مدنية
ﰡ
مدنية
قوله: ﴿قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وتشتكي إِلَى الله﴾ إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الآية ١].
هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة، وقيل اسمها خويلة.
وقيل اسم أبيها خويلد، وقيل الصامت.
وقيل الذبيح، وهي امرأة من الأنصار.
قال قتادة: كان زوجها أوس بن الصامت.
روي " أنها أتت النبي ﷺ وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه /، فقالت يا رسول
روى عروة بن الزبير قال، قالت عائشة رضي الله عنها، " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إن خولة تشتكي زوجها للنبي ﷺ فيخفى (علي أحياناً بعض ما
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خولة في محاورتها لرسول الله ﷺ: اللهم إني أشكو إليك ذلك فهو قوله وتشتكي إلى الله. وروى أيضاً عن عروة عن عائشة أنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها، إن المرأة لتناجي رسول الله ﷺ، اسمع بعض كلامها، ويخفى علي [بعضه]، إذا أنزل تعالى ﴿ قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ الآية.
قال قتادة: أتت خويلة بنت ثعلبة إلى النبي ﷺ تشتكي إليه زوجها أوس بن الصامت فقالت: يا رسول ظاهر مني حين كبرت سني ورق عظمي، فانزل الله تعالى فيها ما تسمعون، ثم تلا ﴿قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ﴾ إلى قوله ﴿لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾.
وقوله: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾ [المجادلة: ٣] أي: يريد المظاهر يغشى (امرأته بعدما ظاهر
وروى أنه " لما قال له النبي ﷺ أتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا يا رسول الله إلا أن تعينني منك بعون وصلاة / يريد ودعاء فأعانه (رسول الله ﷺ بخمسة عشر صاعاً ".
قال ابن عباس كان الرجل إذا قال لأمراته في الجاهلية: أنت عليِّ كظهر أمي حرمت عليه، فمضى ذلك في الإسلام، وكان أول من ظاهر في الإسلام أوس وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خولة بنت خويلد فظاهر منها، فأسقط في يده فقال ما أراك إلا قد حرمت علي، وقالت له مثل ذلك، قال فأتت النبي ﷺ فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فأخبرته فقال يا خويلة ما أمرنا في أمرك بشيء فأنزل الله تعالى على رسول الله ﷺ قد سمع الله... الآيات، فقال يا خويلة أبشري، قالت خيراً، فقرأ عليها ﴿قَدْ سَمِعَ الله﴾ إلى قوله ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾، قالت وأي رقبة لنا، والله ما يجد رقبة غيري، فقرأ عليها: ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ فقالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره، فقرأ عليها
وقال محمد بن كعب القرطي هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت، وكان رجلاً به لهم فقال في بعض هجراته: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ما قال فقال لها ما أظنك إلا قد حرمت علي، فقالت لا تقبل ذلك، فوالله ما أحب طلاقا فقالت إئت رسول الله فسله، فقال: إنني أجدني أستحيي منه أن أسأله عن هذا، قالت إئت رسول الله فسله، فقال: إني أجدني أستحيي منه أن أسأله عن هذا، قالت فدعني أنا أسأله /، فقال، فجاءت إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن أوس بن الصامت أبو ولدي وأحب الناس إلي قد قال كلمة، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً، قال أنت علي كظهر أمي.
فقال لها النبي ﷺ ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت لا تقل ذلك يا نبي الله، والله ما ذكر طلاقا، فرادت النبي مرارا، ثم قالت: اللهم إني أشكو [اليوم] إليك شدة حالتي ووجدي وما يشق علي من فراقه، اللهم فأنزل على لسان نبيك، فأنزل
وقوله: ﴿وتشتكي إِلَى الله﴾ هو ما شكت من تأسفها على فراق زوجها.
وقوله: ﴿والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ﴾ أي: يسمع تحاور النبي وخولة.
﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ أي: يسمع ما يتحاور به كل اثنين فأكثر.
﴿بَصِيرٌ﴾ بما يعملون، فيجازيهم عليه يوم القيامة.
قوله: ﴿الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ﴾.
أي: الذين يحرمون نساءهم على أنفسهم بقولهم: انت علي كظهر أمي.
﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً﴾.
أي: وإن الأزواج ليقولون إلى نسائهم (قولاً منكراً، وقولاً زوراً) أي: كذباً.
