ﰡ
إن قلتَ : كيف حكى الله تعالى قول موسى عليه السلام لأهله، عند رؤية النار هنا، وفي النمل( ١ )، والقصص( ٢ ) بعبارات مختلفة، وهذه القصة لم تقع إلا مرّة واحدة، فكيف اختلفت عبارة موسى فيها ؟ !
قلتُ : قد مرّ في الأعراف في قصة موسى عليه السلام، مثل هذا السؤال، مع جوابه، وجوابه ثَمَّ يأتي هنا( ٣ ).
٢ - في القصص ﴿فلما آتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة﴾ آية (٣٠)..
٣ - هذا من باب التفنّن في الكلام، كما هي طريقة العرب، في ذكر القصة بأساليب متعددة في معنى واحد، نسلية للسّامع لئلا يمل من التكرار، وإظهارا لروعة البيان والجمال..
قاله هنا وفي القصص بلفظ " أتى " وفي النمل بلفظ " جاء " لأنهما وإن كانا بمعنى واحد، غاير بينهما لفظا، توسعة في التعبير( ١ ) عن الشيء بمتساويين.
وخُصّ " أتى " بهذه السورة لكثرة التعبير بالإتيان فيها، و " جاء " بالنمل لكثرة التعبير بالمجيء فيها، وأُلحق ما في القصص بما في " طه " لتقارب ما بينهما، أي من حيث قوله هنا ﴿ يا موسى إني أنا ربّك ﴾ وقوله في القصص :﴿ يا موسى إني أنا الله ﴾ [ القصص : ٣٠ ] وإن اختلف محلهما، بخلاف ذلك في النمل..
قاله هنا وفي القصص بلفظ " أتى " وفي النمل بلفظ " جاء " لأنهما وإن كانا بمعنى واحد، غاير بينهما لفظا، توسعة في التعبير( ١ ) عن الشيء بمتساويين.
وخُصّ " أتى " بهذه السورة لكثرة التعبير بالإتيان فيها، و " جاء " بالنمل لكثرة التعبير بالمجيء فيها، وأُلحق ما في القصص بما في " طه " لتقارب ما بينهما، أي من حيث قوله هنا ﴿ يا موسى إني أنا ربّك ﴾ وقوله في القصص :﴿ يا موسى إني أنا الله ﴾ [ القصص : ٣٠ ] وإن اختلف محلهما، بخلاف ذلك في النمل..
قاله هنا : وفي " الحج " ( ١ ) بحذف لام التأكيد، وقاله في " غافر " ( ٢ )، بإثباتها، لأنها إنما تُزاد لتأكيد الخبر، وتأكيدُه إنما يُحتاج إليه، إذا كان المخبَّر به شاكا في الخبر( ٣ )، والمخاطبون في " غافر " هم الكفار، فأكّد فيها باللام بخلاف تَيْنك.
٢ - في غافر ﴿إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾ آية (٥٩)..
٣ - إنما أكّد الخبر بدخول اللام في آية غافر ﴿لآتية﴾ لأن الحديث جاء عن المشركين المنكرين للبعث والنشور، وقوله تعالى: ﴿أكاد أخفيها﴾ للمبالغة في كتمها وستر أمرها، على طريقة العرب في إخفاء الشيء، وكأنه يقول: أكاد أخفيها عن نفسي، فكيف أطلعكم عنها !؟.
ضمير " عنها " و " بها " للساعة، والمنهيّ ظاهرا من لا يؤمن بها، وحقيقة لموسى عليه السلام، إذ المقصود نهي موسى عن التكذيب بالسّاعة.
إن قلتَ : ما فائدة سؤاله تعالى لموسى، مع أنه أعلم بما في يده ؟ !
قلتُ : فائدته تأنيسه، وتخفيف ما حصل عنده من دهشة الخطاب، وهيبة الإجلال، وقت التكلم معه، أو اعترافه بكونها عصا، وازدياد علمه بذلك، فلا يعترضه شكّ، إذا قلبها الله ثعبانا، أنها كانت عصى، ثم انقلبت ثعبانا بقدرة الله تعالى.
فإن قلتَ : لم زاد عليه ﴿ أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ﴾ ؟.
قلتُ : قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه سئل سؤالا ثانيا : ما تصنع بها ؟ فأجاب بذلك.
أو ذكر ذلك خوفا من أن يؤمر بإلقائها، كما أُمر بإلقاء النّعلين، أو لئلا يُنسب إلى التّعب في حملها، مع أن المقام مقام البسط، للتلذّذ بالكلام مع الربّ تعالى( ١ )، ولهذا بسط في نفس الجواب، إذ كان يكفي فيه أن يقول : عصا.
جعل هنا الجناح مضموما إليه، وفي القصص مضموما في قوله :﴿ واضمم إليك جناحك ﴾ لأن المراد به هنا، ما بين العضد إلى الإبط من اليد اليسرى، وبه ثم ذلك من اليد اليمنى، فلا تنافي.
قال ذلك هنا، وقال في الشعراء ﴿ وإذ نادى ربّك موسى أنِ ائت القوم الظالمين قوم فرعون ﴾ [ الشعراء : ١٠، ١١ ] وفي القصص ﴿ فذانك برهانان من ربّك إلى فرعون وملإه ﴾ [ القصص : ٣٢ ].
اقتصر في " طه " على فرعون، لأنه الأصل بالنسبة إلى قومه، مع سبق طه.
واكتفى في " الشعراء " بذكره في الإضافة( ١ )، عن ذكره مفردا.
وجمع بينهما : في " القصص " ليوافق قوله :﴿ فذانك برهانان ﴾ في التعدد.
قال ذلك هنا، وقال في " الشعراء " :﴿ ولا ينطلق لساني ﴾ [ الشعراء : ١٣ ]. وفي " القصص " :﴿ وأخي هارون هو أفصح منّي لسانا ﴾ [ القصص : ٣٤ ].
صّرح : بعقدة اللسان في " طه " لسبقها، وكنّى عنها في الشعراء بما يقرب من الصّريح، وفي القصص بكناية مبهمة، لدلالة تلك الكناية عليها.
قال ذلك هنا، وقال في " الشعراء " :﴿ ولا ينطلق لساني ﴾ [ الشعراء : ١٣ ]. وفي " القصص " :﴿ وأخي هارون هو أفصح منّي لسانا ﴾ [ القصص : ٣٤ ].
صّرح : بعقدة اللسان في " طه " لسبقها، وكنّى عنها في الشعراء بما يقرب من الصّريح، وفي القصص بكناية مبهمة، لدلالة تلك الكناية عليها.
إن قلتَ : هذا مجمل فما فائدته ؟
قلتُ : فائدته الإشارة إلى أنه ليس كلّ الأمور، مما يوحى إلى النساء، كالنبوّة ونحوها، أو التعظيم والتفخيم أولا، كما في قوله تعالى :﴿ فغشّاها ما غشّى ﴾ [ النجم : ٥٤ ] والبيان ثانيا بقوله ﴿ أنِ اقذفيه في التّابوت فاقذفيه في اليمّ ﴾ [ طه : ٣٩ ].
قاله هنا بلفظ الرّجع، وقال في " القصص " :﴿ فرددناه ﴾ بلفظ الردّ، لأنهما وإن اتّحدا معنى، لكن خُصّ الرجع بما هنا، ليقاوم ثِقل الرجع، خفّة فتح الكاف، والردّ بالقصص لتقاوم خفّة الردّ ثقل ضَمّة الهاء، وليوافق قوله ﴿ إنا رادّوه إليك ﴾ [ القصص : ٧ ].
قاله هنا بلفظ " سلك " وقاله في الزخرف بلفظ " جعل " لأن لفظ السّلوك مع السُّبُل أكثر استعمالا من " جَعَلَ " فخصّ به " طه " لتقدمها، وب " جَعَل " الزخرف، ليوافق( ١ ) التعبير به قبله مرّة، وبعده مرارا.
إن قلتَ : صدره يغني عن عجزه، فكيف ذكر العَجُز ؟
قلتُ : المعنى وما هداهم بعد ما أضلّهم، فإن المضلّ قد يهدي بعد إضلاله، أو ما هدى نفسه، أو أضلّهم عن الدين، وما هداهم طريقا في البحر.
إن قلتَ : المواعدة كانت لموسى عليه السلام لا لهم، فكيف أُضيفت إليهم ؟.
قلتُ : لمّا كانت لإنزال كتاب لهم، فيه صلاح دنياهم وأُخراهم، أضيفت إليهم لهذه الملابسة.
إن قلتَ : هذا سؤال عن سبب العجلة، فإن موسى لمّا واعده الله تعالى، حضور جانب الطور لأخذ التوراة، اختار من قومه سبعين رجلا، يصحبونه إلى ذلك، ثم سبقهم شوقا إلى ربه تعالى، وأمرهم بلحاقه، فعُوتب على ذلك، فكيف طابق الجواب في الآية السؤال ؟
قلتُ : السؤال تضمّن شيئين : إنكار العجلة، والسؤال عن سببها ؟ فبدأ موسى بالاعتذار عمّا أنكره تعالى عليه، بأنه لم يوجد منه إلا تقدّم يسير، لا يعتدّ به عادة، ثم عقّب العذر بجواب السؤال عن السبب بقوله :﴿ وعجلت إليك ربي لترضى ﴾ [ طه : ٨٤ ].
إن قلتَ : الخطاب لآدم وحواء، فكيف قال : " فتشقى " دون فتشقيا ؟
قلتُ : قال ذلك، لأن الرجل قيّم امرأته، فشقاؤه يتضمّن شقاءها، كما أن سعادته تتضمن سعادتها.
أو قاله رعاية للفواصل، أو لأنه أراد بالشّقاء : الشّقاء في طلب القوت، وإصلاح المعاش، وذلك وظيفة الرجل دون المرأة.
إن قلتَ : هل يجوز أن يقال : كان آدم عاصيا، غاويا، أخذا من ذلك ؟
قلتُ : لا، إذ لا يلزم من جواز إطلاق الفعل، جواز إطلاق اسم الفاعل، ألا ترى أنه يجوز أن يقال : تبارك الله، دون متبارك، ويجوز أن يقال : تاب الله على آدم دون تائب ! !
فإن قلتَ : نحن نرى المعرضين عن الإيمان، في أخصب عيشة ؟ !
قلتُ : قال ابن عباس المراد بالعيشة الضّنك : الحياة في المعصية، وإن كان في رخاء ونعمة.. ورُوي أنها عذاب القبر، أو المراد بها عيشة في جهنم( ١ ).
أو قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم... ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ].
أو قوله :﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ]. يعني لعالمي أمته، بتأخير العذاب عنهم، وفي الآية تقديم وتأخير أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان العذاب لزاما، أي لازما لهم كما لزم الأمم التي قبلهم.
إن قلتَ : كيف جمع بين هذين، مع أن أحدهما يغني عن الآخر ؟
قلتُ : المراد بالأول السالكون، وبالثاني الواصلون.
أو بالأول الذين ما زالوا على الصراط المستقيم، وبالثاني الذين لم يكونوا على الصراط المستقيم، ثم صاروا عليه.
أو بالأول أهل دين الحق في الدنيا، وبالثاني المهتدون إلى طريق الجنة في العقبى( ١ )، فكأنه قيل : ستعلمون من الناجي في الدنيا، والفائز في الآخرة.