ﰡ
إن قلتَ : القرآن ليس بمجعول، لأن الجَعْل هو الخلق، فلم لم يقل : قلناه، أو أنزلناه( ١ ) ؟
قلتُ : الجَعْلُ يأتي بمعنى القول أيضا، كقوله تعالى :﴿ ويجعلون لله البنات ﴾ [ النحل : ٥٧ ] وقوله :﴿ وجعلوا لله أندادا ﴾ [ إبراهيم : ٣٠ ].
قاله هنا بلفظ ﴿ يخرصون ﴾ وفي الجاثية بلفظ ﴿ يظنّون ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] لأن ما هنا متّصل بقوله :﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي قالوا : الملائكة بنات الله، وإن الله قد شاء منّا عبادتنا إيّاهن، وهذا كذب، فناسبه ﴿ يخرصون ﴾ أي يكذبون.
وما هناك متصل بخلطهم الصّدق بالكذب، فإنّ قولهم ﴿ نموت ونحيا ﴾ [ المؤمنون : ٣٧ ] صدق، وكذبوا في إنكارهم البعث، وقولهم :﴿ وما يهلكنا إلا الدّهر ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] فناسبه ﴿ يظنون ﴾ أي يشكّون فيما يقولون.
قاله هنا بلفظ ﴿ مهتدون ﴾ وبعده بلفظ ﴿ مقتدون ﴾( ١ ) لأن الأول وقع في محاجّتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وادّعائهم أن آباءهم كانوا مهتدين، وأنهم مهتدون كآبائهم، فناسبه ﴿ مهتدون ﴾ والثاني وقع حكاية عن قوم، ادّعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء، فناسبه ﴿ مقتدون ﴾.
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلق أحدا من الرسل، حتى يسأله ؟ !
قلتُ : فيه إضمار تقديره : واسأل أتباع أو أمم من أرسلنا، أو هو مجاز عن النظر في أديانهم، والبحث عن مِللهم، هل فيها ذلك ؟
أو اسأل المرسلين ليلة الإسراء( ١ )، فإنه لقيهم وأمًّهم في مسجد بيت المقدس، وقال بعد أن نزلت عليه هذه الآية بعد سلامه :( لا أسأل قد كُفيتُ ).
كأن المراد بالأمر بالسؤال، التقريب لمشركي قريش، أنه لم يأت رسول من الله، ولا كتاب، بعبادة غير الله.
إن قلتَ : كيف قال عيسى عليه السلام لأمته ذلك، مع أن كل نبيّ يلزمه أن يبيّن لأمته كلّ ما يختلفون فيه ؟
قلتُ : المراد أنه يبيّن لهم مما اختلفوا فيه، ما يحتاجونه دون ما لا يحتاجونه ؟ أو المراد بالبعض الكلّ، كما مرّ نظيره في غافر( ١ ).
فائدة ذكر ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ بعد ﴿ بغتة ﴾ أي فجأة، أن الساعة تأتيهم وهم غافلون، مشغولون بأمور دنياهم، كما قال تعالى :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون ﴾ [ يس : ٤٩ ] فلولا قوله :﴿ لا يشعرون ﴾ لجاز أن تأتيهم بغتة، وهم يقظون حذرون، مستعدّون لها.
إن قلتَ : كيف وصف أهل النار فيها بأنهم مبلسون، والمبلس، هو الآيس من الرحمة والفرج، مع قوله بعدُ ﴿ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] الدالّ على طلبهم الفرج بالموت ؟
قلتُ : وقع كلّ منهما في زمن، لأن أزمنة يوم القيامة متعدّدة.
إن قلتَ : كيف وصف أهل النار فيها بأنهم مبلسون، والمبلس، هو الآيس من الرحمة والفرج، مع قوله بعدُ ﴿ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] الدالّ على طلبهم الفرج بالموت ؟
قلتُ : وقع كلّ منهما في زمن، لأن أزمنة يوم القيامة متعدّدة.
إن قلتَ : هذا يقضى تعدّد الآلهة، لأن النكرة إذا أُعيدت نكرة تعدّدت، كقولك : أنت طالق وطالق ؟
قلتُ : الإله هنا بمعنى المعبود( ١ )، وهو تعالى معبود فيهما، والمغايرة إنما هي بين معبوديته في السماء، ومعبوديته في الأرض، لأن المعبود به من الأمور الإضافية، فيكفي التغاير فيها من أحد الطرفين، فإذا كان العابد في السماء، غير العابد في الأرض، صدق أنّ معبوديته في السماء غير معبوديته في الأرض، مع أن المعبود واحد.