ﰡ
قرأ الأعمش :«إن كنتم » بالكسر، وقرأ عاصم والحسن :«أنْ كنتم » بفتح ( أنْ ) [ ١٦٩/ا ]، كأنهم أرادوا شيئا ماضيا، وأنت تقول في الكلام : أأسُبَّك أن حرمتني ؟ تريد إذ حرمتني، وتكسر إِذا أردت أأسبك إن حرمتني، ومثله :﴿ ولاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنانُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكم ﴾ تكسر ( إن ) وتفتح.
ومثله :﴿ فلعلَّك باخعٌ نفسك على آثارِهم ﴾ «إن لم يؤمنوا »، و " أن لم يؤمنوا »، والعرب تنشد قول الفرزدق.
أتجزع إن أذنا قتيبة حزتا | جهاراً، ولم تجزع لقتل ابن خازم ؟ |
أتجزع أن بان الخليط المودّع | وجبل الصفا من عزة المتقطع ؟ |
يقول القائل : كيف قال :«على ظهوره »، فأضاف الظهور إلى واحد ؟
يقال له : إن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قال :
فهلا قلت : لتستووا على ظهره، فجعلت الظهر واحداً إذا أضفته إلى واحد ؟
قلت : إن الواحد فيه معنى الجمع، فرددت الظهور إلى المعنى ولم تقل : ظهره، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول : قد كثرت نساء الجند، وقلت : ورفع الجند أعينه ولا تقل عينه. وكذلك كل ما أضفت إليه من الأسماء الموضوعة، فأَخْرِجها على الجمع، فإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده مثل قولك : رفع الجند صوته وأصواته أجود، وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الإثنين إلا كصورته في الواحد.
وقوله :﴿ وَما كُنا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾.
مطيقين، تقول للرجل : قد أقرنتَ لهذا أي أطقتَه، وصرتَ له قرِنا.
الفعل للوجه، فلذلك نصبت الفعل، ولو جعلت «ظلّ » للرجل رفعت الوجه والمسود، فقلت : ظل وجهه مسودٌّ وهو كظيم.
يريد الإناث، يقول : خصصتم الرحمن بالبنات، وأنتم هكذا إِذا ولد لأحدكم بنت أصابه ما وَصَف، فأما قوله :﴿ أومَنْ ﴾ فكأنه قال : ومن لا ينشأ إلاّ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، يقول : لا يبلغ من الحجة ما يبلغ الرجل، وفي قراءة عبد الله :«أَوَمَنْ لا يُنَشَّأُ إلاّ في الْحِلْيَةِ »، فإن شئت [ ١٦٩/ب ] جعلت «مَن » في موضع رفع على الاستئناف، وإن شئت نصبتها على إِضمار فعل يجعلون ونحوه، وإن رددتها على أول الكلام على قوله :«وإِذَ بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ » خفضتها [ وإن شئت نصبتها ]، وقرأ يحيى بن وثاب وأصحاب عبد الله والحسن البصري :«يُنَشَّأُ »، وقرأ عاصم وأهل الحجازَ : ينْشَأُ في الحلية.
قرأها عبد الله بن مسعود وعلقمة، وأصحاب عبد الله :«عباد الرحمن »، وذكر [ عن ] عمر ( رحمه الله ) أنه قرأها :«عند الرحمن »، وكذلك عاصم، وأهل الحجاز، وكأنهم أخذوا ذلك من قوله :﴿ إنَّ الذين عِنْد رَبِّك لا يَسْتَكْبِرُون عَنْ عِبادَتهِ ﴾ وكل صواب.
وقوله :﴿ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾.
نصب الألف من «أشهدوا » عاصم، والأعمش، ورفعها أهل الحجاز على تأويل : أُشْهدوا خلقهم ؛ لأنه لم يسم فاعله، والمعنى واحد. قرءوا بغير همز يريدون الاستفهام قال أبو عبد الله : كذا قال الفراء.
قرأها القراء بضم الأَلف من «أُمّة »، وكسرها مجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وكأن الإمّة مثل السنة والملة، وكأن الإمّة الطريقة : والمصدر من أممت القوم، فإن العرب تقول : ما أحسن إمته وعمّته وجِلْسته إذا كان مصدرا، والإمة أيضا الملك والنعيم. قال عدي :
ثم بعْدَ الفلاحِ والمُلكِ والإمّة | وارثهمُ هناك القبورُ |
وقوله :﴿ وَإِنا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ و ﴿ مُّقْتَدُونَ ﴾.
رُفعتا ولو كانتا نصبا لجاز ذلك ؛ لأنّ الوقوف يحسن دونهما، فتقول للرجل : قدمت ونحن بالأثر متبعين ومتبعون.
العرب تقول : نحن منك البراء والخلا، والواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر يقال فيه : براء ؛ لأنه مصدر، ولو قال :( برئ ) لقيل في الاثنين : بريئان، وفي القوم : بريئون وبرءاء، وهي في قراءة عبد الله :«إنَّني بَرِيءٌ مِّما تَعْبُدُون » ولو قرأها قارئ كان صوابا موافقا لقراءتنا ؛ لأَن العرب تكتب : يستهزئ يستهزأ فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف في كل حالاتها. يكتبون شيء شيأ ومثله كثير في مصاحف عبد الله، وفي مصحفنا : ويهيئ لكم، ويهيأ بالأَلف.
اسم الإسلام، يقول لازمة لمن اتبعه، وكان من وَلَدِه، لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين إذا كانوا من ولد إبراهيم صلى الله عليه، فذلك قوله :﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إلى دينك ودين إبراهيم صلى الله عليهما.
ومعناه : على أحد رجلين عنَى نفسه. وأبا مسعود الثقفي، وقال هذا الوليدُ بن المغيرة المخزومي، والقريتان : مكة والطائف.
فرفعنا المولى فوق عبده، وجعلنا بعضهم يسبى بعضا، فيكون العبد والذي يُسْبَى مسخَّرين لمن فوقهما.
وقوله :﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾، و«سِخْرِيّاً » وهما واحد هاهنا وفي :
«قد أفلح »، وفي ص - سواء الكسر فيهن والضم لغتان.
أن في موضع رفع.
وقوله :﴿ لَّجَعَلْنا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ ﴾.
إن شئت جعلت اللام مكررة في لبيوتهم، كما قال :﴿ يسَأَلُونكَ عن الشَّهرِ الْحَرامِ قِتَالٍ فيه ﴾، وإِن شئت جعلت اللامين مختلفتين كأنّ الثانية في معنى على كأنه قال : لجعلنا لهم على بيوتهم سقفاً، وتقول للرجل في وجهه : جعلت لك لقومك الأعطية، أي جعلته من أجلك لهم.
و ( السُّقُف ) قرأها عاصم والأعمش والحسن «سُقُفاً » وإن شئت جعلت واحدها سقيفة، وإن شئت جعلت سقوفا، فتكون جمع الجمع كما قال الشاعر :
حتى بلت حلاقيم الحُلُق | أهوى لأدْنى فقرة على شفق |
وهو الذهب، وجاء في التفسير نجعلها لهم من فضة ومن زخرف، فإذا ألقيت من الزخرف نصبته على الفعل توقعه عليه أي وزخرفا، تجعل ذلك لهم منه، وقال آخرون : ونجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى مقصور فهو أشبه الوجهين بالصواب.
يريد : ومن يعرض عنه، ومن قرأها :«ومن يَعْشَ عن » يريد : يَعْمَ عنه.
يريد الشيطان وهو في [ ١٧٠/ب ] مذهب جمع، وإِن كان قد لفظ به واحدا يقول : وإِن الشياطين ليصدونهم عن السبيل ويحسبون هم أنهم مهتدون.
فيقتل :( جاءنا ) لأحدهما، وجاءنا الإنسي وقرينه، فقرأها جاءانا بالتثنية عاصم والسُّلَمي والحسن وقرأها أصحاب عبد الله يحيى بن وثاب وإبراهيم بن يزيد النخعي ( جاءنا ) على التوحيد، وهو ما يكفي واحده من اثنيه، ومثله قراءة من قرأ ﴿ كَلاَّ لَيُنْبَذَانِّ ﴾، يقول : ينبذ هو وماله، ( ولَيُنبّذَنَّ ) والمعنى واحد.
وقوله :﴿ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ﴾.
يريد : ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال : إِنه أراد المشرق والمغرب : فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب ؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال : قد جاءك الزهدمان، وإِنما أحدهما زهدم، قال الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكمُ | لنا قمراها والنجوم الطوالع |
وقال الآخر :
قسموا البلاد فما بها لمقيلهم | تضغيث مفتصل يباع فصيله |
فقرى العراق مسير يوم واحد | فالبصرتان فواسط تكميله |
قال، وأنشدني رجل من طيء :
فبصرة الأزد منا، والعراق لنا | والموصلان ومنا مصر فالحرم |
يقول : لن ينفعكم اشتراككم يعني [ الشيطان ] وقرينه. وأنكم في موضع رفع.
لَشَرف لك ولقومك، يعنى : القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه.
يقول القائل : وكيف أمر أن يسأل رسلا قد مضوا ؟ ففيه وجهان :
أحدهما : أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إِنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها فإذا [ سأل ] الكتب فكأنه سأل الأنبياء.
وقال بعضهم : إنه سيسرى بك يا محمد فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه وسلم ولم يسلهم.
وقوله :[ ١٧١/ا ] ﴿ أَجَعَلْنا مِن دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾.
قال :﴿ يُعبَدون ﴾ للآلهة، ولم يقل : تعبد ولا يُعْبَدن، وذلك أن الآلهة تُكلَّم ويدعّى لها وتعظَّم، فأُجريت مُجرى الملوك والأمراء وما أشبههم.
يريد : من الآية التي مضت قبلها.
من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله :﴿ أَلَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ ﴾.
[ حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : وقد أخبرني بعض المشيخة أظنه الكسائي : أنه بلغه أن بعض القراء قرأ :«أَما أنا خير »، وقال لي هذا الشيخ : لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى.
يريد : فهلا ألقى عليه أساورة من ذهب، قرأها يحيى بن وثاب «أساورة من ذهب »، وأهل المدينة، وذكر عن الحسن :«أَسْوِرة »، وكل صواب.
ومن قرأ :«أساورة »، جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ :«أسورة » فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقول في جمع : الأسقية : أساقي، وفي جمع الأَكرُع : أكارع.
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب أنه قرأها :«سُلُفا » مضمومة مثقلة، وزعم القاسم [ ابن معن ] أنه سمع واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون :«سَلَفاً ».
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] حدثنا الفراء قال : حدثنا سفيان بن عيينة أن الأعرج قرأها :«فجعلناهم سُلُفا » كأن واحدته سُلفة من الناس أي قطعة من الناس مثل أمّة.
[ حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني أبو بكر بن عياش عن عاصم : أنه ترك يَصُدون من قراءة أبي عبد الرحمن، وقرأ يصِدون. ( قال الفراء )، وقال أبو بكر حدثني عاصم عن أبي رزين عن أبى يحيى : أن ابن عباس [ ١٧١/ب ] قرأ :( يَصِدون ) أي : يضجون يعِجون.
وفي حديث آخر : أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير فقال : إن ابن عمك لعربي ؛ فما له يلحن في قوله :﴿ إذا قومك منه يصُدون ﴾ إنما هي يصِدون، العرب تقول : يصِد ويصُد مثل : يشِد ويشُد، وينمِ وينُم من النميم. يصدون منه وعنه سواء.
وهي في قراءة أهل المدينة :«يا عبادي ». بإثبات الياء، والكلام وقراءة العوام على حذف الياء.
والكوب : المستدير الرأس الذي لا أذن له، قال عدي :
خيرٌ لها إن خشيت حجرة *** من ربِّها زيدٍ بن أيوبِ
متكئا تصفق أبوابه *** يَسقِي عليه العبد بالكوب
وقوله :﴿ تَشْتَهي الأَنْفُس ﴾، وفي مصاحف أهل المدينة : تشتهيهِ الأنفسُ وتلدُّ.
وفي قراءة عبد الله :«وهُم فيها مُبلسون »، ذهب إلى جهنم، والمبلس : القانط اليائس من النجاة.
جعلت ( هم ) ها هنا عمادا، فنصب الظالمين، ومن جعلها اسما رفع، وهي في قراءة عبد الله :( ولكن كانُوا هُم الظَّالمون ).
يريد : أبرموا أمرا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم، فإنا مبرمون معذبوهم.
خفضها عاصم والسلمي وحمزة وبعض أصحاب عبد الله، ونصبها أهل المدينة والحسن فيما أعلم فمن خفضها قال :«عنده علم الساعة » وعلم «قيله يا رب ». ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال : وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهي في إحدى القراءتين [ ١٧٢/ا ] قال الفراء : لا أعلمها إلا في قراءة أبى، لأني رأيتها في بعض مصاحف عبد الله [ على ] وقيله، ونصبها أيضا يجوز من قوله :«نسمع سرهم ونجواهم »، ونسمع قيله، ولو قال قائل : وقيلُه رفعا كان جائزا، كما تقول : ونداؤه هذه الكلمة : يا رب، ثم قال :«فاصفَحْ عَنْهُمْ »، فوصله بدعائه كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
رفع سلام بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان : وقل سلاما كان صوابا، كما قال :﴿ قالوا سَلاَما قال سَلاَمٌ ﴾.