تفسير سورة التحريم

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مدنية، وآياتها اثنتا عشر
بسم الله الرحمان الرحيم
وتسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم

﴿ لم تحرم ما أحل الله لك ﴾ روى في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زوجه زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، كان يحب الحلواء والعسل ؛ فتواصت عائشة وحفصة – لما وقع في نفسهما من الغيرة من ضرتهما – أن أيتهما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ! [ هو صمغ حلو ينضجه شجر العرفط يؤخذ ثم ينضح بالماء فيشربن وله رائحة كريهة ] فدخل صلى الله عليه وسلم على حفصة فقالت له ذلك. فقال :( لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ). فقالت : جرست نحله العرفط – أي أكلت ورعت - ؛ فحرم العسل وقال :( لن أعود. وقد حلفت فلا تخبري أحدا ). فأخبرت عائشة بذلك كله ؛ فأطلعه الله تعالى على إفشائها القصة لعائشة. فأعلم حفصة ببعض الحديث الذي أفشته وقد استكتمها إياه، ولم يخبرها بباقيه تكرما لما فيه من مزيد خجلتها، والكريم لا يستقصي فظنت حفصة أن عائشة هي التي أخبرته بالقصة ؛ فقالت له صلى الله عيه وسلم : " من أنبأك هذا " ؟ فقال : " نبأني العليم الخبير ". وقد عاتب الله نبيه – رفقا به، وتنويها بقدره، وإجلالا لمنصبه – أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه. وذلك جريا على ما ألف من لطف الله به، وشرع ولامته التحلل من اليمين بالكفارة رأفة ورحمة. وعاتب حفصة وعائشة إذ مالتا عن الواجب عليهما من مخالفته صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه، إلى مخالفته وتدبيره ما عساه يشق عليه.
﴿ تحلة أيمانكم ﴾ أي تحليلها بالكفارة المذكور في سورة المائدة. وأصلها تحللة، مصدر حلل المضاعف ؛ كتكرمة من كرم.
﴿ وأظهره الله عليه ﴾ أطلعه عليه، أي على إفشائه. ﴿ عرف بعضه ﴾ وهو قوله لها :( كنت شربت عسلا عند زينب ولن أعود ). ﴿ وأعرض عن بعض ﴾ وهو قوله " وقد حلفت ".
﴿ فقد صغت قلوبكما ﴾ مالت عن الواجب. يقال صغا يصغو ويصغى صغوا. وصغي يصغي صغا وصغيا : مال. وصغت الشمس : مالت للغروب. ولم يقل " قلباكما " لكراهة اجتماع تثنيتين فيم هو كالكلمة الواحدة مع ظهور المراد. والجملة تعليل لجواب الشرط المحذوف ؛ أي إن تتوبا فلتوبتكما سبب فقد صغت قلوبكما. ﴿ وإن تظاهرا عليه ﴾ تتعاونا عيه بما يسوءه من الإفراط والغيرة وإفشاء سره. ﴿ فإن الله هو مولاه ﴾ ناصره ومعينه. ﴿ ظهير ﴾ معين. أي جبريل وصالح المؤمنين : أبو بكر وعمر، والملائكة بعد نصرة الله تعالى له مظاهرون له.
﴿ مسلمات مؤمنات ﴾ منقادات لله ورسوله بظواهرن، مصدقات بقلوبهن. ﴿ قانتات ﴾ مطيعات لله، خاضعات له. ﴿ سائحات ﴾ ذاهبات في طاعة الله أي مذهب ؛ من ساح الماء : إذا ذهب. أو مهاجرات. أو صائمات ؛ تشبيها لهن بالسائح الذي لا يصحب معه الزاد غالبا، فلا يزال ممسكا حتى يجد ما يطعمه. ﴿ ثيبات وأبكارا ﴾ جمع ثيب ؛ بوزن سيد. يقال : ثاب يثوب ثوبا، إذا رجع. وسميت الثيب به لأنها ثابت إلى بيت أبويها. والأبكار : جمع بكر، وهي العذراء التي لم تفترع. وسميت بكرا لأنها لا تزال على أول حالتها التي خلقت بها.
﴿ قوا أنفسكم ﴾ بترك المعاصي وفعل الطاعات. ﴿ وأهليكم نارا ﴾ بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب. أمر من وقى يقي ؛ كضرب يضرب. ﴿ عليها ملائكة ﴾ أي موكل ملائكة وهم الزبانية﴿ غلاظ ﴾ قساة في أخذهم أهل النار ؛ من الغلظة ضد الرقة. ككرم وضرب. ﴿ شداد ﴾ أقوياء عليهم. يقال : شديد على فلان، أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب.
﴿ توبة نصوحا ﴾ بالغة في النصح، وهي أن يندم على الذنب الذي أصاب ؛ فيعتذر إلى الله تعالى ثم لا يعود إليه ؛ كما لا يعود الماء إلى الضرع. أو توبة ترفو خرقه في دينه ؛ وترم خلله ؛ من نصح الثوب : أي خاطه ؛ فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية. أو توبة خالصة ؛ من قولهم : عسل ناصح، إذا خلص من الشمع.
﴿ واغلظ عليهم ﴾ استعمل الخشونة على الفرقين فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه.
﴿ فخانتاهما ﴾ فكانت امرأة نوح تقول للناس : إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل قومها على الأضياف ليخبثوا بهم.
﴿ أحصنت فرجها ﴾ حفظته وصانته من أن يصل إليه أحد. وهو كناية عن عفتها. ﴿ فنفخنا فيه من روحنا ﴾ فنفخ رسولنا جبريل عليه السلام في جيب درعها روحا من أرواحنا هي روح عيسى.
﴿ وكانت من القانتين ﴾ من عداد المواظبين على الطاعة. و " من " للتبعيض، والتذكير للتغليب. أو من نسلهم، و " من " لابتداء الغاية.
والله أعلم.
Icon