ﰡ
ابن عطية: مكية، وقيل: بعضها مكي وبعضها مدني، الزمخشري: مكية ولم يحكي خلافا، ثم لما ذكر سبب نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ)، قال: إن المؤمنين قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى [لعملناه*] ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلهم الله على الجهاد، [فولوا يوم أحد فعيرهم*]، [وقيل*] لما أخبر الله تعالى بثواب شهداء بدر، [قالوا: لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا، ففروا يوم أحد ولم يفوا*] (١)، بقولهم، فنزلت الآية فظاهر هذا أن بعضها مدني، لأن غزوة بدر وأُحد إنما كانت بعد الهجرة، فإن قلت: لَا يبعد أن تكون الآية نزلت عتابا لهم فيما سيقع منهم لَا ما وقع، قلت: قد قال الزمخشري: سبب نزولها عدم وفائهم بقولهم فهذا هو التناقض.
قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ... (١)﴾
السبب القوي أدل على وجود السبب من السبب الذي لَا يساويه في تلك القوة، فإذا كان الناظر إلى السماوات والأرض يسبح الله، فأحرى الناظر لنفس السماوات والأرض، ويستفاد هذا أيضا من دلالة تركيب النصوص لقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبَحُ بِحَمْدِهِ).
قوله تعالى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
يجري مجرى العلة، ابن عطية: (الْعَزِيزُ) في سلطانه وقدرته (الحكيم) في أفعاله وتدبيره، المقترح في الأسرار العقلية، الحكمة راجعة للعلم بمعنى وضعه الأشياء في محلها، وإن قلت: المراد بها الانتقال يشتمل صفة العلم والإرادة، الآمدي في إبكار الأفكار: قيل: معناه الحاكم، وقيل: العليم فهو صفة علمية، وقيل: المتقن للأشياء فهي صفة فعلية، والحاكم الفاصل بالقول والأخبار أو بالقضاء والقدرة، وقيل: الحاكم المانع فالأول: صفة كلامية، والثاني: راجع للقدرة والإرادة.
قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢)﴾
حضهم على أمر مركب من القول وعدم الفعل، والمركب [... ] بأحد جزئيه، فهل المراد نفي القول أو نفي الفعل؟ فتوبيخهم على قولهم ما لَا يفعلونه، هل معناه قولوا لنا [لم لَا تفعلونه*]، أو أن الصواب أن لَا يقولوا [آمنا لما لَا يفعلونه*]، والظاهر الأول، لأن الثاني ينتفي فيه مصلحة القول، وكان بعضهم يورد في الآية سؤالا، تقريره أن ما لا [يلزمه*] فعل شيء فلم يفعله، إنما يعاقب على عدم الفعل لَا على التزام ما لَا يوف به،
"روى أنّ المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلهم الله تعالى على الجهاد في سبيله، فولوا يوم أحد فعيرهم. وقيل: لما أخبر الله بثواب شهداء بدر قالوا: لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا، ففروا يوم أحد ولم يفوا. وقيل: كان الرجل يقول: قتلت ولم يقتل، وطعنت ولم يطعن، وضربت ولم يضرب، وصبرت ولم يصبر. وقيل: كان قد أذى المسلمين رجل ونكى فيهم، فقتله صهيب وانتحل قتله آخر، فقال عمر لصهيب: أخبر النبي عليه السلام أنك قتلته، فقال: إنما قتله لله ولرسوله، فقال عمر: يا رسول الله قتله صهيب، قال: كذلك يا أبا يحيى؟
قال: نعم، فنزلت «١» في المنتحل. وعن الحسن: نزلت في المنافقين. ونداؤهم بالإيمان: تهكم بهم وبإيمانهم". اهـ.
أحدهما: أن العتب على القول يستلزم العتب على الفعل، لأن القول سبب في الفعل، فإِذا عتب على السبب استلزم العتب على المسبب، ومن هذا المعنى مسألة العريش في أكرية الرواحل من المدونة وهي من اكترى دابة ليحمل عليها، من مصر إلى فلسطين [فَانْكَسَرَ الدُّهْنُ*] منها فعثرت بالعريش [وَقِيمَتُهُ هُنَاكَ بِالْعَرِيشِ ضِعْفُ قِيمَتَهُ بِالْفُسْطَاطِ كَيْفَ يُضَمِّنُهُ؟ قَالَ: قِيمَتُهُ بِالْعَرِيشِ*]، وقال غيره: يغرم قيمته بمصر، لأنه منها تعدى.
