وتسمى سورة حم السجدة وهي أربع وخمسون آية، وقيل ثلاث وخمسون. قال القرطبي : وهي مكية في قول الجميع. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال " اجتمع قريش يوماً فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ؟ فقالوا : ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقالوا ائت يا أبا الوليد، فأتاه فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله، أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، أما والله ما رأينا سخلة قط اشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً وأن في قريش كاهناً، والله ما تنتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف، يا رجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجنك عشراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرغت ؟ قال نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«﴿ حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته ﴾ حتى بلغ ﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾. فقال عتبة : حسبك حسبك ما عندك غير هذا ؟ قال : لا، فرجع إلى قريش فقالوا ما وراءك ؟ قال : ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته، فقالوا : فهل أجابك قال : والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قالوا : ويلك يكلمك الرجل بالعربية وما تدري ما قال ؟ قال : لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة ". وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عمر قال :" لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على عتبة بن ربيعة " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم " أتى أصحابه فقال : يا قوم أطيعوني في هذا اليوم واعصوني بعده، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاماً ما سمعت أذني قط كلاماً مثله، وما دريت ما أراد عليه ". وفي هذا الباب روايات تدل على اجتماع قريش وإرسالهم عتبة بن ربيعة وتلاوته صلى الله عليه وسلم أول هذه السورة عليه.
ﰡ
وتسمى سورة فصلت وهي أربع وخمسون آية، وقيل ثلاث وخمسون. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «اجتمعت قُرَيْشٌ يَوْمًا فَقَالُوا: انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي قَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا وَعَابَ دِينَنَا، فَلْيُكَلِّمْهُ وَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يَا أَبَا الْوَلِيدِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ، أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكَ فَقَدْ عَبَدُوا الْآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَتَكَلَّمْ حَتَّى نَسْمَعَ قَوْلَكَ، أَمَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا سَخْلَةً قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْكَ، فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَّ أَمْرَنَا وَعِبْتَ دِينَنَا وَفَضَحَتَنَا فِي الْعَرَبِ، حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ سَاحِرًا وَأَنَّ فِي قُرَيْشٍ كَاهِنًا، وَاللَّهِ ما ننتظر إِلَّا مِثْلَ صَيْحَةِ الْحُبْلَى أَنْ يَقُومَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ، يَا رَجُلُ إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ جَمَعْنَا لَكَ حَتَّى تَكُونَ أَغْنَى قُرَيْشٍ رَجُلًا، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْبَاءَةُ فَاخْتَرْ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ شِئْتَ فَلَنُزَوِّجَنَّكَ عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرَغْتَ؟
قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ» حَتَّى بَلَغَ «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صاعقة عاد وثمود» فَقَالَ عُتْبَةُ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ مَا عِنْدَكَ غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ لَا، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّكُمْ تُكَلِّمُونَهُ بِهِ إِلَّا كَلَّمْتُهُ، فَقَالُوا: فَهَلْ أَجَابَكَ قَالَ: وَالَّذِي نَصَبَهَا بِنْيَةً مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ أَنْذَرَكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ، قَالُوا: وَيْلَكَ يُكَلِّمُكَ الرَّجُلُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَمَا تَدْرِي مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ». وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لما قرأ النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَتَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْمِ وَاعْصُونِي بَعْدَهُ، فو الله لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ كَلَامًا مَا سَمِعَتْ أُذُنِي قَطُّ كَلَامًا مِثْلَهُ، وَمَا دَرَيْتُ ما أرد عَلَيْهِ». وَفِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ تَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِ قُرَيْشٍ وَإِرْسَالِهِمْ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَتِلَاوَتِهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَيْهِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١ الى ١٤]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٤)وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩)
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤)
كِتابٌ فُصِّلَتْ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى إِضْمَارِ هَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يقال كتاب بدل من قوله تنزيل، ومِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ متعلق بتنزيل، وَمَعْنَى فُصِّلَتْ آياتُهُ: بُيِّنَتْ أَوْ جُعِلَتْ أَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةً، قَالَ قَتَادَةُ: فُصِّلَتْ بِبَيَانِ حَلَالِهِ مِنْ حَرَامِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَقَالَ سُفْيَانُ:
بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْكُلِّ. وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةً لِكِتَابٍ. وَقُرِئَ «فُصِلَتْ» بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: فَرَّقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَانْتِصَابُ قُرْآناً عَرَبِيًّا عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فُصِّلَتْ آيَاتُهُ حَالَ كَوْنِهِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ، وقيل: على المصدرية، أي: يقرؤه قُرْآنًا، وَقِيلَ:
مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفُصِّلَتْ، وَقِيلَ: عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فُصِّلَتْ، أَيْ: فَصَّلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أَيْ يَعْلَمُونَ مَعَانِيَهُ وَيَفْهَمُونَهَا: وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ. قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ أُخْرَى لِقُرْآنٍ، أَيْ: كَائِنًا لِقَوْمٍ أَوْ متعلق بفصلت، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ بَشِيراً وَنَذِيراً: صِفَتَانِ أُخْرَيَانِ لَقُرْآنًا، أَوْ حَالَانِ مِنْ كِتَابٍ، وَالْمَعْنَى: بَشِيرًا لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَنَذِيرًا لِأَعْدَائِهِ. وَقُرِئَ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُمَا صِفَةٌ لِكِتَابٍ، أَوْ خَبَرُ مبتدأ محذوف فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ المراد بأكثر هُنَا: الْكُفَّارُ، أَيْ: فَأَعْرَضَ الْكُفَّارُ عَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ النِّذَارَةِ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ سَمَاعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ أَيْ: فِي أَغْطِيَةٍ مِثْلَ الْكِنَانَةِ الَّتِي فِيهَا السِّهَامُ، فَهِيَ لَا تَفْقَهُ مَا تَقُولُ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا قَوْلُكَ، وَالْأَكِنَّةُ:
جَمْعُ كِنَانٍ، وَهُوَ الْغِطَاءُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْكِنَانُ لِلْقَلْبِ: كَالْجُنَّةِ لِلنُّبْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ أَيْ: صَمَمٌ، وَأَصْلُ الْوَقْرِ: الثِّقَلُ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ «وِقْرٌ» بِكَسْرِ الواو. وقرئ بفتح الواو والقاف، ومِنْ فِي وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحِجَابَ ابْتَدَأَ مِنَّا، وَابْتَدَأَ مِنْكَ، فَالْمَسَافَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ جِهَتِنَا وَجِهَتِكَ مُسْتَوْعَبَةٌ بِالْحِجَابِ لَا فَرَاغَ فِيهَا، وَهَذِهِ تَمْثِيلَاتٌ لِنُبُوِّ قُلُوبِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَقِّ، وَمَجِّ أَسْمَاعِهِمْ لَهُ، وَامْتِنَاعِ الْمُوَاصَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْمَلْ إِنَّنا
وَقِيلَ الْمَعْنَى: إِنِّي لَسْتُ بِمَلَكٍ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ دُونَكُمْ، فَصِرْتُ بِالْوَحْيِ نَبِيًّا، وَوَجَبَ عَلَيْكُمُ اتِّبَاعِي. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَّمَ رَسُولَهُ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ كَيْفَ يَتَوَاضَعُ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ عَدَّاهُ بِإِلَى لتضمنه معنى توجهوا، والمعنى: وجهوا استقامتكم وَلَا تَمِيلُوا عَنْ سَبِيلِهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ لِمَا فَرَطَ مِنْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ. ثُمَّ هَدَّدَ الْمُشْرِكِينَ وَتَوَعَّدَهُمْ فَقَالَ: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ:
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ: يَمْنَعُونَهَا وَلَا يُخْرِجُونَهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: لَا يَتَصَدَّقُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَةِ. وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ، لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا زَكَاةُ الْأَنْفُسِ وَتَطْهِيرُهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُنْفِقُونَ النَّفَقَاتِ، وَيَسْقُونَ الْحَجِيجَ وَيُطْعِمُونَهُمْ فَحَرَّمُوا ذَلِكَ عَلَى مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى لَا يُؤْتُونَ دَاخِلٌ مَعَهُ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ، أَيْ: مُنْكِرُونَ لِلْآخِرَةِ جَاحِدُونَ لَهَا، وَالْمَجِيءُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ لِقَصْدِ الْحَصْرِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أَيْ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ عَنْهُمْ، يُقَالُ مَنَّنْتُ الْحَبْلَ: إِذَا قَطَعْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَصْبَغِ الأودي:
إنّي لعمرك ما بابي بذي غلق | عَلَى الصَّدِيقِ وَلَا خَيْرِي بِمَمْنُونِ |
فَضْلَ الْجِيادِ عَلَى الْخَيْلِ الْبِطَاءِ فَلَا | يُعْطِي بِذَلِكَ مَمْنُونًا وَلَا نَزِقَا |
غُبْسٌ كَوَاسِبُ لَا يُمَنُّ طَعَامُهَا «١»
