ﰡ
هيَ حالٌ وهُوَ بعيدٌ وَقَولُهُ عزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ تعليلٌ لِمَا قبلَهُ بطريقِ التحقيقِ أي مبالِغٌ في العلم بالمسموعات والمبصَراتِ وَمنْ قضيتِهِ أنْ يسمعَ تحاورَهُمَا ويَرَى ما يقارنُهُ منَ الهيئاتِ الي منْ جُملِتَها رفعُ رأسِهَا إلى السماءِ وسائرُ آثارِ التضرعِ وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في الموقعينِ لتربيةِ المهابةِ وتعليلِ الحُكم بوصفِ الألوهيةِ وتأكد استقلالِ الجملتينِ وَقَوْلُه تَعَالَى
رقبةٍ ﴿مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا﴾ أيْ مِنْ قبلِ أنْ يستمتعَ كلٌ منَ المُظاهِرِ وَالمُظاهَرِ منْهَا بالآخرِ جماعاً وَلَمساً ونظراً إلى الفرج شهوة وإنْ وقعَ شيءٌ من ذلكَ قبلَ التكفيرِ يجبُ عليهِ أنْ يستغفرَ ولا يعودَ حتَّى يكفرَ وإنْ أعتقَ بعضَ الرقبةِ ثمَّ مسَّ عليهِ أنْ يستأنفَ عندَ أبي حنيفةَ رحمَهُ الله تَعَالَى ﴿ذلكم﴾ إشارةٌ إِلى الحكمِ المذكورِ وَهُوَ مبتدأٌ خبرُهُ ﴿تُوعَظُونَ بِهِ﴾ أى ترجرون بهِ عنِ ارتكابِ المنكرِ المذكورِ فإنَّ الغراماتِ مزاجرٌ عنْ تعاطِي الجناياتِ والمرادُ بذكرِهِ بيانُ أنَّ المقصودَ منْ شرعِ هَذَا الحكمِ ليس تعويضكم للثوابِ بمباشرتكُمْ لتحريرِ الرقبةِ الذي هو علم في استباع الثوابِ العظيمِ بلْ هُوَ ردعُكم وزجرُكم عنَ مباشرةِ ما يوجبُهُ ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمالِ الي من جملتها التكفير ومايوجبه من جنايةِ الظهارُ ﴿خَبِيرٌ﴾ أى عالم يظواهرها وبواطِنَها ومجازيكُم بهَا فحافظُوا على حدود ما شرعَ لكُمْ وَلاَ تُخِلّوا بشيءٍ منْهَا
الصلاةُ والسلامُ ﴿وَقَدْ أَنزَلْنَا آيات بينات﴾ حالٌ منْ واوِ كُبتوا أيْ كُبتوا لمحادّتِهم والحال أن قدْ أنزلنا آياتٍ واضحاتٍ فيمنَ حادَّ الله ورسولَهُ ممنْ قبلَهُم من الأَممِ وفيمَا فعلْنَا بهمْ وقيلَ آياتٌ تدلُّ عَلى صدقِ وصِحّةِ ما جَاء بهِ ﴿وللكافرين﴾ أيْ بتلكَ الآياتِ أو بكلِّ ما يجبُ الإيمانُ بهِ فيدخلُ فيهِ تلكَ الآياتُ دُخولاً أولياً ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يذهبُ بعزِّهم وَكِبْرِهم
ذلكَ فقيلَ ﴿وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ﴾ أيْ ممَّا ذُكرَ كالواحدِ والاثنينِ ﴿وَلاَ أَكْثَرَ﴾ كالستةِ وما فوقَها ﴿إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾ يعلمُ ما يجرى بينهم وقرئ ولاَ أكثرُ بالرَّفعِ عطفاً عَلى محلِّ منْ نَجْوى أو محلِ ولا أدْنَى بأنْ جُعِلَ لاَ لنفي الجنس ﴿أَيْنَ مَا كَانُواْ﴾ من الأماكنِ ولو كانُوا تحتَ الأرضِ فإنَّ علمَهُ تعالىَ بالأشياءِ ليسَ لقربٍ مكانيَ حتَّى يتفاوت باختلافِ الأمكنةِ قُرباً وبُعداً ﴿ثُمَّ ينبئهم﴾ وقرئ يُنْبِئَهُمْ بالتَّخفيفِ ﴿بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة﴾ تفضيحاً لَهُمْ وَإِظهاراً لما يوجبُ عذابَهُم ﴿أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ﴾ لأنَّ نسبةَ ذاتِهِ المقتضيةِ للعلمِ إلى الكُلِّ سواءٌ
المعهودةُ التِي هِيَ التناجِي بالإثم والعداون {مِنَ الشيطان﴾ لاَ مِنْ غَيْرِهِ فإنَّه المزينُ لَها واالحامل عَليهَا وقولِهِ تَعَالى ﴿لِيَحْزُنَ الذين آمنوا﴾ خبرٌ آخرُ أيْ إنَّما هِيَ ليحزنَ المؤمنينَ بتوهمهمْ أنَّها فِي نكبةٍ أصابتهُمْ ﴿وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ﴾ أي الشيطانُ أو التناجِي بضارِّ المؤمنينَ ﴿شَيْئاً﴾ من الأشياءِ أو شيئاً منَ الضررِ ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أيْ بمشيئتِه ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ ولا يبالُوا بنجواهُم فإنَّه تعالى يعصمُهم منْ شرِّهِ
ومحبِّ الآخرةِ ومحبِّ الدُّنيا واختلفَ في أنَّه للندبِ أو للوجوبِ لكنهُ نُسِخَ بقوله تعالى أأشفقتم وهُوَ وإنْ كَان متصلاً بِهِ تلاوةً لكنَّه متراخٍ عَنْهُ نزولاً وعَنْ عليَ رضيَ الله عنه إن فِي كتابِ الله أيةً ما عَمِلَ بِهَا أحدٌ غَيْرِي كانَ لي دينارٌ فصرفتُه فكنتُ إذَا ناجيتُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ تصدقتُ بدرهم وهُوَ على القولِ بالوجوبِ محمولٌ على أنَّه لم ينفق للأغنياء مناجاةٌ في مدةِ بقائِه إذْ رُوي أنَّه لمْ يَبقَ إلاَّ عشراً وقيل إلاَّ ساعةً ﴿ذلك﴾ أي التصدق ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ أيْ لأنفسكم منَ الريبةِ وحبِّ المَالِ وهذا يشعرُ بالندبِ لكنَّ قولِهُ تَعَالى ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ منبئ عنِ الوجوبِ لأنَّه ترخيصٌ إن لَمْ يجدْ فِي المناجَاةِ بلا تصدق
فانطلق فجاءَ بأصحابُه فحلفُوا بالله ما سبُّوه فنزلتْ
﴿
ينفى الوجدان لنفى الموادةِ عَلى مَعْنَى أنَّه لا ينبغي أنْ يتحققَ ذلكَ وحقُّه أن يمتنعَ ولا يوجدَ بحالٍ وإنْ جدَّ في طلبهِ كلُّ أحدٍ {وَلَوْ كَانُواْ﴾ أيْ من حاد الله ورسوله والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد فيما قبله باعتبار لفظها ﴿آباءهم﴾ آباءُ الموادِّينَ ﴿أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ فإنَّ قضيةَ الإيمانِ بالله تعالى أَنْ يهجرَ الجميعَ بالمرةِ والكلامُ في لَوْ قَدْ مرَّ على التفصيل مراراً ﴿أولئك﴾ إشارةٌ إلى الذينَ لا يوادونهم وإنْ كانُوا أقربَ النَّاسِ إليهم وأمسَّ رحماً وما فيه من معَنى البعدِ لرفعةِ درجتهم في الفضلِ وهُوَ مبتدأ خبرُهُ ﴿كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمان﴾ أي أثبتَهُ فيها وفيه قطعا ولا شئ من أعمالِ الجوارحِ يثبتُ فيهِ ﴿وَأَيَّدَهُمْ﴾ أيْ قوَّاهُم ﴿بِرُوحٍ مّنْهُ﴾ أيْ مِنْ عندِ الله تعالىَ وهُوَ نورُ القلبِ أوِ القرآنُ أو النصرُ على العدوِّ وقيل الضمير للإيمان الحياة القلوبِ بهِ فمنْ تجريديةٌ وقولُهُ تعالَى ﴿وَيُدْخِلُهُمُ﴾ الخ بيانٌ لآثارِ رحمتهِ الأخرويةِ إثرَ بيانِ ألطافهِ الدنيويةِ أيْ ويدخلهُم في الآخرةِ ﴿جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا﴾ أبدَ الآبدينَ وقولُه تَعَالى ﴿رَّضِىَ الله عَنْهُمْ﴾ استئنافٌ جارٍ مَجْرَى التَّعليلِ لما أفاضَ عليهمْ مِنْ آثارِ رحمتِهِ العاجلةِ والآجلةِ وقولُه تَعَالى ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ بيانٌ لابتهاجِهم بما أوتُوه عاجلاً وآجلاً وقولُه تَعَالَى ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله﴾ تشريفٌ لهُمْ ببيانِ اختصاصِهم بهِ عزَّ وجلَّ وقوله تعالى ﴿إَّلا أَن حِزْبَ الله هُمُ المفلحون﴾ بيان لاختصاصهم بالفوزِ بسعادةِ الدارينِ والفوزِ بسعادةِ النشأتينِ والكلامُ في تحليةِ الجملةِ بفنونِ التأكيدِ كَمَا مَرَّ فِي مثلِها عن النبي عليه الصلاةَ والسلام من قرأ سورة المجادلةِ كتبَ منْ حزبِ الله يوم القيامة
سورة الحشر
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