قال أبو قلابة وغيره: كان الظهار طلاق أهل الجاهلية طلاق بتات، لا يرجع إلى
ثم قال: ﴿وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ أي: ذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها، وذو ستر عليهم فلا يعاقبهم عليها بعد التوبة.
قال: ﴿والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾ أي: والكفارة على من قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي ويريد الرجوع إلى الوطء تحرير رقبة من قبل أن يطأها، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين أي: متصلين من قبل أن يطأها، فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً.
وقوله: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾ معناه: ثم يرجعون في تحريم ما حرموا على أنفسهم فيجعلونه حلالا وذلك الوطء.
قال قتادة: يريد أن يغشى بعد قوله.
وقال أهل الظاهر معناه: يعود للفظ مرة أخرى، فلا تلزمه الكفارة عندهم حتى يقول لها مرة أخرى أنت علي كظهر أمي. ولا يلزمه شيء من قوله ذلك لها مرة واحدة.
وقيل المعنى والذين كانوا يظاهرون من نسائهم في الجاهلية ثم يعودون في
وقيل معناه: ثم يصيرون لما كانوا يقولون في الجاهلية.
وقيل معناه: ثم يعزمون على إمساك النساء بعد المظاهرة.
وقيل معناه: أن يقيم مدة لا يطلق ثم يعود إلى فعل ما ترك فيخالفه.
وقال طاوس لما قالوا: للوطء.
وقال الأخفش سعيد: في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا من قبل أن يتماسا، والمعنى يصيرون إلى ما كانوا عليه من الجماع، فعليهم تحرير رقبة من أجل قولهم.
وقال الزجاج معناه ثم يعودون إلى إرادة الجماع من اجل ما قالوا.
وقال القتبي هو أن يعود لمثل ما كان يقال في الجاهلية (ولا تجزيه في الكفارة) عند مالك إلا رقبة مسلمة، ولا يجوز عنده عتق المدَبَّر والمكاتَب عن الظهار، ولا عتق أم الولد، فأما عتق الصبي فقد أجازهمالك عن الظهار إذا كان ذلك من قصر النفقة، وعتق من يصلي ويصوم أحب إليه، ولا يجزي عن الظهار عتق من يعتق على الإنسان إذا ملكه كالأب والابن والأم والجد والأخ، فإن أعتق عن ظهاره ما في بطن أمه فولدته حياً ثم مات لم يجزه عند مالك، ولا يجزي عند مالك عتق الأعمى ولا المعقد ولا المقطوع اليدين ولا أشلهما أو الرجلين، والمقطوع أحدهما، ولا الأعرج الشديد العرج، ولا الأخرس، ولا المجنون المطبق، ولا الذي يجن ويفيق، ولا عتق من أعتقه قبل ذلك إلى مدة، ولا عتق من اشتري بشرط أن يعتق على الرقاب الواجبة، ولا يجزي عتق الأصم ولا المقطوع الإبهام، ولا المقطوع الأذنين، ولا المفلوج الشق، ولا المقطوع الأصبع الواحدة فأكثر، ولا الأجذم، ولا الأبرص،
وقوله ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ أي: فعليه الكفارة من قبل أن يطأها، ولا يحل له وطئها إذا ظاهر منها حتى يكفر عن ظهاره، وإذا علق ظهاره بشرط لم يلزمه الظهار إلا مع فعل ذلك الشرط، وذلك أن يثول لامرأته أنت علي كظهر أمي إن دخلت دار فلان، فهو مظاهر حتى تدخل تلك الدار، فإذا دخلت لزمه الظهار، ولا طلاق في الظهار، ولم ير الحسن بأساً أن يقبل ويغش فيما دون الفرج قبل الكفارة. وقاله الثوري، ومنع مالك من ذلك، ومنعه من النظر إلى شعرها قبل الكفارة.
وقوله ﴿ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ أي: أوجب عليكم، ربكم من الكفارة عِظَةً لكم، لتنتهوا عن الظهار وقول الزور. ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: ذو خبر بأعمالكم لا يخفى عليه منها شيء، فانتهوا عن قول الزور.
قوله: ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ أي: فمن لم يجد ما يشتري به رقبة، فعليه صيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما ولا بين شيء من أيامهما بإفطار وهو متعمد، فإن أفطر لعذر بنى على ما صام ولا شيء عليه، فإن أفطر لغير عذر ابتدأ
وروى ابن وهب عن مالك أنه يعطي لكل مسكين مدين بمد النبي ﷺ فإن أعطى مدا بمد هشام أجزأه إذا أعطاهم في جمع الكفارات مما هو أكثر عيش ذلك البلد أجزاه، ولا يجزى في ذلك عرض ولا دارهم ولا دقيق ولا سويق.
