تفسير سورة القصص

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة القصص من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة القصص
آياتها ثمان وثمانون وهي مكية

﴿ طسم١ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ أبان لازم ومتعد يعني ظاهر في كونه من عند الله لإعجازه أو مظهر لأحكامه ومواعيده وما فيها من القصص
﴿ نتلو ﴾ أي نقرأه بقراءة جبرئيل ﴿ عليك ﴾ ويجوز أن يكون نتلوا بمعنى ننزل مجازا ﴿ من نبإ ﴾ أي بعض نبأ ﴿ موسى وفرعون بالحق ﴾ ظرف مستقر حال من نبأ أي مقرونا بالصدق أو من فاعل نتلوا أي محقين أو ظرف لغو متعلق بنتلوا ﴿ لقوم يؤمنون ﴾فإنهم هم المنتفعون
﴿ إن فرعون علا ﴾ أي استكبر وتجبر وتعظم استئناف بيان لذلك البعض ﴿ في الأرض ﴾ أي أرض مصر ﴿ وجعل أهلها ﴾ أي أهل تلك الأرض ﴿ شيعا ﴾ أي فرقا يشيعونه فيما يريد من الخدمة أو يشيع بعضهم بعضا أو فرقا أكرم منهم طائفة وهم القبط وأهان آخرين وهم بنوا إسرائيل أو أصنا فا في الخدمة استعمل كل صنف في عمل أو أحزابا أغرى بينهم العداوة كيلا يتفقوا عليه وفي القاموس شيعة الرجل أتباعه وأنصاره والفرقة على حدة ﴿ يستضعف طائفة منهم ﴾ وهم بنوا إسرائيل الجملة حال من فاعل جعل أو استئناف ﴿ يذبح أبناءهم ﴾ لأن كاهنا قال يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه كذا أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ﴿ ويستحيي نسائهم ﴾ أي يترك بناتهم أحياء بدل من قوله يستضعف سمى ذلك استضعافا لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم ﴿ إنه كان من المفسدين ﴾ ولذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فا سد إذ لا ينفعه القتل سواء صدق الكاهن أو كذب.
﴿ ونريد أن نمن ﴾ أي نفضل ﴿ على الذين استضعفوا في الأرض ﴾ بإنقاذهم من بأسه جملة نريد حكاية حال ماضية معطوفة على إن فرعون علا من حيث أنهما واقعان تفسيرا للنبأ أو حال من فاعل يستضعف بتقدير ونحن نريد أو عطف على يستضعف والرابط بالموصوف وضع المظهر أي الذين استضعفوا موضع الضمير ولا يلزم من مقاربة الإرادة للاستضعاف مقارنة المراد له لكون تعلق الإرادة حينئذ تعلقا استقباليا مع أن منة الله بخلاصهم لما كانت قرينة الوقوع منه جاز أن يجري مجرى المقارن ﴿ ونجعلهم أئمة ﴾ يقتدى بهم في أمر الدين دعاة الخير كذا قال مجاهد وقال قتادة ولاة وملوكا بدليل قوله تعالى :﴿ وجعلكم ملوكا ﴾ ١ ﴿ ونجعلهم الوارثين ﴾ لما كان في ملك فرعون وقومه.
١ سورة المائدة الآية: ٢٠..
﴿ ونمكن لهم في الأرض ﴾ أي أرض مصر والشام وأصل التمكن أن يجعل للشيء مكانا يستقر فيه ثم أستغير للتسليط ونفاذ الأمر ﴿ ونرى فرعون وهامان وجنودهما ﴾ قرأ الأعمش والحمزة والكسائي يرى بالياء مفتوحة فتح الراء وإمالة فتحها ورفع الأسماء الثلاثة على المفعولية ﴿ منهم ﴾ أي من بني إسرائيل ﴿ ما كانوا يحذرون ﴾ والحذر هو التوقى عن الضرر وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل وكانوا على وجل منه فأراهم الله ما كانوا يحذرون.
﴿ وأوحينا إلى أم موسى ﴾ وهي يوخابذ بنت لاوى بن يعقوب عليه السلام كذا ذكر البغوي أجمعوا على انه ليس بوحي نبوة وان النبي لا يكون إلا رجلا قال قتادة قذف في قبلها وهو الإلهام في اصطلاح الصوفية ومن جنسه المنام الصادق الموجب لليقين واطمئنان القلب وهو أيضا من قبيل الإلهام وهذه الآية تدل على أن الإلهام أيضا من أسباب العلم وإن كان علما ظنيا والمعتبر إلهام القلوب الزاكية والنفوس المطمئنة والفرق بين الوسوسة الإلهام بحصول اليقين واطمئنان القلب ﴿ أن أرضعيه ﴾ أن مفسرة لأوحينا لأن فيه معنى القول أو مصدرية يعني أرضعي موسى ما أمكنك إخفاؤه قال البغوي اختلفوا في مدة إرضاع موسى عليه السلام أمه ؟ قيل هي ثمانية أشهر وقيل أربعة أشهر وقيل ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها وهو لا يبكي ولا يتحرك ﴿ فإذا خفت عليه ﴾ بأن يحس به ﴿ فألقيه في اليم ﴾ في البحر يريد النيل ﴿ ولا تخافي ﴾ عليه الضياع ﴿ ولا تحزني ﴾ لفراقه ﴿ إنا رادوه إليك ﴾من قريب بحيث تأمنين عليه ﴿ وجاعلوه من المرسلين ﴾.
روى عطاء والضحاك عن ابن عباس : إن بني إسرائيل لما كث٤ روا بمصر واستطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن ناهم الله على يدي نبيه موسى عليه السلام قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن أم موسى لما دنى ولادتها وكانت قابلة من القوابل اللاتي وكلمهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافيه لأم مولى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها وقالت : قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم قال : فعالجت فلما أن وقع موسى عليه السلام بالأرض هالها نور بين عيني موسى عليه السلام فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى عليه السلام في قلبها ثم قالت : يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه مناونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصر بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته : يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة فوضعته في التنور وهو مسجور فطاش عقلها فلم تعقل فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن فقالوا لها : ما أدخل عليك القابلة ؟ قالت : هي مصافية لي فدخلت علي زائرة فخرجوا من عندها ورجع إليها عقلها فقالت لأخت مولى عليه السلام : فأين الصبي ؟ قالت : لا أدري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه بردا وسلاما فاحتملته.
قال ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتا ثم تقذف التابوت في اليم وهو النيل فانطلقت إلى رجل من قوم فرعون نجار فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت ابن لي أخبأه في التابوت وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون فلما اشترت التابوت وحملته فانطلقت إنطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله تعالى فلم يطق الكلام وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق أيضا يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئا فضربوه وأخرجوه ووقع في واد يهوي فيه حيران فجعل عليه أن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه ويحفظه حيث ما كان فعرف الله منه الصدق فرد الله عليه بصره ولسانه فخر لله ساجدا فقال يا رب دلني على هذا.
وقال وهب بن منبه : لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها من جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن على بني إسرائيل فلما كانت السنة الني يولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتشن النساء تفتيشا لم يفتش قبل ذلك وحملت أم موسى بموسى فلم ينت بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها وكانت القوابل لا تتعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم وأوحى الله إليها ﴿ أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ﴾ ١ الآية فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا قيل وضعته في تابوت مطلى بالقار من داخل ممهدا له فيه وأغلقته في البحر ليلا.
قال ابن عباس وغيره : فكان لفرعون يومئذ بنت ليس له ولد غيرها وكانت أحب الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون وكان بها برص شديد وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا لها أيتها الملكة لا تبرئي إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيطلح به برصها فتبرأ من ذلك وذا يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه إمرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها حتى تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن إذا أقبل النيل بالتابوت يضربه الأمواج فقال فرعون إن هذا الشيء في النيل قد تعلق بالشجرة ائتوني به فابتدروا بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجت ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهاميه يمصهما لبنا فألقى الله تعالى المحبة لموسى في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه وأقبلت ابنة فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان من ريقه فلطخت ببرصها فبرأت فقبلته وضمته إلى صدرها فقالت الغواة لفرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر خوفا منك أن نقتله فهم فرعون بقتله قالت آسية ( قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) ٢ وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها وقال فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لو قال يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها " ٣ فقيل لآسية سميه فقالت سميته موسى لأنا وجدناه بين الماء والشجر " فمو " هو الماء- " سا " هو الشجر ".
١ سورة القصص الآية: ٧..
٢ سورة القصص الآية: ٩..
٣ رواه إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر وانظر كنز العمال (٣٠٢٢)..
﴿ فالتقطه آل فرعون ليكون ﴾ اللام للعاقبة تشبها لعاقبة الأمر ومراده بالغرض الباعث على الفعل لتحقق وقوعها ﴿ لهم عدوا ﴾ يقتل رجالهم ﴿ وحزنا ﴾ يستعبده نساءهم قرأ حمزة والكسائي بضم الحاء وسكون الزاء والباقون بفتحهما وهما لغتان في المصدر وهو هاهنا بمعنى الفاعل ﴿ إن فرعون و ﴾ وزيره ﴿ هامان وجنودهما كانوا خاطئين ﴾ في كل شيء فليس منهم أن قتلوا ألوفا لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون أو المعنى كانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراض لتأكيد خطاءهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به
﴿ وقالت امرأة فرعون ﴾ لفرعون عطف على ﴿ فالتقطه آل فرعون ﴾ قال وهب بن منبه لما وضع التابوت بين يديه وفتحوه وجدوا فيه موسى فلما نظر إليه قال عبراني من أهل الأعداء فغاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء وكانت من بنات الأنبياء وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم قالت لفرعون وهي قاعدة الى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت بذبح الولد لهذه السنة فدعه يكن قرت عين لي ولك خبر ومبتدأه محذوف ﴿ لا تقتلوه ﴾ خطاب بلفظ الجمع على التعظيم وروي أنها قالت أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل ﴿ عسى أن ينفعنا ﴾ علة لقوله تعالى : لا تقتلوه فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك بما رأت من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبنا وبرء البرصاء بريقه ﴿ أو نتخذه ولدا ﴾ أو نتبناه فإنه أهل له فأطاعوها ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ حال من الملتقطين يعني هم لا يشعرون إن هلاكهم على يديه فاستحياه فرعون فألقى الله عليه محبته أخرج بن جرير عن محمد بن قيس مرفوعا أنه قال فرعون قرة عين لك لا لي ولو قال قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها وقال ابن وهب قالب ابن عباس لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية عسى أن ينفعنا لنفعه الله ولكن أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه.
﴿ وأصبح ﴾ يعني صار عطف على قالت امرأة فرعون ﴿ فؤاد أم موسى فارغا ﴾ أي خاليا من العقل لشدة الخوف والحزن حين سمعت وقوعه في يد فرعون كقوله تعالى :﴿ وأفئدتهم هواء ﴾١ أي خلاء لا عقول فيها وقال أكثر المفسرين أي خاليا من كل شيء سوى ذكر موسى وهمه وقال الحسن فارغا أي ناسيا للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر﴿ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾٢ فجاءه الشيطان وقال كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه
وتوليت أنت قتله فألقيته في البحر وأغرقته فلما جاءها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت أنه وقع في يد عدوه فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها قلت : لعل حزنها لما كان إلهام الأولياء دليلا ظنيا فأفزعته احتمال الخطأ في الإلهام وقال أبو عبيدة معناه فارغا من الحزن لعلمها بصدق وعد الله تعالى وأنكر القتيبي هذا وقال كيف يكون هذا والله يقول ﴿ إن كادت لتبدى به ﴾ ؛ أن مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن واللام فارقة أي إنها كادت ليظهر به أي به بموسى يعني بأمره أنه ابنها من شدة جزعها كما قال عكرمة عن ابن عباس أنها كادت تقول وا إبناه وقال مقاتل لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها وقال الكلبي كادت تظهر أنه ابنها وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب موسى بن فرعون فشق عليها فكادت تقول هو ابني فقيل معنى الآية وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من الحزن حين سمعت أن فرعون تبناه فكادت لتبدي به أي بأنه ابنها حيث لم تملك نفسها من شدة الفرح وروى ابن جرير وابن أبي نعيم عن السدي أنه قالت أخت موسى هل أدلكم إلى آخره وجاءت بأمها فأخذ موسى ثديها فكادت تقول هو ابني فعصمها الله وقال أبو عبيدة معنى الآية أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الخوف والحزن لقوله تعالى :﴿ لا تخافي ولا تحزني ﴾ وإن كادت لتبدي به يعني أنها لشدة وثوقها بوعد الله كادت ان تظهر انه ابنها أو تظهر بالوحي إليها بأن الله وعدني برده إلي وجعله من المرسلين ﴿ لولا أن ربطنا على قلبها ﴾ ظرف لغو متعلق بقوله ربطنا وهي بتأويل المصدر لولا ربطنا ثابت على قلبها يعني لولا ربطنا بالصبر على الجزع أو على كتمان الفرح على التأويل الأول والثاني أو الصبر على كتم أسرار الله تعالى على تأويل أبي عبيدة وجواب لولا محذوف أيضا دل عليه ما قبله يعني لأبدت به ﴿ لتكون من المؤمنين ﴾ متعلق بربطنا يعني ربطنا على قلبها بالصبر على الجزع أو على كتم الفرح لتكون من المصدقين بوعد الله أو متعلق بأصبح والمعنى أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الخوف والحزن لتكون من المؤمنين الموقنين بوعد الله وعلى ما ذكرنا من التأويل إندفع إنكار القتيبي على تأويل أبي عبيدة وجملة ﴿ لولا أن ربطنا ﴾ معترضة حينئذ قال يوسف بن حسين أمرت أم موسى بشيئين ونهيت عن شيئين وبشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى الله حفظها فربط على قلبها وسكن قلقها الذي وجدت من شدة الحزن أو الفرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون.
١ سورة إبراهيم الآية: ٤٣..
٢ سورة القصص الآية: ٧..
﴿ وقالت ﴾ أم موسى عطف على أصبح ﴿ لأخته ﴾ مريم بنت عمران ﴿ قصيه ﴾أي اتبعي أثره وتبتغي خبره ﴿ فبصرت به ﴾ عطف على محذوف معطوف على قالت تقديره فبصرت له ﴿ عن جنب ﴾ أي عن بعد حال من أحد الضميرين المرفوع أو المجرور وفي القصة أنها تمشي جانبا وتنظر إختلاسا ترى أنها لا تنظر ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ أنها أخته أنها ترقبه.
