [ الغرض ها هنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق.. والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي، ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم، ويجوز أن يراد بالفريق المتولي : رؤساء النفاق.. ﴿ بل أولئك هم الظالمون ﴾... لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم ]٧ ولما حكى سيرة المنافقين وما فعلوه أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه ومعنى ﴿ كان ﴾ : صح واستقام، أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة، عن ابن عباس :﴿ ومن يطع الله ﴾ في فرائضه، ﴿ ورسوله ﴾ في سننه ﴿ ويخش الله ﴾ على ما مضى من ذنوبه، ﴿ ويتقه ﴾ فيما يستقبل من عمره ﴿ فأولئك هم الفائزون ﴾ وهذه آية جامعة لأسباب الفوز، وفقنا الله تعالى للعمل بها

﴿ يحيف ﴾ يجور ويظلم ويبغي
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تتابعت آيات مباركات تبين نور وهدى المؤمنين، ثم آيات كريمات بينت ظلمات وضلال الكافرين، وسيق بعد ذلك البرهان على جلال رب العالمين ؛ ثم جاءت الآيات هذه تفرق بين خلق المنافقين، وبين يقين وسبيل المتقين المخلصين، فأما أهل الفتنة والزيغ فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم، وعلامة نفاقهم أن أفعالهم تكذب أقوالهم، فهم عن نهج الله ورسوله وسننهما مبتعدون، ﴿.. أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴾١، وحين يدعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بما أراه الله، يفاجئون بالإعراض والصدود عن الاحتكام إلى خير الأنام، وخاتم رسل الملك العلام ؛ فهل الذي حملهم على ذلك مرض النفاق، واستصحاب المخادعة والاستهزاء. أم داخلهم ريب وشك في أنه مبلغ ربه، مأمور بالعدل بين الخلق ؟ أم يخافون جور الله ورسوله في الحكم عليهم ـ وحاشا ـ فالله يقضي بالحق ﴿.. ولا يظلم ربك أحدا ﴾٢ ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. ﴾٣ {.. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم.. )٤، بل هم الذين جاروا وفجروا وظلموا وضلوا ضلالا بعيدا.
ولا يستوي أهل الخداع، والصادقون في الطاعة والاتباع، لا يستويان، فالذين استيقنوا وصدقوا إذا ما دعوا إلى حكم الله ورسوله سارعوا إلى الرضا والقبول، وقالوا سمعا وطاعة٥، هؤلاء أعلى المولى سبحانه قدرهم، وأعطاهم سؤلهم، وبلغهم آمالهم، وطيب عاجلهم قبل النعيم الذي ادخر لهم، ﴿ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ﴾ ومن يستجب لأمر ربه، ويهتد بهدي نبيه، ويجتنب مناهي الله، ويراه مولاه في مواطن رضاه، فهذا فائز بكل محبوب، ناج من كل مرهوب.
ـ وقال :﴿ أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾ والمعنى : يحيف رسول الله عليهم فبدأ بالله تعالى تعظيما لله.. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ﴾ : فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل ليحكما٦ـ.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين، فقدم لذلك مقدمة وهي قوله :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾.. [ الغرض ها هنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق.. والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي، ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم، ويجوز أن يراد بالفريق المتولي : رؤساء النفاق.. ﴿ بل أولئك هم الظالمون ﴾... لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم ]٧ ولما حكى سيرة المنافقين وما فعلوه أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه ومعنى ﴿ كان ﴾ : صح واستقام، أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة، عن ابن عباس :﴿ ومن يطع الله ﴾ في فرائضه، ﴿ ورسوله ﴾ في سننه ﴿ ويخش الله ﴾ على ما مضى من ذنوبه، ﴿ ويتقه ﴾ فيما يستقبل من عمره ﴿ فأولئك هم الفائزون ﴾ وهذه آية جامعة لأسباب الفوز، وفقنا الله تعالى للعمل بها

﴿ المفلحون ﴾ الفائزون، المدركون لما طلبوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تتابعت آيات مباركات تبين نور وهدى المؤمنين، ثم آيات كريمات بينت ظلمات وضلال الكافرين، وسيق بعد ذلك البرهان على جلال رب العالمين ؛ ثم جاءت الآيات هذه تفرق بين خلق المنافقين، وبين يقين وسبيل المتقين المخلصين، فأما أهل الفتنة والزيغ فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم، وعلامة نفاقهم أن أفعالهم تكذب أقوالهم، فهم عن نهج الله ورسوله وسننهما مبتعدون، ﴿.. أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴾١، وحين يدعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بما أراه الله، يفاجئون بالإعراض والصدود عن الاحتكام إلى خير الأنام، وخاتم رسل الملك العلام ؛ فهل الذي حملهم على ذلك مرض النفاق، واستصحاب المخادعة والاستهزاء. أم داخلهم ريب وشك في أنه مبلغ ربه، مأمور بالعدل بين الخلق ؟ أم يخافون جور الله ورسوله في الحكم عليهم ـ وحاشا ـ فالله يقضي بالحق ﴿.. ولا يظلم ربك أحدا ﴾٢ ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. ﴾٣ {.. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم.. )٤، بل هم الذين جاروا وفجروا وظلموا وضلوا ضلالا بعيدا.
ولا يستوي أهل الخداع، والصادقون في الطاعة والاتباع، لا يستويان، فالذين استيقنوا وصدقوا إذا ما دعوا إلى حكم الله ورسوله سارعوا إلى الرضا والقبول، وقالوا سمعا وطاعة٥، هؤلاء أعلى المولى سبحانه قدرهم، وأعطاهم سؤلهم، وبلغهم آمالهم، وطيب عاجلهم قبل النعيم الذي ادخر لهم، ﴿ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ﴾ ومن يستجب لأمر ربه، ويهتد بهدي نبيه، ويجتنب مناهي الله، ويراه مولاه في مواطن رضاه، فهذا فائز بكل محبوب، ناج من كل مرهوب.
