تفسير سورة الصف

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الصف من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الصَّفِّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢)).
قَوْله تَعَالَى ﴿أَن تَقولُوا﴾ يجوز أَن يكون فَاعل ﴿كبر﴾ أَو على تَقْدِير هُوَ وَيكون التَّقْدِير كبر ذَلِك وَأَن يكون بَدَلا و ﴿مقتا﴾ تَمْيِيز
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)).
وَ (صَفًّا) : حَالٌ، وَكَذَلِكَ (كَأَنَّهُمْ).
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُصَدِّقًا) : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا رَسُولٌ. أَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ.
وَ (مِنَ التَّوْرَاةِ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «بَيْنَ».
وَ (مُبَشِّرًا) : حَالٌ؛ أَيْضًا. وَ (اسْمُهُ أَحْمَدُ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ نَعْتًا لِرَسُولِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ حَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَأْتِي».
قَالَ تَعَالَى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُتِمُّ نُورِهِ) : بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ، وَإِعْرَابُهَا ظَاهِرٌ.
وَ (بِالْهُدَى) : حَالٌ مِنْ «رَسُولِهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ تَعَالَى: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ... (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) : هُوَ تَفْسِيرُ (تِجَارَةٍ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى الْبَدَلِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى تَقْدِيرِ هِيَ، وَأَنْ مَحْذُوفَةٌ، وَلَمَّا حُذِفَتْ بَطُلَ عَمَلُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ... (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَغْفِرْ لَكُمْ) : فِي جَزْمِهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، تَقْدِيرُهُ: إِنْ تُؤْمِنُوا يَغْفِرْ لَكُمْ، وَ «تُؤْمِنُونَ» بِمَعْنَى آمَنُوا. وَالثَّانِي: هُوَ جَوَابٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ؛ وَالْمَعْنَى: هَلْ تَقْبَلُونَ إِنْ دَلَلْتُكُمْ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى اللَّفْظِ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ إِيَّاهُمْ لَا تُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ... (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُخْرَى) : فِي مَوْضِعِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: نَصْبٌ عَلَى تَقْدِيرِ: وَيُعْطِكُمْ أُخْرَى. وَالثَّانِي: هُوَ نَصْبٌ بِتُحِبُّونَ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِـ «تُحِبُّونَهَا». وَالثَّالِثُ: مَوْضِعُهَا رَفْعٌ، أَيْ وَثَمَّ أُخْرَى، أَوْ يَكُونُ الْخَبَرُ «نَصْرٌ» أَيْ هِيَ نَصْرٌ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا قَالَ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ أَيْ أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ.
وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، إِذِ الْمَعْنَى: انْصُرُوا اللَّهَ كَمَا نَصَرَ الْحَوَارِيُّونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
Icon