ﰡ
قوله: ﴿وتشتكي إِلَى الله﴾ يجوزُ فيه وجهان، أظهرُهما: أنها عطفٌ على» تُجادِلُك «فهي صلةٌ أيضاً. والثاني: أنَّها في موضع نصبٍ على الحالِ أي: تجادِلُك شاكيةً حالَها إلى اللَّهِ، وكذا الجملةُ مِنْ قولِه: ﴿والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ﴾ والحاليةُ فيما أَبْعَدُ. /
٤٢٣٨ - حتى شآها كَليلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ | باتَتْ طِراباً وبات الليلَ لم يَنَمِ |
وقرأ العامَّةُ «أمَّهاتِهم» بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى كقولِه: ﴿مَا هذا بَشَراً﴾ [يوسف: ٣١] وعاصم في روايةٍ بالرفعِ على اللغةِ
٤٢٣٩ - لَعَمْرُك ما مَعْنٌ بتارِكِ حقِّه | ولا مُنْسِىءٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ |
٤٢٤٠ - لَعَمْرُك ما إنْ أبو مالكٍ | بواهٍ ولا بضعيفٍ قِواهْ |
قوله: ﴿مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً﴾ نعتان لمصدر محذوف أي: قولاً منكراً، وزوراً أي: كذباً وبُهْتاناً قاله مكي وفيه نظرٌ؛ إذ يصيرُ
قوله: ﴿لِمَا قَالُواْ﴾ في هذه اللامِ أوجهٌ، أحدُها: أنَّها متعلقةٌ ب «يعودون». وفيه معانٍ، أحدُها: والذين مِنْ عادتِهم أنهم كانوا يقولون هذا القولَ في الجاهليةِ، ثم يعودُون لمثلِه في الإِسلام. الثاني: ثم يتداركون ما قالوا؛ لأن المتدارِكَ للأمرِ عائدٌ إليه ومنه: «عادَ غيثٌ على ما أفسَد» أي: تداركه بالإِصلاح والمعنى: أنَّ تدارُكَ هذا القولِ وتلافيَه، بأَنْ يكفِّر حتى ترجعَ حالُهما كما كانت قبل الظِّهار. الثالث: أَنْ يُرادَ بما قالوا ما حَرَّموه على أنفسِهم بلفظِ الظِّهار، تنزيلاً للقولِ منزلةَ المقولِ فيه نحو ما ذُكِر في قولِه تعالى: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٨٠] والمعنى: ثم يريدون العَوْدَ للتَّماسِّ، قال ذلك الزمخشريُّ. قلت: وهذا الثالثُ هو معنى ما رُوِي عن مالك والحسن والزهري: ثم يعودون للوَطْء أي: يعودون لِما قالوا إنهم لا يعودون إليه، فإذا ظاهَرَ ثم وَطِىء لَزِمَتْه الكفارةُ
وقال مكي: «اللامُ متعلقةٌ ب» يعودون «أي: يعودون لوَطْءِ المقولِ فيه الظهارُ، وهُنَّ الأزواجُ، ف» ما «والفعلُ مصدرٌ أي: لمقولِهم، والمصدرُ في موضعِ المفعولِ به نحو:» هذا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأمير «أي: مَضْرُوبُه، فيصير معنى» لقولهم «للمقولِ فيه الظِّهارُ أي:» لوَطْئِه «. قلت: وهذا معنى قولِ الزمخشريِّ في الوجه الثالث الذي تَقَدَّم تقريرُه عن الحسنِ والزهري ومالك، إلاَّ أنَّ مكيَّاً قَيَّد ذلك بكونِ» ما «مصدريةً حتى يقعَ المصدرُ الموؤلُ موضعَ اسمِ مفعول.
