تفسير سورة سورة القصص من كتاب معاني القرآن
.
لمؤلفه
الفراء
.
المتوفي سنة 207 هـ
ﰡ
وقوله :﴿ وَيُري فِرْعَوْنُ وَهامانَ وَجُنُودُهُما٦ ﴾
هكذا قراءة أصْحاب عَبد الله باليَاء والرفع. والناسُ بعدُ يقرءونها بالنُّون :﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما ﴾ بالنصب. ولو قرئِت باليَاء ونصب فرعون، يريد :﴿ ويُرِيَ اللهُ فرعون ﴾ كان الفعْل لله. ولم أسمع أحداً قرأ به.
هكذا قراءة أصْحاب عَبد الله باليَاء والرفع. والناسُ بعدُ يقرءونها بالنُّون :﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما ﴾ بالنصب. ولو قرئِت باليَاء ونصب فرعون، يريد :﴿ ويُرِيَ اللهُ فرعون ﴾ كان الفعْل لله. ولم أسمع أحداً قرأ به.
وقوله :﴿ عَدُوّاً وَحَزَنا٨ ﴾ هذه لأصحاب عبد الله والعوامُّ ﴿ حَزَنا ﴾ وكأن الحُزْن الاسمُ والغَمّ وَما أشبهه، وكأنّ الحَزَن مصدر. وهما بمنزلة العُدْم والعَدَم.
وقوله :﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ٩ ﴾
رفعت ﴿ قُرّةُ عَيْنٍ ﴾ بإضمار ( هو ) ومثلُه في القرآن كثير يُرفعُ بالضمير.
وقوله :﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ ﴾ وفي قراءة عبد الله ( لا تقتلوه قُرَّةُ عين لي ولك ) وإنما ذكرت هذا لأني سمعت الذي يقال له ابنُ مَرْوَانَ السُّدّيّ يذكر عن الكلبيّ عن أبى صَالح عن ابن عبّاس أنه قال : إنها قالت ( قُرَّةَ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ ) وهو لَحْنٌ. ويقوّيك على رَدّه قراءة عبد الله.
وقوله :﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ يعنى بني إسرائيل. فهذا وجْه. وَيَجوز أن يكون هذا مِنْ قول الله. وهم لا يشعرونَ بأن موسى هو الذي يسلبهم مُلكهم.
رفعت ﴿ قُرّةُ عَيْنٍ ﴾ بإضمار ( هو ) ومثلُه في القرآن كثير يُرفعُ بالضمير.
وقوله :﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ ﴾ وفي قراءة عبد الله ( لا تقتلوه قُرَّةُ عين لي ولك ) وإنما ذكرت هذا لأني سمعت الذي يقال له ابنُ مَرْوَانَ السُّدّيّ يذكر عن الكلبيّ عن أبى صَالح عن ابن عبّاس أنه قال : إنها قالت ( قُرَّةَ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ ) وهو لَحْنٌ. ويقوّيك على رَدّه قراءة عبد الله.
وقوله :﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ يعنى بني إسرائيل. فهذا وجْه. وَيَجوز أن يكون هذا مِنْ قول الله. وهم لا يشعرونَ بأن موسى هو الذي يسلبهم مُلكهم.
وقوله :﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً١٠ ﴾
قد فَرَغ لهمّه، فليس يَخلط هَمَّ موسَى شيء وقوله ﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ يعنى باسم موسَى أنه ابنُها وذلك أن صدرها ضاق بقول آلِ فرعونَ : هو ابن فرعون، فكادت تُبدى [ به ] أي تظهره. وفي قراءة عَبد الله ﴿ إن كادت لَتُشعِرُ بِهِ ﴾ وحدّثنا أبو العَبَّاس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال : حدَّثني ابن أبي يحيى بإسْنادٍ له أن فَضَالة بن عُبَيد الأنصاريّ من أصْحاب النبيّ عَليه السَّلام قرأ ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعاً ) من الفزَع.
قد فَرَغ لهمّه، فليس يَخلط هَمَّ موسَى شيء وقوله ﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ يعنى باسم موسَى أنه ابنُها وذلك أن صدرها ضاق بقول آلِ فرعونَ : هو ابن فرعون، فكادت تُبدى [ به ] أي تظهره. وفي قراءة عَبد الله ﴿ إن كادت لَتُشعِرُ بِهِ ﴾ وحدّثنا أبو العَبَّاس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال : حدَّثني ابن أبي يحيى بإسْنادٍ له أن فَضَالة بن عُبَيد الأنصاريّ من أصْحاب النبيّ عَليه السَّلام قرأ ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعاً ) من الفزَع.
