تفسير سورة سورة فصلت من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿تَنزِيلٌ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ «حم» على القولِ بأنها اسمٌ للسورةِ، أو خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هذا تنزيلٌ أو مبتدأٌ، وخبرُه «كتابٌ فُصِّلَتْ».قوله: ﴿كِتَابٌ﴾ : قد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ل «تَنْزيل» ويجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «تَنْزيل»، وأَنْ يكونَ فاعلاً بالمصدرِ، وهو «تنزيلٌ» أي: نَزَلَ كتابٌ، قاله أبو البقاء، و «فُصِّلَتْ آياتُه» صفةٌ لكتاب.
قوله: «قُرْآناً» في نصبِه ستةُ أوجهٍ، أحدُها: هو حالٌ بنفسِه و «عربيَّاً» صفتُه، أو حالٌ موطِّئَةٌ، والحالُ في الحقيقةِ «عربيَّاً»، وهي حالٌ غيرُ منتقلةٍ. وصاحبُ الحال: إمَّا «كتابٌ» لوَصْفِه ب «فُصِّلَتْ»، وإمَّا «آياته»، أو منصوبٌ على المصدرِ أي: تقرؤه قرآناً، أو على الاختصاصِ والمدحِ، أو مفعولٌ ثانٍ ل فُصِّلَتْ، أو منصوبٌ بتقديرِ فعلٍ أي: فَصَّلْناه قرآناً.
قوله: «لقومٍ» فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ ب فُصِّلَتْ أي: فُصِّلَتْ لهؤلاءِ وبُيِّنَتْ لهم؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وإنْ كانَتْ مُفَصَّلةً في نفسِها
قوله: «قُرْآناً» في نصبِه ستةُ أوجهٍ، أحدُها: هو حالٌ بنفسِه و «عربيَّاً» صفتُه، أو حالٌ موطِّئَةٌ، والحالُ في الحقيقةِ «عربيَّاً»، وهي حالٌ غيرُ منتقلةٍ. وصاحبُ الحال: إمَّا «كتابٌ» لوَصْفِه ب «فُصِّلَتْ»، وإمَّا «آياته»، أو منصوبٌ على المصدرِ أي: تقرؤه قرآناً، أو على الاختصاصِ والمدحِ، أو مفعولٌ ثانٍ ل فُصِّلَتْ، أو منصوبٌ بتقديرِ فعلٍ أي: فَصَّلْناه قرآناً.
قوله: «لقومٍ» فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ ب فُصِّلَتْ أي: فُصِّلَتْ لهؤلاءِ وبُيِّنَتْ لهم؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وإنْ كانَتْ مُفَصَّلةً في نفسِها
505
لجميعِ الناسِ. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً ل «قُرآناً» أي: كائناً لهؤلاءِ خاصةً لِما تقدَّم في المعنى. الثالث: أَنْ يتعلَّقَ ب «تَنْزِيلٌ» وهذا إذا لم يُجْعَلْ «من الرحمنِ» صفةً له؛ لأنَّك إنْ جَعَلْتَ «من الرحمن» صفةً له فقد أَعْمَلْتَ المصدرَ الموصوفَ، وإذا لم يكن «كتابٌ» خبراً عنه ولا بَدَلاً منه؛ لئلا يَلْزَمَ الإِخبارُ عن الموصولِ أو البدلِ منه قبلَ تمامِ صلتِه. ومَنْ يَتَّسِعْ في الظرف وعديلِه لم يُبالِ بشيءٍ من ذلك. وأمَّا إذا جَعَلْتَ «من الرحمن» متعلِّقاً به و «كتاب» فاعلاً به فلا يَضُرُّ ذلك؛ لأنه مِنْ تتمَّاته وليس بأجنبيّ، وهذا الموضعُ ممَّا يُظْهِرُ حُسْنَ علمِ الإِعرابِ، ويُدَرِّبُكَ في كثيرٍ من أبوابِه.
506
قوله: ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ : يجوزُ أَنْ يكونا نعتَيْن ل «قُرْآناً»، وأَنْ يكونا حالَيْنِ: إمَّا مِنْ «كتاب»، وإمَّا مِنْ «آياته»، وإمَّا من الضميرِ المَنْوِيِّ في «قُرْآناً». وقرأ زيد بن علي برفعهما على النعتِ ل «كتاب» أو على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هو بشيرٌ ونذيرٌ.
قوله: ﴿في أَكِنَّةٍ﴾ : قال الزمخشري: «فإنْ قُلْتَ: هَلاَّ قيل: على قلوبِنا أكنَّةٌ كما قيل: وفي آذاننا وَقْرٌ، ليكونَ الكلامُ على نَمَطٍ واحد. قلت: هو على نَمَطٍ واحدٍ؛ لأنَّه لا فَرْقَ في المعنى بين قولِك: قلوبُنا في أكنَّةٍ، وعلى قلوبِنا أكنَّةٌ، والدليلُ عليه قولُه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ [الأنعام: ٢٥]، ولو قيل: جَعَلْنا قلوبَهم في أكنَّةٍ لم يختلفِ المعنى، وترى المطابيعَ منهم لا يَرَوْن الطباقَ والملاحظةَ إلاَّ في المعاني». قال الشيخ: «و» في «هنا
506
أَبْلَغُ مِنْ» على «لأنَّهم قَصَدوا الإِفراطَ في عَدَمِ القبول بحُصول قلوبِهِم في أكنَّةٍ احتوَتْ عليها احتواءَ الظرفِ على المظروفِ، فلا يمكنُ أَنْ يَصِلَ إليها شيءٌ، كما تقول:» المالُ في الكيس «بخلافِ قولِك:» على المالِ كيسٌ «، فإنَّه لا يَدُلُّ على الحصر وعدمِ الوصولِ دلالةَ الوعاءِ، وأمَّا» وجعلنا «فهو من إخبار اللَّهِ تعالى فلا يَحْتاجُ إلى مبالغةٍ». وتقدَّمَ تفسيرُ الأَكنَّة والوقر. /
وقرأ طلحة بكسر الواوِ وتقدَّم الفرقُ بينهما.
قوله: «ممَّا تَدْعُوْنا» مِنْ في «ممَّا» وفي «ومِنْ بَيْنِنا» لابتداءِ الغايةِ فالمعنى: أنَّ الحجابَ ابتدأ مِنَّا وابتدأ منك، فالمسافةُ المتوسطةُ لجهتِنا وجهتِك مُسْتوعبةٌ لا فراغَ فيها، فلو لم تَأْت «مِنْ» لكان المعنى: أنَّ حجاباً حاصلٌ وسطَ الجهتين، والمقصودُ المبالغَةُ بالتبايُنِ المُفْرِط، فلذلك جيْءَ ب «مِنْ» قاله الزمخشري. وقال أبو البقاءِ: «هو محمولٌ على المعنى؛ لأنَّ المعنى: في أكنَّةٍ محجوبةٍ عن سماعِ ما تَدْعُونا إليه، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً ل» أكنَّة «؛ لأنَّ الأكنَّةَ الأغشيةُ، وليسَتِ الأغشيةُ ممَّا يُدْعَوْنَ إليه».
وقرأ طلحة بكسر الواوِ وتقدَّم الفرقُ بينهما.
قوله: «ممَّا تَدْعُوْنا» مِنْ في «ممَّا» وفي «ومِنْ بَيْنِنا» لابتداءِ الغايةِ فالمعنى: أنَّ الحجابَ ابتدأ مِنَّا وابتدأ منك، فالمسافةُ المتوسطةُ لجهتِنا وجهتِك مُسْتوعبةٌ لا فراغَ فيها، فلو لم تَأْت «مِنْ» لكان المعنى: أنَّ حجاباً حاصلٌ وسطَ الجهتين، والمقصودُ المبالغَةُ بالتبايُنِ المُفْرِط، فلذلك جيْءَ ب «مِنْ» قاله الزمخشري. وقال أبو البقاءِ: «هو محمولٌ على المعنى؛ لأنَّ المعنى: في أكنَّةٍ محجوبةٍ عن سماعِ ما تَدْعُونا إليه، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً ل» أكنَّة «؛ لأنَّ الأكنَّةَ الأغشيةُ، وليسَتِ الأغشيةُ ممَّا يُدْعَوْنَ إليه».
507
قوله: ﴿قُلْ﴾ : قرأ ابنُ وثَّاب والأعمش «قال» فعلاً ماضياً خبراً عن الرسولِ. والرسمُ يَحْتَملهما، وقد تقدَّم مثلُ هذا في الأنبياءِ وآخرِ المؤمنين. وقرأ الأعمشُ والنخعيُّ «يُوْحِي» بكسر الحاء أي: اللَّهُ تعالى.
507
قوله: «فاسْتَقِيموا إليه» عُدِّيَ ب «إلى» لتضمُّنِه معنى تَوَجَّهوا، والمعنى: وَجِّهوا استقامتَكم إليه.
508
قوله: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ : قيل: غيرُ منقوص، وأنشدوا لذي الإِصبع العدواني:
وقيل: مقطوعٌ، مِنْ مَنَنْتُ الحَبْلَ أي: قطعْتُه، وأنشدوا:
وقيل: غيرُ ممنونٍ، مِن المَنِّ؛ لأنَّ عطاءَ اللَّهِ تعالى لا يَمُنُّ به، إنما يَمُنُّ المخلوقُ.
٣٩٤٦ - إني لَعَمْرُكَ ما بابي بذي غَلقٍ | على الصديقِ ولا خَيْري بمَمْنُوْنِ |
٣٩٤٧ - فَضْلَ الجوادِ على الخيلِ البِطاءِ فلا | يُعْطِي بذلك مَمْنُوْناً ولا نَزِقا |
قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ﴾ : عطفٌ على «لَتَكْفُرون» فهو داخلٌ في حَيِّزِ الاستفهام.
قوله: ﴿وَجَعَلَ﴾ : مستأنف. ولا يجوز عَطْفُه على صلةِ الموصولِ للفصلِ بينهما بأجنبيّ، وهو قولُه: «وتَجْعلون» فإنه معطوفٌ على «لَتَكْفرون» كما تقدَّم.
قوله: ﴿في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ تقديرُه: في تمامِ أربعةِ أيام باليومَيْن المتقدِّمين.
قوله: ﴿في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ تقديرُه: في تمامِ أربعةِ أيام باليومَيْن المتقدِّمين.
508
وقال الزجاج: «في تتمةِ أربعةِ أيام» يريدُ بالتتمَّةِ اليومينِ. وقال الزمخشري: «في أربعة أيام فَذْلَكَةٌ لمدةِ خَلْقِ اللَّهِ الأرضَ وما فيها، كأنه قال: كلُّ ذلك في أربعةِ أيامٍ كاملةٍ مستويةٍ بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ». قلت: وهذا كقولِك: بَنَيْتُ بيتي في يومٍ، وأكْمَلْتُه في يومَيْن. أي: بالأول. وقال أبو البقاء: «أي: في تمامِ أربعةِ أيامٍ، ولولا هذا التقديرُ لكانَتِ الأيامُ ثمانيةً، يومان في الأول، وهو قوله: ﴿خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ﴾، ويومان في الآخِر، وهو قوله: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [وأربعة في الوسط، وهو قولُه ﴿في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ ].
قوله:» سواءً «العامَّةُ على النصبِ، وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: استَوتْ استواءً، قاله مكي وأبو البقاء. والثاني: أنه حالٌ مِنْ» ها «في» أقواتها «أو مِنْ» ها «في» فيها «العائدةِ على الأرض أو من الأرض، قاله أبو البقاء.
وفيه نظرٌ؛ لأنَّ المعنى: إنما هو وصفُ الأيامِ بأنها سواءٌ، لا وصفُ الأرضِ بذلك، وعلى هذا جاء التفسيرُ. ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ» سَواءٍ «بالجرِّ صفةً للمضافِ أو المضافِ إليه. وقال السدي وقتادة: سواءً معناه: سواءً لمن
قوله:» سواءً «العامَّةُ على النصبِ، وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: استَوتْ استواءً، قاله مكي وأبو البقاء. والثاني: أنه حالٌ مِنْ» ها «في» أقواتها «أو مِنْ» ها «في» فيها «العائدةِ على الأرض أو من الأرض، قاله أبو البقاء.