وفيه نظرٌ؛ إذ يجوز ذلك، وإنْ كانت» ما «غيرَ مصدرية، لكونِها بمعنى الذي أو نكرةً موصوفةً، بل جَعْلُها غيرَ مصدريةٍ أَوْلَى؛ لأن المصدرَ المؤولَ فرعُ المصدرِ الصريحِ، إذ الصريحُ أصلٌ للمؤول به
ثم وقوعِه موقعَ اسمِ المفعول، والمحفوظُ من لسانِهم إنما هو وَضْعُ المصدرِ الصريح موضعَ المفعولِ لا المصدرِ المؤولِ فاعرِفْه. لا يُقال: إنَّ جَعْلَها غيرَ مصدريةٍ يُحْوِجُ إلى تقديرِ حذفِ مضافٍ ليصِحَّ المعنى به أي: يعودون لوَطْءِ التي ظاهَرَ منها، أو امرأةٍ ظاهَرَ منها، أو يعودون لإِمساكِها، والأصلُ عدمُ الحذفِ؛ لأن هذا مشتركُ الإِلزام لنا ولكم، فإنكم تقولون أيضاً: لا بُدَّ مِنْ تقديرِ مضافٍ أي: يعودون لوَطْءِ أو لإِمساكِ المقولِ فيه الظِّهارُ. ويدل على جوازِ كَوْنِ «ما» في هذا الوجهِ غيرَ مصدريةٍ ما أشار إليه أبو البقاء، فإنه قال: «يتعلَّقُ ب» يعودون «بمعنى: يعودون للمقول فيه. هذا إنْ جَعَلْتَ» ما «مصدريةً، ويجوز أَنْ تجعلَها بمعنى الذي ونكرةً موصوفةً».
الثاني: أنَّ اللامَ تتعلَّقُ ب «تحرير». وفي الكلامَ تقديمٌ وتأخيرٌ. والتقدير: والذين يُظاهرون مِنْ نِسائِهم فعليهم تحريرُ رقبةٍ؛ لِما نَطقوا به من الظِّهار ثم يعودُون للوَطْءِ بعد ذلك. وهذا ما نقله مكيٌّ وغيرُه عن أبي الحسن الأخفش. قال الشيخ: «وليس بشيءٍ لأنه يُفْسِدُ نَظْمَ الآية». وفيه نظرٌ. لا نُسَلِّم فسادَ النظمِ مع دلالةِ المعنى على التقديمِ والتأخير، ولكنْ نُسَلِّم أنَّ ادعاءَ التقديمِ والتأخيرِ لا حاجةَ إليه؛ لأنه خلافُ الأصل.
وقرأ ابن أبي عبلة «ثلاثةً» و «خمسةً» نصباً على الحال. وفي صاحبها وجهان، أحدهما: أنه محذوفٌ مع رافعِه، تقديرُه: يتناجَوْن ثلاثةً، وحُذف لدلالةِ «نجوى» عليه. والثاني: أنه الضمير المستكِنُّ/ في «نجوى» إذا جَعَلْناها بمعنى المتناجِين، قاله الزمخشريُّ. قال مكي: «ويجوز في الكلام رَفْعُ» ثلاثة «على البدل مِنْ موضع» نَجْوى «، لأنَّ موضعَها رفعٌ و» مِنْ «زائدةٌ، ولو نصَبْتَ» ثلاثة «على الحال من الضمير
قوله: ﴿إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ «إلاَّ هو خامسُهم» ﴿إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾ كلُّ هذه الجملِ بعد «إلاَّ» في موضعِ نصبٍ على الحالِ أي: ما يوجَدُ شَيْءٌ من هذه الأشياءِ إلاَّ في حالٍ مِنْ هذه الأحوالِ، فالاستثناءُ مفرَّغٌ من الأحوال العامة.
وقرأ أبو جعفر: «ما تكونُ» بتاءِ التأنيث لتأنيث النجوى. قال أبو الفضل: إلاَّ أنَّ الأكثرَ في هذا البابِ التذكيرُ على ما في العامة؛ لأنه مُسْنَدٌ إلى «مِنْ نجوى»، وهو اسمُ جنسٍ مذكرٌ.
