ﰡ
قوله: ﴿ مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴾ وكانوا لا يحجبون عن السماوات، وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها، فيلقونها على الكهنة، فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام، منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد عليه الصلاة والسلام، منعوا من السماوات كلها، فما منهم أحد يريد استراق السمع، إلا رمي بشهاب، وهو الشعلة من النار، فلا يخطئه أبداً، فمنهم من يقتلهن ومنهم من يحرق وجهه، ومنهم من يخبله فيصير غولاً يضل الناس في البراري. قوله: (مستأنف) أي لبيان حالهم بعد حفظ السماء منهم وما يعتريهم من العذاب. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (أدغمت التاء في السين) أي بعد قلبها سيناً وإسكانها. قوله: (من آفاق السماء) أي نواحيها وجهاتها. قوله: (والاستثناء من ضمير يسمعون) أي و (من) في محل رفع بدل من الواو، أو في محل نصب على الاستثناء، والاستثناء على كل متصل، ويجوز أن تكون (من) شرطية، وجوابها ﴿ فَأَتْبَعَهُ ﴾ أو موصولة مبتدأ، وخبرها ﴿ فَأَتْبَعَهُ ﴾ وهو استثناء منقطع كقوله تعالى:﴿ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ﴾[الغاشية: ٢٢-٢٣].
قوله: ﴿ لاَّزِبٍ ﴾ من باب دخل، وقوله: (يلصق باليد) أي أنه لضعفه لا قوام له بنفسه. قوله: (المعنى أن خلقهم) إلخ، التفت المفسر إلى أنه توبيخ لهم على التكبر والعناد الذي منه إنكار البعث.
قوله: (للاستفهام) أي الإنكاري. قوله: (أو الضمير في لمبعوثون) أي على القراءة الثانية، فيكون مبعوثون عاملاً فيه أيضاً، إن قلت: إن ما بعد همزة الاستفهام، لا يعمل فيه ما قبلها، فكان الأولى أن يجعل مبتدأ خبره محذوف تقديره أو آباءنا يبعثون. أجيب: بأنها مؤكدة للأولى، لا مقصودة بالاستقبال، فالعبرة بتقديم المؤكد لا المؤكد. قوله: (والفاصل) أي بين المعطوف عليه، وهو ضمير الرفع المستتر، وبين المعطوف وهو ﴿ آبَآؤُنَا ﴾، فتحصل أنه على قراءة سكون الواو، ويتعين العطف على محل إن واسمها لا غير، وعلى قراءة فتحها يجوز هذا الوجه، ويجوز كونه معطوفاً على الضمير المستتر في ﴿ لَمَبْعُوثُونَ ﴾ ويكفي الفصل بهمزة الاستفهام، على حد قول ابن مالك، أو فاصل ما. قوله: ﴿ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ الجملة حالية، والعامل فيها معنى ﴿ نَعَمْ ﴾ كأنه قيل (تبعثون) والحال أنكم صاغرون لخروجهم من قبورهم، حاملين أوزارهم على ظهورهم.
قوله: (يتلاومون ويتخاصمون) أي يلوم بعضهم بعضاً، ويخاصم بعضهم بعضاً، كما قال تعالى في شأنهم﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾[الأعراف: ٣٨] بخلاف تساؤل المؤمنين في الجنة، فهو شكر وحدث بنعم الله عليهم. قوله: ﴿ عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾ يطلق على الحلف والجارحة المعلومة والقوة والدين والخير، والآية محتملة لتلك المعاني، والمفسر اختار الأول، وعليه فعن بمعنى من، والمعنى: كنتم تأتوننا من الجهة الني كنا نأمنكم منها؛ فتلك الجهة مصورة بحلفكم أنكم على الحق؛ إلخ. قوله: (المعنى أنكم أضللتمونا) هذا المعنى هو المراد على جميع الاحتمالات، لا على ما قاله المفسر فقط.
قوله: ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ أي عباد الله المخلصين. قوله: (إلى آخره) أي وهو قوله:﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴾[الصافات: ٤٩].
قوله: ﴿ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴾ أي أوقاته وصفاته، فلا ينافي آية﴿ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾[غافر: ٤٠] فإن المراد غير معلوم المقدار. قوله: (بدل) أي كل من كل، لأن جميع ما يؤكل في الجنة، إنما هو على سبيل التفكه والتلذذ، فلا فرق بين الرزق والفواكه. قوله: (لا لحفظ صحة) المناسب أن يقول: لا لحفظ بنية، قوله: (بخلق أجسادهم للأبد) أي فهم يدومون بدوام الله، لا يفنون أبداً. قوله: ﴿ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴾ أي معظمون مبجلون بالتحية وبالكلام اللين. قوله: ﴿ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ إما متعلق بمكرمون، أو خبر ثان، أو حال. قوله: ﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ ﴾ قال ابن عباس: على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد، والسرير ما بين صنعاء إلى الجابية، وما بين عدن إلى إيليا. قوله: ﴿ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ أي تواصلاً وتحابياً، وقيل: الأسرة تدور كيف شاؤوا، فلا يرى أحداً قفا أحد. قوله: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ ﴾ أي والطائف الولدان كما في آية﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾[الواقعة: ١٧-١٨] (هو الإناء بشرابه) أي فإن لم يكن فيه شراب، فإنه يسمى قدحاً، ويطلق الكأس على الخمر نفسه، من باب تسمية الشيء باسم محله. قوله: ﴿ مِّن مَّعِينٍ ﴾ أي ظاهر العيون، أو خارج من العيون، فعلى الأول اسم مفعول كمبيع، وعلى الثاني اسم فاعل من عان بمعنى نبع، وصف به خمر الجنة، لأنه يجري كالماء النابع. قوله: ﴿ بَيْضَآءَ ﴾ إما صفة لكأس أو للخمر. قوله: ﴿ لَذَّةٍ ﴾ إما صفة مشبهة، كصعب وسهل، فتكون مشتقة، فالوصف بها ظاهر، أو مصدر فالوصف بها مبالغة، أو على حذف مضاف أي ذات لذة قوله: (ما يغتال عقولهم) أي يفسدها، وقيل: الغول صداع في الرأس، وعليه فيكون ما بعده تأسيساً. قوله: ﴿ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ عن سببية، أي ولا هم ينزفون بسببها. قوله: (بفتح الزاي) أي مع ضم الياء، فهو مبني للمفعول، وقوله: (وكسرها) أي مع ضم الياء أيضاً، فهو مبني للفاعل وقراءتان سبعيتان، وقرئ شذوذاً بالفتح والكسر وبالفتح والضم. قوله: (من نزف الشارب) إلخ، أي فهو مأخوذ من الثلاثي والرباعي، والقراءتان السبعيتان على مقتضى أخذه من الرباعي فتدبر.
قوله: (هو استفهام تلذذ) أي فهو من كلام بعضهم لبعض، وقيل: من كلام المؤمنين للملائكة حين يذبح الموت، ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. قوله: (من تأييد الحياة) إلخ، لف ونشر مرتب. قوله: (الذي ذكر لأهل الجنة) أي من قوله:﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴾[الصافات: ٤١] إلخ.
قوله: (فخرجوا إلى عيد لهم) أي وكانوا في قرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمز. قوله: (زعموا التبرك عليه) أي أنها تتنزل عليه البركة. قوله: ﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ ﴾ أي في علم النجوم، متفكراً في أمر يعذرونه بسببه فيتركونه قوله: (أي سأسقم) جواب عما يقال: كيف قال: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ والحال أنه لم يكن سقيماً؟ وأجيب أيضاً: بأن المعنى سقيم القلب، من عبادتكم ما لا يضر ولا ينفع، وقد أشار بقوله: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ إلى سقم مخصوص وهو الطاعون، وكان الطاعون أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون منه العدوى، فتفرقوا عن إبراهيم خوفاً منها، فهربوا إلى عيدهم، وتركوه في بيت الأصنام، قوله: (وهي الأصنام) أي وكانت اثنين وسبعين صنماً، بعضها من حجر، وبعضها من خشب، وبعضها من ذهبن وبعضها من فضة، وبعضها من نحاس، وبعضها من حديد، وبعضها من رصاص، وكان كبيرها من ذهب مكللاً بالجواهر، وكان في عينيه ياقوتتان تتقدان نوراً. قوله: وعندها الطعام) الجملة حالية. قوله: ﴿ فَقَالَ ﴾ (استهزاء بهم) إن قلت: أي فائدة في خطاب ما لا يعقل؟ أجيب: بأنه لعل عنده من يسمع كلامه من خدمتها أو غيرهم. قوله: ﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي مال في خفية، من قولهم: راغ الثعلب روغاناً: تردد وأخذ الشيء خفية. قوله: (بالقوة) أي القدرة. قوله: ﴿ فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ ﴾ مرتب على محذوف قدره المفسر بقوله: (فبلغ قومه) إلخ. قوله: ﴿ يَزِفُّونَ ﴾ بكسر الزاي مع فتح الياء أو ضمها قراءتان سبعيتان. قوله: (فقالوا نحن نعبدها) إلخ، أي بعد ما سألوه وأجابهم، فلما تحققوا أنه هو الذي كسرها قالوا: (نحن نعبدها) إلخ، وقد تقدم بسط ذلك في الأنبياء. قوله: (موبخاً) أي على ما وقع منهم، ولا تضر ولا تنفع. قوله: (وما مصدرية) إلخ، ذكر فيها ثلاثة أوجه، وبقي اثنان كونها استفهامية، والمعنى: وأي شيء تعلمونه وكونها نافية؟ والمعنى: ليس العمل في الحقيقة لكم، وإنما هو لله تعالى. قوله: ﴿ بُنْيَاناً ﴾ قيل بنوا له حائطاً من الحجر، طوله في السماء ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، وملأوه من الحطب، وأوقدوا عليه النار، ثم تحيروا في كيفية رميه، فعلمهم إبليس المنجنيق، فصنعوه ووضعوه فيه ورموه فيها، فصارت عليه برداً وسلاماً. قوله: (وأضرموه بالنار) أي أوقدوه بها. قوله: (النار الشديدة) أي فكل نار بعضها فوق بعض تسمى جحيماً من الجحمة، وهي شدة التأجج. قوله: (المقعورين) أي بإبطال كيدهم، حيث جعلت عليه برداً وسلاماً.
قوله: ﴿ مَاذَا تَرَىٰ ﴾ يصح أن تكون ﴿ مَاذَا ﴾ مركبة، وحينئذ فهي منصوبة بترى، وما بعدها في محل نصب بالنظر، لأنها معلقة له، ويصح أن تكون ما استفهامية، وذا موصولة، فتكون ﴿ مَاذَا ﴾ مبتدأ وخبراً، وقوله: ﴿ تَرَىٰ ﴾ بفتحتين من الرأي، وفي قراءة سبعية ترى بالضم والكسر، والمفعولان محذوفان، أي تريني إياه من صبرك واحتمالك، وقرئ شذوذاً بضم ففتح، أي ما يخيل لك. قوله: (شاروه ليأنس) إلخ، أي وليعلم صبره وعزيمته على طاعة الله. قوله: ﴿ قَالَ يٰأَبَتِ ﴾ أي بفتح التاء وكسرها، قراءتان سبعيتان. قوله: (التاء عوض عن ياء الإضافة) أي فهي في محل جر، كما كانت الياء في محل جر. قوله: ﴿ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ ﴾ قال ابن اسحاق وغيره: لما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه: يا بني، خذ هذا الحبل والمدية، وانطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب، فلما خلا بابنه في الشعب، أخبره بما أمره الله به، فقال: ﴿ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ ﴾.
قوله: ﴿ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ أتى بها تبركاً وإشارة إلى أنه لا حول عن المعصية إلا بعصمة الله، ولا قوة على الطاعة إلا بمعونة الله. قوله: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ أي الوالد والولد. قوله: ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أي صرعه ورماه على شقه فوق التل الذي هو المكان المرتفع، قال ابن عباس: لما فعل ذلك الابن قال: يا أبت اسدد رباطي كي لا أضطرب، واكفف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء، فينقص أجري، وتراه أمي فتحزن، واستحد شفرتك، وأسرع بها على حلقي، ليكون أهون علي، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي عليها فافعل، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه، ثم أقبل عليه وهو يبكي، والابن يبكي، فلما وضع السكين على حلقه فلم تؤثر شيئاً، فاشتدها بالحجر مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك لا تستطيع أن تقطع شيئاً، فمنعت بقدرة الله تعالى، وقيل: ضرب الله صفيحة من نحاس على حلقه، والأول أبلغ في القدرة الإلهية، وهو منع الحديد عن اللحم، فعند ذلك قال الابن: يا أبت كبني لوجهي على جبيني، فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني، فأدركتك رأفة تحول بينك وبين أمر الله، وأنا أنظر إلى الشفرة فأجزع منها، ففعل ذلك إبراهيم، ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت، فنودي ﴿ يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ ﴾ إلخ. قوله: (بمنى) يذكر ويؤنث وبصرف ويمنع من الصرف باعتبار المكان والبقعة. قوله: (وأمرَّ السكين) هذا أحد قولين مشهورين، وهو ما تقدم عن ابن عباس، والآخر: أنه لم يمرّ السكين، بل لما أضجعه وأراد أم يمرَّ السكين جاءه النداء، وبالأول استدل أهل السنة، على أن الأمور العادية لا تؤثر شيئاً، لا بنفسها، ولا بقوة أودعها الله فيها، وإنما المؤثر هو الله تعالى، فتخلف القطع في ولد إبراهيم، وتخلف الاحراق في إبراهيم. قوله: (فجملة ناديناه جواب لما) إلخ، هذا أحد أوجه ثلاثة، والثاني أنه محذوف تقديره ظهر صبرهما، أو أجز لنا لهما الأجر، والثالث أن قوله: ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ بزيادة الواو. قوله: (بإفراج الشدة) المناسب أن يقول: بتفريج الشدة أو بفرجها، لأن الفعل فرج بالتخفيف والتشديد، فمصدره إما التفريج أو الفرج.
قوله: (قولان) أي وهما مبنيان على قولين آخرين: هل إسماعيل أكبر أو اسحاق؟ فمن قال بالأول، قال إن الذبيح اسماعيل، ومن قال بالثاني، قال إن الذبيح اسحاق، واعلم أن كلاً من القولين، قال به جماعة من الصحابة والتابعين، لكن القول بأن الذبيح اسحاق، أقوى في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة التابعين، حتى قال سعيد بن جبير: أرى إبراهيم ذبح اسحاق في المنام، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة، حتى أتى به المنحر بمنى، فلما صرف الله عنه الذبح، أمره أن يذبح به الكبش فذبحه، وسار إلى الشام مسيرة شهر في روحة واحدة، وطويت له الأدوية والجبال. وبقي قول ثالث، وهو الوقف عن الجزم بأحد القولين، وتفويض علم ذلك إلى الله تعالى. قوله: (كبش) ﴿ عَظِيمٍ ﴾ وقيل: إنه كان تيساً جبلياً أهبط عليه من ثبير. قوله: (وهو الذي قربه هابيل) أي ووصفه بالعظم، لكونه تقبل مرتين. قوله: (فذبحه السيد إبراهيم) أي وبقي قرناه معلقين على الكعبة، إلى أن احترق البيت في زمن ابن الزبير، وما بقي من الكبش أكلته السباع والطيور، لأن النار لا تؤثر فيما هو من الجنة. قوله: (مكبراً) روي أنه لما ذبحه قال جبريل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال إبراهيم: الله أكبر ولله الحمد، فصار سنة. قوله: (استدل بذلك) إلخ، أي وهو مذهب الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: لا دليل فيها، لأن اسحاق وقعت بعد البشارة به مرتين، مرة بوجوده، ومرة بنبوته، فمعنى قوله: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً ﴾ بشرنا بنبوة اسحاق بعد البشارة بوجوده. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ إما صفة لنبياً، أو حال من ضميره. قوله: ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا ﴾ خبر مقدم، وقوله: ﴿ مُحْسِنٌ ﴾ إلخ، مبتدأ مؤخر، وفيه إشارة إلى النسب، لا مدخل له في الهدى ولا في الضلال. قوله: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا ﴾ معطوف على ما قبله، عطف قصة على قصة، واللام موطئة لقسم محذوف تقديره: وعزتنا وجلالنا لقد أنعمنا إلخ؛ وتحدث الله بالامتنان على عباده من عظيم الشرف لهم، وقوله: (بالنبوة) أي المصاحبة للرسالة، لأنهما كانا رسولين، ولا مفهوم للنبوة، بل أعطاهما الله تعالى نعماً جمة دينية ودنيوية، وإنما خصها لأنها أشرف النعم. قوله: (بني إسرائيل) أي أولاد يعقوب. قوله: (أي استعباد فرعون إياهما) وسبب استيلائه عليهم: أن أصولهم قدموا مصر مع أبيهم يعقوب ليوسف حين كان ملكاً، فاستمروا بها، فلما ظهر فرعون وتكبر، استعبد ذريتهم وجعلهم خدماً للقبط.
قوله: (قيل هو ابن أخي هارون) إلخ، الصحيح أنه من ذرية هارون، لقول محمد بن اسحاق: هو الياس بن ياسين بن فنحاص بن معيزار بن هارون بن عمران وإلياس ابن عم اليسع. قوله: (وقيل غيره) من جملة ذلك، أنه هو إدريس، وقيل هو اليسع. قوله: (أرسل إلى قوم ببعلبك) حاصل قصته كما قال محمد بن اسحاق وعلماء السير والأخبار: لما قبض الله عز وجل حزقيل النبي صلى الله عليه وسلم، عظمت الأحداث في بني اسرائيل، وظهر فيهم الفساد والشرك، ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عز وجل، فبعث الله إليهم إلياس نبياً، وكانت الأنبياء يبعثون من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل، بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة، وكان يوشع لما فتح الشام، قسمها على بني إسرائيل، وإن سبطاً منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها، وهم الذين بعث إليهم الياس، وعليهم يومئذ ملك اسمه أرحب، وكان قد أضل قومه، وجبرهم على عبادة الأصنام، وكان له صنم من ذهب، طوله عشرون ذراعاً، وله أربعة وجوه، وكان اسمه بعلاً، وكانوا قد فتنوا به وعظموه، وجعلوا له أربعمائة سادن، وجعلوهم أبناءه، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل، ويتكلم بشريعة الضلال، والسدنة، يحفظونها عنه ويبلغونها الناس، وهم أهل بعلبك، وكان الياس يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل، وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به، إى ما كان من أمر الملك، فإنه آمن به وصدقه، فكان الياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده؛ ثم إن الملك ارتد واشتد غضبه على إلياس وقال: يا إلياس ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلاً، وهم بتعذيب إلياس وقتله، فلما أحس إلياس بالشر، رفضه وخرج عنه هارباً، ورجع الملك إلى عبادة بعل، ولحق إلياس بشواهق الجبال، فكان يأوي إلى الشعاب والكهوف، فبقي سبع سنين على ذلك خائفاً مستخفياً، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر، وهم في طلبه قد وضعوا عليه العون، والله يستره منهم، فلما طال الأمر على الياس، وسئم الكمون في الجبال، وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون، والله يستره منهم، فلما طال الأمر على الياس، وسئم الكمون في الجبال، وطال عصيان قومه، وضاق بذلك ذرعاً، دعا ربه عز وجل أن يريحه منهم، فقيل: انظر يوم كذا وكذا، فاخرج إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج الياس ومعه اليسع، حتى إذا كان بالموضع الذي أمر له، إذا أقبل فرس من نار، وقيل لونه كالنار، حتى وقف بين يدي الياس، حتى إذا كان بالموضع الذي أمر به، إذا أقبل فرس من نار، وقيل لونه كالنار، حتى وقف بين يدي الياس، فوثب عليه، فانطلق به الفرس، فناداه اليسع: يا الياس ما تأمرني. فقذف إليه الياس بكسائه من الجو الأعلى، فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني اسرائيل، وكان ذلك آخر العهد به، ورفع الله الياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، وكساه الريش، فصار إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً، ونبأ الله تعالى اليسع، وبعثه رسولاً إلى بني اسرائيل، وأوحى الله إليه وأيده، فآمنت به بنو اسرائيل، وكانوا يعظمونه وحكم الله تعالى فيهم قائم، إلى أن فارقهم اليسع، وقد أعطى الله الياس معجزات جمة منها: تسخير الجبال له، والأسود وغيرهما، وأعطاه الله قوة سبعين نبياً، وكان على صفة موسى في الغضب والقوة. روي أن الياس والخضر يصومان رمضان كل عام ببيت المقدس، ويحضران موسم الحج كل عام، ويفترقان على أربع كلمات: بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، وقيل في الرواية غير ذلك، والياس موكل بالفيافي والقفار، والخضر موكل بالبحار، ولا يموتان إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن. وعن أنس قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا عند عند فج الناقة، فسمعت صوتاً يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد، المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أنس انظر ما هذا الصوت؟ فدخلت الجبل، فإذا رجل عليه ثياب بيض، أبيض الرأس واللحية، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فلما رآني قال: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: نعم، قال: فارجع إليه فاقرأه السلام وقل له: هذا أخوك الياس يريد أن يلقاك، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فجاء يمشي وأنا معه، حتى إذا كنا قريباً منه، تقدم النبي وتأخرت أنا، فتحدثا طويلاً، فنزل عليهما من السماء شيء يشبه السفرة، ودعوان فأكلت معهما، وإذا فيها كمأة ورمان وحوت وكرسف، فلما أكلت قمت فتنحيت، فجاءت سحابة فحملته، وأنا أنظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي قبل السماء. انتهى.
﴿ فَسَوْفَ ﴾ للوعيد لا للتعبير. قوله: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا ﴾ إلخ، هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، وإنما صدرت هذه الجملة بالقسم، لتأكيد الاعتناء بتحقيق مضمونها، قوله: ﴿ كَلِمَتُنَا ﴾ إنما سمى الوعد بالنصر كلمة، مع أنه كلمات، لكون معنى الكل واحداً. قوله: (وهي لأغلبن أنا ورسلي) أي فيكون قوله: ﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ ﴾ جملة مستأنفة، وقوله: (أو هي قوله) ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ إلخ، أي وعليه فيكون بدلاً من ﴿ كَلِمَتُنَا ﴾ أو تفسيراً لها. قوله: ﴿ وَإِنَّ جُندَنَا ﴾ الجند في الأصل الأنصار والأعوان، والمراد منه أنصار دين الله، وهم المؤمنون، كما قال المفسر. قوله: (وإن لم ينتصر بعض منهم) إلخ، دفع بهذا ما يقال: قد شوهدت غلبة الكفار على المؤمنين في بعض الأزمان، فأجاب: بأن النصر إما في الآخرة للجميع، أو في الدنيا للبعض، فالمؤمنون منصورون على كل حال. أجيب أيضاً: بأن الأنبياء المأذون لهم في القتال، لا بد لهم من النصر في الدنيا، ولا تقع لهم هزيمة أبداً، وإنما إن وقع للكفار بعض غلبة، كما في أحد، فهو لحكم عظيمة، ولا تبيت على المؤمنين، بل ينصرون عليهم بصريح قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾[الأنفال: ٣٦] الآية، وأما غيرهم، فتارة ينصرون في الدنيا، وتارة لا، وإنما ينصرون في الآخرة. قوله: (تؤمر فيه بقتالهم) أي فكان أولاً مأموراً بالتبليغ والصبر، ثم لما كان في السنة الثانية من الهجرة، أمر صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وغزواته سبع وعشرون غزوة، قاتل في ثمان منها بنفسه: بدر وأحد والمصطلق والخندق وقريظة وخيبر وحنين والطائف.
قوله: ﴿ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ ﴾ أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها، كأنه قيل: ذي العزة، وقيل: المراد العزة المخلوقة الكائنة بين خلقه، ويترتب على كل من القولين مسألة اليمين، فعلى الأول ينعقد بها اليمين، لأنها من صفات الله تعالى، وعلى الثاني لا ينعقد، لأنها من صفات المخلوق. قوله: ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم.