ﰡ
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ... (٥)﴾
قال ابن عرفة: هذه إشارة إلى إنكارهم الدليل العقلي الدال على وجود الله ووحدانيته.
قال الشيخ: اليوم قطعة من الزمان.
فإن قلنا: الزمان حركة الفلك فما معني اليومين إذ ذاك، فإن قلت: الزمان عبارة عن مقارنة حادث لحادث ولا يلزم عليه ما ذكرت، قلت: ذلك كلام خرج من قائله على غير تحصيله وإلا فيلزم إن كان زمان مضى زمان أصلا؛ لأنه قد انقضى ولم [يزل*] الحادثان، ويلزم أن نكون نحن صحابة؛ لأن زمانهم لم يزل يطلق على زمان مع حدوثنا نحن، وهذا كله باطل.
قال الشيخ: وسؤال الزمخشري هنا أنه لم ينثني عمل انحصاره، قلت: فيما قاله [نظر*] بل ينبغي أن [نفسر*] الآية بغير ذلك ولا يلزم عليه سؤال، وهو أن قوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا) الآية ليس معطوفا على خلق الأرض وإنَّمَا ذلك كلام قديم، وثَمَّ محذوف تقديره فعل ذلك واسمها (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ).
إن قلت: خطابه لهما هل هو حقيقة أم لَا؟ قلت: اقتران الأمر بذلك الطوع والكره دليل على أن كلامه لهما حقيقة، لأن الطوع والكره لَا يكون إلا من المخاطب حقيقة الموصوف بالحياة، وكذلك قوله تعالى: [(أَتَيْنَا) *] دليل على أن كلامهن حقيقة.
قوله تعالى: (وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ)
إنكار منهم للدليل السمعي الدال على وجود المعاد والدار الآخرة.
قوله تعالى: (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ).
إنكار للمعجزات المرسلات بالبصر، فأنكروا المعقول والمسموع والمبصر.
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا... (١٣)﴾
ابن عرفة: علقه بالإعراض وهو أخف من التكذيب ومن التولي ليفيد العقوبة على ما فوقه من باب أحرى.
قال ابن عرفة: إن كانت صاعقة ثمود مثل صاعقة عاد لزم التكرار من غير فائدة، وإن كانت مخالفة لها لزم مماثلة الشيء بواحد لأمرين مختلفين وهو باطل، قال: والمثلان عند الفقه باعتبار العادة هما المتساويان في الأمور الأعمية من جميع الوجوه، وعند المتكلمين هما المتفقان في صفات النفس وإن اختلفا في الأمور الأعمية فإِن كانت هذه الصاعقة فلأنها في تشبيهها بصاعقة ثمود، وإن كانت مماثلة لأحدهما ومخالفة للأخرى فلا يصح التشبيه، قال: وتقدم الجواب بأن التعدد في التشبيه مبالغة في تأكد العذاب وتكرره، وإنه يحل ببعضهم صاعقة كصاعقة عاد، ويحل ببعضهم أخرى كصاعقة ثمود.
قلت: فالمماثلة في وقوع الصاعقة من حيث كونها آية والمخالفة في صفتها.
قوله تعالى: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ... (١٤)﴾
ابن عطية: أي في أول تكليفهم، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي في آخر عمرهم.
الزمخشري: (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي من بين أيدي الأمم ومن خلفها الرسل المرسلين إليهم، أي جاءتهم رسل بعد رسل.
قوله تعالى: (لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً).
ابن عرفة: الصواب تفسير لها أي لو شاء الله إرسال الرسل لأنزل ملائكته لكنه لم ينزل فلم يرسل رسلا.
ولكن كما قال أبو حيان: لما صح الاستثناء لأنه يكون التقدير: لكنه لم ينزل ملائكة فلم يرسل إلينا ملائكة، والغرض أنه كذلك وقع فلم يتم له، فالصواب أنه يرد مفعول بشاهد غير جواب لواو لازمة.
قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا... (١٦)﴾
قال ابن عطية: (صَرْصَرًا) هو من صر يصر إذا صوت صوتا يشبه الصاد والراء، وكذلك يجيء صوت الريح أكثر الأوقات.
