ﰡ
وقوله تعالى :﴿ والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ فقال بعض الناس : العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار ابن حزم، وقال الشافعي : هو أن يمسكها بعد المظاهرة زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، وقال أحمد بن حنبل : هو أن يعوند إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة، وقد حكي عن مالك أنه لعزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنه الجماع، وقال أبو حنيفة : هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فتمنى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريماً لا يرفعه إلا الكافرة، وعن سعيد بن جبير ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم. وقال الحسن البصري : يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأساً أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفّر.
وقوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ ﴾ أي يفعلون هذا ويقولون في أنفسهم لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول له في الباطن لأن الله يعلم ما نسره، فلو كان هذا نبياً حقاً لأوشك الله أن يعاجلنا بالعقوبة في الدنيا، فقال الله تعالى :﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي جهنم كفايتهم في الدار الآخرة ﴿ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير ﴾، عن عبد الله بن عمرو : أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله ﷺ : سام عليك، ثم يقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول؟ فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير ﴾.
وفي الحديث المروي في السنن « أن رسول الله ﷺ كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس؛ فكان الصحابة رضي الله عنهم يجلسون منه على مراتبهم، فالصديق رضي الله عنه يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره، وبين يديه غالباً عثمان وعليّ لأنهما كانا ممن يكتب الوحي، وكان يأمرهما بذلك »، كما روى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ كان يقول :« ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم »، وما ذاك إلاّ ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه، وفي الحديث الصحيح :« بينا رسول الله ﷺ جالس إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها، وأما الآخر فجلس وراء الناس، وأدبر الثالث ذاهباً، فقال رسول الله ﷺ :» ألا أنبئكم بخبر الثلاثة؟ أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه « » وروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال :« لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلاّ بإذنهما » وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري في قوله تعالى :﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ ﴾ يعني في مجالس الحرب، قالوا : ومعنى قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ ﴾ أي انهضوا للقتال، وقال قتادة :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ ﴾ أي إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا، وقال مقاتل : إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها، وقوله تعالى :﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ أي لا تعتقدوا أنه إذا فسح أحد منكم لأخيه أن ذلك يكون نقصاً في حقه، بل هو رفعة ورتبة عند الله، والله تعالى لا يضيع ذلك له، بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة، فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ونشر ذكره، ولهذا قال تعالى :﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾، أي خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه، روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل
وقوله تعالى :﴿ أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله، ولو كان أباه أو أخاه فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان، أي كتب له السعادة وقررها في قلبه، وزين الإيمان في بصيرته، قال السدي :﴿ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان ﴾ جعل في قلوبهم الإيمان، وقال ابن عباس ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ أي قواهم، وقوله تعالى :﴿ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ كل هذا تقدم تفسيره غير مرة.
وقوله تعالى :﴿ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم، والفضل العميم، وقوله تعالى :﴿ أولئك حِزْبُ الله ﴾ أي هؤلاء حزب الله أي عباد الله وأهل كرامته، وقوله تعالى :﴿ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون ﴾ تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة.