تفسير سورة غافر

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة غافر من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة المؤمن/ غافر
آياتها خمس وثمانون وهي مكية
روى البغوي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات فقال عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجبه فقيل له إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن، وقال البغوي قال ابن مسعود إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن، وفي رواية إذا قرأت آل حم وقعت في روضات دمثات، وروي أيضا بسنده عن ابن عباس قال لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم، وقال البغوي قال إبراهيم كل آل حم يسمين العرائس، وأخرج الحاكم عن ابن مسعود موقوفا الحواميم ديباج القرآن

﴿ حم { ١ ﴾ } قد سبق في الكلام في الحروف المقطعات، وقال البغوي قال السدي حم اسم الله الأعظم، وروي عن عكرمة عنه قال الرحم ن حروف الرحمان مقطعة، وقال سعيد بن جبير وعطاء الخراساني الحاء افتتاح أسمائه حكيم حميد حي حيان والميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان، قال الكسائي قضي ما هو كائن كأنهما أشار إلى أن معناه حم بضم الحاء وتشديد الميم، قرأ ابن كثير وقالون وحفص وهشام بفتح الحاء في الحواميم كلها ورش وأبو عمرو بين بين والباقون بالإمالة.
﴿ تنزيل الكتاب ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هذا تنزيل الكتاب أو مبتدأ خبره ﴿ من الله العزيز ﴾ في ملكه ﴿ العليم ﴾ بخلقه، لعل تخصيص الوصفين بالذكر لما في القرآن من الإعجاز والحكمة الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة.
﴿ غافر الذنب وقابل الثوب ﴾ للمؤمنين مصدر تاب يتوب توبة، وقيل التوب جمع توبة مثل دومة ودوم وحومة وحوم، قال ابن عباس غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله قابل التوب ممن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صفتان لله تعالى والإضافة فيهما معنوية لأنه لم يرد زمان مخصوص بل الاستمرار وتوسيط الواو لإفادة الجمع بين محو الذنب وقبول التوبة أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون الذنب باقيا وذلك لمن لم يتب ( والتائب كمن لا ذنب له )١رواه ابن ماجه مرفوعا عن ابن مسعود والحكيم عن أبي وابن النجار عن علي وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس فهو دليل على جواز المغفرة لمن لم يتب ﴿ شديد العقاب ﴾ لمن لم يقبل لا إله إلا الله ﴿ ذي الطول ﴾ قال مجاهد أي ذي السعة والغنى، وقال قتادة ذي النعم، وقيل ذي القدرة، وقال الحسن ذي الفضل، قيل غافر الذنب وما بعدها أبدال ليست بصفات وإضافة الثلاثة منها لفظية لا تفيد التعريف فلا تصلح كونها صفات وعلى هذا ذي الطول أيضا بدل لامتناع تقدم البدل على الصفة، وقال صاحب الكشاف والبيضاوي وهي كلها صفات كالأولين، والإضافة فيها حقيقية لما ذكرنا أنه لم يرد زمان مخصوص وأريد بشديد العقاب مشددة فالإضافة فيه أيضا حقيقية إذ هو في الأصل الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج والأمن من اللبس فهو معرف باللام وجعله وحده بدلا مشوش للنظم وقال الزجاج شديد العقاب بدل ليس بصفة وبه قال صاحب المدارك للقطع بكونه نكرة وحذف اللام لا يجوز وعلى هذا ذي الطول أيضا بدل، وما قال البيضاوي أولى من حيث المعنى لأن كلها توابع تدل على معان في متبوعها أوردت للمدح والترغيب والترهيب والحث على ما هو مقصود منه والمقصود بالنسبة إنما هو الله لا غير ﴿ لا إله إلا هو ﴾ فيجب الإقبال الكلي على عبادته، قال صاحب المدارك هذا صفة أخرى كذي الطول والظاهر أنه استئناف ﴿ إليه المصير ﴾ فيجازي المطيع والعاصي.
١ أخرجه ابن ماجه في كتاب: الزهد، باب: ذكر التوبة ﴿٤٢٥٠﴾..
﴿ ما يجادل في آيات الله ﴾ أي في دفع آيات الله بالتكذيب أو إثبات التناقض أو في الآيات المتشابهات بتأويلات مخالفة للمحكمات أو مخالفة لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إلا الذين كفروا ﴾ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمادون في القرآن فقال :( إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم فقولوه وما جهلتم فوكلوه إلى عالمه ) رواه البغوي ورواه مسلم بلفظ أن عبد الله بن عمرو ( يعني جد عمرو بن شعيب ) قال ( هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب )١ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن جدلا في القرآن كفر ) رواه البغوي ورواه البيهقي في شعب الإيمان والطيالسي من حديث عبد الله ابن عمر ورواه أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ ( المراء في القرآن كفر ) قال البيضاوي لما حقق الله سبحانه أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق كقوله ﴿ وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ﴾ فأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ولذلك قال عليه السلام ( إن جدلا في القرآن كفر ) بالتنكير مع أنه ليس جدالا فيه على الحقيقة ﴿ فلا يغررك ﴾ يا محمد ﴿ تقلبهم في البلاد ﴾ يعني إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك أنه قال نزلت في الحارث بن قيس السهمي يعني أنهم مؤاخذون عن قريب بكفرهم كالذين قبلهم كما قال ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ﴾.
١ أخرجه مسلم في كتاب: العلم، باب: النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن ﴿٢٦٦٦﴾..
﴿ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ﴾ أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود يعني كذبوا نوحا وغيره من الرسل هذه معللة بقوله فلا يغررك ﴿ وهمت كل أمة ﴾ منهم ﴿ برسولهم ليأخذوه ﴾ قال ابن عباس أي ليقتلوه ويهلكوه وقيل ليأسروه والعرب يسمى الأسير أخيذا ﴿ وجادلوا بالباطل ﴾ أي بمثل قولهم ﴿ ما أنتم إلا بشر مثلنا ﴾١ ﴿ ولولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ﴾٢ ونحو ذلك ﴿ ليدحضوا ﴾ أي ليزيلوا ويبطلوا ﴿ به الحق فأخذتهم ﴾ بالإهلاك جزاء لهمهم عطف على جادلوا ﴿ فكيف كان عقاب ﴾ أي عقابي فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره والاستفهام للتقرير والتعجيب.
١ سورة يس، الآية: ١٥..
٢ سورة الفرقان، الآية: ٢١..
﴿ وكذلك ﴾ أي وجوبا مثل وجوب إهلاكهم في الدنيا ﴿ حقت ﴾ أي وجبت في الآخرة ﴿ كلمة ربك ﴾ أو المعنى كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة السابقة كذلك حقت كلمة العذاب ﴿ على الذين كفروا ﴾ من قومك ﴿ أنهم أصحاب النار ﴾ بدل من كلمة ربك بدل الكل على قراءة كلمة ربك وبدل البعض على قراءة كلمات أو بدل الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى، وقال الأخفش تقديره لأنهم وبأنهم أصحاب النار.
﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله ﴾ أي الطائفون به وهم الكروبيون وهم سادة الملائكة، قال ابن عباس حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام، ويروى أن أقدامهم في تخوم الأرضين والأرضون والسماوات إلى حجزتهم وهم يقولون سبحان العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت وسبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وقال ميسرة بن عبد ربه أرجلهم في أرض السفلى ورؤوسهم تحت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها وقال مجاهد بين الملائكة والعرش سبعون حجابا من نور وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه غلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام " ١ رواه أبو داود والضياء بسند صحيح وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف سنة والعرش يكسى كل يوم سبعون ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة، وقال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من نور وحجاب من ظلمة، وقال وهب بن منبه إن خول العرش سبعون ألف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هؤلاء ويقبل هؤلاء فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فإذا سمع تكبير أولئك وتهليلهم رافعوا أصواتهم فقالوا سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك أنت الأكبر الخلق كلهم راجعون إليك، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميدة لا يسبحه الآخر ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثة مائة عام ومابين شحمة أذنه إلى عاتقه أربع مائة عام، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار وسبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور وسبعين حجابا من در أبيض وسبعين حجابا من ياقوت أحمر وسبعين حجابا من ياقوت أصفر وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه إلا الله تعالى، قال ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان ولكل واحد منهم أربعة أجنحة أما جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق أما جناحان فيهفو بهما كما يهفو هذا الطائر بجناحيه إذا حركه ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.
﴿ يسبحون ﴾ الله أي يذكرونه بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام متلبسين ﴿ بحمد ربهم ﴾ قال البيضاوي جعل التسبيح أصلا والحمد حالا لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح ﴿ ويؤمنون به ﴾ أي يصدقون بأنه تعالى موجود واجب وجوده خالق للأشياء كلها أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد أخبر الله تعالى عنهم بالإيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله وإيماء بأن الملائكة في العبودية والعجز والإيمان بالغيب كسائر الخلائق لا كما تزعم الكفار أنهم بنات الله وردا على المسجمة، عن شهر بن حوشب قال : حملة العرش ثمانية أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك قال فكأنهم يرون ذنوب بني آدم ﴿ ويستغفرون للذين آمنوا ﴾ فيه تنبيه على أن المشاركة في الإيمان يوجب النصح والشفقة، وإن تخالف الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال الله تعالى :﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾٢ ﴿ ربنا ﴾ أي يقولون ربنا وجملة يقولون مع ما في حيزه حال من فاعل يستغفرون ﴿ وسعت كل شيء رحمة وعلما ﴾ أي وسعت كل شيء رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها وقدم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا ﴿ فاغفر ﴾ الفاء للسببية فإن سعة الرحمة سبب للمغفرة ﴿ للذين تابوا ﴾ أي رجعوا عن الكفر إلى الإسلام ﴿ واتبعوا سبيلك ﴾ أي دينك الذي بعثت به رسلك ﴿ وقهم عذاب الجحيم ﴾ أي احفظهم عنه، تصريح، بعد إشعار للتأكيد، قال مطرف أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة وأغش الخلق لهم الشياطين.
١ أخرجه أبو داود في كتاب: السنة، باب: في الجهمية ﴿٤٧١٤﴾..
٢ سورة الحجرات، الآية: ١٠..