وفيه نظرٌ؛ لأنَّ المعنى: إنما هو وصفُ الأيامِ بأنها سواءٌ، لا وصفُ الأرضِ بذلك، وعلى هذا جاء التفسيرُ. ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ» سَواءٍ «بالجرِّ صفةً للمضافِ أو المضافِ إليه. وقال السدي وقتادة: سواءً معناه: سواءً لمن
509
سألَ عن الأمرِ واستفهم عن حقيقةِ وقوعِه، وأرادَ العِبْرَةَ فيه، فإنه يَجِدُه كما قال تعالى، إلاَّ أنَّ ابنَ زيدٍ وجماعةً قالوا شيئاً يَقْرُبُ من المعنى الذي ذكره أبو البقاء، فإنهم قالوا: معناه مُسْتَوٍ مُهَيَّأٌ أمرُ هذه المخلوقاتِ ونَفْعُها للمحتاجين إليها من البشر، فعبَّر بالسائلين عن الطالبين.
وقرأ زيد بن علي والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد» سَواءٍ «بالخفضِ على ما تقدَّمَ، وأبو جعفرٍ بالرفع، وفيه وجهان، أحدهما: أنه على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هي سواءٌ لا تَزيد ولا تنقصُ. وقال مكي:» هو مرفوعٌ بالابتداء «، وخبرُه» للسائلين «. وفيه نظرٌ: من حيث الابتداءُ بنكرةٍ من غيرِ مُسَوِّغٍ، ثم قال:» بمعنى مُسْتوياتٍ، لمن سأل فقال: في كم خُلِقَتْ؟ وقيل: للسَّائلين لجميع الخَلْقِ لأنهم يَسْألون الرزقَ وغيرَه مِنْ عند اللَّهِ تعالى «.
قوله:» للسَّائلين «فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه متعلقٌ ب» سواء «بمعنى: مُسْتويات للسائلين. الثاني: أنه متعلِّقٌ ب» قَدَّر «أي: قَدَّر فيها أقواتَها لأجلِ الطالبين لها المحتاجين المُقتاتين. الثالث: أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ كأنه قيل: هذا الحَصْرُ لأجلِ مَنْ سأل: في كم خُلِقَتِ الأرضُ وما فيها؟
وقرأ زيد بن علي والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد» سَواءٍ «بالخفضِ على ما تقدَّمَ، وأبو جعفرٍ بالرفع، وفيه وجهان، أحدهما: أنه على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هي سواءٌ لا تَزيد ولا تنقصُ. وقال مكي:» هو مرفوعٌ بالابتداء «، وخبرُه» للسائلين «. وفيه نظرٌ: من حيث الابتداءُ بنكرةٍ من غيرِ مُسَوِّغٍ، ثم قال:» بمعنى مُسْتوياتٍ، لمن سأل فقال: في كم خُلِقَتْ؟ وقيل: للسَّائلين لجميع الخَلْقِ لأنهم يَسْألون الرزقَ وغيرَه مِنْ عند اللَّهِ تعالى «.
قوله:» للسَّائلين «فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه متعلقٌ ب» سواء «بمعنى: مُسْتويات للسائلين. الثاني: أنه متعلِّقٌ ب» قَدَّر «أي: قَدَّر فيها أقواتَها لأجلِ الطالبين لها المحتاجين المُقتاتين. الثالث: أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ كأنه قيل: هذا الحَصْرُ لأجلِ مَنْ سأل: في كم خُلِقَتِ الأرضُ وما فيها؟
510
والدُّخان: ما ارتفع مِنْ لَهَبِ النار، ويُسْتعار لِما يُرى مِنْ بخارِ الأرضِ عند جَدْبِها. وقياسُ جَمْعِه في القلةِ: أَدْخِنة، وفي الكثرة: دِخْنان نحو
510
غُراب وأَغْرِبة وغِربان، وشذُّوا في جَمْعِه على دواخِن. قيل: هو جمعُ داخِنة تقديراً على سبيلِ الإِسناد المجازيِّ. ومثله: عُثان وعَواثِن.
قوله: «وهي دُخانٌ» من باب التشبيهِ الصُّوري؛ لأن صورتِها صورةُ الدخان في رأي العَيْنِ.
قوله: «أَتَيْنا» قرأ العامَّةُ «ائْتِيا» أمراً من الإِتْيان، «قالتا أَتَيْنا» منه أيضاً. وقرأ ابنُ عباس وابنُ جبير ومجاهدٌ: «آتِيا قالتا آتَيْنا» بالمدِّ فيهما. وفيه وجهان، أحدُهما: أنه من المُؤَاتاة، وهي الموافَقَةُ أي: ليوافِقْ كلٌّ منكما الأخرى لِما يليقُ بها، وإليه ذهب الرازي والزمخشري. فوزنُ «آتِيا» فاعِلا كقاتِلا، و «آتَيْنا» وزنُه فاعَلْنا كقاتَلْنا. / والثاني: أنَّه من الإِيْتاء بمعنى الإِعطاء، فوزنُ آتِيا أَفْعِلا كأَكْرِما، ووزن آتَيْنا أَفْعَلْنا كأَكْرَمْنا. فعلى الأول يكونُ قد حَذَفَ مفعولاً، وعلى الثاني يكونُ قد حَذَفَ مفعولَيْن إذ التقدير: أَعْطِيا الطاعةَ مِنْ أنفسكما مَنْ أَمَرَكما. قالتا: أَعْطَيْناه الطاعة.
وقد مَنَع أبو الفضل الرازيُّ الوجهَ الثاني. فقال: «آتَيْنا» بالمَدِّ على فاعَلْنا من المُؤاتاة، بمعنى سارَعْنا، على حَذْفِ المفعولِ به، ولا تكونُ من الإِيتاء الذي هو الإِعطاءُ لبُعْدِ حَذْفِ مفعولَيْه «. قلت: وهذا هو الذي مَنَعَ الزمخشريِّ أَنْ يَجْعَلَه من الإِيتاء.
