بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحاقة مكيةﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحاقةمكية
قوله تعالى: ﴿الحاقة * مَا الحآقة﴾ إلى قوله: ﴿فِي الجارية﴾.
كأن الأصل: الحاقة، ما هي؟ لتقدم ذكرها، إلا أن إعادة الاسم بلفظه أفخم إذا لم يُشْكِل المعنى.
و" الحاقة " ابتداء، و " ما " ابتداء ثان، و " الحاقة ": حبر " ما "، و " ما " وخبرها خبر عن " الحاقة " الأولى، ومثله: ﴿القارعة * مَا القارعة﴾. ومعنى الكلام أنه على التعظيم، والتقدير: الساعة الحاقة: أي: شيء هي!، ما أعظمها وأجلها وأشدها.
ومعنى الحاقة: التي تحق فيها الأمور ويجب فيها الجزاء على الأعمال.
وقال قتادة: الحاقة: القيامة حقت لكل عامل ما عمله.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة﴾.
أي: واي شيء يدرك ويعرفك أي شيء الحاقة؟! [وهذا] كله تعظيم ليوم القيامة.
- ثم قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة﴾.
أي: كذبت ثمود قوم صالح، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد بهجومها عليهم.
قال ابن عباس: ﴿بالقارعة﴾: بيوم القيامة.
وقال قتادة: بالساعة.
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية﴾.
قال مجاهد: ﴿بالطاغية﴾ بالذنوب.
قال ابن زيد: ﴿بالطاغية﴾ بطغيانهم، واستدل على ذلك بقوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس: ١١] بالصيحة، كأنها صيحة تجاوزت مقادير الصياح فطغت عليهم. وهو اختيار الطبري؛ لأن الله إنما أخبر عن يموج بالمعنى الذي أهلكوا به لا الذي أهلكوا من أجله (ودليل ذلك/ إخباره تعالى عن عاد بالمعنى الذي أهلكوا به وهو الريح ولم يخبر بالذي هلكوا من أجله).
وقيل: المعنى: بالفئة الطاغية.
(وقيل): بالفعلة الطاغية.
وقيل: المعنى: بالأخذة الطاغية. وسميت الآخذة طاغية لأنها جاوزت القدر في الشدّة. فالمعنى: فأهلكوا بالأخذة التي جاوزت القدر [فطغت عليهم]. دليله: قوله في عاد: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾، فذكر الشيء [الذي] أهلكوا من أجله، فإنما وصف العذاب الذي أُهْلِكَ به الطائفتان، فهو ظاهر اللفظ وكُلُّ قَدْ قِيل.
- وقوله: ﴿عَاتِيَةٍ﴾.
ليس (هو) من العتو الذي هو العصيان، إنما هو من العتو الذي هو بلوغ
ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿فِي الجارية﴾.
أي: بريح شديدة العصوف مع شدة بردها.
قال ابن عباس: ﴿عَاتِيَةٍ﴾: أي: " مهلكة باردة عنت عليهم بغير رحمة ولا بركة (دائمة) لا تفتر ".
قال قتادة: " الصرصر: " الباردة، عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم.
قال ابن عباس: ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيل، ولا أنزل قطرة إلا بمثقال إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خَزّنه فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية﴾، قال: وإن الريح عتت على خَزّانها فلم يكن [لهم]
وقال علي بن أبي طالب: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك، فلما كان يوم نوح أذِنَ للماء دون الخزَّان، فطغى الماء على الجبال فخرج، فذلك قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية﴾ إلى قوله: ﴿فِي الجارية﴾، ولم ينزل شيء من الريح إلا بمكيال على يَدَيْ مَلَك إِلاَّ يومَ عاد، فإنه أُذِنَ لَهَا دون الخُزَّان، فخرجت فذلك قوله: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ عتت على الخزان.
قال ابن زيد: " الصرصر [الشديدة]، والعاتية: القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم ".
قال الضحاك: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ يعني: باردة، ﴿عَاتِيَةٍ﴾ يعني: عتت عليهم بغ ير رحمة ولا بركة.