ـ وقال :﴿ أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾ والمعنى : يحيف رسول الله عليهم فبدأ بالله تعالى تعظيما لله.. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ﴾ : فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل ليحكما٦ـ.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين، فقدم لذلك مقدمة وهي قوله :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾.. [ الغرض ها هنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق.. والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي، ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم، ويجوز أن يراد بالفريق المتولي : رؤساء النفاق.. ﴿ بل أولئك هم الظالمون ﴾... لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم ]٧ ولما حكى سيرة المنافقين وما فعلوه أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه ومعنى ﴿ كان ﴾ : صح واستقام، أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة، عن ابن عباس :﴿ ومن يطع الله ﴾ في فرائضه، ﴿ ورسوله ﴾ في سننه ﴿ ويخش الله ﴾ على ما مضى من ذنوبه، ﴿ ويتقه ﴾ فيما يستقبل من عمره ﴿ فأولئك هم الفائزون ﴾ وهذه آية جامعة لأسباب الفوز، وفقنا الله تعالى للعمل بها

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تتابعت آيات مباركات تبين نور وهدى المؤمنين، ثم آيات كريمات بينت ظلمات وضلال الكافرين، وسيق بعد ذلك البرهان على جلال رب العالمين ؛ ثم جاءت الآيات هذه تفرق بين خلق المنافقين، وبين يقين وسبيل المتقين المخلصين، فأما أهل الفتنة والزيغ فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم، وعلامة نفاقهم أن أفعالهم تكذب أقوالهم، فهم عن نهج الله ورسوله وسننهما مبتعدون، ﴿.. أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴾١، وحين يدعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بما أراه الله، يفاجئون بالإعراض والصدود عن الاحتكام إلى خير الأنام، وخاتم رسل الملك العلام ؛ فهل الذي حملهم على ذلك مرض النفاق، واستصحاب المخادعة والاستهزاء. أم داخلهم ريب وشك في أنه مبلغ ربه، مأمور بالعدل بين الخلق ؟ أم يخافون جور الله ورسوله في الحكم عليهم ـ وحاشا ـ فالله يقضي بالحق ﴿.. ولا يظلم ربك أحدا ﴾٢ ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. ﴾٣ {.. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم.. )٤، بل هم الذين جاروا وفجروا وظلموا وضلوا ضلالا بعيدا.
ولا يستوي أهل الخداع، والصادقون في الطاعة والاتباع، لا يستويان، فالذين استيقنوا وصدقوا إذا ما دعوا إلى حكم الله ورسوله سارعوا إلى الرضا والقبول، وقالوا سمعا وطاعة٥، هؤلاء أعلى المولى سبحانه قدرهم، وأعطاهم سؤلهم، وبلغهم آمالهم، وطيب عاجلهم قبل النعيم الذي ادخر لهم، ﴿ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ﴾ ومن يستجب لأمر ربه، ويهتد بهدي نبيه، ويجتنب مناهي الله، ويراه مولاه في مواطن رضاه، فهذا فائز بكل محبوب، ناج من كل مرهوب.
ـ وقال :﴿ أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾ والمعنى : يحيف رسول الله عليهم فبدأ بالله تعالى تعظيما لله.. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله :﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ﴾ : فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل ليحكما٦ـ.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين، فقدم لذلك مقدمة وهي قوله :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات ﴾.. [ الغرض ها هنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق.. والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي، ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم، ويجوز أن يراد بالفريق المتولي : رؤساء النفاق.. ﴿ بل أولئك هم الظالمون ﴾... لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم ]٧ ولما حكى سيرة المنافقين وما فعلوه أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه ومعنى ﴿ كان ﴾ : صح واستقام، أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة، عن ابن عباس :﴿ ومن يطع الله ﴾ في فرائضه، ﴿ ورسوله ﴾ في سننه ﴿ ويخش الله ﴾ على ما مضى من ذنوبه، ﴿ ويتقه ﴾ فيما يستقبل من عمره ﴿ فأولئك هم الفائزون ﴾ وهذه آية جامعة لأسباب الفوز، وفقنا الله تعالى للعمل بها

﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ { ٥٣ ) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ { ٥٤ ) ﴾.
﴿ وأقسموا ﴾ وحلفوا.
﴿ جهد أيمانهم ﴾ مشددين مغلظين بالغين الغاية بأيمانهم التي حلفوها.
﴿ ليخرجن ﴾ للجهاد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآية الأولى معطوفة على ما سبق من بيان حال أهل الشك والزيغ ومرضى القلوب الذين يريدون أن يثبتوا نسبتهم إلى الإيمان بالأيمان الكاذبة، وكانوا يقولون ـ كما روى أصحاب التفسير بالمأثور ـ : والله إن أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا، فنهوا عن هذه الأقسام ـ جمع قسم أي يمين وحلف ـ لما علم من نفاقهم وشقاقهم وإضمارهم الغدر والخديعة، وإلا فمن حلف على فعل البر لا ينهى عنه، ـ قوله :﴿ طاعة معروفة ﴾ قيل : معناه : طاعتكم معروفة، أي قد علم طاعتكم، إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال الله تعالى :{ يحلفون لكم لترضوا عنهم.. )١ الآية٢ـ.
مما يقول صاحب روح المعاني :﴿ وأقسموا بالله ﴾ حكاية لبعض آخر من أكاذيب الكفرة المنافقين مؤكدا بالأيمان الفاجرة، فهو عود على بدء.. وقوله سبحانه :﴿ جهد أيمانهم ﴾ نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله المحذوف، وجملة ذلك الفعل مع فاعله في موضع الحال.. اهـ.
﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ [ يقول : إن الله ذو خبرة بما تعملون من طاعتكم لله ورسوله، أو خلافكم أمرهما، أو غير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه من ذلك شيء ؛ وهو مجازيكم بكل ذلك٣ ].
