تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي خمسون آية
ﰡ
﴿الحاقة﴾ أَيْ: القيامة لأنَّها حقَّت فلا كاذبة لها
﴿ما الحاقة﴾ استفهامٌ معناه التَّعظيم لشأنها كقولك: زيدٌ ما هو؟
﴿وما أدراك ما الحاقة﴾ أَيٌّ شيء أعلمك ما ذلك اليوم؟ ثمَّ ذكر أمر مَنْ كذَّب بالقيامة فقال:
﴿كذبت ثمود وعادٌ بالقارعة﴾ بالقيامة التي تقرع القلوب
﴿فأمَّا ثمود فأهلكوا بالطاغية﴾ أَيْ: بالصَّيحة الطَّاغية وهي التي جاوزت المقدار
﴿وأمَّا عادٌ فأهلكوا بريح صرصر عاتية﴾ عتت على خُزَّانها فلم تُطعهم
﴿سخرها عليهم﴾ استعملها عليهم كما شاء وقوله: ﴿حسوماً﴾ أَيْ: دائمةً مُتتابعةً والمعنى: تحسمهم حسوماً أَيْ: تذهبهم وتفنيهم ﴿فترى القوم﴾ أيْ: أهل القرى ﴿فيها﴾ أَيْ: في تلك الأيَّام ﴿صرعى﴾ جمع صريعٍ ﴿كأنهم أعجاز﴾ أصول ﴿نخل خاوية﴾ ساقطةٍ
﴿فهل ترى لهم من باقية﴾ أَيْ: هل ترى منهم باقياً
﴿وجاء فرعون ومِنْ قِبَلِه﴾ أَيْ: تُبَّاعه ومَنْ قرأ ﴿ومَنْ قَبْلَه﴾ فمعناه: مَنْ تقدَّمه من الأمم ﴿والمؤتفكات﴾ أَيْ: أهل قرى قوم لوط ﴿بالخاطئة﴾ بالخطأ العظيم وهو الكفر
﴿فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية﴾ زائدةً تزيد على الأخذات
﴿إنَّا لما طغى الماء﴾ جاوز حدَّه يعني: أيَّام الطُّوفان ﴿حملناكم﴾ أَيْ: حملنا آباءكم ﴿في الجارية﴾ وهي السَّفينة
﴿لنجعلها﴾ لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوحٍ وإنجاء مَنْ معه ﴿لكم تذكرة﴾ تتذكَّرونها فتتَّعظون بها ﴿وتعيها أذن واعية﴾ لتحفظها كلُّ أذنٍ تحفظ ما سمعت
﴿فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة﴾ أَيْ: النِّفخة الأولى لقيام السَّاعة
﴿وحملت الأرض والجبال فدكتا﴾ كُسرتا ﴿دكَّة واحدة﴾ فصارت هباءً منبثاً
﴿فيومئذٍ وقعت الواقعة﴾ قامت القيامة
﴿وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية﴾ أَيْ: مُتَشَقِّقةٌ
﴿والملك﴾ يعني: الملائكة ﴿على أرجائها﴾ نواحيها ﴿ويحمل عرش ربك فوقهم﴾ فوق الملائكة ﴿يومئذٍ ثمانية﴾ أملاك
﴿يومئذٍ تعرضون﴾ على ربِّكم ﴿لا تخفى منكم خافية﴾ كقوله: ﴿لا يخفى على الله منهم شيءٌ﴾
﴿فأمَّا مَنْ أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه﴾ خذوا فاقرؤوا كتابي وذلك لما يرى فيه الحسنات
﴿إني ظننت أني ملاق حسابيه﴾ أَيْ: أيقنت أنِّي أُحاسب
﴿فهو في عيشة راضية﴾ ذات رضىً أَيْ: يرضى بها صاحبها
﴿قطوفها دانية﴾ ثمارها قريبةٌ من مريدها على أيِّ حالٍ كان يقال لهم:
﴿كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم﴾ قدمتم لآخرتم من الأعمال الصَّالحة ﴿في الأيام الخالية﴾ الماضية في الدنيا وقوله:
﴿وأمَّا مَنْ أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه﴾
﴿يا ليتها كانت القاضية﴾ يقول: ليت الموتة التي مُتها لم أَحْيَ بعدها
﴿هلك عني سلطانية﴾ ذهب عني حجتي وزال عن ملكي وقوَّتي فيقول الله لخزنة جهنَّم:
﴿خذوه فغلُّوه﴾ ﴿ثم الجحيم صلوه﴾ أدخلوه
﴿ثمَّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه﴾ أَيْ: أدخلوه في تلك السلسة فتدخل في دبره وتخرج من فيه وهي سلسة لو جُمع حديد الدُّنيا ما وزن حلقةً منها
﴿إنه كان لا يؤمن بالله العظيم﴾
﴿ولا يحض على طعام المسكين﴾ لا يأمر بالصَّدقة على الفقراء
﴿فليس له اليوم هاهنا حميم﴾ قريبٌ ينفعه
﴿ولا طعام إلا من غسلين﴾ وهو صديد أهل النَّار
﴿لا يأكله إلاَّ الخاطئون﴾ وهم الكافرون
﴿فلا أقسم﴾ ﴿لا﴾ زائدة ﴿بما تبصرون﴾ ما ترون من المخلوقات
﴿وما لا تبصرون﴾ ما ترون منها
﴿إنه﴾ إنَّ القرآن ﴿لقول﴾ لتلاوةُ ﴿رسول كريم﴾ على الله يعني: محمَّداً صلوات الله عليه
﴿وما هو بقول شاعر﴾ أَيْ: ليس هو شاعراً ﴿قليلاً ما تؤمنون﴾ ﴿ما﴾ لغوٌ مؤكِّدة
﴿ولا بقول كاهن﴾ وهو الذي يُخبر عن المُغيَّبات من جهة النُّجوم كذباً وباطلاً ثمَّ بيَّن أنَّ ما يتلوه من الله تعالى فقال:
﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل﴾ يعني: النبي ﷺ لو قال ما لم يُؤمر به وأتى بشيءٍ مِنْ قِبَل نفسه ﴿لأخذنا منه باليمين﴾ ﴿مِنْ﴾ صلةٌ والمعنى: لأخذناه بالقوَّة والقدرة
﴿ثمَّ لقطعنا منه الوتين﴾ وهو نياط القلب أَيْ: لأهلكناه
﴿فما منكم من أحد عنه حاجزين﴾ أَيْ: لم يحجزنا عنه أحدٌ منكم
﴿وإنا لنعلم أن منكم مكذبين﴾
﴿وإنَّه﴾ أَيْ: القرآن ﴿لحسرة على الكافرين﴾ يوم القيامة إذا رأوا ثواب متابعيه
﴿وإنه لحق اليقين﴾ أَيْ: وإنَّه اليقين حقُّ اليقين
﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾ نزِّهه عن السُّوء