- ثم قال تعالى: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً...﴾.
قال ابن عباس: ﴿حُسُوماً﴾: " تباعاً ".
وقال مجاهد: متتابعة، [وقاله] عكرمة وقتادة.
(وعن قتادة)؛ متتابعات. وهو قول سفيان.
وقال ابن زيد: ﴿حُسُوماً﴾: تحسم كل شيء فلا تُبْقِي من عاد أحداً.
وذكر ابن زيد عن عاد أنه كان فيهم ثمانية رجال لهم خلق عظيم، فلما جاءتهم الريح قال بعضهم: قوموا بنا نرد على هذا العذاب عن قومنا.
قال: فقاموا وَصَفُّوا في الوادي، فأوحى الله إلى تلك الريح أن تقلع كل يوم
قال ابن زيد: وإن كانت الريح لتمر بالظعينة فتستدبر بها وبحمولتها ثم [تذهب] بهم في السماء ثم تكبهم على الرؤوس، ثم قرأ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤].
قال: وكان قد أمسك عنهم المطر، فقرأ حتى بلغ ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥] الآية.
قال: وما كانت الريح تقلغ كل يوم من الثمانية إلا واحداً.
[قال]: لفما عذب الله قوم [هود] أبقى واحداً ينذر الناس.
وقيل: ﴿حُسُوماً﴾ جمع حاسم، كجالس وجلوس.
وقيل: هو مصدر [أي: ذات] حسوم.
- ثم قال تعالى: ﴿فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى...﴾.
أي: فترى يا محمد قوم هود في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد أهلكوا.
- ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾.
أي: كأنهم أصول نخل قد خَوت وتآكَلَتْ.
أي: فهل ترى - يا محمد - لهم من جماعمة باقية.
وقيل: من بقاء.
وقيل: (من) بقية.
- ثم قال تعالى: ﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ والمؤتفكات بِالْخَاطِئَةِ﴾.
أي وجاء فرعون ومن قبله من الأمم الماضية المذكبة بالفعلة الخاطئة.
ومن قرأ بكسر القاف وفتح الباء فمعناه: ومن معه من القِبْطِ.
وقد رد أبو عبيد هذه القراءة لأنه قد كان فيه مؤمنون.
وهذا لا يلزم، لأنه لفظ/ عام معناه الخصوص، أي: ومَن قِبَلَهُ من أهل دينه.
قال مجاهد: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾: " بالخطايا ".
- ثم قال تعالى: ﴿فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾.
أي: فعصى فرعون وقوم لوط رسول ربهم إليهم، والمعنى: فعصى كل قوم رسول ربهم إليهم.
وقيل: " رسول " هنا بمعنى " رسالة ".
قال ابن عباس: ﴿أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾ أي: " شديدة ".
قال ابن زيد: رابية في الشر أي زائدة. ومنه الربا، ومنه: أربى فلان عَليك إذا خذ أكثر من حقه.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية﴾.
روي أنه زاد [فَعَلاَ كلّ شي] بقدر خمس عشرة [ذراعاً] قاله قتادة.
قال ابن جبير: طغى الماء وزاد غضباً لغضب الله.
[قوله] ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً...﴾ إلى [قوله] ﴿على طَعَامِ المسكين﴾.
أي: فعلنا ذلك لنجعل السفينة لكم عبرة وعظة وآية.
قال قتادة: أبقى الله السفينة تذكرة وعظة وآية حتى نظر إليها أول هذه
- قال ﴿وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾..
[أي]: [ولتعي] هذه التذكرة أذن حافظة عقلت عن الله ما سمعت.
" وروي أن النبي ﷺ قرأ: ﴿وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى عَلِيِّ رضي الله عنهـ فقال: سَاَلْتُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَهَا أُذُنَكَ. قال عَليٌّ: فَمَا سَمِعْتُ شَيْئاً مِنْ رَسُولِ اللهِ قَطّ فَنَسِيتُهُ. "
وقال [بريدة]: " سمعت رسول الله ﷺ يقول لعلي: [يا علي]، إِنَّ اللهَ
وقال أبو عمران الجَوْنِي: ﴿أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [يعني]: أذن عقلت عن الله.
- ثم قال: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾.
(أي: فإذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة واحدة)، هي النفخة الأولى.
- ﴿وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾.
قال ابن زيد: دكتا دكة واحدة: " صارت غباراً ".
- ثم قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة﴾.
أي: قامت القيامة.
- ثم قال تعالى: ﴿وانشقت السمآء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾.
أي: وانصدعت السماء فهي متشققة يومئذ.
قال الضحاك: إذا كان يوم القيامة أمر الله جل ثناؤه السماء بأهلها ونزول من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم [الثالثة] إلى السابعة، فصفوا صفاً بين يدي صف ثم نزل الملِك الأعلى على مجنبته جهنم، فإذا رآها أهل الأرض نَدّثوا فلا يأتون قُطُراً من أقطار الأرض، إلا وَجدوا سعبة صفوف من الملائكة مفيه، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: ﴿إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ [غافر: ٣٢ - ٣٣].
- وهو قوله: ﴿يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم [أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا لاَ تَنفُذُونَ] إِلاَّ بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: ٣٣] (أي] بحجة، وهو قوله: ﴿وانشقت السمآء﴾. إلى ﴿على أَرْجَآئِهَآ...﴾.
أي: على نواحيها وأطرافها حين تشقق.
قال ابن عباس: على حافاتها، وذلك حين تشقق.
وعن ابن جبير: ﴿على أَرْجَآئِهَآ﴾: على حافات الدنيا.
والرجاء: الأملُ مَمْدُودُ.
- ثم قال: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾.
قال ابن عباس هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، وهو قول الضحاك وعكرمة.
وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وروي عن النبي ﷺ ( أنه قال): " يحمِلهُ اليَوْمَ أَرْبَعْةٌ، وَيَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَمَانِيَةٌ "، وأنه قال ﷺ: " إِنَّ أَقْدَامَهُمْ لَفِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ،
(ثم) قال: احملوا. قال: فوضعوا العرش على كواهلهم فلم يزولوا. قال: فجاء عِلْمٌ آخرِ، وإنما كان عِلْمُهُم الذي [سألوه] القوة. فقال لهم: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم]. فقالوها، وجعل فيهم من الحول والقوة ما لم
وروى ابن وهب عن أبيه أنه قال: أربعة من الملائكة يحملون العرش على أكتافهم، لكل واحد منهم أربعة أوجه: وجه ثور، ووجه [أسد]، ووجه نسر، ووجه إنسان. ولكل واحد منهم أربعة أجنحة: جناحان على وجهه من أن ينظر إلى العرش فيصعق، وحناحان يقف [بهما]. ليس لهم كلام إلا (أن) يقولوا: قدسوا الله القوي الذي ملأت عظمته السماوات والأرض.
وقال عطاء عن مَيْسَرَة [في قوله] ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾، قال: " أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور ".
قال أبو محمد [مؤلفه رضي الله عنهـ]: ما جاء في القرآن وهذه الأحاديث من النزول
- ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾.
[أي]: ذلك اليوم تعرضون أيها الناس على ربكم فلا يخفى عنه من أعمالكم شيء.
وروى مثل ذلك قتادة عن النبي ﷺ.
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرءوا كتابيه﴾.
وقال بعض [أهل اللغة]: أصل " هَاؤُمْ " " هاكم "، ثم أبدل من الكاف واو.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ﴾.
هذا من الظن الذي هو يقين، قوم ظنوا ظناً: فازوا به، وقوم ظنوا ظناً: شقوا [به]، وهو الظن الذي بمعنى الشك.
والمعنى أن المؤمن يقول يوم القيامة حين أَخْذِ كتابه (بيمينه: أيقنت في الدنيا أني ملاق ما عملت إذا وردت يوم القيامة) على ربي.
قال ابن عباس: ظننت: " أيقنت ".
قال قتادة: ظَنَّ ظَنّاً يَقِيناً فنفعه الله به، وقال: " ما كان من ظن الآخرة فهو
- ثم قال: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾.
أي: عيش مرضي، وهو عيش الجنة.
وجعلت " مرضية " نعتاً [للمعيشة]؛ لأن ذلك مدح [للعيشة]، كما يقال: " ليل نائم " " وسرٌّ كاتم " و " ماء دافق "، بمعنى " مفعول "؛ لأنه فيه بمعنى المدح، فكان نقله من بناء إلى بناء يدل على المدح أو [الذم]، ولو قلت: " رجل ضارب " بمعنى " مضروب " لم يجز؛ لأنه لا مدح فيه ولا [ذم]، فلا يقع بناء في موقع بناء إلا لمعنى زائد.
- ثم قال تعالى: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾.
أي: رفيعة المقدار والمكان.
- ثم قال تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية﴾.
أي: كلوا/ من ثمرات الجنات غير مُكَدَّرٍ ولا منقص عليكم بما تقدم (لكم) من الأعمال الصالحات في الأيام الماضية في الدنيا لأخراكم. قال قتادة: هذه الأيام الخالية فانية تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الأيام وقَدِّما فيها خيراً إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. ويقال: من عمل في الزمان الذي لا بقاء فيه أَوْصَلَهُ إلى نَعِيمِ الزمان الذي لا زَوَالَ لَهُ.
ويقال: إنه صيام في أيام الدنيا. روي أنه يوضع يوم القيامة للصوام في
- ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِشِمَالِهِ...﴾.
أي: كمتاب عمله، ﴿فَيَقُولُ ياليتني لَمْ أُوتَ كتابيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾.
أي: ولم أدر أي شيء حسبي؟!
- ثم قال: ﴿ياليتها كَانَتِ القاضية﴾.
أي: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها ولم يكن بعد ذلك حياة.
قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن في الدنيا شيء أكره إليه من الموت.
- ثم قال: ﴿مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ﴾.
أي: لم ينفعني [مالي] ولا دفع عني من العذاب شيئاً، فتكون " ما " نافية. ويجوز أن تكون استفهاماً في موضع نصب والتقدير، أي بشيء أغنى عني مالي.
قال [ابن عباس]: ضلت عني كل [بينة] لي (فلم) تغن عني شيئاً. قال عكرمة ومجاهد: سلطاني: حجتي. وقال ابن زيد: ﴿هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ أي: " سلطان الدنيا " وملكها.
- ثم قال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ﴾.
هذا أمر من الله لِخُزَّانِ جهنم من الملائكة، أي: خذوا هذا الكافر فغلوا يده إلى عنقه، ثم الجحيم فألقوه وأوردوه (فيها).
﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ﴾.
أي: اسلكوه في سلسلة طولها سبعون ذراعاً. وذلك أن تدخل في دبره وتخرج من منخريه. وقيل: تدخل في فِيهِ وتخرج من دبره. وقال محمد بن المنكدر: لو جمع حديدُ الدنيا ما مضى منها ما بقي ما عَدَلَ حلقة من حلق
قال نوف البكالي: الذراع سبعون ذراعاً أبعد ما بينك وبين مكة وهو يومئذ بالكوفة. قال ابن عباس: ﴿سَبْعُونَ ذِرَاعاً﴾ " بذراع الملك ﴿فَاسْلُكُوهُ﴾ تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه ".
وروى عبد الله بن عمر وابن العاص أن رسول الله ﷺ قال: " لَوْ أَنَّ رَصَاصَة مثل هذا - وأشار إلى مثل جمجمة - أُرْسِلَتْ من السماء إلى الأرض -
وقيل: فاسلكوه، وإنما تسلك السلسلة فيه لأن المعنى مفهوم، مثل قولهم: أدخلت رأسي في القلنسوة، وإنما تدخل [القلنسوة] في الرأس، وشبهه كثير في الكلام.
وقال الفراء: التقدير: فاسلكوه فيها.
وروى نعيم بن حماد عن كعب أنه قال: ينظر الله إلى عبده يوم القيامة فيقول: " خذوه " فيأخذه مائة ألف ملك حتى يتفتت في أيديهم، فيقول: أما
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم﴾.