وقوله :﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ١١ ﴾ قُصّي أثَره. ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ﴾. يقول : كَانت على شَاطِئ البحر حَتَّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وَقوله ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ يعنى آل فرعون لا يشعرون بأُخته.
وقوله :﴿ وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ١٢ ﴾ يقول : منعناه من قبول ثدْي إِلاَّ ثدي أُمّه.
وقوله :﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ على حِينِ غَفْلَةٍ١٥ ﴾
وإنما قال ( على ) ولم يقل : ودخل المدينة حينَ غفلة، وأنت تقول : دخلت المدينةَ حين غَفَل أهلها، ولا تقول : دخلتها على حينَ غَفَل أهلها. وذلك أنّ الغفلَة كانت تُجزئ من الحين، ألا ترى أنك تقول : دخلت على غفلةٍ وجئت على غفلة، فلما كان ( حين ) كالفضل في الكلامُ، والمعنى : في غفلة أدخلت فيه ( على ) ولو لم تكن كانَ صَواباً. ومثله قَوْل الله ﴿ على فَتْرَةٍ مِنَ الرُسُلِ ﴾ ولو كان على حِين فترةٍ من الرسل لكان بمنزلة هذا. ومثله قوله العجَيز :
كذلك أنشدني العُقَيليُّ. فالعَام الأول فَضْل.
وقوله :﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ يريد : فَلَكزه. وفي قراءة عبد الله ﴿ فَنكَزهُ ﴾ ووَهَزه أيضاً لغة. كلٌّ سَوَاء. وقوله ﴿ فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ يعنى قَتَله.
وندِم موسَى فاستغفر اللهَ فغفر له.
وإنما قال ( على ) ولم يقل : ودخل المدينة حينَ غفلة، وأنت تقول : دخلت المدينةَ حين غَفَل أهلها، ولا تقول : دخلتها على حينَ غَفَل أهلها. وذلك أنّ الغفلَة كانت تُجزئ من الحين، ألا ترى أنك تقول : دخلت على غفلةٍ وجئت على غفلة، فلما كان ( حين ) كالفضل في الكلامُ، والمعنى : في غفلة أدخلت فيه ( على ) ولو لم تكن كانَ صَواباً. ومثله قَوْل الله ﴿ على فَتْرَةٍ مِنَ الرُسُلِ ﴾ ولو كان على حِين فترةٍ من الرسل لكان بمنزلة هذا. ومثله قوله العجَيز :
..... ومن يكن | فتى عامَ عام الماء فهْو كبير |
وقوله :﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ يريد : فَلَكزه. وفي قراءة عبد الله ﴿ فَنكَزهُ ﴾ ووَهَزه أيضاً لغة. كلٌّ سَوَاء. وقوله ﴿ فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ يعنى قَتَله.
وندِم موسَى فاستغفر اللهَ فغفر له.
وقوله :﴿ قَالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ علي فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ١٧ ﴾
قال ابن عبّاس : لم يَستَثن فابتُلِي، فجَعَل ( لَنْ ) خَبَراً لموسَى. وفي قراءة عَبد الله ( فَلاَ تَجْعَلْنِي ظَهِيراً ) فقد تكون ﴿ لَنْ أَكُونَ ﴾ على هَذَا المعْنى دُعاء منْ مُوسَى : اللهمّ لن أكون لَهُمْ ظهيراً فيكونُ دعاء وذلك أنَّ الذي من شِيعته لقيه رجل بعد قتله الأوَّلَ فتسخّر الذي من شيعة موسى، فمرّ به موسى على تلك الحال فاسْتصرخه - يعنى اسْتغاثه - فقال له موسى :﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ أي قد قتَلتُ بالأمس رجلا فتَدعوني إلى آخر. وأقبلَ إليهما فظنَّ الذي من شيعتِه أنه يريده. فَقَالَ ﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ﴾ ولم يكن فرعون علم مَن قتل القبطيّ الأوَّل. فترك القبطي الثاني صَاحبَ مُوسى من يده وأخبر بأن موسى القاتلُ. فذلك قول ابن عَبَّاسٍ : فابتلي بأن صَاحبه الذي دَلّ عليه.
قال ابن عبّاس : لم يَستَثن فابتُلِي، فجَعَل ( لَنْ ) خَبَراً لموسَى. وفي قراءة عَبد الله ( فَلاَ تَجْعَلْنِي ظَهِيراً ) فقد تكون ﴿ لَنْ أَكُونَ ﴾ على هَذَا المعْنى دُعاء منْ مُوسَى : اللهمّ لن أكون لَهُمْ ظهيراً فيكونُ دعاء وذلك أنَّ الذي من شِيعته لقيه رجل بعد قتله الأوَّلَ فتسخّر الذي من شيعة موسى، فمرّ به موسى على تلك الحال فاسْتصرخه - يعنى اسْتغاثه - فقال له موسى :﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ أي قد قتَلتُ بالأمس رجلا فتَدعوني إلى آخر. وأقبلَ إليهما فظنَّ الذي من شيعتِه أنه يريده. فَقَالَ ﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ﴾ ولم يكن فرعون علم مَن قتل القبطيّ الأوَّل. فترك القبطي الثاني صَاحبَ مُوسى من يده وأخبر بأن موسى القاتلُ. فذلك قول ابن عَبَّاسٍ : فابتلي بأن صَاحبه الذي دَلّ عليه.