قوله» طَوْعاً أو كَرْهاً «مصدران في موضعِ الحال أي: طائِعتين
قوله: «وهي دُخانٌ» من باب التشبيهِ الصُّوري؛ لأن صورتِها صورةُ الدخان في رأي العَيْنِ.
قوله: «أَتَيْنا» قرأ العامَّةُ «ائْتِيا» أمراً من الإِتْيان، «قالتا أَتَيْنا» منه أيضاً. وقرأ ابنُ عباس وابنُ جبير ومجاهدٌ: «آتِيا قالتا آتَيْنا» بالمدِّ فيهما. وفيه وجهان، أحدُهما: أنه من المُؤَاتاة، وهي الموافَقَةُ أي: ليوافِقْ كلٌّ منكما الأخرى لِما يليقُ بها، وإليه ذهب الرازي والزمخشري. فوزنُ «آتِيا» فاعِلا كقاتِلا، و «آتَيْنا» وزنُه فاعَلْنا كقاتَلْنا. / والثاني: أنَّه من الإِيْتاء بمعنى الإِعطاء، فوزنُ آتِيا أَفْعِلا كأَكْرِما، ووزن آتَيْنا أَفْعَلْنا كأَكْرَمْنا. فعلى الأول يكونُ قد حَذَفَ مفعولاً، وعلى الثاني يكونُ قد حَذَفَ مفعولَيْن إذ التقدير: أَعْطِيا الطاعةَ مِنْ أنفسكما مَنْ أَمَرَكما. قالتا: أَعْطَيْناه الطاعة.
وقد مَنَع أبو الفضل الرازيُّ الوجهَ الثاني. فقال: «آتَيْنا» بالمَدِّ على فاعَلْنا من المُؤاتاة، بمعنى سارَعْنا، على حَذْفِ المفعولِ به، ولا تكونُ من الإِيتاء الذي هو الإِعطاءُ لبُعْدِ حَذْفِ مفعولَيْه «. قلت: وهذا هو الذي مَنَعَ الزمخشريِّ أَنْ يَجْعَلَه من الإِيتاء.
قوله» طَوْعاً أو كَرْهاً «مصدران في موضعِ الحال أي: طائِعتين
511
أو مُكْرَهَتَيْن. وقرأ الأعمشُ» كُرْهاً «بالضم. وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك في النساء.
قوله:» قالتا «أي: قالَتِ السماء والأرض. وقال ابنُ عطية:» أراد الفرقتَيْن المذكورتَيْن. جَعَلَ السماواتِ سماءً، والأرضين أرضاً، وهو نحوُ قولِ الشاعر:
عَبَّر عنهما ب «تَباينتا». قال الشيخ: «وليس كما ذَكَر؛ لأنه لم يتقدَّمْ إلاَّ ذِكْرُ الأرضِ مفردةً والسماءِ مفردةً، فلذلك حَسُن التعبيرُ بالتثنيةِ. وأمَّا البيتُ فكأنه قال: حَبْلَيْ قومي وقومِك، وأنَّثَ في» تبايَنَتا «على المعنى لأنه عنى بالحبالِ المودَّة».
قوله: «طائِعِين» في مجيئِه مجيءَ جَمْعِ المذكرِين العقلاءِ وجهان، أحدهما: أنَّ المرادَ: أَتيا بمَنْ فيهما من العقلاء وغيرِهم، فلذلك غَلَّب العقلاءَ على غيرِهم، وهو رَأْيُ الكسائيِّ. والثاني: أنه لمَّا عامَلهما معاملةَ العقلاء في الإِخبارِ عنهما والأمرِ لهما جُمِعا كجَمْعِهم، كقولِه: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] وهل هذه المحاوَرَةُ حقيقةٌ أو مجازٌ؟ وإذا كانت مجازاً فهل هو تمثيلٌ أو تخييلٌ؟ خلافٌ.
قوله:» قالتا «أي: قالَتِ السماء والأرض. وقال ابنُ عطية:» أراد الفرقتَيْن المذكورتَيْن. جَعَلَ السماواتِ سماءً، والأرضين أرضاً، وهو نحوُ قولِ الشاعر:
٣٩٤٨ - ألم يُحْزِنْكَ أنَّ حبالَ قومي | وقومِك قد تبايَنَتا انْقِطاعا |
قوله: «طائِعِين» في مجيئِه مجيءَ جَمْعِ المذكرِين العقلاءِ وجهان، أحدهما: أنَّ المرادَ: أَتيا بمَنْ فيهما من العقلاء وغيرِهم، فلذلك غَلَّب العقلاءَ على غيرِهم، وهو رَأْيُ الكسائيِّ. والثاني: أنه لمَّا عامَلهما معاملةَ العقلاء في الإِخبارِ عنهما والأمرِ لهما جُمِعا كجَمْعِهم، كقولِه: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] وهل هذه المحاوَرَةُ حقيقةٌ أو مجازٌ؟ وإذا كانت مجازاً فهل هو تمثيلٌ أو تخييلٌ؟ خلافٌ.
512
قوله: ﴿سَبْعَ﴾ : في نصبه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه مفعولٌ ثانٍ ل «قَضاهُنَّ» ؛ لأنه ضُمِّن معنى صَيَّرهُنَّ بقضائِه سبعَ سماواتٍ.
والثاني: أنَّه منصوبٌ على الحالِ مِنْ مفعولِ «قَضاهُنَّ» أي: قضاهُنَّ معدودةً، و «قضى» بمعنى صَنَع، كقولِ أبي ذؤيب:
أي: صَنَعهما. الثالث: أنه تمييزٌ. قال الزمخشري: «ويجوزُ أَنْ يكونَ ضميراً مبهماً مُفَسَّراً بسبعِ سماوات [على التمييز» ] يعني بقولِه «مبهماً» أنَّه لا يعودُ على السماء لا من حيث اللفظُ ولا مِنْ حيث المعنى، بخلاف كونِه حالاً أو مفعولاً ثانياً. الرابع: أنه بدلٌ مِنْ «هُنَّ» في «فقَضاهُنَّ» قاله مكي. وقال أيضاً: «السَّماء تذكَّرُ وتؤنَّثُ. وعلى التأنيثِ جاء القرآن، ولو جاء على التذكير لقيل: سبعة سماوات». وقد تقدَّم تحقيقُ تذكيرِه وتأنيثِه في أوائل البقرة.