﴿ ربنا وأدخلهم جنات عدن ﴾ أي إقامة ﴿ التي وعدتهم ﴾ إياها ﴿ ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ﴾ من صلح عطف على هم في أدخلهم أولما وعدتهم يعني وعدتهم ووعدت من صلح من آبائهم ولعل المراد بالصلاح هاهنا نفس الإيمان فإن المؤمن صالح لدخول الجنة وإن كان مرتكبا للكبائر بغفران الله تعالى فإن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء، وإنما قلنا ذلك ليتحقق التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه ولو كان المراد بالصلاح صلاح العقائد والأعمال والأخلاق جميعا كان من صلح داخلا في الذين تابوا واتبعوا سبيل الله والله أعلم.
قال البغوي قال سعيد بن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجي ؟ فيقال إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول إني كنت أعمل لي ولهم أدخلوهم الجنة وهذا موقوف في حكم المرفوع وصريح في أن المراد بالصلاح في الآية نفس الإيمان ﴿ إنك أنت العزيز ﴾ الذي يقدر على كل شيء ولا يمتنع عنه ما أراد ﴿ الحكيم ﴾ الذي لا يفعل إلا ما يقتضيه الحكمة ومن ذلك الوفاء بالوعد.
﴿ وقهم السيئات ﴾ أي العقوبات أو جزاء الأعمال السيئة وهذا تعميم بعد تخصيص أو مخصوص عن من صلح أو المعنى وقهم السيئات أي عن الأعمال السيئة في الدنيا ﴿ ومن تق السيئات يومئذ ﴾ أي يوم الجزاء أوفي الدنيا ﴿ فقد رحمته ﴾ دليل على جزاء الشرط المحذوف أقيم مقامه تقديره ومن تق السيئات يفلح إذ قد رحمته وذلك أي الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما ﴿ هو الفوز العظيم ﴾ فإن قيل أي فائدة في سؤال الملائكة للمؤمنين بإدخال الجنة بعدما وعدهم الله تعالى به واستحالة الخلف في وعد الله وكذا في سؤال المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم " اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " ؟١ قلت الباعث على الدعاء حبهم إياهم لما ألقى الله تعالى في قلوبهم وفائدته استجلاب مزيد رحمة الله للمدعو لهم واستجلاب رضوان الله ورحمته للداعين لأجل المحبوبين لله تعالى والله أعلم.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الآذان، باب: الدعاء عند النداء ﴿٦١٤﴾..
﴿ إن الذين كفروا ﴾ إلى آخره متصل بقوله :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ وما بينهما معترضات في مدح الملائكة الموصوفين بالإيمان المستغفرين للمؤمنين الذين هم أعداء الكافرين ﴿ ينادون ﴾ أي يناديهم خزنة النار يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارات بالسوء حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا أجزاءها فيقال لهم ﴿ لمقت الله ﴾ إياكم ﴿ أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ﴾ ظرف لفعل دل عليه المقت الأول لا له لأنه مصدر وخبرة أكبر من مقتكم فلا تعمل في إذ تدعون لأن المصدر إذا أخبر عنه لم يجز أن يتعلق شيء يكون في صلته لأن الإخبار عنه يؤذن بتمامه وما يتعلق به يؤذن بنقصانه ولا للمقت الثاني لأنه عند حلول العذاب أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد
﴿ قالوا ربنا أمتنا ﴾ موتتين ﴿ اثنتين ﴾ أو مرتين ﴿ وأحييتنا اثنتين ﴾ أي خلقتنا أمواتا نطفا في أصلاب الآباء ثم أحييتنا في أرحام الأمهات في الدنيا ثم أمتنا عند انقضاء الآجال ثم أحييتنا يوم القيامة كذا قال ابن عباس وقتادة والضحاك ونظيره قواه تعالى :﴿ كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾١ وقال السدي معناه أمتنا في الدنيا ثم أحييتنا في القبر للسؤال ثم أمتنا في القبر ثم أحييتنا يوم البعث، ومبنى هذا القول الزعم بأن الإماتة يقتضي الحياة قبل الموت، وهذا ليس سليما لأن الإماتة جعل الشيء عديم الحياة ابتداء أو بالتصير كما قيل سبحان من صغر البيض وكبر الفيل وإن خص بالتصير فاختيار الفاعل أحد مفعوليه بأحد الوصفين تصير وصرف له عن الأخر والسؤال في القبر لا يستدعي حياة مثل حياة الدنيا ولو استدعى ذلك لاستدعى عذاب القبر أيضا مثل ذلك، ولزم انقطاع عذاب القبر عن الكفار إذا أميتوا وفي القبر بعد السؤال وليس كذلك ﴿ فاعترفوا بذنوبنا ﴾ الفاء للسببية ولما كان سبب اعترافهم معاينتهم الحياة الثانية بعد الموت الثانية جعل مجموع الموتتين والحياتين سببا له ﴿ فهل إلى خروج ﴾ واحد أو نوع من الخروج من النار سريع أو بطيء ورجوع إلى الدنيا ﴿ من سبيل ﴾ طريق فنسلكه استفهام ومعناه التمني فينادون لا سبيل لكم إلى الخروج فحذف هذه الجملة لما يدل عليه قوله ﴿ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ١٢ ﴾
١ سورة البقرة، الآية: ٢٨..
﴿ ذلكم ﴾ ويعني انتفاء سبيل للخروج وما أنتم فيه من العذاب ﴿ بأنه ﴾ أي بسبب أنه ﴿ إذا دعي الله وحده ﴾ ﴿ ذلكم ﴾ ويعني انتفاء سبيل للخروج وما أنتم فيه من العذاب ﴿ بأنه ﴾ أي بسبب أنه ﴿ إذا دعي الله وحده ﴾ أي متوحدا أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم في الحالية ﴿ كفرتم ﴾ يعني إذا قيل لا إله إلا الله أنكرتم وقلتم ﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا ﴾١ ﴿ وإن يشرك به ﴾ غيره ﴿ تؤمنوا ﴾ تصدقوا بالإشراك وإذا كان هذا سببا لدخولكم في النار ﴿ فالحكم لله ﴾ يعني هذا الحكم لله خاصة الذي هو المستحق للعبادة المنزه عن الشريك وهو قد حكم عليكم بالعذاب الشديد الدائم بسبب كفركم ولو كان له شريك مما عبدتموها أنجاكم من عذابه وكان لكم حينئذ سبيل إلى الخروج ﴿ العلي الكبير ﴾ من أن يشرك ويسوي به غيره.
١ سورة صً، الآية: ٥..
﴿ هو الذي يريكم آياته ﴾ الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم ﴿ وينزل لكم من السماء رزقا ﴾ أي مطرا يكون سببا لرزقكم فيه رد لمعذرتهم بالجهل بعد رؤية ما كان صالحا للاستدلال على التوحيد ﴿ وما يتذكر ﴾ بالآيات ﴿ إلا من ينيب ﴾ إلى الله ويرجع عن التعصب والعناد وهذه الجملة مبتدئة خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تم الجواب لأهل النار
﴿ فادعوا الله ﴾ يعني إذا سمعتم ما يؤل إليه أمر المشركين
﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ﴾ أي الطاعة والعبادة من الشرك ﴿ ولوكره الكافرون ﴾ يعني وإن غاظ ذلك أعداءكم الكافرين
﴿ رفيع الدرجات ﴾ أي رفيع درجات كما له بحيث لا يظهر بجنبها كمال، وقيل الرفيع هاهنا بمعنى رافع درجات أنبيائه في مراتب القرب إليه وفي الجنة بعضها فوق بعض ﴿ ذو العرش ﴾ خالقه ومالكه ﴿ يلقي الروح ﴾ أي ينزل الوحي سماه روحا لأنه يحيي به القلوب كما يحيي الأبدان بالأرواح ﴿ من أمره ﴾ قال البغوي قال ابن عباس يعني من فضله فمن للابتداء، وقيل من قوله فمن للبيان ﴿ على من يشاء من عباده ﴾ الثلاثة كلها أخبار لهو مترادفة لموصول دالة على توحيده وعلو صمديته وتمهيد للنبوة وأخبار مبتدأ محذوف أي هو ﴿ لينذر ﴾ متعلق بيلقي والمستكن فيه لله أو للروح أولمن وهو أظهر وأقرب، ويؤيده قراءة يعقوب بالتاء للخطاب أي لتنذر أنت يا محمد وحذف المفعول للدلالة على عموم دعوته وشمول إنذاره الثقلين ﴿ يوم التلاق ﴾ أي يوم يلتقي فيه الخلائق كلها أهل السماوات والأرض، وقال مقاتل وقتادة يوم يلتقي فيه الخالق والخلائق وقال ميمون بن مهران يلتقي فيه الظالم والمظلوم والخصوم، وقيل يلتقي العابدون والمعبودون، وقيل المرء مع عمله، أخرج الحاكم وابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال عن ابن عباس أنه قرأ ﴿ يوم تشقق السماء بالغمام ﴾ قال يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والإنس والبهائم والسباع والطير فتشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس الحديث بطوله ذكر فيها نزول أهل السماوات السبع بعضهم عقيب بعض ونزول الله تعالى وهو من المتشابهات وذكرنا تأويلها في سورة الفرقان في تفسير قوله تعالى :﴿ يوم تشقق السماء بالغمام ﴾١ وفي سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ﴾٢
١ سورة الفرقان، الآية: ٢٥..
٢ سورة البقرة الآية: ٢١٠..
﴿ يوم هم بارزون ﴾ أي خارجون من قبورهم، أو ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمه أو بناء أو ظاهرة نفوسهم لا يحجبهم غواشي الأبدان أو ظاهرة أعمالهم وسرائرهم ﴿ لا يخفى على الله منهم ﴾ أي من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم ﴿ شيء ﴾ تقرير لقوله ﴿ يوم هم بارزون ﴾ وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا ﴿ لمن الملك اليوم ﴾ حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم وذلك بعد فناء الخلق قبل البعث وحينئذ لا يكون أحد يجيبه فيجيب نفسه ويقول ﴿ لله الواحد ﴾ المتوحد في جلال الذات وكمال الصفات المنزه عن الشريك في الألوهية وفي شيء من الممكنات ﴿ القهار ﴾ الذي قهر الخلق بالموت وبالتصرف فيها بما أراد.
