وآياتها خمس وثلاثون ومائة
كلماتها : ١٣٤١ ؛ حروفها : ٥٢٤٢
ﰡ
﴿ طه { ١ ) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى { ٢ ) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى { ٣ ) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا { ٤ ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى { ٥ ) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى { ٦ ) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى { ٧ ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { ٨ ) ﴾.
﴿ طه ﴾ ؛ عن ابن عباس : قسم أقسم الله به ؛ نقل عن الصديق رضي الله تعالى عنه : هو سر من الأسرار ؛ وقيل : هو اسم للنبي١ صلى الله عليه وسلم سماه الله تعالى به كما سماه محمدا، ..... وقيل هو اسم للسورة ؛ ومفتاح لها.. ٢ ؛ وقيل غير ذلك٣.
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٣ أورد القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره بحثا جمع فيه أقوال من سبقه من المفسرين ـ رحمهم الله تعالى ـ في معنى: ﴿طه﴾ وقد أربى على ستين سطرا تزيد كلماتها على تسعمائة كلمة..
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٢ سورة غافر. من الآية ٧.
٣ ما بين العارضتين من روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لأبي الفضل شهاب الدين محمود الألوسي البغدادي المتوفى سنة ١٢٧٠ هـ رحمه الله تعالى؛ وقد أورد بحثا مطولا تزيد صفحاته على ثمان وتربو كلماته على الأربع آلاف جـ١٦. من ص ١٥٣ إلى ص ١٦١..
ويمكن أن يفهم من الآية أن هذا القرآن شفاء للصدور، وهدى للقلوب وما بطن، كما هو تقويم لكل شأن، فإن الذي أنزله يعلم ما يبدي الخلق وما يكتمون، ويشهد لذلك قول ربنا الحكيم الخبير :{ قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما )٢.
٢ سورة الفرقان. الآية٦..
٢ سورة الإسراء. من الآية ١١٠..
٣ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية٦٠.
٥ عن أنس قال: خرج عمر متقلدا بسيفه؛ فقيل له: إن ختنك- أي زوج أختك ـ وأختك قد صبوا ـ أي خرجا من دين الآباء والأجداد إلى دين الإسلام؛ وأصله: الخروج من دين إلى دين ـ فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب، وكانوا يقرءون: ﴿طه﴾ فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ـ وكان عمر رضي الله عنه يقرأ الكتب ـ فقالت له أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ فقام عمر رضي الله عنه وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ: ﴿طه﴾؛ وذكره ابن إسحاق مطولا؛ وفيه قال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءونها آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد... فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها؛ قال لها: لا تخافي! وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه.. فأعطته الصحيفة وفيها ﴿طه﴾ فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه، فقال له يا عمر! والله إني لأرجوا أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام ـ واسمه على ما قيل عمرو ـ أو بعمر بن الخطاب"؛ فالله الله يا عمر؛ فقال له عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه؛ فأسلم؛ وذكر الحديث..
﴿ هل ﴾ لاستفهام الإثبات، أو بمعنى : قد. ﴿ حديث موسى ﴾ نبؤه وقصته.
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ
نبأ الله تعالى كليمه موسى في الآيات المباركات السابقات على هذه بأنه الرب الولي، والإله الواحد العلي، والمعبود بحق ما له سبحانه من ند ولا شريك ولا سمي، وشرفه بالتكليم والوحي، ورسخ في يقينه التصديق بالحساب والجزاء بعد البعث، ثم أراد أن يبشر رسوله بما سيجريه له من خوارق العادات، وما يؤيده به على من يدعوهم، ويمكنه من تحديهم بالمعجزات ؛ قال بعض المفسرين : إنما قال له :﴿ وما تلك بيمينك ﴾ على سبيل الإيناس له ؛ وقيل : إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي : أما هذه التي في يدك عصاك التي تعرفها ؟ فسترى ما نصنع بها الآن ؛ ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ استفهام تقرير، ﴿ قال هي عصاي أتوكأ عليها ﴾ أي أعتمد عليها في حال المشي، ﴿ وأهش بها على غنمي ﴾ أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي، ﴿ ... ولي فيها مآرب أخرى ﴾ أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك ١.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : في هذه الآية دليل على جواب المسئول بأكثر مما سئل، لأنه لما قال :﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ ذكر معاني أربعة : وهي : إضافة العصا٢ إليه، وكان حقه أن يقول عصا ؛ والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة، .. وفي الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ؛ وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال :" نعم ولك أجر " اه.
٢ أورد القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في خواص عصا موسى ـ عليه السلام ـ ثم في منافع العصا عموما بحثا يقارب ألف كلمة..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى { ١٧ ) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى { ١٨ ) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى { ١٩ ) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى { ٢٠ ) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى { ٢١ ) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى { ٢٢ ) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى { ٢٣ ) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى { ٢٤ ) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي { ٢٥ ) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي { ٢٦ ) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي { ٢٧ ) يَفْقَهُوا قَوْلِي { ٢٨ ) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي { ٢٩ ) هَارُونَ أَخِي { ٣٠ ) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي { ٣١ ) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي { ٣٢ ) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا { ٣٣ ) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا { ٣٤ ) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا { ٣٥ ) ﴾
نبأ الله تعالى كليمه موسى في الآيات المباركات السابقات على هذه بأنه الرب الولي، والإله الواحد العلي، والمعبود بحق ما له سبحانه من ند ولا شريك ولا سمي، وشرفه بالتكليم والوحي، ورسخ في يقينه التصديق بالحساب والجزاء بعد البعث، ثم أراد أن يبشر رسوله بما سيجريه له من خوارق العادات، وما يؤيده به على من يدعوهم، ويمكنه من تحديهم بالمعجزات ؛ قال بعض المفسرين : إنما قال له :﴿ وما تلك بيمينك ﴾ على سبيل الإيناس له ؛ وقيل : إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي : أما هذه التي في يدك عصاك التي تعرفها ؟ فسترى ما نصنع بها الآن ؛ ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ استفهام تقرير، ﴿ قال هي عصاي أتوكأ عليها ﴾ أي أعتمد عليها في حال المشي، ﴿ وأهش بها على غنمي ﴾ أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي، ﴿... ولي فيها مآرب أخرى ﴾ أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك ١.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : في هذه الآية دليل على جواب المسئول بأكثر مما سئل، لأنه لما قال :﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ ذكر معاني أربعة : وهي : إضافة العصا٢ إليه، وكان حقه أن يقول عصا ؛ والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة،.. وفي الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال :" هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ؛ وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال :" نعم ولك أجر " اه.
