ﰡ
قوله: ﴿ لِمَ تَقُولُونَ ﴾ استفهام إنكاري، جيء به للتوبيخ لمن يدعي ما ليس فيه، فإن وقع ذلك إخباراً عن أمر في الماضي فهو كذب، وإن وقع في المستقبل يكون خلفاً للوعد، وكلاهما مذموم، ولام الجر داخلة على ما الاستفهامية، وحذفت ألفها، لذلك قال ابن مالك: وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها وأولها الها إن تقفقوله: (في طلب الجهاد) سبب نزول هذه الآية: أنه لما سمع أصحاب رسول الله، مدح الجهاد ومدح أهل بدر، قالوا: لئن لقينا قتالاً لنفرغن فيه وسعنا، ففروا يوم أحد، فنزلت هذه الآية توبيخاً لهم، وهذا خارج مخرج التخويف والزجر، وقيل: نزلت في المنافقين، كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إن خرجتم وقاتلتم، خرجنا معكم وقاتلنا، فلما خرج النبي وأصحابه، نكصوا على عقبهم وتخلفوا، وحينئذ فتسميتهم مؤمنين بحسب الظاهر، والذم على حقيقته. قوله: (إذا انهزمتم بأحد) تعليل لقوله: ﴿ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾.
قوله: ﴿ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ ﴾ خصها لأنها أشهر الكتب عندهم. قوله: ﴿ يَأْتِي مِن بَعْدِي ﴾ الجملة صفة لرسول، وكذا قوله: ﴿ ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ والياء في ﴿ بَعْدِي ﴾، إما مفتوحة أو ساكنة، قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ يحتمل أن يكون أفعل تفضيل من المبني للفاعل، والمعنى أكثر حامدية لله تعالى من غيره، ويحتمل أن يكون من المبني للمفعول، أي أكثر محمودية من غيره، أي كون الخلق يحمدونه أكثر، من كونهم يحمدون غيره وخص أحمد بالذكر دون محمد، مع أنه أشرف أسمائه صلى الله عليه وسلم لوجوه، الأول: كونه مذكوراً في الانجيل بهذا الاسم. الثاني: كونه مسمى في السماء به، الثالث: لأن حمده لله، سابق على حمد الخلق له في الدنيا ويوم القيامة، فحمده قبل شفاعته لأمته، وحمد الخلق له بعدها، وقال بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم له أربعة آلاف اسم، منها نحو سبعين من أسمائه تعالى، كرؤوف ورحيم. قوله: (جاء أحمد للكفار) هذا أحد قولين للمفسرين في مرجع الضمير في جاءهم، والثاني أنه عائد على عيسى. قوله: (أي المجيء به) اسم مفعول من جاء، وأصله مجيوء بوزن مضروب، نقلت ضمة الياء للساكن قبلها وهو الجيم، فالتقى ساكنان الواو والياء، فحذفت الواو وكسرت الجيم. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (ووصف آياته) بالجر عطف على نسبة. قوله: ﴿ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ ﴾ الجملة حالية، أي يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي فيه سعادة الدارين، فيجعل ما كان إجابته افتراء الكذب على الله. قوله: (منصوب بأن مقدرة واللام مزيدة) أي في مفعول ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ للتوكيد، ويصح أن تكون للتعليل، والمفعول محذوف، والتقدير يريدون إبطال القرآن ليطفئوا، وهناك طريقة لبعض النحويين، أن اللام بمعنى أن الناصبة، فيكون الفعل منصوباً بها، قوله: (شرعه وبراهنيه) هذا أحد أقوال في تفسير النور، وقيل هو القرآن، وقيل الإسلام، وقيل محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل إنه مثل مضروب بمن أراد إطفاء الشمس بفيه، فكما أنه لا يفيد ذلك من أراد إبطال الحق فلا يفيده، وفي الكلام استعارة تبعية، حيث شبه الأبطال بالأطفاء، واستعار اسم المشبه به للمشبه، اشتق من الاطفاء بمعنى يبطلون، وسبب نزول هذه الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً، فقال كعب بن الأشرف: يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية، واتصل الوحي بعدها. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ وقوله: (مظهر) ﴿ نُورِهِ ﴾ هذا جواب عما يقال: إن الاتمام لا يكون إلا بعد النقصان، فأجاب: بأن المراد بالاتمام، إظهاره في المشارق والمغارب، قوله: (وفي قراءة بالإضافة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ بدل من قوله: ﴿ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾.
قوله: ﴿ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ أي البيان الشافي، والمراد به القرآن والمعجزات الظاهرة. قوله: ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾ إنما عبر أولاً بالكافرون، وثانياً بالمشركون، لأن الرسول في ابتداء أمره، يأتي بالتوحيد ويأمره به، فيخالفه المشركون، فإذا ظهر أمره واشتهر، حسده جميع الكفار، وأرادوا ابطال ما جاء به من المعجزات والبراهين، فعير في كل بما يناسبه.
﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ والمعنى: أخبر عامة المؤمنين، بأن هذا الفضل العظيم عام، لكل من اتصف بما تقدم من الايمان وما بعده. قوله: (وفي قراءة بالاضافة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (كما كان الحواريون كذلك) أي أنصار الله، والمعنى: كونوا أنصار الله معي، كما كان الحواريون أنصار الله لما سألهم عيسى بقوله: ﴿ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ ﴾؟ قوله: ﴿ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ﴾ من إضافة الوصف إلى مفعوله، أي نحن الذين ننصر الله، أي ننصر دينه كما تقدم. قوله: (وقيل كانوا قصارين) فعلى هذا الحوار قائم بالثياب، وعلى الأول قائم بذواتهم. قوله: ﴿ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ ﴾ مرتبط بمحذوف تقديره: فلما رفع عيسى إلى السماء، افترق الناس فيه فرقتين ﴿ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ ﴾ الخ، وروي عن ابن عباس: لما رفع عيسى تفرق قومه ثلاث فرق، فرقة قالت: كان الله فارتفع، وفرقة قالت: كان ابن الله فرفعه إليه، وفرقة قالت: كان عبد الله ورسوله فرفعه، وهم المؤمنون، واتبع كل فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا، وظهرت الفرقتان الكافرتان، حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرتين، فلذلك قوله تعالى: ﴿ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية. قوله: (فاقتتلت الطائفتان) أي وظهرت الكافرة، حتى بعث الله محمداً، ظهرت المؤمنة على الكافرة. روى المغيرة عن ابراهيم قال: وأصبحت حجة من آمن بعيسى عليه السلام ظاهرة، بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام كلمة الله وعبده ورسوله.