قوله: ﴿وَلاَ أَكْثَرَ﴾ العامَّةُ على الجرِّ عطفاً على لفظ «نجوى». وقرأ الحسن والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو حيوة ويعقوبُ «ولا أكثرُ» بالرفع. وفيه وجهان، أحدُهما: أنه معطوفٌ على موضع «نَجْوى» لأنه مرفوعٌ، و «مِنْ» مزيدةٌ فيه. فإن كان مصدراً كان على حَذْفِ مضافٍ كما تقدَّم أي: مِنْ ذوي نجوى، وإن كان بمعنى المتناجِين فلا حاجةَ إلى ذلك. والثاني: أن يكونَ «أَدْنى» مبتدأ، و ﴿إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾ خبرُه، فيكون «ولا أكثرُ» عطفاً على المبتدأ، وحينئذ يكون «ولا أَدْنَى» من باب عطفِ الجملِ لا المفرداتِ.
وقوله: ﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ اسمُ «ليس» ضميراً عائداً على الشيطان، وأَنْ يكونَ عائداً على الحزنِ المفهومِ مِنْ «ليحزنَ» قاله الزمخشري. والأولُ أَوْلَى للتصريحِ بما يعود عليه. [وقرأ] الضحاك «ومعصيات» جمعاً.
قوله: ﴿لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا﴾ [المجادلة: ٨] هذه الجملةُ التحضيضيةُ في موضع نصبٍ بالقول.
قوله: ﴿فِي المجالس﴾ قرأ عاصم «المجالس» جمعاً اعتباراً بأنَّ لكلِّ واحدٍ منهم مجلساً. والباقون بالإِفراد، إذ المرادُ مجلسُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أحسنُ مِنْ كونِه واحداً أريد به الجمعُ. وقُرىء «في المجلَس» بفتح اللام وهو المصدرُ أي: تَفَسَّحوا في جلوسِكم ولا تتضايَقوا. وقرأ الحسن وداود بن أبي هند وعيسى وقتادة «تَفاسَحُوا» والفُسْحَةُ: السَّعَةُ. وفَسَح له أي: وسَّعَ له.
قوله: ﴿والذين أُوتُواْ﴾ يجوز أَنْ يكونَ معطوفاً على «الذين آمنوا» فهو مِنْ عطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ لأن الذين أُوْتوا العلمَ بعضُ المؤمنين منهم. ويجوزُ أَنْ يكونَ «والذين أُوْتُوا» مِنْ عطفِ الصفاتِ أي: تكونُ الصفاتُ لذاتٍ واحدةٍ، كأنه قيل: يرفعُ الله المؤمنين العلماءَ. و «دَرَجاتٍ» مفعولٌ ثانٍ، وقد تقدَّم الكلامُ على نحوِ ذلك في الأنعام. وقال ابنُ عباس: تمَّ الكلامُ عند قولِه «منكم» وينتصِبُ «الذين أُوْتُوا» بفعلٍ مضمرٍ أي: ويَخُصُّ الذين أوتوا اللمَ بدرجات/، أو ويرْفعُهم درجاتٍ.
قوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ أي: يعلمون أنه كذِبٌ فيَمينُهم يمينٌ غموسٌ لا عُذْرَ لهم فيها.
٤٢٤١ - فإنما أَوْلادُنا بَيْنَا | أكبادُنا تَمْشِي على الأرضِ |
٤٢٤٢ - أخاك أخاك إنَّ مِنْ لا أخا له | كساعٍ إلى الهَيْجا بغيرِ سلاحِ |
وإنَّ ابنَ عمِّ المَرْءِ فاعْلَمْ جناحُه | وهل ينهَضُ البازي بغير جَناح؟ |
٤٢٤٣ - لا يَسْألون أخاهم حين يَنْدُبُهُم | في النائباتِ على ما قال بُرْهانا |