ﰡ
﴿ حم ﴾ الأحرف التي تبدأ بها بعض السور، قيل إنها رموز إلهية، وقيل أقسام من الله، وقيل إنها أسماء لله، وقيل إنها إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام، وقيل إنها أسماء لتلك السور.
تفسير المعاني :
حم.
إنزال القرآن هو من الله العزيز العليم.
﴿ التوْب ﴾ مصدر تاب، كالعوْد مصدر عاد. ﴿ ذي الطوْل ﴾ أي ذي الفضل.
تفسير المعاني :
ساتر الذنب وقابل التوبة، شديد العقاب، ذي الفضل بترك العقاب، لا إله إلا هو إليه المرجع.
﴿ تقلبهم في البلاد ﴾ أي تنقلهم فيها.
تفسير المعاني :
لا يجادل في آيات الله فيصرفها عن وجهها، ويحملها ما لا تحتمله من المعاني للطعن عليها، إلا الكافرون. فلا يغررك إمهالهم وتركهم ينتقلون في البلاد فإن لهم يوما تشخص فيه الأبصار.
﴿ ليدحضوا ﴾ أي ليزيلوا ويبطلوا. يقال دحض حجته يدحضها أي أبطلها وزيفها، ومثله أدحض حجته، وحجته داحضة أي باطلة.
تفسير المعاني :
كذبت قبلهم أمم، وهمت كل منها برسولها لتهلكه، وجادلوا بالباطل ليبطلوا به الحق فأهلكتهم فكيف كان عقابي لهم ؟
﴿ حقت ﴾ أي ثبتت ووجبت. يقال حق الأمر يحق ويحق حقا، أي ثبت.
تفسير المعاني :
وكذلك وجبت كلمة ربك بالعذاب على الذين كفروا أنهم من أصحاب النار.
﴿ العرش ﴾ أصله سرير الملك، والمراد به هنا خلق عظيم محيط بالكون يتنزل منه تدبير العالم من لدن الله. ﴿ يسبحون بحمد ربهم ﴾ أي ينزهونه عن النقص حامدين إياه. ﴿ وسعت كل شيء رحمة وعلما ﴾ أي وسعت رحمته وعلمه فأزيل الكلام عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم.
تفسير المعاني :
أما الملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله منهم، فإنهم ينزهون ربهم حامدين إياه، ويؤمنون بالقرآن، ويستغفرون للذين آمنوا قائلين : ربنا قد وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فاغفر للذين تابوا واتبعوا طريقك واحمهم من عذاب النار المتأججة.
﴿ جنات عدن ﴾ أي جنات استقرار وإقامة. يقال عدن بالمكان يعدن عدنا أي أقام به.
تفسير المعاني :
ويقول الملائكة : ربنا وادخل هؤلاء المؤمنين جنات الإقامة الخالدة التي وعدتهم بها هم ومن كان صالحا لها من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، إنك أنت العزيز الحكيم.
﴿ وقهم ﴾ أي واحمهم. وهو فعل أمر من وقى يقي وقاية، أي حمى وحفظ.
تفسير المعاني :
واحمهم جزاء الأعمال السيئات، ومن تحمه إياها فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم.
﴿ لمقت ﴾ المقت أشد الغضب.
تفسير المعاني :
إن الذين كفروا ينادون يوم القيامة، فيقال لهم : إن غضب الله عليكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء إذ تدعون إلى الدخول في الإيمان فتأبون.
﴿ أمتنا اثنتين ﴾ أي أمتنا موتتين بأن خلقتنا أمواتا ثم جعلتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا. ﴿ وأحييتنا اثنتين ﴾ الإحياءة الأولى عند الميلاد وإحياء البعث.
تفسير المعاني :
قالوا : ربنا أمتنا موتتين بأن خلقتنا أمواتا ثم أمتنا بعد انقضاء آجالنا، وأحييتنا اثنتين عند الميلاد وعند البعث، أو إماتة عند انقضاء آجالنا والثانية في القبر بعد إحيائنا للإجابة عن أسئلة الملكين، والإحياءتان إحياءة القبر للسؤال، وإحياءة البعث فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من النار من سبيل.