رواه يعني كون السؤال والجواب من الله بعد فناء الخلق قبل البعث أبو هريرة في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في المطولات وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وغيرهم وأخرج ابن أبي داود في البعث عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ينادي مناد بين الصيحة يا أيها الناس أتاكم الساعة ومد بها صوته يسمعها الأحياء والأموات وينزل الله إلى السماء الدنيا ثم ينادي مناد لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " أخرج البيهقي عن أنس رفعه في قوله تعالى :﴿ ونفخ في الصور ﴾ الآية فكان ممن استثنى الله ثلاثة جبرئيل وميكائيل وملك الموت فيقول الله ﴿ وهو أعلم ﴾ يا ملك الموت من بقي ؟ فيقول وجهك الباقي الكريم وعبدك جبرئيل وميكائيل وملك الموت، فيقول توف نفس ميكائيل، ثم يقول ﴿ وهو أعلم ﴾ يا ملك الموت من بقي ؟ فيقول بقي وجهك الباقي الكريم وعبدك جبرئيل وملك الموت، فيقول توف نفس جبرئيل ثم يقول ﴿ وهو أعلم ﴾ يا ملك الموت من بقي ؟ فيقول بقي وجهك الباقي الكريم وعبدك ملك الموت وهو ميت، فيقول مت ثم ينادي أنا بدأت الخلق ثم أعيده أين الجبارون المتكبرون ثم ينادي لمن الملك اليوم، فلا يجيبه أحد فيقول هو لله الواحد القهار ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وسياق الآية يقتضي أنه حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم بعد إحياء الخلق ﴿ يوم هو بارزون ﴾ وحكاية لما دل عليه ظاهر الحال في ذلك الوقت من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وسلب الإضافة المجازي للملك والحكم إلى غيره تعالى وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما.
﴿ اليوم ﴾ يعني حين يسلب الملك المجازي من غيره تعالى ويكون الملك خاصة له ظاهرا كما هوله خاصة دائما على الحقيقة ﴿ تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ﴾ بنقص الثواب وزيادة العقاب بناء على الوعد ولأن الحاكم حينئذ هو الله وحده ولا يتصور منه الظلم لأن الظلم ما يفعله أحد في غير ملكه بلا إذن مالكه وكل ما يفعله الله يفعله في ملكه ﴿ إن الله سريع الحساب ﴾ يحاسب الناس كلهم في قدر نصف يوم من أيام الدنيا بناء على مشيئته وإلا فهو قادر على أن يحاسبهم دفعة في آن واحد إذ لا يشغله شأن عن شأن.
﴿ وأنذرهم ﴾ عطف على الأخبار السابقة بتقدير يقال لك أنذرهم ﴿ يوم الآزفة ﴾ أي القيامة سميت بها لأزوافها أي قربها إذ كل ما هو آت قريب ﴿ إذ القلوب ﴾ إذ بدل من يوم الآزفة ﴿ لدى الحناجر ﴾ فإنها ترفع عن أماكنها من شدة الهول فتلتصق بحلوقهم فلا يعود حتى يترحوا ولا يخرج فيموتوا ﴿ كاظمين ﴾ مكروبين ممتلئين خوفا وحزنا والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى تطيق به، القلوب مبتدأ ولدى الحناجر خبره والكاظمين حال من القلوب محمول على أصحابها وإنما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصف بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء ﴿ ما للظالمين ﴾ الكافرين والضمائر إن كانت للكفار كان هذا وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بهم وأنه لظلمهم ﴿ من حميم ﴾ أي قريب مشفق ﴿ ولا شفيع يطاع ﴾ أي ولا شفيع مشفع لا مفهوم للوصف، إذ لا شفيع لهم أصلا فما لهم من شافعين أوله مفهوم على زعمهم أن لهم شفعاء أي لو شفعوا فرضا لا تقبل شفاعتهم
﴿ يعلم خائنة الأعين ﴾ أي النظرة الخائنة كالنظرة إلى من حرم النظر إليها واستراق النظر إليها أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة يعني يعلم خيانة الأعين الجملة خبر آخر لهو في قوله :﴿ هو الذي يريكم آياته ﴾ ﴿ وما تخفي الصدور ﴾ من الضمائر، قيل يعني ما يتفكر الرجل بقلبه في جمال امرأة أجنبية بعدما ينظر إليها بشهوة مسارقة
﴿ والله يقضي بالحق ﴾ لأنه المالك على الإطلاق والحكيم والعليم بما ظهر وما بطن فلا يقضي إلا بما يقتضيه علمه وحكمته ولا يقضي إلا وهو حقه والجملة عطف على يعلم ﴿ والذين يدعون ﴾ قرأ نافع وهشام بالتاء للخطاب على الالتفات أو بإضمار قل والباقون بالياء للغيبة ﴿ من دونه ﴾ من الأوثان والشياطين والملوك والجبابرة ﴿ لا يقضون بشيء ﴾ لعدم قدرتهم على القضاء ﴿ إن الله هو السميع البصير ﴾ تقرير بخائنة الأعين وقضائه بالحق ووعيد على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه بأنها لا تسمع ولا تبصر.
﴿ أولم يسيروا ﴾ عطف على محذوف تقديره أينكرون وبال الكفر ولم يسيروا ﴿ في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة ﴾ أي مآل إليه أمر ﴿ الذين كانوا من قبلهم ﴾ من الأمم المكذبة للرسل كعاد وثمود ﴿ كانوا هم أشد منهم قوة ﴾ قدرة وتمكنا جيء بالفصل لمشابهة أفعل من بالمعرفة في امتناع دخول اللام عليه، قرأ ابن عامر أشد منكم على الإلتفات ﴿ وآثارا في الأرض ﴾ من القلاع والمدائن الحصينة، وقيل المعنى أكثر آثارا كقوله متقلدا سيفا ورمحا ﴿ فأخذهم الله بذنوبهم ﴾ فأهلكهم بالريح أو الصيحة أو نحو ذلك ﴿ وما كان لهم من الله من واق ﴾ يمنع عنهم من العذاب، حيث لم يلتجؤوا إليه، الجملة عطف أو حال
﴿ ذلك ﴾ الأخذ ﴿ بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ﴾ أي المعجزات أو الأحكام الواضحات الصحة والصلاح ﴿ فكفروا فأخذهم الله إنه قوي ﴾ قادر على كل ما يريد غاية القدرة ﴿ شديد العقاب ﴾ أي شديد عقابه الجملة تعليل للأخذ القوي.
﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ﴾ أي المعجزات التسع ﴿ وسلطان مبين ﴾ حجة ظاهرة العطف لتغاير الوصفين أو لإفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيما لشأنه وتخصيصا بعد تعميم
﴿ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ﴾ يعنون موسى عليه السلام تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وبيان لعاقبة بعض ما كان قبلهم من الذين كانوا أشد بطشا وأقرب زمانا
﴿ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ﴾ أي أعيدوا عليهم القتل ﴿ واستحيوا ﴾ أي استبقوا ﴿ نساءهم ﴾ كما كنتم فعلتم ذلك أولا كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام ﴿ وما كيد الكافرين ﴾ وضع الظاهرة موضع المضمر للتسجيل على كفرهم ولتعميم الحكم والدلالة على العلة ﴿ إلا في ضلال ﴾ أي في ضياع فإنهم أرادوا إبطال أمر موسى فرد الله عليهم كيدهم وأهلكهم وجعل موسى ومن تبعه ملوك الأرض
﴿ وقال فرعون ﴾ لقومه ﴿ ذروني ﴾ قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أقتل موسى ﴾ وقال البغوي، إنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى خوفا من الهلاك كانوا يقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ولو قتلته لظن الناس إنك عجزت عن معارضته بالحجة، قال البيضاوي فيه دليل على أنه تيقن بنبوة موسى فخاف من قتله أو ظن وأنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله ﴿ وليدع ﴾ موسى ﴿ ربه ﴾ الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه، وكان قوله ذروني أقتل موسى تمويها على قومه وإيهاما بأنهم هم الذين يكفونه عن قتله وما كان يكفه إلا ما استقر في قلبه من هول أمر العصا ﴿ إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أخاف ﴾ إن لم أقتله ﴿ أن يبدل دينكم ﴾ أي يغير ما أنتم عليه من عبادة الأصنام لقوله تعالى :﴿ ويذرك وآلهتك ﴾١ ﴿ أو أن يظهر في الأرض الفساد ﴾ قرأ يعقوب وأهل الكوفة أو أن والآخرون وأن وقرأ أهل المدينة والبصرة يظهر بضم الياء وكسر الهاء من الأفعال والفساد بالنصب على المفعولية، والباقون بفتح الياء والهاء من المجرد ورفع الفساد على الفاعلية وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة الأوثان أو ما يفسد للدنيا من التجارب والتهارج.
١ سورة لأعراف، الآية: ١٢٧..
﴿ وقال موسى ﴾ لقومه لما توعده فرعون بالقتل ﴿ إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ﴾ صدر الكلام بأن تأكيدا وإشعارا على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية وإضافته إليه وإليهم لأن حفظ موسى متضمن متكفل لحفظهم أجمعين وحثا لهم على موافقته في الاستعاذة لما في تظاهر الأزواج من استجلاب الإجابة، ولم يذكر فرعون وذكر وصفا يعمه وغيره لتعميم الإسعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على الشر، وجاز أن يكون هذا خطابا لفرعون وقومه وفي قوله ربكم تنبيه على التوحيد وإنكار على إشراكهم.
﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ قال مقاتل والسدي كان قبطيا ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه في سورة القصص ﴿ وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى ﴾١ قيل كان اسمه حبيب وقال قوم كان إسرائيليا ومجاز الآية وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسمه حزئيل على ما روى عن ابن عباس وأكثر العلماء، وقال ابن إسحاق كان إسمه خبول ﴿ أتقتلون رجلا ﴾ أي تقصدون قتله ﴿ أن يقول ﴾ أي لأن يقول أو وقت أن يقول من غير رؤية وتأمل في أمره أو مخافة أن يقول ﴿ ربي الله ﴾ وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد ﴿ وقد جاءكم بالبينات ﴾ المعجزات الكثيرة الشاهدة على صدقه ﴿ من ربكم ﴾ حيث لا يقدر على إتيان تلك المعجزات إلا الذي خلقكم ورباكم على أن يأخذكم بالعذاب، والجملة حال من فاعل يقول. ثم أخذ الرجل القائل بالاحتجاج من باب الإحتياط فقال ﴿ وإن يك كذبا ﴾ كما زعمتم ﴿ فعليه كذبه ﴾ لا يتخطاه وبال كذبه حتى يحتاج في دفعه إلى قتله ﴿ وإن يك صادقا ﴾ كما يدل عليه المعجزات والشواهد ﴿ يصيبكم بعض الذي يعدكم ﴾ فلا أقل أن يصيبكم بعضه وذلك البعض يكفي لهلاككم ففيه مبالغة في التحذير وإظهار الإنصاف وعدم التعصب ولذلك قدم كونه كاذبا ﴿ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾ احتجاج ثالث ذو وجهين : أحدهما أنه لو كان مسرفا لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بالمعجزات وثانيهما إنه كان مسرفا كذابا خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني ليلين شكيمتهم وتعريض به لفرعون بأنه مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب والنجاة. عن عروة ابن الزبير قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عنقه بن أبي معيط فأخذ بمنكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :" أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم " ٢ رواه البخاري
١ سورة القصص، الآية: ٢٠..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة المؤمن ﴿٤٨١٥﴾..