وَقَالَ مُجَاهِدٌ غَيْرَ مَمْنُونٍ: غَيْرَ مَحْسُوبٍ، وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا يُمَنُّ عَلَيْهِمْ بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُمَنُّ بِالتَّفَضُّلِ، فَأَمَّا الْأَجْرُ فَحَقٌّ أَدَاؤُهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْضَى، وَالزَّمْنَى، وَالْهَرْمَى إِذَا ضَعُفُوا عَنِ الطَّاعَةِ كُتِبَ لهم
لمعفّر قهد تنازع شلوه
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَقَ، أَيْ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ، أَيْ: جِبَالًا ثَوَابِتَ مِنْ فَوْقِهَا، وَقِيلَ: جُمْلَةُ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ غَيْرُ مَعْطُوفَةٍ عَلَى خَلَقَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْأَجْنَبِيِّ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْفَاصِلَةَ هِيَ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ التَّأْكِيدِ، وَمَعْنَى مِنْ فَوْقِها أَنَّهَا مُرْتَفِعَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا خَالَفَتْهَا بِاعْتِبَارِ الِارْتِفَاعِ، فَكَانَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَالْمُغَايِرَةِ لَهَا وَبارَكَ فِيها أَيْ: جَعَلَهَا مُبَارَكَةً كَثِيرَةَ الْخَيْرِ بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ لِلْعِبَادِ. قَالَ السُّدِّيُّ: أَنْبَتَ فِيهَا شَجَرَهَا وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: خَلَقَ فِيهَا أَنْهَارَهَا وَأَشْجَارَهَا وَدَوَابَّهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: قَدَّرَ فِيهَا أَرْزَاقَ أَهْلِهَا، وَمَا يَصْلُحُ لِمَعَايِشِهِمْ مِنَ التِّجَارَاتِ، وَالْأَشْجَارِ، وَالْمَنَافِعِ، جَعَلَ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي الْأُخْرَى لِيَعِيشَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالتِّجَارَةِ، وَالْأَسْفَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَمَعْنَى: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَيْ: فِي تَتِمَّةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِالْيَوْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمِثَالُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ خَرَجْتُ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَى الْكُوفَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَيْ: فِي تَتِمَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ حُصُولَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا بَعْدَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. وَانْتِصَابُ سَواءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْأَيَّامِ، أَيِ: اسْتَوَتْ سَوَاءً بِمَعْنَى اسْتِوَاءً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَصِبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الأرض، أو من الضمائر الراجعة إليها. قرأ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِ سَواءً وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والحسن، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِيسَى، وَيَعْقُوبُ، وَعَمْرُو بْنُ عبيد بخفضه على أنه صفة الأيام. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِرَفْعِهِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. قَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى فِي أَرْبَعَةِ أيام مستوية تامة، وقوله: لِلسَّائِلِينَ: متعلق بسواء، أَيْ: مُسْتَوِيَاتٍ لِلسَّائِلِينَ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الْحَصْرُ لِلسَّائِلِينَ فِي كَمْ خُلِقَتِ الْأَرْضُ وما فيها؟ أو متعلق بقدّر، أَيْ: قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا لِأَجْلِ الطَّالِبِينَ الْمُحْتَاجِينَ إِلَيْهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا سَوَاءً لِلْمُحْتَاجِينَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا ذكر كيفية خلقه للسموات فَقَالَ:
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أَيْ: عَمَدَ وَقَصَدَ نَحْوَهَا قَصْدًا سَوِيًّا. قَالَ الرَّازِيُّ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمُ: اسْتَوَى إِلَى مَكَانِ كَذَا: إِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ تَوَجُّهًا لَا يَلْتَفِتُ مَعَهُ إِلَى عَمَلٍ آخَرَ، وَهُوَ مِنَ الِاسْتِوَاءِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الِاعْوِجَاجِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمُ اسْتَقَامَ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ «١»، وَالْمَعْنَى: ثُمَّ دَعَاهُ داعي الحكمة إلى خلق
إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «١» فَالْكَلَامُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ لِتَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ وَاسْتِحَالَةِ امْتِنَاعِهَا قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أَيْ: أَتَيْنَا أَمْرَكَ منقادين ومعهما جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ لِخِطَابِهِمَا بِمَا يُخَاطَبُ بِهِ الْعُقَلَاءُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ فِيهِمَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَتَا كَمَا أَرَادَ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هُوَ تَمْثِيلٌ لِظُهُورِ الطَّاعَةِ مِنْهُمَا، وَتَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ فِيهِمَا فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ أَيْ: خَلَقَهُنَّ وَأَحْكَمَهُنَّ وَفَرَغَ مِنْهُنَّ. كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا | دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ «٢» |
خَلَقَ فِيهَا شَمْسَهَا، وَقَمَرَهَا، وَنُجُومَهَا، وَأَفْلَاكَهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، والبحار، والبرد، والثلوج. وقيل
(٢). البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و «الصّنع» : الحاذق.
(٣). الأعراف: ٥٤. [.....]
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها «٣» فَإِنَّ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ خَلْقَهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ:
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فَقِيلَ إِنَّ ثُمَّ فِي ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ لَيْسَتْ لِلتَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ بَلْ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ مِنْ أَصْلِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا لِلتَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ فَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ بِأَنَّ الْأَرْضَ خَلْقُهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَدَحْوُهَا بِمَعْنَى بَسْطِهَا هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ خَلْقِهَا فَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ خَلْقًا مُتَأَخِّرَةٌ دَحْوًا وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَعَلَّهُ يَأْتِي عِنْدَ تَفْسِيرِنَا لِقَوْلِهِ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِلْمَقَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ أَيْ: بِكَوَاكِبَ مُضِيئَةٍ مُتَلَأْلِئَةٍ عَلَيْهَا كَتَلَأْلُؤِ المصابيح، وَانتصاب حِفْظاً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَخَلَقْنَا الْمَصَابِيحَ زِينَةً وَحِفْظًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: فِي الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ تَكَلُّفٌ، وَعُدُولٌ عَنِ السَّهْلِ الْبَيِّنِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِفْظِ: حِفْظُهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيِ: الْبَلِيغِ الْقُدْرَةِ الْكَثِيرِ الْعِلْمِ فَإِنْ أَعْرَضُوا عَنِ التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ أَيْ: فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَنْذَرْتُكُمْ خَوَّفْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ أَيْ: عَذَابًا مِثْلَ عَذَابِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّاعِقَةِ الْعَذَابُ الْمُهْلِكُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الصَّاعِقَةُ الْمَرَّةُ الْمُهْلِكَةُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ صاعِقَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالسُّلَمِيُّ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ (صَعْقَةً) فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الصَّاعِقَةِ وَالصَّعْقَةِ فِي الْبَقَرَةِ، وَقَوْلُهُ:
إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ ظرف لأنذرتكم، أو لصاعقة، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْعَذَابِ، أَيْ: أَنْذَرْتُكُمُ الْعَذَابَ الْوَاقِعَ وَقْتَ مَجِيءِ الرُّسُلِ، أَوْ حَالٌ مِنْ صَاعِقَةِ عَادٍ. وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لِأَنَّ الْإِنْذَارَ لَمْ يَقَعْ وَقْتَ مَجِيءِ الرُّسُلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَهُ، وَكَذَلِكَ الصَّاعِقَةُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لَهَا، وَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بجاءتهم، أَيْ: جَاءَتْهُمْ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِمْ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى تَنْزِيلِ مَجِيءِ كَلَامِهِمْ مَنْزِلَةَ مَجِيئِهِمْ أَنْفُسِهِمْ، فَكَأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ جَاءُوهُمْ، وَخَاطَبُوهُمْ بِقَوْلِهِمْ: أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أَيْ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا عَلَى أَنَّهَا الْمَصْدَرِيَّةُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ التَّفْسِيرِيَّةَ أَوِ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا أَجَابُوا بِهِ عَلَى الرُّسُلِ فَقَالَ: قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً أَيْ: لَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْنَا، وَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْنَا بَشَرًا مِنْ جِنْسِنَا، ثُمَّ صَرَّحُوا بِالْكُفْرِ وَلَمْ يَتَلَعْثَمُوا، فَقَالُوا: فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أَيْ: كَافِرُونَ بِمَا تَزْعُمُونَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكُمْ إِلَيْنَا، لِأَنَّكُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا لَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْنَا، فَكَيْفَ اخْتَصَّكُمْ بِرِسَالَتِهِ دُونَنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ دَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ الدَّاحِضَةِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا في غير موضع.
(٢). المائدة: ١١١.
(٣). النازعات: ٣٠.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
إني لعمرك ما آبي بذي علق | على الصديق ولا خيري بممنون |
فضل الجواد على الخيل البطاقا | يعطى بذلك ممنوناً ولا مرقاً |
* عنسا كواسب لا يمنّ طعامها *
وقال مجاهد غير ممنون : غير محسوب. وقيل معنى الآية : لا يمن عليهم به لأنه إنما يمنّ بالتفضل، فأما الأجر فحقّ أداؤه. وقال السدّي : نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون فيه.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وعليهما مسرودتان قضاهما | داود إذ صبغ السوابغ تبع |
وقد استشكل الجمع بين هذه الآية، وبين قوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها ﴾ [ النازعات : ٣٠ ]، فإن ما في هذه الآية من قوله :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السماء ﴾ مشعر بأن خلقها متأخر عن خلق الأرض، وظاهره يخالف قوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها ﴾، فقيل : إن ﴿ ثم ﴾ في ﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السماء ﴾ ليست للتراخي الزماني بل للتراخي الرتبي، فيندفع الإشكال من أصله. وعلى تقدير أنها للتراخي الزماني، فالجمع ممكن بأن الأرض خلقها متقدّم على خلق السماء، ودحوها بمعنى بسطها، وهو أمر زائد على مجرّد خلقها، فهي متقدّمة خلقاً متأخرة دحواً، وهذا ظاهر، ولعله يأتي عند تفسيرنا لقوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها ﴾ زيادة إيضاح للمقام إن شاء الله :﴿ وَزَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ أي بكواكب مضيئة متلألئة عليها كتلؤلؤ المصابيح، وانتصاب ﴿ حافظا ﴾ على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف، أي وحفظناها حفظاً، أو على أنه مفعول لأجله على تقدير : وخلقنا المصابيح زينة وحفظاً، والأوّل أولى. قال أبو حبان : في الوجه الثاني هو تكلف، وعدول عن السهل البين، والمراد بالحفظ : حفظها من الشياطين الذين يسترقون السمع، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدّم ذكره ﴿ تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ أي البليغ القدرة الكثير العلم.
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال : إن الله تعالى خلق يوماً، فسماه الأحد، ثم خلق ثانياً، فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثاً، فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعاً، فسماه الأربعاء، ثم خلق خامساً، فسماه الخميس، وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام، وذكر نحو ما تقدّم» وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال : قال للسماء : أخرجي شمسك، وقمرك، ونجومك، وللأرض شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ائتيا ﴾ قال : أعطيا، وفي قوله :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ قال : أعطينا.
وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ قَالَ: لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَوْلِهِ: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قَالَ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالنَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنْهُ «أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النبيّ صلّى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات وَالْأَرْضِ، فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَمَا فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ، وَالْحَجَرَ، وَالْمَاءَ وَالْمَدَائِنَ، وَالْعُمْرَانَ وَالْخَرَابَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أيام، فقال تعالى قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ وَالْمَلَائِكَةَ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنْهُ، فَخَلَقَ مِنْ أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ الْآجَالَ حِينَ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ، وَفِي الثَّانِيَةِ: أَلْقَى فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: خَلَقَ آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ، قَالَتِ الْيَهُودُ:
ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ. قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ أَتْمَمْتَ، قَالُوا ثُمَّ استراح، فغضب النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَنَزَلَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ «١». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها قَالَ:
شَقَّ الْأَنْهَارَ، وَغَرَسَ الْأَشْجَارَ، وَوَضَعَ الْجِبَالَ، وَأَجْرَى الْبِحَارَ، وَجَعَلَ فِي هَذِهِ مَا لَيْسَ فِي هَذِهِ، وَفِي هَذِهِ مَا لَيْسَ فِي هَذِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ يَوْمًا فَسَمَّاهُ الْأَحَدَ، ثُمَّ خَلَقَ ثَانِيًا فَسَمَّاهُ الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ ثَالِثًا فَسَمَّاهُ الثُّلَاثَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ رَابِعًا فَسَمَّاهُ الْأَرْبِعَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ خَامِسًا فَسَمَّاهُ الْخَمِيسَ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إن لله فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ أَبِي بَكْرٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَ قَالَ لِلسَّمَاءِ: أَخْرِجِي شَمْسَكِ، وَقَمَرَكِ، وَنُجُومَكِ، وَلِلْأَرْضِ شَقِّقِي أَنْهَارَكِ، وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ائْتِيا قَالَ أَعْطِيَا وَفِي قَوْلِهِ:
قالَتا أَتَيْنا قَالَ: أعطينا.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٥ الى ٢٤]
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩)
حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤)
الْمُطْعِمُونَ إِذَا هَبَّتْ بِصَرْصَرَةٍ | وَالْحَامِلُونَ إِذَا اسْتَوْدَوْا عَنِ النَّاسِ |
لها عذر كقرون النّساء | رُكِّبْنَ فِي يَوْمِ رِيحٍ وَصَرِّ |
مُتَتَابِعَاتٌ، وَقِيلَ: شِدَادٌ، وَقِيلَ: ذَوَاتُ غُبَارٍ. قَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو نَحِساتٍ بِإِسْكَانِ
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أَيْ: بَيَّنَّا لَهُمْ سَبِيلَ النَّجَاةِ وَدَلَلْنَاهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، وَنَصْبِ الدَّلَالَاتِ لَهُمْ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَيَصَدِّقَ رُسُلَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى الْآيَةِ: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الْخَيْرِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا ثَمُودُ بِالرَّفْعِ وَمَنْعِ الصَّرْفِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ بِالرَّفْعِ وَالصَّرْفِ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ بِالنَّصْبِ وَالصَّرْفِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ هُرْمُزَ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ بِالنَّصْبِ وَالْمَنْعِ، فَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ بعد الْخَبَرُ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الِاشْتِغَالِ وَأَمَّا الصَّرْفُ فَعَلَى تَفْسِيرِ الِاسْمِ بِالْأَبِ أَوِ الْحَيِّ، وَأَمَّا الْمَنْعُ فَعَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْقَبِيلَةِ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أَيِ اخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ اخْتَارُوا الْعَمَى عَلَى الْبَيَانِ وَقَالَ السُّدِّيُّ:
اخْتَارُوا الْمَعْصِيَةَ عَلَى الطَّاعَةِ فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّاعِقَةَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمُهْلِكِ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْهُونُ: الْهَوَانُ وَالْإِهَانَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَصَابَهُمْ مَهْلِكُ الْعَذَابِ ذِي الْهَوَانِ أَوِ الْإِهَانَةِ، وَيُقَالُ عَذَابٌ هُونٌ: أَيْ مُهِينٌ كَقَوْلِهِ: مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ «٢» وَالْبَاءُ فِي بِما كانُوا يَكْسِبُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: بِسَبَبِ الَّذِي كَانُوا يَكْسِبُونَهُ، أَوْ بِسَبَبِ كَسْبِهِمْ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ وَهُمْ صَالِحٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ نَجَّاهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا عَاقَبَهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا ذَكَرَ مَا عَاقَبَهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ وَفِي وَصْفِهِمْ بِكَوْنِهِمْ أَعْدَاءَ اللَّهِ مُبَالَغَةٌ فِي ذَمِّهِمْ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ تَقْدِيرُهُ: يساق الناس يوم يحشر، أو باذكر، أَيِ: اذْكُرْ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُحْشَرُ بِتَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَرَفْعِ أَعْداءُ عَلَى النِّيَابَةِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ «نَحْشُرُ» بِالنُّونِ وَنَصْبِ أَعْدَاءٍ، وَمَعْنَى حَشْرِهِمْ إِلَى النَّارِ سَوْقُهُمْ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ، لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ عِنْدَهُ فَرِيقُ الْجَنَّةِ، وَفَرِيقُ النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ أَيْ: يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ لِيَتَلَاحَقُوا، وَيَجْتَمِعُوا، كَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ فِي سُورَةِ النمل مستوفى حَتَّى إِذا ما جاؤُها أَيْ: جَاءُوا النَّارَ الَّتِي حُشِرُوا إِلَيْهَا أَوْ مَوْقِفَ الْحِسَابِ وَمَا مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَعَاصِي. قَالَ مُقَاتِلٌ: تَنْطِقُ جَوَارِحُهُمْ بِمَا كَتَمَتِ الْأَلْسُنُ مِنْ عَمَلِهِمْ بِالشِّرْكِ، وَالْمُرَادُ بالجلود: هي جلودهم المعروفة في فول أكثر المفسرين. وقال السدّي، وعبيد بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِالْجُلُودِ الْفُرُوجَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا وَجْهُ تَخْصِيصِ الثَّلَاثَةِ بِالشَّهَادَةِ دُونَ غَيْرِهَا مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ أَنَّ الْحَوَاسَّ الْخَمْسَ: وَهِيَ السَّمْعُ، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، وآلة المس:
(٢). سبأ: ١٤.
مُسْتَأْنَفٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِكُمْ وَإِنْشَائِكُمُ ابْتِدَاءً قَدَرَ عَلَى إِعَادَتِكُمْ، وَرَجْعِكُمْ إِلَيْهِ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ هَذَا تَقْرِيعٌ لَهُمْ، وَتَوْبِيخٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَوْ مِنْ كَلَامِ الْجُلُودِ، أَيْ: مَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ عِنْدَ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ حَذَرًا مِنْ شَهَادَةِ الْجَوَارِحِ عَلَيْكُمْ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَخْفِيَ مِنْ جَوَارِحِهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ كَانَ مَعْنَى الِاسْتِخْفَاءِ هُنَا تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ مَعْنَى الِاسْتِتَارِ: الِاتِّقَاءُ، أَيْ: مَا كُنْتُمْ تَتَّقُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَتَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ خوفا من هذه الشهادة وأَنْ في قوله: أَنْ يَشْهَدَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْعِلَّةِ، أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ تَشْهَدَ، أَوْ: مَخَافَةَ أَنْ تَشْهَدَ. وَقِيلَ: مَنْصُوبَةٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَهُوَ الْبَاءُ، أَوْ عَنْ، أَوْ مِنْ. وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِتَارَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الظَّنِّ، أَيْ: وَمَا كُنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنْ تَشْهَدَ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنَ الْمَعَاصِي فَاجْتَرَأْتُمْ عَلَى فِعْلِهَا، قِيلَ: كَانَ الْكُفَّارُ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِنَا، وَلَكِنْ يَعْلَمُ مَا نُظْهِرُ دُونَ مَا نُسِرُّ. قَالَ قَتَادَةُ: الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالظَّنِّ مَعْنًى مَجَازِيٌّ يَعُمُّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ، وَمَا هُوَ فَوْقَهُ مِنَ الْعِلْمِ، وَالإشارة بِقَوْلِهِ: ذلِكُمْ إِلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ظَنِّهِمْ، وَهُوَ: مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ وَقَوْلُهُ: أَرْداكُمْ خَبَرٌ آخَرُ لِلْمُبْتَدَأِ، وَقِيلَ: إِنَّ أَرْدَاكُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ ظنكم بدل من ذلك، والذي ظننتم:
خبره، وأرداكم: خَبَرٌ آخَرُ، أَوْ: حَالٌ، وَقِيلَ: إِنَّ ظَنَّكُمْ خَبَرٌ أَوَّلُ، وَالْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ: خَبَرٌ ثَانٍ، وَأَرْدَاكُمْ:
خَبَرٌ ثَالِثٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ ظَنَّكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ، أَهْلَكَكُمْ وَطَرَحَكُمْ فِي النَّارِ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أَيِ: الْكَامِلِينَ في الخسران. ثم أخبر عن حَالِهِمْ فَقَالَ: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أَيْ: فَإِنْ يَصْبِرُوا عَلَى النَّارِ فَالنَّارُ مَثْوَاهُمْ، أَيْ: مَحَلُّ اسْتِقْرَارِهِمْ، وَإِقَامَتِهِمْ لَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا. وَقِيلَ الْمَعْنَى:
فَإِنْ يَصْبِرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ، فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ يُقَالُ أَعْتَبَنِي فُلَانٌ: أَيْ أَرْضَانِي بَعْدَ إِسْخَاطِهِ إِيَّايَ، وَاسْتَعْتَبْتُهُ: طَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يَرْضَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ إِنْ يَسْأَلُوا أَنْ يُرْجَعَ بِهِمْ إِلَى مَا يُحِبُّونَ لَمْ يُرْجَعْ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ. قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ اسْتَعْتَبْتُهُ فَأَعْتَبَنِي: أَيِ اسْتَرْضَيْتُهُ
المطعمون إذا هبت بصرصرة | والحاملون إذا استودوا عن الناس |
لها غرد كقرون النسا | ء ركبن في يوم ريح وصر |
وقيل المعنى : ما نطقنا باختيارنا، بل أنطقنا الله، والأوّل أولى ﴿ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ قيل هذا من تمام كلام الجلود. وقيل : مستأنف من كلام الله، والمعنى : أن من قدر على خلقكم، وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَهُمْ يُوزَعُونَ قَالَ: يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يُدْفَعُونَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: قُرَشِيٌّ وَثَقَفِيَّانِ، أَوْ ثَقَفِيٌّ وَقُرَشِيَّانِ، كَثِيرٌ لَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَمْ أَسْمَعْهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا هَذَا؟ فَقَالَ الْآخَرَانِ:
إِنَّا إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا سَمِعَهُ وَإِنَّا إِذَا لَمْ نَرْفَعْهُ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَقَالَ الْآخَرَانِ: إِنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا سَمِعَهُ كُلَّهُ قَالَ:
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: مِنَ الْخاسِرِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُونَ هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ، مُشَاةً وَرُكْبَانًا، وَعَلَى وُجُوهِكُمْ، وَتُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، وَأَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَتِفُهُ»، وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ قَوْمًا قَدْ أَرْدَاهُمْ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ»، فَقَالَ اللَّهُ: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢٥ الى ٣٦]
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤)
وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)
الْغَوْا فِيهِ بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَالتَّصْفِيقِ وَالتَّخْلِيطِ فِي الْكَلَامِ حَتَّى يَصِيرَ لَغْوًا وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَكْثِرُوا الْكَلَامَ لِيَخْتَلِطَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: قَعُوا فِيهِ وَعِيبُوهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَالْغَوْا بِفَتْحِ الْغَيْنِ، مِنْ لَغَا إِذَا تَكَلَّمَ بِاللَّغْوِ، وَهُوَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، أَوْ مِنْ لَغَى بِالْفَتْحِ يَلْغَى بِالْفَتْحِ أَيْضًا كَمَا حَكَاهُ الأخفش، وقرأ عيسى بن عمر الجحدري، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَبَكْرُ بْنُ حبيب السهمي، وقتادة، وأبو السمّال، وَالزَّعْفَرَانِيُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي اللَّغْوِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ أَيْ: لِكَيْ تَغْلِبُوهُمْ فَيَسْكُتُوا.
ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ سُبْحَانَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَهَذَا وَعِيدٌ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الَّذِينَ السِّيَاقُ مَعَهُمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أَيْ: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ جَزَاءَ أَقْبَحِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَهُوَ الشِّرْكُ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يُجَازِيهِمْ بمساوي أَعْمَالِهِمْ لَا بِمَحَاسِنِهَا كَمَا يَقَعُ مِنْهُمْ مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَإِكْرَامِ الضَّيْفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا أَجْرَ لَهُ مَعَ كُفْرِهِمْ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ: مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ، أَوْ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ: الْأَمْرُ ذَلِكَ، وَجُمْلَةُ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى،
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ، وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَمِلُوا عَلَى وِفَاقِ مَا قَالُوا. وَقَالَ الرَّبِيعُ: أَعْرَضُوا عَمَّا سِوَى اللَّهِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: زَهِدُوا فِي الْفَانِيَةِ، وَرَغِبُوا فِي الْبَاقِيَةِ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْبُشْرَى الَّتِي يُرِيدُونَهَا مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ، أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، أَوْ رَفْعِ حُزْنٍ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِلْبَعْثِ. وَقَالَ وَكِيعٌ:
الْبُشْرَى فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْمَوْتِ، وفي القبر، وعند البعث أَلَّا أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ أو المفسرة أو الناصبة، ولا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ نَاهِيَةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ نَافِيَةٌ، وَالْمَعْنَى: لَا تَخَافُوا مِمَّا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَمَالٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَخَافُوا الْمَوْتَ وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلِيفَتُكُمْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا تَخَافُوا رَدَّ ثَوَابِكُمْ فَإِنَّهُ مَقْبُولٌ، وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبِكُمْ فَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكُمْ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَخْصِيصِ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَعَدَمُ تَقْيِيدِ نَفْيِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ حَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ فِي الْجَمِيعِ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكُمْ وَاصِلُونَ إِلَيْهَا مُسْتَقِرُّونَ بِهَا خَالِدُونَ فِي نَعِيمِهَا. ثُمَّ بَشَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَالَ: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
أَيْ: نَحْنُ الْمُتَوَلُّونَ لِحِفْظِكُمْ، وَمَعُونَتِكُمْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ وَلِيَّهُ فَازَ بِكُلِّ مَطْلَبٍ وَنَجَا مِنْ كُلِّ مَخَافَةٍ.
مِنْ صُنُوفِ اللَّذَّاتِ وَأَنْوَاعِ النِّعَمِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ
أَيْ: مَا تَتَمَنَّوْنَ، افْتِعَالٌ مِنَ الدُّعَاءِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى هَذَا فِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ مُسْتَوْفًى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى بِاعْتِبَارِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَالثَّانِيَةَ بِاعْتِبَارِ مَا يَطْلُبُونَهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ أَوَّلًا. وَقَالَ الرَّازِيُّ: الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
إِشَارَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ الْآيَةَ، وَانْتِصَابُ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَوْصُولِ، أَوْ مِنْ عَائِدِهِ، أَوْ مِنْ فَاعِلِ تَدْعُونَ، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لفعل محذوف، أي: أنزلناه نزلا، والنزل: ما يعدّلهم حَالَ نُزُولِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ وَالضِّيَافَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ أَيْ:
إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُؤْمِنُ أَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَعَمِلَ صالِحاً فِي إِجَابَتِهِ وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِرَبِّي. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَمُجَاهِدٌ:
نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ. وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالْأَذَانُ إِنَّمَا شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَيَدْخُلُ فِيهَا مَنْ كَانَ سَبَبًا لِنُزُولِهَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا، فَكُلُّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ دُعَاءِ الْعِبَادِ إِلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ، وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، وَهُوَ تَأْدِيَةُ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مَعَ اجْتِنَابِ مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دِينًا لَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَلَا أَوْضَحُ مِنْ طَرِيقَتِهِ، وَلَا أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ عَمَلِهِ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ وَمُسَاوِيهَا فَقَالَ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ أَيْ: لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ الَّتِي يَرْضَى اللَّهُ بِهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، وَلَا السَّيِّئَةُ الَّتِي يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهَا، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْحَسَنَةِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، وَتَخْصِيصِ السَّيِّئَةِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّ اللَّفْظَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ التَّوْحِيدُ، وَالسَّيِّئَةُ الشرك. وقيل: الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة. وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ الْعَفُو، وَالسَّيِّئَةُ: الِانْتِصَارُ.
وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ الْعِلْمُ، وَالسَّيِّئَةُ: الْفُحْشُ. قَالَ الْفَرَّاءُ لَا فِي قَوْلِهِ: وَلَا السَّيِّئَةُ زَائِدَةٌ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيِ: ادْفَعِ السَّيِّئَةَ إِذَا جَاءَتْكَ مِنَ الْمُسِيءِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَمِنْهُ مُقَابَلَةُ الْإِسَاءَةِ بِالْإِحْسَانِ، وَالذَّنْبِ بِالْعَفْوِ، وَالْغَضَبِ بِالصَّبْرِ، وَالْإِغْضَاءِ عَنِ الْهَفَوَاتِ، وَالِاحْتِمَالِ لِلْمَكْرُوهَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: يَعْنِي بِالسَّلَامِ إِذَا لَقِيَ مَنْ يُعَادِيهِ، وَقِيلَ: بِالْمُصَافَحَةِ عِنْدَ التَّلَاقِي فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ هَذِهِ هِيَ الْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنَ الدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَالْمَعْنَى:
أَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ الدَّفْعَ صَارَ الْعَدُوُّ كَالصَّدِيقِ، وَالْبَعِيدُ عَنْكَ كَالْقَرِيبِ مِنْكَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ كَانَ مُعَادِيًا للنبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَصَارَ لَهُ وَلِيًّا بِالْمُصَاهَرَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَصَارَ وَلِيًّا فِي الإسلام حميما بالصهارة، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا مَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي يُلَقَّاهَا عَائِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُلَقَّاها مِنَ التَّلْقِيَةِ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَابْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ «يُلَاقَاهَا» مِنَ الْمُلَاقَاةِ.