وقوله :﴿ وَلَما تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ٢٢ ﴾
يريد : قَصد ماء مَدْيَن. ومَدْين لم تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر :
وقوله :﴿ أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ : الطريق إلى مَدْين ولم يكن هادياً لِطريقها.
يريد : قَصد ماء مَدْيَن. ومَدْين لم تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر :
رُهبانُ مَدْيَن لو رأوكِ تَنَزَّلُوا | والعُصْمُ من شَعَفِ العقول الفادر |
وقوله عَزّ وَجَلّ :﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ٢٣ ﴾ :
تحبسَان غنمهما. ولا يجوز أن تقول ذُدْتُ الرجل : حبسته. وإنما كان الذِّياد حَبْساً للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يَشِذّ ويذهب فرددته فذلك ذَوْد، وهو الحبس. وفي قراءة عَبْدِ الله ( وَدُونَهُمُ امْرَأَتَانِ حابِسَتَانِ ) فَسألهُما عن حبسهما فقالتا : لا نقوى على السقْي مع الناس حتى يُصْدِروا. فأتى أهل الماء فاسْتوهبهم دَلْواً فقَالُوا : استقِ إن قوِيت، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم. فاستقى هو وحدَهُ، فسَقى غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين ﴿ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِىُّ الأَمِينُ ﴾ فقُوّته إخراجه الدلو وَحْده، وأمانته أنّ إحدى الجاريتين قالت : إن أبي يدعوك، فقامَ معها فمرَّت بين يديه، فطارت الريح بثيابها فألصقتها بجسَدها، فقال لها : تأخّري فإن ضللت فدُلّيني. فمشَتْ خلفه فتلك أمانته.
تحبسَان غنمهما. ولا يجوز أن تقول ذُدْتُ الرجل : حبسته. وإنما كان الذِّياد حَبْساً للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يَشِذّ ويذهب فرددته فذلك ذَوْد، وهو الحبس. وفي قراءة عَبْدِ الله ( وَدُونَهُمُ امْرَأَتَانِ حابِسَتَانِ ) فَسألهُما عن حبسهما فقالتا : لا نقوى على السقْي مع الناس حتى يُصْدِروا. فأتى أهل الماء فاسْتوهبهم دَلْواً فقَالُوا : استقِ إن قوِيت، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم. فاستقى هو وحدَهُ، فسَقى غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين ﴿ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِىُّ الأَمِينُ ﴾ فقُوّته إخراجه الدلو وَحْده، وأمانته أنّ إحدى الجاريتين قالت : إن أبي يدعوك، فقامَ معها فمرَّت بين يديه، فطارت الريح بثيابها فألصقتها بجسَدها، فقال لها : تأخّري فإن ضللت فدُلّيني. فمشَتْ خلفه فتلك أمانته.
وقوله :﴿ على أَن تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ٢٧ ﴾ يقول : أن تجعل ثوابي أن ترعَى عليّ غنمي ثماني حجج ﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ﴾ يقول : فهو تطوّع. فذَكر ابن عباس أنه قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.
وقوله :﴿ أَيَّما الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ٢٨ ﴾
فجعل ( ما ) وهي صلة من صلات الجزاء مع ( أي ) وهي في قراءة عبد الله ( أي الأجلين ما قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عليّ ) وهذا أكثر في كلام العرب من الأوَّل.
وقال الشاعر :
وسمع الكسائي أَعرابيّاً يقول : فأيُّهم ما أخذها ركِب على أيِّهم، يريد في لُعْبة لهم. وذلك جائز أيضاً حسن.
فجعل ( ما ) وهي صلة من صلات الجزاء مع ( أي ) وهي في قراءة عبد الله ( أي الأجلين ما قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عليّ ) وهذا أكثر في كلام العرب من الأوَّل.
وقال الشاعر :
وأيَّهما ما أتْبَعَنَّ فإنني | حَريصٌ على إثْرِ الذي أنا تابعُ |
وقوله :﴿ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النارِ٢٩ ﴾ قرأها عاصم ( أَوْ جَذْوَةٍ ) بالفتح والقراءة بكسر الجيم أو ١٤٠ ا برفعها. وهي مثل أوطأتك عِشوةً وعُشوةً وعَشَوة والرّغوة والرُّغوة والرِّغْوة. ومنه رَبْوةً ورُبْوة ورِبْوة.