﴿ وحرمنا عليه المراضع ﴾ عطف على بصرت والمراد بالتحريم المنع التكويني دون التكليفي والمراضع إما جمع مرضع بالضم يعني منعنا عنه لبن مرضعة فلم يرتضع من إحداهن وإما جمع مراضع بالفتح على أنه مصدر ميمي بمعنى الرضاع أو ظرف وهو الثدي ﴿ من قبل ﴾ قصصها قال ابن عباس إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد له مرضعة وكانوا كلما أتوا بمرضعة لم يأخذ موسى ثديها حتى رأته أخت موسى في ذلك الحال وفي القصة أن موسى مكث ثماني ليال لا يقبل ثديا ويصيح ﴿ فقالت ﴾ عطف على حرمنا ﴿ هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ﴾ أي لأجلكم صفة لأهل بيت ﴿ وهم له ناصحون ﴾ أي لا يقصرون في إرضاعه وتربيته والنصح ضد الغش وهو تصفية العمل عن شوب الفساد حال من فاعل يكفلونه قال ابن جريج والسدي لما قالت أخت موسى ( وهم له ناصحون ) أخذوها وقالوا إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت ما أعرفه وقلت وهم للملك ناصحون كذا اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي وقيل إنها قالت إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك وإتصالنا به وقيل إنها لما قالت هل أدلكم على أهل بيت قالوا لها من قالت لأمي قالوا لأمك ابن قالت نعم هارون ( وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها الولدان ) قالوا صدقت فأتينا بها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها بحال ابنها وجاءت بها إليهم فلما وجد موسى ريح أمه قبل ثديها وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه قال السدي كانوا يعطونها أجرة كل يوم دينارا قيل إنما أخذتها لأنها كانت مال حربي وذلك قوله عز وجل﴿ فرددناه إلى أمه ﴾
﴿ فرددناه إلى أمه ﴾ عطف على جمل محذوفة بعضها على بعض معطوفة على فقالت هل أدلكم تقديره فقالوا دلني فدلت على أمها فقالوا ائتي بها فانطلقت فأتت بها فوضعوه في حجرها فأرضعته فرضعه فسلموه إليها للإرضاع فرددناه إلى أمه ﴿ كي تقر عينها ﴾ برد موسى إليها ﴿ ولا تحزن ﴾ لفراقه عطف على تقر ﴿ ولتعلم ﴾ أم موسى عطف على لا تحزن ﴿ أن وعد الله ﴾ برده إليها ﴿ حق ولكن أكثرهم ﴾ أي أكثر الناس ﴿ لا يعلمون ﴾ أن وعد الله حق ولو علموا ذلك لما ارتكبوا منهيات الله خوفا من وعيده وما تركوا أوامره طمعا في وعده وفيه تعريض على أم موسى لما فرط منها حين جزعت على تأويل أصبح فؤاد أم موسى فارغا بمعنى خاليا من الصبر وقيل يعني لا يعلمون بهذا الوعد ولا بأن هذه أخته وهذه أمه فمكث عندها إلى أن فطمته فأتت به إلى فرعون فتربى عنده كما قال الله تعالى حكاية عنه في سورة الشعراء :﴿ ألم نربك فينا وليدا ﴾ ١
١ سورة الشعراء الآية: ١٨..
﴿ ولما بلغ ﴾ موسى ﴿ أشده ﴾ جمع شدة بمعنى القوة كالنعم جمع نعمة يعني مبلغه الذي لا يزيد إليه نشؤه قال الكلبي الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة وقال مجاهد وغيره ثلاث وثلاثون سنة ﴿ واستوى ﴾ عقله أي بلغ أربعين سنة كذا روى سعيد بن جبير عن ابن عباس وقيل استوى أي انتهى شبابه ﴿ آتيناه حكما ﴾ أي النبوة ﴿ وعلما ﴾ أي معرفة بالله وبأحكامه قيل ليس المراد به الإستنباء لأنه يكون بعد الهجرة في المراجعة من هذين بل المراد به الفقه والعلم بالشرائع قلت : العطف بالواو للجمع المطلق لا دليل فيه على الترتيب فالاستنباء وإن كان بعد الهجرة لكن ذكره بالشرائع قلت : العطف بالواو للجمع المطلق لا دليل فيه على الترتيب فالاستنباء وإن كان بعد الهجرة لكن ذكره هاهنا لبيان إنجاز الوعد بتمامه حيث قال إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴿ وكذلك ﴾ صفة المصدر محذوف تقديره ﴿ نجزي المحسنين ﴾ جزاء كذلك أي مثل ذلك الذي جزينا موسى وأمه على أحسانهما.
﴿ ودخل ﴾ موسى ﴿ المدينة ﴾ عطف على ﴿ لما بلغ أشده ﴾ قال السدي هي مدينة مدين من أرض مصر وقال مقاتل كان قرية تدعى خانين على رأس فرسخين من مصر وقيل مدينة عين الشمس وقال المحلي مدينة منف دخلها بعد أن غاب عنها مدة ﴿ على حين غفلة من أهلها ﴾ وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة وقال محمد بن كعب القرظي دخلها فيما بين المغرب والعشاء قال السدي وذلك أن موسى يسمى ابن فرعون فكان يركب مراكب فرعون ويلبس ملابسه فركب فرعون يوما وليس عنده موسى فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها نصف النهار وليس في طرقها أحد وقال ابن إسحاق كان لموسى شيعة من بين إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم في دينه حتى ذكر منه وأخافوه وخافوه وكان لا يدخل قرية إلا خائفا مستخفيا فدخلها حين غفلة من أهلها وقال ابن زيد لما عدا موسى فرعون بالعصا في صغره وأراد فرعون قتله فقالت امرأة فرعون هو صغير فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته فلم يدخل إلا بعد أن كبر وبلغ أشده ( فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها ) يعني حين غفلة عن ذكر موسى من بعد نسائهم خبره وأمره لبعد عهدهم به قال البغوي وروي عن علي رضي الله تعالى في قوله تعالى حين غفلة من أهلها يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم ﴿ فوجد فيها رجلين يقتتلان ﴾ صفة لرجلين أي يختصمان ويتنازعان ﴿ هذا من شيعته ﴾ يعني من بني إسرائيل هذه الجملة مع ما عطف عليها حال من رجلين بترك الواو على طريقة كلمته فوه إلى لي بتقدير تقديره فوجد رجلين يقال فيهما هذا من شيعته ﴿ وهذا من عدوه ﴾ أي من القبط وجاز أن يكون هذا وهذا بدلا من رجلين وقوله من شيعته ومن عدوه حال من المشار إليه والعامل فيه معنى الإشارة ﴿ فاستغاثه الذي من شيعته ﴾ عطف على وجد ﴿ على الذي من عدوه ﴾ والاستغاثة طلب الغوث استغاث الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى واشتد غضبه لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا من قبل الرضاعة من أم موسى فقال للفرعوني خل سبيله فقال إنما نأخذه ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فتنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى قد أوتى بسطة في الخلق وشدة القوة والبطش ﴿ فوكزه موسى ﴾ قرأ ابن مسعود فلكزه موسى ومعناهما واحد وهو الضرب يجمع الكف وقيل الوكز الضرب في الصدر واللكز في الظهر وقال الفراء معناها الدفع وقال أبو عبيدة الوكز الدفع بأطراف الأصابع وفي بعض التفاسير عقد موسى ثلاثا وثمانين فضربه في صدره ﴿ فقضى عليه ﴾ أي قتله ودفنه في الرمل كذا قال المحلي ومعناه فرغ من أمره فكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ولم يكن لموسى قتله فندم عليه موسى و﴿ قال ﴾ الخ الجملة مستأنفة ﴿ هذا ﴾ أي القتل ﴿ من عمل الشيطان ﴾ إنما قال ذلك لأنه لم يكن مأمورا حينئذ بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم وهذا لم يكن مناف لعصمه لكونه خطأ وإنما عد ذلك الأمر من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر عنه على عادة المقربين في استعظام محقرات صدرت منهم ﴿ إنه ﴾أي الشيطان ﴿ عدو مضل مبين ﴾ أي ظاهر العداوة.
﴿ قال ﴾ جملة مستأنفة ﴿ رب إني ظلمت نفسي ﴾ بقتل نفس من غير أمرك ﴿ فاغفر لي ﴾ خطيئتي ﴿ فغفر له ﴾ عطف على قال أي غفر الله لموسى حقه ولم يكن القبطي معصوم الدم حتى لا يتصور المغفرة من غير قصاص أو عفو من المقتول أو ورثته ﴿ إنه هو الغفور ﴾ لذنوب عباده ﴿ الرحيم ﴾ بهم
﴿ قال ﴾ مستأنفه أخرى ﴿ رب بما أنعمت علي فلن أكون ﴾ الباء في ( بما أنعمت ) للقسم وجوابه ما بعده وقوله :( فلن أكون ) معطوف على محذوف تقديره أقسم بإنعامك علي بالنبوة والمغفرة غير ذلك تبت فلن أكون أو الباء متعلق بمحذوف تقديره رب اعصمني من الزلات بحق إنعامك علي وعلى هذا قوله فلن أكون جواب للدعاء أي ليكن منك إعصامي فعدم كوني ﴿ ظهيرا للمجرمين ﴾ قال ابن عباس أي للكافرين وهذا لو صح لدل على أن الإسرائيلي كان كافرا وهو قول مقاتل وقال قتادة معناه لن أعين بعد هذا على خطيئة وقيل معناه لن أكون معينا لمن أدت معاونته على جرم.
﴿ فأصبح ﴾ موسى ﴿ في المدينة ﴾ التي قتل فيها القطبي عطف على ( فقضي عليه ) ﴿ خائفا ﴾ على نفسه ﴿ يترقب ﴾ الانتقام من ورثة المقتول أو يترقب النصر من ربه حالان من فاعل أصبح ﴿ فإذا ﴾ للمفاجأة ﴿ الذي استنصره بالأمس يستصرخه ﴾ أي يستغيثه مشتق من الصراخ قال ابن عباس أتى فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذلته بحقنا فقال انجوا إلى قاتله ومن يشهد عليه فلا يستقيم أن يقضي بغير بينة فبيناهم يطوفون لا يجدون ثبتا إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادق موسى وقد ندم ما كان منه بالأمس من قتل القبطي ﴿ قال له ﴾ أي للإسرائيلي ﴿ موسى إنك لغوي مبين ﴾ بين الغواية حيث تسببت قتل رجل بالأمس وتقاتل اليوم رجلا آخر وتستغيثني وقيل إنما قال للفرعوني ( إنك لغوي مبين ) بظلمك ثم أدرك موسى الرقة بالإسرائيلي لما رأى ظلم الفرعوني عليه فمد يده لبطش الفرعوني
﴿ فلما أن أراد ﴾ موسى ﴿ أن يبطش بالذي هو عدو لهما ﴾ أي لموسى والإسرائيلي لأنه لم يكن على دينهما ولأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل ظن الإسرائيلي أنه يريد بطشه لما رأى من غضبه وسمع قوله إنك لغوي مبين ﴿ قال ﴾ الإسرائيلي ﴿ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ﴾ أو قال ذلك القبطي لما توهم من قوله انه الذي قتل القطبي بالأمس لهذا الإسرائيلي والأول أظهر﴿ إن تريد ﴾أي ما تريد ﴿ إلا أن تكون جبارا ﴾قتالا بالغضب ﴿ في الأرض ﴾ أي في أرض مصر حيث تطاول على الناس ولا تنظر العواقب ﴿ وما تريد أن تكون من المصلحين ﴾ بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن فلما سمع القبطي قول الإسرائيلي ( أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ) علم أن قاتل القبطي بالأمس كان موسى انطلق إلى فرعون وأخبره بذلك فأمر فرعون بقتل موسى أو سمع الناس مقالاتهم واشتهر أن موسى قتل القطبي وأرتفع إلى فرعون وملئه فهموا بقتله
﴿ وجاء رجل ﴾ عطف على ( قال يا موسى ) قال أكثر أهل التأويل هو حزئيل مؤمن آل فرعون وقيل اسمه شمعون وقيل سمعا ﴿ من أقصا المدينة ﴾ ظرف مستقر صفة لرجل وليس متعلقا بجاء لان تخصيصها ألحقه بالمعارف فصح أن يكون قوله ﴿ يسعى ﴾ حالا منه يعني جاء ذلك الرجل يسرع في مشيه فأخذ طريقا قريبا حتى سبق على موسى فأخبره وأنذره و ﴿ قال يا موسى إن الملأ يأتمرون ﴾ أي يأمر بعضهم بعضا متلبسا ذلك الأمر ﴿ بك ليقتلوك ﴾ أي لكي يقتلوك أو يأمر بعضهم بعضا بقتلك واللام زائدة وقيل معناه يتشاورون بك سمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر لكي يقتلوا ﴿ فأخرج ﴾من المدينة ﴿ إني لك ﴾ متعلق بمحذوف خبر لان يعني أني نافع لك ﴿ من الناصحين ﴾ خبر ثان ولا يجوز أن يكون لك متعلقا بناصحين لأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول وقيل متعلق بناصحين والكلام محمول على التقديم والتأخير وقيل لك بيان لمبهم كأنه قال ( إني من الناصحين ) ثم أن يبين فقال لك أي أنصح لك واللام فيه لتقوية عمل فعل محذوف
﴿ فخرج ﴾ موسى ﴿ منها ﴾ من تلك القرية ﴿ خائفا ﴾ على نفسه ﴿ يترقب ﴾ أي ينتظر الطالب من خلفه وقيل يترقب النصر من ربه فإن قيل هذه الآية تدل على جواز الخوف للأنبياء من غير الله سبحانه وقد قال الله تعالى فيهم :﴿ ولا يخشون أحدا إلا الله ﴾ فما التوفيق ؟ قلنا : الخوف على نفسه من مقتضيات الطبيعة لا ينافي النبوة والمراد بقوله تعالى :﴿ لا يخشون أحدا إلا الله ﴾ ١ إنهم لا يبالون في إتيان أوامره تعالى والانتهاء عن مناهيه لحوق مضرة بهم من أحد سوى الله تعالى بخلاف سائر الناس فإنهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ﴿ فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ﴾ ٢ ﴿ قال ﴾ موسى استئناف أو حال بتقدير قد من فاعل خرج ﴿ رب نجيني من القوم الظالمين ﴾ أي الكافرين يعني خلصني منهم واحفظني من لحوقهم وفي القصة أن فرعون بعث في طلبه حين أخبره ربه فقال إركبوا بينات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق.
١ سورة الأحزاب الآية: ٣٩..
٢ سورة العنكبوت الآية: ١٠..