والظهار عند مالك على كل حر وعبد من المسلمين في كل زوجة حرة كانت أو أمة أو كتابية، إلا أنه إذا ظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فالظهار لازم. ويلزم السكران ظهاره كما يلزمه الطلاق، ولا يلزم المكره الظهار. وفي الظهار من الأَمَة،
وكذلك يلزسمه الظهار لو قال لامرأته: أنت علي (كظهر أخي وكقدم أخي) ونحوه من العورات، وإنما خص هذا اللفظ في اليمين بالظهر دون البطن، لأن الظهر موضع الركوب من البهائم، والمرأة مركوبة، إذا غشيت، فكأنه إذا قال أنت علي كظهر أمي، قال: ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أبي للنكاح /، فأقام الظهر مقام الركوب، إذ الركوب من غير بني آدم إنما يركب على ظهر، فهو استعارة لطيفة. ثم قال ﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ﴾ أي: ألزمت من ظاهر ذلك من الكفارات كي تقروا بتوحيد الله وبرسوله إذا عملتم بما
﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: ولمن كفر بحدود الله في الآخرة عذاب مؤلم؛ أي: موجع.
قال: ﴿إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ﴾ أي: إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه فيجعلون لأنفسهم حدوداً غير حدوده كبتوا، أي: غيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم مِن الأمم الذين حادوا الله ورسوله، قاله قتادة.
وقال ابو عبيدة كبتوا: أي أهلكوا، وأصله كبدوا (من قولهم): كبده الله: أي: أصاب الله كبده، ثم أبدلت التاء من الدال، ثم قيل ذلك لكل من أهلك وغيظ وأذل. وقيل معناه: غيظوا يوم الخندق كما غيظ الذين من قبلهم ممن قاتل الأنبياء. ومعنى يحادون: يصيرون في حد أعداء الله ومخالفي أمره.
ثم قال ﴿وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي: دلالات ظاهرات محكمات.
وللكافرين بتلك الآيات عذاب مهين، أي: مذل يوم القيامة.
أي: اذكر يا محمد يوم يبعثهم الله جميعاً، ويجوز أن يكون العامل " مهيناً " فلا يوقف عليه أي: وللكافرين بحدود الله عذاب مهين في يوم يبعثهم الله جميعاً، وذلك يوم القيامة يبعثون من قبورهم ليخبرهم الله بما عملوا في الدنيا، أحصى الله أعمالهم فنسوها.
﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ أي: هو شهيد على كل شيء عملوه، أي: شاهد على ذلك، محيط علمه بذلك.
قال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي: ألم تعلم يا محمد وتنظر بعين قلبك أن الله لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض، فكيف يخفى عليه أعمال هؤلاء الكفارة. وقوله ﴿مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ " ثلاثة " بدل من " نجوى " على اللفظ، " ونجوى " بمعنى متناجين، ويجوز أن يكون " نجوى " مضافة إلى ثلاثة ﴿إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾، ونجوى بمعنى: (سر، أي: من سر ثلاثة)، وقد يجوز
وفي حرف عبد الله: ولا أربعة إلا هو خامسهم، وفيه أيضا إلا الله رابعهم. ﴿وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ﴾ إلا الله معهم إذا تناجوا. وهذه قراءة على التفسير لا يجوز أن يقرأ بها لمخالفتها للمصحف.
وقرأ أبو جعفر يزيد " ما تكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاَثَةٍ " بالتاء على التأنيث النجوى، كما تقول ما جاءتني من امرأة. وقرأ الحسن ولا أكثر بالرفع، عطف على الموضع. ومعنى هو رابعهم وهو سادسهم أي: هو شاهدهم بعلمه وهو على عرشه قاله الضحاك وغيره.
قال ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول فَبِئْسَ المصير﴾ أي: ألم تنظر (بعين قلبك يا محمد) إلى الذين نهوا عن النجوى من اليهود، ثم يعودون إلى
قال مجاهد: هم اليهود. وقيل هم المنافقون كان " النبي ﷺ يأمرهم بالأمر من أمر الله تعالى، فيقولون سمعا وطاعة، ثم يتحول بعضهم إلى بعض فيتناجون بخلاف ما أمرهم النبي ﷺ حتى أسرفوا، والله ينهاهم حتى قالوا لولا يعذبنا الله بما نقول، فكانوا يحيون النبي عليه السلام بغير تحية الإسلام، فأنزل الله تعالى ﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا﴾ ".