﴿ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ أمر الله تعالى نبيه أن يدعوهم وسائر الناس إلى طاعة المولى سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن طاعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ طاعة لله عز شأنه، ويشهد لذلك ما جاء في الذكر الحكيم :﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله.. )٤ واتباعه ـ صلوات ربنا عليه وسلامه ـ مرضاة للكبير المتعال جل وعز يدرك بها حبه تبارك اسمه :{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.. )٥، { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ﴾ فإن تعرضوا أو تتولوا ـ أيها الناس ـ وتدبروا عما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهاكم عنه، وتأبوا أن تذعنوا لحكمه لكم وعليكم ـ فإنما عليه فعل ما أمر بفعله من تبليغ رسالة الله إليكم، على ما كلفه من التبليغ.. وعليكم أيها الناس أن تفعلوا ما ألزمكم وأوجب عليكم من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى طاعته فيما أمركم ونهاكم ـ ٦، وهكذا جاء التثبيت للبشير النذير صلى الله عليه وسلم، وقامت الحجة على الناس، يقول الحق جل علاه :﴿ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ.. )٧ {.. فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )٨{.. ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل.. )٩ {.. فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ )١٠ {.. الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل )١١، { وإن تطيعوه تهتدوا ﴾ وإن تتابعوا الاستجابة لما يدعوكم إليه نبينا وخاتم رسلنا ترشدوا وتصيبوا الحق وتدركوا سبيل المهتدين، فإنه صلوات الله عليه وسلامه مبعوث ربنا إلى خلقه بالرشد والنور :﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. )١٢ {.. وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )١٣ { وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )١٤ فقوله وفعله عليه الصلاة والسلام وسنته المطهرة بيان للكتاب العزيز الذي جاء به :{.. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.. )١٥ { وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى )١٦ ويشهد الذكر أن خاتم النبيين مرسل بالتزكية والتعليم :{.. يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة.. )١٧ {.. يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )١٨{ وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾١٩ لم يكلف الله تعالى رسولا من رسله أن يكره الناس على الإيمان، ولن يحاسبه على ضلال الضالين، لكن عهد الله تعالى إليهم وإلى خاتم المرسلين أن يبلغوا كلمات رب العالمين، ويبينوا منهاجه القويم، فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها :{ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم )٢٠ { فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر )٢١. والأمة مطالبة باتباعه في البيان والدعوة٢٢ مصداقا لقول ربنا الحق :{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة وأنا ومن اتبعني.. )٢٣
مما أورد صاحب روح المعاني٢٤ : وقوله تعالى :﴿ وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾ اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من أن غائلة التولي وفائدة الطاعة مقصورتان على المخاطبين، وأل إما للجنس المنتظم له صلى الله عليه وسلم انتظاما أوليا، أو للعهد أي : ما على جنس الرسول كائنا من كان، أو ما على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ الموضح لكل ما يحتاج الإيضاح، أو الواضح في نفسه، على أن ﴿ المبين ﴾ من أبان المتعدي لا بمعنى بان اللازم، وقد علمتم أنه عليه الصلاة والسلام قد فعله بما لا مزيد عليه وإنما بقي ما عليكم.. اهـ

﴿ تولوا ﴾ تتولوا وتعرضوا.
﴿ حمل ﴾ عهدنا إليه به من التبليغ.
﴿ حملتم ﴾ أمرتم به من الطاعة.
﴿ البلاغ المبين ﴾ التبليغ الواضح، أو الموضح لكل ما بالناس إليه حاجة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآية الأولى معطوفة على ما سبق من بيان حال أهل الشك والزيغ ومرضى القلوب الذين يريدون أن يثبتوا نسبتهم إلى الإيمان بالأيمان الكاذبة، وكانوا يقولون ـ كما روى أصحاب التفسير بالمأثور ـ : والله إن أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا، فنهوا عن هذه الأقسام ـ جمع قسم أي يمين وحلف ـ لما علم من نفاقهم وشقاقهم وإضمارهم الغدر والخديعة، وإلا فمن حلف على فعل البر لا ينهى عنه، ـ قوله :﴿ طاعة معروفة ﴾ قيل : معناه : طاعتكم معروفة، أي قد علم طاعتكم، إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال الله تعالى :{ يحلفون لكم لترضوا عنهم.. )١ الآية٢ـ.
مما يقول صاحب روح المعاني :﴿ وأقسموا بالله ﴾ حكاية لبعض آخر من أكاذيب الكفرة المنافقين مؤكدا بالأيمان الفاجرة، فهو عود على بدء.. وقوله سبحانه :﴿ جهد أيمانهم ﴾ نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله المحذوف، وجملة ذلك الفعل مع فاعله في موضع الحال.. اهـ.
﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ [ يقول : إن الله ذو خبرة بما تعملون من طاعتكم لله ورسوله، أو خلافكم أمرهما، أو غير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه من ذلك شيء ؛ وهو مجازيكم بكل ذلك٣ ].
﴿ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ أمر الله تعالى نبيه أن يدعوهم وسائر الناس إلى طاعة المولى سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن طاعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ طاعة لله عز شأنه، ويشهد لذلك ما جاء في الذكر الحكيم :﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله.. )٤ واتباعه ـ صلوات ربنا عليه وسلامه ـ مرضاة للكبير المتعال جل وعز يدرك بها حبه تبارك اسمه :{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.. )٥، { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ﴾ فإن تعرضوا أو تتولوا ـ أيها الناس ـ وتدبروا عما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهاكم عنه، وتأبوا أن تذعنوا لحكمه لكم وعليكم ـ فإنما عليه فعل ما أمر بفعله من تبليغ رسالة الله إليكم، على ما كلفه من التبليغ.. وعليكم أيها الناس أن تفعلوا ما ألزمكم وأوجب عليكم من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى طاعته فيما أمركم ونهاكم ـ ٦، وهكذا جاء التثبيت للبشير النذير صلى الله عليه وسلم، وقامت الحجة على الناس، يقول الحق جل علاه :﴿ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ.. )٧ {.. فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )٨{.. ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل.. )٩ {.. فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ )١٠ {.. الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل )١١، { وإن تطيعوه تهتدوا ﴾ وإن تتابعوا الاستجابة لما يدعوكم إليه نبينا وخاتم رسلنا ترشدوا وتصيبوا الحق وتدركوا سبيل المهتدين، فإنه صلوات الله عليه وسلامه مبعوث ربنا إلى خلقه بالرشد والنور :﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. )١٢ {.. وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )١٣ { وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )١٤ فقوله وفعله عليه الصلاة والسلام وسنته المطهرة بيان للكتاب العزيز الذي جاء به :{.. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.. )١٥ { وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى )١٦ ويشهد الذكر أن خاتم النبيين مرسل بالتزكية والتعليم :{.. يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة.. )١٧ {.. يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )١٨{ وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾١٩ لم يكلف الله تعالى رسولا من رسله أن يكره الناس على الإيمان، ولن يحاسبه على ضلال الضالين، لكن عهد الله تعالى إليهم وإلى خاتم المرسلين أن يبلغوا كلمات رب العالمين، ويبينوا منهاجه القويم، فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها :{ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم )٢٠ { فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر )٢١. والأمة مطالبة باتباعه في البيان والدعوة٢٢ مصداقا لقول ربنا الحق :{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة وأنا ومن اتبعني.. )٢٣
مما أورد صاحب روح المعاني٢٤ : وقوله تعالى :﴿ وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾ اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من أن غائلة التولي وفائدة الطاعة مقصورتان على المخاطبين، وأل إما للجنس المنتظم له صلى الله عليه وسلم انتظاما أوليا، أو للعهد أي : ما على جنس الرسول كائنا من كان، أو ما على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ الموضح لكل ما يحتاج الإيضاح، أو الواضح في نفسه، على أن ﴿ المبين ﴾ من أبان المتعدي لا بمعنى بان اللازم، وقد علمتم أنه عليه الصلاة والسلام قد فعله بما لا مزيد عليه وإنما بقي ما عليكم.. اهـ

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { ٥٥ ) ﴾.