وقوله :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرُّهْبِ٣٢ ﴾ و﴿ الرَّهَبِ ﴾ قرأها أهل المدينة ﴿ الرّهَب ﴾ وَعَاصم والأعمش ( الرُّهْبِ ).
وقوله :﴿ فَذَانِكَ بُرْهانانِ ٣٢ ﴾ اجتمع القراء على تخفيف النون من ﴿ ذَانِكَ ﴾ وكثير من العرب يقول ﴿ فذانّك ﴾ و ﴿ وهذانّ ﴾ قائمان ﴿ واللذانِّ يأْتِيانها مِنْكُمْ ﴾ فيشدِّدون النون.
وقوله :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ ﴾ يريد عَصَاه في هذا الموضع. والجَناح في الموضع الآخر : ما بين أسْفل العَضد إلى الرُّفْغ وهو الإبْط.
وقوله :﴿ فَذَانِكَ بُرْهانانِ ٣٢ ﴾ اجتمع القراء على تخفيف النون من ﴿ ذَانِكَ ﴾ وكثير من العرب يقول ﴿ فذانّك ﴾ و ﴿ وهذانّ ﴾ قائمان ﴿ واللذانِّ يأْتِيانها مِنْكُمْ ﴾ فيشدِّدون النون.
وقوله :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ ﴾ يريد عَصَاه في هذا الموضع. والجَناح في الموضع الآخر : ما بين أسْفل العَضد إلى الرُّفْغ وهو الإبْط.
وقوله :﴿ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي٣٤ ﴾ تقرأ جزما ورفعاً. مَن رفعها جعلها صلة للردْءِ ومن جزم فعلى الشرط. والرِّدْءُ : العَوْن. تقول : أردأت الرجل : أعنته. وأهل المدينة يقولونَ ( رِداً يُصّدِّقْنِي ) بغير همزٍ والجزم على الشرط : أرسِله معي يصَدِّقْني مثل ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِث ﴾.
وقوله :﴿ فَأَوْقِدْ لِي ياهامانُ على الطِّينِ٣٨ ﴾ يقول : اطبخ لي الآجُر وهو الأجُور والآجُرّ. وأنشد :
كأنَّ عينيه من الغُؤور *** قَلْتان في جَوف صَفاً منقور
عُولى بالطين وبالأجور ***...
كأنَّ عينيه من الغُؤور *** قَلْتان في جَوف صَفاً منقور
عُولى بالطين وبالأجور ***...
وقوله :﴿ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا٤٨ ﴾ يعنون التوراة والقرآن، ويقال ﴿ سَاحِران تَظَاهَرَا ﴾ يعنونَ محمَّداً وموسى صلى الله عليهما وسلم. وقرأ عاصم والأعمش ( سِحْرانِ ).
حدّثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء، قال : وحدَّثني غير واحدٍ عن إسْماعيل ابن أبي خالد عن أبى رزين أنه قرأ ( سِحْرانِ تَظَاهَرا ).
قال : وقال سفيان بن عَيَينة عن حُميد قال : قال مجاهد : سألت ابن عباس وعنده عِكْرِمة فلم يجبني، فلما كانت في الثالثة قال عكرمة أكثرتَ عليه ( سَاحِرَان تَظَاهَرَا ) فلم ينكر ابن عباس، أو قال : فلو أنكرَها لغيَّرها. وكان عكرمة يقرأ ( سِحْرَانِ ) بغير ألفٍ ويحتجّ بقوله :﴿ قُلْ فأْتُوا بكِتابٍ مِنْ عندِ الله هُوَ أَهْدَى منهما أَتَّبِعْهُ ﴾ وقرأها أهْل المدينة والحسن ( سَاحِرَان تظَاهَرَا ).
حدّثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء، قال : وحدَّثني غير واحدٍ عن إسْماعيل ابن أبي خالد عن أبى رزين أنه قرأ ( سِحْرانِ تَظَاهَرا ).
قال : وقال سفيان بن عَيَينة عن حُميد قال : قال مجاهد : سألت ابن عباس وعنده عِكْرِمة فلم يجبني، فلما كانت في الثالثة قال عكرمة أكثرتَ عليه ( سَاحِرَان تَظَاهَرَا ) فلم ينكر ابن عباس، أو قال : فلو أنكرَها لغيَّرها. وكان عكرمة يقرأ ( سِحْرَانِ ) بغير ألفٍ ويحتجّ بقوله :﴿ قُلْ فأْتُوا بكِتابٍ مِنْ عندِ الله هُوَ أَهْدَى منهما أَتَّبِعْهُ ﴾ وقرأها أهْل المدينة والحسن ( سَاحِرَان تظَاهَرَا ).
وقوله :﴿ أَتَّبِعْهُ٤٩ ﴾ رَفْع لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت - وهو الوجه - جعلته شرطاً للأمر.
وقوله :﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ٥١ ﴾ يقول : أنزلنا عليهم القرآن يَتْبَع بعضُه بعضاً.
وقوله :﴿ إنا كُنا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ٥٣ ﴾ يقال : كيف أَسْلمُوا قبل القرآن وقبل محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك أَنهم كانوا يجدون صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم في كتابهم فصّدَّقوا به. فذلك إسْلامهم.
و ﴿ مِن قَبْلِهِ ﴾ هذه الهاء للنبي عليه السَّلام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صواباً، لأنهم قد قالوا : إنه الحَقُّ من رَبنا، فالهاء ها هنا أيضاً تكون للقرآن ولمحمد صلى الله عليه وسلم.
و ﴿ مِن قَبْلِهِ ﴾ هذه الهاء للنبي عليه السَّلام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صواباً، لأنهم قد قالوا : إنه الحَقُّ من رَبنا، فالهاء ها هنا أيضاً تكون للقرآن ولمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله :﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ٥٦ ﴾ يكون الحبّ على جهتين ها هنا :
إحداهما : إنك لا تهدى مَن تحبَّه للقرابة.
والوجه الآخر يريد : إنك لا تهدى من أحببت أن يَهتَدي ؛ كقولك : إنك لا تهدى من تريد- كما تراه كثيراً في التنزيل- ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يشاء ﴾ أن يهديه.
إحداهما : إنك لا تهدى مَن تحبَّه للقرابة.
والوجه الآخر يريد : إنك لا تهدى من أحببت أن يَهتَدي ؛ كقولك : إنك لا تهدى من تريد- كما تراه كثيراً في التنزيل- ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يشاء ﴾ أن يهديه.
وقوله :﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَما آمِنا٥٧ ﴾ قالت قريش : يا محمد ؛ ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدّقك إلاّ أن العرب على دِيننا ؛ فنخاف أن نُصطَلم إذا آمنا بك. فأنزل الله ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ ﴾ نسكنهم ﴿ حَرَما آمِنا ﴾ لا يَخاف مَن دخله أن يقام عليه حَدّ ولا قصَاص. فكيف يخافون أن تستحِلّ العَرب قتالهم فيه ؟ !
وقوله :﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ و ﴿ تُجْبَى ﴾ ذُكِّرت يُجْبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قال الشاعر :
وقال آخر :
وقوله :﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ و ﴿ تُجْبَى ﴾ ذُكِّرت يُجْبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قال الشاعر :
١٤٠ ب إنّ امرءًا غَرَّه منكُنَّ واحدُةٌ | بعدي وَبعدك في الدنيا لمغرور |
لقد ولدَ الأُخيطلَ أُمُّ سَوْء | على قِمَع اسْتِها صُلُب وشَامُ |
وقوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها٥٨ ﴾ بطرتها : كفرتها وخَسِرَتْها ونَصبُكَ المعيشة من جهة قوله ﴿ إلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ إنما المعنى والله أعلم - أبطرتها معيشتُها ؛ كما تقول : أبطركَ مالُك وبَطِرتَه، وأسْفهك رأيُكَ فسفِهته. فذُكرت المعيشة لأن الفعل كان لها في الأصل، فحوِّل إلى ما أضيفت إِليه. وكأنّ نصبه كنصب قوله ﴿ فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْساً ﴾ أَلاَ ترى أن الطِيب كان للنفس، فلما حَوَّلته إلى صاحب النفْس خرجتِ النفسُ منصوبة لتفسِّر معنى الطيب. وكذلك ﴿ ضقنا به ذَْرْعاً ﴾ إنما كان المعنى : ضاق به ذَرْعُنا.
وقوله :﴿ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ معناه : خرِبت من بعدهم فلم يُعمر منها إلاّ القليل، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كَأنها سُكنت قليلاً ثم تُركت، والمعنى على ما أنبأتكَ به مثلُه : ما أعطيتكَ دراهمكَ إلاَّ قليلاً، إنما تريد : إلاّ قليلاً منها.
وقوله :﴿ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ معناه : خرِبت من بعدهم فلم يُعمر منها إلاّ القليل، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كَأنها سُكنت قليلاً ثم تُركت، والمعنى على ما أنبأتكَ به مثلُه : ما أعطيتكَ دراهمكَ إلاَّ قليلاً، إنما تريد : إلاّ قليلاً منها.