ثم قال ﴿وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله﴾ [أي: وإذا جاءك هؤلاء الذين نهوا عن النجوى ولم يقبلوا النهي حيوك بما لم يحيك به الله]. يقولون: السلام عليكم. قالت عائشة رضي الله عنها: " جاء ناس من اليهود إلى النبي ﷺ / فقالوا: السلام عليك يا أبا القاسم فقلت: السلام عليكم فعل الله بكم وفعل، فقال النبي ﷺ إن الله لا يحب
ثم قال: ﴿وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ﴾ أي: يقول هؤلاء الذين يحيونك بما لم يحيك به الله هلا يعاقبنا الله بقولنا. وقال ابن زيد السام: الموت. قال قتادة: ومجاهد: هم اليهود. وعن ابن عباس أنهم المنافقون.
ثم قال: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير﴾ أي: كفاهم دخولهم جهنم يوم القيامة عقوبة لهم فبئس المنقلب والمرجع، فلا يستعجلوا العذاب والعقوبة بقولهم: " لولا يعذبنا الله بما نقول ".
قال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول﴾ أي: لا تفعلوا ذلك كما فعله المنافقون، ولكن تناجوا بالبر والتقوى، أي: بطاعة الله تعالى،
﴿واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي: وخافوا الله الذي إليه مصيركم في معادكم أن تخالفوا طاعته ثم قال: ﴿إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ﴾.
قال قتادة: كان المنافقون يتناجون بينهم فكان ذلك يغيظ المؤمنين وتكبر عليهم، فانزل الله تعالى هذه الآية.
ثم أعلمهم أن ذلك لا يضرهم فقال: ﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً﴾ أي: ليس تناجي المنافقين فيما بينهم بضار للمؤمنين إلا بإذن الله.
﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ قال ابن زيد: كان الرجل يأتي رسول الله ﷺ فيسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى النبي ﷺ، وكان النبي ﷺ لا يمنع من ذلك أحداً، قال: والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت وجموع قد جمعت لكم، فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان﴾ الآية. وقال عطية العوفي هي الأحلام التي يراها الإنسان في
قال: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ﴾ لأي: إذا قيل لكم توسعوا في مجلس رسول الله ﷺ فتوسعوا يوسع الله عليكم في منازلكم في الجنة.
قال مالك: [نزلت] في مجلس رسول الله ﷺ كان كل رجل منهم يسر بقربه من رسول الله ﷺ في مجلسه فيمنعه ذلك من التفسح لأخيه. قال مالك وأرى مجالس العلم من ذلك وهي داخلة في الآية.
﴿وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ﴾ أي: ارتفعوا وانضموا، فانضموا يرفع الله الذين آمنوا منكم في درجات وقيل المعنى: وإذا قيل ارتفعوا إلى قتال عدوكم فقوموا إلى ذلك أو لصلاة أو لعمل خير فقوموا، قاله ابن عباس
يقال نشز: إذا تنحى عن موضع، وامرأة ناشزة [أو] متنحية عن زوجها، وأصله من النشز، والنشز هو ما ارتفع من الأرض.
قال قتادة: هو مجلس رسول الله ﷺ [ كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضيقوا مجلسهم عن رسول الله ﷺ]، فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم [لبعض].
وقال الضحاك: كان هذا للنبي ﷺ خاصة ومن حوله أمروا أن يتوسعوا
قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي ﷺ، فأمروا بالتفسح.
وقال ابن عباس: عني به مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب، وقاله الحسن.
ثم قال: ﴿يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ﴾ [أي]: درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به. وقيل يرفعهم في الثواب والكرامة. وقيل يرفعهم على غيرهم ممن لا علم عنده في الفضل. وقيل الدرجات هنا للعلماء خاصة. /
قال ابن مسعود: معناه: يرفع الله الذين آمنوا منكم، ويرفع الله / الذين أوتوا العلم درجات على الذين آمنوا ولا علم عندهم.
قال مطرف: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة. وخير دينكم الورع.
قال ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ نهى أصحاب رسول الله ﷺ أن يناجوه حتى يتصدقوا، تعظيما له، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب بعد أن قدم صدقة دينار، ثم نسخ ذلك بما بعده، فرخص لهم أن يناجوه من غير تقديم صدقة.