﴿ ولما توجه تلقاء مدين ﴾ قال الزجاج أي سلك الطريق التي يلقى فيها مدين وهي قرية سميت باسم مدين بن إبراهيم عليه السلام وكان موسى قد خرج بلا ظهر وبلا زاد وكان مدين على مسافة ثمانية أيام من مصر ولم يكن في سلطنة فرعون ولما ظرف فيه معنى الشرط متعلق بقوله :﴿ قال ﴾ يعني موسى توكلا على الله وحسن ظن به ﴿ عسى ربي ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالفتح والباقون بالإسكان ﴿ أن يهديني سواء السبيل ﴾ والجملة معطوفة على ﴿ قال رب نجني ﴾ وإضافة سواء إلى السبيل إضافة صفة إلى موصوفه والمعنى أن يهديني السبيل السوي الذي لا زحمة فيه ولم يكن موسى يعرف الطريق إليها فلما قال هذا جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به قال المفسرون خرج موسى من مصر ولم يكن معه إلا ورق الأشجار والبقل حتى يرى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه قال ابن عباس هو أول ابتلاء من الله لموسى عليه السلام.
﴿ ولما ورد ماء مدين ﴾ أي وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم ﴿ وجد عليه ﴾ أي على الماء يعني جانب البئر ﴿ امة ﴾ أي جماعة كثيرة ﴿ من الناس يسقون ﴾ مواشيهم ﴿ ووجد من دونهم ﴾ أي في مكان أسفل من مكانهم ﴿ امرأتين تذودان ﴾ حال من امرأتين أو صفة لهما أنهما تمنعان أغنامهما من الماء لئلا تختلط بأغنامهم ﴿ قال ﴾ موسى للمرأتين.
﴿ ما خطبكما ﴾ أي ما شأنكما حيث تمنعان مواشيكما عن الماء والخطب بمعنى الشأن كذا في القاموس قيل هو مصدر بمعنى المفعول يعني ما مخطوبكما يعني ما مطلوبكما من هذا المنع ﴿ قالتا لا نسقي ﴾ أغنامنا ﴿ حتى يصدر الرعاء ﴾ قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن عامر يصدر بفتح الياء وضم الدال على انه فعل لازم بمعنى يرجع والباقون بضم الياء وكسر الدال من الأفعال يعني حتى يصرف الدعاء مواشيهم عن الماء حذف المفعول من يسقون وتذودان ولا تسقي لان الغرض هو الفعل دون المفعول ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذود مع الحاجة إلى السقي لأجل ضعفهما والناس على السقي ولم يرحمهما لان مزودهما غنم وسقيهم إبل وأيضا الغرض بيان ما يدل على عفتهما واحترازهما عن مزاحمة الرجال ﴿ وأبونا شيخ كبير ﴾ السن لا يقدر أن يسقي مواشيه ولذلك احتجنا إلى سقي المواشي والجملة حال من فاعل لا نسقي ووجه مطابقة جوابهما سؤاله أنه سألهما عن سبب الذود فقالتا السبب في ذلك أنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من اختلاطهم فلا بد لنا من الذود وتأخير السقي كيلا يختلط الغنم قال البغوي اختلفوا في اسم أبيهما ؟ فقال مجاهد والضحاك والسدي والحسن هو شعيب عليه السلام وقال وهب وسعيد بن جبير هو ثيرون بن أخي شعيب وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعد ما كف بصره فدفن بين المقام والزمزم وقيل رجل ممن آمن بشعيب عليه السلام.
فلما سمع موسى قولهما رحمهما ﴿ فسقى لهما ﴾ غنمهما قال ابن عباس زاحم القوم ونجاهم عن رأس البئر فسقى غنم المرأتين وقيل اقتلع موسى صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربها لا يطيق رفعها إلا الجماعة من الناس قيل عشرة أنفس ويقال أنه نزع دلوا واحدا ودعا فيه بالبركة فروى منه جميع الغنم ﴿ ثم تولى إلى الظل ﴾ ظل شجرة فجلس في ظلها من شدة الحر ولما طال البلاء بموسى آنس بالشكوى إلى مولاه ولا بأس في الشكوى إذا كان إلى المولى دون غيره ﴿ فقال ﴾ موسى ﴿ رب إني لما أنزلت إلى ﴾ قال أهل العلم اللام بمعنى إلى يقال فقير له وفقير إليه والمراد بالإنزال الإعطاء يقال انزل الله تعالى نعمه أو نعمته على الخلق أي أعطاهم إياه وذلك قد يكون بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن وإنزال المطر وقد يكون بإنزال أسبابه والهداية إليه كما في قوله تعالى :﴿ وأنزلنا الحديد ﴾١ و ﴿ أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾ ٢ و ﴿ أنزلنا عليكم لباسا ﴾ ٣ وأنزلت هاهنا صيغة ماض أريد به المستقبل أو بمعنى قدرت إنزاله إلي والمعنى أن ما تعطيني أو قدرت إعطاءه إياي ﴿ من خير ﴾ أي طعام قليل أو كثير ﴿ فقير ﴾ محتاج سائل يعني أعطني ما شئت قليلا أو كثيرا ولتضمنه معنى السؤال عدي باللام موضع إلى قال ابن عباس سأل الله لقمة يقيم بها صلبه قال الباقر عليه السلام لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس لقد قال موسى عليه السلام ( رب إني لما أنزلت الي من خير فقير ) وهو أكرم على الله وقد افتقر إلى شق تمرة قال مجاهد ما سأله إلا الخير وقيل معناه إني لما أنزلت أي بسبب ما أنزلت إلي من خير أي الدين والحكمة فقير أي صرت فقيرا في الدنيا لأجل مخالفة فرعون في الدين فإنه كان في سعة عند فرعون والغرض منه إظهار التبهج والشكر على ذلك قلت : وجاز أن يكون المعنى وإني إلى ما أنزلت إلي من خير أي الدين والحكمة فقير سائل منك المزيد فيه كأنه قال رب زدني علما قلت : وجاز أن يكون أنزلت مشتقا من النزل بضم النون والزاء وهو ما يعد للنازل من الزاد يقال أنزلت فلانا أي أضفته والمعنى إلى فقير محتاج سائل لما تعد لي من الطعام.
١ سورة الحديد الآية: ٢٥..
٢ سورة الأعراف الآية: ٢٦..
٣ سورة الزمر الآية: ٦.
﴿ فجاءته ﴾ عطف على محذوف تقديره فرجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغناهما حنك لطان فقال لهما أبوهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى أغنامنا فقال لأحدهما إذهبي فادعيه لي ( فجاءته ) ﴿ إحداهما تمشي على استحياء ﴾ الظرف حال من فاعل تمشي وجملة تمشي حال من فاعل جاءت قال البغوي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليست بسلفع من النساء خراجة دلاجة ولكن جاءت مستترة وضعت كم درعها على وجهها إستحياء ﴿ قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ﴾ أخرج ابن عساكر وكذا ذكر البغوي أنه قال ابو حازم سلمة بن دينار لما سمع موسى ذلك أراد أن لا يذهب ولكن كان جائعا فلم يجد بدا من الذهاب فمشت المرأة ومشى موسى خلفها فكانت الريح تضرب ثوبها فكتشف ساقها فكره موسى أن يرى ذلك منها فقال لها امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت ففعلت ذلك، فلما دخل على شعيب إذا هو قد تهيأ للعشاء فقال إجلس يا شاب فتعش فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذلك ألست بجائع قال بلي ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا فقال شعيب لا والله يا شاب ولكن عادتي وعادة آبائي نقرئ الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى فأكل قلت : قوله تعالى :﴿ قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ﴾ صريح في أنها دعت موسى إلى إعطاء الأجر وموسى أجاب دعوتها ومشى معها ولم يكن ذلك بعدما أراد أن لا يذهب على ما قال أبو حازم فالآية تدل على بطلان هذه القصة فإنها تدل على الإنكار بعد الدعوة وأيضا هذه القصة يعارض قول موسى في قصة الخضر ﴿ لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾ ١ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت يا رسول الله ؟ قال كنت أرعى على قراريط لأهل مكة " ٢رواه البخاري وسنذكر قوله صلى الله عليه وسلم :" إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه " والحق أن المكروه إنما هو أخذ الأجر واشتراطه على عمل هو عبادة مقصودة بنفسها أو شرط لعبا دة مقصودة كالأذان والإمامة وتعليم القرآن لا على ما هو مباح في نفسه يصير طاعة بنية صالحة وقد أجاز الشافعي أخذ الأجرة على الأذان ونحو ذلك وأجاز المتأخرون من الحنفية اخذ الأجرة على تعليم القرآن والله أعلم.
﴿ فلما جاءه ﴾ معطوف على جمل محذوفة تقديره فلما جاءته وقالت ما ذكر جاء موسى شعيبا عليه السلام ( فلما جاءه ) أي جاء موسى عنده أي عند شعيب وأقيم المضاف إليه مقامه ﴿ وقص ﴾ موسى عليه السلام ﴿ عليه القصص ﴾ معنى الآية أخبر موسى خبره أجمه من قتله القبطي وقصد فرعون قتله ﴿ قال ﴾ شعيب ﴿ لا تخف نجوت من القوم الظالمين ﴾ يعني من فرعون وقومه وإنما قال ذلك لان فرعون لم يكن سلطانه على مدين وجملة نجوت تعليل لقوله لا تخف
١ سورة الكهف الآية: ٧٧..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الإجارة باب: رعى الغنم على قراريط (٢٢٢٦٢)..
﴿ قالت إحداهما ﴾ يعني التي استدعته ﴿ يا أبت استأجره ﴾ أي إتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا ﴿ إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾ أي خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة تعليل سائغ تجري مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فيه جعل خبر اسم إن وذكر الفعل بلفظ الماضي وإن كان المعنى على الاستقبال للدلالة على انه مجرب معروف أخبر الخطيب في تاريخه عن أبي ذر يرفعه أنه قال لها أبوها وما أعملك بقوته وأمانته قالت أما قوته فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعها إلى عشرة وقيل أربعون رجلا وأما أما نته فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك روي عن ابن مسعود قال أفرس الناس ثلاثة بنت شعيب وصاحب يوسف حيث قال ( عسى أن ينفعنا ) وأبو بكر في عمر حيث جعله خليفة في حياته
﴿ قال ﴾ شعيب عند ذلك ﴿ إني ﴾ قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ﴾ اسمهما صفورة وليا في قول شعيب الجبائي وقال ابن إسحاق صفورة وشرقا وقال غيرهما الكبرى صفرا والصغرى أصفيرا، قال وهب بن منبه زوجه الكبرى وذهب أكثرهم إلى أنه زوجه الصغرى واسمها صفورة وهي التي ذهبت لطلب موسى كذا روى البزار والطبراني من حديث أبي ذرمرفوعا وكذا أخرج البخاري عن أنس قال البغوي روى أبو ذر مرفوعا " إذا سئلت أي الامرأتين أنكحها إياه فقل الصغرى منهما وهي منى وتكون لي أجيرا وقال الفراء أن تجعل ثوابها من تزويجها بقول العرب أجرك يأجرك أي أثابك والمعنى على أن تثيبني من تزويجها أن ترعى غنمي ﴿ ثماني حجج ﴾ ظرف على التأويلين الأولين ومفعول به على تأويل الفراء بإضمار مضاف والحجج السنوات واحده حجة ﴿ فإن أتممت عشرا ﴾ أي عشر سنين في رعي الغنم ﴿ فمن عندك ﴾ أي فذلك تفضل من عندك وتبرع وليس بواجب عليك وهذا استدعاء لعقد النكاح لأنفسه إذ لو كان عقدا لقال قد أنكحتك هذه بتعين إحداهما فالظاهر أنه جرى بعد ذلك العقد على واحدة معينة منهما لكن هذه الآية تدل على أن رعي الغنم ثمان سنين جعل تمام المهر أو بعضه بانضمام مال آخر معه ويدل عليه ما رواه أحمد وابن ماجه عن عتبة بن المنذر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى بلغ قصة موسى فقال :" إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثمان سنين على عفة فرجه وطعام بطنه " ١
مسألة :
بهذه الآية والحديث استدل الفقهاء على أنه من نكح امرأة على أن يرعى الزوج غنمها جاز حيث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة موسى من غير بيان نفيه في شريعتنا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله في رواية ابن سماعة عنه ولا يجوز ذلك عند أبي حنيفة في رواية الأصل والجامع وجه قول أبي حنيفة أن الاستدلال بهذه الآية والحديث المذكور في هذه المسألة لا يجوز إلا إذا ثبت كون الغنم ملكا للبنت للإجماع على أن المهر في شريعتنا يكون للزوجة لا لوليها والغنم كانت لشعيب عليه السلام فالإجماع دل على أن هذا الحكم كان في شريعتهم لا في شريعتنا وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة النساء في تفسير قوله تعالى :﴿ وأحل لكم ما وراء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم ﴾ ٢ ﴿ وما أريد أن أشق عليك ﴾ بإلزام تمام العشرة أو المناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال المشقة مشتقة من الشق بمعنى الفرق فإن ما يصعب عليك يشق أي يفرق عليك اعتقادك في إطاقته ورأيك في مزاولته ﴿ ستجدني ﴾ قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إن شاء الله من الصالحين ﴾ قال عمر في حفظ الصحبة والوفاء بما قلت وهذه الجملة تأكيد لقوله :﴿ ما أريد أن أشق عليك ﴾ والمراد بالاشتراط بمشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته وعدم الاتكال على نفسه لا التردد في الوعد.
١ أخرجه ابن ماجه في كتاب: الإجارة باب: إجارة الأجير على طعام بطنه (٢٤٤٤) وإسناده ضعيف لان فيه بقية وهو مدلس..
٢ سورة النساء الآية: ٢٤..
﴿ قال ﴾ موسى ﴿ ذلك ﴾ الشرط ثابت ﴿ بيني وبينك ﴾ مما شرطت على ذلك وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي ﴿ أيما الأجلين ﴾ أي منصوب بقضيت وما زائدة مؤكدة للإبهام والمعنى أي الأجلين أطولهما أو أقصرهما ﴿ قضيت ﴾ أي وفيتك ﴿ فلا عدوان علي ﴾ جزاء لما تضمن أيما معنى الشرط والجملة الشرطية بدل من قوله :( ذلك بيني وبينك ) يعني لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة عند قضاء عشر سنين كذلك لا أطالب بالزيادة عند قضاء ثمان أو فلا أكون معتديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي ﴿ والله على ما نقول ﴾ من المشارطة ﴿ وكيل ﴾ قال ابن عباس فيما بيني وبينك والجملة حال مما سبق والوكيل هو من وكل إليه الأمر واستعمل هاهنا موضع الشاهد والرقيب ولذلك عدي بعلى وروى شداد بن أوس مرفوعا " بكى شعيب النبي صلى اللهم عليه وسلم حتى عمي فرد الله بصره فقال الله ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار ؟ فقال لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك موسى " ١.
ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه واختلفوا في تلك العصا ؟ قال عكرمة خرج بها آدم من الجنة فأخذها جبرئيل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه وقال آخرون كانت من آس الجنة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبي إلا كلمته فصار من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم ثم وصلت إلى شعيب وكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى وقال السدي كانت تلك العصا أودعها ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فأتته بها فلما رآها شعيب قال لها ردي هذه العصا وأتيه بغيرها فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها ولا تقع في يدها إلا هي حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطاها موسى فأخرجها موسى معه ثم إن الشيخ ندم وقال كانت وديعة فذهب في أثره وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه وقال هي عصاي فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما فأتاهما ملك في صورة رجل فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له فطرح فعالجها ليأخذها فلم يطلقها فأخذها موسى فرفعها له الشيخ ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ابنته قال موسى للمرأة أطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها فقال شعيب لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها قيل أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته إكراما له ووصلة لابنته فقال إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضع هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مسقى الأغنام فضرب بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحد منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله عز وجل إلى موسى فأمره فوفى له بشرطه وسلم الأغنام إليه.
١ رواه الخطيب وابن عساكر قال الخطيب الحديث منكر وقال الذهبي في الميزان حديث باطل لا أصل له..
﴿ فلما قضى موسى الأجل ﴾ أي أتمه وفرغ منه روى البغوي عن سعيد بن جبير قال سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسئله فقدمت فسألت ابن عباس فقال قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل قال البغوي روى أبو ذر إذا سألت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما رواه البزار وقال مجاهد لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرا أخر فأقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فخرج إلى مصر ﴿ وسار بأهله ﴾ حتى إذا بلغ برية قريبا من طور سيناء في ليلة مظلمة شديدة الشتاء واخذ إمرأته الطلق ﴿ آنس ﴾ أي أبصر ﴿ من جانب الطور ﴾ أي من جهة التي تلي الطور ﴿ نارا قال لأهله امكثوا ﴾ مكانكم وجمع الضمير وإن صح أن لم يكن معه غير إمرأته لما كني عنها بالأهل ﴿ إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانه ﴿ آنست نارا ﴾ الجملة في مقام التعليل لامكثوا ﴿ لعلى ﴾ قرأ الكوفيون بإسكان الياء في الباقون بفتحها ﴿ آتيكم منها ﴾ أي من النار لأجل إضاءتها الطريق ﴿ بخبر ﴾ الطريق وكان قد أخطأ الطريق ﴿ أو جذوة ﴾ قرأ عاصم بفتح الجيم وحمزة بضمها والباقون بكسرتها ثلاث لغات قال البغوي قال قتادة ومقاتل هي العود الذي قد احترق بعضها وجمعها جذى وفي القاموس الجذوة مثلثة القبسة من النار والجمرة ﴿ من النار ﴾ أي نتخذه من النار ومن للإبتلاء أو للتبعيض وقال البيضاوي هي عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن ولذلك بينه بقوله من النار فمن للبيان ﴿ لعلكم تصطلون ﴾ أي تستدفئون بها.
﴿ فلما أتاها نودي من شاطئ ﴾ أي جانب ﴿ الواد الأيمن ﴾ أي الوادي الذي عن يمين موسى ﴿ في البقعة المباركة ﴾ متعلق بنودي يعني مباركة لموسى حيث كلمه الله تعالى هناك وبعثه نبيا وقال عطاء يريد المقدسة ﴿ من الشجرة ﴾ بدل إشتمال من الشاطئ لأنها كانت نابتة على الشاطئ قال ابن مسعود كانت شجرة خضراء تبرق وقال قتادة ومقاتل والكلبي كانت عوجة وقال وهب من العليق وعن ابن عباس أنها العذب ﴿ أن ﴾ مفسرة لنودي ﴿ يا موسى إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أنا الله رب العالمين ﴾ وقال في طه ﴿ إني أنا ربك ﴾ ١ وفي النمل ﴿ إنه أنا الله العزيز الحكيم ﴾ ٢ والمقصود واحد فهو إما رواية بالمعنى أو ذكر الله سبحانه في المحكي بالصفات المذكورة كلها واقتصر في الحكاية على بعضها كما اقتصر على بعض ما تكلم به في كل موضع فإنه ذكر في طه ﴿ إخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾ ٣ الخ ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى١٧ ﴾ ٤ وقال في النمل ﴿ بورك من في النار ومن حولها وسبحان ﴾ ٥ الخ
١ سورة طه الآية: ١٢..
٢ سورة طه الآية: ١٢..
٣ سورة النمل الآية: ٨..
٤ سورة النمل الآية: ٩..
٥ سورة طه الآية: ١٧..
﴿ وأن ألق عصاك فلما رآها ﴾ عطف على محذوف تقديره فألقاها فصارت ثعبانا واهتزت فلما رآها ﴿ تهتز كأنها جان ﴾ يعني كأنها حية صغيرة في سرعة حركتها وشدة اضطرابها ﴿ ولى مدبرا ﴾ هاربا منها ﴿ ولم يعقب ﴾ أي لم يرجع فنودي ﴿ يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الأمنين ﴾ عن المخاوف فإنه لا يخاف لدي المرسلون.
﴿ اسلك ﴾ أي أدخل ﴿ يدك في جيبك ﴾ أي جيب قميصك ﴿ تخرج ﴾ مجزوم في جواب الأمر ﴿ بيضاء ﴾ حال من المفعول المحذوف لتخرج أي تخرجها بيضاء ذات شعاع ﴿ من غير سوء ﴾ متعلق بيضاء ﴿ واضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ قرأ الكوفيون غير حفص وأهل الشام بضم الراء وسكون الهاء وحفص بفتح الراء وسكون الهاء والباقون بفتحهما وكلها لغات بمعنى الخوف قال عطاء عن ابن عباس أمره الله أن يضم يده إليه ليذهب عنه الخوف وقال ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه وقال مجاهد كل من فزع فضم جناحيه إليه ذهب عنه الفزع والجناح اليد كلها وقيل العضد وقيل المراد من ضم الجناح السكون والتجلد والثبات عند انقلاب العصا حية إستعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه قال البغوي أي أسكن روعك واخفض عليك جانبك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه ومثله قوله تعالى :﴿ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ﴾١ وقوله تعالى :﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾ ٢ يريد الرفق بهم وقال الفراء أراد بالجناح عصا معناه أضمم إليك عصاك وقيل الرهب الكم بلغة حمير قال الأصمعي سمعت بعض العرب يقول أعطني ما في رهبك أي ما في كمك معناه اضمم إليك يدك مخرجا من الكم لأنه تناول العصا ويده في كمه حين قال له الله تعالى :﴿ خذها ولا تخف ﴾ ٣والظاهر عندي أن هذا عطف تفسيري لقوله :﴿ أسلك يدك في جيبك ﴾ ﴿ واضمم إليك جناحك ﴾ أي أدخلها في جيبك والغرض من التكرير ترتب الأمرين عليه أحدهما التجلد وضبط النفس ودفع الخوف وإظهار الجراءة وهو المراد بقوله أضمم إليك جناحك أي يديك المبسوطتين اللتين تتقي بهما الحية في جيبك من الرهب أي من أجل دفع الرهب وثانيهما ظهور معجزة أخرى وهو المراد بقوله ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ ويدل على هذا قوله تعالى في سورة طه :﴿ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى٢٢ ﴾ ٤ ﴿ فذالك ﴾ إشارة إلى العصا واليد قرأ ابن كثير وابن عمرو بتشديد النون والباقون بتخفيفها ﴿ برهانان ﴾ أي حجتان قال في القاموس البرهان بالضم الحجة وبرهن عليه أقام البرهان فهو فعلال وقيل هو فعلان من البره يقال بره الرجل إذا ابيض ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وفي القاموس أبره أتى بالبرهان أو بالعجائب وغلب الناس ﴿ من ربك ﴾ أي كائنان من ربك صفة لبرهانان ﴿ الى فرعون ﴾ متعلق بمحذوف أي مرسلا بهما إلى فرعون ﴿ وملائه ﴾ فهو صفة بعد صفة لبرهانان أو استئناف متعلق بمحذوف أي اذهب بهما إلى فرعون وملائه ﴿ إنهم كانوا قوما فاسقين ﴾ في مقام التعليل أي لأنهم كانوا أحقاء بان يرسل إليهم.
١ سورة الشعراء الآية: ٢١٥..
٢ سورة الإسراء الآية: ٢٤..
٣ سورة طه الآية: ٢١..
٤ سورة طه الآية: ٢٢..
﴿ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون٣٣ ﴾ ضمير المفعول محذوف أي يقتلوني
﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ﴾ وإنما قال لعقدة كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه ﴿ فأرسله ﴾ يعني هارون﴿ معي ﴾ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ ردءا ﴾ أي معينا يقال أردأته أي أعنته حال من الضمير المنصوب وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء قرأ نافع بفتح الدال من غير همزة والباقون بإسكان الدال والهمزة وحمزة على مذهبه في الوقف ﴿ يصدقني ﴾ قرأ عاصم وحمزة بالرفع صفة لردأ أي ردءا مصدقا لي وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والضمير المرفوع عائد يعني إن أرسلته معي يصدقني بتقرير الحجة وإزاحة الشبهة وفصاحة اللسان وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه الفعل إسناده إلى المسبب وقال مقاتل الضمير المرفوع عائد إلى فرعون والمعنى إن أرسلت مع هارون يصدقني فرعون بحسن تقرير هارون ﴿ إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أخاف أن يكذبون ﴾ قرأ الجمهور بحذف الياء وأثبتها ورش في الوصل فقط يكذبوني يعني فرعون وقومه حيث لا يطاوعني لساني عند المحاجة
﴿ قال ﴾ الله تعالى ﴿ سنشد عضدك ﴾ أي سنقويك فإن شدة العضد مستعار للتقوية فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأقوى ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد ﴿ بأخيك ﴾ أي بإرسال أخيك هارون معك وكان هارون يومئذ بمصر ﴿ ونجعل لكما سلطانا ﴾ أي غلبة أو حجة ﴿ فلا يصلون ﴾ أي فرعون وقومه ﴿ إليكما ﴾ بمكروه ﴿ بآياتنا ﴾ متعلق بمحذوف أي اذهبا بآياتنا أو بنجعل أي نجعل لكما بآياتنا أي بالمعجزات التي سلطانا على الأعداء أو بمعنى لا يصلون والمعنى تمتنعون أي فرعون وقومه بآياتنا أي بسبب المعجزات أو قسم جوابه لا يصلون أو بيان للغالبون في قوله تعالى :﴿ أنتما ومن اتبعكما الغالبون ﴾ بمعنى أنه صلة لما بينه أو صلة له على أن اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي به.
﴿ فلما جاءهم ﴾ معطوف على محذوف تقديره فجاء موسى إلى فرعون وقومه بالآيات البينات وهي العصا واليد فلما جاءهم ﴿ موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا ﴾ أي العصا ونحوه ﴿ إلا سحر مفترى ﴾ أي مختلق لم يفعل قبله مثله أو سحر يعمله موسى ثم يفتريه على الله أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر ﴿ وما سمعنا بهذا ﴾ السحر أو ادعاء النبوة ﴿ في آبائنا الأولين ﴾ كائنا في أيامهم
﴿ وقال موسى ربي ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أعلم ﴾ منكم ﴿ بمن جاء بالهدى من عنده ﴾ فيعلم أني محق وانتم مبطلون تجحدون بالحق بعد وضوح الآيات وبعدما استيقنت به أنفسكم ظلما وعلوا معطوف على قالوا والمراد حكاية القولين حتى ينظر فيهما فيميز الصحيح من الفاسد وقرأ ابن كثير قال موسى بغير واو والعطف كذلك هو في مصاحفهم لأنه في جواب كلامهم فهو استئناف في جواب ما قال موسى في جواب قولهم ﴿ ومن تكون ﴾ قرأ حمزة والكسائي با لياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لكون المسند إليه مؤنثا غير حقيقي يجوز فيه الأمران ﴿ له عاقبة الدار ﴾ عطف على من جاء بالهدي يعني أعلم بمن تكون له عاقبة محمودة في الدار الآخرة وقال البيضاوي المراد بالدار الدنيا وعاقبتها الأصلية هي الجنة لأن الدنيا خلقت مزرعة للآخرة مجازا إليها والمقصود منها الثواب والعقا ب إنما قصد بالعرض وقال المحققون العقبى والعاقبة يطلقان على ما يعقب الحسنات من الثواب والعقاب والعقوبة والمعاقبة يختص بما يعقب السيئات ويترتب عليها من العذاب قال الله تعالى :﴿ خير ثوابا وخير عقبى ﴾ ١ وقال ﴿ لهم عقبى الدار ﴾ ٢ و﴿ فنعم عقبى الدار ﴾ ٣ و ﴿ العاقبة للمتقين ﴾٤ وقال الله تعالى :﴿ فحق عقاب ﴾ ٥ وقال ﴿ شديد العقاب ﴾ وقال ﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾ ٦ ﴿ إنه لا يفلح الظالمون ﴾ يعني لا يفوزون بالهدى في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة.
١ سورة الكهف الآية: ٤٤..
٢ سورة الرعد الآية: ٢٢..
٣ سورة الرعد الآية: ١٤..
٤ سورة القصص الآية: ٨٣..
٥ سورة ص الآية: ١٤..
٦ سورة النحل الآية: ١٢٦..
﴿ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ نفي علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه ولذلك قال ﴿ فأوقد لي يا هامان ﴾ وهو كان وزير فرعون قال له فاطبخ لي الآجر وقيل هو أول من اتخذ الآجر وبنى به ﴿ على الطين فأجعل لي صرحا ﴾ قصرا عاليا فإن التنكير للتعظيم ﴿ لعلى ﴾ قرأ الكوفيون بإسكان الياء والباقون بفتحها ﴿ أطلع إلى إله موسى ﴾ توهم أنه لو كان لكان في السماء ويمكن الترقي إليه ﴿ وإني لأظنه ﴾ يعني موسى عليه السلام ﴿ من الكاذبين ﴾ فيما يقولون أن للأرض والسماء خالقا كان فرعون دهريا لم يعتقد وجوب استناد الممكنات إلى الواجب ويزعم أنه من كان سلطانا متغلبا كان إلها مستحقا للعبادة قال البغوي قال أهل التفسير جمع هامان العملة والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجزاء ومن يطبخ الآجر والجص ومن ينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق أراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون وقومه فأمر بشأنه فرمى بها في السماء فردت إليه وهي متلطخة دما فقال قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعده على البرازين فبعث الله جبرئيل حين غروب الشمس فضربه بجناحه وقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ووقعت في البحر وقطعه في المغرب ولم يبق من عمل بشيء إلا هلك.