قوله: «وحِفْظاً» في نصبه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ، أي: وحَفِظْناها بالثواقب من الكواكِبِ حِفْظاً. والثاني: أنه مَفْعولٌ مِنْ أجله على المعنى، فإنَّ التقديرَ: خلقنا الكواكبَ زينةً وحِفْظاً. قال الشيخ: «وهو تكلُّفٌ وعُدولٌ عن السَّهْلِ البيِّنِ».
والثاني: أنَّه منصوبٌ على الحالِ مِنْ مفعولِ «قَضاهُنَّ» أي: قضاهُنَّ معدودةً، و «قضى» بمعنى صَنَع، كقولِ أبي ذؤيب:
٣٩٤٩ - وعليهما مَسْرُوْدتان قَضاهما | داوُدُ أو صَنَعُ السَّوابغِ تُبَّعُ |
قوله: «وحِفْظاً» في نصبه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ، أي: وحَفِظْناها بالثواقب من الكواكِبِ حِفْظاً. والثاني: أنه مَفْعولٌ مِنْ أجله على المعنى، فإنَّ التقديرَ: خلقنا الكواكبَ زينةً وحِفْظاً. قال الشيخ: «وهو تكلُّفٌ وعُدولٌ عن السَّهْلِ البيِّنِ».
قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ﴾ : التفاتٌ مِنْ خطابِهم بقولِه: «قل أئِنَّكم» إلى الغَيْبة لفِعْلهِم الإِعراضَ أعرضَ عن خطابِهم، وهو تناسُبٌ حَسَنٌ. وقرأ الجمهورُ «صاعقَةً مثلَ صاعقةِ» بالألفِ فيهما. وابن الزبير والنخعي والسلمي وابن محيصن «صَعْقَةً مثلَ صَعْقة» بحَذْفِها وسكونِ العين. وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك في أوائلِ البقرة. يقال: صَعَقَتْه الصاعقةُ فصَعِقَ، وهذا مما جاء فيه فَعَلْته - بالفتح - ففَعِل بالكسر، ومثله جَدَعْتُه فَجَدِعَ. والصَّعْقَةُ المَرَّة.
قوله: ﴿إِذْ جَآءَتْهُمُ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: أنه ظرفٌ ل «أَنْذَرْتُكم» نحو: لَقِيْتُك إذ كان كذا. الثاني: أنه منصوبٌ بصاعقةٍ لأنَّها بمعنى العذاب أي: أنذرتُكم العذابَ الواقعَ في وقتِ مجيْءِ رسُلِهم. الثالث: أنه صفةٌ ل «صاعِقَة» الأولى. الرابع: أنه حالٌ من «صاعقة» الثانية، قالهما أبو البقاء وفيهما نظرٌ؛ إذ الظاهرُ أنَّ الصَّاعقةَ جثةٌ وهي قطعةُ نارٍ تَنْزِلُ من السماء فتحرقُ، كما تقدَّمَ في تفسيرِها أولَ هذا التصنيفِ؛ فلا يقعُ الزمانُ صفةً لها ولا حالاً عنها، وتأويلُها بمعنى العذابِ إخراجٌ لها عن مدلولِها مِنْ غيرِ ضرورةٍ، وإنما جعلَها وَصْفاً للأولى لأنها نكرةٌ، وحالاً مِن الثانية لأنها معرفةٌ لإِضافتها إلى عَلَم، ولو جعلها حالاً من الأولى؛ لأنها تخَصَّصَتْ بالإِضافةِ لجاز/ فتعودُ الوجوهُ خمسةً.
قوله: ﴿مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الظاهرُ أنَّ الضميرَيْن عائدان على
قوله: ﴿مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الظاهرُ أنَّ الضميرَيْن عائدان على
514
عادٍ وثمود. وقيل: الضميرُ في «خَلْفِهم» يعودُ على الرسلِ. واسْتُبْعِد هذا من حيث المعنى؛ إذ يصير التقديرُ: جاءتهم الرسلُ مِنْ خَلْفِ الرسلِ، أي: مِنْ خَلْفِ أنفسِهم. وقد يُجاب عنه: بأنَّه مِنْ باب «دِرْهمٌ ونصفُه» أي: ومن خَلْفِ رسُلٍ آخرين.
