تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب التفسير المظهري
.
لمؤلفه
المظهري
.
المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الحاقة
مكية وهي اثنان وخمسون آية
ﰡ
﴿ الحاقة ١ ﴾ أي القيامة لأنها حق وثابت وقوعها لا ريب فيه أو لأنها يحق فيها الأمور أي يعرف حقيقتها أو لأنها يحق الجزاء على الأعمال يقال : حق عليه الشيء إذا وجب قال الله تعالى :﴿ حقت كلمة العذاب على الكافرين ﴾ والإسناد مجازي مبتدأ وخبره ﴿ ما الحاقة ٢ ﴾ والرابط المظهر في مقام المضمر والاستفهام لتفخم شأنها والتهويل
﴿ وما أدراك ﴾ مبتدأ وأدراك خبره والاستفهام للإنكار ﴿ ما الحاقة ٢ ﴾ جملة الاستفهامية للتهويل مفعول لأدراك معنى الآية الحاقة ما هي أي شيء عظيم الهول إنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن يبلغها إدراك أحد.
﴿ كذبت ثمود ﴾ قوم صالح عليه السلام ﴿ وعاد ﴾ هود عليه السلام ﴿ بالقارعة ﴾ أي بالساعة التي تقرع الناس بالإقراع والإحرام بالانفطار والانتثار وهي القيامة التي مر ذكرها بلفظ الحاقة فههنا وضع المظهر موضع المضمر بلفظ مرادف لما سبق مع زيادة فيوصف شدتها بيانا لذلك الزيادة والجملة خبر للحاقة الأولى بعد خبر، أو الجملتان السابقتان معترضتان للتهويل أو هذه الجملة مستأنفة مؤكدة بعنوان المبتدأ الأولى أي تحققها وثبوتها فإن مضمون هذه الجملة مع ما عطف عليها أن إنكارها وتكذيبها يوجب الهلاك والاستئصال.
﴿ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ٥ ﴾ أما تفصيل لما أجمل والجملة معطوفة على كذبت الفاء للسببية تقديره كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأهلكوا بسبب تكذيبها أما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بالصيحة التي جاوزت مقادير الصياح فأهلكتهم كذا قال قتادة وهو الصحيح، وذلك أن جبريل عليه السلام صاح صيحة واحدة فهلكوا وقيل : أتتهم صيحة من السماء وفيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطفت قلوبهم في صدورهم وقيل الطاغية مصدر كالعافية بمعنى الطغيان أي أهلكوا لطغيانهم من التكذيب وقتل الناقة وغير ذلك، وقيل : المراد بالطاغية قدار بن سالف عاقر ناقة صالح والتاء للمبالغة أو الجماعة التي اتفقت على عقر الناقة وبعثت قذارا لعقرها فإنها كانت سبب هلاكهم وذلك أن الله تعالى بعث صالحا إلى ثمود فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا وطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة آية حتى يؤمنوا به فدعا صالح ربه فخرجت منها ناقة عظمة مسافة ما بين جنبيها مائة وعشرون ذراعا عشراء وولدت في الحال ولدا مثلها فلم يؤمنوا وقالوا هذا من سحره فجعل الله تعالى تلك الناقة نقمة لهم حيث كانوا قليل الماء فكانت الناقة تشرب ماءهم يوما وتترك الماء لهم يوما وكذا الكلاء فأجمع جماعة منهم على قتلها فبعثوا أشقى الناس وهو قدار بن سالف ﴿ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ٧٧ ﴾ فقال صالح تمتعوا في داركم بعد قتلها ثلاثة أيام تصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في اليوم الثاني وتسود في الثالث ويصبحكم العذاب في الرابع فكان كذلك وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها لكن هذه التأويلات أي القول بأن المراد طاغة المصدر أو عاقر الناقة لا يصاعده العطف بأما في قوله تعالى :﴿ وأما عاد فأهلكوا بريح ﴾.
﴿ وأما عاد فأهلكوا بريح ﴾
فإن فيه الباء للاستعانة فلا بد أن يكون فيما قبله أيضا كذلك حتى يكون الجملتان تفصيلا لمجمل ﴿ صرصر ﴾ شديد البرد أو شديد الصوت كذا في القاموس
﴿ عاتية سخرها ﴾ أي سلطها الله سبحانه بقدرته. استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية ونحو ذلك.