﴿ واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ﴾ أي بغير الاستحقاق فإن الاستكبار بالحق لمن لا يكون فوقه كبير ولا مثله ولا دونه وما هو إلا الله سبحانه خالق كل ما سواه فهو المتكبر على الحقيقة المبالغ في الكبرياء ومن ثم قال الله تعالى :" الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار " ١
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة وابن ماجه عن ابن عباس ورواه الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة بلفظ " الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته " ورواه سمويه عن أبي سعيد وأبي هريرة بلفظ " الكبرياء ردائي والعز إزاري فمن نازعني في شيء منهما عذبته " ﴿ وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ﴾ قرأ نافع ويعقوب وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم على البناء للفاعل من المجرد والباقون بضم الياء وفتح الجيم على البناء للمفعول من الإرجاع.
١ أخرجه أبو داود في كتاب: اللباس بابك ما جاء في الكبر (٤٠٨٥) وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الزهد باب: البراءة من الكبر والتواضع (٤١٧٤).
﴿ فأخذناه وجنوده فنبذناهم ﴾ أي ألقيناهم ﴿ في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ إحذر قومك عن مثلها
﴿ وجعلناهم أئمة ﴾ قدوة لأهل الضلال بالحمل على الإضلال أو قدوة ورؤساء في الدنيا بإعطاء المال والجاه ﴿ يدعون ﴾ الناس ﴿ إلى النار ﴾ إلى موجباتها من الكفر والمعاصي جملة يدعون صفة لأئمة ﴿ يوم القيامة لا ينصرون ﴾ يعني لا يدفع أحد عنهم عذاب الله تعالى عطف على يدعون
﴿ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ﴾ طردا عن الرحمة أو لعن اللاعنين يلعنهم الله والملائكة والمؤمنون عطف على جعلنا ﴿ ويوم القيامة ﴾ متعلق بمقبوحين ﴿ هم من المقبوحين ﴾ أي المبعدين الملعونين قال أبو عبيدة من المهلكين وعن ابن عباس من المشبوهين لسواد الوجه وزرقة العين يقال قبحه الله وكذا يقال شوهه الله إذا جعله قبيحا ويقال قبحه قبحا وقبوحا إذا أبعده من كل خير.
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب ﴾ التوراة جواب قسم محذوف﴿ من بعد ما أهلكنا ﴾ ما مصدرية ﴿ القرون الأولى ﴾ قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم ﴿ بصائر للناس ﴾ حال من الكتاب أي حال كونه موجبا للبصائر جمع بصيرة وهي نور في القلوب يبصر به قلوبهم حقائق الأشياء من الواجب والممكن على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية ويميز الحق الباطل والرشد من الغي.
﴿ هدى ﴾ يهتدوا به إلى طريق النجاة وما فيه صلاح المعاش والمعاد ﴿ ورحمة ﴾ أي حال كون الكتاب سبيلا لنيل رحمة الله إن جعلوا بها أوحال كونه مقتضى لرحمة الله الأزلية عليهم ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أي لكي يتذكروا أو يكونوا على حال يرجى منهم التذكر فإن التذكر والخشية من ثمرات العلم ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾١
١ سورة فاطر الآية: ٢٨..
﴿ وما كنت بجانب الغربي ﴾ من مقام موسى وهو الطور قال قتادة والسدي أي بجانب الجبل الغربي وقال الكلبي بجانب الوادي الغربي عنوا أنه ليس من باب إضافة الصفة إلى الموصوف بل الموصوف محذوف قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ما كنت يا محمد حاضرا ﴿ إذا قضينا ﴾ أي أوحينا ﴿ إلى موسى الأمر ﴾ بالرسالة إلى فرعون وقومه ﴿ وما كنت من الشاهدين ﴾ للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم السبعون الذين اختارهم من قومه لميقات ربه يعني إخبارك بقصة موسى إخبار بالغيب لا يمكن الاطلاع عليه إلا بالوحي فهو معجزة لك وبرهان على دعواك النبوة ولذلك استدرك بقوله ﴿ ولكنا أنشأنا قرونا ﴾
﴿ ولكنا أنشأنا قرونا ﴾ أي رجالا مقارنين في كل عصر أو أهل قرون بحذف المضاف إن كان القرن بمعنى الزمان ﴿ فتطاول عليهم العمر ﴾ يعني ولكنا أوحينا إليك لبعد الفترة واندراس العلوم وتغير الشرائع والاضطراب والتعارض في الإخبار لما أنا أنشأنا قرونا مختلفة بعد موسى فتطاولت عليهم المدد ووقع التكاذب والتخالف فيما بينهم فحذف المستدرك وأقيم سببه مقامه وقال البغوي إن الله قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلقت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها فمعنى الآية ما كنت حاضرا عهدنا على موسى في أمرك ولم يكن ذلك باستدعائك ولكنا فعلنا ذلك تفضلا إبتدائيا حسما لاعتذار من خالفك إذا نشأنا قرونا فتطاول عليهم نظيره قوله تعالى :﴿ وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ﴾ إلى قوله :﴿ أن تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين ﴾ ١ ﴿ وما كنت ثاويا ﴾ أي مقيما ﴿ في أهل مدين ﴾ كمقام موسى وشعيب فيهم ﴿ تتلوا عليهم آياتنا ﴾ تذكرهم بالوعد والوعيد خبر ثان لكنت أو حال من الضمير في ثاويا قال مقاتل يعني لم تشهد في أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم ﴿ ولكنا كنا مرسلين ﴾ إياك إلى أهل مكة وسائر الناس بالمعجزات وإخبار المغيبات ولولا ذلك لما تلوت قصص على هؤلاء
١ سورة الأعراف الآية: ١٧٢..
﴿ وما كنت بجانب الطور ﴾ أي بناحية الجبل الذي علم الله عليه موسى ﴿ إذ نادينا ﴾ موسى أن خذ الكتاب بقوة فالمراد بهذا وقت إعطائه التوراة وبالأول وقت استنبائه وقال وهب قال موسى يا رب أرني محمد صلى الله عليه وسلم قال إنك لن تصل إلى ذلك وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم قال نعم يا رب قال الله تعالى يا أمة محمد فأجابوا من أصلاب آبائهم. وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير نادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني وروى عن ابن عباس قال الله تعالى يا أمة محمد فأجابوا من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك قال الله تعالى يا أمة أحمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي وعقابي قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم من قبل أن تعصوني من جاء يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبدي ورسولي دخل جنة وإن كان ذنوبه أكثر من زبد البحر ﴿ ولكن رحمة من ربك ﴾ أي لكن رحمناك رحمة من ربك بإرسالك والوحي إليك وإطلاعك على المغيبات أو أرسلناك أو علمناك رحمة من ربك ﴿ لتنذر ﴾ متعلق بمحذوف وهو الفعل الناصب لقوله تعالى رحمة يعني رحمناك وأرسلناك وعلمناك لتنذر ( قوما ما أتاهم ) صفة لقوم ﴿ من نذير ﴾ فاعل أتاهم بزيادة من ﴿ من قبلك ﴾ والمراد بالقوم أهل مكة لم يبعث نبي بمكة بعد إسماعيل عليه السلام وكانت دعوة موسى وعيسى وغيرهما في بني إسرائيل ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أي لكي يتذكروا ويتعظوا متعلق بقوله لتنذر
﴿ ولولا أن تصيبهم مصيبة ﴾ أي عقوبة ونقمة ﴿ بما قدمت أيهديهم ﴾ أي بسبب ما أتوا به من الكفر والمعاصي ولما كان أكثر الأعمال بتزاول الأيدي نسبت الأعمال إلى الأيدي تغليبا وإن كان بعضها من أفعال القلوب ﴿ فيقولوا ﴾ منصوب لكونه معطوفا على تصيبهم والعطف بالفاء للسببية المنبهة بأن يكون سببا لانتفاء ما يجاب به لولا الامتناعية وإنه لا يصدر عنهم هذا القول إلا بعدما أصابهم العقوبة ﴿ ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع ﴾ منصوب في جواب لولا التحضيضية تشبيها له بالأمر تقديره هلا كان منك إرسال رسول إلينا فا تباعا منا ﴿ آيتك ونكون ﴾ عطف على نتبع ﴿ من المؤمنين ﴾ وجواب لولا الإمتناعية محذوفة والمعنى لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا آيا تك فنتبعها ونكون من المصدقين لما بعثناك إليهم رسولا وعاقبناهم بكفرهم من غير إنذار سابق على العقاب ولكن بعثناك إليهم قطعا لاعتذارهم وإلزاما للحجة عليهم نظير قوله تعالى :﴿ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ﴾ ١.
١ سورة النساء الآية: ١٦٥..
﴿ فلما جاءهم الحق ﴾ يعني القرآن أو محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا مصدقا بالكتاب المعجز ﴿ من عندنا قالوا ﴾ يعني كفار مكة تعنتا واقتراحا ﴿ لولا ﴾ هلا ﴿ أوتي ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ مثل ما أوتي موسى ﴾ من الآيات كالعصا واليد البيضاء أو الكتاب جملة واحدة وهذه الجملة معطوفة على مضمون جملة سابقة ولكن بعثناك إليهم قطعا لاعتذارهم وإلزاما للحجة فلما جاءهم الحق الخ ﴿ أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾ القرآن الاستفهام للإنكار وإنكار النفي إثبات والواو للعطف على محذوف تقديره ألم يكذبوا موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى يعني قد كذبوا موسى وكفروا بما أوتي موسى من قبل هذا فكيف يطلبون منك مثل ما أوتي يعني أن أبناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم كفرة زمان موسى كفروا بما أوتي موسى وقال الكلبي لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة إلى الإسلام بعثوا رجالا إلى أحبار اليهود بالمدينة فسألوهم عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود فكفروا يعني أهل مكة بموسى وبما أوتي به ﴿ قالوا ﴾ كذا قرأ أهل الحجاز والبصرة والشام على وزن اسم الفاعل يعنون محمدا وموسى صلى الله عليهما وسلم وقرأ الكوفيون سحران بكسر السين وإسكان الحاء على المصدر على حذف المضاف أو جعلهما سحرين مبالغة أو عنوا بالسحرين التوراة والفرقان وعلى قول غير الكلبي قالوا يعني كفرة زمان موسى ساحران يعنون موسى وهارون ﴿ تظاهرا ﴾ أي تعاونا يعني محمد أو موسى بتوافق الكتابين أو موسى وهارون ﴿ وقالوا ﴾ أي كفار مكة من موسى ﴿ إنا بكل ﴾ أي بكل منهما أو بكل واحد من الأنبياء ﴿ كافرون ﴾ والظاهر قول الكلبي على ما يقتضيه السياق وبدليل قوله تعالى.
﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ فأتوا ﴾ يا أهل مكة والفاء في جواب شرط مقدر يعني إن كفرتم بالكتابين القرآن والتوراة وقلتم أنهما سحران فأتوا ﴿ بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ﴾ أي مما أوتي محمد وموسى من القرآن والتوراة وإضمارهما لدلالة المعنى ﴿ أتبعه ﴾ مجزوم في جواب الأمر يعني إن تأتوا بأهدى منهما أتبعه ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ في دعواكم إنهما ساحران ومن جاءا بهما ساحران وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أعنى فأتوا وهذا من الشروط التي يراد بها الإلزام والتبكيت ومجيء حرف الشك للتهكم بهم
﴿ فإن لم يستجيبوا لك ﴾ دعاءك على الإتيان بالكتاب الأهدى حذف المفعول للعلم به ولأن فعل الإستجابة يعدي بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدى إليه حذف الدعاء غالبا والمعنى انه إن لم يأتوا بكتاب أهدى ﴿ فاعلم ﴾ أنهم ألزموا ولم يبق لهم حجة و﴿ إنما يتبعون أهواءهم ﴾ إذ لو اتبعوا حجة لأتوا بها عند الحاجة إليها ﴿ ومن أضل ﴾ يعني لا أحد أضل ﴿ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ﴾ في موضع حال للتوكيد أو التقييد فإن هوى النفس قد يوافق الحق إذا كمل إيمان المرء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " ١ رواه البغوي في شرح السنة عن عبد الله بن عمرو وقال النووي حديث صحيح ﴿ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في إتباع الهوى.
١ أخرجه الحكيم وأبو نصر السجري في الإبانة وقال: حسن غريب ورواه الخطيب عن ابن عمرو. انظر كنز العمال (١٠٨٤)..
﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ قال الفراء يعني أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضا قال البيضاوي يعني في الأنزال ليتصل التذكير أو في النظم ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر قال في المدارك التوصيل تكثير الوصل وتكريره وقال ابن عباس معناه بينا قلت : يعني بين بعض الكتاب ببعض وقال قتادة وصل لهم القول في هذا القرآن كيف صنع بمن مضى وقال ابن زيد وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا في الدنيا ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أي لكي يتذكروا متعلق بوصلنا.
أخرج ابن جرير والطبراني عن رفاعة القرظي قال نزلت ﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ في عشرة أنا أحدهم وأخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال خرج عشرة رهط من أهل الكتاب منهم رفاعة يعني أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمنوا فأوذوا فنزلت﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله ﴾.
﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله ﴾ أي من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل من قبل القرآن ﴿ وهم به يؤمنون ﴾ أخرج ابن جرير عن قتادة قال كنا نحدث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا به منهم عثمان وعبد الله بن سلام وكذا ذكرالبغوي وكذا اخرج ابن مردويه عن ابن عباس واخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا فشهدوا وقعة خيبر فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول الله إنا أهل ميسرة فأئذن لنا لنانجئ بأموالنا نواسي بها المسلمين فأنزل الله فيهم ﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ﴾ و أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال لما أتى جعفر وأصحابه والنجاشي أنزلهم وأحسن إليهم فلما أرادوا أن يرجعوا قال من آمن من أهل مملكته ائذن لنا فلنخدم هؤلاء في البحر ونأتي هذا النبي فنحدث به عهدا فانطلقوا وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحدا وحنينا وخيبر ولم يصب أحد منهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائذن لنا فلنأت أرضنا فإن لنا أموالا فنجيء بها فننفقها على المهاجرين فإ نا نرى بهم جهدا فأذن لهم فانطلقوا فجاءوا بأموالهم وانفقوها على المهاجرين فأنزل الله فيهم الآية وذكر البغوي عن سعيد بن جبير نحوه قال فأ نزل الله فيهم ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) إلى قوله :﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ وذكر البغوي عن ابن عباس إن الآية نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران وإثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام
ثم وصفهم الله تعالى فقال ﴿ وإذا يتلى ﴾ يعني القرآن ﴿ عليهم ﴾ الظرف متعلق بقوله :﴿ قالوا آمنا به ﴾ أي بأنه كلام الله عطف على يؤمنون ﴿ إنه الحق من ربنا ﴾ استئناف لما أوجب إيمانه ﴿ إنا كنا من قبله ﴾ أي من قبل نزوله ﴿ مسلمين ﴾ مخلصين لله في التوحيد مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم انه نبي وذلك لما بشر به عيسى عليه السلام حيث قال ﴿ مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ﴾ ١ وكان ذكره في التوراة والإنجيل وهذا استئناف آخر للدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ وإنما هو أمر تقادم عهده وجاز أن يكون هذه الجملة بيان لقوله :﴿ ربنا آمنا ﴾ فإنه يحتمل البعيد والقريب وبهذه الآية حمل على البعيد وأندفع احتمال القريب.
١ سورة الصف الآية: ٦..
﴿ أولئك يؤتون أجرهم مرتين ﴾ مرة على إيمانهم بكتابهم وبالقرآن قبل نزوله بشهادة نبيهم وكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن بعد نزوله ﴿ بما صبروا ﴾ أي بصبرهم وبقائهم على الإيمان بالقرآن بعد نزوله كما كان قبل نزوله بخلاف غيرهم من أهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون به قبل نزوله ويستفتحون به على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حسدا ولم يصبروا على الإيمان.
روى الشيخان في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران " ١ ﴿ ويدرؤون بالحسنة السيئة ﴾ قال ابن عباس يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك وقال مقاتل يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو قلت : وجاز أن يقال يدفعون عداوة من عاداهم بالإحسان إليهم ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ ٢ وقيل معناه يدفعون بالطاعة المعصية قال الله تعالى :﴿ إن الحسنات يذهبن السيآت ﴾ ٣ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أتبع الحسنة السيئة تمحها " ٤ ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ في سبيل الخير
١ أخرجه البخاري في كتاب: العلم باب: تعليم الرجل أمته وأهله (٩٧) وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جمع الناس (١٥٤)..
٢ سورة فصلت الآية: ٣٤..
٣ سورة هود الآية: ١١٤..
٤ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة باب: ما جاء في معاشرة الناس (١٩٩٣)..
﴿ وإذا سمعوا اللغو ﴾ أي القبيح من القول ﴿ أعرضوا عنه ﴾ قال البغوي كان المشركون يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون تبا لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم ﴿ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ أي لنا ديننا ولكم دينكم ﴿ سلام عليكم ﴾ ليس المراد التحية ولكنه سلام المتاركة معناه سلمتم منا لا نردكم بالشتم والقبيح ﴿ لا نبتغي الجاهلين ﴾ أي لا نطلب دين الجاهلين ولا نحب دينكم الذي انتم عليه قيل معناه لا نطلب صحبة الجاهلين وقيل معناه لا نريد أن نكون من الجاهلين يعنون أنه إن صدر منا شتمكم وسبكم في مقابلة ما صدر منكم شتمنا فنكون حينئذ مثلكم ونحن لا نريد ذلك نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين والجملة الشرطية أعني ﴿ إذا سمعوا اللغو ﴾ إلى آخره معطوف على قوله :﴿ وإذا يتلى عليهم ﴾ قال البغوي وهذا كان قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال قلت وهذا القول من البغوي لا يطابق ما ذكر من سبب نزول الآية فإن الآية نزلت إما في عبد الله بن سلام وأصحابه وكان إسلامهم بعد الهجرة وإما في أصحاب النجاشي حين قدموا مع جعفر بن أبي طالب وذلك في غزوة خيبر سنة ست من الهجرة وإما في أربعين من أهل نجران وثمانية من أهل الشام وكل ذلك كان بعد الهجرة بعدما أمرنا بالقتال والله أعلم.
أخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب :" قل لا إله إلا الله ؛ أشهد لك يوم القيامة ". قال :" لولا أن تعيرني نساء قريش - يقلن إنه حمله على ذلك الجزع - لأقررت بها عينك ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ﴾ ١ هدايته ؛ أو من أحببته لقرابته ؛ ﴿ ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ هدايته ﴿ وهو أعلم بالمهتدين ﴾. قال مجاهد ومقاتل : بمن قدر له الهدى. وأخرج النسائي وابن عساكر في تاريخ دمشق بسند جيد عن أبي سعيد بن رافع قال : سألت ابن عمر عن هذه الآية ﴿ إنك لا تهدي من أحببت ﴾ في أبي جهل وأبي طالب ؟ قال : نعم. وأخرج الشيخان والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ؛ فقال : أي عم ؛ قل لا إله إلا الله ؛ كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : على ملة عبد المطلب ؛ وأبى أن يقول لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ". فأنزل الله ﴿ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ﴾ الآية، وأنزل الله في أبي طالب ﴿ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ ٢.
١ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان باب: الدليل على صحة إسلام من حضرة الموت ما لم يشرع في النزع (٢٥) وأخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: سورة القصص (٣١٨٨)..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: ﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾ (٤٧٧٢) وأخرجه النسائي في كتاب: الجنائز باب: النهي عن الاستغفار للمشركين (٢٠٢٦)..
أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن أناسا من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن نتبعك يتخطفنا الناس فأنزل الله ﴿ وقالوا ﴾ يعني أهل مكة عطف على ﴿ قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ﴾ وما بينها اعتراضات ﴿ إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ﴾ قال البغوي نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف انه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لنعلم أن الذي تقول حق والكنا إن اتبعناك خفنا أن تخرجنا العرب من أرض مكة وهو معنى قوله :﴿ نتخطف من أرضنا ﴾ كذا أخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس واخرج والنسائي عن ابن عباس أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال ذلك والاختطاف الانتزاع بسرعة فرد الله عليهم ذلك وقال ﴿ أو لم نمكن لهم ﴾ الاستفهام للإنكار والواو للعطف على محذوف تقديره ألم نسكنهم بمكة ولم نمكن لهم ﴿ حرما آمنا ﴾ وذلك أن العرب في الجاهلية كان يغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا وكان أهل مكة آمنون حيث كانوا لحرمة الحرم ومن المعروف أنه كان يأ من فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة ﴿ يجبي إليه ﴾ قرأ نافع ويعقوب بالتاء الفوقانية لأجل الثمرات والباقون بالياء التحتانية للحائل بين الاسم المؤنث والفعل ولأن التأنيث غير حقيقي أي يجلب ويجمع إليه ﴿ ثمرات كل شيء ﴾ من كل جانب ﴿ رزقا من لدنا ﴾ فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأوثان فكيف يعرضهم للتخويف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حمة التوحيد ﴿ ولكن أكثرهم ﴾ جهلة ﴿ لا يعلمون ﴾ لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموا وقيل إنه متعلق بقوله :﴿ من لدنا ﴾ أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب رزقا على المصدر من معني يجبي فإن معناه يرزق رزقا أو على الحال من الثمرات لتخصيصها بالإضافة
ثم بين أن الأمر بالعكس فإن الواجب أن يخافوا من بأس الله على ما هو عليه من الكفر والمعاصي بقوله ﴿ وكم أهلكنا من قرية ﴾ أي من أهل قرية كانت حالهم كحالهم ﴿ بطرت ﴾ أي أشرت وطغت وصفت القرية بوصف أهلها يعني طغى بنعم الله ولم يشكروها قال عطاء عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعصوه وعبدوا الأصنام ﴿ معيشتها ﴾ منصوب على الظرفية يعني طغت مدة معيشتها فدمر الله وخرب ديارهم ﴿ فتلك مساكنهم ﴾ خربة وهي حجر وقرى قوم لوط تعليل لما سبق من إهلاك القرى ﴿ لم تسكن ﴾ حال من مساكنهم والعامل فيه معنى الإشارة ﴿ من بعدهم ﴾ أي بعدما أهلكوا ﴿ إلا قليلا ﴾ منصوب على المصدرية أو الظرفية يعني إلا سكونا قليلا أو زمانا قليلا قال ابن عباس لم يسكنها إلا مسافر أو مار طريقا يوما أو ساعة وقيل معناه لم يبق من يسكنها إلا قليلا من شؤم معاصيهم ﴿ وكنا نحن الوارثين ﴾ إذ لم يخلفهم أحد يتصرف بصرفهم في ديارهم وسائر متصرفاتهم
﴿ وما كان ربك مهلك ﴾ أي لم يكن عادته إهلاك ﴿ القرى ﴾ الكافر ﴿ حتى يبعث في أمها ﴾ يعني أكبرها وأعظمها ﴿ رسولا ﴾ ينذرهم خص الأعاظم ببعثة الرسل فيها لأن الرسل يبعث إلى الأشراف فإن الأتباع يتبعهم في الإيمان والكفر ومن أجل ذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل :" أسلم تسلم وإلا فعليك إثم الأريسيين " والأشراف يسكنون المدائن والمواضع التي هي أم ما حولها ﴿ يتلو عليهم آياتنا ﴾ قال مقاتل يخبرهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ﴿ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ﴾ بتكذيب الرسل والعتو بالكفر
﴿ وما أوتيتم من شيء ﴾ من زخارف الدنيا ﴿ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ﴾ تتمتعون وتتزينون بها مدة حياتكم المنقضية ﴿ وما عند الله ﴾ من الجنة ومراتب قربه تعالى :﴿ خير ﴾ في نفسه من ذلك لأنه لذة خالصة وبهجة كاملة ﴿ وأبقى ﴾ لأنه أبدي ﴿ أفلا تعقلون ﴾ الاستفهام للإنكار والفاء للعطف والتعقيب على محذوف تقديره ألا تتفكرون فلا تعقلون
﴿ أفمن وعدناه ﴾ عطف على قوله ﴿ وما عند الله خير وأبقى ﴾ والهمزة لإنكار تعقيب المعطوف للمعطوف عليه يعني أبعد هذا التفاوت الجلي جعلتم ﴿ وعدا حسنا ﴾ أي بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود ﴿ فهو لاقيه ﴾ أي مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعد الله سبحانه ولذلك عطف بالفاء المفيدة للسببية ﴿ كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ﴾ المشوب بالآلام المكدر بالمتاعب المستعقب للتحسر على الانقطاع ﴿ ثم هو يوم القيامة من المحضرين ﴾ للحساب أو العذاب وثم للتراخي في الزمان أو الرتبة قرأ نا فع وابن عامر في رواية والكسائي ثم هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل قال قتادة يعني المؤمن والكافر لا يستويان بل المؤمن أحسن حالا قال البغوي وكذا أخرج ابن جرير انه قال مجاهد نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل ؟ وأخرج من وجه آخر عنه أنها نزلت في حمزة وأبي جهل وقال البغوي قال مقاتل ومحمد بن كعب نزلت في حمزة أو علي وفي أبي جهل وقيل نزلت في عمار ووليد بن المغيرة
﴿ ويوم يناديهم ﴾ عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر ﴿ فيقول ﴾ الله سبحانه للمشركين ﴿ أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ أي تزعمونهم في الدنيا شركائي حذف مفعولي تزعمون لدلالة الكلام عليه قلت لعل المراد بالشركاء رؤساء الكفرة الذين ترك الأتباع عبادة الله واختاروا عبادتهم وإتباعهم وتسميتهم شركاء على سبيل الاستهزاء
﴿ قال الذين حق ﴾ أي وجب ﴿ عليهم القول ﴾ لوجوب مقتضاه والمراد بالقول :﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ ١ وغيره من آيات الوعيد يعني قال رؤساء الكفار ﴿ ربنا هؤلاء ﴾ أي الأتباع مبتدأ خبره ﴿ الذين أغوينا ﴾ الضمير المنصوب العائد على الموصول محذوف ويعني أغويناهم ﴿ أغويناهم ﴾ فغووا ﴿ كما غوينا ﴾ الكاف صفة لمصدر فعل محذوف دل عليه أغويناهم تقديره فغووا غيا كما غوينا أي مثل ما غوينا وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم مثل ما غوينا باختيارنا وإنا لم نفعل بهم إلا وسوسة وتسويلا وتسويلنا وإن كان داعيا لهم على الكفر فقد كان دعاء الله تعالى لهم بإقامة الحجج وبعث الرسل وإنزال الكتب أولي بالإتباع من تسويلنا وهذا كقوله تعالى :﴿ وقال الشيطان لما قضي ﴾ ٢ الآية ويجوز أن يكون الموصول صفة وأغويناهم الخبر لأجل ما أتصل به من المقدر والملفوظ أعني فغووا كما غوينا فأفاد زيادة على الصفة وهو وإن كان فضله لكنه صار من اللوازم ﴿ تبرأنا ﴾ منهم ومما اختاروا من الكفر هوى منهم ﴿ إليك ﴾ متعلق بتبرأ بتضمين معنى التوجه يعني تبرأنا منهم متوجهين إليك ﴿ ما كانوا إيانا يعبدون ﴾ أي ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقيل ما مصدرية متصلة بتبرأنا أي تبرأنا من عبا دتهم إيانا
١ سورة هود الآي: ١١٩..
٢ سورة إبراهيم الآية: ٢٢..
﴿ وقيل ﴾ يعني للكفار عطف على ﴿ قال الذين حق عليهم القول ﴾ ﴿ ادعوا شركاءكم ﴾ لتخلصكم من العذاب والمراد بالشركاء هاهنا الأصنام ونحوها المعبودون بالباطل ﴿ فدعوهم ﴾ من فرط الحيرة أو لأجل ما كانوا يزعمون أنهم يشفعون عند الله ﴿ فلم يستجيبوا لهم ﴾ لعجزهم عن الإجابة والنصرة ﴿ ورأوا ﴾ يعني الكفار ﴿ العذاب ﴾ لأنفسهم ولآلهتهم ﴿ لو أنهم كانوا يهتدون ﴾ جواب لو محذوف تقديره لو أنهم يهتدون في الدنيا لم يروا العذاب والأظهر أن لو للتمني أي تمنوا أنهم كانوا مهتدين
﴿ ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين٦٥ ﴾ عطف على الأول فإنه تعالى يسألهم أولا سؤال توبيخ عن إشراكهم وثانيا عن تكذيبهم الرسل.
