تفسير سورة التحريم

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التحريم١ مدنية٢
١ - كذا عند البخاري في كتاب التفسير (الفتح ٨/٦٥٦) قال الآلوسي في روح المعاني: ٢٨/١٣٤:" يقال لها: سورة المتحرم، وسورة لِم َ تحرم، وسورة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن الزبير: سورة النساء"..
٢ - بالإجماع، انظر: الغريب لابن قتيبة: ٤٧٢ وتفسير الماوردي: ٤/٢٦٠ والقرطبي: ١٨/١٧٧ والبرهان: ١/١٩٤. وفي روح المعاني: ٢٨/١٤٦ أنها مدنية على المشهور. وحكى عن قتادة أن المدني منها إلى رأس العشر والباقي مكي..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التحريم
مدنية
- قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ {مَآ أَحَلَّ الله لَكَ)...﴾، إلى قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾.
نزلت هذه الآية في سبب مارية القبطية أم ولده إبراهيم، سَرِيَّةِ النبي ﷺ، كان النبي قد أصابها في بيت حفصة في يومها، فغارت لذلك حفصة فحرمها النبي
7561
على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلباً لرضاء حفصة، فعوتب النبي ﷺ ونُبه على أن ليمينه مخرجاً.
قال زيد بن أسلم: " أَصَابَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي! فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ حَرَاماً. فقالت: يا رسول الله، كَيْفَ تُحَرِّمُ عليك الحلالَ؟! فَحَلَفَ لها بالله لاَ يُصِيبُهَا، فأنزلَ الله: ﴿يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله...﴾ الآية ".
قال زيد بن أسلم: " قال لها: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَمٌ، وَاللهِ لاَ أَطُؤُكِ ". قال الشعبي: حرمها وحلف ألا يقربها فعوتب [في] التحريم، وجاءت الكفارة في اليمين.
7562
قال الضحاك: كانت لرسول الله ﷺ فتاة فغشيها، فبصرت [به] حفصة، وكان اليوم يوم عائشة [وكانتا] مُتَعَاوِنَتَيْنِ، فقال رسول الله ﷺ لحفصة: اكْتُمِي عَلَيَّ وَلاَ تَذْكُرِي لعائشة ما رأيتِ، فَذَكَرَتْ حفصةُ لِعائشةَ الخَبَرَ، فغضبت عائشة، فلم يَزَلْ نَبِيُّ اللهِ حتى حلف لاَ يَقْرَبُها، فأنزل الله الآية، وأمره بكفارة يمينه.
قال ابن عباس: " أمر الله النبي والمؤمنين إذا حرما شيئاً على أنفسهم مما أحل الله لهم أن يكفروا بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ولا يدخل في ذلك طلاق "، فإنما حرم النبي ﷺ على نفسه جاريته ولم يحلف. وروى عبيد بن عمير عن عائشة أنها قالت: " كان النبي ﷺ يمكث عند زينب بنت
7563
جحش [يشرب] عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أينا جاءها النبي [فلتقل] له إن أجد منك ريح مغافير، فجاء إلى إحداهما فقالت له ذلك، فقال: بل شربت عسلا، ولن [أعود]، فأنزل الله: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله﴾ وأنزل ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى الله﴾ يعني عائشة وحفصة ".
ويروى أن النبي - ﷺ - أصاب جاريته مارية في بيت عائشة وهي غائبة وفي يومها، فاطلعت على ذلك حفصة، فقال لها النبي: لا تخبري عائشة بذلك، فأخبرتها، فغضبت عائشة وقالت: في بيتي وفي يومي! فأرضاها النبي ﷺ بأن حلف لها ألا
7564
يطأها بعد ذلك وحرمها على نفسه، فأنزل الله السورة في ذلك.
- ثم قال تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ والله مَوْلاَكُمْ.
..﴾
.
أي: قد بين الله لكم تَحِلَّةَ أَيْمَانكم وَحَدَّهَا (لكم)، ﴿والله مَوْلاَكُمْ﴾ أي: يتولاكم بنصره وهدايته - أيها المؤمنون - وهو العليم بمصالحكم، الحكيم في تدبيره خلقه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ...﴾.