وقوله :﴿ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها٥٩ ﴾ أُمّ القُرَى مكَّة. وإنما سمّيتْ أمّ القرى لأن الأرض - فيما ذكروا- دُحِيت من تحَتها.
وقوله :﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ٦٦ ﴾ يقول القائل : قال الله ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ﴾ كيف قال هنا :﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ ﴾ فإن التفسير يقول : عَمِيت عليهم الحُجَج يومئذ فسَكَتُوا فذلك قوله ﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ ﴾ في تلك السَّاعة، وهم لا يتكلّمون.
وقوله :﴿ فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ٦٧ ﴾
وكلّ شيء في القرآن من ﴿ عَسَى ﴾ فذُكِر لنا أنها واجبة.
وكلّ شيء في القرآن من ﴿ عَسَى ﴾ فذُكِر لنا أنها واجبة.
وقوله :﴿ ما كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ٦٨ ﴾ يقال الخِيَرَة والخيرَة والطَّيَرة والطَّيَرةُ. والعرب تقول : أَعطِني الخَيْرَة منهن والخِيَرَة وكلّ ذلك الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بهيمة، يَصْلُح إحدى هؤلاء الثلاتِ فيه.
وقوله :﴿ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْلَّيْلَ سَرْمَداً٧١ ﴾ دائما لا نهار معه. ويقولون : تركته سَرْمَداً سمْداً، إتباع.
وقوله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ٧٣ ﴾
إن شئت جَعلت الهاء راجعةً على الليلِ خاصّة وأَضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار، فذلك جَائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنهما ظُلْمة وضوء، فرَجعت الهاء في ( فيه ) عليهما جميعاً، كما تقول : إقبالُك وإدباركَ يُؤذيني ؛ لأنهما فعل والفعل يَرَدّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد، فيكون ذلك صواباً.
إن شئت جَعلت الهاء راجعةً على الليلِ خاصّة وأَضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار، فذلك جَائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنهما ظُلْمة وضوء، فرَجعت الهاء في ( فيه ) عليهما جميعاً، كما تقول : إقبالُك وإدباركَ يُؤذيني ؛ لأنهما فعل والفعل يَرَدّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد، فيكون ذلك صواباً.
وقوله :﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ٧٦ ﴾ وكان ابن عمِّه ﴿ فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ وبَغْيه عليهم أنه قال : إذا كانت النبوّة لموسى، وكان المذبح والقُرْبان الذي يُقَرّب في يد هارون فمالي ؟
وقوله :﴿ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ﴾ نَوؤها بالعُصْبة أن تُثقلهم، والعُصْبة ها هنا أربعون رجلاً ومفاتحه : خزائنه. والمعنى : ما إن مفاتحه لتُنئ العُصْبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم وتُنئ بهم، كما قال ﴿ آتُوني أُفرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ والمعنى : ائتوني بقِطْرٍ افرغ عَليه، فإذا حذفت الباء زدت في الفعل ألِفاً في أوَّله. ومثله ﴿ فَأَجَاءها المَخَاضُ ﴾ معناه : فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربية : إن المعنى : ما إن العُصْبة لتنوءُ بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر :
وهو الذي يَحْلَى بالعين. فان كان سَمع بهذا أثراً فهو وجه. وإلاّ فإنّ الرجل جَهل المعنى. ولقد أنشدني بعض العرب :
يعنى الرامي لما أخذ القوس ونزع مال على شِقِّه. فذلك نَوْؤه عَليها. ونُرى أن قول العرب : ما ساءك وناءك من ذلكَ، ومَعناه ما سَاءك وأناءك، إلا أنّه أَلقى الألِف ؛ لأنه مُتْبَع لساءك، كما قالت العرب : أكلت طعاما فهَنأنِي ومَرَأَني، ومَعْناه، إذا أفردت : وأمرأني، فحذفت منه الألِف لما أن أُتبع ما لا ألفِ فيه.
وقوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ ﴾ ذكروا أن موسى الذي قال له ذلكَ ؛ لأنه من قومه وإن كان على غير دينه. وجمعَه ها هنا وهو وَاحد كقول الله ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الناسُ إنَّ الناسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾ وإنما كان رَجُلاً من أَشْجع وقوله ﴿ الفَرِحين ﴾ وَلو قيلَ : الفارحين كان صواباً، كأنَّ الفارحينَ : الذين يفرحون فيما يَستقبِلون، والفرحين الذين هم فيه السَّاعة، مثل الطامع والطَمِع، والمائت والميّت، والسَّالس والسَّلِس. أنشدَني بعض بنى دُبَير، وهم فصحاء بنى أَسَدٍ :
ممكورةٌ غَرْثي الوشاحِ السَّالِسِ * تضحك عن ذى أُشُر عُضارس
العضارس البارد وهو مأخوذ من العَضْرس وهو البَرْد. يقال : سَالِس وسلِس.
