تفسير سورة التحريم

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين... ﴾ [ التحريم : ٤ ].
إن قلتَ : إن كان المراد به الفرد فأيّ فرد هو، مع أنه لا يناسب جمع الملائكة بعده ؟ أو الجمع فهلاّ كُتب في المصحف بالواو( ١ ) ؟
قلتُ : هو فرد أُريد به الجمع كقوله تعالى :﴿ والمَلَك على أرجائها ﴾ [ الحاقة : ١٧ ] وقوله ﴿ ثم يخرجكم طفلا ﴾ [ غافر : ٦٧ ] أو هو جمع لكنه كُتب في المصحف بغير واو على اللفظ، كما جاءت ألفاظ كثيرة في المصحف على اللفظ، دون إصلاح الخطّ.
قوله تعالى :﴿ والملائكة بعد ذلك ظهير ﴾ [ التحريم : ٤ ].
وُضع فيه المفرد موضع الجمع أي ظهراء، أو أن " فعيلا " يستوي فيه الواحد وغيره كقعيد( ٢ ).
١ - يريد أن الأصل أن تكتب "وصالحوا المؤمنين" بالجمع..
٢ - أشار إلى قوله تعالى: ﴿عن اليمين وعن الشمال قعيد﴾ ق: ١٧..
قوله تعالى :﴿ عسى ربّه إن طلّقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ... ﴾ الآية [ التحريم : ٥ ].
إن قلتَ : كيف أثبت الخيرية( ١ ) لهنّ بالصفات المذكورة بقوله " مسلمات " إلى آخره مع اتّصاف أزواجه صلى الله عليه وسلم بها أيضا ؟
قلتُ : المراد " خيرا منكنّ " في حفظ قلبه، ومتابعة رضاه، مع اتصافهنّ بهذه الصفات المشتركة بينكنّ وبينهنّ ؟
فإن قلتَ : لم ذكر الواو في " أبكاراً " وحذفها في بقية الصفات ؟
قلتُ : لأن أبكاراً مباين للثّياب، فذكر بالواو لامتناع اجتماعهما في ذات واحدة، بخلاف بقية الصّفات، لا تباين فيها فذُكرت بلا واو.
فإن قلتَ : الثَّيِّب تُمدح من جهة أنها أكثر تجربة وعقلا( ٢ )، وأسرع حَبَلا غالبا، والبكر تُمدح من جهة أنها أطهر وأطيب، وأكثر مداعبة وملاعبة غالبا.
١ - في المخطوطة الخيرية وهو خطأ، وصوابه ما ذكرناه..
٢ - قال ابن كثير: قسمهنّ إلى نوعين، ليكون ذلك أشهى للنفس، فإن التنوّع يبسط النفس..
قوله تعالى :﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ [ التحريم : ٦ ].
فائدة ذكره بعد ﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ﴾ التأكيد، لاتحادهما صدقا، أو التأسيس لاختلافهما مفهوما، أو المراد بالأمر الأول : العبادات والطّاعات، وبالثاني : الأمر بتعذيب أهل النار.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا... ﴾ [ التحريم : ٨ ].
لم يقل نَصُوحة، لأن " فَعُولاً " يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، كقولهم : امرأة صبور وشكور.
قوله تعالى :﴿ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ﴾ [ التحريم : ١٠ ].
فائدة قوله " من عبادنا " بعد عبدين، مدحُهما والثناء عليهما، بإضافتهما إليه إضافة التشريف والتخصيص، كما في قوله تعالى :﴿ وعباد الرحمن ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ] وقوله تعالى :﴿ فادخلي في عبادي ﴾ [ الفجر : ٢٩ ] وفي ذلك مبالغة في المعنى المقصود، وهو أن الإنسان لا تنفعه عادة إلا صلاح نفسه، لا صلاح غيره، وإن كان ذلك الغير في أعلا المراتب.
قوله تعالى :﴿ وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين ﴾ [ التحريم : ١٢ ].
إن قلتَ : القياس من القانتات، فلم عدل عنه إلى القانتين ؟
قلتُ : رعاية للفواصل( ١ )، أو معناه من القوم القانتين.
١ - المراد بالفواصل: أواخر الآيات الكريمة، فإن ما قبلها ﴿مع الداخلين﴾ ﴿القوم الظالمين﴾ فجاءت لفظة ﴿القانتين﴾ مراعاة للفواصل ليبقى الكلام متناسقا..
Icon