قال علي: إن في كتاب الله لآية لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول الله تصدقت بدرهم فنسخت.
قال قتادة: سأل الناس رسول الله ﷺ حتى أحفوا في المسألة فقطعهم الله بهذه الآية، فكان الرجل تكون له الحاجة إلى النبي ﷺ، فلا يستطيع أن يقضيها
وقال ابن عباس: كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة، فلما نزلت الزكاة نسخت هذا.
(وروي عن ابن عباس) أنه قال: كان السلمون يكثرون المسائل على رسول الله ﷺ حتى شقوا عليه، فأراد الله تعالى أن يخف عن نبيه عليه السلام، فيصبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة، ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها /.
قال ابن زيد: ضيق الله عليهم في المناجات لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله ﷺ، فشق ذلك على أهل الحق، فقالوا يا رسول الله لا نستطيع ذلك ولا نطيقه،
وقال ابن عباس : كان المسلمون يقدمون٧ بين يدي النجوى٨ صدقة، فلما نزلت الزكاة نسخت٩ هذا١٠.
( وروي١١ عن ابن عباس ) أنه قال : كان المسلمون يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله عز١٢ وجل أن يخفف عن نبيه عليه السلام١٣، فصبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة، ثم وسع الله عليهم بالآية١٤ التي بعدها١٥/.
قال ابن زيد : ضيق الله عليهم في المناجات لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله صلى الله عليه وسلم١٦، فشق١٧ ذلك على أهل الحق، فقالوا يا رسول الله لا نستطيع ذلك ولا نطيقه، فنزل التخفيف١٨. قال قتادة : ما قامت١٩ إلا ساعة من نهار ثم نسخت٢٠. ومعنى أشفقتم : أشق ذلك عليكم٢١، ولا يوصف الله عز وجل٢٢ بالإشفاق، لا يقال يا شفيق. لأن أصله الحزن والخوف.
٢ ج: "فقطهم": وهو تحريف..
٣ ساقط من ع. ج..
٤ ساقط من ح..
٥ ساقط من ع، ج..
٦ انظر: كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله لقتادة ٤٧، وجامع البيان ٢٨/١٥..
٧ ع: "يكثرون يقدمون"..
٨ ج: "النجوا"..
٩ ع: "نسخ"..
١٠ انظر: جامع البيان ٢٨/١٥..
١١ ج: "روى ابن عباس"..
١٢ ساقط من ع. ج..
١٣ ساقط من ع. ج..
١٤ ج "الآيات"..
١٥ انظر: جامع البيان ٢٨/١٥، وتفسير القرطبي ١٧/٣٠١، وابن كثير ٤/٣٦٨..
١٦ ساقط من ع. ج..
١٧ ع، ج. "فيشق"..
١٨ انظر: جامع البيان ٢٨/١٥..
١٩ ج: "ما أقامت"..
٢٠ انظر: تفسير القرطبي ١٧/٣٠٣، وابن كثير ٤/٣٦٨..
٢١ وهو قول مجاهد في إعراب النحاس ٤/٣٨٠..
٢٢ ساقط من ع، ج..
قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم﴾.
أي: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد فترى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم. يعني: المنافقون والوا اليهود، ما هم منكم [ولا منهم]، أي: ما المنافقون من أهل دينكم ولا من أهل دينهم، وهذا مثل قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب﴾ [الحشر: ١١].
وهو مثل قوله أيضا: ﴿فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ [المائدة: ٥٢] أي: نفاق ﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ [المائدة: ٥٢] أي: في موالات اليهود ﴿نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾ [المائدة: ٥٢] يعني المنافقين يقولون ذلك.
وقوله ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي: يحلفون للنبي ﷺ أنهم يشهدون أنه رسول الله ﷺ. وهو قوله: ﴿إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] أي: لكاذبون في ادعائهم أن ذلك إيمان من قلوبهم وإقرار صحيح، إنما ذلك قول بألسنتهم واعتقادهم خلاف ذلك، وهذا مثل قوله: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] وذكر هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين عاتبه النبي ﷺ في أمر بلغه عنه، فحلف كاذباً.
وقال ابن عباس: " كان النبي ﷺ في ظل شجرة قد كاد الظل يتقلص عنه، إذ قال يجيئكم الساعة رجل ينظر إليكم نظر شيطان، فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق، فدعاه رسول الله ﷺ. فقال علام تسبني أنت وأصحابك؟ فقال دعي أجيئك
قال: ﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ أي: لهؤلاء المنافقين الذين تولوا اليهود. ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي: بئس عملهم في الدنيا لغشهم للمسلمين ونصحهم اليهود.
قال: ﴿اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ أي: جعلوا حلفهم جنة يمتنعون بها من القتل، ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم العقوبة، وذلك أنه إذا اطلع على شيء من نفاقهم حلفوا للمؤمنين انهم منهم، فيتركون.
ثم قال: ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي: فصدوا المؤمنين بإيمانهم عن أن يقتلوهم، وقتلهم هو سبيل الله فيهم، لأنهم كفار لا يؤدون الجزية.
ثم قال: ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أي: فلهؤلاء المنافقين في الآخرة عذاب مذل، وهو عذاب النار.
﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ يعني: المنافقين إنهم ماكثون أبداً في نار جهنم.
قال: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ [لَكُمْ]﴾ أي: هم ماكثون في النار / يوم بعثهم الله جميعاً، وذلك يوم القيامة. ويجوز أن يكون تقدير العامل: اذكر يوم يبعثهم الله من قبورهم فيحلفون لله وهم كاذبون كما يحلفون للمؤمنين وهم كاذبون.
قال قتادة: إن المنافق حلف يوم القيامة كما حلف في الدنيا. ثم قال ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ﴾ أي: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم لله كاذبين على شيء من الحق.
﴿أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون﴾ أي: في حلفهم.
وأجاز علي بن سليمان " ألا أنّهم " بالفتح، فجعل " ألا " بمعنى " حقا ".
قال: ﴿استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله﴾ أي: غلب عليهم واستولى
﴿أولئك حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ أي: جنده وأتباعه.
﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾ [أي: جنده وأتباعه هم] الهالكون المغبونون في الآخرة.
ثم قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي: يخالفونه في حدوده، فيصيرون في حد آخر غير الذي حد لهم. وقال المفسرون يحادون: يعادون. وقيل يشاقون، والمعنى واحد.
ثم قال: ﴿أولئك فِي الأذلين﴾ أي: في أهل الذلة، لأن الغلبة لله ورسوله.
قال تعالى: ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي﴾ أي: قضى ذلك في أم الكتاب.
قال قتادة: كتب كتاباً فأمضاه. وقال غيره: كتبه في اللوح المحفوظ.
وقال الفراء " كتب " هنا بمعنى: " قال ".
ثم قال: ﴿إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أي: ذو قوة على كل من حاده ورسوله أن يهلكه، عزيز في انتقامه من أعدائه.
ثم قال: ﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي: ليس
ولو (كان الذي) عادى الله ورسوله أباً أو ابناً له أو أخاً أو زوجاً أو عشيرة له، لا عذر في موالاته بهذه القرابة إذا كان ممن عادى الله ورسوله.
وروي أن هذه الآية / " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخروج النبي ﷺ ويأمرهم بالتحرز ثم أعتذر لما اطلع عليه بأهله بمكة، وأنه أحب أن يقدم عندهم يداً يحفظون أهله من أجلها. وفي دعاء النبي ﷺ " اللهم لا تجعل لأحد أشرك بك في عنقي منه فيكون ذلك سببا للمودة لأنك لا تجد قوما يؤمنون بالله [وباليوم] إلى أو عشيرتهم ".
و" في " بمعنى " اللام " والإخبار عن القلب كالأخبار عن صاحبه.. وقيل معناه: كتب في قلوبهم سمة الإيمان ليعلم أنهم مؤمنون. وقد روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم أحد. وأن عمر بم الخطاب رضي الله عنهـ قتل خاله العاصي بن هشام يوم بدر، ودعا أبو بكر ابنه للبراز يوم بدر فأمره النبي ﷺ أن يقعد، وأن مصعب بن عمير قتل أخاه يوم أحد. وكان علي وعمه حمزة وعبيدة بن الحارث قتلوا يوم بدر عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهم أقرباؤهم، (فلم يتوقف) أحد عن قتل أهله وقرابته، فمدحهم الله تعالى في هذه الآية.
ثم قال ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ أي: وقواهم ببرهان منه. وذلك النور والهدى الذين
فقال: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين فيها رضي الله عنهـ بطاعتهم إياه ورضوا عنه بوفائه إياهم ما وعدهم من الجنة.
ثم قال: ﴿أولئك حِزْبُ الله﴾ أي: جنده وأولياؤه.
﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون﴾ أي: الباقون في النعيم المقيم والفلاح والبقاء.