﴿ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين ﴾ غالبين عالين حال من كم في لكم ﴿ في الأرض ﴾ أرض مصر ﴿ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾ يعني لكم الملك والغلبة في الأرض فلا تبطلوا ملككم، وغلبتكم بالتعرض لعذاب الله بقتل نبيه فإنه إن جاءنا لا يمنعنا منه أحد، أدرج نفسه في الضمير لأنه كان منهم في القرابة وليريهم إنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ ﴾ من الرأي أي ما أشيركم، وقال الضحاك ما أعلمكم ﴿ إلا ما أرى ﴾ أي ما أراه وأعلمه صوابا يعني قتله ﴿ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾ طريق الصواب.
﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أخاف عليكم ﴾ في تكذيبه والتعرض له ﴿ مثل يوم الأحزاب ﴾ تقديره إني أخاف عليكم عذابا مثل عذاب يوم الأحزاب أي أيام الأحزاب يعني الأمم الماضية المكذبة للرسل وجمع الأحزاب مع التفسير الذي بعده أغنى عن جمع اليوم أو المعنى عذاب يوم حزب من الأحزاب
﴿ مثل ﴾ جزاء ﴿ دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾ كقوم لوط ونمرود الجبار أي مثل جزاء ما كان عادتهم من التكذيب وإيذاء الرسل، وهذه الآية تدل على أنه كان في قوم فرعون علم بالأولين، ﴿ وما الله يريد ظلما للعباد ﴾ اللام زائدة لتقوية عمل المصدر والعباد مفعول لظلما يعني لا يريد أن يظلم عبدا فيعاقبهم بغير ذنب أو يترك الظالم منهم بغير انتقام أو ينقص من أجر حسنة لأحد أو يزيد في عقوبة أحد وبعدما خوفهم بعذاب الدنيا خوفهم بعذاب الآخرة فقال ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾
﴿ يا قوم إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أخاف عليكم يوم التناد ﴾ قرأ ابن كثير التنادي وصلا ووقفا بإثبات الياء وورش وصلا فقط واختلف فيهما عن قالون والباقون بحذف الياء في الحالين
﴿ يوم تولون مدبرين ﴾ بدل من يوم التناد، قال مجاهد يعني فارين غير معجزين، قيل المراد منه يوم ينفخ في الصور نفخة الفزع.
قبل نفخة الصعق لما روى ابن جرير في المطولات وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وعبد بن حميد حميد وأبو الشيخ في كتاب العظمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا وذكر فيه ثلاث نفخات : قال :" فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى.
فيقول الله تعالى انفخ نفخة الفزع فينفخ فيفزع أهل السماوات والأرض إلا ما شاء الله فيأمره فيمدها فيطيلها ولا يفتر إلى أن قال فتذهل المراضع عما أرضعت وتضع الحوامل وتشيب الولدان وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار فتتلقتها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع وتولى الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهو الذي يقول الله يوم التناد " الحديث.
وقيل المراد يوم لقيامة إذا دعي كل أناس بإمامهم أخرج أبو نعيم عن أبي حازم الأعرج رضي الله عنه أنه قال ﴿ يخاطب نفسه ﴾ يا أعرج ينادي يوم القيامة يا أهل خطيات كذا كذا فتقوم معهم ثم ينادي يا أهل خطيات أخرى فتقوم معهم فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل خطيئة، وأخرج ابن أبي عاصم في السنة عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم خصماء الله ﴿ وهم القدرية ﴾ وإذا ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وأصحاب النار أصحاب الجنة وينادي أصحاب الأعراف كما حكى الله تعالى في سورة الأعراف وإذا ينادي بالسعادة والشقاوة ألا إن فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ألا إن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا " أخرج البزار والبيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يؤتى بابن آدم يوم القيامة فيوقف بين كتفي الميزان ويوكل به ملك فإن ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خفت موازينه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا، وإذا ينادي ألا إني جعلت نبيا وجعلتم نسبا " أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم أين المتقون، وإذا ينادي حين يذبح الموت يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت " أخرج الشيخان في الصحيحين عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي منادي يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم وأهل النار حزنا إلى حزنهم " ١ وعم أبي سعيد نحوه وعند الحاكم وابن حبان عن أبي هريرة نحوه.
وقرأ ابن عباس والضحاك يوم التناد بتشديد الدال أي يوم التنافر وذلك لأنهم هربوا فندوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها، أخرج ابن جرير وابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها فتكون الملائكة على حافتها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى بجنبته اليسرى جهنم فإذا رآها أهل الأرض ندوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا إلى المكان الذي كانوا فيه، وذلك قول الله تعالى :﴿ إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ﴾.
وذلك قوله تعالى :﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم ﴾٢ وقوله تعالى :" يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا }٣ وقوله تعالى :﴿ وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ﴾٤ يعني ما تشقق منها فبينما كذلك إذا سمعوا الصوت فأقبلوا إلى الحساب، وقيل معنى قوله تعالى يوم تولون مدبرين يوم تولون منصرفين عن موقف الحساب إلى النار ﴿ مالكم من الله من عاصم ﴾ يعصمكم من عذابه يعني غير الله لا يقدر على دفع عذاب الله قطعا وإنما يدفع عذاب الله رحمته ولا يكون لهم من الله رحمة تعصمهم من عذابه ﴿ ومن يضلل الله ﴾ أي يضله عن طريق الجنة ﴿ فما له من هاد ﴾ إليه.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار ﴿٦٥٤٨﴾، وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ﴿٢٨٥٠﴾..
٢ سورة الفجر، الآية: ٢٢..
٣ سورة الرحمان، الآية: ٣٣..
٤ سورة الحاقة، الآية: ١٦ _ ١٧..
﴿ ولقد جاءكم يوسف ﴾ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام على أن فرعونه فرعون موسى طال عمره أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد يعني جاء آباءكم يوسف، وقيل المراد يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام أرسل إليهم ﴿ من قبل ﴾ أي قبل موسى ﴿ بالبينات ﴾ أي بالمعجزات ﴿ فما زلتم في شك مما جاءكم به ﴾ قال ابن عباس من عبادة الله وحده مخلصا له الدين ﴿ حتى إذا هلك ﴾ أي مات يوسف عليه السلام ﴿ قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ﴾ أي أقمتم على كفركم وزعمتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة ﴿ كذلك ﴾ أي إضلالا مثل ذلك الإضلال ﴿ يضل الله ﴾ في العصيان ﴿ من هو مسرف ﴾ مشرك ﴿ مرتاب ﴾ أي شاك فيما يشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد
﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾ بدل من الموصول الأول، لأنه بمعنى الجمع ﴿ بغير سلطان ﴾ حجة واضحة بل إما بتقليد أو شبهة داحضة ﴿ أتاهم ﴾ من عند الله ﴿ كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ﴾ فيه ضمير من وإفراده نظرا إلى لفظه ويجوز أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر على حذف مضاف تقديره وجدال الذين يجادلون في آيات الله كبر مقتا والذين مبتدأ وخبره بغير سلطان وفاعل كبر ﴿ كذلك ﴾ على أن كاف اسم بمعنى مثل أي كبر مقتا ذلك الجدال فيكون قوله ﴿ يطبع الله ﴾ استئنافا للدلالة على موجب جدالهم وجاز أن يكون المعنى كذلك إضلالهم يطبع الله، أي يختم بالضلال ويوثق ﴿ على كل قلب متكبر جبار ﴾ بحيث لا يدخله نور الإيمان قرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه صنيعهما كقولهم رأت عيني وسمعت أذني، أو على حذف المضاف تقديره على قلب كل ذي قلب متكبر جبار والباقون بالإضافة.
﴿ وقال فرعون ﴾ لوزيره هامان ﴿ يا هامان ابن لي صرحا ﴾ أي بناء عاليا لا يخفى على الناظر وأن بعد، ومنه التصريح بمعنى الإظهار ﴿ لعلي أبلغ الأسباب ﴾ أي الطرق
﴿ أسباب السماوات ﴾ أي طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء وكل ما يؤدي إلى شيء فهو سبب له كالرشاء والدلو للماء وأسباب الثاني بيان للأول وفي إيضاحها بعد إبهامها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها ﴿ فاطلع ﴾ قرأ حفص بالنصب على جواب لعل بالفاء والباقون بالرفع عطفا على أبلغ ﴿ إلى إله موسى ﴾ الظاهر أنه أمر بالبناء كبناء نمرود وذكرناه في سورة النمل، وقال البيضاوي لعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه، أو أن يرى الناس فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء توقف على إطلاعه ووصوله إليه وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا تقوى عليه الإنسان وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه ﴿ وإني لأظنه كاذبا ﴾ في دعوى الرسالة ﴿ وكذلك ﴾ أي تزيينا مثل ذلك التزين يعني تزيين بناء الصرح للإطلاع على رب السماوات ﴿ زين لفرعون سوء عمله ﴾ أي كل عمل سيء يأباه العقل السليم يعني أفسد الله بصيرته، فكان يرى كل عمل سيء حسنا ﴿ وصد عن السبيل ﴾ سبيل الرشاد، قرأ الكوفيون ويعقوب بضم الصاد على البناء للمفعول والفاعل على الحقيقة هو الله سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء والباقون بفتح الصاد يعني صد فرعون الناس عن الهدى بأمثال هذه الشبهات والتمويهات، ويؤيده قوله تعالى ﴿ وما كيد فرعون ﴾ في إبطال أمر موسى ﴿ إلا في تباب ﴾ أي في خسار وضياع.
﴿ وقال الذي آمن ﴾ من آل فرعون ﴿ يا قوم اتبعون ﴾ قرأ ابن كثير أتبعوني بإثبات الياء في الحالين وقالون وأبو عمرو وصلا فقط والباقون بحذف الياء في الحالين ﴿ أهدكم ﴾ أي أدلكم ﴿ سبيل الرشاد ﴾ أي سبيلا يوصل سالكه إلى المقصود وفيه تعريض إلى أن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي
﴿ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاعٌ ﴾ يسير يتمتعون بها مدة يسيرة ثم ينقطع ﴿ وإن الآخرة هي دار القرار ﴾ التي لا تزول فعليكم بما ينفعكم في الآخرة
﴿ من عمل سيئةً فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ ﴾ أي في حال الإيمان فإن الإيمان شرط لجزاء كل عمل صالح لأن الله تعالى هو المالك للجزاء فلا بد للإيمان به على ما يرتضيه حتى يجزي ما عمل لوجهه خالصا ﴿ فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حسابٍ ﴾ بغير تقدير وموازنة للأعمال بل إضعافا مضاعفة فضلا منه ورحمة
﴿ ويا قوم ما لي ﴾ قرأ الكوفيون وابن ذكوان بسكون الياء والباقون بفتحها، والمعنى ما لكم كما تقول مالي أراكم حزينا يعني أخبروني كيف حالكم على خلاف ما يقتضيه العقل والعرف ﴿ أدعوكم إلى النجاة ﴾ من النار بالإيمان بالله وحده ﴿ وتدعونني إلى النار ﴾ أي إلى الشرك الذي يوجب النار، كرر نداءهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة واهتماما بالمناولة ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه، لم يعطف النداء الثاني على الأول لأنه بيان لما قبله وعطفه الثالث على الثاني أو على الأول
﴿ تدعونني لأكفر بالله ﴾ بدل من تدعونني الأول أو بيان منه تعليل والدعاء بعدي بإلى وباللام كالهداية ﴿ وأشرك به ما ليس لي به ﴾ أي بربوبيته ﴿ علم ﴾ بل عندي دليل قاطع على امتناعه ولابد للإيمان من برهان على وجوده وربوبيته ولا يصح الإعتقاد إلا عن إيقان ﴿ وأنا أدعوكم إلى العزيز ﴾ الغالب القادر على الانتقام ممن كفر به ﴿ الغفار ﴾ لذنوب من شاء ممن آمن به فهو المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والعلم والإرادة.
﴿ لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوةٌ في الدنيا ولا في الآخرة ﴾ قيل لا في لا جرم رد لما دعوه إليه من عبادة الأصنام، وجرم فعل بمعنى حق وفاعله أن جملتها أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا في الدارين لأنها جمادات لا دعوة لهم في الدنيا إلى العبادة وفي الآخرة تتبرأ عن عابديها وليس لها ما يقتضي ألوهيتها أو حق عدم دعوة مستجابة لها أو عدم استجابة دعوة لها، قال السدي لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، وقيل جرم فعل من الجرم بمعنى القطع ولا للنفي كما أن بدا من لا بد فعل من التبديد بمعنى التفريق والمعنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فيكون معناه إستمر كما في ما برح ومازال وحاصل معناه حقا، وفي القاموس لا جرم أي لابد أو حقا أولا محالة أو هذا أصله ثم تحول إلى القسم فلذلك يجاب عنه باللام، يقال لا جرم لآتينك وقيل جرم بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه إلى كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوه له بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته ولا على هذا أيضا لرد ما دعوه إليه ﴿ وأن مردنا إلى الله ﴾ بعد الموت فيجازي كلا بما يستحقه ﴿ وأن المسرفين ﴾ في الضلالة الطغيان بالإشراك وسفك الدماء ﴿ هم أصحاب النار ﴾ ملازموها
﴿ فستذكروني ﴾ أي سيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب حين لا ينفعكم الذكر ﴿ ما أقول لكم ﴾ من النصيحة ﴿ وأفوض أمري ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلى الله ﴾ ليعصمني من كل سوء، قال ذلك لما تدعوه إذا ظهر مخالفته لدينهم ﴿ إن الله بصير بالعباد ﴾ يعلم المحق من المبطل. ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه وذلك قوله عز وجل
﴿ فوقاه الله ﴾ ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه وذلك قوله عز وجل ﴿ فوقاه الله ﴾ عطف على جمل محذوفة تقديره فأراد آل فرعون قتله ففر منهم فأرسل فرعون جماعة ليأخذوه فوقاه الله ﴿ سيئات ما مكروا ﴾ أي ما أرادوا به ﴿ وحاق بآل فرعون ﴾ أي بفرعون وقومه واستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك سوء العذاب أي الغرق في الدنيا والنار في الآخرة، وقيل حاق بآل فرعون يعني بالذين أرسلوا لطلب المؤمن من آل فرعون ﴿ سوء العذاب ﴾ أي القتل فإنه لما فر إلى الجبل فأتبعه طائفة فوجدوه يصلي والوحوش صفوف حوله فرجعوا رعبا فقتلهم فرعون.
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ﴾ جملة مستأنفة أو النار خبر محذوف ويعرضون استئناف للبيان أو النار بدل من سوء العذاب ويعرضون حال منها أومن الآل، قال ابن مسعود أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار فيقال يا آل فرعون هذه مأواكم حتى تقوم الساعة، أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم، وقال مقاتل والسدي والكلبي يعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيا مادامت الدنيا يعني إلى قيام الساعة، ويؤيده ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة " ١ وفيه دليل على بقاء النفس وعذاب القبر وقد دلت الأحاديث عليه وانعقد عليه الإجماع ﴿ ويوم تقوم الساعة أدخلوا ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر بهمزة الوصل وضم الخاء يعني يقل لهم ﴿ ادخلو يا ﴾ ﴿ آل فرعون ﴾ وقرأ الباقون بهمزة القطع وكسر الخاء من الإدخال أي يقال للملائكة أدخلوا آل فرعون ﴿ أشد العذاب ﴾ قال ابن عباس يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ غرقوا يعني في عالم البرزخ.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز، باب: الميت يعرض عليه بالغداة والعشي ﴿١٣٧٩﴾، وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ﴿٢٨٦٦﴾..
﴿ وإذ يتحاجون ﴾ أي أهل النار ﴿ في النار ﴾ أي أذكر يا محمد لقومك وقت مخاصمتهم في النار وجاز أن يكون الظرف عطفا على غدوا ﴿ فيقول الضعفاء للذين استكبروا ﴾ تفصيل للحاجة ﴿ إنا كنا لكم ﴾ في الدنيا ﴿ تبعا ﴾ والتبع يكون واحدا وجمعا لتابع كخدم جمع خادم على قول البصريين، وقيل معناه ذوي تبع بمعنى أتباع على الإضمار أو التجوز، وقال الكوفيون جمع لا واحد له وجمعه أتباع ﴿ فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ﴾ بالدفع استفهام بمعنى الأمر ونصيبا مفعول لما دل عليه مغنون أوله بالتضمين أو مصدر كشيئا في قوله تعالى :﴿ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ﴾١ فيكون صلة لمغنون
١ سورة آل عمران، الآية: ١٠..
﴿ قال الذين استكبروا إنا ﴾ أي نحن وأنتم ﴿ كل ﴾ أي كل واحد منا ﴿ فيها ﴾ أي في النار فكيف تغني عنكم ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا ﴿ إن الله قد حكم بين العباد ﴾ بدخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ولا معقب لحكمه.
﴿ وقال الذين في النار ﴾ حين اشتد عليهم العذاب ﴿ لخزنة جهنم ﴾ وضع جهنم موضع الضمير للتهويل ﴿ ادعوا ربكم يخفف عنا يوما ﴾ شيئا ﴿ من العذاب قالوا ﴾ أي خزنة جهنم
﴿ قالوا ﴾ أي خزنة جهنم ﴿ أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ﴾ استفهام للإنكار والتوبيخ على إضاعتهم أوقات الدعاء وأسباب الإجابة وعطف على محذوف تقديره أما علمتم في الدنيا ما لحقكم في الآخرة من العذاب { ﴿ أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ﴾ منذرين به ﴿ قالوا بلى ﴾ جاءتنا رسلنا مبشرين ومنذرين ﴿ قالوا فادعوا ﴾ أمر على سبيل الاستهزاء ومعناه الإقناط ﴿ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾ أي ضياع لإيجاب هذا قول من الله ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة وعلى هذا فهو حال أو معترضة.
لما سبق قصة موسى وانتصاره وقومه على فرعون أعقبه ما استحقه الرسل والمؤمنون من النصر عموما فقال ﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾قال الضحاك بالحجة، وقال ابن عباس بالغلبة، والقهر، قال البيضاوي ولا ينتقض ذلك بما كان للكافرين من الغلبة أحيانا امتحانا إذ العبرة بالعواقب وغالب الأمر.
وقيل بالانتقام من الأعداء في الدنيا ﴿ ويوم يقوم الأشهاد ﴾ يعني يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب
﴿ يوم لا ينفع الظالمين ﴾ أي الكافرين بدل من يوم يقوم ﴿ معذرتهم ﴾ لكونها باطلة، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر لا تنفع بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل والباقون بالياء لكون التأنيث غير حقيقي وللفصل ﴿ ولهم اللعنة ﴾ أي البعد من الرحمة حال من الظالمين ﴿ ولهم سوء الدار ﴾ أي الدار السوآى يعني جهنم.
﴿ ولقد آتينا موسى الهدى ﴾ متصل بقصة موسى وبين ذلك اعتراض يعني آتينا موسى ما يهتدي به في الدين أي التوراة وذلك بعد إهلاك فرعون وقومه ﴿ وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ﴾ أي التوراة بعد موسى
﴿ هدى وذكرى ﴾ أي للهداية والتذكرة أو هاديا ومذكرا ﴿ لأولي الألباب ﴾ أي لذوي العقول السليمة.
﴿ فاصبر ﴾ يا محمد على أذى المشركين ﴿ إن وعد الله ﴾ لك بالنصر ﴿ حق ﴾ لا يحتمل الخلف واستشهد بحال موسى وفرعون ﴿ واستغفر لذنبك ﴾ أمر تعبدي ليزيدنه درجته ويصير سنة لما بعده ﴿ وسبح بحمد ربك ﴾ أي صل شاكرا لربك ﴿ بالعشي والإبكار ﴾ قال الحسن يعني صلاة العصر وصلاة الصبح، وقال ابن عباس يعني الصلوات الخمس
﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله ﴾ أي ينكرون القرآن ﴿ بغير سلطان ﴾ أي حجة ﴿ أتاهم ﴾ من الله تعالى ﴿ إن في صدورهم ﴾ كنى بالصدر القلب لكونه موضعه أي ما في قلوبهم ﴿ إلا كبر ﴾ قال ابن عباس أي ما يحمله على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والعظمة يعني يتكبرون عليك ويتعظمون أنفسهم عن إتباعك ﴿ ما هم ببالغيه ﴾ قال مجاهد ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لأن الله عز وجل يذلهم وقال ابن قتيبة إن في صدورهم إلا تكبر على محمد وطمع في أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك الكبر ﴿ فاستعذ بالله ﴾ من شرهم ﴿ إنه هو السميع البصير ﴾ لأقوالكم وأفعالكم تعليل للاستعاذة
﴿ لخلق السّماوات والأرض أكبر من خلق النّاس ﴾ فمن قدر على خلقها مع عظمها أولا من غير أصل قدر على خلق الناس ثانيا من أصل وهو إزاحة لإشكال ما يجادلون فيه مما نطق به القرآن من أمر البعث ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لفرط غفلتهم وإتباع أهوائهم وتقليد آبائهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا الدجال فقالوا أيكون منا في آخر الزمان فعظموا أمره وقالوا يصنع كذا وكذا فأنزل الله تعالى :﴿ إنّ الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطانٍ أتاهم إن في صدورهم إلّا كبرٌ مّا هم ببالغيه فاستعذ باللّه ﴾ فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس قال أي من خلق الدجال " وأخرج عن كعب الأحبار قوله :﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ﴾ قال هم اليهود فيما ينتظرونه من أمر الدجال. عن عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال " ١ رواه مسلم، وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه لا يخفى عليكم أن الله ليس بأعور وأن مسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية " ٢ متفق عليه، وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب إلا أنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر " ٣ متفق عليه، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه " متفق عليه، وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منك فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء بارد رطب " متفق عليه، وزاد مسلم " وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب " وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الدجال أعور العين اليسرى جعد الشعر معه جنته وناره فناره جنة وجنته نار " رواه مسلم، وعن النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منك فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فأثبتوا، قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، قلنا فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال لا أقدروا له قدره ". الحديث بطوله رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له أين تعمد ؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج قال فيقولون له أو ما تؤمن بربنا ؟ فيقول ما بربنا خفاء، فيقولون اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا، قال فيقول أما تؤمن بي ؟ فيقول المسيح الكذاب قال فيؤمر به فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائما ثم يقول له أتؤمن بي ؟ فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة، قال ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوقه نحاسا فلا يستطيعه إليه سبيلا، قال، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي إلى الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين " ٤ رواه مسلم، وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة " رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه رجل وهو خير الناس أومن خيار الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون لا فيقتله ثم يحييه فيقول والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه " متفق عليه، وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لما يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان " ٥ متفق عليه.
وعن أبي بكر الصديق قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال له خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة " ٦ رواه الترمذي، وعن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم :" يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة في النار " رواه البغوي في شرح السنة والمعالم، وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يتبع الدجال من أمتي ﴿ لعل المراد بالأمة أمة الدعوة ﴾ سبعون ألفا عليهم التيجان " رواه البغوي في شرح السنة والمعالم، قال البغوي ويرويه أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ويتبع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو تاج وسيف محلى " وعن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال فقال :" إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا تبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك، وإن من أشد فتنته أن يأتي أعرابيا فيقول أرأيت إن أحييت لك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول بلى فيمثل له الشياطين نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا وأعظمه أسنمة، قال ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه، فيقول أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول بلى فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه، قالت ثم خرج رسول الله لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم قالت فأخذ بلحمتي الباب فقال مهيم أسماء قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن، فقلت يا رسول الله إنا لنعجن عجينا فما نخبره حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ، قال تجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح " رواه أحمد والبغوي في المعالم، وعن المغيرة بن شعبة قال :" ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته وإنه قال لي ما يضرك ؟ قلت إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال هو أهون على الله من ذلك " ٧ متفق عليه.
ولما قال الله سبحانه ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ نبه على أن الجاهل كالأعمى والعالم كالبصير فقال ﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ﴾
١ أخرجه مسلم في كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: في بقية من أحاديث الدجال ﴿٢٩٤٦﴾..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع ﴿٤٤٠٢﴾، وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال ﴿١٦٩﴾..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: الفتن، باب: ذكر الدجال ﴿٧١٣١﴾، وأخرجه مسلم في كتاب: الفتن، وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه ﴿٢٩٣٣﴾..
٤ أخرجه مسلم في كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: في صفة الدجال وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه ﴿٢٩٣٨﴾..
٥ أخرجه البخاري في كتاب: الفتن، باب: ذكر الدجال ﴿٧١٢٥﴾..
٦ أخرجه الترمذي في كتاب: الفتن، باب: ما جاء من أين يخرج الدجال ﴿٢٢٣٧﴾..
٧ أخرجه البخاري في كتاب: الفتن، باب: ذكر الدجال ﴿٧١٢٢﴾. وأخرجه مسلم في كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: في الدجال وهو أهون على الله عز وجل ﴿٢٩٣٩﴾..
﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ﴾ والجاهل والعالم والمحسن والمسيء فلا بد أن يكون لهم محل يظهر فيه تفاوتهما ولا تفاوت لهما في الدنيا فهو ما بعد الموت والبعث وزيادة لا في المسيء لأن المقصود نفي مساواته للمحسن فيما له من الثواب والكرامة، والعاطف الثاني عطف الموصول مع عطف ما عطف عليه على الأعمى والبصير لتغاير الوصفين في المقصود أو الدلالة بالصراحة والتمثيل ﴿ قليلا ما تتذكرون ﴾ أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تتذكرون، قرأ الكوفيون بالتاء الفوقانية على تغليب المخاطب أو الإلتفات أو أمر الرسول بالمخاطبة والباقون بالتحتانية لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم غيب والضمير للناس أو الكفار
﴿ إن الساعة ﴾ أي القيامة ﴿ لآتية ﴾ حتى يظهر تفاوت المحسن والمسيء ﴿ لا ريب فيها ﴾ أي في إتيانها على استحالة خلف ما أخبر الله به ﴿ ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾ بها ولا يصدقون وعد الله لغفلتهم وشقاوتهم وقصور نظرهم على المحسوسات.
﴿ وقال ربكم ادعوني ﴾ قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها قيل معناه أعبدوني دون غير ولما عبر عن العبادة بالدعاء قال موضع أثيبكم ﴿ استجب لكم ﴾ والقرينة على أن المراد بالدعاء العبادة وبالاستجابة الإثابة قوله تعالى :﴿ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾ أي ذليلين قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو بكر سيدخلون بضم الياء وفتح الخاء والباقون بفتح الياء وضم الخاء، والظاهر أن المراد بالدعاء والعبادة كليهما السؤال فإن سؤال كل ما يحتاج المرء إليه وعدم التوجه إلى غيره تعالى في شيء من الأمور كمال العبودية والإفتقار الإعتراف بصمديته تعالى عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يسأل أحدكم ربه حاجاته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع " ١ رواه الترمذي، وزاد في رواية عن ثابت البناني مرسلا " حتى يسأل الملح وحتى يسأل شسعه إذا انقطع " عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ ﴿ ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾٢ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في مسانيدهم وقال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه ابن شيبة في المصنف والحاكم في المستدرك في صحيحه وابن حبان في صحيحه عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر فذكر الحديث.
أورد النبي صلى الله عليه وسلم ضمير الفصل والخبر معرفا باللام ويقصد في أمثال ذلك حصر المسند على المسند إليه كما في قوله تعالى :﴿ إن الله هو الرزاق ﴾٣ أي لا رازق سواه وقد يقصد قصر المسند إليه على المسند كما في قوله الكرم هو التقوى والحسب هو الإيمان يعني لا كرم إلا التقوى ولا حسب إلا الإيمان، وهاهنا يحتمل المعنيين والحصر إنما هو على سبيل المبالغة ولعل المراد هاهنا أن الدعاء والعبادة متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار والمفهوم فإن كل دعاء وسؤال فهو عبادة وطاعة لأن في السؤال ذل وافتقار والعبودية في اللغة إظهار التذلل والافتقار والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولدا لا يستحقه إلا الله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ﴾٤ وكل عبادة وطاعة فهو سؤال، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " رواه ابن أبي شيبة في المصنف وقال الله تعالى :﴿ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ﴾٥ قال الجزري في النهاية إنما سمى التهليل والتحميد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله وجزائه كالحديث الآخر " إذ اشغل عبدي ثناءه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين "، وروى الترمذي ومسلم " من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " ٦ وفي رواية " من شغله القرآن وذكري عن مسألتي " الحديث.
اعلم أن الدعاء منه ما هو فريضة وهو قوله تعالى :﴿ اهدنا الصراط المستقيم { ٢ ﴾ } في الفاتحة في الصلاة أو سنة مؤكدة كالدعاء في القعدة الأخيرة ومواقف الحج وغير ذلك ومنه ما هو حرام أو مكروه وهو قصر السؤال على لذات الدنيا وسؤال ما هو معصية وسؤال ما هو مستحيل أو ما في معناه قال الله تعالى :﴿ منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ﴾٧ وقال الله تعالى :﴿ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ﴾٨ وأما سؤال كل أمر يحتاج إليه العبد في الدنيا والآخرة والاستعاذة من كل شر فمأمور به مستحب بإجماع العلماء، وذهب طائفة من الزهاد إلى أن ترك الدعاء أفضل سلاما للقضاء، وقال طائفة إن دعا للمسلمين فحسن وإن خص نفسه فلا.
والحجة لنا الكتاب والسنة والإجماع عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليس شيء أكرم على الله من الدعاء " ٩ رواه الترمذي وقال حسن غريب وابن ماجه والحاكم، وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الدعاء مخ العبادة " ١٠ رواه الترمذي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وأفضل العبادة إنتظار الفرج " ١١ رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لا يسأل الله يغضب عليه " ١٢ رواه الترمذي، وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حديث غريب، والمراد من هذه الأحاديث أنه من لم يسأل الله تعالى استكبارا غضب عليه حيث قال الله تعالى :﴿ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾ وعن أنس قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم :" لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد " رواه ابن حبان والحاكم، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض " رواه الحاكم في المستدرك، وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سأل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية " رواه الترمذي ورواه الحاكم في المستدرك " فتحت له أبواب الجنة ".

فصل :


فيما وعد عن الاستجابة لمن يدعو الله منها هذا الحديث عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من فتح له فلكم باب الدعاء فتحت له أبواب الإجابة " رواه ابن أبي شيبة، وعن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفر " ١٣ رواه الترمذي وأبو داود والبيهقي في الدعوات الكبيرة، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إياه بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا إذا نكثر، قال الله أكثر " رواه أحمد، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء " ١٤ رواه مسلم، وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء " رواه الترمذي، ورواه أحمد عن معاذ بن جبل وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أحد يدعو بدعاء إلا أتاه الله ما سأل أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " ١٥ رواه الترمذي.

فصل :


فيمن لا ترد دعوته، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم " ١٦ رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها إليه فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " رواه الترمذي، وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعاه لأخيه بخير قال الملك المؤكل به آمين ولك بمثله " ١٧ رواه مسلم، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خمس دعوات تستجاب لهم دعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة الحاج حتى يصدر دعوة المريض حتى يبرأ ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب ثم قال وأسرع الدعوات إجابة دعوة الأخ بظهر الغيب " رواه البيهقي في دعوات الكبير، وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب " رواه الترمذي وأبو داود.

فصل :


في شرائط الاستجابة للدعاء منها تجنب الحرام في المأكل والمشرب والمكسوب، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " ١٨ رواه مسلم. ومنها حضور القلب عند الدعاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه " ١٩ رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب، ومنها الجد في الدعاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم إغفر لي إن شئت ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه " ٢٠ رواه مسلم.

فصل :


في سنن الدعاء وآدابه : عن فضالة بن عبيد قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لي وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه، قال ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" أيها المصلي ادع تجب " ٢١ رواه الترمذي وروى أبو داود والنسائي نحوه، وعن ابن مسعود قال كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" سل تعطه " رواه الترمذي، وعن عمر بن الخطاب قال :" إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك " رواه الترمذي، وعن مالك بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، وفي رواية ابن عباس " سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم " ٢٢ رواه أبو داود، وعن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه " رواه الترمذي، وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك، رواه أبو داود، وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه، وعن السائب بن يزيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه مسح وجهه بيديه، رواه البيهقي في الدعوات الكبير، وعن عكرمة عن ابن عباس قال المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، رواه أبو داود، وعن ابن عمر أنه يقول إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا يعني إلى الصدر، رواه أحمد، وعن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعاه بدأ بنفسه، رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب صحيح.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات ﴿٣٦١٢﴾..
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة البقرة ﴿٢٩٦٩﴾، وأخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: الدعاء ﴿١٤٧٨﴾، وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الدعاء، باب: فضل الدعاء ﴿٣٨٢٨﴾..
٣ سورة الذاريات، الآية: ٥٨..
٤ سورة الإسراء، الآية: ٢٣..
٥ سورة يونس، الآية: ١٠..
٦ أخرجه الترمذي في كتاب: فضائل القرآن ﴿٢٩٢٦﴾..
٧ سورة البقرة، الآية: ٢٠٠..
٨ سورة النساء، الآية: ٣٢..
٩ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: ما جاء في فضل الدعاء ﴿٣٣٧٠﴾، وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الدعاء، باب: فضل الدعاء ﴿٣٨٢٩﴾..
١٠ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: ﴿٣٣٧١﴾، وقد ضعف من أجل ابن لهيعة..
١١ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات ﴿٣٥٧١﴾،.
١٢ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات ﴿٣٣٧٣﴾..
١٣ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات ﴿٣٥٥٦﴾، وأخرجه أبو داود في كتابك الصلاة، باب: الدعاء ﴿١٤٨٧﴾..
١٤ أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي ﴿٢٧٣٥﴾..
١٥ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة ﴿٣٣٨١﴾..
١٦ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في دعوة الوالدين ﴿١٩١١﴾، وأخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: الدعاء بظهر الغيب ﴿١٥٣٥﴾..
١٧ أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة، باب: فضل الدعاء والتوبة، باب: فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب ﴿٢٧٣٣﴾..
١٨ أخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ﴿١٠١٥﴾..
١٩ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات ﴿٣٤٧٨﴾..
٢٠ أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة، باب: العزم والدعاء ولا يقل إن شئت ﴿٢٦٧٩﴾..
٢١ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات ﴿٣٤٧٧﴾..
٢٢ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: الدعاء ﴿١٤٨٤﴾..
﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ﴾ أي لتستريحوا فيه بالنوم ﴿ والنهار مبصرا ﴾ أي يبصر فيه، وإسناد الإبصار إليه مجازي مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل ﴿ إن الله لذو فضل ﴾ عظيم ﴿ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾ لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم وعظم الفضل وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم يعني أنهم هم الذين يكفرون ولا يشكرون كقوله ﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾١ وجملة ﴿ الله الذي جعل لكم ﴾ متصل بقوله :﴿ هو الذي يريكم آياته ﴾٢ والله مبتدأ والموصول خبره أو خبر مبتدأ محذوف والموصول صفة له
١ سورة إبراهيم، الآية: ٣٤..
٢ سورة غافر، الآية: ١٣..
﴿ ذلكم ﴾ المخصوص بتلك الأفعال المقتضية للألوهية والربوبية مبتدأ ﴿ الله ﴾ لا غيره ﴿ ربكم خالق كل شيء ﴾ من الجواهر والأعراض وأفعال العباد ﴿ لا إله ﴾ أي لا تستحق العبادة أحد ﴿ إلا هو ﴾ إذ ليس أحد غيره موصوفا بشيء من الصفات المقتضية للألوهية المستوجبة للعبادة ﴿ فأنى ﴾ فكيف ﴿ تؤفكون ﴾ تصرفون من عبادته إلى عبادة غيره الأربعة كلها أخبار مترادفة
﴿ كذلك ﴾ أي كما أفك كفار مكة ﴿ يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ٦٣ ﴾
﴿ الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا ﴾ أي مستقرا ﴿ والسماء بناء ﴾ سقفا فوقكم استدلال ثان بأفعال آخر مختصة به تعالى :﴿ وصوركم ﴾ أيها الناس ﴿ فأحسن صوركم ﴾ يعني خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء متهيئا لمزاولة الصنائع وإكتساب الكمالات، قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده وغيره يتناول بفيه ﴿ ورزقكم من الطيبات ﴾ أي الأطعمة اللذيذة، الله مبتدأ والموصول خبره أو خبر مبتدأ محذوف يعني هو والموصول صفة والجملة مقررة للجملة السابقة ﴿ ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ﴾ فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معترض للزوال
﴿ هو الحي ﴾ المنفرد بالحياة الذاتية الذي يقتضي ذاته وجوده الوجوب والوجود وإن كانا صفتي كمال لكنهما ظلان من ظلال ذاته ﴿ لا إله إلا هو ﴾ خبر ثان لهو أي لا يستحق العبادة إلا من كان هذا شأنه ولا شيء كذلك إلا هو﴿ فادعوه ﴾ أي فاعبدوه واسألوه منه حوائجكم، الفاء للسببية فإن ما ذكر من الصفات موجبات لعبادته ﴿ مخلصين له الدين ﴾ أي الطاعة من الشرك والرياء ﴿ الحمد لله رب العالمين { ٦٥ ﴾ } قيل معناه قائلين ذاك، وقال الفراء هو خبر وفيه إضمار الأمر مجازه :" فادعوه وقولوا الحمد لله رب العالمين " وروي عن مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على إثره الحمد لله رب العالمين فذلك قوله عز وجل :﴿ فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ﴾ والله أعلم.
أخرج جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالوا يا محمد إرجع عما نقول وعليك بدين آبائك وأجدادك فأنزل الله تعالى ﴿ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي ﴾ أي من الحجج والآيات فإنها مقوية لأدلة عقلية منهية عنها ﴿ وأمرت أن أسلم لرب العالمين ﴾ أي أنقاد له وأخلص له ديني
﴿ هو الذي خلقكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم يخرجكم طفلًا ﴾ أي أطفالا والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم ﴿ ثم لتبلغوا أشدكم ﴾ اللام متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا في قوله ﴿ ثم لتكونوا شيوخًا ﴾ ويجوز عطفه على لتبلغوا قرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام بضم الشين والباقون بكسرها ﴿ ومنكم من يتوفى من قبل ﴾ أي قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد ﴿ ولتبلغوا ﴾ أي ويفعل ذلك لتبلغوا ﴿ أجلا مسمى ﴾ أي وقتا معينا لا يجاوزونه يريد أجل الحياة إلى الموت ﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ أي لتعقلوا ما في ذلك من الحجج والعبر
﴿ هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى ﴾ أي أراد ﴿ أمرًا فإنما يقول له كن فيكون ﴾ أي لا يحتاج في تكوينه تجشم الفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية متوقفة على العدد والمواد.
﴿ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله ﴾ يعني يقولون أنها ليست من عند الله أو يتولون خلاف سبيل الرسول والمؤمنين، الاستفهام للإنكار وإنكار النفي إثبات وتقرير فيه تعجيب ﴿ أنى يصرفون ﴾ كيف صرفوا عن الحق، استفهام للتوبيخ وتكرير ذم المجادلة للتأكيد أو لتعدد المجادل أو المجادل فيه، روى عن محمد بن سيرين أن الأولى كانت في المشركين وهذه الآية نزلت في القدرية
﴿ الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا ﴾ من الشرائع بدل من ﴿ الذين يجادلون ﴾ فإن كان المراد به القدرية مجوس هذه الأمة فهم يكذبون ما ثبت بالكتاب والسنة من كون الله سبحانه خالقا للأشياء كلها من الخير والشر والجواهر والأعراض قادرا على كل شيء يغفر لمن يشاء ما يشاء من الصغائر والكبائر ويعذب من يشاء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يجب عليه شيء ﴿ لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون { ٢٣ ﴾ }١ وينكرون الصراط والميزان والشفاعة وغير ذلك، وجاز أن يكون الذين كذبوا مبتدأ فيه معنى الشرط وخبره
﴿ فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل ﴾ بالرفع عطف على الأغلال أو مبتدأ خبره
١ سورة الأنبياء، الآية: ٢٣..