قال ابن عرفة: قالوا: الطباق هو موافقة اللفظ للمعنى إما في الإفراد، كقولهم: [صرصر البازي*]، [وصرصر العصفور*]، وإما في التركيب، كقوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤).
قال ابن عطية في الحديث: إن الله أمر خزنة الريح ففتحوا على عاد قدر حلقة الخاتم ولو فتحوا بقدر منخر الثور لهلكت الدنيا.
قال ابن عرفة: وكان بعضهم يقول: إن عادا كفروا لقولهم: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فعذبهم الله تعالى بأضعف شيء من العناصر لأن الريح أضعف من جنس التراب والحجر وغير ذلك من العناصر تعجيزا لهم في افتخارهم بالقوة.
ابن عرفة: قال: وهنا أيام نحسات، وفي سورة القمر: (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) فدل على صحتها.
قال الأصوليون: في الواحد بالشخص، والواحد بالنوع، قيل لابن عرفة: هذا دليل على أن الزمان موجود لأن حلول الريح فيه دليل على أنه موجود، فقال: وكذلك هو عندنا لأنه حركات الأفلاك أو مقارنة حادث لحادث.
قوله تعالى: (عَذَابَ الْخِزْيِ).
مقابل لقولهم: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) لأن الخزي هو الاحتقار.
قوله تعالى: (لِنُذِيقَهُمْ).
تعليل للفعل لأنه فعل العلة، أعني أنه ليس بفعل [للغرض*] فهو تعليل شرعي جعلي عقلي.
قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ... (١٧)﴾
قال ابن عرفة: تحامل الزمخشري هنا على أهل السنة وسماهم قدرية، فقال: ولم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة النبي ﷺ وكفى به شهيدا إلا هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ... (١٩)﴾
قال ابن عرفة: الظاهر لمن يقول لشخص: يا عدو الله إنه لَا يقتل لأنه إنما يقصد به المبالغة والمعصية، وربما يقوله بعضهم على جهة المدح، قيل له: مقتضى قوله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) إنه كافر، فقال الظاهر: إنه غير كافر.
قوله تعالى: (فَهُمْ يُوزَعُونَ).
قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا... (٢٠)﴾
زيادة (مَا) للتأكيد أي حتى إذا جاءوها.
وقيل: لتأكيد ملزومية الشرط للجزاء لأنها لتأكيد الشرط وحده.
قال ابن عرفة: وحاسة البصر أفضل من حاسة السمع بدليل أن موسى عليه الصلاة والسلام أكرم بسماع الكلام الأزلي ولم [يحظ بالرؤية*].
قيل لابن عرفة: لم يكن في الأنبياء أصم، وقد كان شعيب عليه السلام أعمى فدل على أن الصمم عيب بخلاف العمى.
قوله تعالى: (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى).
فهدى [ثمود*] بالضلال الذي هو مقابله.
قلت: هو من حذف التقابل، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والتقدير: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ... (٣٣)﴾
وقال تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)؟ ويجاب: بأنهما متساويان في الحسن، كما تقدم في قوِله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ).
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ... (٣٤)﴾
إما ضدان أو نقيضان أو خلافان، فلا يصح أن يكونا نقيضين لأن عدم المساواة بين النقيضين معلوم بالبديهة، فهما ضدان لصحة ارتفاعهما عن الشيء الواحد فلا يكون حسنة ولا سيئة، ويحتمل أن يكون المراد لَا تستوي الحسنة ولا عدمها، وإن الحسنات في ذواتها متفاوتة فهي غير مستوية والسيئات كذلك بعضها أعظم من بعض.
قوله تعالى: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ).
قوله تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)﴾
أي من الصبر أو من العقل ولا يحصل ذلك إلا من اتصف بالصبر، وهذا أخص من الأول.
قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ... (٣٦)﴾
الزمخشري: النزغ هو النخس.