الجواب الثاني: أن الخطاب فيه رفق بالمؤمنين، وذلك أن الفعل أخص من القول، ولازم الأخص غير لازم الأعم، فلا يلزم من العتب على [الفعل*] العتب على القول.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ... (٤)﴾
ابن عطية: المحبة هنا صفة فعل، ولا ترجع للإرادة؛ إذ لَا يصح أن يقع ما يخالفها، ونحن نجد المقاتلين على غير هذه الصفة كثيرا انتهى، العكس كان أولى، لأن صفة الفعل ظاهرة فلو كان المراد به أنه ينصر الذين يقاتلون في سبيله، للزم الخلف في الخبر، لأنا وجدنا بعض النَّاس يقاتل ولا ينصر بخلاف الإرادة، [فإنا*] لَا نطلع عليها ولا نعلمها، فيمكن أن يكون المقاتل مرادا أولا، فإن قلت: إنما مراد ابن عطية أن الإرادة يلزم وقوع متعلقها، فلو كان المعنى أنه إفراد القتال في سبيله للزم عليه الخلف في الجنة، لأن بعض النَّاس لم يقاتل في سبيله بل أكثرهم، قلت: فرق بين القتال وبين إرادته وبين الذين يقاتلون، فجاء معنى الآية إنما أراد من قاتل في سبيل الله فهو مراد الله ومحبوب له كقوله تعالى: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، أي أراد ثوابه، وفي كلام ابن عطية نظر من وجه آخر أيضا، لأنه قال: أكثر النَّاس يقاتل ولا ينتصر، ثم قال: المراد يقاتلون القتال بالجد والعزيمة، فكل النَّاس أو أكثرهم إذا قاتل بجد وعزيمة ينتصر، وأما قتال المنافقين فليس في سبيل الله.
قوله تعالى: (بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ).
التشبيه بالثبات وعدم الفرار؛ كثبوت البناء، وحمله المفسرين على أن معناه أن يكونوا متراصين كتراص البنيان، وهذا لَا يتصور في [**الحرمات].
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ... (٦)﴾
فإن قلت: لم قال موسى: (يَا قَوْمِ)، وقال عيسى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)؟ فالجواب من وجهين:
الثاني: أجاب الزمخشري: وهو أن عيسى لَا ولاء له في بني إسرائيل بخلاف موسى، فإِن قلت: قد تقرر أن الولاء يرجع لموالي الأم في أربع مسائل هذه منها؟ قلت: لم [ينسب*] هنا إلى الموالي بل إلى قومه، وقد يقال: إن عيسى إنما ينسب إلى أمه، كما في كثير من الآيات، وكانت أمه منهم أي من قومه.
قوله تعالى: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ).
الأقرب أنه خبر لَا إنشاء، بدليل التصديق والتكذيب، والتأكيد بـ (إِنّ). (مُصَدِّقًا) [حال*] مؤكدة، فإِن قلت: لعلها مبينة، لأن كونه رسولا أعم من أن يثبت التوراة، أو ينسخ حكمها، قلت: هذا لَا يقدح في التصديق، لأن النسخ ليس بتكذيب للمنسوخ، بل هو مصدق له، لكنه واقع لدوام حكمه؛ لأن من لوازم النسخ تصديق المنسوخ.
قوله تعالى: (لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ).
المراد الماضي أو الحال بخلاف قوله تعالى: (مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا)، فإنه هنا للاستقبال.
قوله تعالى: (وَمُبَشِرًا).
البشارة هي الإخبار بالأمر الملائم، وهذا ملائم لقوله تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ).
قوله تعالى: (اسْمُهُ أَحْمَدُ).
السهيلي في كتاب الإخبار والإعلام: لما قال (اسْمُهُ أَحْمَدُ)؟ [مع أن*] الأشهر في أسمائه محمد، والقاعدة في التعبير مدح الشيء أو البشارة به أن يعبر عنه بأشهر أسمائه لا بالخفي منها؟ فأجاب بوجهين:
أحدهما: أن هذا الاسم خاص لم يسم به أحد قبله بخلاف محمد، [وغيره].
الثاني: أن أحمد مأخوذ من [اسم*] الفاعل من حمد يحمد فهو حامد، ومحمد مأخوذ من اسم المفعول، لأنه من حمد محمد فهو محمود، فحمد متأخر عن الحمد، لأنه إنما يحمد جزاء عن حمده انتهى، ويجاب أيضا: بأن محمدا هو اسمه في ثاني أزمنته وجوده حين سمي، وأحمد اسمه الشرعي، وهو المتقدم في الوجود، لأن الله تعالى
قوله تعالى: (هَذَا سِحْرٌ).
الإشارة لما جاءهم به صلى الله عليه وآله في ذاته، أي هذا ساحر كقولك رجل عدل، ويؤيده من قرأها ذا ساحر مبين، أي لَا يحتاج إلى إقامة الدليل على كونه ساحر، وقال عياض في الشفاء في الباب الثالث من القسم الأول من فضل أسمائه، وما تضمنه في فضيلته صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ومن أسمائه في الكتب المتوكل والمختار ومقيم السنة، والمقدس، وروح الحق، وهو معنى الفارقليط في الإنجيل، وقال ثعلب: الفارقليط يفرق بين الحق والباطل.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى... (٧)﴾
مذهب الأكثرية القائلين بعموم إطلاق الكذب على العمد والسهو، [ظاهر*] لأن الكذب المفترى هو العمد وغير المفترى هو السهو، وأما على مذهب الجاحظ القائل بأن لفظ الكذب الخاص بالعمد، فيكون افترى الكذب هو المشاهدة في وجه المكذوب عليه، أو الكذب في الأمر الواضح الجلي المعلوم بطلانه بالضرورة، ومعنى الآية ليس في النَّاس أظلم ممن كذب على الله، لأن الكاذب على الله هو أظلم النَّاس [ولا*] يعارض قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)، فالجمع بين الآيتين ينتج تساويهما في الظلم، فالنفي بإرادة الاستفهام راجع لكونه لَا أظلم منه لَا أنه أظلم النَّاس؛ بخلاف قوله تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)، لأنه ليس المراد هنا أنه لَا أصدق منه، لئلا يلزم عليه احتمال كون غيره مساويا له في الصدق، بل المراد أنه أصدق من غيره حديثا، فليس في الوجود من يساويه في الصدق، بل الكل دونه، ويمكن الجمع أيضا بأن تلك يختص التفاوت فيها والشدة باعتبار نوعها، مثاله في هذه، الكذب في نوعه ظلم، وأشده الكذب على الله والرسول، وكذلك غيرها من الآيات التفاوت فيها نوع كل ما تضمنه.
قال ابن التلمساني في شرح المعالم اللدنية: أجمعوا على تكفير من كذَّب الله تعالى، واختلفوا في تكفير من كذب على الله انتهى، إما أن كذب على الله مستحل للكذب فهو كافر إجماعا، وإن كذب عليه غير مستحل، فإِن خالف الإجماع القطعي فكافر، وإلا فقولان، وحكى ابن الحاجب الأصل فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: إن خالف الإجماع القطعي، كفر، وإلا فهو فاسق.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
أي في حين ظلمهم، والهداية هي البيان والإرشاد، قال المقترح في شرح الإرشاد [والهادي*] يكون بمعنى الداعي، فيرجع إلى قول الله، ويكون معنى خالق الهدى، وانظر كلامه في الأسرار العقلية، وفسرها الشيخ أبو علي ناصر الدين في شرح الرسالة بكلام يدل على ضعفه في أصول الدين أن الهداية الإرشاد، وقيل: الدلالة الموصلة إلى [البغية*]، وقيل: خلق القدرة على الطاعة، وهذا مردود لأنه [قبل*] خلق القدرة لَا تكليف، فلا هداية ولا ضلال، وإذا خلق القدرة على الطاعة لم يلزم وجود الطاعة، إذ يلزم من وجود القدرة وجود المقدور، فالهداية والضلال مرتبان على خلق القدرة، فإذا وجدت القدرة والطاعة وبين له طريق الخير والشر، فمن سبقت له العناية اهتدى، ومن لَا فلا. انتهى قوله، وقيل: خلق القدرة على الطاعة هذا مذهب أهل السنة، وقوله في رده لأنه قبل خلق القدرة لَا تكليف باطل، لأنه إن كانت القدرة الصلاحية [فمسلم لَا يتناول محل النزاع*]، لأن الهداية إنما هي القدرة [التنجيزية*] وهذا كالعاجز عن القيام، لَا يكلف الصلاة قائما، فإن قدر على القيام كلف بذلك فالقدرة سابقة، وإن أراد القدرة [التنجيزية*] فالتكليف يعطيها من أهل الطاعة [حين*] عملوا بها والعصاة [... ]. قوله (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا... (٨) الإرادة ليست على بابها من التخصيص، بل بمعنى التمني والشهوة، لأن الإرادة من شرطها التخصيص مقارنتها للفعل المريد، وهم لم يفعلوا الإطفاء، وإدخال اللام تهكم بهم وتأكيد للسببية، ولو اقتصر على الإرادة لاحتمل أن ذلك لم يخطر بعقولهم عند افتراء الكذب، فأدخلت اللام بيانا لأنهم أرادوا الكذب لأجل أن يطفئوا نور الله، تحقيقا لسخافة عقولهم، ونص النحويون على جواز دخول اللام على المفعول المؤخر على الفعل، إذا كان فعله مقدرا بأن المصدرية، كقوله: أريد لأنسى ذكرها، وأغفله أبو حيان هنا.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ).
قوله تعالى: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
دليل على أن الظلم بمعنى الكفر، و (لو) هنا بمعنى (أن) لاستحالة كون نفيها إيجابا، وإيجابها نفيا؛ كما هو في قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)، وهذا [تهكم بهم*]، لأن لو إنما تدخل على ما يتوهم كونه مانعا، فلا تقل أكرم السائل ولو كان عدوك، وكراهة الكافرين لإتمام النور ليست مانعة من إتمام النور، فلو دخلت تهكما بهم، فجعلها في صورة مانعة من إتمام النور، وقوله (وَدِينِ الْحَقِّ)، إن قلت: هذا يدل على تقدم الحق الذي إليه هذا الدين، فيدل على أن التحسين والتقبيح مشتقان من العقل، والحق نقيض الباطل، أي ذلك المتقرر في عقولكم الذي هذا الشرعي بمقتضاه مقدرا له ومصححا؟ فالجواب: أن التحسين والتقبيح قسمان، فمنه ما أجمعوا على إسناده للعقل، ومنهم اختلفوا فيه، فما يرجع إلى وجود الصانع ووحدانيته، وما يجب له وما يستحيل في حقه، أجمعوا على إسناد الحسن فيه والقبيح إلى العقل، لأن العقل اقتضى أن وجود الصانع ووحدانيته حسن، [وعدمه*] قبح، وما يرجع إلى غير ذلك من أمور الديانات، فليس [فيه*] للعقل مجال، [خلافا*] المعتزلة، والآية من القسم الأول.
قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣)﴾
ابن هشام: معطوف على (تؤمنون)؛ لأنه في معنى آمنوا، ولا يقدح في ذلك أن المخاطبة بـ (تؤمنون)، [للمؤمنين وبـ (بشر) للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم*]، [ولا يقال*] في (تؤمنون): إنه تفسير للنجاة [لَا طلبا*]، وأن (يغفر لكم) جواب الاستفهام تنزيلا [للسبب منزلة المسبب*]، لأن تخالف الفاعل لَا يقدح، يقولون: قوموا واقعدوا يا زيد، ولأن [تؤمنون*] لَا يتعين [تفسيرا للنجاة*]، ولكن يحتمل أنه تفسير مع كونه أمرا، وذلك بأن يكون معنى الكلام السابق [ترجون*] (تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) كما قال (فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ)، في معنى انتهوا، وأنَ يكون تفسيرا في المعنى دون الصناعة، لأن الأمر قد يساق لإرادة المعنى الذي يحصل من [المفسر*]، تقول هل أدلك على سبب نجاتك؟ آمن بالله، كما تقول تؤمن بالله، وحينئذ فيمتنع العطف، لعدم
قوله تعالى: ﴿كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ... (١٤)﴾
تقدم في قوله تعالى: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ)، طلب الإيمان والجهاد بالأنفس والأموال، وهذا هنا آكد؛ لأن ذلك أمر بمطلق الجهاد، والمجاهد قسمان: تارة يجاهد [ليدفع*] العدو عنه، وتارة يجاهد ليطلب النصرة عليه، فهذا يكون قتاله وامتحانه في الحرب أشد من الأول، فأمروا في هذه الآية بالجهاد لطلب النصرة، وعبر بالفعل ليتناول الأمر كل من حصل مطلق الإيمان، و (كونوا) المراد به الدوام ويستفاد ذلك من صيغة الأمر، ومن لفظ كان، فإن الباجي والمنطقيين نصوا على أنها [... ] لما ذكروها في الروابط، فجاءت الآية على الوجه الأبلغ لاقتضائها الثبوت والدوام على النصرة، حتى كأنه وصف، وأتى بخلاف قولنا: انصروا فإنه لا يقتضي إلا مطلق إدخال الفعل في الوجود، ولا دلالة على اللزوم والدوام بوجه، وقرئ (أنصارُ الله) بالإضافة، وهو أبلغ من عدم الإضافة؛ لأن نصرة الله أقوى من نصرة غيره، وهذا مجاز واعتناء [بالنبي ﷺ وبالمؤمنين*]، فجعلت نصرتهم له كأنها لله، مع أن الله تعالى هو فاعلها أو [... ]. عليها، قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، فإن قلت: كيف [شبه*] نصرتهم بقول عيسى؟ قلت: هو تشبيه معنوي على حذف القول، والتقدير: قلنا لكم ذلك كما قال عيسى ابن مريم للحواريين، وأشار إليه أبو حيان، وقرر الزمخشري التشبيه، لأن معناه كونوا أنصار الله؛ كما قال الحواريون: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)، حين قال لهم عيسى: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)، في التشبيه، ولم يقل: انصروني فبادر الحواريون إلى امتثال ذلك، والمؤمنون طلب منهم النصرة بلفظ الأمر المقتضي للوجوب، فحقهم أن يبادروا إلى [الامتثال*]؛ بل هم أجدر [بالمبادرة*]، وقول الحواريون: (نَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ)، بالإضافة أبلغ من طلب عيسى منهم، ومعناه نحن أنصار الله لك أو مع خلانك، [ولو*] قالوا: نحن أنصارك إلى الله؛ لكان مفهومه أنهم لَا ينصرون غيره إلى الله.
قوله (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا)، إن قلت: كيف يفهم هذا التأييد مع ما قاساه عيسى عليه السلام منهم [حتى*] رفع، واتهموا بأنهم قتلوه، فيلزم فيه الخلف في الخبر؟ فالجواب من وجهين:
إما بأن التأييد معنوي باعتبار قوة الكلمة، والدليل عليه الحجة.
وإما أنه ظهور عيسى في زمنه وأنتم [... ] أو ظهور عيسى دائم بعد مدة عيسى زمن الفترة، وإن قلت: فالحواريون الذين قالوا هذا لعيسى هل نصروه؟ أو كيف يفهم؟ قلت: لعل المراد الحواريون بالنوع لَا بالشخص بأولادهم، أو من ينتمي لهم نصروا فانتصروا.
قوله (عَلَى عَدُوِّهِمْ)، لم يقل: على الكافرين إشارة إلى أن التأييد محبوب لهم دنيوي وأخروي، لأن [قهر*] الإنسان لعدوه، [يحصل له فوزا دنيويا، وفوزا أخرويا*]، لأنه عدو الدِّين.
* * *