ذلكم بأنكم كنتم إذا دعي الله وحده كفرتم به وإن يشرك به آمنتم بشركائكم، فالحكم لله العلي الكبير.
﴿ ينيب ﴾ أي يرجع إلى الله.
تفسير المعاني :
هو الذي يريكم آياته الدالة على أنه واحد ويريكم جميع ما يجب أن يعلم، تكميلا لنفوسكم، وينزل عليكم من السماء رزقا أي أسباب رزق كالمطر، وما يتذكر أي وما يتعظ إلا من يتوب.
فادعوا الله مخلصين له الدين بأن يكون خاليا من الشرك ولو كره الكافرون.
﴿ العرش ﴾ العرش في اللغة سرير الملك، والمراد به في الدين خلق عظيم محيط بالعالم كله من قبل ينزل التدبير والتقدير من لدن الخالق الحكيم. ﴿ يلقى الروح ﴾ أي الوحي. ﴿ يوم التلاق ﴾ أي يوم التلاقي، والمراد به يوم القيامة، فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض.
تفسير المعاني :
الله رفيع درجات الكمال صاحب العرش ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم القيامة حيث يتلاقى أهل الأرض وأهل السماء.
يوم هم خارجون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء، ويقال لهم : لمن الملك اليوم ؟ فيجابون هو الله الواحد القهار.
اليوم تجزى كل نفس بما عملت، لا ظلم فيه، إن الله سريع الحساب، إذ لا يشغله شأن عن شأن.
﴿ يوم الآزفة ﴾ أي يوم القيامة، سميت الآزفة لأزوفها أي قربها. يقال أزفت الساعة تأزف أزوفا، أي دنت.
﴿ الحناجر ﴾ جمع حنجرة وهي الحلق. ﴿ كاظمين ﴾ أي ممسكين في نفوسهم، والمراد كاظمين على الغم، يقال كظم غيظه يكظمه، أمسكه في نفسه ولم يظهره. ﴿ حميم ﴾ أي قريب شفيق.
تفسير المعاني :
وأنذرهم يوم الآزفة أي يوم القيامة، حيث ترتفع القلوب من أماكنها حتى تلحق بالحناجر من شدة الهول ممسكين على الغم، ما لهم من قريب شفيق يعطف عليهم ولا شفيع لهم فتثمر شفاعته.
﴿ خائنة الأعين ﴾ النظرة الخائنة هي النظرة المحرمة.
تفسير المعاني :
يعلم نظراتهم الخائنة وما تخفي صدورهم.
وهو يقضي بالحق، والذين يعبدونهم من دونه لا يقضون بشيء، إنه هو السميع البصير.
أو لم يسيحوا في الأرض فيروا إلى أي مصير انتهى أمر الذين كانوا من قبلهم ؟ فلقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر آثارا في الأرض، فأهلكهم الله بذنوبهم وما كان لهم من دون الله من حافظ.
﴿ بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات.
تفسير المعاني :
ذلك الإهلاك الذي قضاه الله عليهم كان بسبب أنه كانت رسلهم بالآيات الواضحات فأصروا على كفرهم.
﴿ وسلطان ﴾ أي برهان.
تفسير المعاني :
فأهلكهم الله إنه قوي البطش شديد العقاب.
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا، أي بمعجزاتنا التي آتيناه إياها، وعددها تسع، وعززناه بسلطان مبين، إلى فرعون ووزيره هامان ورأس الكافرين قارون، فقالوا : هذا ساحر كذاب.
﴿ قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ﴾ هذه الآية تشعر أن أمر فرعون بقتل أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم حدث بعد بعثة موسى مع أن نص الكتاب دل على أنه كان قبله حتى أن موسى نفسه لما ولد نجا بتدبير إلهي. والحقيقة أن فرعون بعد سماعه قول موسى أمر بإعادة تلك المجزرة لإذلال بني إسرائيل وإبادتهم.
تفسير المعاني :
فلما جاءهم بالحق من عندنا كبر عليهم أن يقبلوه، فقالوا : أعيدوا قتل أبناء الذين آمنوا معه واستبقوا نساءهم، وما كيد الكافرين إلا في ضياع.
وقال فرعون : ذروني، أي اتركوني أقتل موسى وليناد ربه ليعينه إن كان صادقا في دعواه، إني أخاف أن يبدل دينكم فيغير ما أنتم عليه من التقاليد الموروثة، والعبادات المقررة، أو أن يفسد عليكم أمر دنياكم بفصم عراكم، وشق عصاكم.
﴿ إني عذت ﴾ أي استجرت. يقال عاد بالله يعوذ به عياذا، أي استعاذ به بمعنى استجار به.
تفسير المعاني :
فقال موسى لقومه لما سمع كلام فرعون : إني استجرت بربي وربكم من كل متكبر جاحد لا يؤمن بيوم الحساب.
﴿ أن يقول ﴾ أي لأن يقول ﴿ ظاهرين في الأرض ﴾ أي غالبين فيها. يقال ظهر على خصمه يظهر ظهورا، أي غلبه وانتصر عليه.
تفسير المعاني :
وقال رجل مؤمن من أقوياء فرعون كان يكتم إيمانه : أتقصدون قتل رجل لأن يقول ربي الله وحده ؟ وقد جاءكم مع هذا بالآيات البينات من ربكم، فإن يكن كاذبا لم يوح إليه شيء كان إثم كذبه على نفسه ولا يضرنا منه شيء، وإن كان صادقا يصبكم بعض الذي ينذركم به، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب.
﴿ أن يقول ﴾ أي لأن يقول ﴿ ظاهرين في الأرض ﴾ أي غالبين فيها. يقال ظهر على خصمه يظهر ظهورا، أي غلبه وانتصر عليه. ﴿ بأس الله ﴾ أي عذاب الله.
تفسير المعاني :
يا قوم إنكم أصحاب الملك اليوم متغلبون في الأرض فلا تفسدوا عليكم أمركم بأن تتعرضوا لبأس الله تعالى فمن هو ذلك الذي ينصرنا إن جاءنا ؟ قال فرعون : ما أشير عليكم إلا بما أستصوبه، وما أرشدكم إلا إلى سبيل الصواب.
﴿ مثل يوم الأحزاب ﴾ أي مثل أيام الأمم الماضية، يعني وقائعهم. كما يقال أيام العرب ويراد وقائعها في الجاهلية. والأحزاب جمع حزب وهم الجماعات، والمراد بهم الذين تحزبوا على إبطال أمر الأنبياء.
تفسير المعاني :
وقال الذي آمن : يا قوم إني أخاف عليكم إن تعرضتم له أن يصيبكم مثل ما أصاب الأمم الماضية، وما الله يريد ظلما للعباد.
﴿ مثل دأب ﴾ أي مثل عادة. يقال هذا دأبه ودأبي، أي هذه عادته وعادتي. ويقال داب يدأب دءوبا أي اجتهد واستمر عليه.
تفسير المعاني :
وقال الذي آمن : يا قوم إني أخاف عليكم إن تعرضتم له أن يصيبكم مثل ما أصاب الأمم الماضية، وما الله يريد ظلما للعباد.
﴿ يوم التناد ﴾ أي يوم التنادي، أي يوم ينادي فيه بعض الناس بعضا وهو يوم الآخرة.
تفسير المعاني :
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم يتنادى الناس فيه من شدة الهول.
يوم تولون عن الموقف منصرفين عنه إلى النار، ما لكم من الله من حافظ، ومن يضلله الله فما له من هاد.
﴿ بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات. ﴿ مرتاب ﴾ أي شاك. يقال ارتاب فيه أي شك فيه. والريبة هي الشك.
تفسير المعاني :
ولقد جاءكم يوسف من قبل موسى بالمعجزات الواضحات، فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا مات قلتم : لن يبعث الله من بعده رسولا، كذلك يضل الله من هو مسرف شاك.
﴿ سلطان ﴾ أي دليل. ﴿ مقتا ﴾ المقت أشد الغضب. ﴿ يطبع ﴾ أي يختم، وهما بمعنى الإغلاق لأن الشيء لا يطبع أو يختم إلا إذا أغلق.
تفسير المعاني :
الذين يجادلون في آيات الله بالباطل ويصرفونها عما لا تحتمله من المعاني بقصد الطعن عليها بغير حجة لديهم، فذلك ما أكبر مقت الله له ومقت المؤمنين أيضا، كذلك يغلق الله قلب كل متكبر جبار.
﴿ صرحا ﴾ أي بناء عاليا من صرحه يصرحه صرحا أظهره. ﴿ الأسباب ﴾ أي الطرق والوسائل جمع سبب.
تفسير المعاني :
وقال فرعون لوزيره : يا هامان ابن لي بناء عاليا لعلي أصل إلى الطرق.
﴿ وصد ﴾ أي ومنع. يقال صده يصده صدا أي منعه وكفه. ﴿ في تباب ﴾ أي خسار وهلاك. يقال تب يتب أي هلك وخسر، وتببه أي أهلكه.
تفسير المعاني :
طرق السماوات، فأطلع إلى إله موسى " قال ذلك تهكما من موسى "، وإني لأظنه كاذبا. وكذلك زين الشيطان لفرعون سوء عمله، وصده عن سبيل الرشاد، وما كيد فرعون إلا في خسار.
وقال الذي آمن " هو مؤمن آل فرعون الذي سبق ذكره، أو هو موسى نفسه " : يا قوم اتبعوني أهدكم إلى سبيل السداد.
﴿ متاع ﴾ أي تمتع يسير. ﴿ القرار ﴾ أي الاستقرار والبقاء. يقال قر بالمكان يقر قرارا أي استقر به.
تفسير المعاني :
يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا تمتع يسير، وإن الآخرة هي دار الاستقرار والخلود.
من ارتكب فعلة سيئة فلا يجزى إلا عقوبة مثلها، ومن عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، فأولئك يدخلهم الله جنته التي وعد بها الطائعين من عباده يرزقهم فيها ما أعده من نعيمها بغير حساب، أي بغير تقدير لأعمالهم، بل أضعافا مضاعفة.
ويا قوم ما بالي أدعوكم إلى ما يؤديكم إلى النجاة وتدعونني إلى ما يؤديني إلى النار.
تدعونني لأكفر بالله الحق، وأشرك به آلهة خيالية ليس لي بها علم، وأنا أدعوكم إلى توحيد الله العزيز الغفار.
﴿ لا جرم ﴾ أي لابد أو حقا. وجرم فعل بمعنى قطع، كما أن بد من لابد فعل من التبديد وهو التفريق، والمعنى أن الشيء المقول لا ينقطع في وقت ما فينقلب حقا. ﴿ مردنا ﴾ أي مرجعنا ومرد مصدر رد.
تفسير المعاني :
حقا أن الشيء الذي تدعونني إليه لا ينبغي أن تكون له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن مصيرنا إلى الله، وأن المسرفين في الضلال هم أصحاب النار.
فستذكرون ما أقول لكم عندما تقعون فيه، وأفوض أمري إلى الله ليعصمني من كل سوء، إن الله بصير بالعباد.
﴿ وحاق ﴾ وأحاط.
تفسير المعاني :
فحماه الله شدائد مكرهم وأحاط بآل فرعون سوء العذاب، وهو النار يعرضون عليها صباحا ومساء، قبل أن تقوم الساعة، ويحاسبون، يقول الله : أيها الملائكة أدخلوا آل فرعون إلى جهنم ليذوقوا أشد العذاب.
﴿ غدوا ﴾ مصدر غدا يغدو أي ذهب وقت الغداة وهو من الفجر إلى طلوع الشمس. ﴿ وعشيا ﴾ جمع عشية وهي الوقت من بعد الظهر على المغرب.
تفسير المعاني :
فحماه الله شدائد مكرهم وأحاط بآل فرعون سوء العذاب، وهو النار يعرضون عليها صباحا ومساء، قبل أن تقوم الساعة، ويحاسبون، يقول الله : أيها الملائكة أدخلوا آل فرعون إلى جهنم ليذوقوا أشد العذاب.
واذكر إذ يتخاصمون وهم في النار، فيقول الضعفاء للذين استكبروا : إننا كنا متابعين لآرائكم في الدنيا، فهل أنتم اليوم دافعون، أو متحملون عنا نصيبا من عذاب النار ؟
قال الذين استكبروا للضعفاء وهم يتخاصمون في جهنم : إننا جميعا قد حكم الله علينا بدخولها، وقد نفذ فينا حكمه وانتهى الأمر فلا محل للجدال.
﴿ لخزنة جهنم ﴾ الخزنة جمع خازن، أي المكلفون بتدبير أمورها من الملائكة.
تفسير المعاني :
وقال أهل النار للقائمين بأمر جهنم : ادعوا الله يخفف عنا يوما من العذاب.
﴿ بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات ﴿ بلى ﴾ أي نعم، وهو حرف جواب يأتي جوابا لاستفهام منفي كما في الآية، وردا لنفي، نحو قولك : ما عهدنا مثل ذلك قط، فيرد عليك مجادلك قائلا : بلى قد عهدتموه.
تفسير المعاني :
قالوا : ألم تكن تأتيكم رسل بالآيات الواضحات ؟ قالوا : نعم. قالوا : فادعوا الآن فما دعاؤكم إلا في ضياع.
﴿ الأشهاد ﴾ جمع شاهد.
تفسير المعاني :
إننا لننصر رسلنا ومن آمن معهم في الدنيا وفي الآخرة معا.
﴿ سوء الدار ﴾ أي دار السوء، وهي جهنم.
تفسير المعاني :
يوم لا ينفع الظالمين اعتذارهم، ولهم لعنة الله، وجهنم يدخلونها جزاء كفرهم.
ولقد منحنا موسى ما يهتدي به في الدين من التعاليم، وأورثنا بني إسرائيل التوراة هداية وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
﴿ وذكرى ﴾ أي وموعظة. ﴿ الألباب ﴾ أي العقول جمع لبّ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:تفسير المعاني :
ولقد منحنا موسى ما يهتدي به في الدين من التعاليم، وأورثنا بني إسرائيل التوراة هداية وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
﴿ وسبح بحمد ربك ﴾ أي ونزه ربك حامدا إياه، والتسبيح هو التنزيه، أي تنزيه الله عن النقص. ﴿ بالعشي ﴾ جمع عشية، وهي ما بعد الظهر إلى المغرب. ﴿ والإبكار ﴾ اسم للبكرة، وهي من الفجر إلى طلوع الشمس.
تفسير المعاني :
فاصبر يا محمد إن وعد الله بنصرك حق، واستغفر لذنبك ونزه ربك عن النقص حامدا إياه في الصباح والمساء.
﴿ سلطان ﴾ أي حجة. ﴿ فاستعذ ﴾ أي فالتجئ. يقال عاذ به يعوذ عياذا واستعاذ به التجأ إليه.
تفسير المعاني :
إن الذين يجادلون في آيات الله بالباطل ليدحضوها، وليس لديهم حجة على ما يقولون، فما ذلك منهم إلا تكبر عن قبول الحق، فما هم ببالغي أربهم منه، فالتجئ إلى الله إنه هو السميع لأقوالهم، البصير بأفعالهم.
إن الذي خلق السماوات والأرض من غير أصل استمد وجودها منه، بل من العدم المحض – على ما فيهما من عظمة وجلال – قادر على أن يعيد الإنسان في الآخرة من أصل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وما يستوي الأعمى الذي لا يهتدي إلى شيء والبصير الذي يرى كل شيء، ولا يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء الذي بقي كافرا ولم يعمل غير السيئات.. قليلا ما تتعظون.
إن يوم القيامة لآت لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به لقصر نظرهم.