أي: لا يصدق بتوحيد بالله.
﴿وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾.
ولا يرغب هو ولا يُرَغَّبُ غيرهُ في إطعام أهل المسكنة والحاجة.
- قوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ﴾ إلى آخرة السورة.
أي: فليس لهذا الكافر - يوم القيامة - قريب ولا صديق ينجيه من عذاب الله. وقيل: المعنى: ليس في جهنم ماء حار ولا طعام ينتفع به، قال قطرب.
وقيل: معناه: ليس له في جهنم طعام إلا من غسلين، أي: من صديد أهل النار، وذلك ما يسيل من صديدهم. وقال بعض أهل اللغة: كل جرح غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين، وهو " فعلين " من الغسل. قال ابن عباس: غسلين "
فأما، قوله تعالى في موضع آخر: ﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٦] فقد قيل: إن الغسلين من الضريع كما تقول: ما لي طعام إلا الرطب، ما لي طعام (إلا) النخل.
- ثم قال ﴿لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون﴾.
أي: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون (أي): المذنبون [الذين] ذنوبهم كفر بالله.
- ثم قال: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * [وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ]﴾.
أي: كريم على ربه وهو محمد ﷺ يقرأه ويتلوه عليكم. وقيل: هو جبريل عليه السلام.
- ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ﴾.
أي: وما القرآن بقول شاعر، لأن محمداً لا يحسن قول الشعر فتقولون هو شاعر، قليلاً إيمانكم، أي إيماناً قليلاً إيمانكم أو وقتاً قليلاً. وهذا كله خطاب من الله
- ثم قال: ﴿وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾.
أي: وليس هذا القرآن بقول كاهن فيقولون هو من سجع الكهان، قليلاً ما يَعتبرون ويَذكرون] به.
- ثم قال: ﴿تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾.
أي: هو تنزيل من رب العالمين تنزل به جبريل على محمد عليه السلام. وقيل: التقدير: لكنه تنزيل من رب العالمين.
- ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل﴾.
أي: لو قال محمد من عند نفسه بعض ما جاءكم به وتَخَرَّصَ علينا.
﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين﴾.
قال ابن عباس: باليمين: بالقوة. (وقيل باليمين): باليد اليمنى، أي: كنا
قال إبراهيم بن عرفة: معناه: لأخذنا بيمينه، أي لقبضناها، فمعناه: التصرف. بالمعنى لأخذنا بيمينه ولقطعنا [وتينه]، وهو نياط القلب، لا حياة بعد انقطاعه.
- ثم قال تعالى: ﴿(ثُمَّ) لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين﴾.
قال ابن عباس: " الوتين: نياط القلب "، وعنه: " عرق القلب ". وقال مجاهد: هو " حبل القلب الذي في الظهر "، وهو قول قتادة. وقال الضحاك: هو " عرق
والمعنى في الآية: لو كذب علينا ما لم نقل لأهكلناه، فكان بمنزلة من قطع وتينه فلم يعش.
- ثم قال تعالى: ﴿فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾.
أي: فما منكم - أيها الناس - أحد عن محمد ﷺ يحجزنا إذا أردنا هلاكه وعقوبته. وجمع " حَاجِزِينَ " على معنى " أحد ".
- ثم قال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾.
أي: وَإِنَّ هذا القرآن لتذكرة وعظة [يتعظ] بها المتقون، وهم الذين اتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب محارمه.
- ثم قال: ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ﴾.
أي (مكذبين) بهذا القرآن.
- ثم قال: ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين﴾.
(أي): وإن هذا القرآن لمحض اليقين [و] خالصه، أنه من عند الله لم يتقوله (محمد) من عند نفسه وهذا من إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفيين، وأصله عندهم: " الحق اليقين " على النعت، ثم أضيف (المنعوت) إلى نعته، والنعت هو المنعوت في المعنى، فقد صار من إضافة الشيء إلى نفسه.
- ثم قال تعالى: ﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم﴾.
أي: فسبح بذكر ربك - (يا محمد) -، ﴿العظيم﴾ (أي) الذي كل شيء في عظمته صغير.