٢ أورد القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في خواص عصا موسى ـ عليه السلام ـ ثم في منافع العصا عموما بحثا يقارب ألف كلمة..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{ .. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..
﴿ طغى ﴾ ظلم وتعدى وجاوز الحد.
حمل موسى عليه السلام أول ما أرسل دعوة فرعون ملك مصر الذي خرج منه فارا هاربا ؛ ومعلوم أنه صلوات الله عليه قد أرسل بعد ذلك إلى بني إسرائيل ؛ ﴿ إنه طغى ﴾ ظلم وتجاوز الحد، وتجبر واستكبر، استكبر في الأرض بغير الحق فزعم أنه الرب الأعلى، وبغى على الخلق فاستضعف الإسرائيليين يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ؛ فكان أول ما دعى إليه أن يقر بأنه لا إله إلا الله :{ فقل هل لك إلى أن تزكى. وأهديك إلى ربك فتخشى )١ ؛ وأن يخلي سبيل المظلومين المستضعفين :{ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم. أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين. وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين )٢ ؛ كما جاء في آيات مباركات أخر :{ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين. أن أرسل معنا بني إسرائيل )٣ ؛ وفي كلام محذوف استغنى بفهم السامع بما ذكر منه، وهو قوله :{ اذهب إلى فرعون إنه طغى ) فادعه إلى توحيد الله وطاعته، وإرسال بني إسرائيل معك ٤.
٢ سورة الدخان. الآيات: ١٧، ١٨، ١٩..
٣ سورة الشعراء. الآيتان: ١٦، ١٧..
٤ ما بين العارضتين من جامع البيان..
دعا موسى ربه أن يوسع له ما كان يحس في قلبه ضيق، ويشهد لذلك ما جاء في آية كريمة :{ ويضيق صدري.. )١ ؛ فسأل الله أن يمنحه سعة بدلا من هذا الضيق٢ ؛ وأن ييسر له دعوة هذا المتكبر الجبار، وكل أمر ؛ فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة إلى مر الحق من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره الذي هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهولها، بتوفيق الأسباب ورفع الموانع، فالمراد من شرح الصدر جعله بحيث لا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب البشرية الضجر والقلق من الشدائد ؛ وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل.. وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر : بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى، وروح منه عز وجل.
٢ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: وههنا دقيقة هي أن شرح الصدر مقدمة لسطوع الأنوار الإلهية في القلب، لاستماع مقدمة الفهم، ولما أعطى موسى المقدمة بقوله: ﴿فاستمع﴾ نسج موسى على ذلك المنوال فقال: ﴿رب اشرح لي صدري﴾... وكان خاتم النبيين مخاطبا بقوله: {وسراجا منيرا) فشرح الصدر هو أن يصير الصدر قابلا للنور، والسراج المنير هو المعطي للنور، فالتفاوت بين موسى ومحمد عليهما السلام..
دعا موسى ربه أن يوسع له ما كان يحس في قلبه ضيق، ويشهد لذلك ما جاء في آية كريمة :{ ويضيق صدري.. )١ ؛ فسأل الله أن يمنحه سعة بدلا من هذا الضيق٢ ؛ وأن ييسر له دعوة هذا المتكبر الجبار، وكل أمر ؛ فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة إلى مر الحق من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره الذي هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهولها، بتوفيق الأسباب ورفع الموانع، فالمراد من شرح الصدر جعله بحيث لا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب البشرية الضجر والقلق من الشدائد ؛ وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل.. وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر : بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى، وروح منه عز وجل.
٢ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: وههنا دقيقة هي أن شرح الصدر مقدمة لسطوع الأنوار الإلهية في القلب، لاستماع مقدمة الفهم، ولما أعطى موسى المقدمة بقوله: ﴿فاستمع﴾ نسج موسى على ذلك المنوال فقال: ﴿رب اشرح لي صدري﴾... وكان خاتم النبيين مخاطبا بقوله: {وسراجا منيرا) فشرح الصدر هو أن يصير الصدر قابلا للنور، والسراج المنير هو المعطي للنور، فالتفاوت بين موسى ومحمد عليهما السلام..
﴿ واحلل عقدة من لساني ﴾ أذهب عني عي الكلام.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨
﴿ أوتيت سؤلك ﴾ أعطيت ما سألت، وأجبتك إلى ما دعوت.
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥
﴿ يفرط ﴾ يعجل بالبطش.
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ
-هذا الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه وهو قوله : فأتياه، فقالا له ما أمرهما به ربهما، وأبلغاه رسالته، فقال فرعون لهما :﴿ فمن ربكما يا موسى ﴾ ١وربما يكون قصد بسؤاله الإنكار، فهو يجحد وجود الصانع جل وعلا، ويقول ما حكاه عنه القرآن :{ .. ما علمت لكم من إله غيري.. )٢، وفي آية ثانية :{ قال فرعون وما رب العالمين )٣.
يقول بعض المفسرين : سأل ههنا ب﴿ من ﴾ طالبا للكيفية، وفي { الشعراء ) ب{ ما ) طالبا للماهية، فكأن موسى لما أقام الدلالة على الوجود ترك المناظرة والمنازعة معه في هذا المقام لظهوره، وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهية الله تعالى غير حاصل للبشر، كما قال البعض : خاطب الاثنين ووجه النداء إلى موسى لأنه الأصل.. ويجوز أنه خص موسى عليه السلام بالنداء لما عرف من فصاحة هارون والرتة التي كانت في لسان موسى فأراد أن يعجز عن الجواب.
قال أهل الأدب : إن فرعون كان شديد البطش جبارا، ومع ذلك لم يبدأ بالسفاهة والشغب بل شرع في المناظرة وطلب الحجة، فدل على أن الشغب من غير حجة شيء ما كان يرتضيه فرعون مع كمال جهله وكفره، فكيف يليق ذلك بمن يدعي الإسلام والعلم ؟ ! وفي اشتغال موسى بإقامة الدلالة على المطلوب دليل على فساد التقليد... وفيه جواز حكاية كلام المبطل مقرونا بالجواب لئلا يبقى الشك، وفيه أن المحق يجب عليه استماع شبهة المبطل حتى يمكنه الاشتغال بحلها. اه.