﴿ ليستخلفنهم ﴾ ليجعلنهم خلفاء.
﴿ وليمكنن ﴾ وليثبتن، وليعلين.
بشرى من ربنا الذي لا يخلف الميعاد للذين صدقوا واستيقنوا ما يجب الاستيقان به، ثم استقاموا على مرضاة الله، واستداموا الرشد والبر والخير، ليجعلنهم الفعال لما يريد خلفاء يهدون بأمره، ويحكمون بشرعه، ويلون أمر الخلق على نهج كتابه وسنة رسوله ليديلن لهم من عدو الله وعدوهم، فيخلفونهم ويرثون أرضهم من بعدهم، كالذي جاء في قول الحق جل علاه :﴿ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون )١ وقوله تبارك اسمه :{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون )٢ { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ﴾ وليثبتن الله تعالى للمؤمنين الصالحين الدين الذي ارتضاه ولم يرتض دينا سواه :﴿ إن الدين عند الله الإسلام.. )٣ { .. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.. )٤، { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ﴾ قسم حق من الله الحق أن يمن على الذين استضعفوا وهم ممن آمن وعمل صالحا أن يؤمن خوفهم ويعلي شأنهم، ويظهرهم على عدوهم ؛ ولقد صدق الله تعالى وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا. وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف{ في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا. وأورثكم أرضهم. وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا )٥.
وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وهكذا كتب ربنا على نفسه تفضلا منه وكرما أن يتولى أهل اليقين المتقين بالعون والمدد، والتأييد والنصر والظفر :{ .. وكان حقا علينا نصر المؤمنين )٦ { .. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )٧.
﴿ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين )٨ { .. ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )٩، فليستبشر أهل الصدق من المجاهدين بأن العاقبة للمتقين، وأن الله القوي المتين يقذف بالحق على الباطل فيدمغه { ... ولله جنود السماوات والأرض.. )١٠ { إنهم لهم المنصورون. وإن جندنا لهم الغالبون )١١ ومهما تقلبوا في البلاد، وتواصوا بالعدوان والفساد، فإن ربنا بهم محيط، { .. والله أشد بأسا وأشد تنكيلا )١٢. { يعبدونني لا يشركون بي شيئا ﴾ فالمؤمنون الصالحون عابدون لربنا وحامدون، سواء في ضرائهم أو حين يغلبون وينتصرون، وهم على كل حال لربهم يرهبون، وله يوحدون ويخلصون، وإياه دون سواه يعبدون.
[.. لما أفاد الكلام السابق أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحا ولا يخاف مضرتهم أكد بأنه عليه الصلاة والسلام هو الغالب ومن معه فأنى للخوف مجال ؟ ! و﴿ من ﴾ بيانية.. ﴿ وليمكنن لهم دينهم ﴾ عطف على ﴿ ليستخلفنهم ﴾ والكلام فيه كالكلام فيه، وتأخيره عنه مع كونه أجل الرغائب الموعودة وأعظمها لما أنه كالأثر للاستخلاف المذكور، وقيل : لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل، فتصدير المواعيد بها في الاستمالة أدخل... ]١٣ بلى ومنذ يوم الفرقان يوم بدر امتن الله تعالى على المؤمنين بما أفاء عليهم من مدد وعز ونصر، فقال تبارك اسمه :{ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون )١٤، وستبقى هذه النصرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مصداقا لوعد خاتم النبيين محمد الصادق الأمين. " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " أو كما قال. صلى الله عليه وسلم.
ومما روى جعفر الطبري بسنده عن أبي العالية :.. ﴿ فمن كفر بعد ذلك ﴾ يقول من كفر بهذه النعمة ﴿ فأولئك هم الفاسقون ﴾ وليس يعني الكفر بالله، قال : فأظهره الله على جزيرة العرب فآمنوا، ثم تجبروا فغير الله ما بهم، وكفروا بهذه النعمة فأدخل الله عليهم الخوف الذي كان رفعه عنهم اه.
١ سورة الأعراف. الآيتان ١٢٨، ١٢٩.
٢ سورة الأعراف. الآية ١٣٧..
٣ سورة آل عمران. من الآية ١٩..
٤ سورة المائدة. من الآية ٣..
٥ سورة الأحزاب. الآيات ٢٥، ٢٦، ٢٧..
٦ سورة الروم. من الآية ٤٦..
٧ سورة الحج. من الآية ٤٠. والآية ٤١..
٨ سورة الصف. من الآية ١٤..
٩ سورة التوبة. من الآية ٣٣.
١٠ سورة الفتح. من الآية ٤..
١١ سورة الصافات. الآيتان: ١٧٢، ١٧٣.
١٢ سورة النساء. من الآية ٨٤..
١٣ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
١٤ سورة الأنفال. الآية ٢٦..
﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { ٥٦ ) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ { ٥٧ ) ﴾.
﴿ وأقيموا ﴾ وأدوا أداء قيما، وأتموا.
﴿ وآتوا ﴾ وأعطوا.
﴿ لعلكم ترحمون ﴾ رجاء أن ترحموا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:أداء الصلاة على وجهها، وفي مواقيتها، وبخشوعها وتمام أركانها، وإعطاء الزكاة مستحقيها بسخاء نفس، ودون أذى أو رياء أو من، وطاعة نبينا محمد خاتم المرسلين، واتباع سبيله والاقتداء والتأسي به ـ الوفاء بهذه العهود الثلاثة يرجى به الدخول في رحمة الله.
﴿ لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ﴾ نهي لكل من يتأتى منه الظن والحسبان أن في مقدور الكفار الأشرار أن يفوتوا الله ـ تعالى وتقدس ـ أو يفلتوا منه أو يهربوا، هيهات هيهات، فإن الأرض جميعا قبضته، والسماوات مطويات بيمينه، كما نهى الكفار عن مثل هذا الحسبان في قول المولى تبارك اسمه :{ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون )١ فهم مخزون في الدنيا بالقهر والهزيمة، وفي الآخرة بالعذاب المهين :{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد )٢ فساء المصير مصيرهم {. والنار مثوى لهم )٣

﴿ ولا تحسبن ﴾ لا تظنن.
﴿ معجزين ﴾ مفلتين.
﴿ ومأواهم ﴾ مسكنهم ومستقرهم ومكان إقامتهم.
﴿ ولبئس ﴾ تأكيد للذم.
﴿ المصير ﴾ المرجع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:أداء الصلاة على وجهها، وفي مواقيتها، وبخشوعها وتمام أركانها، وإعطاء الزكاة مستحقيها بسخاء نفس، ودون أذى أو رياء أو من، وطاعة نبينا محمد خاتم المرسلين، واتباع سبيله والاقتداء والتأسي به ـ الوفاء بهذه العهود الثلاثة يرجى به الدخول في رحمة الله.
﴿ لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ﴾ نهي لكل من يتأتى منه الظن والحسبان أن في مقدور الكفار الأشرار أن يفوتوا الله ـ تعالى وتقدس ـ أو يفلتوا منه أو يهربوا، هيهات هيهات، فإن الأرض جميعا قبضته، والسماوات مطويات بيمينه، كما نهى الكفار عن مثل هذا الحسبان في قول المولى تبارك اسمه :{ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون )١ فهم مخزون في الدنيا بالقهر والهزيمة، وفي الآخرة بالعذاب المهين :{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد )٢ فساء المصير مصيرهم {. والنار مثوى لهم )٣

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ٥٨ ) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ٥٩ ) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ٦٠ ) ﴾.
﴿ ليستأذنكم ﴾ ليطلب إذنكم.
﴿ الذين ملكت أيمانكم ﴾ العبيد الذين تملكونهم، ويلحق بهن الإماء.
﴿ لم يبلغوا الحلم ﴾ لم يروا جماعا في نوم تنقضي برؤيته شهوتهم.
﴿ منكم ﴾ من الأحرار.
﴿ ثلاث مرات ﴾ في كل وقت من الأوقات الثلاثة في كل يوم وليلة.
﴿ الظهيرة ﴾ منتصف النهار.
﴿ عورات ﴾ سوءات، تسوء صاحبها إذا انكشفت، وتلحق به المذمة والعار.
﴿ جناح ﴾ ضيق وحرج وإثم وذنب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في آيات كريمات سابقات من هذه السورة المباركة بين الله سبحانه أدب الاستئذان لعامة من يريد دخول دار غير داره، وهنا جاء الأمر بالاستئذان خاصا بالعبيد والغلمان ـ وكذا الصبيان ـ وهناك طلب إلى كل من قصد الدخول على أحد أن يستأذن في كل الأوقات، أما في هذه الآية فقد خص بأوقات ثلاثة هي مظنة التكشف، وسائر الأوقات بعد لا يطلب فيها من المملوكين ولا من المراهقين أن يستأذنوا قبل الدخول، تيسيرا على الناس، وتسهيلا لتلاقيهم وتزاورهم ولقاء بعضهم البعض ؛ يبين الله تعالى لنا الآيات بيانا واضحا فإنه سبحانه عليم بما فيه صلاحنا، حكيم فيما يشرع لنا ؛ وإذا بلغ الصغار مبلغ الرجال والنساء، وأدركوا وأدركن حد التكليف الشرعي، فعليهم أن يستأذنوا في كل الأوقات، ولينتهوا عما نهى المولى ـ تبارك اسمه ـ عنه في الآيات المتقدمات :﴿ لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها.. ﴾ واستثنى من العهد بالستر السابغ الوافي صنفا من النساء هن اللائي قعدن عن المحيض، وصارت الواحدة منهن عجوزا لا مطمع لها في الرجال ولا مطمع للرجال فيها، فهذه ومن على شاكلتها لا ذنب عليهن إن تخففن من بعض أثوابهن، من غير أن يعمدن إلى الكشف عن زينتهن، وإبراز ما لا يحل لهن أن يكشفنه، وخير لهن وأزكى وأطهر أن يتنزهن عن وضع ثيابهن عنهن.
مما يقول صاحب جامع البيان............ عن ليث عن نافع عن ابن عمر.. قوله :﴿ ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم.. ﴾ قال : هي على الذكور دون الإناث، وقال آخرون : بل عني به الرجال والنساء.. عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم.. ﴾ قال : هي في الرجال والنساء يستأذنون على كل حال بالليل والنهار، وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني به الذكور والإناث، لأن الله عم بقوله :﴿ الذين ملكت أيمانكم ﴾ جميع أملاك أيماننا ولم يخصص منهم ذكرا ولا أنثى فذلك على جميع من عمه ظاهر التنزيل، فتأويل الكلام : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ليستأذنكم في الدخول عليكم عبيدكم وإماؤكم، فلا يدخلوا عليكم إلا بإذن منكم لهم، ﴿ والذين لم يبلغوا الحلم منكم ﴾ يقول : والذين لم يحتلموا من أحراركم ثلاث مرات، يعني : ثلاث مرات، يعني : ثلاث مرات في ثلاث أوقات من ساعات ليلكم ونهاركم.. ﴿ والله عليم ﴾.. ذو علم بما يصلح عباده. ﴿ حكيم ﴾ في تدبيره إياهم وغير ذلك من أموره.. اهـ.
[ الأمر في قوله سبحانه :﴿ ليستأذن الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ﴾ وإن كان في الظاهر للمملوكين والصبيان لكنه في الحقيقة للمخاطبين ؛ فكأنهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان.. والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان ذكورا وإناثا.... والحلم بالضم والاحتلام : الجماع في النوم.. والحلم بالكسر : الأناة والعقل.. والظاهر أن ما نحن فيه بمعنى الجماع في النوم ﴿ ثلاث عورات ﴾ خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه :﴿ لكم ﴾ متعلق بمحذوف وقع صفة له أي : هن ثلاث عورات كائنة لكم، والعورة : الخلل... وعورة الإنسان : سوأته، وأصلها كما قال الراغب ـ من العار ـ وذلك لما يلحق في ظهورها من العار أي المذمة... ]١

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في آيات كريمات سابقات من هذه السورة المباركة بين الله سبحانه أدب الاستئذان لعامة من يريد دخول دار غير داره، وهنا جاء الأمر بالاستئذان خاصا بالعبيد والغلمان ـ وكذا الصبيان ـ وهناك طلب إلى كل من قصد الدخول على أحد أن يستأذن في كل الأوقات، أما في هذه الآية فقد خص بأوقات ثلاثة هي مظنة التكشف، وسائر الأوقات بعد لا يطلب فيها من المملوكين ولا من المراهقين أن يستأذنوا قبل الدخول، تيسيرا على الناس، وتسهيلا لتلاقيهم وتزاورهم ولقاء بعضهم البعض ؛ يبين الله تعالى لنا الآيات بيانا واضحا فإنه سبحانه عليم بما فيه صلاحنا، حكيم فيما يشرع لنا ؛ وإذا بلغ الصغار مبلغ الرجال والنساء، وأدركوا وأدركن حد التكليف الشرعي، فعليهم أن يستأذنوا في كل الأوقات، ولينتهوا عما نهى المولى ـ تبارك اسمه ـ عنه في الآيات المتقدمات :﴿ لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها.. ﴾ واستثنى من العهد بالستر السابغ الوافي صنفا من النساء هن اللائي قعدن عن المحيض، وصارت الواحدة منهن عجوزا لا مطمع لها في الرجال ولا مطمع للرجال فيها، فهذه ومن على شاكلتها لا ذنب عليهن إن تخففن من بعض أثوابهن، من غير أن يعمدن إلى الكشف عن زينتهن، وإبراز ما لا يحل لهن أن يكشفنه، وخير لهن وأزكى وأطهر أن يتنزهن عن وضع ثيابهن عنهن.
مما يقول صاحب جامع البيان............ عن ليث عن نافع عن ابن عمر.. قوله :﴿ ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم.. ﴾ قال : هي على الذكور دون الإناث، وقال آخرون : بل عني به الرجال والنساء.. عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم.. ﴾ قال : هي في الرجال والنساء يستأذنون على كل حال بالليل والنهار، وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني به الذكور والإناث، لأن الله عم بقوله :﴿ الذين ملكت أيمانكم ﴾ جميع أملاك أيماننا ولم يخصص منهم ذكرا ولا أنثى فذلك على جميع من عمه ظاهر التنزيل، فتأويل الكلام : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ليستأذنكم في الدخول عليكم عبيدكم وإماؤكم، فلا يدخلوا عليكم إلا بإذن منكم لهم، ﴿ والذين لم يبلغوا الحلم منكم ﴾ يقول : والذين لم يحتلموا من أحراركم ثلاث مرات، يعني : ثلاث مرات، يعني : ثلاث مرات في ثلاث أوقات من ساعات ليلكم ونهاركم.. ﴿ والله عليم ﴾.. ذو علم بما يصلح عباده. ﴿ حكيم ﴾ في تدبيره إياهم وغير ذلك من أموره.. اهـ.
[ الأمر في قوله سبحانه :﴿ ليستأذن الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ﴾ وإن كان في الظاهر للمملوكين والصبيان لكنه في الحقيقة للمخاطبين ؛ فكأنهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان.. والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان ذكورا وإناثا.... والحلم بالضم والاحتلام : الجماع في النوم.. والحلم بالكسر : الأناة والعقل.. والظاهر أن ما نحن فيه بمعنى الجماع في النوم ﴿ ثلاث عورات ﴾ خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه :﴿ لكم ﴾ متعلق بمحذوف وقع صفة له أي : هن ثلاث عورات كائنة لكم، والعورة : الخلل... وعورة الإنسان : سوأته، وأصلها كما قال الراغب ـ من العار ـ وذلك لما يلحق في ظهورها من العار أي المذمة... ]١

﴿ القواعد ﴾ النساء اللائي أقعدهن الكبر.
﴿ لا يرجون نكاحا ﴾ لا يتشوفون لزواج ولا يتشوف إليهن راغب.
﴿ يضعن ثيابهن ﴾ يتخلين عن بعض ما يسترن به.
﴿ متبرجات ﴾ عامدات إلى التكشف، وإبراز ما لا يحل.
﴿ يستعففن ﴾ يتنزهن عن وضع بعض الثياب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في آيات كريمات سابقات من هذه السورة المباركة بين الله سبحانه أدب الاستئذان لعامة من يريد دخول دار غير داره، وهنا جاء الأمر بالاستئذان خاصا بالعبيد والغلمان ـ وكذا الصبيان ـ وهناك طلب إلى كل من قصد الدخول على أحد أن يستأذن في كل الأوقات، أما في هذه الآية فقد خص بأوقات ثلاثة هي مظنة التكشف، وسائر الأوقات بعد لا يطلب فيها من المملوكين ولا من المراهقين أن يستأذنوا قبل الدخول، تيسيرا على الناس، وتسهيلا لتلاقيهم وتزاورهم ولقاء بعضهم البعض ؛ يبين الله تعالى لنا الآيات بيانا واضحا فإنه سبحانه عليم بما فيه صلاحنا، حكيم فيما يشرع لنا ؛ وإذا بلغ الصغار مبلغ الرجال والنساء، وأدركوا وأدركن حد التكليف الشرعي، فعليهم أن يستأذنوا في كل الأوقات، ولينتهوا عما نهى المولى ـ تبارك اسمه ـ عنه في الآيات المتقدمات :﴿ لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها.. ﴾ واستثنى من العهد بالستر السابغ الوافي صنفا من النساء هن اللائي قعدن عن المحيض، وصارت الواحدة منهن عجوزا لا مطمع لها في الرجال ولا مطمع للرجال فيها، فهذه ومن على شاكلتها لا ذنب عليهن إن تخففن من بعض أثوابهن، من غير أن يعمدن إلى الكشف عن زينتهن، وإبراز ما لا يحل لهن أن يكشفنه، وخير لهن وأزكى وأطهر أن يتنزهن عن وضع ثيابهن عنهن.
مما يقول صاحب جامع البيان............ عن ليث عن نافع عن ابن عمر.. قوله :﴿ ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم.. ﴾ قال : هي على الذكور دون الإناث، وقال آخرون : بل عني به الرجال والنساء.. عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم.. ﴾ قال : هي في الرجال والنساء يستأذنون على كل حال بالليل والنهار، وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني به الذكور والإناث، لأن الله عم بقوله :﴿ الذين ملكت أيمانكم ﴾ جميع أملاك أيماننا ولم يخصص منهم ذكرا ولا أنثى فذلك على جميع من عمه ظاهر التنزيل، فتأويل الكلام : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ليستأذنكم في الدخول عليكم عبيدكم وإماؤكم، فلا يدخلوا عليكم إلا بإذن منكم لهم، ﴿ والذين لم يبلغوا الحلم منكم ﴾ يقول : والذين لم يحتلموا من أحراركم ثلاث مرات، يعني : ثلاث مرات، يعني : ثلاث مرات في ثلاث أوقات من ساعات ليلكم ونهاركم.. ﴿ والله عليم ﴾.. ذو علم بما يصلح عباده. ﴿ حكيم ﴾ في تدبيره إياهم وغير ذلك من أموره.. اهـ.
[ الأمر في قوله سبحانه :﴿ ليستأذن الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ﴾ وإن كان في الظاهر للمملوكين والصبيان لكنه في الحقيقة للمخاطبين ؛ فكأنهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان.. والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان ذكورا وإناثا.... والحلم بالضم والاحتلام : الجماع في النوم.. والحلم بالكسر : الأناة والعقل.. والظاهر أن ما نحن فيه بمعنى الجماع في النوم ﴿ ثلاث عورات ﴾ خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه :﴿ لكم ﴾ متعلق بمحذوف وقع صفة له أي : هن ثلاث عورات كائنة لكم، والعورة : الخلل... وعورة الإنسان : سوأته، وأصلها كما قال الراغب ـ من العار ـ وذلك لما يلحق في ظهورها من العار أي المذمة... ]١

﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ { ٦١ ) ﴾.
﴿ حرج ﴾ ضيق وإثم.
﴿ ملكتم مفاتحه ﴾ الخازن، يدفع إليهم مفاتح لم ما يستأمنون عليه من مستودعات.
﴿ صديقكم ﴾ صاحبكم الذي يصدقكم الود والحب.
﴿ أشتاتا ﴾ متفرقين.
روى عن ابن عباس :.. لما أنزل الله :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل.. )١ قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله :{ ليس على الأعمى حرج ﴾ إلى قوله :﴿ أو صديقكم ﴾.
.. قال عطاء الخرساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يقال : إنها نزلت في الجهاد، وجعلوا هذه الآية هاهنا كالتي في سورة الفتح، وتلك في الجهاد لا محالة، أي أنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وكما قال تعالى في سورة براءة :{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون )٢ [ وعن سعيد بن جبير.. : كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات فربما سبقه غيره إلى ذلك، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم، فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك. ]٣
ومما نقل عن ابن العربي : أن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك، ثم قال بعد ذلك مبينا : وليس عليكم حرج في أن تأكلوا من بيوتكم، فهذا معنى صحيح، وتفسير مبين مفيد، يعضده الشرع والعقل، ولا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل ا ه.
﴿ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ﴾ قد يكون المعنى : وليس عليكم أيها المؤمنون والمخاطبون حرج أو ضيق أو إثم في أن تأكلوا من بيوتكم ولو كان ما فيها من كسب أولادكم أو من مال زوجاتكم، ففي الصحيحين : " إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه "
﴿ أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم ﴾ والإثم والضيق مرفوع عنكم إن أكلتم من بيت من تلك البيوت التي ذكر الله، يقول ابن العربي : أباح لنا الأكل من جهة النسب من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولا، فإذا كان محرزا دونهم لم يكن لهم أخذه، ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار، ولا إلى ما ليس بمأكول، وإن كان غير محرز إلا بإذن منهم. اه.
﴿ أو ما ملكتم مفاتحه ﴾ وليس عليكم حرج أن تأكلوا من بيت ملكتم مفاتحه باستخلاف واستئمان أصحابه لكم، أو كان عبدا لمالك الدار، أو أجيرا عنده، فلكل واحد من هؤلاء أن يأكل من البيت الذي أعطي مفاتيحه، واشترط بعض الفقهاء في الخازن المباح له شرعا أن يأكل مما يخزن أن لا تكون له أجرة، فأما إن كانت له أجرة حرم عليه الأكل مما يخزن، قال ابن عباس : عني وكيل الرجل على ضيعته، وخازنه على ماله، فيجوز أن يأكل مما هو عليه. اه.
﴿ أو صديقكم ﴾ ولا حرج عليكم كذلك أن تأكلوا من بيوت أصدقائكم ؛ فالمراد هنا الجمع، والصديق من يصدق في وده وأخوته لك، وتصدق في أخوتك له وودك.
يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : قرن الله عز وجل في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة، لأن قرب المودة لصيق. قال ابن عباس في كتاب النقاش : الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنميين :{ فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم )٤، قلت : ولهذا لا يجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه.. اه.
﴿ ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ﴾، لا حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين، مما قال ابن عطية : وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه، فنزلت الآية مبينة سنة الأكل، ومذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرما، نحت به نحو كرم الخلق، فأفرطت في إلزامه، وأن إحضار الأكيل لحسن، ولكن بألا يحرم الانفراد. اه.
﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ﴾ كلما دخلتم بيتا من تلك البيوت المشار إليها في الآية أو من غيرها تملكونه أو يملكه من سواكم فسلموا فإن كان لسواكم فالاستئناس والسلام، وإن كانت بيوتكم وفيها أهلكم وخدمكم فقولوا السلام عليكم، فإن لم يكن فيها أحد ودخلتموها فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ﴿ تحية ﴾ يمكن أن يكون نصبا على المفعول المطلق، لأن معنى﴿ فسلموا ﴾ فحيوا، ﴿ مباركة ﴾ كثيرة الخير ﴿ طيبة ﴾ يطيب حالها ومآلها.
﴿ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ﴾ كما بين المولى الحكيم شرعته ومنهاجه لكم في هذه الأشياء يبين لكم سائر ما بكم من حاجة إليه لتعقلوا عن ربكم ما فيه خيركم وفلاحكم وفوزكم.
١ سورة النساء. من الآية ٢٩..