﴿ فعميت عليهم الأنباء ﴾أي فصارت الأنباء عليهم كالعميان لا يهتدي إليهم وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الدهر إنما يغيض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن حيلة إلى استحضاره والمراد بالأنباء الأعذار في تكذيب الرسل وقال مجاهد الحجج والمعنى أنهم لا يحييون بشيء ولا يأتون بحجة أم لم يكن عندهم حجة ﴿ يومئذ ﴾ تأكيد لقوله ﴿ يوم يناديهم ﴾ قال البيضاوي وإذا كانت الرسل في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالكفار وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء ﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة أو العلم بأنه مثله
﴿ فأما من تاب ﴾ من الشرك ﴿ وآمن وعمل صالحا ﴾ أي جمع بين الإيمان والعمل الصالح ﴿ فعسى أن يكون من المفلحين ﴾ عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام أو ترجي من التائب والمعنى فليتوقع الفلاح.
﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختا ر ﴾ من يشاء لما يشاء فا ختار محمدا صلى الله عليه وسلم للنبوة من بين سائر الناس قال البغوي نزلت جوابا للمشركين حين قالوا :﴿ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ ١ يعنون الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي ﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ الخيرة اسم من الاختيار قائم مقام المصدر ويطلق بمعنى المفعول أيضا يقال محمد خيرة الله من خلقه ومعنى الآية ليس للعباد الاختيار في ذلك حتى يقولوا لولا أرسل إلينا فلان فهذا بمنزلة التأكيد فما سبق ولذلك خلا من العاطف ويؤيده سياق القصة أنها نزلت جوابا لما قال المشركون ويناسبه قوله تعالى :﴿ سبحان الله ﴾ أي تنزيها له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار غيره ﴿ وتعالى عما يشركون ﴾ أي عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه به وقيل ما في قوله :﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ موصولة في محل النصب على المفعولية ليختاروا العائد محذوف والمعنى ربك يختار ما كان لهم أي للعباد فيه الخيرة أي الخير والصلاح يعني كان إرسال محمد صلى الله عليه وسلم لهم خيرا دون إرسال غيره وعلى التأويل مع ما فيه من التكلف لا حجة للمعتزلة على وجوب الأصلح على الله تعالى بل المراد انه يفعل مفضلا ما هو خير لهم غالبا وقيل ما كان لهم الخيرة نفي لاختيار العباد رأسا ودليل على كون العباد مجبورين في أفعالهم وهذا أيضا باطل إذ لو كان المراد ذ لك لنكر الخيرة ولم يورد بلام العهد المشير إلى اختيار معين وهو اختيار الرسل كما يدل عليه سبب النزول.
١ سورة الزخرف الآية: ٣١..
﴿ وربك يعلم ما تكن صدورهم ﴾ كعداوة الرسول وحقده ﴿ وما يعلنون ﴾ كالطعن فيه.
﴿ وهو الله ﴾ المستحق للعبادة ﴿ لا إله إلا هو ﴾ لا يستحقها غيره تقرير لما سبق ﴿ له الحمد في الأولى والآخرة ﴾ لأنه الجميل على الإطلاق وجمال غيره مستعار منه هو المولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا يقولون ﴿ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ١ ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده ﴾ ٢ إبتهاجا بفضله والتذاذا بحمده لأجل التكليف ﴿ وله الحكم ﴾ القضاء النافذ في كل شيء قال ابن عباس حكمه لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل معصيته بالشقاء ﴿ وإليه ﴾ أي إلى حكمه ﴿ ترجعون ﴾ بالنشور بعد الموت
١ سورة الزمر الآية: ٧٤..
٢ سورة فاطر: الآية: ٣٤..
﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ آرءيتم ﴾ أخبروني يا أهل مكة ﴿ إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ﴾ أي دائما من السرود وهو المبالغة والميم زائدة ﴿ إلى يوم القيامة ﴾ لا تطلع عليكم الشمس ﴿ من إله غير الله يأتيكم بضياء ﴾ تطلبون فيه المعيشة ومن الاستفهام للإنكار والمعنى لا إله غير الله يأتيكم به قال البيضاوي كان حقه هل إله فذ كر بمن على زعمهم أن غيره آلهة ﴿ أفلا تسمعون ﴾ موعظتي سماع تدبر واستبصار
﴿ قل أرآيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا ﴾ بإسكان الشمس في وسط السماء { إلى يوم
القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه } إستراحة عن تعب الأشغال ﴿ أفلا تبصرون ﴾ آياتنا ولعله لم يصف الضياء بما يقابل السكون لأن الضوء نعمة بذاته مقصودة بنفسه ولا كذلك الليل ولأن منا فع اليوم وأكثر من أن يذكروا لذلك قرن به أفلا تسمعون وبالليل أفلا تبصرون لأن استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر
﴿ ومن رحمته ﴾ من للسببية متعلق بجعل لكم قدم عليه للحصر﴿ جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ﴾ أي في الليل ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ أي من منافع الدنيا والآخرة في النهار فهو لف ونشر مرتب وقال الزجاج يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضله فيهما قلت وعلى هذا إنما ذكر بالليل والنهار ولم يقل وجعل لكم الزمان لتغاير أنحاء السكون والابتغاء فيهما ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ أي لكي تشكروا على نعماء الله تعالى
﴿ ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ أنهم يشفعون لكم وينجوكم من عذاب الله تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به وكان الأول توبيخ على ابتاعهم رؤساءهم وترك عبادة الله بإتباعهم وهذا بيان لفساد رأيهم ورجائهم الشفاعة من الحجارة ونحوها.
﴿ ونزعنا ﴾ أي أخرجنا عطف على يقول على سبيل الالتفات أو إعتراض ﴿ من كل أمة شهيدا ﴾ يشهد عليهم بما كانوا عليه وهو نبيهم ﴿ فقلنا هاتوا برهانكم ﴾ أي حجتكم على صحة ما كنتم تدينون به ﴿ فعلموا ﴾ حينئذ ﴿ أن الحق لله ﴾ في الألوهية لا يشاركه فيها أحد ﴿ وضل عنهم ﴾ غاب عنهم غيبة الضائع ﴿ ما كانوا يفترون ﴾ في الدنيا من الباطل.
﴿ إن قارون كان من قوم موسى ﴾ قال البغوي كان ابن عمه لأنه كان قارون بن يصهر بن قاهت بن لاوي بن يعقوب عليه السلام وموسى بن عمران بن قاهت بن لاوي بن يعقوب عليهما السلام كذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج وقال ابن إسحاق كان قارون عم موسى كان أخا عمران وهما ابنا يصهر بن قاهت ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون ولكنه نافق كما نافق السامري وقال جلال الدين المحلي كان ابن عمه وابن خالته ﴿ فبغى عليهم ﴾ قيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فكان يبغي عليهم أي يظلمهم وقال الضحاك بغي عليهم بالشرك وقيل بغى عليهم بالكبر والعلو وقيل معناه حسدهم وطلب الفضل عليهم وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بني إسرائيل وكان يسمى بمن حسن صوته بالتوراة لكن عدو الله نافق السامري فأهلكه الله لغيه إنما بغي الكثرة ماله ولده لكن قوله تعالى في سورة المؤمن ﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهمان وقارون فقالوا ساحر كداب٢٤ ﴾١ يدل على أن قارون لم يؤمن بموسى قط لا ظاهرا ولا باطنا قال شهر بن حوشب زاد قارون في طول ثيابه شبرا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ينظر الله إلى من جرثوبه خيلاء " رواه البغوي وروى مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم :" إن الله لا ينظر إلى من يجر رداءه بطرا " ٢وروى أحمد والنسائي صحيح عن ابن عباس مرفوعا قال :" إن الله لا ينظر إلى مسبل بإزاره " ٣ ﴿ وآتيناه من الكنوز ﴾ أي الأموال المدخرة ﴿ ما إن مفاتحه ﴾ أي مفاتح صناديقه جمع مفتح بكسر الميم وهي التي يفتح بها وهذا قول قتادة ومجاهد وجماعة وقيل مفاتحه أي خزائنه كما قال الله تعالى ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ ٤ أي خزائنه وقياس واحدها الفتح لكن على هذا التأويل قوله تعالى :﴿ لتنوأ بالعصبة أولى القوة ﴾ لا يدل على كثرة خزائنه غاية الكثرة فإن ما يحمله أربعون من الرجال لا يبلغ غالبا أربع مائة ألف درهم وقال جرير عن منصور عن خيثمة قال وجدت في الإنجيل مفاتح خزائن قارون وقرستين بغلا ما يزيد مفتاح منها على أصبع لكل مفتاح كنز ويقال إن قارون أين ما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه وكانت من حديد فلما ثقلت عليه جعل من خشب فثقلت عليه فجعلت من جلود البقر على طول أصبع وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا وهذه الروايات لا يساعدها القرآن إذ العصبة لا يطلق إلا على الرجال دون البغال قال البغوي واختلفوا في العصبة قال مجاهد ما بين العشرة إلى خمسة عشر وقال الضحاك عن ابن عباس ما بين الثلاثة إلى العشرة وقال قتادة ما بين العشرة إلى الأربعين وكذا في القاموس وقيل سبعون وروي عن ابن عباس انه قال ما بين العشرة إلى الأربعين وكذا في القاموس وقيل سبعون وروي عن ابن عباس انه قال كان يحمل مفاتحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال ومعنى قوله ﴿ لتنوأ بالعصبة ﴾ أي تنتقلهم وتميل بهم إذا حملوها لثقلها وقال أبو عبيدة هذا من المقلوب تقديره ما أن العصبة لتنوء بها يقال ناء فلان بكذا إذا نكص به مثقلا والجملة خبر إن وهي مع جملتها صلة ما وهي ثاني مفعولي آتيناه ومن الكنوز حال مقدم عليه ﴿ إذ قال له قومه ﴾ ظرف لتنوء ﴿ لا تفرح ﴾ الفرح السرور وانكشاف الصدر بوجدان المرغوب والفرح المنهي عنه هو البطر بمعنى الطغيان والتكبر عن قبول الحق عندما يرى نفسه غنيا قال الله تعالى :﴿ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ﴾٥ في القاموس الفرح السرور والنظر وفسر البغوي لا تفرح بقوله لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح وإنما ذلك لأن الفرح بمعنى السرور عند وجدان المرغوب أمر طبعي لا اختيار للعبد فيه فلا يتصور عنه النهي وقال البيضاوي والفرح بالدنيا مذموم مطلقا لأنه يحبسه حبها والرضاء بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذات مفارقة لا محالة توجب التبرج وذلك قال الله تعالى :﴿ لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ﴾ ٦ وعلل النهي هاهنا بكونه مانعا من محبة الله إيانا فقال ﴿ إن الله لا يحب الفرحين ﴾ بزخارف الدنيا المتكبرين بها غير شاكرين عليها قال بعض المحققين قد ورد ذم الفرح في مواضع عديدة من القرآن قال الله تعالى :﴿ ولما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ﴾ ٧ وقال ﴿ فرحوا بالحياة الدنيا ﴾ ٨ وقال ﴿ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ﴾ ٩وقال ﴿ حتى إذا فرحوا بما أوتوا ﴾ ١٠ ولم يرخص في الفرح إلا في قوله تعالى :﴿ فبذلك فليفرحوا ﴾ ١١ وقوله :﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ﴾ ١٢ وعندي أن الفرح في الدنيا بما يفيد في الآخرة محمود مطلقا ومأمور به في قوله تعالى :﴿ فبذلك فليفرحوا ﴾ والفرح بلذات الدنيا إن كان مقرونا بالشكر فمحمود أيضا حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الطاعم الشاكر كالصائم الصابر " ١٣ والفرح إن كان مقرونا بالطغيان والكفران فمذموم حقا فالمدح والذم إنما يتوجه إلى ما يتعلق به الفرح أو ما معه من الشكر أو الكفران وأما نفس الفرح والسرور بدرك المرغوب فأمر طبعي لا اختيار للعبد فيه فلا يتوجه إليه التكليف غير أنه إذا أحب العبد الله صادقا لا يفرح إلا بما يرضى به ربه فلا يتوجه إليه من يحبه فلا يحب الله من يفرح بمرغوبه من حيث ومرغوبه لا من حيث هو مرغوب ربه والله أعلم.
١ سورة غافر الآية: ٢٣- ٢٤..
٢ أخرجه مسلم في كتابك اللباس والزينة باب: تحريم جر الثوب خيلاء وبيان ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب (٢٠٨٧)..
٣ أخرجه النسائي في كتاب: الزينة باب: أسباب الإزار (٥٣٣١)..
٤ سورة الأنعام الآية: ٥٩..
٥ سورة العلق الآية: ٦- ٧..
٦ سورة الحديد الآية: ٢٣..
٧ سورة غافر الآية: ٨٣..
٨ سورة الرعد الآية: ٢٦..
٩ سورة غافر الآية: ٧٥.
١٠ سورة الأنعام الآية: ٤٤..
١١ سورة يونس الآية: ٥٨..
١٢ سورة الروم الآية: ٤- ٥..
١٣ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقاق والورع (٢٤٨٦)..
﴿ وابتغ فيما آتاك الله ﴾ من نعماء الدنيا ﴿ الدار الآخرة ﴾ يعني الجنة بأن تقوم بشكرها وتنفقها في مرضاة الله ﴿ ولا تنس ﴾ أي لا تترك ترك المنسي ﴿ نصيبك من الدنيا ﴾ يعني ما تحصل بها آخرتك فإن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا آن يعمل للآخرة فإن الدنيا مزرعة الآخرة كذا قال مجاهد وابن زيد وقال السدي نصيبكم من الدنيا الصدقة وصلة الرحم وقال علي رضي الله عنه لا تنس صحتك وقوتك وشبا بك وغناك أن تطلب الآخرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبا بك قبل هرمك وغناك قبل فقرك " رواه الحاكم والبيهقي بسند صحيح وأحمد في الزهد وروى البغوي وابن حبان وأبو نعيم في الحلية عن عمر بن ميمون الأودي مرسلا نحوه وقال الحسن أمر أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه يعني ما يكفيه وقال منصور بن ناذان ﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا قوتك وقوة أهلك وأحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك ﴾ أو أحسن عبادة الله بدوام الذكر والشكر والطاعة ﴿ كما أحسن الله إليك ﴾ بإنعام متواتر غير منقطع بحيث لا تعد ولا تحصى ﴿ ولا تبغ ﴾ أي لا تطلب ﴿ الفساد في الأرض ﴾ قال البيضاوي نهي له مما كان عليه من الظلم والبغي وقال البغوي كل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض ﴿ إن الله لا يحب المفسدين ﴾ بسور أعمالهم.
﴿ قال إنما أوتيته على علم ﴾ الظرف منصوب على الحال من الضمير المرفوع ﴿ عندي ﴾ قرأ نافع وابن كثير بخلاف عنه وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ظرف مستقر صفة لعلم أو لغو متعلق بأوتيته كقولك هذا عندي أي في ظني واعتقادي ويه رد لقولهم ﴿ أحسن كما أحسن الله إليك ﴾ يعني لم يحسن إلي الله من غير استحقاق مني تفضلا محضا حتى يجب علي شكره والإحسان إلى عباده بل أوتيت الجاه والمال والتفوق على الناس حال كوني علم كائن عندي أو في اعتقادي قيل المراد به العلم به علم الكيميا قال سعيد بن المسيب كان موسى يعلم الكيميا فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما على علمه وكان ذلك سبب أمواله وقيل ﴿ على علم عندي ﴾ بالصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب وقال سهل ما نظر احد إلى نفسه فأفلح والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة الله في جميع الأفعال والأقوال والشقي من زين في عينيه أقواله وأفعاله وأحواله فافتخر بها وادعاها لنفسه فسوف يهلك يوما كما خسف بقارون لما ادعى لنفسه فضلا ﴿ أو لم يعلم ﴾ جملة معترضة والاستفهام للتعجب والتوبيخ والواو للعطف على محذوف تقديره ألم يتفكر قارون ولم يعلم ﴿ أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ﴾ ولو علم ذلك لما اغتر بماله ولم يتكبر ولو علم أن الله هو المهلك فهو المعطي وهو المانع لا إله غيره ولا استحقاق لأحد عليه وفيه رد لادعائه العلم وتعظمه به بنفي هذا العلم الجلي فإن الله قد اهلك عادا الأولى وكان اشد منه قوة وأكثر جمعا فإن شداد بن عاد ملك الأرض كلها ﴿ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ﴾ فإنه تعالى مطلع عليها لا يحتاج الى السؤال والاستعلام فيعاقبهم في الدنيا بإهلاك وفي الآخرة بإدخال النار لما هدد الله قارون بذكر إهلاك من كان قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى أكد ذلك بأنه لم يكن ذلك ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم متقدميهم ومتأخريهم معاقبهم عليها لا محالة قال قتادة يدخلون النار بغير سؤال ولا حساب وقال مجاهد يعني لا يسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم وقال الحسن لا يسألون سؤال استعلام بل يسألون تقريع وتوبيخ
﴿ فخرج ﴾ قارون يوما عطف على قال ﴿ على قومه في زينته ﴾ قال إبراهيم النخعي خرج هو وقومه في ثياب خضر وحمر وقال ابن زيد خرج في سبعين ألف عليهم المعصفرات وقال مجاهد خرج على براذين بيض عليها سروج الأرجوان عليهم المعصفرات وقال مقاتل خرج على بغلة شهباء عليها سروج من ذهب عليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاث مائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب ﴿ قال الذين يريدون الحياة الدنيا ﴾ على ما هو عادة الناس في الرغبة في الدنيا ﴿ يا ليت ﴾ يعني يا قوم ليت ﴿ لنا مثل ما أوتي قارون ﴾ تمنوا مثله لا عينه حذرا من الحسد وذلك لما كان بنو إسرائيل مؤمنين إنه ﴿ لذو حظ عظيم ﴾ من الدنيا تعليل للتمني.
﴿ وقال الذين أوتوا العلم ﴾ بما وعد الله للمؤمنين في الآخرة للذين تمنوا كذا قال مقاتل وقال ابن عبا س هم الأحبار من بني إسرائيل ﴿ ويلكم ﴾ الويل مصدر بمعنى الهلاك منصوب على المصدرية يعني هلكتم هلاكا أو على المفعولية تقديره ألزمكم الله هلاكا فهو في الأصل دعاء استعمل للزجر عما لا يرتضى ﴿ ثواب الله ﴾ في الآخرة ﴿ خير ﴾ مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها ﴿ لمن آمن وعمل صالحا ﴾ متعلق خير أو بثواب الله يعني ثواب الله لمن آمن خير أو متعلق بقال الذين أوتوا العلم يعني قالوا ذلك لمن آمن ﴿ ولا يلقاها إلا الصابرون ﴾ كلام مستأنف أو حال من الضمير في خير والضمير للكلمة التي تكلم بها الأحبار أو للثواب فإنه بمعنى المثوبة وللجنة أو للإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة يعني لا يتأتى تلك الكلمة أو الثواب أو الجنة أو السيرة إلا الصابرون على الطاعات وعن المعاصي الزاهدون في الدنيا
﴿ فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ﴾ أي أعوان يفيء إليهم الرجل عند المصيبة الفاء للتعليل ﴿ ينصرونه ﴾ فيدفعون عنه عذاب الله ﴿ من دون الله وما كان من المنتصرين ﴾ أي الممتنعين مما نزل به من الخسف يقال نصره من عدوه فانتصر إذا منعه فامتنع عطف على فما كان قال أهل العلم بالأخبار كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله أوحى إلى موسى أن يأمر قومه يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أخضر كلون السماء يذكرون به السماء إذا نظروا إليها ويعلمون أنه منزل منها كلامي فقال موسى يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم خضرا كلها فإن بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا هم لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير فدعاهم موسى وقال إن الله يأمركم أن تعلقوا على أرديتكم خيوطا خضرا كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها ففعلت بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال يفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم وهذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة لهارون وهي رئاسة الذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بهديهم إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون من ذلك في نفسه وأتى موسى فقال يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك وأنا أقرأ للتوراة لا صبر لي على هذا فقال موسى ما أنا جعلتها في هارون بل الله جعلها له فقال قارون والله لا أصدقك حتى تريني بيانه فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فخرجها وألقاها في القبة التي يعبد الله فيها فجعل يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون قد اعتراها ورق أخضر فقال قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد إلا عتوا وتجبرا ومعاداة حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس : فلما نزلت الزكاة على موسى أباه قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار وكل ألف درهم على درهم وعن كل ألف شاة على شاة وعن كل ألف شيء على شيء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم يسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل فقال لهم يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعمتموه وهو الآن يريد أن يأ خذ أموالكم قالوا أنت كبيرنا فأمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا حتى تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل فرفضوه فدعوها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل ألف دينا وقيل طستا من ذهب وقيل قال أمولك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك إذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فيهم فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة ومن زنى وله امرأة رجمناه حتى يموت فقال له قارون وإن كنت أنت ؟ قال وإن كنت أنا فقال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال ادعوها فإن قالت فهو كما قالت فلما أن جاءت قال لها موسى يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ وعظم عليها وسأل بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله تعالى فقالت في نفسها أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا كذبوا ولكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذ فك بنفسي فخر موسى ساجدا يبكي ويقول اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله إلى موسى إني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن معه فليلبث ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذت الأرض بأقدامهم وفي رواية كان سريره وفرشه فأخذته حتى غيبت سريره ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه في كل ذلك يتضرعون يناشده قارون الله تعالى والرحم حتى أنه ناشده سبعين مرة وموسى في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض. وأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك له إستغاث بك سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار قال لا أجعل الأرض بعدك طوعا لأحد قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة وأصبحت بنو إسرائيل يتناقلون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره وبكنوزه وبأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وبكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ٨١ ﴾
﴿ وأصبح ﴾ أي صار ﴿ الذين تمنوا مكانه ﴾ أي منزله ﴿ بالأمس ﴾ أي منذ زمان قريب ﴿ يقولون ويكأن ﴾ هذه اللفظة عند البصريين من ذي للتعجب وكأن للتشبيه ومعناه ما أشبه الأمران ﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ﴾ يعني الأمران سيئان مرتبطان بمشيئة الله لا لكرامة يقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض. وقال الخليل وي اسم فعل للتعجب والتندم فإن القوم تندموا فقالوا متندمين على ما سلف وكان معناه أظن ذلك وأقد ره كما يقول كان الفرح قد أتاك أي أظن وأقدره- وقال قطرب ويك بمعنى ويلك حذف منه اللام وأن منصوب بفعل مقدر تقديره ويلك اعلم أن الله يبسط ويقدره أي يوسع ويضيق وقيل ويكأن حرف تنبيه بمنزلة ألا وعن الحسن أنه قال كلمة ابتداء تقديره وأن الله وقال مجاهد معناه ألم تعلم وقال قتادة ألم تر وقال الفراء هي كلمة تقرير كقول الرجل أما ترى إلى صنع الله وإحسانه وذكر انه سمع أعرابية تقول لزوجها أين ابنك فقال ويكأنه وراء البيت يعني أما وراء البيت ﴿ لولا أن من الله علينا ﴾ فلم يعطنا ما عنينا ﴿ لخسف ﴾ قرأ حفص ويعقوب بفتح الخاء والسين على البناء للفاعل والعامة بضم الخاء وكسر السين على البناء للمفعول ﴿ بنا ﴾ كما خسف بقارون ﴿ ويكأنه لا يفلح الكافرون ﴾ لنعمة الله أو المكذبون برسله وبما وعدوا لهم من ثواب الآخرة لا يصلح هاهنا معنى ما أشبه في ويكأنه ويصلح غير ذلك من المعاني.
﴿ تلك الدار الآخرة ﴾ صفة بعد صفة لتلك إشارة تعظيم كأنه قال :﴿ تلك الدار الآخرة ﴾ التي سمعت خبرها وبلغك وصفها ﴿ نجعلها ﴾ خير لتلك ﴿ للذين لا يريدون علوا في الأرض ﴾ قال الكلبي ومقاتل أي استكبارا عن الإيمان وقال عطاء غلبة وقهرا على الناس وتهاونا بهم وقال الحسن يطلبون الشرف والعز عند ذي السلطان وعن علي كرم الله وجهه أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل القدوة يعني من كان من الولاة وأهل القدرة متواضعا فهو لا يريد علوا في الأرض ﴿ ولا فسادا ﴾ قال الكلبي هو الدعاء إلى عبادة غير الله وقال عكرمة هو أخذ أموال الناس بغير حق وقال ابن جريج ومقاتل العمل بالمعاصي ﴿ والعاقبة للمتقين ﴾ قال قتادة أي الجنة قلت العاقبة يستعمل فيما يعقب الحسنات ويتاب عليها كما أن العقاب يستعمل فيما يعقب السيئات وتنقم بها
﴿ من جاء بالحسنة فله خير منها ﴾ أي عشر أضعافها على سبع مائة ضعف وإلى ما شاء الله ﴿ ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات ﴾ وضع المظهر موضع المضمر تهجينا لحالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم ﴿ إلا ما كانوا يعملون ﴾ أي إلا مثل ما كانوا يعلمون حذف المثل وأقام ما كانوا يعلمون مقامه مبالغة في المماثلة.
﴿ إن الذي فرض عليك القرآن ﴾ يعني أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل به كذا قال عطاء وقال البغوي قال أكثر المفسرين يعني أنزل عليك القرآن ﴿ لرادك إلى معاد ﴾ يعني إلى مكة وقد رده يوم الفتح وإنما نكره لأنه في ذلك اليوم له شأن ومرجعا له إعتداد لغلبة رسول الله وقهره أعداء الله وظهور الإسلام وذل الشرك وهي رواية العوفي عن ابن عباس وهو قول مجاهد قال القتيبي معاد الرجل بلده لأنه ينصرف ثم يعود إلى بلده.
ذكر البغوي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجرا إلى المدينة سار في غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها فقال له جبرئيل عليه السلام أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ قال نعم قال فإن الله يقول :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ فرده الله يوم الفتح كذا أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك والآية نزلت بجحفة بين مكة والمدينة وروي سعيد بن جبير عن ابن عباس المعاد الموت قلت لأنه عود إلى الحالة الأصلية قال الله تعالى :﴿ كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ﴾ ١ وقال الزهري وعكرمة يعني إلى القيامة وقيل إلى الجنة كأنه لما حكم بأن العاقبة للمتقين أكد ذلك بوعد المحسنين ووعيد المسيئين ووعده بالعاقبة الحسنة في الدارين.
ولما قال كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم " إنك لفي ضلال مبين " أنزل الله سبحانه ﴿ قل ربي ﴾قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها وروى أبو ربيعة عن قنبل وعن البزي أيضا بالإسكان ﴿ أعلم من جاء بالهدى ﴾ وما يستحقه من الثواب والنصر يعني محمدا صلى الله عليه وسلم من منصوب بفعل يدل عليها أعلم تقديره ربي أعلم الكائنات يعلم من جاء بالهدى ﴿ ومن هو في ضلال مبين ﴾ وما يستحقه من العذاب والإذلال يعني به المشركين وفي هذه الآية تقريرا لوعد السابق ولذا عقبه وكذا قوله ﴿ وما كنت ترجوا أن يلقى إليك ﴾
١ سورة البقرة الآية: ٢٨..
﴿ وما كنت ترجوا أن يلقى إليك ﴾ أي يوحى إليك ﴿ الكتاب ﴾ أي القرآن ﴿ إلا رحمة من ربك ﴾ قال الفراء الاستثناء منقطع معناه لكن ألقاه ربك رحمة منه ويجوز أن يكون الاستثناء منفصلا مفرغا محمولا على المعنى كأنه قال ما ألقى أليك ربك الكتاب لشيء إلا رحمة أي لأجل الرحمة ﴿ فلا تكونن ظهيرا للكافرين ﴾ بمداراتهم والتحمل عنهم والإجابة إلى طلبهم قال مقاتل وذلك حين دعي إلى دين آبائه فذكر على نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه.
﴿ ولا يصدنك ﴾يعني كفار مكة ﴿ عن آيات الله ﴾ أي عن قراءتها والعمل بها ﴿ بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ﴾ أي إلى معرفته وتوحيده وعبادته ﴿ ولا تكونن من المشركين ﴾ بمظاهرتهم.
﴿ ولا تدع مع الله إلها آخر ﴾ وهذا وما قبله يقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم ﴿ لا إله إلا هو ﴾ تعليل للنهي ﴿ كل شيء هالك إلا وجهه ﴾ يعني إلا ذاته فإن ما عداه ممكن هالك معدوم في حد ذاته لا شيء إلا ووجوده مستفاد مستعار منه تعالى قيل معناه كل عمل لغو باطل إلا ما أريد به وجهه وجملة كل شيء تعليل ﴿ له الحكم ﴾ أي القضاء النافذ في الخلق ﴿ وإليه ترجعون ﴾ تردون في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
Icon