﴿ داخرين ﴾ أي صاغرين ذليلين. يقال دخر يدخر دخورا، أي ذل وصغر. تفسير المعاني :
وقال ربكم : ادعوني، أي اسألوني ما تحتاجون إليه، أستجب لكم ما يتفق ومصلحتكم. وقيل المراد بادعوني اعبدوني، بدليل قوله تعالى بعده : إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين، وإن كان الوجه الأول هو الأرجح، فيكون معنى العبادة في هذه الآية الدعاء، فإنه من أبوابها.
﴿ لتسكنوا فيه ﴾ أي لتستريحوا فيه، وهو من السكون أي إبطال الحركة. يقال سكن الشيء يسكن سكونا أي بطلت حركته. ﴿ والنهار مبصرا ﴾ أي يبصر فيه أو يبصر به.
تفسير المعاني :
الله جعل لكم الليل لتستريحوا فيه من معاناة الأعمال اليومية، والنهار لتبصروا فيه المرئيات، وتسعوا فيه لتحصيل أرزاقكم، إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون لجهلهم بقدر هذه النعم.
﴿ فأنى تؤفكون ﴾ أي فأين تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره. يقال أفكه يأفكه أفكا، أي صرفه عن وجهه.
تفسير المعاني :
ذلكم الله ربكم خالق كل شيء من العدم لا إله إلا هو فأين تصرفون عن عبادته.
حقا إن الذين يكفرون بآياته لجديرون أن يصرفوا عنها مثل هذا الصرف.
﴿ قرارا ﴾ أي مكان استقرار. ﴿ الطيبات ﴾ أي الأغذية الطيبات، والمراد بها اللذيذة. ﴿ فتبارك ﴾ أي كثر خيره ونما بره. ﴿ العالمين ﴾ جمع عالم، وهي المواليد الطبيعية : عالم النباتات وعالم الحيوانات إلخ.
تفسير المعاني :
الله الذي جعل الأرض مكانا تستقرون عليه والسماء بناء أقامه فوق رءوسكم بلا عمد، وصوركم فأتقن صوركم، ورزقكم من لذائذ الأطعمة.. ذلكم الله زاد خيره ونما بره، هو رب العالمين.
هو الحي لا إله إلا هو فادعوه ممحضين له الدين أي لا تشركوا معه غيره.
﴿ تدعون من دون الله ﴾ أي تعبدون من دون الله. ﴿ البينات ﴾ أي الآيات الواضحات. ﴿ أسلم ﴾ أي استسلم.
تفسير المعاني :
فقل للمشركين : إني نهاني ربي أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما أتتني الآيات البينات، وأمرت أن أستسلم لرب العالمين.
﴿ أشدكم ﴾ أي غاية نموكم. وأشد مفرد جاء على وزن الجمع. ﴿ أجلا مسمى ﴾ أي وقتا محددا.
تفسير المعاني :
وهو الذي خلقكم، أي خلق آدم، من تراب ثم من نطفة، أي من ماء قليل، ثم من دم متجمد، ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا، ثم يمهلكم لتبلغوا غاية نموكم، ثم لتكونوا شيوخا، ومنكم من يتوفى قبل الشيخوخة.. يفعل ذلك لتدركوا أجلا محددا، لعلكم تعقلون.
هو الله الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن. فيكون.
﴿ أنى يصرفون ﴾ أي أين يصرفهم صارف عن التصديق به.
تفسير المعاني :
ألم تنظر إلى هؤلاء الحمقى الذين يجادلون في آيات الله ويحاولون أن يبطلوها بالسفسطة والتمويه، أين يصرفون عن الإيمان به ؟
أولئك الذين كذبوا بالقرآن وبكل كتاب أنزل على رسول، فسوف يعرفون جزاء تكذيبهم.
﴿ الأغلال ﴾ جمع غل وهو قيد العنق.
تفسير المعاني :
حتى تكون الأغلال والسلاسل في رقابهم.
﴿ الحميم ﴾ الماء الشديد الحرارة. ﴿ يسجرون ﴾ أي يحرقون، من سجر التنور يسجره أي ملأه بالوقود.
تفسير المعاني :
يسحبون في الماء البالغ أشد درجات الحرارة، ثم يحرقون في النار.
ثم يقال لهم : أين ما كنتم تشركون بهم من دون الله ؟
﴿ ضلوا عنا ﴾ أي غابوا عنا.
تفسير المعاني :
قالوا : غابوا عنا، بل تبين لنا أننا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم، فمثل هذا الضلال يضل الله الكافرين.
﴿ تفرحون في الأرض ﴾ أي تبطرون وتتكبرون. ﴿ تمرحون ﴾ أي تتوسعون في الفرح. يقال مرح يمرح مرحا، أي فرح أشد الفرح.
تفسير المعاني :
ذلكم الإضلال بسبب ما كنتم تبطرون وتتكبرون في الأرض بغير الحق، بل بالشرك والطغيان، وبسبب ما كنتم تتوسعون في الفرح والحبور.
﴿ ادخلوا أبواب جهنم ﴾ أي أبوابها السبعة. ﴿ مثوى ﴾ أي محل إقامة. يقال ثوى بالمكان يثوى ثواء، أي أقام به.
تفسير المعاني :
ادخلوا أبواب جهنم السبعة خالدين فيها فبئست دار إقامة للمتكبرين.
فاصبر يا محمد إن وعد الله بهلاك الكافرين حق، فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب، أو نتوفينك قبل أن تراه، فهم إلينا يرجعون فنجازيهم بما كانوا يعملون.
﴿ قصصنا ﴾ أي حكينا أخبارهم، قص الخبر يقصه، حكاه. ﴿ المبطلون ﴾ أي المتمسكون بالباطل.
تفسير المعاني :
ولقد أرسلنا إلى الأمم رسلا من قبلك " قيل مائة وأربعة وعشرون ألف رسول " فمنهم من روينا لك أخباره، ومنهم من لم نرو لك عنه شيئا، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله، فإذا جاء أمر الله بالعذاب قضى بإنجاء المحق وإهلاك المبطل.
﴿ الأنعام ﴾ جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم.
تفسير المعاني :
هو الله الذي خلق لكم الإبل والبقر والغنم لتركبوا منها ومنها تأكلون.
﴿ ولكم فيها منافع ﴾ كالألبان والجلود والأوبار. ﴿ الفلك ﴾ السفن، وهي تلازم هذه الصيغة في المفرد والجمع.
تفسير المعاني :
ولكم فيها منافع أخرى من ألبانها وأوبارها وجلودها، ولتبلغوا على ظهورها بالأسفار حاجة في صدوركم. وعليها وعلى السفن تحملون في البر والبحر.
ويريكم الله دلائله الناطقة على كمال قدرته ورحمته فأي واحدة منها تنكرون ؟
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت نهاية الذين من قبلهم ؟ كانوا أكثر منهم عددا وأشد منهم قوة، وأبقى آثارا في الأرض من قصور وتماثيل، فما دفع عنهم العذاب ما كانوا يكسبون.
﴿ بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات ﴿ وحاق بهم ﴾ أي وأحاط بهم. يقال حاق به يحيق حيقا أي أحاط به.
تفسير المعاني :
فلما جاءتهم رسلهم بالمعجزات والآيات الواضحات، غرهم ما عندهم من العلم بالأمور المحسوسة، فأخذوا يقيمون الشبه والاستشكالات على تعاليم المرسلين، ويستهزئون بها وبهم، وأحاط بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون.
﴿ بأسنا ﴾ أي شدة عذابنا.
تفسير المعاني :
فلما رأوا عذابنا قالوا : آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين.
﴿ سنة الله التي قد خلت في عباده ﴾ أي طريقته التي مضت من قبل. وسنة هنا مصدر مؤكد، أي سن الله ذلك سنة.
تفسير المعاني :
فلم يكن ينفعهم إيمانهم لما رأوا عذابنا نازلا بهم، هذه سنة سنها الله في خلقه، وجرت بها عادته في أخذ الأمم، وأضاع وجوده هنالك الكافرون.