ابن عرفة: وهذا على سبيل [الفرض*] كان ملزومية المقدم للتالي لَا يدل على وقوعه، مثل: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)، ولذلك أتى فيه بكلمة إن قلت: هو حقيقة، قال: أو هو مجاز، وشبهه بعضهم بطائر مؤذ أغار على بستان فلا يؤذيه ولا يقصد إذايته لعلمه أنه لَا يقبل الإذاية لكنه يمر عليه ويقصد إذايته، ويمنعه من ذلك مانع، وتارة يقصد إذايته فيؤذيه، فالأول: حالة الشيطان عليه اللعنة مع الأنبياء عليهم السلام، والثاني: حاله مع الأولياء يوسوس لهم فلا يعطونه، والثالثة: حالة مع سائر النَّاس من العصاة.
قوله تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ... (٤٢)﴾
ابن عطية: أي مما قبله من الكتب و (مِنْ خَلْفِهِ) أي مما بعده من نظر ناظر أو فكرة عاقل، أي لَا يتعلق به إبطال مبطل متقدم ولا متأخر.
ابن عرفة: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) على هذا متعلق بالباطل لَا يتأتى لأن يأتي مستقبل، و (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) مأمن له، قلت: أو يكون حالا من الباطل.
قوله تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ... (٤٣)﴾
فسر بمعنيين:
أحدهما: [ما يقول لك كفار قومك إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم*].
الثاني: ما يقال لك من الوحي في الكتاب المنزل عليك إلا ما قد قيل للرسل في الكتب المنزلة عليهم، أو ما يقال لك من الوحي بالأحكام والشرائع إلا ما قد قيل [لغيرك*]، فالمقول له على هذا مثل ما قد قيل لغيره لأنه غير ما قد قيل لغيره.
قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ).
ولم يقل: ذو مغفرة شاملة، كما قال تعالى (وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) تغليبا للخوف على جانب الرجاء.
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا... (٤٧)﴾
أما معطوف على الساعة، أي داليه يرد علم الساعة، (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ) فما موصولة فهو منحصر في علم الله، وإمَّا متصل بما بعده وما نافية.
قال ابن عرفة: والثمرات بعد حصولها في الأكمام قد يدعي أحد علمها، وكذلك الحمل بعد ظهوره، وأما قبل حصول الثمرات في الكم فلا يقدر أحد أن يدعي علمها، وكذلك النطفة حين حصولها في الرحم لَا يعلم أحد لها بوجه، فلذلك أسند العلم إلى الله تعالى في حالة إمكان ادعاء العلمِ بها فأحرى في حال عدم ادعائه. قوله تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ... (٥١)
قال ابن عرفة: النأي عن الشيء البعد منه أقوى من الإعراض عنه، فلذلك عطفه عليه أو يكون الاعتراض من صفة المؤمن، والنأي من صفة الكافر أو هو قدر مشترك بين الجميع، وعبر هنا بالفعل مبالغة في ذمه بمطلق الإعراض، ثم عبر بالاسم، في قوله تعالى: (فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) مبالغة في ذمه بكثرة الإلحاح وملازمته له عند نزول الشدائد به.
قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ).
لأن العرض يستلزم الطول فكل عريض طويل والطويل قد لَا يكون عريضا.
ابن عرفة: هذا لَا يصح، فإن الطول والعرض أمران نسبيان، فالشيء لَا بد له من طول وعرض، وكذلك الخيط لَا بد له من طول وعرض، والصواب كأن يقول: عظم العرض يستلزم الطول، والطول لَا يستلزم العرض، بدليل المفتول والحبل فإنهما طويلان قليلا العرض بخلاف [ما لو*] كان الشيء كثير العرض، فإن طوله إما أن يكون قدر عرضه، أو أعظم منه، ولا يكون أقل منه أصلا بوجه.
قيل لابن عرفة: لو كان الذم على مجموعها للزم عليه المفهوم، فقال: يكون مفهوم أحرى لأنه إذا ذم على الإعراض عند النعمة والدعاء عند الشدائد، فأحرى أن يلزم عن الإعراض عند النعمة، وعدم الدعاء عند الشدائد.
قوله تعالى: (عَرِيضٍ).
إشارة إلى أنه ذو دعاء لكنه يعظم دعاءه، والحاجة عند الشدائد، وفرق بين قولك: هذا الثوب ذو عرض، وهذا الثوب عريض، فعريض أبلغ فعبر في الأول، بقوله: (إِذَا أَنْعَمْنَا)، وفي الثاني بالقسم إشارة إلى المبالغة من حيث إنه يعرض عند حلول كمال النعمة به، ويصح في الدعاء عند نزول أوائل السور، وأسند النعمة إلى الله تعالى [والمس*] إلى الشر على جهة الأدب.
قيل لابن عرفة: بل هو حقيقة عند المعتزلة، فقال: لَا لأنهم يقولون: إن الأمراض والعلل ليست من فعل العبد، وعطفه هنا وفي الأحقاف بالواو، قوله تعالى: (مَنْ أَضَلُّ).
ابن عرفة: جوابها إما مفهوم من الأول أي من أضل هو أو من [** (حس)]، وهذا مع قوله تعالى: في الأحقاف: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ينتج أنهما مستويان في الضلال.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)﴾
إن أريد بالشهادة لازمها وهو العقوبة والانتقام، فلفظ (شَيءٍ) خاص بالحادث، وإن أريد بها العلم والحضور فيعم القديم [والحادث*] وهذا خطاب للكفار والمراد به رؤساءهم، وأما العوام والأتباع فلا يعلمون ذلك حتى يقرأ عليهم عملهم بهمزة الاستفهام، قلت: بدليل حديث ابن مسعود في كتاب القدر عند مسلم اجتمع عند البيت ثلاثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم،
قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ... (٥٤)﴾
المراد بذلك الدار الاخرة وإلا فالموت تحقيق عندهم.
قوله تعالى: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ).
ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها إنه لما اتصف الله تعالى بالجزاء، في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) وأنه حكم عدل ليس بظلام للعبيد، قد تتشوق النفوس لمعرفة الوقت الذي يقع فيه الجزاء، فقال: علم ذلك معروف له لَا لغيره، والألف إما للجنس فالمراد به: يعلم ساعة بعد ساعة أو [... ] فهي ساعة واحدة وهي [القيامة*].
ابن عرفة: وقد تقدم لنا في الآية سؤالان أن إلى لانتهاء الغاية وما [بعدها*] غير داخل فيما قبلها فيفيد أن رد الفعل منتهى إليه وهو غير داخل مع أنه في نفس الأمر داخل؟ وأجيب بوجهين:
أحدهما: أن تكون القرينة هنا صيرته داخلا، كما قالوا في: اشتريت الشقة التي طرفها.
الثاني: أن الرد ينشأ عند الثبوت والاستقرار، فالثبوت والاستقرار هو الداخل والرد غير داخل.
السؤال الثاني: أن الرد يقتضي انفصاله بعد انفصال، قال تعالى (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) وكان موسى عليه السلام انفصل عن أمه ثم رجع إليها، وأجيب: بأن المراد إليه معرف علم الساعة.
قوله تعالى: (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا).
إما لكل ثمرة كم، أو لكل ثمرة أكمام، كما في النور فإنه أولا يفتح عنه النوار ثم يلبس، فيزول عنه القشر ثم يكنز، فيزول عنه القشر الآخر.
قوله تعالى: (وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
ولم يقل: وما تضع، فأجيب: [بأن (لا) للنفي*]، والوضع متأخر عن الحمل.
قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي).
قوله تعالى: (آذَنَّاكَ).
أي [أعلمناك*].
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول: الآذان أقوى في الإعلام من العلم لأنه يقتضي الشهرة والإذاعة بذلك، قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَرَسُولُهُ) ومنه الآذان لأنه يرفع الصوت فهل هو إخبار عن إعلام مضى أو إنشاء، ومنه مسألة المدونة في أول كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، قال: ومن طلق زوجته، فقال له رجل: ما فعلت؟ فقال: هي طالق، فقال: إن نوى إخباره فله نيته.
قوله تعالى: (لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ).
السآمة هي الكسل عن الدوام على مشقة لما حصل إتعاب النفس في بعضه من أمور التكاليف فنهى عن الكسل عن ذلك، [وأراد*] الامتناع منه، واليأس أمر [عدمي*] عبارة عن تعلق النفس بالرجاء، والرجاء ضده، فهو تعلق الأمل لحصول الأمر المحبوب، والقنوط عبارة عن ظهور أثر ذلك المكلف.
* * *