٢ سورة القصص. من الآية٣٨..
٣ سورة الشعراء. الآية ٢٣..
أراد موسى أن يدله على الله تعالى بصفاته، فبين أن المولى المطاع هو البارئ المصور، الحكيم المدبر، الذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة، وهداه لما يصلحه ؛ أو يكون المعنى : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به.
﴿ قال فما بال القرون الأولى ﴾ ؟ ! كأن فرعون شرع يحتج بالأمم الماضية، ما حالهم إذ لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره ؟ ! ؛ والألوسي ـ رحمه الله تعالى ـ ذهب إلى معنى آخر فقال : كأن الفاء لتفريع ما بعدها على دعوى الرسالة، أي : إذا كنت رسولا فأخبرني ما حال القرون الماضية والأمم الخالية، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة ؟ !. اهـ
أراد موسى أن يدله على الله تعالى بصفاته، فبين أن المولى المطاع هو البارئ المصور، الحكيم المدبر، الذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة، وهداه لما يصلحه ؛ أو يكون المعنى : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به.
﴿ قال فما بال القرون الأولى ﴾ ؟ ! كأن فرعون شرع يحتج بالأمم الماضية، ما حالهم إذ لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره ؟ ! ؛ والألوسي ـ رحمه الله تعالى ـ ذهب إلى معنى آخر فقال : كأن الفاء لتفريع ما بعدها على دعوى الرسالة، أي : إذا كنت رسولا فأخبرني ما حال القرون الماضية والأمم الخالية، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة ؟ !. اهـ
﴿ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ﴾
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧
﴿ أبى ﴾ امتنع.
اللام للقسم، وقد للتحقيق في ﴿ ولقد ﴾، فكأن المعنى : وقسما قد أرينا فرعون من حججنا وبراهين اقتدارنا ما يكفي للبرهان، ويثبت به الدليل والسلطان، فلم يصدق بمدلولها، ولم يذعن بل عامد في الإقرار بها ؛ سؤال : الجمع المضاف يفيد العموم ولاسيما إذا أكد بالكل [ يقصد قول الحق سبحانه :﴿ آياتنا كلها ﴾ ] لكنه تعالى ما أراه جميع الآيات، لأن من جملتها ما أظهرها على الأنبياء الأقدمين، ولم يتفق لموسى مثلها ؟ ؛ الجواب : هذا التعريف الإضافي محذو به حذو التعريف العهدي لو قيل : الآيات كلها هي التي ذكرت في قوله :﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات.. )١ ؛ ولو سلم العموم فالمراد أنه أراه الآيات الدالة على التوحيد في قوله :{ ربنا أعطى كل شيء خلقه.. ﴾ وعلى النبوة بإظهار المعجزات القاهرة، وعلى المعاد لأن تسليم القدرة على الإنشاء يستلزم تسليم القدرة على الإعادة بالطريق الأولى ؛ أو أراد أنه أراه آياته المختصة به وعدد عليه سائر آيات الأنبياء وإخبار النبي الصادق جار مجرى العيان، أو إراءة بعض الآيات كإراءة الكل، كما أن تكذيب بعض الآيات يستلزم تكذيب الكل ٢.
٢ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن؛ بتصرف..
وكان من تكذيب فرعون لما جاءه من برهان بعث الله به موسى وهارون إليه وإلى قومه أن سمى ذلك سحرا، واستعدى ملأه وقومه على موسى إذ زعم أن موسى لم يجيء لتخليص الإسرائيليين، وإنما جاء لإخراج القبط من ديارهم وأموالهم ؛ وفي آيات كريمات أخر بين الكتاب المجيد أن فرعون اللعين بدأ باستعداء رؤساء القوم وكبرائهم :{ قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون )١ ؛ [ حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد، ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة : إذ الإخراج من الوطن أخو القتل، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى :{ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم.. )٢ ]٣.
٢ سورة النساء. من الآية٦٦..
٣ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ سوى ﴾ مستويا يتبين للناس ما فيه، أو نصفا بيننا وبينك. ﴿ يوم الزينة ﴾ يوم عيد لهم يتزينون فيه.
ألمح فرعون في مقاله إلى أن ما جاء به موسى لا يعدو أن يكون تخييلا يمكن مقابلته بمثله، وكأنما يريد أن يوثق ذلك بما هو كالقسم، وأنه يملك آلات المغالبة طال الأمد أم قصر، فليختر موسى إذن مكان وزمان لقاء المعارضة، واشترط عدم الإخلاف، ونفى أن يكون من جانبه هو رجعة عن هذا الموعد ؛ ﴿ مكانا سوى ﴾ قال ابن زيد : مكانا مستويا من الأرض لا وعر فيه ولا جبل، ولا أكمة ولا مطمأن بحيث يستر الحاضرين فيه بعضهم عن بعض مكانا يتبين الواقفون فيه، ولا يكون فيه ما يستر أحدا منهم، ليرى كل ما يصدر منك ومن السحرة.
﴿ يحشر الناس ﴾ يساقون من كل ناحية.
فحدد موسى عليه السلام زمان لقاء المغالبة واختار أن يكون يوم عيدهم، ليحتشد له جملة قومهم.
﴿ كيده ﴾ مكره، وما يكاد به، أو : ذوي كيده.
انصرف الطاغية إلى مقام تهيئة الأسباب المعارضة فحشد أسباب كيده، وأدوات تخييله وحيله، وأصحاب الكيد من مهرة سحرته، ثم أتى الموعد ؛ وكانت مشورة الملأ من قوم فرعون أن { .. أرسل في المدائن حاشرين. يأتوك بكل ساحر عليم )١ ؛ هكذا حكى الكتاب الحق تواصى هؤلاء الخاطئين، كما جاء في سورة كريمة أخرى :{ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار عليم. فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون. لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين )٢
٢ سورة الشعراء. الآيات: من ٣٦ إلى ٤٢..
﴿ ويلكم ﴾ دعاء عليهم بالويل، أو نداء لهم. ﴿ لا تفتروا ﴾ لا تدعوا ادعاء باطلا. ﴿ فيسحتكم ﴾ يستأصلكم بالإهلاك.
بين الله تعالى أن موسى قد قبل كل شيء : الوعيد والتحذير على عادة الصالحين من أهل النصح والإشفاق، ولاسيما الأنبياء المبعوثين رحمة للأمم ؛ ﴿ ويلكم ﴾ نصب على المصدر الذي لا فعل له، أو على النداء ؛ ﴿ لا تفتروا على الله كذبا ﴾ بأن تدعوا آياته ومعجزاته سحرا ؛ ﴿ فيسحتكم ﴾ السحت.... معناه الاستئصال ؛ حذرهم أمرين : أحدهما عذاب الدارين، والتنوين للتعظيم ؛ والآخر الخيبة والحرمان عن المقصود فإن التمويه لا بقاء له ١.
المتنازعون المتناجون هم : إما فرعون والملأ من قومه، وإما جماعة السحرة ؛ عن ابن عباس : أن نجواهم : إن غلبنا موسى اتبعناه ؛ وعن قتادة : إن كان ساحرا فسنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر ؛ [ السحرة حين سمعوا كلامه عليه السلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا ﴿ أمرهم ﴾ الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام وتشاوروا وتناظروا ﴿ بينهم ﴾ في كيفية المعارضة ]١ ؛ وأخفوا نزاعهم، وأسروا جدالهم.
﴿ بطريقتكم المثلى ﴾ بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب ؛ أو بالقائمين على هذا المذهب.
قيل : هذا من قول فرعون للسحرة ؛ يستفزهم لمغالبة ما جاء به موسى وهارون، ويهون من شأن الآيات التي جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ويستميل ذوي الكيد بتحريضهم قبل أن تؤخذ بلادهم، وتسلب أموالهم، ويسقط رؤساؤهم وكبراؤهم، القائمون على طريقتهم الفضلى ؛ وإن الفضل منهم لبعيد ؛ وقيل : هذا من تتمة قول السحرة.
﴿ أجمعوا ﴾ أحكموا.
﴿ وقد أفلح اليوم من استعلى ﴾ ربح اليوم من طلب العلو وأدركه، وغلب.
تواصى المأجورون فيما بينهم أن يحكموا كيدهم وأن يعزموا عليه ؛ واحضروا وائتوا صفوفا، فإن الرابح اليوم من قهر خصمه، [ ﴿ فأجمعوا كيدكم ﴾...... ارموا عن قوس واحدة ؛... ﴿ ثم ائتوا صفا ﴾.. مصطفين، أمروا بذلك لأنه أهيب في صدور الرائين، وأدخل في استجلاب الرهبة من المشاهدين.. ]١ ؛ وقال الراغب : الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذموم، وقد يكون لغيره... اه.
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ﴾ عرضوا على موسى إما أن يكون إلقاؤه أولا، أو يكون إلقاؤهم أولا ؛ اختر أحد الأمرين ؛ ﴿ قال بل ألقوا ﴾ قال موسى : بل ألقوا أنتم أولا ؛ ﴿ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون )١ ؛ {.. فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم )٢ ؛ { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾ أي : فألقوا فإذا الحبال والعصي التي اصطحبوها تخدع الناس حتى ظنوا أنها استحالت إلى حيات وثعابين ؛ وخيل إلى موسى عليه السلام أن بها حركة وقيل : أراد أنه شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى، فيكون تمثيلا... وذلك الخوف إما جبلة بشرية حين ذهل عن الدليل، وهو قول الحسن، وإما لأنه خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه، قاله مقاتل ؛ أو خاف أن يتأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت، أو خاف أن يتفرق بعض القوم قبل أن يشاهدوا غلبته.. فأزال الله تعالى خوفه ٣.
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..
﴿ تلقف ﴾ تبتلع.
﴿ سجدا ﴾ ساجدين.
﴿ في جذوع النخل ﴾ على أصول شجر النخل، الواحد جذع، وهو ساقها.
﴿ لن نؤثرك ﴾ لن نختارك. ﴿ فطرنا ﴾ أبدعنا وأوجدنا. ﴿ فاقض ﴾ فاصنع.
قال المؤمنون الذين كانوا سحرة وقد زادهم وعيده استمساكا بالحق الذي هدوا إليه : لن نختارك على الهدى والرشد الذي تبين، وحب الله الذي خلقنا في أحسن تقويم، فاصنع ما أنت صانع مما توعدت به من البلاء وما تقدر عليه، إنما صنيعك لا يتجاوز هذه العاجلة الزائلة، أو إنما هذه الحياة دنية عاجلة تتقضى سريعا وتذهب { .. وإن الآخرة هي دار القرار )١.
قال الحسن : سبحان الله ! قوم كفار ثبت في قلوبهم الإيمان طرفة عين فلم يتعاظم عندهم أن قالوا في ذات الله تعالى :﴿ فاقض ما أنت قاض ﴾ ! ؛ والله إن أحدهم ليصحب القرآن ستين عاما ثم ليبيع دينه بثمن غبن ؛ قالوا أولا :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾، ثم قالوا :﴿ لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ﴾، وحاصله أنا اخترنا الله وهداه، ولن نختارك ؛ ثم أكدوا أنهم آمنوا بربهم يرجون رحمته، ويطمعون أن يغفر لهم ما فرط من ذنوب وآثام، وأفردوا طلب غفران ما صنعوا من السحر بالذكر لأنه أفحش، فهو ضلال وإضلال معا ؛ وهم يعتذرون من الفعلة النكراء بأنهم استكرهوا عليها١. إذ حشرهم لمغالبة موسى بسحرهم من المدائن القاصية ؛ ﴿ والله خير وأبقى ﴾ حب الله تعالى وطلب رضوانه هو الخير على الحقيقة، وثواب الله البر الرحيم لا يفنى ولا يبيد، ولهذا آثرنا طاعة مولانا على طاعتك، ودينه الذي بعث به رسله على بهتانك ونحلتك ؛ وقال محمد بن كعب :﴿ والله خير ﴾ لنا منك إن أطيع، ﴿ وأبقى ﴾ : أي : منك عذابا إن عصي ؛ واختار الألوسي :﴿ والله خير ﴾ في حد ذاته تعالى ﴿ وأبقى ﴾ أي : وأدوم جزاء، ثوابا كان أو عقابا ؛ أو : خير ثوابا، وأبقى عذابا.
*الفرماء: ثغر قديم على البحر المتوسط، وفي الشمال الغربي من سيناء..
يربط الله تعالى على قلوب حديثي العهد بالإيمان هؤلاء ويزيدهم هدى، فيتابعون وعظ فرعون، ينذرونه سوء المستقر، إذا هو مات على الفجور والكفر والشر، ﴿ إنه ﴾ الشأن الخطير هذا أن من مات ولقي الله يوم القيامة وهو مجرم فبئس مثوى له النار، { .. لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها.. )١.
﴿ ولا يحيى ﴾ حياة ينتفع بها ؛ قال الشاعر :
ألا من لنفس لا تموت فينقضي | شقاها ولا تحيا حياة لها طعم. |
﴿ الدرجات العلى ﴾ المنازل الرفيعة العالية.
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{ .. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿ .. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات | ولكن عزيز في الرجال ثبات |
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات | ولكن عزيز في الرجال ثبات |
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات | ولكن عزيز في الرجال ثبات |
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات | ولكن عزيز في الرجال ثبات |
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات | ولكن عزيز في الرجال ثبات |
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات | ولكن عزيز في الرجال ثبات |
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
﴿ فقذفناها ﴾ فرمينا بها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل ﴾ تحقيق وقسم، لتقرير وتوكيد أن هارون عليه السلام قد قاوم الضلالة فور ظهورها :﴿ يا قوم إنما فتنتم به ﴾ ونبههم إلى أنهم خدعوا قال لعبدة العجل من بني إسرائيل هارون من قبل رجوع موسى إليهم :... إنما اختبر الله إيمانكم، ومحافظتكم على دينكم، بهذا العجل الذي أحدث فيه الخوار، ليعلم به الصحيح الإيمان منكم من المريض القلب الشاك في دينه-١ ؛ زجرهم عن الباطل ثم ذكرهم بالرشد وناداهم إليه :﴿ وإن ربكم الرحمن فاتبعوني ﴾ تذكروا واستيقنوا أن معبودكم وخالقكم ووليكم ليس العجل بل هو الله الرحمن الذي رحمكم وكشف عنكم الضر وأنجاكم من عدوكم [ ومن فوائد تخصيص هذا الاسم بالمقام أنهم إن تابوا.. فإن الله يرحمهم ويقبل توبتهم ]٢ ؛ فاعبدوا الله الذي أعبد، ولا تتبعوا سبيل المفسدين، بل اتبعوا نبيكم، فإني رسول رب العالمين الملك الحق المبين، ﴿ وأطيعوا أمري ﴾ ولا تطيعوا أمر الفتانين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم، لكن النبي لا يأمر إلا بالقسط، وطاعته من طاعة الله فأطيعون ؛ وهيهات أن يرجع المفتون :{ ... ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك لم يرد الله أن يطهر قلوبهم... )٣ فأصروا واستكبروا استكبارا.
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
٣ سورة المائدة. من الآية ٤١.
قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي. اه ؛ فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره !. ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه :﴿ .. قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.. )١ ؛ [ { يا ابن أم ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]٢ ؛ ﴿ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ لا تجذب شعر لحيتي ورأسي، فإني لم أرد خلافك ؛ ﴿ إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم، ولا يكون سببا للومك إياي، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني. ا ه.
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي. اه ؛ فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره !. ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه :﴿.. قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.. )١ ؛ [ { يا ابن أم ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]٢ ؛ ﴿ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ لا تجذب شعر لحيتي ورأسي، فإني لم أرد خلافك ؛ ﴿ إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم، ولا يكون سببا للومك إياي، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني. ا ه.
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي. اه ؛ فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره !. ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه :﴿.. قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.. )١ ؛ [ { يا ابن أم ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]٢ ؛ ﴿ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ لا تجذب شعر لحيتي ورأسي، فإني لم أرد خلافك ؛ ﴿ إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم، ولا يكون سببا للومك إياي، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني. ا ه.
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، أي : لا تماس الناس ولا يمسونك ]١ ؛ أما الجزاء في الآخرة فإن لك موعدا لعذابك، وعقوبتك على عظيم جنايتك، وإضلالك وضلالتك، لن يخلفكه الله، ولا أنت بمفلت منه أو متخلف عنه ؛ وانظر إلى معبودك الذي بقيت على عبادته لنهلكنه ونفرق ذراته تفريقا، ولنذرينه في البحر تذرية، وإثر إبطال الباطل عمد موسى إلى إحقاق الحق فقال :﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ﴾ إنما يستحق العبادة والطاعة الله الذي لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، فهو العليم وغيره لا يعلم، وعلم ربنا محيط بكل شيء.
أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، أي : لا تماس الناس ولا يمسونك ]١ ؛ أما الجزاء في الآخرة فإن لك موعدا لعذابك، وعقوبتك على عظيم جنايتك، وإضلالك وضلالتك، لن يخلفكه الله، ولا أنت بمفلت منه أو متخلف عنه ؛ وانظر إلى معبودك الذي بقيت على عبادته لنهلكنه ونفرق ذراته تفريقا، ولنذرينه في البحر تذرية، وإثر إبطال الباطل عمد موسى إلى إحقاق الحق فقال :﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ﴾ إنما يستحق العبادة والطاعة الله الذي لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، فهو العليم وغيره لا يعلم، وعلم ربنا محيط بكل شيء.
كذلك نحدثك ونبين لك من أنباء وأخبار وأحوال أشياء قد سبقت من قبلك فلم تشاهدها ولم تعاينها ؛ وفائدة هذا القص : توفير علمه عليه الصلاة والسلام، وتكثير معجزاته، وتسليته، وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم ١.
وذكر المولى الحكيم بعظمة القرآن فقال ممتنا :﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾ أعطيناك وأوحينا إليك من عندنا كتابا حقيقا بالتذكر، والتفكر فيه، والاعتبار به ؛ وذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلفون في عاجلهم وآجلهم ؛ وتلاوة آياته خير ذكر يذكر به الله تعالى ؛ ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا. خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾ من ابتغى الهدى من غيره، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه فإنه مجرم يأتي يوم العرض على الواحد القهار يحمل ذنبه هذا الثقيل القبيح، فيخلد بجرمه هذا في دركات الجحيم ؛ وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال :{ لأنذركم به ومن بلغ.. )٢ ؛ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة ٣.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
كذلك نحدثك ونبين لك من أنباء وأخبار وأحوال أشياء قد سبقت من قبلك فلم تشاهدها ولم تعاينها ؛ وفائدة هذا القص : توفير علمه عليه الصلاة والسلام، وتكثير معجزاته، وتسليته، وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم ١.
وذكر المولى الحكيم بعظمة القرآن فقال ممتنا :﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾ أعطيناك وأوحينا إليك من عندنا كتابا حقيقا بالتذكر، والتفكر فيه، والاعتبار به ؛ وذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلفون في عاجلهم وآجلهم ؛ وتلاوة آياته خير ذكر يذكر به الله تعالى ؛ ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا. خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾ من ابتغى الهدى من غيره، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه فإنه مجرم يأتي يوم العرض على الواحد القهار يحمل ذنبه هذا الثقيل القبيح، فيخلد بجرمه هذا في دركات الجحيم ؛ وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال :{ لأنذركم به ومن بلغ.. )٢ ؛ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة ٣.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
كذلك نحدثك ونبين لك من أنباء وأخبار وأحوال أشياء قد سبقت من قبلك فلم تشاهدها ولم تعاينها ؛ وفائدة هذا القص : توفير علمه عليه الصلاة والسلام، وتكثير معجزاته، وتسليته، وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم ١.
وذكر المولى الحكيم بعظمة القرآن فقال ممتنا :﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾ أعطيناك وأوحينا إليك من عندنا كتابا حقيقا بالتذكر، والتفكر فيه، والاعتبار به ؛ وذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلفون في عاجلهم وآجلهم ؛ وتلاوة آياته خير ذكر يذكر به الله تعالى ؛ ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا. خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾ من ابتغى الهدى من غيره، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه فإنه مجرم يأتي يوم العرض على الواحد القهار يحمل ذنبه هذا الثقيل القبيح، فيخلد بجرمه هذا في دركات الجحيم ؛ وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال :{ لأنذركم به ومن بلغ.. )٢ ؛ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة ٣.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا :{ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.. )٢ فيتهامسون متحسرين، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره :{ .. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )٣ ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ٤.
٢ سورة الروم. من الآية ٥٥..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيتان: ١١٣، ١١٤..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا :{ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.. )٢ فيتهامسون متحسرين، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره :{.. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )٣ ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ٤.
٢ سورة الروم. من الآية ٥٥..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيتان: ١١٣، ١١٤..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا :{ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.. )٢ فيتهامسون متحسرين، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره :{.. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )٣ ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ٤.
٢ سورة الروم. من الآية ٥٥..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيتان: ١١٣، ١١٤..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
﴿ ينسفها ﴾ يقلعها ويذريها ويطيرها.
﴿ همسا ﴾ صوتا خفيا.
﴿ هضما ﴾ نيلا من كرامته.
بما يجب الإيمان به، لأن العمل لا يكون صالحا إلا بإيمان ولا يقبل من غير إيمان، ﴿ فلا يخاف ﴾ فإنه لا يخاف، أو : فهو لا يخاف ﴿ ظلما ﴾ نقصا من ثواب طاعاته، أو زيادة عليه في سيئاته ؛ ﴿ ولا هضما ﴾ ولا انتقاصا من كرامته، بل يسلم عليهم الكبير المتعال { تحيتهم يوم يلقونه سلام.. )١، وتتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا ؛ { .. سلام عليكم طبتم.. )٢ ؛ ويحل عليهم رضوانه فلا يسخط بعد ذلك أبدا ؛ { .. ورضوان من الله أكبر.. )٣.
﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا { ١١٣ ) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا { ١١٤ ) ﴾
﴿ صرفنا ﴾ بينا وكررنا وفصلنا. ﴿ الوعيد ﴾ التخويف من سخط الله.
﴿ ذكرا ﴾ تذكرا واعتبارا.
ثم نبهت الآية الثانية على عظم الكتاب ٥ المجيد من وجه آخر وهو جلال منزله وموحيه تبارك اسمه :﴿ فتعالى الله الملك الحق ﴾ فتنزه وتقدس المعبود الحق المالك لكل شيء، وارتفعت صفاته عن صفات المخلوقين، وهو مبرأ عن الانتفاع والتضرر بطاعاتهم ومعاصيهم، وما أعظم ربي وأحكمه فقد أنزل إلينا ذكرا حكيما، تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة، وشفاء وموعظة ؛ وقوله سبحانه :﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ﴾ كقوله تعالى :﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه )٦ ؛ مما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما.. قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة،... فأنزل الله عز وجل { لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه ) قال جمعه لك في صدرك وتقرأه { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه )٧، قال فاستمع له وأنصت { ثم إن علينا بيانه )٨.. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه. ـ يعني أنه عليه السلام كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية قالها معه، من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل و الأخف لئلا يشق عليه.. فإذا فرغ الملك من قراءته فاقرأ بعده، { وقل رب زدني علما ﴾ أي زدني منك علما، ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل ـ ٩
٢ سورة الزمر. من الآية٧٣..
٣ سورة التوبة. من الآية ٧٢..
مكية
وآياتها خمس وثلاثون ومائة
كلماتها : ١٣٤١ ؛ حروفها : ٥٢٤٢
[ كأنه لما مدح سبحانه القرآن وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه، وعهد على العزيمة بأمره، وترك النسيان فيه، ضرب حديث آدم مثلا للنسيان وترك العزيمة ]١ ؛ والعهد ها هنا في معنى الوصية ؛ و﴿ نسي ﴾ معناه : ترك ؛ والعزم : المضي على المعتقد في أي شيء كان ؛ والشيء الذي عهد إلى آدم : هو أن لا يأكل من الشجرة ؛ وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ؛ ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ﴾ واذكر وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا، وتذكر هذه القصة وذكر بها ؛ والملائكة عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فحين أمروا سجدوا، ومعلوم أنه سجود تكريم وليس للعبادة، فإن سجود التعبد إنما يكون للمعبود سبحانه، لكن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وفسق عن أمر الله رب العالمين ؛ وقيل في معنى ﴿ أبى ﴾ فعل الإباء وأظهره، والفعل هنا منزل منزلة اللازم ؛ والإباء : شدة الامتناع.
[ كأنه لما مدح سبحانه القرآن وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه، وعهد على العزيمة بأمره، وترك النسيان فيه، ضرب حديث آدم مثلا للنسيان وترك العزيمة ]١ ؛ والعهد ها هنا في معنى الوصية ؛ و﴿ نسي ﴾ معناه : ترك ؛ والعزم : المضي على المعتقد في أي شيء كان ؛ والشيء الذي عهد إلى آدم : هو أن لا يأكل من الشجرة ؛ وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ؛ ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ﴾ واذكر وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا، وتذكر هذه القصة وذكر بها ؛ والملائكة عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فحين أمروا سجدوا، ومعلوم أنه سجود تكريم وليس للعبادة، فإن سجود التعبد إنما يكون للمعبود سبحانه، لكن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وفسق عن أمر الله رب العالمين ؛ وقيل في معنى ﴿ أبى ﴾ فعل الإباء وأظهره، والفعل هنا منزل منزلة اللازم ؛ والإباء : شدة الامتناع.
٢ سورة الإسراء. من الآية٦٢.
٣ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾ أفسدت المعصية٣ عليه عيشه ؛ ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾، وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى ما حاصله : كان العصيان من آدم قبل النبوة ؛ ودليل ذلك قوله تعالى :﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾ فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب. اه.
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٢. ومن الآية ٢٣..
٣ مما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن: تلك الأمور التي وقعت على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم،.... فهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم، ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم، واجتباهم وهداهم،.. واختارهم واصطفاهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه... لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه، أو قول نبيه، فأما أن يبتدئ بذلك من قبل نفسه فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا ـ المماثلين لنا فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم، النبي المقدم، الذي عذره الله سبحانه وتعالى وتاب عليه وغفر له.
روى الأئمة ـ أئمة المحدثين، وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله عز وجل بكلامه وخط لك بيده يا موسى أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا"؛ ـ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاث مرات ـ قال المهلب: قوله: "فحج آدم موسى" أي: غلبه بالحجة؛..... فلم يكن لموسى أن يعيره بخطيئة قد غفرها الله تعالى له... وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له: إن عثمان فر يوم أحد، فقال ابن عمر: ما على عثمان ذنب؛ لأن الله تعالى قد عفا عنه بقوله: ﴿... ولقد عفا الله عنهم...) ـ سورة آل عمران. من الآية ١٥٥ـ وقد قيل: إن آدم عليه السلام أب، وليس تعييره من بره أن لو كان مما يعير به غيره؛.... وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله علي ذلك؛ والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.. قوله تعالى: {فغوى﴾ أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش واختاره القشيري.... قال القشيري أبو نصر قال قوم: يقال: عصى آدم وغوى، ولا يقال له عاص ولا غاو... وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإما أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوة..
﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾ أفسدت المعصية٣ عليه عيشه ؛ ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾، وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى ما حاصله : كان العصيان من آدم قبل النبوة ؛ ودليل ذلك قوله تعالى :﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾ فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب. اه.
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٢. ومن الآية ٢٣..
٣ مما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن: تلك الأمور التي وقعت على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم،.... فهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم، ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم، واجتباهم وهداهم،.. واختارهم واصطفاهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه... لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه، أو قول نبيه، فأما أن يبتدئ بذلك من قبل نفسه فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا ـ المماثلين لنا فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم، النبي المقدم، الذي عذره الله سبحانه وتعالى وتاب عليه وغفر له.
روى الأئمة ـ أئمة المحدثين، وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله عز وجل بكلامه وخط لك بيده يا موسى أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا"؛ ـ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاث مرات ـ قال المهلب: قوله: "فحج آدم موسى" أي: غلبه بالحجة؛..... فلم يكن لموسى أن يعيره بخطيئة قد غفرها الله تعالى له... وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له: إن عثمان فر يوم أحد، فقال ابن عمر: ما على عثمان ذنب؛ لأن الله تعالى قد عفا عنه بقوله: ﴿... ولقد عفا الله عنهم...) ـ سورة آل عمران. من الآية ١٥٥ـ وقد قيل: إن آدم عليه السلام أب، وليس تعييره من بره أن لو كان مما يعير به غيره؛.... وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله علي ذلك؛ والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.. قوله تعالى: {فغوى﴾ أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش واختاره القشيري.... قال القشيري أبو نصر قال قوم: يقال: عصى آدم وغوى، ولا يقال له عاص ولا غاو... وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإما أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوة..
من قبل أهبط إبليس من السماء إذ تأبى السجود فأبعده الله جل ذكره :﴿ قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ﴾١ ؛ فلما وسوس الشيطان لأبوينا وذاقا الشجرة التي نهيا عن الاقتراب من ذواقها، حان ميقات إهباطهما من الجنة، فأهبطهما ربنا سبحانه، وحذرهما أو حذرنا في شخصيهما من مطاوعة إبليس وذريته، ﴿ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون )٢ ؛ { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو... )٣ ؛ { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٤ ؛ فالضمير في قوله تبارك اسمه :{ بعضكم ﴾ يتوجه إلى أن يكون لآدم وذريته ٥ و إبليس وذريته ؛ ﴿ فإما يأتينكم مني هدى ﴾ فإذا بعثت رسلي، وأرسلت كتبي، وجاءكم من ربكم المنهاج ﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾ فالذي يستقيم ممن حملوا الأمانة، ويتابع رسلي، ويستمسك بشرائعي فلا يحار في العاجلة ولا يغيب عنه الرشد، ولا يعوج عن الطريق المستقيم، ولا يتعس في الآخرة ولا يهلك ؛ عن ابن عباس قال : تضمن الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٧..
٣ سورة الكهف. من الآية ٥٠..
٤ سورة فاطر. الآية ٦..
٥ احتار ابن جرير في تفسير قوله جل ثناؤه: ﴿بعضكم لبعض عدو﴾: أنتما عدوا إبليس وذريته، و إبليس وذريته عدوكما وذريتكما..
٢ سورة الإسراء. من الآية ٩٧..
بعد أن قدمنا من وعيد، وما أنذرنا أن نحله بالآخرين، كالذي أصبنا به الأولين من بأس شديد، ما زال كثير من قومك يؤثرون الضلال، فهل عموا فلم يروا آثار الغابرين من المهلكين ؟ ! [ يريد أن قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود.. ويعاينون آثار هلاكهم ]١ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾ ! في تدبر مآل الكافرين، وآثار بطشة القوي المتين، لمعتبرا لمن له عقل.
﴿ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ﴾ ومن ساعات الليل والنهار برئ الملك القدوس عما يقول الظالمون المفترون، أو صلّ ولتصلّ أمتك من الليل والنهار ما استطعتم، ليظفركم الولي الشكور الحميد بما يرضيكم في أولاكم وأخراكم ؛ في الصحيحين : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبيل غروبها فافعلوا " ثم قرأ الآية ؛ ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ﴾ الخطاب للنبي والمراد أمته ؛ فكأن المعنى : لا تطيلوا النظر إلى ما لهؤلاء المترفين من زخارف متعوا بها، وما جعلناه لأصناف منهم من النعيم الزائل، فإني ما أعطيتهم لكرامتهم ؛ وإنما أخبرتهم بهذا العطاء :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )١ ؛ { .. ورحمة ربك خير مما يجمعون )٢ ؛ { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )٣ ؛ { ورزق ربك خير وأبقى ﴾ يمكن أن يراد : وما ادخر لكم ربكم من نعيم الجنة أفضل من هذا وأدوم ؛ وإلى هذا يشير قول الحق تبارك اسمه { .. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا.. )٤ وقيل : أراد به الحلال الطيب.. خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة.
٢ سورة الزخرف. من الآية ٣٢..
٣ سورة المؤمنون. الآيتان: ٥٥، ٥٦..
٤ سورة الشورى. من الآية ٣٦..
﴿ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ﴾ ومن ساعات الليل والنهار برئ الملك القدوس عما يقول الظالمون المفترون، أو صلّ ولتصلّ أمتك من الليل والنهار ما استطعتم، ليظفركم الولي الشكور الحميد بما يرضيكم في أولاكم وأخراكم ؛ في الصحيحين :" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبيل غروبها فافعلوا " ثم قرأ الآية ؛ ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ﴾ الخطاب للنبي والمراد أمته ؛ فكأن المعنى : لا تطيلوا النظر إلى ما لهؤلاء المترفين من زخارف متعوا بها، وما جعلناه لأصناف منهم من النعيم الزائل، فإني ما أعطيتهم لكرامتهم ؛ وإنما أخبرتهم بهذا العطاء :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )١ ؛ {.. ورحمة ربك خير مما يجمعون )٢ ؛ { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )٣ ؛ { ورزق ربك خير وأبقى ﴾ يمكن أن يراد : وما ادخر لكم ربكم من نعيم الجنة أفضل من هذا وأدوم ؛ وإلى هذا يشير قول الحق تبارك اسمه {.. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا.. )٤ وقيل : أراد به الحلال الطيب.. خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة.
٢ سورة الزخرف. من الآية ٣٢..
٣ سورة المؤمنون. الآيتان: ٥٥، ٥٦..
٤ سورة الشورى. من الآية ٣٦..
﴿ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ﴾ ومن ساعات الليل والنهار برئ الملك القدوس عما يقول الظالمون المفترون، أو صلّ ولتصلّ أمتك من الليل والنهار ما استطعتم، ليظفركم الولي الشكور الحميد بما يرضيكم في أولاكم وأخراكم ؛ في الصحيحين :" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبيل غروبها فافعلوا " ثم قرأ الآية ؛ ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ﴾ الخطاب للنبي والمراد أمته ؛ فكأن المعنى : لا تطيلوا النظر إلى ما لهؤلاء المترفين من زخارف متعوا بها، وما جعلناه لأصناف منهم من النعيم الزائل، فإني ما أعطيتهم لكرامتهم ؛ وإنما أخبرتهم بهذا العطاء :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )١ ؛ {.. ورحمة ربك خير مما يجمعون )٢ ؛ { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )٣ ؛ { ورزق ربك خير وأبقى ﴾ يمكن أن يراد : وما ادخر لكم ربكم من نعيم الجنة أفضل من هذا وأدوم ؛ وإلى هذا يشير قول الحق تبارك اسمه {.. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا.. )٤ وقيل : أراد به الحلال الطيب.. خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة.
٢ سورة الزخرف. من الآية ٣٢..
٣ سورة المؤمنون. الآيتان: ٥٥، ٥٦..
٤ سورة الشورى. من الآية ٣٦..
كأن هذه الآيات الكريمة حكاية لجانب من قول الكفار المعاندين، ومن شبهاتهم التي تذرعوا بها، فتعللوا بأنه صلى الله عليه وسلم لو كان مرسلا لجاءهم بخوارق العادات التي جاء بها من سبق من الأنبياء، كناقة صالح، ومائدة عيسى ومعجزاته الأخر من إحياء الموتى وإبراء المرضى ؛ وهلا أتانا محمد بعلامة على صدقه في دعوى الرسالة كتلك العلامات ؛ فرد الله تعالى دعواهم تلك بقوله الحكيم :﴿ أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ﴾ ؟ ! أو لم ننزل عليك قرآنا وأنت ما قرأت من قبله من كتاب ولا خططت مكتوبا بيمينك ؟ وقريب من هذا قول ربنا العلي العظيم :{ أولم يكفهم أنا نزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون )١ ؛ وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " ؛ ومع هذا الكتاب العزيز فإن الله العليم القدير أجرى على يدي خاتم النبيين من المعجزات الحسية ما لو كانوا من السعداء لكفاهم اليسير منه ليكون برهانا على صدق ما جاءهم به البشير النذير صلوات ربنا عليه وسلامه ؛ أو لم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أنباء الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات، فكفروا بها لما أتتهم، كيف عجلنا لهم العذاب، وأنزلنا بهم بأسنا بكفرهم بها يقول فماذا يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم حال أولئك ٢.
٢ ما بين العارضتين من جامع البيان..
٢ سورة فاطر. الآية ٤٢..
٢ سورة الشورى. من الآية ٥٣..