ﰡ
إن قلتَ : لم أكّده باللام، دون قوله بعده ﴿ ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ﴾ [ المؤمنون : ١٦ ] مع أن المذكورين ينكرون البعث دون الموت ؟
قلتُ : لما كان العطف ب " ثُمّ "، المحتاج إليه هنا، يقتضي الاشتراك في الحكم، أغنى به عن التأكيد باللام.
فإن قلتَ : لم خصَّها بطور سيناء، مع أنها تخرج من غيره أيضا ؟ !
قلتُ : أصلها منه، ثم نُقلت إلى غيره.
قال ذلك هنا، بتقديم الصّلة على قومه، وقال بعد بالعكس( ١ ). لأنه اقتصر هنا في صلة الموصول على الفعل والفاعل، وفيما بعدُ طالت فيه الصّلة، بزيادة العطف على الصّلة مرّة بعد أخرى، فقدّم عليها ﴿ من قومه ﴾ لأن تأخيره عن المفعول ملبِّسٌ، وتوسيطه بينه وبين ما قبله ركيك( ٢ ).
قوله تعالى :﴿ ولو شاء الله لأنزل ملائكة ﴾ [ المؤمنون : ٢٤ ] الآية. قاله هنا بلفظ " الله " وفي فصّلت( ٣ ) بلفظ ربّنا، موافقة لما قبلهما، إذْ ما هنا تقدَّمه لفظ " الله " دون " ربنا " وما في ( فصلت ) تقدّمه لفظ الربّ في " ربّ العالمين " سابقا على لفظ " الله " فناسب ذكر " الله " هنا، وذكر الرّبِّ ثَمَّ.
٢ - الأولى أن يُقال: غير مستحسن، أو غير مناسب، عوضا عن لفظ رَكيكٌ..
٣ - في فصلت ﴿قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون﴾ آية (١٤)..
قاله هنا بلفظ ﴿ عليم ﴾ وفي سبأ( ١ ) بلفظ " بصير " مناسبة لما قبلهما، إذ ما هنا تقدّمه آيتا الكتاب، وجعل " مريم " وابنها آية، والعلم بهما أنسب من بصرهما، وما هناك تقدّمه قوله :﴿ وألنّا له الحديد ﴾ [ سبأ : ١٠ ] والبصر بإلانة الحديد، أنسب من العلم بها.
فإن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أنهم كلّهم كانوا كارهين للتوحيد ؟
قلتُ : كان منهم من ترك الإيمان به، أنفة وتكبّرا من توبيخ قومهم، لئلا يقولوا : ترك دين آبائه، لا كراهة للحقّ، كما يُحكى عن أبي طالب وغيره.
وقاله في النمل( ١ ) بالعكس، جريا على القياس هنا، من تقويم المرفوع على المنصوب، وعكس ثمّ بيانا لجواز تقديم المنصوب على المرفوع، وخصّ ما هنا بتأخير " هذا " جريا على الأصل بلا مقتضى لخلافه، وما هناك بتقديمه اهتماما به من منكري البعث، ولهذا قالوا بعدُ ﴿ إنْ هذا إلا أساطير الأولين ﴾ [ المؤمنون : ٨٣ ].
قاله هنا بلفظ " لله "، وبعدُ بلفظ " الله " ( ١ ) مرتين، لأنه في الأول، وقع في جواب مجرور باللام، في قوله :﴿ قل لمن الأرض ﴾ [ المؤمنون : ٨٤ ] فطابَقه بجرّه باللام، بخلاف ذلك في الأخيرين، فإنهما إنما وقعا في جواب مجرد عن اللام.
١- ﴿قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون﴾.
٢- ﴿قل من رب السموات ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون﴾.
٣- ﴿قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون﴾ الجميع على قراءة حفص بدون ألف، أما قراءة ورش فهي بالألف في الآيتين الأخيرتين..
وهذا في الآخرة وهم في الجحيم، بدليل قوله :﴿ ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ﴾ [ المؤمنون : ١٠٧ ].