ثُمَّ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ النَّزْغُ شَبِيهُ النَّخْسِ، شَّبَّهَ بِهِ الْوَسْوَسَةَ لِأَنَّهَا تَبْعَثُ عَلَى الشَّرِّ وَالْمَعْنَى: وَإِنْ صَرَفَكَ الشَّيْطَانُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا شَرَعَهُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ عَنِ الدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَجُعِلَ النَّزْغُ نَازِغًا عَلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ كَقَوْلِهِمْ: جَدُّ جَدِّهِ، وَجُمْلَةُ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيِ: السَّمِيعُ لِكُلِّ مَا يُسْمَعُ، وَالْعَلِيمُ بِكُلِّ مَا يُعْلَمُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُعِيذُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطْرُدُونَ النَّاسَ عَنْهُ وَيَقُولُونَ لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ وَكَانَ إِذَا أَخْفَى قِرَاءَتَهُ لَمْ يَسْمَعْ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها «١» وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَالَ: هُوَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ وَإِبْلِيسُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قَالَ: قَدْ قَالَهَا نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ، فَمَنْ قَالَهَا حِينَ يَمُوتُ فَهُوَ مِمَّنِ اسْتَقَامَ عَلَيْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وِالْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قَالَ: الِاسْتِقَامَةُ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ وعبد بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا، والَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالُوا: الَّذِينَ قالوا ربنا الله ثم عملوا بها وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ فَلَمْ يُذْنِبُوا، وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ: لَمْ يُذْنِبُوا. قَالَ: لَقَدْ حَمَلْتُمُوهُمَا عَلَى أَمْرٍ شَدِيدٍ. الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ- يقول بشرك، والذين قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ اسْتَقامُوا قَالَ: عَلَى شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ بن حميد، والحكيم
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وعلى الثلاثة الوجوه الأولى تكون جملة لهم فيها دار الخلد مستأنفة مقرّرة لما قبلها، ومعنى دار الخلد : دار الإقامة المستمرة التي لا انقطاع لها ﴿ جَزَاء أَعْدَاء الله النار لَهُمْ ﴾ أي يجزون جزاء بسبب جحدهم بآيات الله. قال مقاتل : يعني القرآن يجحدون أنه من عند الله، وعلى هذا يكون التعبير عن اللغو بالجحود لكونه سبباً له، إقامة للسبب مقام المسبب.
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
قال مجاهد : لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم، فإن الله خليفتكم عليهم. وقال عطاء : لا تخافوا ردّ ثوابكم فإنه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم، فإني أغفرها لكم. والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين، وعدم تقييد نفي الخوف، والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق في الجميع ﴿ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ بها في الدنيا، فإنكم واصلون إليها مستقرّون بها خالدون في نعيمها.
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عديّ، وابن مردويه عن أنس قال :«قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت، فهو ممن استقام عليها». وأخرج ابن المبارك، وعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾، و﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] ؟ قالوا : الذين قالوا : ربنا الله، ثم عملوا بها، واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا، قال : لقد حملتموهما على أمر شديد ﴿ الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ ﴾ يقول : بشرك، والذين قالوا : ربنا الله، ثم استقاموا، فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن سفيان الثقفي، أن رجلاً قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : قل آمنت بالله، ثم استقم، قلت : فما أتقي ؟ فآوى إلى لسانه. قال الترمذي : حسن صحيح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وَعَمِلَ صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلاّ في المؤذنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوّهم ﴿ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾. وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ ﴾ قال : القه بالسلام، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه وليّ حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه، فيقول : إن كنت صادقاً، فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً، فغفر الله لك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدّ غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ فقال الرجل : أمجنون تراني ؟، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾».
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ قَالَتِ: الْمُؤَذِّنُ وَعَمِلَ صالِحاً قَالَتْ: رَكْعَتَانِ فِيمَا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا قَالَتْ: مَا أَرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إلا في الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قَالَ: أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُّوهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا قَالَ: الرَّجُلُ يَشْتُمُهُ أَخُوهُ فَيَقُولُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَغَفَرَ اللَّهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ غَضَبُ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ:
الرَّجُلُ: أَمْجَنُونٌ تَرَانِي؟ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من الشّيطان الرجيم».
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣٧ الى ٤٤]
وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١)
لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) مَا يُقالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤)
شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي بَيَانِ بَعْضِ آيَاتِهِ الْبَدِيعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَقُوَّةِ تَصَرُّفِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى تَوْحِيدِهِ فَقَالَ: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ نَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الشَّمْسِ
أَيْ: خَلَقَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ، لِأَنَّ جَمْعَ مَا لَا يَعْقِلُ حُكْمُهُ حُكْمُ جَمْعِ الْإِنَاثِ، أَوِ الْآيَاتِ، أَوِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ قِيلَ: كَانَ نَاسٌ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَالصَّابِئِينَ فِي عِبَادَتِهِمُ الْكَوَاكِبَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِالسُّجُودِ لَهُمَا السُّجُودَ لِلَّهِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذِكْرِ السُّجُودِ بِالنَّهْيِ عنه. وقيل: وجه تخصيصه أنه أَقْصَى مَرَاتِبِ الْعِبَادَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ آيَاتِ السجود بلا خلاف، وإنما اختلفوا في موضع السَّجْدَةِ، فَقِيلَ مَوْضِعُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأَمْرِ، وَقِيلَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ أَيْ: إِنِ اسْتَكْبَرَ هَؤُلَاءِ عَنِ الِامْتِثَالِ فَالْمَلَائِكَةُ يُدِيمُونَ التَّسْبِيحَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَمَلُّونَ وَلَا يَفْتُرُونَ وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً الْخِطَابُ هُنَا لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِرَسُولِ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَالْخَاشِعَةُ: الْيَابِسَةُ الْجَدْبَةُ. وَقِيلَ: الْغَبْرَاءُ الَّتِي لَا تَنْبُتُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِذَا يَبِسَتِ الْأَرْضُ وَلَمْ تُمْطِرْ قِيلَ: قَدْ خَشَعَتْ فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ أَيْ: مَاءَ الْمَطَرِ، وَمَعْنَى اهْتَزَّتْ:
تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ، يُقَالُ اهْتَزَّ الْإِنْسَانُ: إِذَا تَحَرَّكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَرَاهُ كَنَصْلِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى | إِذَا لَمْ تَجِدْ عِنْدَ امْرِئِ السُّوءِ مَطْعَمَا |
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: حَمْزَةُ، وَقِيلَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ هَذَا أَمْرُ تَهْدِيدٍ، أَيِ: اعْمَلُوا مِنْ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي تُلْقِيكُمْ فِي النَّارِ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ
وَقِيلَ: لَا يُزَادُ فِيهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، لَا مِنْ جِبْرِيلَ، وَلَا مِنْ محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ هُوَ خَبَرٌ مبتدأ مَحْذُوفٍ، أَوْ صِفَةٌ أُخْرَى لِكِتَابٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَقْدِيمَ غَيْرِ الصَّرِيحِ مِنَ الصِّفَاتِ عَلَى الصَّرِيحِ، وَقِيلَ:
إِنَّهُ الصِّفَةُ لِكِتَابٍ، وَجُمْلَةُ لَا يَأْتِيهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ سَلَّى سبحانه رسوله صلّى الله عليه وسلم عن مَا كَانَ يَتَأَثَّرُ لَهُ مِنْ أَذِيَّةِ الْكُفَّارِ فَقَالَ: مَا يُقالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ أَيْ: مَا يُقَالُ لَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنْ وَصْفِكَ بِالسِّحْرِ وَالْكَذِبِ وَالْجُنُونِ إِلَّا مِثْلُ مَا قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ مِثْلَ مَا يَقُولُ لَكَ هَؤُلَاءِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: مَا يُقَالُ لَكَ مِنَ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، فَإِنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مَغْفِرَتَهُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ بَايَعُوكَ، وَبَايَعُوا مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ لِلْكُفَّارِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُعَادِينَ لِرُسُلِ اللَّهِ، وَقِيلَ: لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَذُو عِقَابٍ لِأَعْدَائِهِمْ وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا أي: لو جعلنا هذا القرآن الذي تقرؤه عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ أَيْ: بُيِّنَتْ بِلُغَتِنَا فَإِنَّنَا عَرَبٌ لَا نَفْهَمُ لُغَةَ الْعَجَمِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ:
ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ لِلْإِنْكَارِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: لَقَالُوا أَكَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ وَرَسُولٌ عَرَبِيٌّ.
وَالْأَعْجَمِيُّ: الَّذِي لَا يُفْصِحُ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ أَوْ مِنَ الْعَجَمِ. وَالْأَعْجَمُ ضِدُّ الْفَصِيحِ: وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَيِّنُ كَلَامَهُ، وَيُقَالُ لِلْحَيَوَانِ غَيْرِ النَّاطِقِ: أَعْجَمٌ. قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «ء أعجميّ» بِهَمْزَتَيْنِ مُحَقَّقَتَيْنِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وَهِشَامٌ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ بَيْنَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ: هَلَّا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ فَجُعِلَ بَعْضُهَا أَعْجَمِيًّا لِإِفْهَامِ الْعَجَمِ، وَبَعْضُهَا عَرَبِيًّا لِإِفْهَامِ الْعَرَبِ. ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَهُمْ فَقَالَ: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ أَيْ: يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى الْحَقِّ، وَيَشْتَفُونَ بِهِ مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ، وَمِنَ الْأَسْقَامِ وَالْآلَامِ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ
تراه كنصل السيف يهتزّ للندى | إذا لم تجد عند امرئ السوء مطعما |
قال مجاهد : معنى الآية : يميلون عن الإيمان بالقرآن. وقال مجاهد : يميلون عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغو والغناء. وقال قتادة : يكذبون في آياتنا. وقال السدّي : يعاندون ويشاقون. وقال ابن زيد : يشركون ﴿ لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾ بل نحن نعلمهم، فنجازيهم بما يعملون. ثم بيّن كيفية الجزاء، والتفاوت بين المؤمن والكافر، فقال :﴿ أَفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة ﴾ هذا الاستفهام للتقرير، والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار، وأن المؤمنين بها يأتون آمنين يوم القيامة. وظاهر الآية العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقيل : المراد بمن يلقى في النار : أبو جهل، ومن يأتي آمنا : النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : حمزة، وقيل : عمر بن الخطاب. وقيل : أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ﴿ اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ هذا أمر تهديد، أي : اعملوا من أعمالكم التي تلقيكم في النار ما شئتم إنه بما تعملون بصير، فهو مجازيكم على كل ما تعملون. قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم، فقال :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء ﴾ أي : يهتدون به إلى الحق، ويشتفون به من كل شك وشبهة، ومن الأسقام والآلام ﴿ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ ﴾ أي : صمم عن سماعه، وفهم معانيه، ولهذا تواصوا باللغو فيه ﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ قال قتادة : عموا عن القرآن وصموا عنه. وقال السدّي : عميت قلوبهم عنه، والمعنى : وهو عليهم ذو عمى، أو وصف بالمصدر للمبالغة، والموصول في قوله :﴿ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ مبتدأ، وخبره ﴿ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ ﴾، أو الموصول الثاني عطف على الموصول الأوّل، ووقر عطف على هدى عند من جوّز العطف على عاملين مختلفين، والتقدير : هو للأوّلين هدى وشفاء، وللآخرين وقر في آذانهم. قرأ الجمهور :﴿ عمى ﴾ بفتح الميم منونّة على أنه مصدر، وقرأ ابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعمرو بن العاص، وابن عمر بكسر الميم منونّة على أنه اسم منقوص على أنه وصف به مجازاً. وقرأ عمرو بن دينار بكسر الميم، وفتح الياء على أنه فعل ماض، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لقوله أوّلاً :﴿ هدى وشفاء ﴾، ولم يقل هاد وشاف. وقيل المعنى : والوقر عليهم عمى، والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الذين لا يؤمنون، وما في حيزه، وخبره :﴿ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ مثل حالهم باعتبار عدم فهمهم للقرآن بحال من ينادي من مسافة بعيدة لا يسمع صوت من يناديه منها. قال الفراء : تقول للرجل الذي لا يفهم كلامك : أنت تنادي من مكان بعيد. وقال الضحاك : ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من مكان بعيد. وقال مجاهد : من مكان بعيد من قلوبهم.
الْمَوْصُولُ الثَّانِي عُطِفَ عَلَى الْمَوْصُولِ الْأَوَّلِ، وَوَقْرٌ: عُطِفَ عَلَى هُدًى عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الْعَطْفَ عَلَى عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ لِلْأَوَّلِينَ هُدًى وَشِفَاءٌ، وَلِلْآخِرِينَ وَقْرٌ فِي آذَانِهِمْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ عَمًى بِفَتْحِ الْمِيمِ مُنَوَّنَةً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُ عُمَرَ: بِكَسْرِ الْمِيمِ مُنَوَّنَةً عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مَنْقُوصٌ عَلَى أَنَّهُ وُصِفَ بِهِ مَجَازًا. وَقَرَأَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى لِقَوْلِهِ أَوَّلًا هُدىً وَشِفاءٌ وَلَمْ يَقُلْ: هَادٍ وَشَافٍ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَالْوَقْرُ عَلَيْهِمْ عَمًى، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَمَا فِي حَيِّزِهِ، وَخَبَرُهُ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ مَثَّلَ حَالَهُمْ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ بِحَالِ مَنْ يُنَادَى مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لَا يَسْمَعُ صَوْتَ مَنْ يُنَادِيهِ مِنْهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَفْهَمُ كَلَامَكَ أَنْتَ تُنَادَى مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُنَادَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِآخِرِ الْآيَتَيْنِ مِنْ حم السَّجْدَةِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَسْجُدُ بِالْأُولَى مِنْهُمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِالْأُولَى. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قَالَ: هُوَ أَنْ يَضَعَ الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَأَخْرَجَ ابن مردويه فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ قَالَ:
أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ تَمِيمٍ قال: نزلت هذه الآية في أبي جهل، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قَالَ: هَذَا لِأَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا الْآيَةَ يَقُولُ: لَوْ جَعَلْنَا الْقُرْآنَ أَعْجَمِيًّا وَلِسَانُكَ يَا مُحَمَّدُ عَرَبِيٌّ لَقَالُوا أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ تَأْتِينَا بِهِ مُخْتَلِفًا أَوْ مُخْتَلِطًا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ هَلَّا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ فَكَانَ الْقُرْآنُ مِثْلَ اللِّسَانِ. يَقُولُ: فَلَمْ نفعل لئلا يقولوا فكانت حجة عليهم.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٤٥ الى ٥٤]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)
الْمُوقِعِ فِي الرِّيبَةِ، أَوِ الشَّدِيدِ الرِّيبَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ الْيَهُودُ، وَأَنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِنَ التَّوْرَاةِ مُرِيبٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ أَيْ: مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَآمَنَ بِرَسُولِهِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ فَثَوَابُ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ وَنَفْعُهُ خَاصٌّ بِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أَيْ: عِقَابُ إِسَاءَتِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَلَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بِذَنْبِهِ، وَلَا يَقَعُ مِنْهُ الظُّلْمُ لِأَحَدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً «٢» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «٣» وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ أَيْضًا. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عِلْمَ الْقِيَامَةِ، وَوَقْتَ قِيَامِهَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ فَإِذَا وقع السؤال عنها وجب على المسؤول أَنْ يَرُدَّ عِلْمَهَا إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَخَبِّرْنَا مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ فنزلت، وما فِي قَوْلِهِ: وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها نافية، ومن الأولى للاستغراق، ومن الثَّانِيَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مَوْصُولَةٌ فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى السَّاعَةِ، أَيْ: عِلْمُ السَّاعَةِ وَعِلْمُ الَّتِي تَخْرُجُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْأَكْمَامُ جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَهُوَ وِعَاءُ الثَّمَرَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ظَرْفٍ لِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَكْمَامُهَا أَوْعِيَتُهَا، وَهِيَ مَا كَانَتْ فِيهِ الثَّمَرَةُ وَاحِدُهَا كِمٌّ وَكِمَّةٌ. قَالَ الرَّاغِبُ: الْكُمُّ مَا يُغَطِّي الْيَدَ مِنَ الْقَمِيصِ، وَمَا يُغَطِّي الثَّمَرَةَ، وَجَمْعُهُ أَكْمَامٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُمَّ بِضَمِّ الْكَافِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ كُمِّ الْقَمِيصِ، وَكُمِّ الثَّمَرَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ أَنَّهُ بِالضَّمِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فِي الْكِمِّ الَّذِي هُوَ وِعَاءُ الثَّمَرِ لُغَتَيْنِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «مِنْ ثَمَرَةٍ» بِالْإِفْرَادِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ بِالْجَمْعِ وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ أي: ما تحمل أنثى حملا
(٢). يونس: ٤٤.
(٣). آل عمران: ١٨٢.
آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ | رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ |
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي | وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ |
الْقُرْآنُ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ أَيْ: كَذَّبْتُمْ بِهِ، وَلَمْ تَقْبَلُوهُ، وَلَا عَمِلْتُمْ بِمَا فِيهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أَيْ: لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْكُمْ لِفَرْطِ شَقَاوَتِكُمْ، وَشِدَّةِ عَدَاوَتِكُمْ، وَالْأَصْلُ: أَيُّ شَيْءٍ أَضَلُّ مِنْكُمْ، فَوُضِعَ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِبَيَانِ حَالِهِمْ فِي الْمُشَاقَّةِ، وَأَنَّهَا السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي ضَلَالِهِمْ سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ أَيْ: سَنُرِيهِمْ دَلَالَاتِ صِدْقِ الْقُرْآنِ، وَعَلَامَاتِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ الْآفَاقُ: جَمْعُ أُفُقٍ: وَهُوَ النَّاحِيَةُ. وَالْأُفُقُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ والفاء، كذا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَنَقَلَ الرَّاغِبُ أَنَّهُ يُقَالُ أَفَقٌ بِفَتْحِهِمَا، وَالْمَعْنَى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي النَّوَاحِي وفي أنفسهم. قال ابن زيد: في الآفاق آيات السماء، وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَوَادِثَ الْأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي الْآفَاقِ فَتْحُ الْقُرَى الَّتِي يَسَّرَ اللَّهُ فَتْحَهَا لرسوله وللخلفاء من بعده ونصّار دِينِهِ فِي آفَاقِ الدُّنْيَا شَرْقًا وَغَرْبًا، وَمِنَ الظُّهُورِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ: فَتْحِ مَكَّةَ، وَرَجَّحَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: فِي الْآفَاقِ: وَقَائِعِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: في الآفاق: يعني أقطار السموات وَالْأَرْضِ، مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالنُّجُومِ وَاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَالرِّيَاحِ، وَالْأَمْطَارِ، وَالرَّعْدِ، وَالْبَرْقِ، وَالصَّوَاعِقِ، وَالنَّبَاتِ، وَالْأَشْجَارِ، وَالْجِبَالِ، وَالْبِحَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ لَطِيفِ الصَّنْعَةِ، وَبَدِيعِ الْحِكْمَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ «١». حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: إِلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: إِلَى مَا يُرِيهِمُ اللَّهُ، وَيَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الرَّسُولُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ الْجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لِتَوْبِيخِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ
وقيل المعنى: أو لم يَكْفِ بِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى أعمال الكفار. وقيل: أو لم يَكْفِ بِرَبِّكَ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِهِ، وَالشَّهِيدُ: بِمَعْنَى الْعَالِمِ، أَوْ هُوَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ الْحُضُورُ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
وَمَعْنَى الْكِنَايَةِ هَاهُنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي الدلالة، والمعنى: أو لم يَكْفِ رَبَّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ شَاهِدٌ لِلْأَشْيَاءِ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَيْ: فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، وَأَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ، يُقَالُ أَحَاطَ يُحِيطُ إِحَاطَةً وَحِيطَةً، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِأَنَّ مَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ جَازَى الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي قَوْلِهِ: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ حِينٌ وَأَجَلٌ هُمْ بَالِغُوهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها قَالَ: حِينَ تَطْلُعُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: آذَنَّاكَ قَالَ: أَعْلَمْنَاكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ قَالَ: لَا يَمَلُّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قَالَ: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: مَا يَفْتَحُ اللَّهُ مِنَ الْقُرَى وَفِي أَنْفُسِهِمْ قَالَ:
فَتْحُ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: أَمْسَكَ الْمَطَرَ عَنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا وَفِي أَنْفُسِهِمْ قَالَ: الْبَلَايَا الَّتِي تَكُونُ فِي أَجْسَامِهِمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانُوا يُسَافِرُونَ فَيَرَوْنَ آثَارَ عَادٍ وَثَمُودَ، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَ مُحَمَّدٌ. وما أراهم في أنفسهم: قال الأمراض.
قرأ الجمهور :﴿ شركائي ﴾ بسكون الياء، وقرأ ابن كثير بفتحها، والعامل في يوم محذوف، أي اذكر ﴿ قَالُواْ ءاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ﴾ يقال : آذن يأذن : إذا أعلم، ومنه قول الشاعر :
آذنتنا ببينها أسماء | ربّ ثاو يمل منه الثواء |
قال مجاهد : معناهد هذا بعملي وأنا محقوق به ﴿ وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً ﴾ أي ما أظنها تقوم كما يخبرنا به الأنبياء، أو لست على يقين من البعث، وهذا خاص بالكافرين والمنافقين، فيكون المراد بالإنسان المذكور في صدر الآية : الجنس باعتبار غالب أفراده، لأن اليأس من رحمة الله، والقنوط من خيره، والشك في البعث لا يكون إلاّ من الكافرين، أو المتزلزلين في الدين المتظهرين بالإسلام المبطنين للكفر ﴿ وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّي ﴾ على تقدير صدق ما يخبرنا به الأنبياء : من قيام الساعة، وحصول البعث، والنشور ﴿ إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى ﴾ أي للحالة الحسنى من الكرامة، فظنّ أنه استحق خير الدنيا بما فيه من الخير، واستحق خير الآخرة بذلك الذي اعتقده في نفسه، وأثبته لها، وهو : اعتقاد باطل، وظنّ فاسد ﴿ فَلَنُنَبّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ أي : لنخبرنهم بها يوم القيامة ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ شديد بسبب ذنوبهم، واللام هذه والتي قبلها هي الموطئة للقسم.
فإنك كالليل الذي هو مدركي | وإن خلت أن المنتأى عنك واسع |
ونقل الراغب أنه يقال : أفق بفتحهما، والمعنى سنريهم آياتنا في النواحي وفي أنفسهم. قال ابن زيد : في الآفاق آيات السماء، وفي أنفسهم حوادث الأرض. وقال مجاهد : في الآفاق فتح القرى التي يسر الله فتحها لرسوله وللخلفاء من بعده، ونصار دينه في آفاق الدنيا شرقاً وغرباً، ومن الظهور على الجبابرة والأكاسرة، وفي أنفسهم فتح مكة، ورجح هذا ابن جرير. وقال قتادة والضحاك : في الآفاق وقائع الله في الأمم، وفي أنفسهم في يوم بدر. وقال عطاء : في الآفاق يعني : أقطار السماوات والأرض من الشمس، والقمر، والنجوم، والليل، والنهار، والرياح، والأمطار، والرعد، والبرق، والصواعق، والنبات، والأشجار، والجبال، والبحار، وغير ذلك، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة، وبديع الحكمة، كما في قوله :﴿ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٢١ ] ﴿ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق ﴾ الضمير راجع إلى القرآن. وقيل إلى الإسلام الذي جاءهم به رسول الله. وقيل : إلى ما يريهم الله، ويفعل من ذلك. وقيل : إلى محمد صلى الله عليه وسلم أنه الرسول الحق من عند الله، والأول أولى ﴿ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ ﴾ الجملة مسوقة لتوبيخهم وتقريعهم، و﴿ بربك ﴾ في موضع رفع على أنه الفاعل ؛ ليكف والباء زائدة، و﴿ أنه ﴾ بدل من ربك، والهمزة للإنكار. والمعنى : ألم يغنهم عن الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن أنه سبحانه شهيد على جميع الأشياء. وقيل المعنى : أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار. وقيل : أو لم يكف بربك شاهداً على أن القرآن منزل من عنده. والشهيد بمعنى : العالم، أو هو بمعنى : الشهادة التي هي الحضور. قال الزجاج : ومعنى الكناية هاهنا : أن الله عزّ وجلّ قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة، والمعنى أو لم يكف ربك أنه على كل شيءٍ شهيد شاهد للأشياء لا يغيب عنه شيء.