أي: واذكروا أيها المؤمنون (إذا أ) سر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً، وهو (على) قول ابن عباس وزيد بن أسلم ما أسر لحفصة من تحريمه لمارية وقوله لها: لا تذكري ما رأيت لعائشة. وقال منصور بن مهران: أَسَرَّ إلى حفصة أن أبا بكر خليفتي بعدي.
7565
وقيل: هو قوله: بل شربت عسلاً، على ما مضى من الخبر.
وقيل: هو ما كان من خلوته بمارية في بيت عائشة.
- ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ...﴾.
أي: أخبرت حفصةُ بذلك عائشة.
- ﴿وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ...﴾.
أي: وأطلع الله نبيه على إعلام حفصةَ لعائشةَ بِسِرِّ النبي.
- ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ...﴾.
(أي: عرف النبي حفصةَ بعض ما أخبرت به عائشة ووبخها عليه وأعرض عن بعض) فلم يوبخها عليه.
قال المفسرون: أخبر النبي عليه السلام حفصة ببعض ما أخبره الله عنها أنها قالته لعائشة.
ومن قرأ بالتخفيف في ﴿عَرَّفَ﴾، فمعناه أن النبي عَرَفَ لحفصةَ ما فعلته،
7566
[يعني] غضب على ذلك وجازاها عليه بالطلاق.
وقيل: معنى التشديد أنه مأخوذ من قولك للرجل يَجْنِي عليك: لأُعَرِّفَنَّكَ فِعْلَكَ، على طريق التوعد والتهديد.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا [نَبَّأَهَا] بِهِ...﴾.
أي: أخبر حفصة/ بأن الله أَطْلَعَهُ على [إفشائها سِرَّهُ] إلى عائشة.
- ﴿قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا...﴾.
أي: من أخبرك هذا؟! (قال): خَبَّرَنِي به العليم بكل شيء، الخبير بالسرائر والعلانية.
7567
ويُروى أن [السِّرَّ] الذي أَسَرَّهُ النبي عليه السلام هو أنه أسرَّ إلى حفصة (أن الخليفة) بعده أبو بكر، وبعده عمر، وأمرها أن تكتم ذلك، فأفشته إلى عائشة، فَأَعَلَمَ اللهُ نبيه ذلك.
و ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ تُعَدَّى إلى مفعول واحد، و ﴿مَنْ أَنبَأَكَ هذا﴾ تُعدى إلى مفعولين. [وقد أصل] النحويون أنه يتعدى إلى ثلاثة، لا يقتصر على اثنين دون الثالث.
(وتفسير ذلك أن " نَبَّأَ " و " أَنْبَأَ " بمعنىً في التَّعدِي، وهما يجريان في الكلام على ضربين:
أحدهما: أن [يدخلا] على الابتداء والخبر، فهناك لا يقتصر على (اثنين) دون الثالث)، كما لا يقتصر على الابتداء دون الخبر، لأن الثالث هو خبر الابتداء في الأصل.
والموضع الثاني: [ألا] يدخلا على الابتداء والخبر نحو الآية، فهناك يكفتى باثنين وبواحد.
7568
- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا...﴾.
[أي: إن تتوبا إلى الله مما فعلتما فقد مالت قلوبكما إلى ما كرهه رسول الله ﷺ] من تحريمه جاريته على نفسه.
قال ابن عباس ﴿صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾: زاغت، أي: أثمت.
قال مجاهد: " كنا نرى أن قوله: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ شيء (هين) حتى سمعت قراءة ابن مسعود " فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمَا ".
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ...﴾.
يعني حفصة وعائشة، أي: وإن تتعاونا على النبي.
- ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ...﴾.
7569
أي: وليه وناصره عليكما وعلى كل (من) بغاه بسوء، وجبريلُ أيضاً وَليُّهُ، وصالحُ المؤمنين أيضاً أولياؤه، يعني خيارهم.
وقال الضحاك وغيره: " هم أبو بكر وعمر رضي الله عنهـ ".
فيجب أن يكون أصلُ ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على هذين القولين بالواو، وحذفت من الخط على اللفظ.
وقال مجاهد: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عمر، وعنه: هو علي، فيكون لا أصل للواو فيه.