٢ سورة التوبة. الآيتان: ٩١، ٩٢..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم، بتصرف..
٤ سورة الشعراء. الآيتان١٠٠، ١٠١.
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ٦٢ ) ﴾
﴿ إنما ﴾ للحصر، فكأن المعنى : اليقين الكامل والتصديق التام بالله ورسوله لا يكتمل إلا للذين يخلصون في طاعة ربهم ونبيهم، وإذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جمع لأمر يعود عليهم نفعه، أو يُخشى أن ينزل بهم ضره، من نحو تشاور، أو خروج لجهاد، لم ينصرفوا من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه إلا أن يأذن لأصحاب الأعذار منهم أن يمضوا إلى ما اعتذروا من أجله، فهؤلاء-مادام قد أذن لهم لم ينتقص إيمانهم بسبب عدم استمرار حضورهم، ودعا ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم ليسأل الله أن يعفو عما قد يكون بينهم وبين مولاهم من شيء يؤاخذون عليه، إن الله كثير الغفران والتجاوز عن خطايا المخطئين، واسع الرحمة فلا يعاقبهم على ما فرط منهم إن تابوا عليهم.
﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { ٦٣ ) ﴾
﴿ يتسللون ﴾ يخرجون خفية
لواذا } يلوذ أحدهم بالشيء يختفي به.
نهى الله تعالى أن يدعى النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعى الواحد منهم، عن ابن عباس وغيره : كانوا يقولون : يا محمد يا أبا القاسم فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاما لنبيه.. وقال مقاتل :.. لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد ولا تقولوا : يا ابن عبد الله، ولكن شرفوه : يا نبي الله، يا رسول الله. وقيل : المعنى : لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا حكاه ابن أبي حاتم.
﴿ قد يعلم الله الذين يتسللون منك لواذا ﴾ و﴿ قد ﴾ هنا : تفيد التحقيق والثبوت، فاستيقنوا أن الله الرقيب الخبير السميع البصير علمه محيط بكل شيء ومنه حال الذين ينصرفون عن رسول الله ومجلسه في استخفاء يلوذ أحدهم بالشيء يختفي به حتى لا يرى حال انصرافه، وفيه مع التذكير بعلم لربنا المحيط تهديد ووعيد للمتفلتين من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم دون إذن منه لهم.
﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ﴾ إنذار من الله الواحد القهار لكل من عصى النبي المختار، أن الخروج على طاعته صلى الله عليه وسلم يعقب نفاقا وكفرا، فهذه شر الفتن، مصداقا لوعد ربنا تبارك اسمه :{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى.. )١ كما هو تحذير للذين يردون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : حسبنا ما في كتاب الله، ولو كانوا صادقين لما ساغ لهم مخالفة أقواله ولا أفعاله ولا شيء من سنته المطهرة، فإن الكبير المتعال يقول :{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها.. ٢، وينادي جل وعز :{ .. استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون )٣، والله أرسله هاديا ومبشرا ونذيرا { وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )٤ وشهد سبحانه أنه أرسله { .. يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )٥ فأولى لهم وقول معروف.
﴿ أو يصيبهم عذاب أليم ﴾ سيصيب الذين أجرموا وشاقوا الرسول، وصدوا عن سنته وشريعته ومنهاجه وسبيله صغار عند الله وعذاب موجع بما كانوا يكفرون، ويضلون الناس عن الحق ويضلون ؛ فأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
١ سورة النساء. من الآية ١١٥..
٢ سورة النساء. من الآية ١٤..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٢٤..
٤ سورة الأحزاب. الآية ٤٦..
٥ سورة البقرة. من الآية ١٥١..
﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { ٦٤ ) ﴾.
﴿ يرجعون إليه ﴾ يبعثون ويحشرون بين يديه، ويوقفون ليحاسبهم ويقضي بجزائهم ويوفيهم ثواب أعمالهم.
﴿ فينبئكم ﴾ فيخبرهم ويوافيهم، ويعلمهم علم اليقين.
تنبيه وتذكير بأن السماوات والأرض وما فيهن لله تعالى دون سواه ملكا وسلطانا وتدبيرا، والخلق كله منقاد لأمره { .. والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه.. )١ { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )٢.
﴿ قد يعلم ما أنتم عليه ﴾ استيقنوا أنه عالم الغيب والشهادة يعلم سركم ونجواكم يعلم السر وأخفى، فلا يعزب ولا يغيب عنه ما يعمل العاملون، أو يبيت المبيتون، و﴿ قد ﴾ هنا كالتي في قوله عز شأنه :{ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون )٣ { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون )٤ { قد نرى تقلب وجهك في السماء.. )٥ كلها تفيد التحقيق وفي هذه الجملة وما بعدها تحذير وتخويف ووعيد، كما يمكن أن تتضمن بشرى لمن اتقوا الحميد المجيد.
﴿ ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا ﴾ وربنا لا يضل ولا ينسى، وكل شيء أحصاه في كتاب حفيظ، وملائكته تنسخ وتكتب ما يقولون وما يعملون، ثم تجد كل نفس ما عملت في مجموع صحائف علقت بالرقاب ولزقت بالأيمان والشمائل، ثم ينادى كل منا :{ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )٦ { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٧.
والجملة السابقة في الآية الكريمة ﴿ يعلم ما أنتم عليه ﴾ جاءت بالخطاب وهذه :﴿ يرجعون إليه فينبئهم ﴾ بالغيبة التفاتا وتلوينا.
﴿ والله بكل شيء عليم ﴾ والمعبود بحق محيط علمه بكل الأشياء { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.. )٨، فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرا.
١ سورة الزمر. من الآية ٦٨..
٢ سورة مريم. الآيات ٩٣ و٩٤ و٩٥.
٣ سورة الأنعام. الآية ٣٣..
٤ سورة الحجر. الآية ٩٧..
٥ سورة البقرة. من الآية ١٤٤..
٦ سورة الإسراء. الآية ١٤..
٧ سورة الجاثية. الآية ٢٩..
٨ سورة يونس. من الآية ٦١..
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
كـل الحوادث مبداها من النظـر ومعظم النار من مستصغر الشــرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبــها في أعين الغير موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب فاعلها فعل السهام بلا قوس ولا وتــر
يسر ناظره ما ضر خاطــره لا مرحبا بسرور عاد بالضــرر.
٣ سورة يونس. الآية ٦١..