قوله: ﴿أَلاَّ تعبدوا﴾ يجوزُ في «أَنْ» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ تكونَ المخففةَ من الثقيلة، واسمُها ضميرُ الشأن محذوفٌ، والجملةُ النَّهْيِيةُ بعدها خبرٌ، كذا أعربه الشيخُ. وفيه نظرٌ مِنْ وجهين، أحدهما: أنَّ المخففةَ لا تقع بعد فِعْل إلاَّ مِنْ أفعال اليقين. الثاني: أنَّ الخبرَ في بابِ «إنَّ» وأخواتِها لا يكون طلباً، فإنْ وَرَدَ منه شيءٌ أُوِّلَ ولذلك تأوَّلوا [قولَ الشاعرِ:]
وقول الآخر:
على إضمارِ القولِ. الثاني: أنها الناصبةُ للمضارعِ، والجملةُ النَّهْييةُ بعدها صلتُها وُصِلَتْ بالنهي كما تُوْصَلُ بالأمر في «كَتبتُ إليه بأنْ قُمْ»، وقد مَرَّ في وَصْلِها بالأمرِ إشكالٌ يأتي مثلُه في النهي. الثالث: أَنْ تكونَ مفسِّرَةً
قوله: ﴿أَلاَّ تعبدوا﴾ يجوزُ في «أَنْ» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ تكونَ المخففةَ من الثقيلة، واسمُها ضميرُ الشأن محذوفٌ، والجملةُ النَّهْيِيةُ بعدها خبرٌ، كذا أعربه الشيخُ. وفيه نظرٌ مِنْ وجهين، أحدهما: أنَّ المخففةَ لا تقع بعد فِعْل إلاَّ مِنْ أفعال اليقين. الثاني: أنَّ الخبرَ في بابِ «إنَّ» وأخواتِها لا يكون طلباً، فإنْ وَرَدَ منه شيءٌ أُوِّلَ ولذلك تأوَّلوا [قولَ الشاعرِ:]
٣٩٥٠ - إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ | لا تَحْسَبُوا ليلَهم عن ليلِكم ناما |
٣٩٥١ - ولو أصابَتْ لقالَتْ وَهْيَ صادِقةٌ | إنَّ الرِّياضَةَ لا تُنْصِبْكَ للشِّيْبِ |
515
لمجيئِهم لأنه يتضمَّنُ قولاً، و «لا» في هذه الأوجهِ كلِّها ناهيةٌ، ويجوزُ أَنْ تكونَ نافيةً على الوجهِ الثاني، ويكون الفعلُ منصوباً ب «أنْ» بعد «لا» النافية، فإنَّ «لا» النافيةَ لا تمنعُ العاملَ أَنْ يعملَ فيما بعدها نحو: «جئتُ بلا زيدٍ»، ولم يذكرْ الحوفي غيرَه.
قوله: «لو شاءَ» قدَّر الزمخشريُّ مفعولَ «شاء» : لو شاءَ إرسالَ الرسلِ لأَنْزَلَ ملائكةً. قال الشيخ: «تَتَبَّعْتُ القرآنَ وكلامَ العربِ فلم أَجِدْ حَذْفَ مفعولِ» شاء «الواقع بعد» لو «إلاَّ مِنْ جنسِ جوابِها نحو:
﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى﴾ [الأنعام: ٣٥] أي: لو شاءَ جَمْعَهم على الهدى لجَمَعهم عليه، ﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً﴾ [الواقعة: ٦٥] ﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً﴾ [الواقعة: ٧٠] ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ﴾ [يونس: ٩٩] ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢] ﴿لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ﴾ [النحل: ٣٥]. وقال الشاعر:
وقال الراجز:
قوله: «لو شاءَ» قدَّر الزمخشريُّ مفعولَ «شاء» : لو شاءَ إرسالَ الرسلِ لأَنْزَلَ ملائكةً. قال الشيخ: «تَتَبَّعْتُ القرآنَ وكلامَ العربِ فلم أَجِدْ حَذْفَ مفعولِ» شاء «الواقع بعد» لو «إلاَّ مِنْ جنسِ جوابِها نحو:
﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى﴾ [الأنعام: ٣٥] أي: لو شاءَ جَمْعَهم على الهدى لجَمَعهم عليه، ﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً﴾ [الواقعة: ٦٥] ﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً﴾ [الواقعة: ٧٠] ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ﴾ [يونس: ٩٩] ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢] ﴿لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ﴾ [النحل: ٣٥]. وقال الشاعر:
٣٩٥٢ - فلو شاءَ ربِّي كنتُ قيسَ بنَ خالدٍ | ولو شاءَ ربي كنتُ قيسَ بنَ مَرْثدِ |
516
٣٩٥٣ - واللذِ لو شاءَ لكنْتُ صَخْراً | أو جَبَلاً أشمَّ مُشْمَخِرَّا |
قوله: ﴿بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ هذا خطابٌ لهودٍ وصالحٍ وغيرِهم مِن الأنبياءِ عليهم السلام، وغَلَّب المخاطبَ على الغائبِ نحو: «أنت وزيدٌ تقومان». و «ما» يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي وعائدُها به، وأنْ تكونَ مصدريةً أي: بإرسالِكم، فعلى هذا يكون «به» [يعودُ] على ذلك المصدرِ المؤولِ، ويكون من بابِ التأكيد كأنه قيل: كافرون بإرسالِكم به.
517
قوله: ﴿صَرْصَراً﴾ : الصَّرْصَرُ: الريحُ الشديدة فقيل: هي الباردةُ مِن الصِّرِّ، وهو البردُ. وقيل: هي الشديدةُ السَّمومِ. وقيل هي المُصَوِّتَةُ، مِنْ صَرَّ البابُ أي: سُمِع صريرُه. والصَّرَّة: الصَّيْحَةُ. ومنه: ﴿فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ﴾ [الذاريات: ٢٩]. قال ابن قتيبة: «صَرْصَر: يجوزُ أَنْ يكونَ من الصِّرِّ وهو البردُ، وأَنْ يكونَ مِنْ صَرَّ البابُ، وأَنْ تكونَ من الصَّرَّة، وهي الصيحةُ، ومنه: {
517
فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ} [الذاريات: ٢٩]. وقال الراغب:» صَرْصَر لفظة من الصِّرِّ، وذلك يرجِعُ إلى الشَّدِّ لِما في البرودة من التعقُّدِ «.
قوله:» نَحِساتٍ «قرأ الكوفيون وابن عامر بكسرِ الحاءِ، والباقون بسكونِها. فأمَّا الكسرُ فهو صفةٌ على فَعِل، وفعلُه فَعِل بكسرِ العين أيضاً كفِعْلِهِ يقال: نَحِس فهو نَحِسٌ كفَرِح فهو فَرِحٌ، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ. وأمال الليث/ عن الكسائي ألفَه لأجل الكسرةِ، ولكنه غيرُ مشهورٍ عنه، حتى نسبه الدانيُّ للوَهْم.