﴿ عاتية سخرها ﴾ أي سلطها الله سبحانه بقدرته. استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية ونحو ذلك.
﴿ عليهم ﴾ أي على عاد ﴿ سبع ليال وثمانية أيام ﴾ من صبيحة الأربعاء إلى غروب الشمس من الأربعاء الآخر قال وهب في الأيام التي تسميها العرب الأيام العجوز ذات برد ورياح شديد سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء إلى آخره، وقيل : سميت بذلك لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعها الريح فقتلها في اليوم الثامن نزول العذاب وانقطع العذاب ﴿ حسوما ﴾ حال من مفعول سحر بمعنى متتابعات جمع حاسم من حسام الكي وهو أن يتتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ كذا قال مجاهد وقتادة أو نحسات كما في قوله تعالى :﴿ في أيام نحسات ﴾ أي حسمت كل خير واستأصله من أصله كذا قال عطية أو قاطعات قطعن دابرهم كذا قال الزجاج والنضر بن شميل ويجوز أن يكون مصدرا منصوبا على العلية أو على المصدرية من فعل مقدر أي يحسمهم حسوما ﴿ فترى ﴾ أي المخاطب الغير المعين حكاية عن الحال الماضية ﴿ القوم ﴾ أي عادا ﴿ فيها ﴾ أي في تلك الليالي والأيام أو في بينهما ﴿ صرعى ﴾ جمع صريع بمعنى مصروع مفعول ثان لترى إن كان من رؤية القلب وإلا فهو حال من المفعول ﴿ كأنهم أعجاز ﴾ أصول ﴿ نخل خاوية ﴾ متآكلة الأجواف جملة كأنهم حال بعد حال مفرد ولذلك وأيضا لكونها مصدرة بكان.
ترك الواو ﴿ فهل ترى ﴾ استفهام تقرير أي حمل المخاطب على الإقرار ﴿ لهم ﴾ أي لعاد
﴿ من باقية وجاء فرعون ومن قبله ﴾ قرأ أبو عمر والكسائي بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الجانب أي من معه من جنوده وأتباعه والباقون بفتح القاف وسكون الباء أي من تقدمه من الأمم الكافرة.
﴿ من باقية وجاء فرعون ومن قبله ﴾ قرأ أبو عمر والكسائي بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الجانب أي من معه من جنوده وأتباعه والباقون بفتح القاف وسكون الباء أي من تقدمه من الأمم الكافرة.
﴿ والمؤتفكات ﴾ أي قرى قوم لوط قلبت عليهم من إفك بمعنى قلب والمراد بها أهلها أو المعنى الأمم الذين أيتفكوا يعني قوم لوط ﴿ بالخاطئة ﴾ بالخطأ والمعصية يعني الشرك أو بفعلة أو أفعال خاطئة ذات خطأ.
﴿ فعصوا رسول ربهم ﴾ يعني عصى فرعون موسى عليه السلام وكل أمته كافرة نبيها عطف تفسيري على جاء ﴿ فأخذهم ﴾ معطوف على ما سبق والفاء للسببية ﴿ أخذة رابية ﴾ زائدة في الشدة على كل أخذة مفعول مطلق لبيان النوع.
﴿ إنا لما طغا الماء ﴾ أي جاوز حده حتى على كل شيء وارتفع فوقه في زمن نوح عليه السلام لما ظرف متعلق بما بعده ﴿ حملناكم ﴾ أي حملنا آبائكم وأنتم في أصلابكم ﴿ في الجارية ﴾ في سفينة نوح عليه السلام جارية في الماء.
﴿ لنجعلها ﴾ السفينة أو الفعلة وهي إنجاء المؤمنين الذين في السفينة مع طغيان الماء وتجاوزه عن حده ﴿ لكم تذكرة ﴾ عبرة وعظة لدلالتها على قدرة الصانع وحكمته وكما قهره ورحمته ﴿ وتعيها ﴾ أي تحفظها وتعقلها وتتفكر فيها قرأ الجمهور بكسر العين وفتح الياء وروي عن ابن كثير باختلاس العين قال صاحب التيسير لا يصح ذلك ﴿ أذن ﴾ قرأ نافع أذن بالتخفيف والجمهور بالضمتين ﴿ واعية ﴾ الوعي صفة القلب والنفس وإنما أسند إلى الأذن مجاز للتسبب أو المراد أصحاب أذن واع حذف المضاف وأجرى على المضاف إليه ما كان يجري على المضاف، والتنكير في واعية للدلالة على قلتها وإن من هذا شأنه فهو مع قلته سبب الإنجاء الجم الغفير وإدامة نسلهم، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ) رواه الطبراني
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ) رواه الطبراني.
لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها عاد إلى شرحها فقال :﴿ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ١٣ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ١٤ فيومئذ وقعت الواقعة ١٥ وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ١٦ والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ١٧ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ١٨ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ١٩ إني ظننت أني ملاق حسابيه ٢٠ فهو في عيشة راضية ٢١ في جنة عالية ٢٢ قطوفها دانية ٢٣ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ٢٤ ﴾.
﴿ فإذا نفخ في الصور ﴾ عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الصور قرن ينفخ فيه ) رواه الترمذي وأبو داود والدارمي ﴿ نفخة واحدة ﴾ أحسن إسناد الفعل إلى المصدر لتقييده حسن تذكيره للفصل والمراد بها نفخة الصعق. واختلفوا في عدد النفخات ؟ فقيل : ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث لقوله تعالى :﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وكل أتوه داخرين ٨٧ ﴾ ﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ٦٨ ﴾ واختار هذا القول ابن العربي وكذا ورد صريحا في حديث طويل عن أبي هريرة بلفظة ( فينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ) رواه ابن جرير في تفسيره والطبراني في المطولات وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وغيرهم. وقيل : بل نفختان فقط ونفخة الفزع نفخة الصعق لأن الأمرين متلازمان أي فزعوا فزعا ماتوا عنه وهذا القول صححه القرطبي واستدل بأنه استثنى في نفخة الفزع كما استثنى في نفخة الصعق فدل على أنهما واحد في أكثر الأحاديث ذكر اثنتين فقط وما بينهما أربعون عاما والحديث الطويل في إسناده من تكلم فيه واختلف الناس في تصحيحه فصححه ابن العربي والقرطبي وضعفه البيهقي وعبد الحق ومدار هذا الحديث على إسماعيل بن رافع قاضي المدينة وقد تكلم فيه قال السيوطي في بعض سياقه نكارة وقد قيل إنه جمعه من طرق وأماكن متفرقة مسلمة سياقا واحدا والله تعالى أعلم. والمراد بالظرف أعني قوله تعالى : إذا نفخ الزمان الطويل الذي سماه الله تعالى في كتابه بالحاقة والقارعة والقيامة والواقعة وغيرها من الأسماء الكثيرة وابتداء ذلك الزمان النفخة الأولى وانتهائه دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، أخرج ابن عساكر عن زياد ابن مخراق قال : سأل الحجاج عكرمة مولى ابن عباس عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أو من الآخرة قال صدر ذلك من الدنيا وآخره من الآخرة فعلى هذا جاز إضافة ذلك الزمان إلى النفخ في الصور النفخة الأولى وإلى كل ما وقع في ذلك اليوم من الصعق والنشور والحسنات والشقاق السماوات وانتشار الكواكب ودخول الجنة والنار وغير ذلك فقوله تعالى :﴿ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ١٣ ﴾ بيان لابتداء ذلك الوقت وقوله تعالى :﴿ فهو في عيشة راضية ٢١ ﴾ إلى آخره وقوله تعالى :﴿ خذوه فغلوه ٣٠ ﴾ إلى آخره كلاهما بيان للانتهاء به.
﴿ وحملت ﴾ أي رفعت ﴿ الأرض والجبال ﴾ من أماكنها ﴿ فدكتا ﴾ أي الأرض والجبال ﴿ دكة واحدة ﴾ الدك الدق والهدم كذا في القاموس وقال الجوهري أصله الكسر كذا ذكر البغوي، وقال الجوهري أيضا الدك الأرض اللينة السهلة قوله تعالى :﴿ دكت الجبال دكا أي جعلت بمنزلة الأرض اللينة، والحاصل أن الأرض جعلتا مستوية دفعة واحدة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وأخرج البيهقي عن أبي بن كعب في قوله تعالى :{ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ١٤ ﴾ قال : يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة وجزاء الشرط محذوف أي إذا نفخ في الصور وحملت الأرض انقضت الدنيا وحقت الحاقة ﴿ إنهم ﴾ ظرف لما بعده بدل من إذا نفخ.
﴿ وقعت الواقعة ﴾ أي الساعة المنتظرة التي وجب وقوعها بالكتاب والسنة أو المعنى وقعت الأمور الواقعة الواجبة الوقوع من الحسنات والجزاء.
﴿ وانشقت السماء ﴾ عطف على وقعت ﴿ فهي ﴾ أي السماء ﴿ يومئذ ﴾ ظرف لما بعده ﴿ واهية ﴾ ضعيفة مسترخية ليست على الشدة والقوة التي كانت عليها قال الفراء وهيها تشققها وفي القاموس الوهي الشق في الشيء يقال وهي إذا انشق واسترخى رباطها.
﴿ والملك ﴾ أي الجنس المتعارف بالملك ﴿ على أرجائها ﴾ أي جوانب السماء وأطرافها التي بقيت بعد الانشقاق ﴿ ويحمل عرش ربك ﴾ إضافة العرش إلى الله تعالى لتعظيمه ولاختصاصه بتجلي مخصوصة ﴿ فوقهم ﴾ الضمير يعود إلى الثمانية لتقدمها في المرتبة أو إلى الملائكة الذين هم على أرجاء السماء ﴿ يومئذ ثمانية ﴾ أي ثمانية أفلاك.
روى أبو داود والترمذي عن العباس بن عبد المطلب زعم أنه كان جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيهم فمرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما تسمون هذه ؟ قالوا : السحاب، قال : والمزن ؟ قالوا : والمزن، قال : والعنان ؟ قالوا : والعنان، قال : هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض ؟ قالوا : لا ندري، قال : إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنان أو ثلاث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعللاه وأسفله كما بين السماء
إلى السماء ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين أظلافهن ودركهن مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك ) وروى البغوي هذا الحديث نحوه غير أنه ذكر ( ما بين السماء والأرض وكذا ما بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكذا ما بين أعلى البحر وأسفله ) وإطلاق الأوعال ودركهن واختلاف المسافة باختلاف اعتبار السائرين والله تعالى أعلم، قال البغوي جاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرون على صورة أوعال ما بين أظلافهم ودركهم كما بين سماء إلى سماء، وجاء في الحديث أن الواحد منهم وجه رجل والآخر وجه أسد والآخر وجه ثور والآخر وجه نسر وروي عن ابن عباس أنه قال : يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية أي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى.
﴿ يومئذ تعرضون ﴾ أيها الناس كافة على الله تعالى للحساب وهذا بعد نفخة البعث والجملة مستأنفة كأنها في جواب ما يفعل بنا ذلك اليوم ﴿ لا تخفى ﴾ قرأ الجمهور بالتاء نظرا إلى تأنيث الفاعل وحمزة والكسائي بالياء للفصل ﴿ منكم خافية ﴾ أي فعله سريرة وجملة لا يخفى إما بدل اشتمال من تعرضون أو حال من فاعله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات أما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تتطاهر الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه بشماله ) رواه الترمذي عن أبي هريرة وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري والبيهقي عن ابن مسعود، قال الحكيم الترمذي الجدال للأعداء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر إلى آدم وأنبيائه ويقيم حجة عندهم على الأعداء ثم يبعثهم إلى النار وأما العرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض إلا أن يخلو بهم فيعاتب مزيد عتابه في تلك الخلوة حتى يذوق الحياء والخجل ثم يغفر لهم ويرضى منهم.
﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه ﴾ وذلك هو المؤمن والجملة معطوفة على تعرضون تفصيل للعرش أي العرضة الثالثة ﴿ فيقول ﴾ ذلك المؤمن تحجا بحجج خبر لمن ﴿ هاؤم ﴾ اسم لخذ يقال هاء يا رجل ويا رجلان ويا امرأة ويا امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نساء ﴿ اقرءوا كتابيه ﴾ تنازع الفعلان هاؤم واقرأوا في مفعولية كتابيه فأعمل الثاني لقربه وحذف المفعول الأول ولو كان الأمر على العكس لقيل اقرأوه والهاء فيه وفي حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الأيام الخالية ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل أيضا ﴿ إني ظننت ﴾ أي علمت وأيقنت ولما كان يقين بالحساب مستلزما للإتيان بأعمال صالحة كني به عنه كأنه قال إني عملت صالحا وإنما لم يقل كذلك هضما لنفسه ولأجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذي الجلال علام الغيوب، قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الاعتقاد الهجس في النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية ﴿ أني ملاق حسابيه ﴾.
﴿ إني ظننت ﴾ أي علمت وأيقنت ولما كان يقين بالحساب مستلزما للإتيان بأعمال صالحة كني به عنه كأنه قال إني عملت صالحا وإنما لم يقل كذلك هضما لنفسه ولأجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذي الجلال علام الغيوب، قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الاعتقاد الهجس في النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية ﴿ أني ملاق حسابيه ﴾ مفعول لظننت قائم مقام المفعولين، أخرج ابن المبارك عن أبي عثمان النهدي قال : إن المؤمن ليعطى كتابه في ستر من الله تعالى فيقرأ سيئاته فيتغير لونه ثم يقرأ حسناته فرجع عليه لونه ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات فعند ذلك يقول هاؤم اقرأوا كتابيه.
﴿ فهو في عيشة راضية ٢١ ﴾ قال في القاموس أي مرضية يقال رضيت لعيشة بالبناء للمفعول ولا يقال رضيت بالفتح على البناء الفاعل قال البيضاوي أي ذات رضاء على النسبة بالصيغة أو جعل الفعل لها مجازا ﴿ في جنة ﴾ متعلق بظرف مستقر قبله ﴿ عالية ﴾.
﴿ في جنة ﴾ متعلق بظرف مستقر قبله ﴿ عالية ﴾ رفيعة الرتبة عند الله تعالى من حيث القرب الذي كيف له أو رفيعة المكان فإنها في السماء أو رفيعة الدرجات والأبنية والأشجار ولما كان رفعة الأشجار موهما لبعد الثمار وكونها غير سهل للأخذ عقبة الله تعالى بصفة أخرى بعد صفة فقال ﴿ قطوفها ﴾ أي ثمارها جمع قطف ﴿ دانية ﴾.
﴿ قطوفها ﴾ أي ثمارها جمع قطف ﴿ دانية ﴾ قريبة بحيث يدنو منا تناولها قائما وقاعدا وراقدا.
﴿ كلوا واشربوا هنيئا ﴾ أي أكلا هنيئا وشربا هنيئا والهنيء كل ما لا يلحق به مشقة ولا تعب أو المعنى يهنئهم هنيئا وهذه الجملة بتقدير القول خبر بعد خبر بهو وجمع الضمير نظرا إلى المعنى أي هو في جنة وهم يقال لهم كلوا واشربوا أو مستأنفة في جواب ما يقال لهم فيها ﴿ بما أسلفتم ﴾ متعلق بكلوا واشربوا على التنازع أي بما قدمتم من الأعمال الصالحة والسلف المتقدم من الشيء ﴿ في الأيام الخالية ﴾ الماضية من الأيام الدنيا فإن الخالي في الزمان والمكان ما لا يكون لهم شاغل فهو من الزمان ما لم يبق أهله ويلزمه المضي والذهاب فيعبر عن الماضي بالخالي قال الله تعالى :﴿ قد خلت من قبله الرسل ﴾.
﴿ وأما من أوتي كتابه بشماله ﴾ وهو الكافر يجعل شماله وراء ظهره فيأخذ بها كتابه كذا أخرج البيهقي عن مجاهد، قال ابن السائب يلوي يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطي كتابه وقيل ينزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ﴿ فيقول ﴾ لقبيح ما يرى فيه من الأعمال وسوء العاقبة ﴿ يا ليتني ﴾ المنادى محذوف أي يا قوم ليتني
﴿ لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ٢٦ ﴾. جملة استفهامية في محل المفعول للم أدر وجملة لم أوت مع ما عطف عليه خبر ليت.
﴿ لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ٢٦ ﴾. جملة استفهامية في محل المفعول للم أدر وجملة لم أوت مع ما عطف عليه خبر ليت.
﴿ يا ليتها ﴾ الضمير عائد إلى النفخة أو إلى غير مذكور أي يا قوم ليت الموتة التي في الدنيا أو الحالة التي كنت عليها من العدم بعد الوجود﴿ كانت القاضية ﴾ القاطعة للحياة مطلقا بحيث لم أحيى بعدها، قال قتادة يتمنى الموت ولم يكن عذره في الدنيا شيء أكره من الموت ولما كانت جملة يا ليتني متمني عدم الحساب وإيتاء الكتاب وهو من حيث المعنى كناية عن تمني عدم البعث وجملة يا ليتها كانت القاضية تمني لعدم البعث صريحا فلأجل كون الجملتين متحدي المعنى معنى لم يعطف إحداهما على الأخرى وجعلت الثانية تأكيدا للأولى.
﴿ ما أغنى عني ﴾ ما نافية أو استفهامية للإنكار مفعول لأغنى ﴿ ماليه ﴾
أي مالي من المال والتبع.
﴿ هلك عني سلطانيه ٢٩ ﴾ ملكي وتسلطي عن الناس أو حجة التي كنت أحج بها في الدنيا، قرأ حمزة عني مالي وعني سلطاني بحذف الهائين في الوصل والباقون بإثباتهما في الحالين فيقول الله عز وجل لخزنة جهنم ﴿ خذوه فغلوه ٣٠ ﴾.
﴿ خذوه فغلوه ٣٠ ﴾ أي أجمعوا يديه إلى عنقه.
﴿ ثم الجحيم صلوه ٣١ ﴾ وكلمة ثم لتفاوت ما بينهما في الشدة وكذا فيما بعده وقدم المفعول للحصر أي لا تصلوه إلا الجحيم هي النار العظمى وكذا في قوله تعالى :﴿ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ٣٢ ﴾.
﴿ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ٣٢ ﴾الفاء في فاسلكوه زائدة لتحسين النظم وليست عاطفة حتى يلزم اجتماع العاطفتين ومعنى فاسلكوه أي أدخلوه فيها، أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي من طريق العوفي عن ابن عباس قال يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه، وأخرج ابن أبي حاتم عن طريق ابن جرير عنه قال : السلسلة تدخل من أسته ثم يخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود ثم يشوى، قال نوف البكائي الشامي سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعا كل باع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة أخرجه هناد وابن المبارك قال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا قال الحسن الله أعلم أي ذراع هو، قلت : لعله أراد ذراع الملك من خزنة النار أو ذراع الكافر في النار وقد ورد في الحديث :( ضرس الكافر في النار مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث ) رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لو أن رضاضة هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن يبلغ أصلها أو قعرها ) وأخرج ابن المبارك عن كعب قال : إن حلقة من السلسلة مثل جميع حديد الدنيا وأخرج أبو نعيم عن محمد بن المنكدر قال : لو جمع حديد الدنيا كله ما خلى وما بقي ما عدل حلقة من حلق جهنم.
﴿ إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ٣٣ ﴾ استئناف لبيان سبب ذلك العذاب وذكر العظيم للإشعار بأنه تعالى هو المستحق للعظمة فمن تعظم غيره استوجب العذاب، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقول الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار ) رواه مسلم.
﴿ ولا يحض على طعام المسكين ٣٤ ﴾ أي لا يحث على إطعامه فضلا أن يبدل من ماله ويجوز أن يكون ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف تارك الفعل، وفيه دليل على أن الكفار يعذبون على فروع الأعمال أيضاف، ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح القبائح الكفر بالله وأشنع الشنائع البخل وقسوة القلب.
﴿ فليس له ﴾ الفاء للسببية ﴿ اليوم هاهنا ﴾ ظرفان للظرف المستقر ﴿ حميم ﴾ قريب يحمه.
﴿ ولا طعام إلا من غسلين ٣٦ ﴾ مستثنى مفرغ صفة للطعام ولا زائدة والقصر إضافي والغسلين غسالة أهل النار صديدهم فعلين من الغسل كذا أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : الغسلين صديد أهل النار وقال الضحاك والربيع شجر يأكله أهل النار وكذا أخرج ابن أبي حاتم عن طريق مجاهد عن ابن عباس قال : ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم.
﴿ لا يأكله إلا الخاطئون ٣٧ ﴾ مستثنى مفرغ في محل الفاعل والجملة صفة لغسلين أي أصحاب الخطايا من خطى الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطأ ضد الصواب.
﴿ فلا أقسم ﴾ لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم أو يقال لا زائدة ومعناه أقسم أو المعنى فلا أي فليس كما يقول الكفار من أن محمدا صلى الله عليه وسلم تقول القرآن على الله تعالى من نفسه وهو شاعر أو كاهن ولا بعث ولا نشور أقسم ﴿ بما تبصرون ﴾ بالبصر أو البصيرة من المظاهر والمعالي لصفات الله تعالى سبحانه.
﴿ وما لا تبصرون ٣٩ ﴾ ما لا يدركه الأبصار والبصائر من مراتب الصفات والشيونات وذات الله سبحانه، وقيل : ما تبصرون الدنيا وما لا تبصرون الآخرة، وقيل : ما تبصرون وما لا تبصرون الأجسام والأرواح أو الإنس والجن والملائكة أو النعم الظاهرة والباطنة وقيل : ما تبصرون ما أظهره الله من العلم على خلقه من الملائكة والجن والإنس وما لا تبصرون ما استأثر الله تعالى بعلمه فلم يطلع عليه أحد.
﴿ إنه ﴾ يعني القرآن ﴿ لقول رسول ﴾ يبلغه من الله سبحانه لا يقول عن نفسه ﴿ كريم ﴾ على الله تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل عليه السلام.
﴿ وما هو بقول شاعر ﴾ كما تزعمونه تارة ﴿ قليلا ما ﴾ منصوب على المصدرية أو الظرفية وما زائدة لتأكيد القلة متعلق بما بعده ﴿ تؤمنون ﴾ أي تؤمنون إيمانا قليلا أو زمانا قليلا لما يظهر لكم صدقة وقلة إيمانهم المستدعي نفي الإيمان كثيرا مبني على العناد والتعنت فإنهم لا يؤمنون إيمانا كاملا تعنتا وعنادا لا غير، وقيل : أراد بالقليل نفي إيمانهم أصلا كقولك لمن لا يزورك فلما تأتينا أصلا والجملة معترضة لمذمة الكفار.
﴿ ولا بقول كاهن ﴾ لا زائدة وما بعده معطوف على خبر ما هو ﴿ قليلا ما تذكرون ﴾ ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع عدم الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن الشعر أمر بين لا ينكرها إلا معاند وإما مباينته لكهانة فهو يظهر عند تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لأحوال الكهنة ومعاني أقوالهم، قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يؤمنون ويذكرون بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب.
﴿ تنزيل ﴾ مصدر يعني المفعول خبر مبتدى محذوف أي هو منزل ﴿ من رب العالمين ﴾ على لسان جبرائيل جملة مستأنفة في جواب ما يقال فما هو.
﴿ ولو تقول ﴾ أي لو افترى وتكلف وتصنع في القول ﴿ علينا ﴾ من غير وحي منا ﴿ بعض الأقاويل ﴾ جمع أقولة من القول كالأضاحيك سمي بها الأقوال المفتراة.
﴿ لأخذنا منه ﴾ أي من المفتري ﴿ باليمين ﴾ متعلق بأخذنا أي بيمينه لا ذلالة أو بيمينا وعلى التقدير الثاني من زائدة واليمين من المتشابهات وقد يأول بالقوة والقدرة لأن قوة كل شيء في يمينه قال ابن عباس لأخذناه بالقوة والقدرة ويحتمل أن يكون من في قوله تعالى : لأخذنا منه هو للسببية والضمير عائد إلى التقول أي لأخذنا من أجل التقول بيمينه أو يمينا.
﴿ ثم لقطعنا منه الوتين ٤٦ ﴾ وهو عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
﴿ فما منكم ﴾ من بيانية لأخذ ظرف مستقر حال منه ﴿ من أحد ﴾ اسم ما ومن زائدة ﴿ عنه ﴾ أي عن القتل أو المقتول المفتري متعلق لما بعده ﴿ حاجزين ﴾ جزءا وحمله على أحد لعمومه معنى وجملة ﴿ فما منكم ﴾ معطوف على جزاء الشرط أي ﴿ لأخذنا ﴾ والشرطية معترضة بين المعطوف عليه وهو ﴿ إنه لقول رسول كريم ﴾ والمعطوف أعني ﴿ وإنه ﴾ أي القرآن.
﴿ وإنه ﴾ أي القرآن ﴿ لتذكرة للمتقين ﴾ لأنهم هم المنتفعون.
فائدة : ومقتضى هذه الآية قال المجدد إن تلاوة القرآن سبب للترقي بعد فناء النفس وزوال العين والأثر فإن التقوى لا يتصور إلا بعد الفناء وكون القرآن تذكرة مختص بالمتقي يدل عليه لام التخصيص وأما قبل الفناء فالتلاوة داخل في عملا لأبرار دون المقربين المتقين عن رذائل النفس.
﴿ وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ٤٩ ﴾ فنجازيهم على تكذيبهم وعدم تذكرهم به.
﴿ وإنه لحسرة ﴾ أي سبب للحسرة ﴿ على الكافرين ﴾ حين يرون ثواب المؤمنين المتذكرين به.
﴿ وإنه لحق اليقين ٥١ ﴾ اليقين إزاحة الشك كذا في القاموس وفي الصحاح اليقين من صفة العلم فوق المعرفة وحمله على القرآن من قبيل زيد عدل أي متيقن كمال اليقين كأنه نفس اليقين يعني أن القرآن لوضوحه وسطوع برهان بحيث يتيقن به العاقل ولا يرتاب فيه والحق ضد الباطل، قال صاحب البحر يعني أنه اليقين الحق لا اليقين الباطل الذي هو الجهل لمركب فهو إضافة صفة إلى موصوفه بالتجريد على طريقة جرد قطيفة. فإن قيل المراد باليقين هاهنا ما يجب أن يكون متيقنا للعاقل لوضوح أمره وسطوع برهانه فاليقين بهذا المعنى هو الحق لا ما يعم اليقين الباطل الذي هو الجهل المركب فلا فائدة في إضافة الحق إليه ؟ قلنا : نعم لكن أضيف الحق إليه للتأكيد وزيادة التوضيح، وقال البغوي إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
﴿ فسبح باسم ربك العظيم ٥٢ ﴾ أي فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه وعن كل ما لا يليق به وشكرا له على ما أوحي إليك قيل : معناه فصل بذكر ربك وأمره وقيل : الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم ومعناه فسبح ربك العظيم، عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اجعلوها في سجودكم ) رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي، وعن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما أتى آية رحمة إلى وقف وسأل وما أتى على آية العذاب إلا وقف وتعوذ رواه الترمذي وأبو داود والدارمي قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه النسائي وابن ماجه إلى قوله الأعلى، وعن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه ) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وقال الترمذي ليس إسناده بمتصل لأن عونا لم يلق ابن مسعود، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) متفق عليه وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة ) رواه الترمذي.
مسألة :
تسبيحات الركوع والسجود سنة عند الجمهور وأدنى الكمال ثلاث تسبيحات وقال أحمد واجب وكذا الخلاف في تكبيرات انتقالات والتسميع والتحميد في القومة دون رب اغفر لي في الجلسة فلم يقل أحد بوجوبه احتج أحمد بقوله صلى الله عليه وسلم :( اجعلوها في ركوعكم ) قال : الأمر للوجوب وفي حديث ابن مسعود علق تمام الركوع به والجمهور يحملون الأمر على الندب والله تعالى أعلم بالصواب.