وقوله :﴿ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ﴾ نَوؤها بالعُصْبة أن تُثقلهم، والعُصْبة ها هنا أربعون رجلاً ومفاتحه : خزائنه. والمعنى : ما إن مفاتحه لتُنئ العُصْبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم وتُنئ بهم، كما قال ﴿ آتُوني أُفرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ والمعنى : ائتوني بقِطْرٍ افرغ عَليه، فإذا حذفت الباء زدت في الفعل ألِفاً في أوَّله. ومثله ﴿ فَأَجَاءها المَخَاضُ ﴾ معناه : فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربية : إن المعنى : ما إن العُصْبة لتنوءُ بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر :
إن سراجاً لكريم مفخره | تَحْلَى به العَيْنُ إذا ما تَجْهَرُه |
حتى إذا ما التأمَتْ مَوَاصِلُهْ | وناء في شقٍّ الثِّمالِ كاهِلُهْ |
وقوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ ﴾ ذكروا أن موسى الذي قال له ذلكَ ؛ لأنه من قومه وإن كان على غير دينه. وجمعَه ها هنا وهو وَاحد كقول الله ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الناسُ إنَّ الناسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾ وإنما كان رَجُلاً من أَشْجع وقوله ﴿ الفَرِحين ﴾ وَلو قيلَ : الفارحين كان صواباً، كأنَّ الفارحينَ : الذين يفرحون فيما يَستقبِلون، والفرحين الذين هم فيه السَّاعة، مثل الطامع والطَمِع، والمائت والميّت، والسَّالس والسَّلِس. أنشدَني بعض بنى دُبَير، وهم فصحاء بنى أَسَدٍ :
ممكورةٌ غَرْثي الوشاحِ السَّالِسِ * تضحك عن ذى أُشُر عُضارس
العضارس البارد وهو مأخوذ من العَضْرس وهو البَرْد. يقال : سَالِس وسلِس.
وقوله :﴿ إِنَّما أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِي٧٨ ﴾ : على فَضْلٍ عندي، أي كنت أهله وَمُستحقّا له، إذْ أُعطيته لفضل علمي. ويقال :﴿ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ ﴾ ثم قال ﴿ عِندِي ﴾ أي كذاكَ أَرَى كما قال ﴿ إنَّما أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ بَلْ هي فِتْنةٌ ﴾.
وقوله :﴿ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ يقول : لا يُسأل المجرم عن ذنبه. الهاء والميم للمجرمينَ. يقول : يُعرفون بسيماهم. وهو كقوله :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلاَ جانٌّ ﴾ ثم بيَّن فقال :﴿ يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسيماهُمْ ﴾.
وقوله :﴿ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ يقول : لا يُسأل المجرم عن ذنبه. الهاء والميم للمجرمينَ. يقول : يُعرفون بسيماهم. وهو كقوله :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلاَ جانٌّ ﴾ ثم بيَّن فقال :﴿ يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسيماهُمْ ﴾.
وقوله :﴿ وَلاَ يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ٨٠ ﴾ يقول : ولا يُلَقَّى أن يقول ثواب الله خير لمن آمن وعمل صَالحا إلاّ الصابرونَ. ولو كانت : ولا يُلَقّاهُ لكان صَوباً ؛ لأنه كلام والكلام يُذهب به إِلى التأنيث والتذكير. وفي قراءة عبد الله ( بَلْ هي آيات بيِّنات ) وفي قراءتنا ﴿ بَلْ هُوَ آياتٌ ﴾ فمن قال ( هي ) ذهبَ إلى الآيات، ومَنْ قال ( هو ) ذهَبَ إلى القرآن. وكذلك ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء الغَيْبِ ﴾ و ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاء الغَيْبِ ﴾ ومثله في الكلام : قد غمَّني ذاك وغمَّتني تلك منكَ.
وقوله :﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ٨٢ ﴾ في كلام العرب تقرير. كقول الرجل : أَما ترى إلى صُنع الله. وأنشدني :
قال الفراء : وأخبرني شيخ من أهْل البصرة قال : سَمعت أعرابيَّة تقول لزوجها : أين ابنكَ ويْلكَ ؟ فقال : وَيْكأنّهُ وراء البيت. مَعْناه : أَما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحوّيينَ إلى أنهما كلمتان يريد وَيْكَ أَنَّه، أراد ويلكَ، فحذف اللام وجعل ( أنّ ) مفتوحةً بفعلٍ مضمرٍ، كأنه قال : ويلك أعلم أنه وراء البيت، فأضمر ( اعْلم ). ولم نجد العرب تُعمل الظنّ والعلم بإضمارٍ مضمرٍ في أَنَّ. وذلك أنه يبطل إذا كان بين الْكَلِمَتَين أو في آخِرِ ١٤١ ب الكلمة، فلما أضمره جرى مَجْرى الترك ؛ أَلاَ ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن تقول : يا هَذَا أنكَ قائم، ولا يا هذا أنْ قمت تريد : علِمت أو أعلمُ أو ظننت أو أظنّ. وأما حذف اللام مِنْ ( ويْلك ) حَتى تصير ( ويك ) فقد تقوله العرب لكثرتها في الكلام قَالَ عنترة :
وقد قال آخرونَ : أن معنى ( وَيْ كأنَّ ) أَنّ ( وَيْ ) منفصلة من ( كأنّ ) كقولك للرجل : وَيْ، أما ترى ما بين يديكَ، فقال : وَيْ، ثم استأنف ( كأنّ ) يعنى ﴿ ْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ وهي تعجّب، و ( كأنَّ ) في مذهب الظنّ والعلم. فهذا وجه مُستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلةً، ولو كانت على هذا لكتبوها منفصِلةً. وقد يجوز أن تكون كَثُر بها الكلام فوُصِلت بما ليست منه ؛ كما اجتمعَت العرب على كتاب ﴿ يا بْنَ أُمَّ ﴾ ﴿ يا بْنَؤُمَّ ﴾ قال : وكذا رأيتها في مُصْحف عَبْد الله. وهي في مصاحفنا أيضاً.
وقوله :﴿ لَخَسَفَ بِنا٨٢ ﴾ قراءة العامة ( لَخُسِفَ ) وقد قرأها شَيْبة والحسن - فيما أعْلم - ( لخَسَفَ بنا ) وهي في قراءة عبد الله ( لانْخُسِف بِنا ) فهذا حُجّةٌ لمن قرأ ﴿ لخُسِفَ ﴾.
وَيْكأنْ مَنْ يكن له نَشَبٌ يُح | بَبْ وَمَنْ يَفْتقِر يعش عيشَ ضُرّ |
ولقد شفي نفسي وَأبرأ سُقمها | قولُ الفوارس وَيْكَ عَنْتَرَ أقدِم |
وقوله :﴿ لَخَسَفَ بِنا٨٢ ﴾ قراءة العامة ( لَخُسِفَ ) وقد قرأها شَيْبة والحسن - فيما أعْلم - ( لخَسَفَ بنا ) وهي في قراءة عبد الله ( لانْخُسِف بِنا ) فهذا حُجّةٌ لمن قرأ ﴿ لخُسِفَ ﴾.
وقوله :﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ٨٥ ﴾ يقول : أنزَل عَليكَ القرآن ﴿ لَرَادُّكَ إلَى مَعَاد ﴾ ذكروا أن جبريل قال يا محمَّد أَشتقت إلى مولدكَ ووطنك ؟ قال : نعم. قال فقال له ما أنزل عليه ﴿ إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ يعنى إلى مكَّة. والمَعَاد ها هُنا إنما أراد به حيث وُلِدت وليسَ من العَوْد. وقد يكون أن يجعَل قوله ﴿ لرادُّكَ ﴾ لمصيرك إلى أن تعود إلى مَكَّة مَفتُوحَةً لك فيكون المعاد تَعجّباً ﴿ إلى مَعَادٍ ﴾ أَيِّما مَعَادٍ ! لِما وعده من فتح مكَّة.
وقوله :﴿ وَما كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ٨٦ ﴾ : إلاَّ أن ربَّكَ رحمك ﴿ فأنزل عليك ﴾ فهو استثناء منقطِع. ومعناهُ : وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولينَ وَقِصَصهم تتلوها على أهْل مَكَّة ولم تحضُرها ولم تشهدها. والشاهد على ذلكَ قوله في هَذه السُّورة ﴿ وَما كُنْتَ ثَاوِياً في أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عليهِم آياتِنا ﴾ أي إنك تتلو على أهل مَكَّة قِصَص مَدْيَن وَمُوسى ولم تكن هنالكَ ثاوياً مقيما فنراه وتسمعَه. وكذلك قوله ﴿ وَما كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِيِّ ﴾ وهأنت ذا تتلُو قِصَصهم وأمرهم. فهذه الرَّحمة من ربّه.
وقوله :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ٨٨ ﴾ إلاَّ هُوَ.
وَقال الشاعر :
أي إليه أُوَجّه عَمَلي.
وَقال الشاعر :
أستغفرُ الله ذنباً لَسْتُ مُحْصِيهُ | رَبّ العِبَاد إليه الوَجْهُ وَالْعَمَلُ |