وأمَّا قراءةُ الإِسكانِ فتحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ مخففاً مِنْ فَعِل في القراءةِ المتقدمةِ، وفيه توافُقُ القراءتين. والثاني: أنَّه مصدرٌ وُصِفَ به كرجلٍ عَدْلٍ. إلاَّ أنَّ هذا يُضْعِفُه الجمعُ فإنَّ الفصيحَ في المصدرِ الموصوفِ أَنْ يُوَحَّدَ، وكأنَّ المُسَوِّغَ للجمع اختلافُ أنواعِه في الأصل. والثالث: أنه صفةٌ مستقلةٌ على فَعْل بسكونِ العينِ. ولكن أهلَ التصريفِ لم يذكروا في الصفةِ الجائيةِ مِنْ فَعِلَ بكسرِ العين، إلاَّ أوزاناً محصورةً ليس فيها فَعْل بالسكونِ فذكروا: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، وحَوِرَ فهو أحورُ، وشَبعَ فهو شبعانُ، وسَلِمَ فهو سالمٌ، وبَلي فهو بالٍ.
وفي معنى» نَحِسات «قولان، أحدهما: أنها مِن الشُّؤْم. قال السدِّي:
قوله:» نَحِساتٍ «قرأ الكوفيون وابن عامر بكسرِ الحاءِ، والباقون بسكونِها. فأمَّا الكسرُ فهو صفةٌ على فَعِل، وفعلُه فَعِل بكسرِ العين أيضاً كفِعْلِهِ يقال: نَحِس فهو نَحِسٌ كفَرِح فهو فَرِحٌ، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ. وأمال الليث/ عن الكسائي ألفَه لأجل الكسرةِ، ولكنه غيرُ مشهورٍ عنه، حتى نسبه الدانيُّ للوَهْم.
وأمَّا قراءةُ الإِسكانِ فتحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ مخففاً مِنْ فَعِل في القراءةِ المتقدمةِ، وفيه توافُقُ القراءتين. والثاني: أنَّه مصدرٌ وُصِفَ به كرجلٍ عَدْلٍ. إلاَّ أنَّ هذا يُضْعِفُه الجمعُ فإنَّ الفصيحَ في المصدرِ الموصوفِ أَنْ يُوَحَّدَ، وكأنَّ المُسَوِّغَ للجمع اختلافُ أنواعِه في الأصل. والثالث: أنه صفةٌ مستقلةٌ على فَعْل بسكونِ العينِ. ولكن أهلَ التصريفِ لم يذكروا في الصفةِ الجائيةِ مِنْ فَعِلَ بكسرِ العين، إلاَّ أوزاناً محصورةً ليس فيها فَعْل بالسكونِ فذكروا: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، وحَوِرَ فهو أحورُ، وشَبعَ فهو شبعانُ، وسَلِمَ فهو سالمٌ، وبَلي فهو بالٍ.
وفي معنى» نَحِسات «قولان، أحدهما: أنها مِن الشُّؤْم. قال السدِّي:
518
أي: مشائيم مِن النَّحْسِ المعروف. والثاني: أنها شديدةُ البردِ. وأنشدوا على المعنى الأول قولَ الشاعرِ:
وعلى المعنى الثاني قولَ الآخرِ:
ومنه:
وقيل: يُريدُ به في هذا البيت الغبارَ أي: قليلِ الغبار، وقد قيل بذلك في الآيةِ أنها ذاتُ غُبارٍ. و» نَحِسات «نعتٌ لأيَّام، والجمعُ بالألفِ والتاءِ مُطَّرِدٌ في صفةِ ما لا يَعْقِلُ كأيامٍ معدوداتٍ. وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة.
و» لِنُذِيْقَهُمْ «متعلِّقٌ ب» أَرْسَلْنا «. وقُرِئ» لِتُذِيقَهم «بالتاءِ مِنْ فوقُ.
٣٩٥٤ - يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ ويوماً شَمْسا | نَجْمَيْنِ سَعْدَيْنِ ونجماً نَحْسا |
٣٩٥٥ - كأنَّ سُلافَةً عُرِضَتْ لنَحْسٍ | يُحِيْلُ شَفيفُها الماءَ الزُّلالا |
٣٩٥٦ - قد أَغْتدي قبلَ طُلوعِ الشمسِ | للصيدِ في يومٍ قليلِ النَّحْسِ |
و» لِنُذِيْقَهُمْ «متعلِّقٌ ب» أَرْسَلْنا «. وقُرِئ» لِتُذِيقَهم «بالتاءِ مِنْ فوقُ.
519
وفي الضمير قولان، أحدهما: أنه الريحُ أي: لتذيقَهم الريحُ أو الأيَّامُ على سبيل المجاز. وعذاب الخِزْيِ من إضافةِ الموصوفِ لصفتِه، ولذلك قال: ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى﴾ فإنه يَقْتضِي المشاركةَ وزيادةً. وإسنادُ الخِزْيِ إلى العذابِ مجازٌ لأنه سَبُبه.
520
قوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ﴾ : الجمهورُ على رَفْعِه ممنوعَ الصرفِ. والأعمشُ وابنُ وثَّاب مصروفاً، وكذلك كلُّ ما في القرآن إلاَّ قولَه: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة﴾ [الإسراء: ٥٩] قالوا: لأنَّ الرسم ثمود بغير ألفٍ. وقرأ ابنُ عباس وابنُ أبي إسحاق والأعمش في روايةٍ، وعاصمٌ في رواية «ثمود» منصوباً مصروفاً. والحسن وابنُ هرمز وعاصمٌ أيضاً منصوباً غيرَ منصرفٍ. فأمَّا الصرفُ وعَدَمُه فقد تقدَّمَ توجيهُهُما في هود. وأمَّا الرفعُ فعلى الابتداء، والجملةُ بعده الخبرُ، وهو مُتَعَيّنٌ عند الجمهورِ؛ لأنَّ «أمَّا» لا يليها إلاَّ المبتدأُ فلا يجوزُ فيما بعدها الاشتغالُ إلاَّ في قليلٍ كهذه القراءةِ، وإذا قَدَّرْتَ الفعلَ الناصبَ فقدِّرْه بعد الاسمِ المنصوبِ أي: وأمَّا ثمودَ هَدَيْناهم فهَدَيْناهم قالوا: لأنها لا يَليها الأفعالُ.