وقال قتادة: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾: الأنبياء. فيكون أيضاً أصله الواو. وهو
7570
قول سفيان.
وقد ذهب أبو حاتم إلى [أن] الوقف (وصالحو) بالواو مثل ﴿سَنَدْعُ﴾ [العلق: ١٨] ﴿وَيَدْعُ الإنسان﴾ [الإسراء: ١١]. وفي هذا مخالفة للسواد.
والأحسن ألا يوقف عليه، فإن وقف عليه [واقف] (وقف) بغير واو، على قول مجاهد أنه عمر أو علي رضي الله عنهـ فَيَتِمُّ له موافقةُ المعنى وموافقة الخط.
وكان الطبري يقول إن ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اسم " للجنس: كقوله: ﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢] ونظير ذلك قول الرجل: لا يقربني إلا قارئ القرآن.
7571
فهو بلفظ الواحد ومعناه الجنس، فكذلك هذا، فيكون الوقف أيضاً بغير واو اتباعاً للخط والمعنى.
- ثم قال: ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾.
أي: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين عوين على نصرة محمد. " وظهير " لفظ واحد، ومعناه جمع. ولو أتى على اللفظ لقال: " ظُهَرَاً ".
- ثم قال تعالى: ﴿عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ...﴾.
أي: عسى رب محمد إن طلقكن يا أزواج محمد أن يبدله منكن أزواجاً خيراً منكن. وهذا تحذير من الله لنساء نبيه لما أجتمعن عليه في الغيرة.
روى أنس بن أنس أن عمر - رضي لله عنه - قال: " اجْتَمَع عَلَى رَسولِ الله ﷺ نِسَاؤُهُ فِي الغِيرَةِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزوجاً خيراً منكن، فنزلت
7572
كذلك ". قال عمر: " فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ امرأةً (امرأةً) أعظها وأَنْهَاهاَ عن أَذَى رَسولِ اللهِ وأقول: إِنْ أَبَيْتُنَّ أَبْدَلَهُ (اللهُ خيراً منكن، حتى أَتَيْتُ على زَينبَ فقالت: يا ابن الخطاب، أما في رسول الله ما يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟! فَأَمْسَكْتُ. فأنزل الله تعالى ﴿ عسى رَبُّهُ﴾ الآية ".
- وقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾، أي: خاضعات لله بالطاعة ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ أي: مصدقات بالله ورسوله ﴿قَانِتَاتٍ﴾ أي: مطيعات لله، ﴿تَائِبَاتٍ﴾ [أي]: راجعات إلى ما
7573
يحبه الله ورسوله. ﴿عَابِدَاتٍ﴾ أي: [متذللات] لله بالطاعة. ﴿سَائِحَاتٍ﴾ (أي): صائمات. قاله ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والضحاك، وقال زيد بن أسلم: ﴿سَائِحَاتٍ﴾: مهاجرات، وهو قول ابن زيد.
((وقال) ابن زيد): " ليس في (القرآن) ولا في أمه محمد سياحة إلا الهجرة ".
وقيل للصائم سائح لأنه لا ينال شيئاً بمنزلة السائح في [القفر] لا زاد
7574
معه.
وقيل: معناه: ذاهبات في طاعة الله. من: سائح الماء، إذا ذهب.
- وقوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾.
أي: نساءً كباراً قد تزوجن غيره، (ونساءً صغاراً) لم يتزوجن.
- قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ {وَأَهْلِيكُمْ...﴾. إلى آخر الآية.
(أي): يا أيها الذين آمنوا اعملوا عملاً [صالحاً] تقون به أنفسكم من النار، ولْيُعَلِّمَ [بَعْضُكُمْ [بَعْضاً ما تقون به من تُعَلِّمُونَهُ من النار، وعَلِّمُوا أهليكم من العمل ما يقون به أنفسهم من النار.
7575
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنهـ - في [قوله]: ﴿قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ أي: علموهم وأدبوهم.
قال ابن عباس: معناه: " اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصيه، ومُرُوا أهليكم بالذكر/ ينجيكم الله من النار ".
وقال مجاهد: " واتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله ".
وقال قتادة: مروهم بطاعة الله، وانهوهم عن [معصيته].
وقيل: المعنى: لا تعضوا فيعصي أهلوكم.
وفي الحديث: " لا تزن [فيزني] أهلك ".
7576
وقوله: ﴿وَقُودُهَا الناس والحجارة...﴾.
أي: حطبها بنو آدم وحجارة الكبريت.
﴿عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ...﴾.
(أي): على هذه النار ملائكة غلاظ على أهل النار، شِدَادٌ عليهم.
وقيل: ﴿شِدَادٌ﴾ بمعنى: أقوياء.
﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ...﴾.
أي: لا يخالفون الله فيما أمرهم به عذاب الكفار وغيره.
﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.
أي: ينتهون إلى ما أمرهم الله به.
- ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الذين كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
7577
(أي): يا أيها الذين جحدوا وحدانية الله، لا تعتذروا عن كفركم يوم القيامة بما لا ينفعكم، إنما تثابون جزاءً على أعمالكم.
ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً...﴾.
أي: يا أيها الذين صدقوا الله، ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله وإلى ما يرضيه عنكم رِجْعَةً نَصُوحاً، أي: لا تعودون معها أبداً.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ: التوبة النصوح أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود فيه أبداً ولا يريد أن يعود فيه. هو قول الضحاك. وقاله ابن مسعود.
وقال قتادة: التوبة النصوح " هي الصادقة النصاحة ".
ومن ضم النون، فيجوز أن يكون جمع نُصْحٍ. ويجوز أن يكون مصدراً،
7578
كرجل عدل، (أي): صاحب عدالة.
وقال ابن زيد: النصوح: الصادقة، ويعلم أنها صدق بندامته على خطيئته وحب الرجوع إلى طاعة الله.
- (ثم قال تعالى: ﴿عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ...﴾.
أي: محوها عنكم.
و" عسى " من الله) واجبة.
﴿وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ (مَعَهُ)...﴾.
أي: ويدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار في يوم [لا يخزي] الله فيه النبي، أي: لا يبعده من إِفْضَالِهِ وإِنْعَامِهِ، ولا يُبْعِدُ الذين آمنوا معه من ذلك.
7579
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ.
..﴾.
قال ابن عباس: يأخذون كتابهم فيه البشرى.
﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا...﴾.
أي: يسألون ربهم أن يُبْقِيَ لهم نُورَهُمْ حتى يَجُوزُوا الصراط، وذلك حين يطفئُ نور المنافقين وقت يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: انظرونا نقتبس من نوركم. قاله مجاهد وغيره.
وقال الحسن: ليس أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة فيُطفئُ نور المنافقين، فيخشى المؤمن أن يُطْفِئَ نوره. فذلك قوله: ﴿أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ ".
﴿واغفر لَنَآ...﴾.
أي: واستر علينا ذنوبنا.
﴿إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
7580
أي: إنك على إتمام نورنا وغفران ذنوبنا وغير ذلك من الأشياء قدير.
- ثم قال: ﴿يا أيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ...﴾.
أي: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بالوعيد والتهدد.
قال قتادة: " أمر الله نبيه أن يجاهد الكفار بالسيف [ويغلظ على المنافقين بالحدود] ".
ومعنى ﴿واغلظ عَلَيْهِمْ﴾ أي: اشدد عليهم في ذات الله ولا تلن.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير...﴾.
أي: ومسكنهم في الآخرة جهنم، وبئس الموضع الذي يصيرون إليه.
ثم قال تعالى: ﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ (فَخَانَتَاهُمَا)...﴾.
أي مثل الله للذين كفروا هاتين المرأتين، كانتا تحت {عَبْدَيْنِ
7581
(مِنْ عِبَادِنَا) صَالِحَيْنِ}، وهما لوط ونوح [﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾].
قيل: إن خيانة امرأة نوح لنوح أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس إنه مجنون، وخيانة امرأة لوط (له) أنها كانت [تدل قومها] على أضيافه. وكان هو يسترهم. وقيل: كانت توقد ناراً إذا نزل بلوط ضيف فيعرف قومه أن عنده ضيفاً، فيأتون لأذاه. قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وإنما كانت أحدهما تقول إنه مجنون، والأخرى تدل على أضيافه.
قال عكرمة: " كانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين "، وقاله الضحاك.
فلم يغن صلاح زوجيهما عنهما شيئاً، بل قيل لهما: أدخلا النار مع من دخلها
7582
بِخِيَانَتِكُما.
كذلك من كان كافراً وابنُه أَوْ زوجُه أو قريبُه مؤمنٌ، لا يغني عنه إيمان قريبه شيئاً من عذاب الله.
فالفائدة في هذا أن أحداً لا ينفعه إيمان غيره.
وقيل: ﴿مَعَ/ الداخلين﴾ يريد: مع القوم الداخلين.
ثم قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امرأت فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ﴾.
وهي آسية، آمنت وهي تحت عدو الله فلم يضرها كفره، إذ لا تز وازرة وزر أخرى. فدعت الله أن [يبني] لها بيتاً في الجنة ففعل، [وسألته] أن ينجيها من فرعون وعمله وعمل قومه ففعل، فماتت مسلمة.
7583
قال القاسم بن أبي بزة: " كانت امراة فرعون تقول، تسأل من غلب، فيقال: غلب موسى وهارون، فتقول: آمنت برب موسى وهارون، فأرسَل إليها فرعون، فقال: أنظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، ، وإن رجعت عن قولها فهي [امرأتي].
فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصَرَت بيتها في الجنة فمضت على قولها، فانتزع الله روحها وألقيت الصخرة على جسدها ليس فيه روح ".
قال قتادة: " أعتى أهل الأرض (على الله) وأبعده من الله، فوالله ما ضرَّ امرأَتَهُ كُفُور زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حَكَمٌ عَدلٌ لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه ".
- ثم قال: ﴿وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا...﴾.
أي: وضرب الله مثلاً للذين آمنوا مريم التي منعت جَيْبَ درعها جِبرِيل، وَكُلَّ ما كان في الدرع من فَتق أو خَرْقٍ فإنه يسمى فرجاً (وكذلك كل) [صَدع] أو شق
7584
في حائظ أو سقف فهو فرج.
- ثم قال تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا...﴾.
(أي): فنفخنا في جيب درعها من جبريل عليه السلام.
وقيل: معناه: فجعلنا في الجيب من الروح الذي لنا أي: الذي نملكه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا...﴾.
[أي: وآمنت] بعيسى وهو كلمة الله، وبالكتاب الذي أنزل عليه وقبله، وهي كملة الله، هي التوراة والإنجيل.
7585
ثم قال: ﴿وَكَانَتْ مِنَ القانتين﴾.
أي: من المطيعين، أي:
من القوم المطيعين. (داود بن إسحاق).
7586

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الملك
مكية
روى جابر بن عبد الله أن النبي - عليه السلام - كان لا ينام حتى يقرأ: "تنزيل السجدة" و (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) و [كان] يقول: هما يفضلان كل سورة بسبعين حسنة، فمن قرأهما كتبت له سبعون حسنة، ومحي سبعون سيئة، ورفع له سبعون درجة.
7587
ومعنى "يفضلان " أي: يعطي الله على قراءتهما من الأجر أكثر مما يعطي على غيرهما، لأن بعض القرآن أفضل من بعض، فافهمه.
قال ابن مسعود: من قرأ سورة الملك فقد أكثر وأطيب.
وقال: هي المجادلة جادلت عن رجل كان يقرؤها.
وعنه أنه قال: من قرأ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) كل ليلة وقاه الله فتنة القبر.
وقاله كعب. وذكر أنه يجدها في التوراة كذلك.
وروى أبو هريرة [عن] النبي - ﷺ - أنه قال: "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي "تبارك الذي بيده الملك".
وعن ابن مسعود أنه قال: يُؤْتى الرجل من قبل رجليه -يعني في القبر-، قال: فيقول رجلاه: ليس (لكما) على ما قِبَلي سبيل، إنه كان يقوم على سورة الملك. فيوتى من قبل وسطه فيسأل، فيقول بطنه: ليس لكما على ما قبلي سبيل، إنه كان قد وَعَى في
7588
Icon