سورة المؤمن/ غافر
آياتها خمس وثمانون وهي مكية
روى البغوي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات فقال عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجبه فقيل له إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن، وقال البغوي قال ابن مسعود إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن، وفي رواية إذا قرأت آل حم وقعت في روضات دمثات، وروي أيضا بسنده عن ابن عباس قال لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم، وقال البغوي قال إبراهيم كل آل حم يسمين العرائس، وأخرج الحاكم عن ابن مسعود موقوفا الحواميم ديباج القرآن
﴿ يستحبون ﴾ أي يجرون
﴿ في الحميم ﴾ والعائد محذوف أي يسحبون بها وهو على الأول حال، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قرأ والسلاسل بالنصب على المفعولية ويسحبون بفتح الياء على البناء للفاعل قال وذلك أشد عليهم وهم يسحبون السلاسل ﴿ ثم في النار يسجرون ﴾ أي يحرقون من شجر التنور إذا ملأه بالوقود، وقال مقاتل وقد بهم النار، وقال مجاهد يصيرون وقود النار والمراد تعذيبهم بأنواع العذاب ينقلون من بعضها إلى بعض تارة بالحميم وأخرى بالنار، أخرج الترمذي وصححه النسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية إلى قوله ﴿ يسجرون ﴾ فقال :" لو أن رضافة مثل هذه ﴿ وأشار على جمجمة ﴾ أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمس مائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن يبلغ أصلها أو قعرها " ١.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة جهنم، باب: ما جاء في صفة طعام أهل النار ﴿٢٥٨٨﴾..
﴿ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون { ٧٣ ﴾ من دون الله } يعني الأصنام
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٣:﴿ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون ﴿ ٧٣ ﴾ من دون الله ﴾ يعني الأصنام

﴿ قالوا ضلوا ﴾ أي غابوا ﴿ عنا ﴾ فلا نراهم وذلك قبل أن يقرن بهم آلهتهم أو المعنى ضاعوا عنا فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم ﴿ بل لم نكن ندعو من قبل شيئًا ﴾ قيل هذا إنكار للإشراك مثل قولهم ﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾١ وقيل معناه لم نكن ندعوا من قبل شيئا ينفعنا أو يدفع عنا المكروه، وقال الحسن بن الفضل أي لم نصنع من قبل شيئا أي ضاعت عبادتنا كما يقول من ضاع عمله ما كنت أعمل شيئا ﴿ كذلك ﴾ أي إضلالا مثل إضلال هؤلاء المشركين أو مثل إضلال القدرية ﴿ يضل الله الكافرين ﴾ أجمعين حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم
١ سورة الأنعام، الآية: ٢٣..
﴿ ذلكم ﴾ الإضلال ﴿ بما كنتم تفرحون في الأرض ﴾ أي تبطرون وتتكبرون ﴿ بغير الحق ﴾ وهو الشرك والطغيان ﴿ وبما كنتم تمرحون ﴾ أي تتوسعون في الفرح والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ
﴿ أدخلوا أبواب جهنم ﴾ السبعة المقسومة لكم ﴿ خالدين ﴾ مقدري الخلود فيها ﴿ فبئس مثوى المتكبرين ﴾ عن الحق جهنم وكان مقتضى النظم فبس مدخل المتكبرين ولما كان الدخول المقيد بالخلود سبب الثواء عبر بالمثوى.
﴿ فاصبر ﴾ يا محمد على إيذاء المشركين ﴿ إن وعد الله ﴾ بنصرك وإهلاك الكافرين ﴿ حق ﴾ كائن لا محالة ﴿ فإما نرينك ﴾ أن شرطية أدغمت في ما الزائدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ﴿ بعض الذي نريهم ﴾ من القتل والأسر ﴿ أو نتوفينك ﴾ قبل أن نريهم ﴿ فإلينا يرجعون ﴾ يوم القيامة فنجازيهم على أعمالهم وهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف مثل فذلك، وجاز أن يكون هذا جوابا لهما بمعنى أن نعذبهم في حياتك أم لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض.
﴿ ولقد أرسلنا رسلًا ﴾ التنوين للتكثير والتعظيم ﴿ من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ﴾ أخرج أحمد وابن راهويه في مسنديهما وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من حديث أبي لبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن عدد الأنبياء فقال :" مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " فقيل فكم الرسل منهم ؟ قال : ثلاث مائة وثلاثة وعشر جما غفيرا " وأخرج ابن حبان من حديث أبي ذر نحوه، والمذكور في القرآن سبعة وعشرون ﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية ﴾ أي معجزة ﴿ إلا بإذن الله ﴾ أي بأمره وإرادته ليس لهم اختيار في إتيان بعضها والإستبداد بإتيان المقترح بها ﴿ فإذا جاء أمر الله ﴾ قضاؤه بين الأنبياء والأمم ﴿ قضي بالحق ﴾ أي بنصر الأنبياء والمؤمنين وتعذيب الكفار ﴿ وخسر هنالك المبطلون ﴾ الكفار المعاندون باقتراح الآيات بغير ظهور الحق بالمعجزات.
﴿ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون { ٧٩ ﴾ } فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها يؤكل ويركب وهو الإبل والبقر الجملة متصلة بقوله هو الذي يحيي ويميت
﴿ ولكم فيها منافع ﴾ في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها وجلودها ﴿ ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ﴾ بالمسافرة عليها عطف على قوله ﴿ لتركبوا منها ﴾ ﴿ وعليها ﴾ في البر ﴿ وعلى الفلك ﴾ في البحر ﴿ تحملون ﴾ وإنما قال على الفلك، ولم يقل في الفلك مزاوجة وتغير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة إذ يقصد به التعيش والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد يكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة أو للفرق بين العين والمنفعة
﴿ ويريكم آياته ﴾ الدالة على وجوده وكمال قدرته وفرط رحمته ﴿ فأي ﴾ آية من ﴿ آيات الله تنكرون ﴾ استفهام للإنكار على الإنكار، فإنها لكثرتها ولظهورها لا تقبل للإنكار وهو ناصب أي
﴿ أفلم يسيروا ﴾ تقديره ألم يخرجوا فلم يسيروا ﴿ في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض ﴾ أي ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوها ﴿ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون { ٨٢ ﴾ } يعني فلم ينفعهم ذلك ما الأولى نافية أو استفهامية للإنكار منصوبة بأغنى والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة بها
﴿ فلما جاءتهم ﴾ عطف على ما أغنى ﴿ رسلهم بالبينات ﴾ بالمعجزات والآيات الواضحات ﴿ فرحوا بما عندهم من العلم ﴾ واستحقروا علم الرسل والمراد بالعلم ما يزعمون علما نافعا وهو في الحقيقة إما جهل مركب كقول اليونانيين وغيرهم من الكفار في الإلهيات وبعض الطبيعيات والرياضيات، وكقول كفار مكة لن نبعث ولن نعذب كذا قال مجاهد وكقول اليهود والنصارى :﴿ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ﴾١ وإما علم متعلق بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، قال الله تعالى :﴿ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون { ٧ ﴾ }٢ فلما جاءتهم رسلهم معلوم الديانات وهي أبعد شيء من علمهم لبنائها على الإجمال في طلب الدنيا وترك إتباع الشهوات لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤوا بها واستهزؤوا بهم واعتقدوا أن علمهم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به، وإما علم بأشياء لا ينفعهم في الآخرة كعلم الطبيعي والرياضي والنجوم والسحر والشعوذة لأهل اليونان والهند وغيرهم، روي أن أفلاطون سأل عيسى بن مريم عليه السلام امتحانا لنبوته فقال إن كانت السماوات قسما والحوادث سهاما والإنسان هدفا والرامي هو الله فأين المفر ؟ فأجاب عيسى عليه السلام ففروا إلى الله حينئذ أيقن أفلاطون بنبوته لكن قال إنما الأنبياء لأجل الناقصين ونحن كاملون لا حاجة لنا إلى الرسل، وعن سقراط أنه سمع موسى عليه السلام وقيل له لو هاجرت إليه فقال نحن قوم مهتدون لا حاجة لنا بمن يهدينا، وقيل معناه فرحوا أي ضحكوا استهزاء بما عندهم أي عند الأنبياء من العلم ويؤيده قوله تعالى ﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ وقيل ضمير فرحوا راجع إلى الرسل يعني لما رأى الأنبياء تمادى جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من الله العلم وشكروا لله تعالى عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم
١ سورة البقرة، الآية: ١١١..
٢ سورة الروم، الآية: ٧..
﴿ فلما رأوا ﴾ أي الكفار ﴿ بأسنا ﴾ أي شدة عذابنا عند الموت ﴿ قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ﴾ أي تبرأنا مما كنا نعبد من الأصنام
﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم ﴾ هذا إما من باب تنازع العاملين وأعمال أحدهما والإضمار في الثاني أو يكون اسم يك ضمير الشأن مستترا فيه أو يكون يك تامة وبنفعهم بتقدير أن فاعل له ﴿ لما رأوا بأسنا ﴾ أي عذابنا لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال لم يك بمعنى لم يصح ولم يستقم ﴿ سنت الله ﴾ منصوب على المصدرية من فعل محذوف للتأكيد، أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد أن الإيمان عند نزول العذاب لا ينفع وأن العذاب نازل على مكذبي الرسل، وقيل منصوب بنزع الخافض كسنة الله، وقيل على الإغراء أي احذروا سنة الله ﴿ التي قد خلت في عباده وخسر هنالك ﴾ أي وقت رؤيتهم الباس ﴿ الكافرون ﴾ بذهاب الدارين، قال الزجاج الكافر خاسر في كل وقت ولكن يتبين لهم خسرانهم إذا العذاب.
Icon