قوله: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ﴾ : العاملُ في هذا الظرفِ فيه وجهان، أحدُهما: محذوفٌ دَلَّ عليه ما بعدَه مِنْ قولِه: «فهم يُوْزَعُون» تقديره: يُسَاقُ الناسُ يومَ يُحْشَر. وقَدَّرَه أبو البقاء: يُمْنَعون يومَ الحَشْرِ. الثاني: أنه منصوبٌ ب اذْكُرْ أي: اذكُرْ يومَ. وقرأ نافع «نَحْشُرُ بنونِ العظمة وضمِّ الشين.»
520
أعداءَ «نصباً أي: نَحْشُر نحن. والباقون بياءِ الغَيْبة مضمومةً، والشينُ مفتوحةٌ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، و» أعداءُ «رفعاً لقيامِه مقامَ الفاعلِ. وكَسَر الأعرجُ شين» نَحْشِر «و» حتى «غايةٌ ل» يُحْشَر «.
521
قوله: ﴿أَن يَشْهَدَ﴾ : يجوزُ فيه أوجهٌ، أحدها: مِنْ أَنْ يَشْهدَ. الثاني: خيفةَ أن يَشْهد. الثالث: لأَجْلِ أَنْ يَشْهد، وكلاهما بمعنى المفعول له. الرابع: عن أَنْ تَشْهَدَ أي: ما كنتم تَمْتَنِعون، ولا يُمْكِنُكم الاختفاءُ عن أعضائِكم والاستتارُ عنها. الخامس: أنه ضُمِّن معنى الظنِّ وفيه بُعْدٌ.
قوله: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: أنَّ «ظنُّكم» خبرُه، و «الذي ظَنَنْتُمْ» نعتُه، و «أَرْدَاكم» حالٌ و «قد» معه مقدرةٌ على رَأْيِ الجمهورِ خلافاً للأخفشِ. ومَنْعُ مكيّ الحاليةَ للخلوِّ مِنْ «قد» ممنوعٌ لِما ذكرْتُه. الثاني: أَنْ يكونَ «ظنُّكم» بدلاً والموصولُ خبرُه. و «أَرْدَاكم» حالٌ أيضاً. الثالث: أَنْ يكونَ الموصولُ خبراً ثانياً. الرابع: أَنْ يكونَ «ظَنُّكم» بدلاً أو بياناً، والموصول هو الخبر، و «أَرْداكم» خبرٌ ثانٍ. الخامس: أن يكون «ظَنُّكم» والموصولُ والجملةُ مِنْ «أَرْداكم» أخباراً. إلاَّ أنَّ الشيخ رَدَّ على الزمخشري قوله: «وظنُّكم وأَرْدَاكم خبران». قال: «لأنَّ قوله:» وذلكم «إشارةٌ إلى ظَنِّهم السابقِ فيصير التقديرُ: وظَنُّكم بربكم أنه لا يعلم ظنُّكم بربكم، فاسْتُفيد من الخبر ما اسْتُفيد من المبتدأ وهو لا يجوزُ، وهذا نظيرُ
521
ما منعه النحاةُ مِنْ قولك:» سَيِّدُ الجارية مالِكُها «. / وقد منع ابنُ عطية كونَ» أَرْداكم «حالاً لعدمِ وجودِ» قد «وقد تقدَّم الخلافُ في ذلك.
522
قوله: ﴿يَسْتَعْتِبُواْ﴾ : العامَّةُ على فَتْحِ الياءِ وكسرِ التاءِ الثانيةِ مبنيَّاً للفاعلِ. ﴿فَمَا هُم مِّنَ المعتبين﴾ بفتح التاء اسمَ مفعول، ومعناه: وإنْ طَلبوا العُتْبى وهي الرِّضا فما هم مِمَّنْ يُعْطاها. وقيل: المعنى: وإنْ طَلَبوا زوالَ ما يُعْتَبُون فيه فما هم من المُجابين إلى إزالةِ العَتَبِ.
وأصلُ العَتَبِ: المكانُ النائِي بنازِلَةٍ، ومنه قيل لأُسْكُفَّةِ الباب والمِرْقاة: عَتَبة، ويُعَبَّر بالعَتَبِ عن الغِلْظَة التي يَجدها الإِنسانُ في صدرِه على صاحبِه. وعَتَبْتُ فلاناً: أبرزْتُ له الغِلْظَة. وأَعْتَبْتُه: أَزَلْتُ عُتْباه كأَشْكَيْتُه. وقيل: حَمَلْتُه على العَتَب.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد «وإن يُسْتَعْتَبوا» مبنيَّاً للمفعولِ. ﴿فَمَا هُم مِّنَ المعتبين﴾ اسمَ فاعلٍ بمعنى: إنْ يُطْلَبْ منهم أن يُرْضُوا فما هم فاعِلون ذلك، لأنهم فارَقوا دارَ التكليف. وقيل معناه: إنْ يُطْلَبْ ما لا يُعْتَبُون عليه فما هم مِمَّنْ يُزيل العُتْبى. وقال أبو ذؤْيبٍ:
وأصلُ العَتَبِ: المكانُ النائِي بنازِلَةٍ، ومنه قيل لأُسْكُفَّةِ الباب والمِرْقاة: عَتَبة، ويُعَبَّر بالعَتَبِ عن الغِلْظَة التي يَجدها الإِنسانُ في صدرِه على صاحبِه. وعَتَبْتُ فلاناً: أبرزْتُ له الغِلْظَة. وأَعْتَبْتُه: أَزَلْتُ عُتْباه كأَشْكَيْتُه. وقيل: حَمَلْتُه على العَتَب.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد «وإن يُسْتَعْتَبوا» مبنيَّاً للمفعولِ. ﴿فَمَا هُم مِّنَ المعتبين﴾ اسمَ فاعلٍ بمعنى: إنْ يُطْلَبْ منهم أن يُرْضُوا فما هم فاعِلون ذلك، لأنهم فارَقوا دارَ التكليف. وقيل معناه: إنْ يُطْلَبْ ما لا يُعْتَبُون عليه فما هم مِمَّنْ يُزيل العُتْبى. وقال أبو ذؤْيبٍ: