تفسير سورة سورة الصافات من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن
المعروف بـفتح البيان
.
لمؤلفه
صديق حسن خان
.
المتوفي سنة 1307 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الصافاتوهي مائة واثنتان وثمانون آية وهي مكية
قال القرطبي : في قول الجميع. قال ابن عباس : نزلت بمكة وعن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات ) أخرجه النسائي والبيهقي في سننه.
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ يس والصافات يوم الجمعة ثم سأل الله أعطاه سؤله ) أخرجه ابن أبي داود في فضائل القرآن وابن النجار في تاريخه.
وعنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله ملوك حضرموت عند قدومهم عليه أن يقرأ عليهم شيئا مما أنزل إليه قرأ : والصافات صفا. حتى بلغ رب المشارق والمغارب ) الحديث أخرجه أبو نعيم في الدلائل والسلفي في الطيوريات.
ﰡ
ﭑﭒ
ﰀ
(والصافات صفاً) الواو للقسم، والمقسم به الملائكة، والمراد بالصافات التي تصف في السماء من الملائكة كصفوف الخلق في الدنيا قاله ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة.
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف (١) "، أخرجه أبو داود.
وقيل: إنها تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد، وقال الحسن: صفاً كصفوفهم عند ربهم في صلاتهم، وقيل: المراد بالصافات هنا الطير كما في قوله: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات) والأولى، هو الأول والصف ترتيب الجمع على خط كما يصف في الصلاة، وقيل: الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفاً في الصلاة وفي الجهاد ذكره القشيري:
_________
(١) صحيح الجامع/٢٦٤٥.
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف (١) "، أخرجه أبو داود.
وقيل: إنها تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد، وقال الحسن: صفاً كصفوفهم عند ربهم في صلاتهم، وقيل: المراد بالصافات هنا الطير كما في قوله: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات) والأولى، هو الأول والصف ترتيب الجمع على خط كما يصف في الصلاة، وقيل: الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفاً في الصلاة وفي الجهاد ذكره القشيري:
_________
(١) صحيح الجامع/٢٦٤٥.
ﭔﭕ
ﰁ
(فالزاجرات زجراً) أي الفاعلات للزجر من الملائكة إما لأنها تزجر السحاب كما قال السدي، وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ والنصائح، وقال قتادة: المراد بالزاجرات الزواجر من القرآن، وهي كل ما ينهي ويزجر
367
عن القبيح والأول أولى، وانتصاب صفاً وزجراً على المصدرية لتأكيد ما قبلهما وقيل: المراد بالزاجرات العلماء لأنهم هم الذين يزجرون أهل العاصي عن المعاصي والزجر في الأصل الدفع بقوة، وهو هنا قوة التصويت ومنه زجرت الإبل والغنم إذا أفزعتها بصوتك.
368
ﭗﭘ
ﰂ
(فالتاليات ذكراً) أي الملائكة التي تتلو القرآن كما قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير والسدي، وقيل: المراد جبريل وحده فذكر بلفظ الجمع تعظيماً له مع أنه لا يخلو من أتباع له من الملائكة، وقال قتادة: المراد كل من تلا ذكر الله وكتبه، وقيل: المراد آيات القرآن ووصفها بالتلاوة وإن كانت متلوة، كما في قوله: (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل). وقيل: لأن بعضها يتلو بعضاً ويتبعه.
وذكر الماوردي: أن التاليات هم الأنبياء يتلون الذكر على أممهم؛ وانتصاب ذكراً على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون مصدراً كما قبله، قيل: وهذه الفاء في قوله: فالزاجرات فالتاليات إما لترتيب الصفات أنفسها في الوجود، أو لترتيب موصوفاتها في الفضل؛ وفي الكل نظر.
وذكر الماوردي: أن التاليات هم الأنبياء يتلون الذكر على أممهم؛ وانتصاب ذكراً على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون مصدراً كما قبله، قيل: وهذه الفاء في قوله: فالزاجرات فالتاليات إما لترتيب الصفات أنفسها في الوجود، أو لترتيب موصوفاتها في الفضل؛ وفي الكل نظر.
(إن إلهكم لواحد) جواب القسم أي: أقسم الله بهذه الأقسام أنه واحد ليس له شريك وأجاز الكسائي: فتح إن الواقعة في جواب القسم وإنما أقسم بهذه الأشياء للتنبيه على شرف ذواتها وكمال مراتبها، والرد على عبدة الأصنام في قولهم، وللتأكيد لما تقدم لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عندهم، قال ابن الأنباري: الوقف على (لواحد) وقف حسن ثم يبتدىء.
(رب السموات والأرض) على معنى هو ربهما، وقيل: غير ذلك، والمعنى في الآية: إن وجود هذه المخلوقات على هذا الشكل البديع من أوضح الدلائل على وجود الصانع وقدرته وأنه رب ذلك كله، أي خالقه ومالكه (وما بينهما) أي من المخلوقات والكائنات.
368
(ورب المشارق) أعاد الرب فيها لما فيها من غاية ظهور آثار الربوبية وتجددها كل يوم، قيل: أراد مشارق الكواكب، والظاهر أنها مشارق الشمس، قيل: إن الله خلق للشمس كل يوم مشرقاً ومغرباً بعدد أيام السنة تطلع كل يوم من واحد منها، وتغرب في واحد، كذا قال ابن الأنباري وابن عبد البر، وأما قوله في سورة الرحمن (رب المشرقين ورب المغربين) فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال، وأقصر يوم في الأيام القصار، وكذلك في المغربين.
وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد بهما الجهة التي تشرق منها الشمس والجهة التي تغرب فيها، واقتصر على المشارق اكتفاء على حد: (سرابيل تقيكم الحر) أي والمغارب للشمس، ولم يعكس لأن شروق الشمس سابق على غروبها، وأيضاًً فالشروق أبلغ في النعمة وأكثر نفعاً من الغروب، فذكر المشرق تنبيهاً على كثرة إحسان الله تعالى على عباده، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق).
قال الكرخي: وجمع هنا المشرق وحذف مقابله وثناه في الرحمن وجمعه في المعارج وأفرده في المزمل مع ذكر مقابله في الثلاثة لأن القرآن نزل على المعهود من أساليب كلام العرب وفنونه، ومنها الإجمال والتفصيل والذكر والحذف والتثنية والجمع، والإفراد باعتبارات مختلفة، فأفرد وأجمل في المزمل أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما، وجمع وفصل في المعارج، أراد جميع مشارق السنة ومغاربها، وهي تزيد على سبعمائة، وثنى وفصل في الرحمن أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، وجمع وحذف هنا أراد جميع مشارق السنة، واقتصر عليه لدلالته على المحذوف كما مرت الإشارة إليه، وخص ما هنا بالجمع موافقة للجموع أول السورة، وبالحذف مناسبة للزينة إذ هي إنما تكون غالباً بالضياء والنور، وهما ينشآن من المشرق لا من المغرب وما في الرحمن بالتثنيه موافقة للتثنيه في (يسجدان) وفي: (فبأي آلاء ربكما
وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد بهما الجهة التي تشرق منها الشمس والجهة التي تغرب فيها، واقتصر على المشارق اكتفاء على حد: (سرابيل تقيكم الحر) أي والمغارب للشمس، ولم يعكس لأن شروق الشمس سابق على غروبها، وأيضاًً فالشروق أبلغ في النعمة وأكثر نفعاً من الغروب، فذكر المشرق تنبيهاً على كثرة إحسان الله تعالى على عباده، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق).
قال الكرخي: وجمع هنا المشرق وحذف مقابله وثناه في الرحمن وجمعه في المعارج وأفرده في المزمل مع ذكر مقابله في الثلاثة لأن القرآن نزل على المعهود من أساليب كلام العرب وفنونه، ومنها الإجمال والتفصيل والذكر والحذف والتثنية والجمع، والإفراد باعتبارات مختلفة، فأفرد وأجمل في المزمل أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما، وجمع وفصل في المعارج، أراد جميع مشارق السنة ومغاربها، وهي تزيد على سبعمائة، وثنى وفصل في الرحمن أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، وجمع وحذف هنا أراد جميع مشارق السنة، واقتصر عليه لدلالته على المحذوف كما مرت الإشارة إليه، وخص ما هنا بالجمع موافقة للجموع أول السورة، وبالحذف مناسبة للزينة إذ هي إنما تكون غالباً بالضياء والنور، وهما ينشآن من المشرق لا من المغرب وما في الرحمن بالتثنيه موافقة للتثنيه في (يسجدان) وفي: (فبأي آلاء ربكما
369
تكذبان).
وبذكر المقابلين موافقة لبسط صفاته تعالى وإنعاماته ثم، وما في المعارج بالجمع موافقة للجمع قبله وبعده، وبذكر المقابلين موافقة لكثرة التأكيد في القسم وجوابه، وما في المزمل بالإفراد موافقة لما قبله من إفراد ذكر النبي ﷺ وما بعده، من إفراد ذكر الله تعالى، وبذكر المقابلين موافقة للحصر في قوله: لا إله إلا هو، ولبسط أوامر الله تعالى لنبيه ﷺ ثمة.
وبذكر المقابلين موافقة لبسط صفاته تعالى وإنعاماته ثم، وما في المعارج بالجمع موافقة للجمع قبله وبعده، وبذكر المقابلين موافقة لكثرة التأكيد في القسم وجوابه، وما في المزمل بالإفراد موافقة لما قبله من إفراد ذكر النبي ﷺ وما بعده، من إفراد ذكر الله تعالى، وبذكر المقابلين موافقة للحصر في قوله: لا إله إلا هو، ولبسط أوامر الله تعالى لنبيه ﷺ ثمة.
370
(إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) المراد بالسماء الدنيا التي تلي الأرض من الدنو وهو القرب، فهي أقرب السموات إلى الأرض، قرأ الجمهور بإضافة زينة إلى الكواكب والمعنى زيناها بتزيين الكواكب، أي بحسنها وقرىء: بتنوين زينة وخفض الكواكب علي أنها بدل من الزينة علي أن المراد بالزينة الاسم لا المصدر، والتقدير بعد طرح المبدل منه: إنا زينا السماء بالكواكب فإن الكواكب في أنفسها زينة عظيمة فإنها في الليلة المظلمة في أعين الناظرين لها كالجواهر المتلألئة علي سطح أزرق.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه بتنوين زينة ونصب الكواكب، على أن الزينة مصدر، وفاعله محذوف، والتقدير بأن الله زين الكواكب بكونها مضيئة حسنة في أنفسها، أو تكون الكواكب منصوبة بإضمار أعني، أو بدلاً من السماء بدل اشتمال، وقيل: المعنى بضوء الكواكب لأن الضوء والنور من أحسن الصفات وأكملها، ولو لم تحصل هذه الكواكب في السماء لكانت شديدة الظلمة عند غروب الشمس، وقيل: زينتها أشكالها المتناسبة والمختلفة في الشكل، كشكل الجوزاء وبنات نعش، وغيرها وقيل: غير ذلك.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه بتنوين زينة ونصب الكواكب، على أن الزينة مصدر، وفاعله محذوف، والتقدير بأن الله زين الكواكب بكونها مضيئة حسنة في أنفسها، أو تكون الكواكب منصوبة بإضمار أعني، أو بدلاً من السماء بدل اشتمال، وقيل: المعنى بضوء الكواكب لأن الضوء والنور من أحسن الصفات وأكملها، ولو لم تحصل هذه الكواكب في السماء لكانت شديدة الظلمة عند غروب الشمس، وقيل: زينتها أشكالها المتناسبة والمختلفة في الشكل، كشكل الجوزاء وبنات نعش، وغيرها وقيل: غير ذلك.
(وحفظاً) أي حفظناها حفظاً، وقيل: زيناها بالكواكب للحفظ، وقيل: إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً (من كل شيطان مارد) أي عات متمرد خارج عن الطاعة، يرمي بالكواكب والشهب، كقوله: (إنا زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين).
370
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (١١)
371
(لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى) مستأنفة لبيان حالهم بعد حفظ السماء منهم، وقال أبو حاتم: أي لئلا يسمعوا ثم حذف أن فرفع الفعل وكذا قال الكلبي، قال النسفي: وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله، فإن كل واحد من الحرفين غير مردود على انفراده، ولكن اجتماعهما منكر، والفرق بين سمعت فلاناً يتحدث، وسمعت إليه يتحدث، وسمعت حديثه، وإلى حديثه، أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك انتهى. والملأ الأعلى أهل السماء الدنيا فما فوقها، وسمى الكل منهم أعلى بإضافته إلى ملأ الأرض لأنهم سكان السماء، والضمير في يسمعون للشياطين، وقيل: إن جملة (لا يسمعون) صفة لكل شيطان.
وقيل: جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: فما حالهم بعد حفظ السماء عنهم؟ فقال: (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) قرأ الجمهور: بسكون السين وتخفيف الميم، وقرىء بتشديدهما والأصل يتسمعون فالأولى تدل على انتفاء سماعهم دون استماعهم، والثانية تدل على انتفائهما وفي معنى الأولى قوله تعالى: (إنهم عن السمع لمعزولون) قال مجاهد: كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون، واختار الثانية أبو عبيدة قال لأن العرب لا تكاد تقول سمعت إليه، وتقول تسمعت إليه، وكان ابن عباس يقرأ مخففة وقال: إنهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون.
(ويقذفون من كل جانب
وقيل: جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: فما حالهم بعد حفظ السماء عنهم؟ فقال: (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) قرأ الجمهور: بسكون السين وتخفيف الميم، وقرىء بتشديدهما والأصل يتسمعون فالأولى تدل على انتفاء سماعهم دون استماعهم، والثانية تدل على انتفائهما وفي معنى الأولى قوله تعالى: (إنهم عن السمع لمعزولون) قال مجاهد: كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون، واختار الثانية أبو عبيدة قال لأن العرب لا تكاد تقول سمعت إليه، وتقول تسمعت إليه، وكان ابن عباس يقرأ مخففة وقال: إنهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون.
(ويقذفون من كل جانب
دحوراً) أي يرمون من كل جانب من جوانب السماء ونواحيها وجهاتها بالشهب إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع،
371
والدحور الطرد، تقول: دحرته دحراً ودحوراً طردته، قرىء يقذفون مبنياً للمفعول وللفاعل، وهي غير مطابقة لما هو المراد من النظم القرآني، وقيل: دحوراً أي مدحورين، وقيل: هو جمع داحر نحو قاعد وقعود فيكون حالاً، وقيل: إنه مصدر لمقدر أي يدحرون دحوراً.
وقال الفراء: إن المعنى يقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذفت الباء فانتصب بنزع الخافض، قرأ الجمهور دحوراً بضم الدال، وقرىء بفتحها، واختلف هل كان هذا الرمي لهم بالشهب قبل المبعث أو بعده، فقال بالأول طائفة وبالآخر آخرون، وقالت طائفة بالجمع بين القولين إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رمياً يقطعها عن السمع، ولكن كانت ترمى وقتاً ولا ترمى وقتاً آخر وترمى من جانب ولا ترمى من جانب آخر ثم بعد المبعث رميت في كل وقت ومن كل جانب حتى صارت لا تقدر على استماع شيء.
(ولهم عذاب واصب) أي دائم لا ينقطع والمراد به العذاب في الآخرة غير العذاب الذي لهم في الدنيا من الرمي بالشهب، وقال مقاتل: يعني دائماً إلى النفخة الأولى، والأول أولى.
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب الدائم وقال السدي وأبو صالح والكلبي هو الموجع الذي يصل وجعه إلى القلب، مأخوذ من الوصب أو الوصوب وهو المرض، وقيل هو الشديد.
وقال الفراء: إن المعنى يقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذفت الباء فانتصب بنزع الخافض، قرأ الجمهور دحوراً بضم الدال، وقرىء بفتحها، واختلف هل كان هذا الرمي لهم بالشهب قبل المبعث أو بعده، فقال بالأول طائفة وبالآخر آخرون، وقالت طائفة بالجمع بين القولين إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رمياً يقطعها عن السمع، ولكن كانت ترمى وقتاً ولا ترمى وقتاً آخر وترمى من جانب ولا ترمى من جانب آخر ثم بعد المبعث رميت في كل وقت ومن كل جانب حتى صارت لا تقدر على استماع شيء.
(ولهم عذاب واصب) أي دائم لا ينقطع والمراد به العذاب في الآخرة غير العذاب الذي لهم في الدنيا من الرمي بالشهب، وقال مقاتل: يعني دائماً إلى النفخة الأولى، والأول أولى.
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب الدائم وقال السدي وأبو صالح والكلبي هو الموجع الذي يصل وجعه إلى القلب، مأخوذ من الوصب أو الوصوب وهو المرض، وقيل هو الشديد.
372
(إلا من خطف الخطفة) الاستثناء هو من قوله (لا يسمعون) أو من قوله (ويقذفون) وقيل الاستثناء راجع إلى غير الوحي لقوله: (إنهم عن السمع لمعزولون) بل يخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة، ويدور بينهم مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض، والخطف الاختلاس مسارقة وأخذ الشيء بسرعة، قرأ الجمهور: خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة وقرىء بكسرهما وتشديد الطاء وهي لغة تميم بن مر وبكر بن وائل وقرىء بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة: وقرأ ابن عباس بكسرهما مع تخفيف
372
الطاء، وقيل إن الاستثناء منقطع.
(فأتبعه) أي لحقه وتبعه (شهاب ثاقب) أي نجم مضيء أو مستوقد فيحرقه أو يقتله ويخبله، وربما لا يحرقه، فيلقي إلى إخوانه ما خطفه وليست الشهب التي ترجم بها هي من الكواكب الثوابت، بل من غير الثوابت وأصل الثقوب الإضاءة. قال الكسائي: ثقبت النار تثقب ثقابة إذا اتقدت وهذه الآية هي كقوله:
(إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين)، قال ابن عباس: إذا رمى الشهاب لم يخطىء، من رمي به، وتلا: فأتبعه شهاب ثاقب وقال: لا يقتلون بالشهاب ولا يموتون، ولكنها تحرق وتخبل وتجرح في غير قتل.
قال سليمان الجمل قالوا: إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل منها شعلة يرمي بها الشيطان والكواكب باقية بحالها، وهذا كمثل القبس الذي يؤخذ من النار وهي على حالها ويعود الشيطان مرة أخرى مع أنه يعلم أنه يصاب ولا يصل إلى مقصوده رجاء نيل المطلوب. وطمعاً في السلامة، كراكب البحر فإنه يشاهد الغرق أحياناً لكن يعود إلى ركوبه رجاء السلامة ونيل المقصود.
(فأتبعه) أي لحقه وتبعه (شهاب ثاقب) أي نجم مضيء أو مستوقد فيحرقه أو يقتله ويخبله، وربما لا يحرقه، فيلقي إلى إخوانه ما خطفه وليست الشهب التي ترجم بها هي من الكواكب الثوابت، بل من غير الثوابت وأصل الثقوب الإضاءة. قال الكسائي: ثقبت النار تثقب ثقابة إذا اتقدت وهذه الآية هي كقوله:
(إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين)، قال ابن عباس: إذا رمى الشهاب لم يخطىء، من رمي به، وتلا: فأتبعه شهاب ثاقب وقال: لا يقتلون بالشهاب ولا يموتون، ولكنها تحرق وتخبل وتجرح في غير قتل.
قال سليمان الجمل قالوا: إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل منها شعلة يرمي بها الشيطان والكواكب باقية بحالها، وهذا كمثل القبس الذي يؤخذ من النار وهي على حالها ويعود الشيطان مرة أخرى مع أنه يعلم أنه يصاب ولا يصل إلى مقصوده رجاء نيل المطلوب. وطمعاً في السلامة، كراكب البحر فإنه يشاهد الغرق أحياناً لكن يعود إلى ركوبه رجاء السلامة ونيل المقصود.
373
(فاستفتهم) أي اسأل الكفار المنكرين للبعث (أهم أشد خلقاً)؟ وأقوى أجساماً وأعظم أعضاء وأمتن بنية وأشق إيجاداً وأصعب خلقاً (أم من خلقنا) من السموات والأرض والجبال والملائكة؟ قال الزجاج: المعنى فاسألهم سؤال تقرير أهم أحكم صنعة؟ أم من خلقنا قبلهم ممن قبلهم من الأمم السالفة؟ يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمنهم من العذاب. قرىء: أم من خلقنا بتشديد الميم وهي أم المتصلة عطفت من على هم وقرىء بتخفيفها وهو استفهام ثان فالهمزة للاستفهام أيضاًً، ومن مبتدأ وخبره محذوف أي الذين خلقناهم أشد فهماً جملتان مستقلتان، وغلب من يعقل على غيره فلذلك أتى بـ (من) قاله
373
السمين وتكتب (أم) مفصولة من (من) في هذا الموضع ثم ذكر خلق الإنسان فقال:
(إنا خلقناهم) أي في ضمن خلق أبيهم آدم (من طين لازب) أي لاصق. يقال: لزب يلزب لزوبا إذا لصق من باب دخل، وقال قتادة وابن زيد: اللازب اللاصق، وقال عكرمة: اللازب اللزج، وقال سعيد ابن جبير: اللازب الجيد الذي يلصق باليد، وقال مجاهد: هو اللازم والعرب تقول: طين لازب ولازم تبدل الباء من الميم واللازم الثابت كما يقال: صار الشيء ضربة لازب ومنه قول النابغة:
وحكى الفراء عن العرب طين لاتب بمعنى لازم؛ واللاتب الثابت، قال الأصمعي: واللاتب اللاصق مثل اللازب، والمعنى في الآية أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد وهم مخلوقون من هذا الخلق الضعيف، ولم ينكره من هو مخلوق خلقاً أقوى منهم وأعظم وأكمل وأتم، وقيل: إن اللازب هو المنتن قاله مجاهد والضحاك.
قيل وقد قرىء لازم ولاتب ولا أدري من قرأ بذلك، قال ابن عباس: لازب ملتصق، وقال: اللزج الجيد، وقال اللازب والحمأ والطين واحد، كان أوله تراباً، ثم صار حمأ منتناً، ثم صار طيناً لازباً فخلق الله منه آدم.
وعن ابن مسعود: اللازب الذي يلصق بعضه إلى بعض. والآية تشهد عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب -الذي خلقوا منه- تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله؟ حيث قالوا: أئذا كنا تراباً، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث، والغرض من هذا السياق إثبات المعاد والرد عليهم في دعوى استحالته، ثم أضرب سبحانه عن الكلام السابق فقال:
(إنا خلقناهم) أي في ضمن خلق أبيهم آدم (من طين لازب) أي لاصق. يقال: لزب يلزب لزوبا إذا لصق من باب دخل، وقال قتادة وابن زيد: اللازب اللاصق، وقال عكرمة: اللازب اللزج، وقال سعيد ابن جبير: اللازب الجيد الذي يلصق باليد، وقال مجاهد: هو اللازم والعرب تقول: طين لازب ولازم تبدل الباء من الميم واللازم الثابت كما يقال: صار الشيء ضربة لازب ومنه قول النابغة:
لا تحسبون الخير لا شر بعده | ولا تحسبون الشر ضربة لازب |
قيل وقد قرىء لازم ولاتب ولا أدري من قرأ بذلك، قال ابن عباس: لازب ملتصق، وقال: اللزج الجيد، وقال اللازب والحمأ والطين واحد، كان أوله تراباً، ثم صار حمأ منتناً، ثم صار طيناً لازباً فخلق الله منه آدم.
وعن ابن مسعود: اللازب الذي يلصق بعضه إلى بعض. والآية تشهد عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب -الذي خلقوا منه- تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله؟ حيث قالوا: أئذا كنا تراباً، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث، والغرض من هذا السياق إثبات المعاد والرد عليهم في دعوى استحالته، ثم أضرب سبحانه عن الكلام السابق فقال:
374
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)
375
(بل عجبت) يا محمد من قدرة الله سبحانه أو من تكذيبهم إياك، قرأ الجمهور بفتح التاء من عجبت على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقرىء بضمها، وقال الفراء: قرأها الناس بنصب التاء ورفعها والرفع أحب إليّ لأنها عن علي وعبد الله وابن عباس، قال: والعجب إن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد.
قال الهروي: قال بعض الأئمة معنى بل عجبت بل جازيتهم على عجبهم لأن الله أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الخلق، كما قال: (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) وقالوا: (إن هذا لشيء عجاب) (أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم)؟ وقال علي بن سليمان: معنى القراءتين واحد، والتقدير: قل يا محمد: بل عجبت لأن النبي ﷺ مخاطب بالقرآن، قال النحاس: وهذا قول حسن، وإضمار القول كثير، وقيل: إن معنى الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين، قال الهروي: ويقال معنى عجب ربكم أي رضى ربكم وأثاب، فسماه عجباً، وليس بحجب في الحقيقة فيكون معنى عجبت هنا عظم فعلهم عندي. وحكى النقاش: أن معنى بل عجبت بل أنكرت.
قال الهروي: قال بعض الأئمة معنى بل عجبت بل جازيتهم على عجبهم لأن الله أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الخلق، كما قال: (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) وقالوا: (إن هذا لشيء عجاب) (أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم)؟ وقال علي بن سليمان: معنى القراءتين واحد، والتقدير: قل يا محمد: بل عجبت لأن النبي ﷺ مخاطب بالقرآن، قال النحاس: وهذا قول حسن، وإضمار القول كثير، وقيل: إن معنى الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين، قال الهروي: ويقال معنى عجب ربكم أي رضى ربكم وأثاب، فسماه عجباً، وليس بحجب في الحقيقة فيكون معنى عجبت هنا عظم فعلهم عندي. وحكى النقاش: أن معنى بل عجبت بل أنكرت.
375
قال الحسن بن الفضل: التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه، وهو لغة العرب، وقيل: معناه الإنكار والذم، وسئل الجنيد رحمه الله عن هذه الآية فقال: إن الله لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله ولما عجب رسوله قال: (وإن تعجب فعجب قولهم)، أي هو كما تقوله، وقيل: معناه أنه بلغ في كمال قدرته وكثرة مخلوقاته إلى حيث عجب منها (١).
(و) هؤلاء لجهلهم (يسخرون) منها والواو للحال، أي والحال، أنهم يسخرون أو للاستئناف والمعنى: ويسخرون منك بسبب تعجبك؛ أو بما تقوله من إثبات المعاد
_________
(١) روى أحمد في مسنده ٤/ ١٥١: إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليس له صبوه.
(و) هؤلاء لجهلهم (يسخرون) منها والواو للحال، أي والحال، أنهم يسخرون أو للاستئناف والمعنى: ويسخرون منك بسبب تعجبك؛ أو بما تقوله من إثبات المعاد
_________
(١) روى أحمد في مسنده ٤/ ١٥١: إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليس له صبوه.
376
(وإذا ذكروا لا يذكرون) أي وإذ وعظوا بموعظة من مواعظ الله أو مواعظ رسوله لا يتعظون بها ولا ينتفعون بما فيها. قال سعيد ابن المسيب: أي إذا ذكر لهم ما حل بالمكذبين ممن كان قبلهم أعرضوا عنه ولم يتدبروا.
(وإذا رأوا آية) أي معجزة من معجزات رسول الله ﷺ كانشقاق القمر (يَسْتَسْخِرُونَ) أي يبالغون في السخرية. قال قتادة: يسخرون ويقولون: إنها سخرية، يقال: سخر واستسخر بمعنى مثل: قر واستقر، وعجب واستعجب، والأول أولى، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وقيل: المعنى يستدعون السخرى من غيرهم، وقال مجاهد: يستهزئون
(وقالوا إن هذا إلا سحر مبين) أي ما هذا الذي تأتينا به إلا سحر واضح ظاهر.
(أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون) الاستفهام للإنكار أي أنبعث إذا متنا، فالعامل في إذا هو ما دل عليه أئنا لمبعوثون، وهو أنبعث؟ لا نفس مبعوثون لتوسط ما يمنع من عمله فيه، فبدلوا الفعلية بالاسمية، وقدموا الظرف وكرروا الهمزة مبالغة في الإنكار، وإشعاراً بأن البعث مستنكر في نفسه، وفي هذه الحالة أشد استنكاراً وهذا الإنكار للبعث منهم هو السبب
376
الذي لأجله كذبوا الرسل وما نزل عليهم، واستهزأوا بما جاؤوا به من المعجزات، وقد تقدم تفسير معنى هذه الآية في مواضع.
377
ﯗﯘ
ﰐ
(أو آباؤنا الأولون) هو مبتدأ وخبره محذوف أي آباؤنا الأولون مبعوثون يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل، وقيل: معطوف على إن واسمها، وقيل: على الضمير في مبعوثون لوقوع الفصل بينهما والهمزة للإنكار داخلة على حرف العطف ولهذا قرأ الجمهور بفتح الواو وقرىء: بسكونها على أن أو هي العاطفة، وليست الهمزة للاستفهام، ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عنهم تبكيتاً لهم فقال:
(قل نعم) كلكم مبعوثون (وأنتم داخرون) أي صاغرون ذليلون والخطاب لهم ولآبائهم بطريق التغليب، والجملة حال من فاعل ما دل عليه نعم، قال الواحدي: والدخور أشد الصغار، ثم ذكر سبحانه أن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال:
(فإنما) أي إذا كان الأمر كذلك فإنما.
(هي زجرة واحدة) أو لا تستصعبوه، فإنما هي زجرة واحدة، والضمير للقصة أو البعثة المفهومة مما قبلها أي إنما قصة البعث أو البعثة صيحة واحدة من إسرافيل بنفخة في الصور عند البعث، وقال الحسن: هي النفخة الثانية، وسميت الصيحة زجرة لأن المقصود منها الزجر من قولك: زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها.
(فإذا هم) أحياء بصراء (ينظرون) أي يبصرون سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يفعل الله بهم من العذاب والأول أولى.
(هي زجرة واحدة) أو لا تستصعبوه، فإنما هي زجرة واحدة، والضمير للقصة أو البعثة المفهومة مما قبلها أي إنما قصة البعث أو البعثة صيحة واحدة من إسرافيل بنفخة في الصور عند البعث، وقال الحسن: هي النفخة الثانية، وسميت الصيحة زجرة لأن المقصود منها الزجر من قولك: زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها.
(فإذا هم) أحياء بصراء (ينظرون) أي يبصرون سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يفعل الله بهم من العذاب والأول أولى.
(وقالوا) أي قال أولئك المبعوثون لما عاينوا البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا (يا ويلنا) دعوا بالويل على أنفسهم، قال الزجاج: الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة، وقال الفراء: إن أصله يا وي لنا ووي بمعنى الحزن، كأنه قال: يا حزن لنا، قال النحاس: ولو كان كما قال لكان منفصلاً، وهو في المصحف متصل، ولا نعلم أحداً يكتبه إلا متصلاً والوقف هنا تام لأن ما بعده كلام مستقل وجملة.
377
(هذا يوم الدين) تعليل لدعائهم بالويل على أنفسهم، والدين الجزاء، فكأنهم قالوا: هذا اليوم الذي نجازى فيه بأعمالنا من الكفر والتكذيب للرسل فأجابتهم الملائكة بقولهم:
378
(هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) ويجوز أن يكون هذا من قول بعضهم لبعض، والفصل الحكم والقضاء لأنه يفصل فيه بين المحسن والمسيء.
(احشروا الذين ظلموا) هو أمر من الله سبحانه للملائكة بأن يحشروا المشركين (وأزواجهم) وهم أشباههم في الشرك والتابعون لهم في الكفر والمشايعون لهم في تكذيب الرسل، كذا قال قتادة وأبو العالية، وقال الحسن ومجاهد: والمراد بأزواجهم نساؤهم المشركات الموافقات لهم على الكفر والظلم، وقال الضحاك أزواجهم قرناؤهم من الشياطين يحشر كل كافر مع شيطانه، وبه قال مقاتل.
قال ابن عباس: تقول الملائكة للزبانية هذا القول أو خطاب من بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف، وقيل: من الموقف إلى الجحيم، وعن عمر بن الخطاب قال: أمثالهم الذين هم مثلهم يجيء أصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر، أزواج في الجنة وأزواج في النار، وعن ابن عباس أيضاًً قال: أشباههم، وفي لفظ نظراؤهم، أي من العصاة عابد الصنم مع عبدة الأصنام وعابد الكوكب مع عبدة الكواكب، كقوله:
(وكنتم أزواجاً ثلاثة) ولا مانع من حمل الآية على الجميع.
(وما كانوا يعبدون
قال ابن عباس: تقول الملائكة للزبانية هذا القول أو خطاب من بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف، وقيل: من الموقف إلى الجحيم، وعن عمر بن الخطاب قال: أمثالهم الذين هم مثلهم يجيء أصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر، أزواج في الجنة وأزواج في النار، وعن ابن عباس أيضاًً قال: أشباههم، وفي لفظ نظراؤهم، أي من العصاة عابد الصنم مع عبدة الأصنام وعابد الكوكب مع عبدة الكواكب، كقوله:
(وكنتم أزواجاً ثلاثة) ولا مانع من حمل الآية على الجميع.
(وما كانوا يعبدون
من دون الله) من الأصنام والشياطين ونحوها، وهذا العموم المستفاد من ما الموصولة، فإنها عبارة عن المعبودين لا عن العابدين كما قيل: مخصوص، لأن من طوائف الكفار من عبد المسيح، ومنهم من عبد الملائكة، فيخرجون بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) ووجه حشر الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل هو زيادة التبكيت لعابديها، وتخجيلهم وإظهار أنها لا تنفع ولا تضر، وقيل: الموصول عبارة عن المشركين خاصة جيء به لتعليل الحكم بما في حيز صلته، فلا عموم
378
ولا تخصيص.
(فاهدوهم إلى صراط الجحيم) أي عرفوا هؤلاء المحشورين طريق النار وسوقوهم إليها، يقال: هديته الطريق وهديته إليها أي دللته عليها، وفي هذا تهكم بهم وقال ابن عباس: وجهوهم ودلوهم إلى طريق النار.
(فاهدوهم إلى صراط الجحيم) أي عرفوا هؤلاء المحشورين طريق النار وسوقوهم إليها، يقال: هديته الطريق وهديته إليها أي دللته عليها، وفي هذا تهكم بهم وقال ابن عباس: وجهوهم ودلوهم إلى طريق النار.
379
(وقفوهم) أي احبسوهم في الموقف، يقال: وقفت الدابة أقفها وقفاً فوقفت هي وقوفاً يتعدى ولا يتعدى، وهذا الحبس لهم يكون قبل السوق إلى جهنم أي وقفوهم للحساب، ثم سوقوهم إلى النار بعد ذلك، كأن الملائكة سارعوا إلى ما أمروا به من حشرهم إلى الجحيم فأمروا بذلك.
(إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) تعليل للجملة الأولى أي ذلك ليس للعفو عنهم، ولا ليستريحوا بتأخير العذاب في الجملة، بل ليسألوا لكن لا عن عقائدهم، وأعمالهم، كما قيل، فإن ذلك قد وقع قبل الأمر بهم إلى الجحيم، بل عما ينطق به قوله الآتي: ما لكم بطريق التهكم والتوبيخ. قال الكلبي: أي مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم أي جميعها، وقال الضحاك: عن خطاياهم، وقيل: عن لا إله إلا الله. وقيل: عن ظلم العباد، وقال ابن عباس: احبسوهم إنهم محبوسون.
وأخرج البخاري في تاريخه والدارمي والترمذي وابن جرير والحاكم وغيرهم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً معه يوم القيامة لازماً به لا يفارقه، وإن دعا رجل رجلاً، ثم قرأ: وقفوهم إنهم مسؤولون (١) ".
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه وفي رواية عن شبابه فيم أبلاه "، (٢) وأخرجه الترمذي.
_________
(١) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير والترمذي عن أنس بن مالك مرفوعاً.
(٢) صحيح الجامع ٧١٧٦/ ٧١٧٧.
(إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) تعليل للجملة الأولى أي ذلك ليس للعفو عنهم، ولا ليستريحوا بتأخير العذاب في الجملة، بل ليسألوا لكن لا عن عقائدهم، وأعمالهم، كما قيل، فإن ذلك قد وقع قبل الأمر بهم إلى الجحيم، بل عما ينطق به قوله الآتي: ما لكم بطريق التهكم والتوبيخ. قال الكلبي: أي مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم أي جميعها، وقال الضحاك: عن خطاياهم، وقيل: عن لا إله إلا الله. وقيل: عن ظلم العباد، وقال ابن عباس: احبسوهم إنهم محبوسون.
وأخرج البخاري في تاريخه والدارمي والترمذي وابن جرير والحاكم وغيرهم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً معه يوم القيامة لازماً به لا يفارقه، وإن دعا رجل رجلاً، ثم قرأ: وقفوهم إنهم مسؤولون (١) ".
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه وفي رواية عن شبابه فيم أبلاه "، (٢) وأخرجه الترمذي.
_________
(١) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير والترمذي عن أنس بن مالك مرفوعاً.
(٢) صحيح الجامع ٧١٧٦/ ٧١٧٧.
379
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥)
380
(مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ) أي أيُّ شيء لكم لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا، وتأخير هذا السؤال إلى ذلك الوقت لأنه وقت تنجيز العذاب وشدة الحاجة إلى النصرة، وحالة انقطاع الرجاء عنها بالكلية، فالتوبيخ حينئذ أشد وقعاً وتأثيراً وأصل تناصرون تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفاً، وقيل: الإشارة بقوله: (ما لكم) إلى قول أبي جهل يوم بدر نحن جميع منتصر، ثم أضرب سبحانه عما تقدم إلى بيان الحالة التي هم عليها هنالك فقال:
(بل هم اليوم مستسلمون) أي منقادون لعجزهم عن الحيلة، قال قتادة: مستسلمون خاضعون في عذاب الله، وقال الأخفش: ملقون بأيديهم، يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع.
(وأقبل بعضهم) أي بعض الكفار (على بعض يتساءلون) أي يتلاومون ويتخاصمون، قيل: هم الأتباع والرؤساء يسأل بعضهم بعضاً سؤال توبيخ وتقريع ومخاصمة، قال ابن عباس: ذلك إذا بعثوا في النفخة الثانية وقال مجاهد: هو قول الكفار للشياطين، وقال قتادة: هو قول الإنس للجن، والأول أولى لقوله:
(قالوا إنكم تأتوننا) في الدنيا.
(عن اليمين) أي من جهة الحق والدين والطاعة وتصدوننا عنها قال
(عن اليمين) أي من جهة الحق والدين والطاعة وتصدوننا عنها قال
380
الزجاج: كنتم تأتوننا من قبل الدين فتروننا أن الدين والحق ما تضلوننا به، واليمين عبارة عن الحق، وهذا كقوله تعالى إخبارا عن إبليس:
(ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم).
قال الواحدي: قال أهل المعاني: إن الرؤساء كانوا قد حلفوا لهؤلاء الاتباع أن ما يدعونهم إليه هو الحق فوثقوا بإيمانهم فمعنى تأتوننا عن اليمين أي من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها، قال: والمفسرون على القول الأول. وقيل: المعنى تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك عن جهة النصح، والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح، وقيل: اليمين بمعنى القوة أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر، كما في قوله: (فراغ عليهم ضرباً باليمين) أي بالقوة، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر وكذلك جملة:
(ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم).
قال الواحدي: قال أهل المعاني: إن الرؤساء كانوا قد حلفوا لهؤلاء الاتباع أن ما يدعونهم إليه هو الحق فوثقوا بإيمانهم فمعنى تأتوننا عن اليمين أي من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها، قال: والمفسرون على القول الأول. وقيل: المعنى تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك عن جهة النصح، والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح، وقيل: اليمين بمعنى القوة أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر، كما في قوله: (فراغ عليهم ضرباً باليمين) أي بالقوة، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر وكذلك جملة:
381
(قالوا بل لم تكونوا مؤمنين) أي قال الرؤساء أو الشياطين لهؤلاء القائلين: كنتم تأتوننا عن اليمين، بل لم تكونوا مؤمنين ولم نمنعكم من الإيمان والمعنى أنكم لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم عن الإيمان إلى الكفر، بل كنتم من الأصل على الكفر فأقمتم عليه، أجابوا بأجوبة خمسة الأول (بل لم تكونوا) الخ.
والثاني قوله:
والثاني قوله:
(وما كان لنا عليكم من سلطان) أي قوة وقدرة وتسلط بقهر وغلبة حتى ندخلكم في الكفر ونخرجكم من الإيمان.
والثالث قوله: (بل كنتم قوماً طاغين) أي متجاوزين الحد في الكفر والضلال.
والرابع قوله:
والثالث قوله: (بل كنتم قوماً طاغين) أي متجاوزين الحد في الكفر والضلال.
والرابع قوله:
(فحق علينا) أي وجب علينا وعليكم ولزمنا (قول ربنا) يعنون قوله تعالى: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) (إنا) جميعاً (لذائقون) العذاب الذي ورد به الوعيد، قال الزجاج: أي إن المضل والضال في النار.
381
الخامس:
382
(فأغويناكم) أي أضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا فيه من الغي وزينا لكم ما كنتم عليه من الكفر، فاستجبتم لنا باختياركم، واستحبابكم الغي على الرشد.
(إنا كنا غاوين) فلا عتب علينا في تعرضنا لإغوائكم بتلك الدعوة لأنا أردنا أن تكونوا أمثالنا في الغواية، ومعنى الآية: أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية، فأقروا ههنا بأنهم تسببوا لإغوائهم لكن لا بطريق القهر والغلبة، ونفوا عن أنفسهم فيما سبق أنهم قهروهم وغلبوهم فقالوا: (وما كان لنا عليكم من سلطان) ثم أخبر الله سبحانه عن الاتباع والمتبوعين بقوله:
(إنا كنا غاوين) فلا عتب علينا في تعرضنا لإغوائكم بتلك الدعوة لأنا أردنا أن تكونوا أمثالنا في الغواية، ومعنى الآية: أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية، فأقروا ههنا بأنهم تسببوا لإغوائهم لكن لا بطريق القهر والغلبة، ونفوا عن أنفسهم فيما سبق أنهم قهروهم وغلبوهم فقالوا: (وما كان لنا عليكم من سلطان) ثم أخبر الله سبحانه عن الاتباع والمتبوعين بقوله:
(فإنهم يومئذ) أي يوم إذ يتساءلون ويتحاورون ويتخاصمون بما سبق (في العذاب مشتركون) كما كانوا مشتركين في الغواية
(إنا كذلك نفعل بالمجرمين) أي بأهل الإجرام، وهم المشركون كما يفيده قوله سبحانه:
(إنهم كانوا إذا قيل لهم) قولوا (لا إله إلا الله يستكبرون) عن القبول.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " (١).
وأنزل الله في كتابه.
وذكر قوماً استكبروا فقال: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) وقال: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله استكبر عنها المشركون يوم الحديبية يوم كاتبهم رسول الله ﷺ على قضية المدة، وعن ابن عباس قال: كانوا إذا لم يشرك بالله يستنكفون.
_________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " (١).
وأنزل الله في كتابه.
وذكر قوماً استكبروا فقال: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) وقال: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله استكبر عنها المشركون يوم الحديبية يوم كاتبهم رسول الله ﷺ على قضية المدة، وعن ابن عباس قال: كانوا إذا لم يشرك بالله يستنكفون.
_________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعاً.
382
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)
383
(وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ) أي لقول شاعر (مجنون) لا يعقل: يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، فحكى الله سبحانه صدقه ورد عليهم بقوله:
(بل جاء بالحق) يعني القرآن المشتمل على التوحيد والوعد والوعيد (وصدق المرسلين) أي صدقهم فيما جاؤوا به من التوحيد والوعيد وإثبات الدار الآخرة، ولم يخالفهم ولا جاء بشيء لم تأت به الرسل قبله.
(إِنَّكُمْ) بسبب شرككم وتكذيبكم (لذائقو العذاب الأليم) أي الشديد، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب لإظهار كمال الغضب عليهم، قرأ الجمهور: لذائقو بحذف النون وخفض العذاب، وقرىء بحذفها ونصب العذاب، وأجاز سيبويه أيضاًً (والمقيمي الصلاة) بنصب الصلاة على هذا التوجيه، وقد قرىء بإثبات النون ونصب العذاب على الأصل، ثم بين سبحانه إن ما ذاقوه من العذاب ليس إلا بسبب أعمالهم فقال:
(وما تجزون إلا) جزاء (ما) أو بما (كنتم تعملون) من الكفر والمعاصي، ثم استثنى المؤمنين فقال:
(إلا عباد الله المخلصين) قرأ أهل المدينة والكوفة بفتح اللام، أي الذين أخلصهم الله لطاعته وتوحيده وقرىء بكسرها أي الذين أخلصوا لله العبادة والتوحيد، والاستثناء إما متصل على تقدير تعميم الخطاب في تجزون لجميع المكلفين؛ أو منقطع، أي لكن عباد الله المخلصين لا يذوقون العذاب.
(أولئك) المخلصون (لهم رزق) يرزقهم الله إياه (معلوم) في
383
حسن منظره وطيبه ولذته ورائحته وطعمه وعدم انقطاعه، قال قتادة: يعني الجنة وقيل: معلوم الوقت وهو أن يعطوا منه بكرة وعشياً كما في قوله: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً) والنفس إليه أسكن.
وقيل: معلوم خصائصه من الدوام، وتمحض اللذة، وقيل: معلوم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله تعالى، وقيل: هو المذكور في قوله بعده
وقيل: معلوم خصائصه من الدوام، وتمحض اللذة، وقيل: معلوم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله تعالى، وقيل: هو المذكور في قوله بعده
384
(فواكه) فإنه بدل من رزق أو هو فواكه، وهذا هو الظاهر؛ والفواكه جمع فاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وخصص الفواكه بالذكر لأن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه كذا قيل والأولى أن يقال: إن تخصيصها بالذكر لأنها أطيب ما يأكلونه وألذ ما تشتهيه أنفسهم، وقيل: إن الفواكه من أتباع سائر الأطعمة فذكرها يغني عن ذكر غيرها.
(وهم مكرمون) في محل نصب على الحال أي: ولهم من الله عز وجل إكرام عظيم برفع درجاتهم عنده وسماع كلامه ولقائه في الجنة أو مكرمون في نيل ثواب يصل إليهم من غير تعب وسؤال، كما عليه رزق الدنيا. قرىء: مكرمون بتخفيف الراء وبتشديدها.
(وهم مكرمون) في محل نصب على الحال أي: ولهم من الله عز وجل إكرام عظيم برفع درجاتهم عنده وسماع كلامه ولقائه في الجنة أو مكرمون في نيل ثواب يصل إليهم من غير تعب وسؤال، كما عليه رزق الدنيا. قرىء: مكرمون بتخفيف الراء وبتشديدها.
(في جنات النعيم على سرر متقابلين) قال عكرمة ومجاهد معنى التقابل أنه لا ينظر بعضهم في قفا بعضهم تواصلاً وتحابباً، وقيل: إنها تدور بهم الأسرة كيف شاءوا فلا يرى بعضهم قفا بعض، قرأ الجمهور: سرر بضم الراء وقرىء بفتحها، وهي لغة بعض تميم قيل: على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد، والسرير ما بين صنعاء إلى الجابية وما بين عدن إلى أيلة وقيل: تدور بأهل المنزل الواحد والله أعلم. ذكره القرطبي.
ثم ذكر سبحانه صفة أخرى لهم فقال:
ثم ذكر سبحانه صفة أخرى لهم فقال:
﴿ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ قال عكرمة ومجاهد معنى التقابل أنه لا ينظر بعضهم في قفا بعضهم تواصلا وتحاببا، وقيل : إنها تدور بهم الأسرة كيف شاءوا فلا يرى بعضهم قفا بعض، قرأ الجمهور : سرر بضم الراء وقرئ بفتحها، وهي لغة بعض تميم قيل : على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد، والسرير ما بين صنعاء إلى الجابية وما بين عدن إلى أيلة وقيل : تدور بأهل المنزل الواحد والله أعلم. ذكره القرطبي.
(يطاف عليهم بكأس) مستأنفة جواب سؤال مقدر، أو في محل نصب على الحال، والكأس عند أهل اللغة ما كان من الزجاج، وهو اسم شامل لكل إناء فيه الشراب، فإن كان فارغاً فليس بكأس، وقد تسمى الخمر كأساً تسمية للشيء باسم محله، قال الشاعر:
384
وكأساً شربت على لذة | وأخرى تداويت منها بها |
(من معين) صفة لكأس، قال الزجاج: أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض ظاهرة تراها العيون، والمعين: الماء الجاري وقوله
385
(بيضاء لذة للشاربين) صفتان لكأس قال الزجاج: أي ذات لذة، فحذف المضاف ويجوز أن يكون الوصف بالمصدر لقصد المبالغة في كونها لذة، ولا يحتاج إلى تقدير المضاف، قال الحسن: خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن، له لذة لذيذة. يقال: شراب لذ ولذيذ، كما يقال: نبات غض وغضيض، واللذيذ كل شيء مستطاب، وقيل: البيضاء هي التي لم تعتصرها الرجال ثم وصف هذه الكأس من الخمر بغير ما يتصف به خمر الدنيا فقال:
(لا فيها غول) أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع، قال الفراء: العرب تقول ليس فيها غيلة وغائلة وغول سواء، وقال أبو عبيدة: الغول أن تغتال عقولهم، وقال الواحدي: الغول حقيقته الإهلاك، يقال: غاله غولاً واغتاله أي أهلكه، والغول: كل ما اغتالك أي أهلكك، ومنه الغول بالضم شيء توهمته العرب، ولها فيه أشعار كالعنقاء.
(ولا هم عنها ينزفون) أي يسكرون. يقال: نزف الشارب فهو منزوف ونزيف إذا سكر قرأ الجمهور: ينزفون مبنياً للمفعول. وقرىء: بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر فهو نزيف ومنزوف ومنزف، يقال: أحصد الزرع إذا آن حصاده وأقطف الكرم إذا حان قطافه.
قال الفراء: من كسر الزاي فله معنيان يقال: أنزف الرجل إذا فنيت خمره، وأنزف إذا ذهب عقله من السكر، وتحمل هذه القراءة على معنى لا ينفد شرابهم لزيادة الفائدة، قال النحاس: والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى
(ولا هم عنها ينزفون) أي يسكرون. يقال: نزف الشارب فهو منزوف ونزيف إذا سكر قرأ الجمهور: ينزفون مبنياً للمفعول. وقرىء: بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر فهو نزيف ومنزوف ومنزف، يقال: أحصد الزرع إذا آن حصاده وأقطف الكرم إذا حان قطافه.
قال الفراء: من كسر الزاي فله معنيان يقال: أنزف الرجل إذا فنيت خمره، وأنزف إذا ذهب عقله من السكر، وتحمل هذه القراءة على معنى لا ينفد شرابهم لزيادة الفائدة، قال النحاس: والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى
385
لأن معنى ينزفون عند جمهور المفسرين لا تذهب عقولهم فنفى الله سبحانه عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من خمرها، من الصداع والسكر.
وقال الزجاج وأبو علي الفارسي معنى لا ينزفون بكسر الزاي: لا يسكرون، قال المهدوي: لا يكون معنى ينزفون يسكرون. لأن قبله لا فيها غول أي لا تغتال عقولهم، فيكون تكريراً، وهذا يقوي ما قاله قتادة: إن الغول وجع البطن وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقال الحسن: إن الغول الصداع، وبه قال ابن عباس.
وقال ابن كيسان هو المغص فيكون معنى الآية لا يكون فيها نوع من أنواع الفساد المصاحبة لشرب الخمر في الدنيا من مغص أو وجع بطن أو صداع أو عربدة أو لغو أو تأثيم، ولا هم يسكرون منها، ويؤيد هذا أن أصل الغول الفساد الذي يلحق في خفاء يقال: اغتاله اغتيالاً إذا أفسد عليه أمره في خفية، ومنه الغول والغيلة: القتل خفية، وقرىء: ينزفون بفتح الياء وكسر الزاي، وقرىء: بفتح الياء وضم الزاي.
عن ابن عباس قال: في الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيء والبول فنزه الله خمر الجنة عنها، فقال: (لا فيها غول) أي لا تغول عقلهم من السكر، (ولا هم عنها ينزفون) قال: لا يقيئون عنها كما يقيء صاحب خمر الدنيا عنها.
وعنه قال: هي الخمر ليس فيها وجع بطن، قال في النهر: ذكر أولاً الرزق وهو ما تتلذذ به الأجسام، وثانياً الإكرام وهو ما تتلذذ به النفوس، ثم ذكر المحل الذي هم فيه وهو جنات النعيم، ثم أشرف المحل وهو السرر. ثم لذة التأنس بأن بعضهم مقابل بعضاً وهو أتم السرور وآنسه ثم المشروب وأنهم لا يتناولون ذلك بأنفسهم بل يطاف عليهم بالكؤوس، ثم وصف ما يطاف عليهم به من الطيب وانتفاء المفاسد، ثم ذكر تمام النعمة الجسمانية وختم بها كما بدأ باللذة الجسمانية من الرزق وهي أبلغ الملاذ وهي التأنس بالنساء فقال:
وقال الزجاج وأبو علي الفارسي معنى لا ينزفون بكسر الزاي: لا يسكرون، قال المهدوي: لا يكون معنى ينزفون يسكرون. لأن قبله لا فيها غول أي لا تغتال عقولهم، فيكون تكريراً، وهذا يقوي ما قاله قتادة: إن الغول وجع البطن وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقال الحسن: إن الغول الصداع، وبه قال ابن عباس.
وقال ابن كيسان هو المغص فيكون معنى الآية لا يكون فيها نوع من أنواع الفساد المصاحبة لشرب الخمر في الدنيا من مغص أو وجع بطن أو صداع أو عربدة أو لغو أو تأثيم، ولا هم يسكرون منها، ويؤيد هذا أن أصل الغول الفساد الذي يلحق في خفاء يقال: اغتاله اغتيالاً إذا أفسد عليه أمره في خفية، ومنه الغول والغيلة: القتل خفية، وقرىء: ينزفون بفتح الياء وكسر الزاي، وقرىء: بفتح الياء وضم الزاي.
عن ابن عباس قال: في الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيء والبول فنزه الله خمر الجنة عنها، فقال: (لا فيها غول) أي لا تغول عقلهم من السكر، (ولا هم عنها ينزفون) قال: لا يقيئون عنها كما يقيء صاحب خمر الدنيا عنها.
وعنه قال: هي الخمر ليس فيها وجع بطن، قال في النهر: ذكر أولاً الرزق وهو ما تتلذذ به الأجسام، وثانياً الإكرام وهو ما تتلذذ به النفوس، ثم ذكر المحل الذي هم فيه وهو جنات النعيم، ثم أشرف المحل وهو السرر. ثم لذة التأنس بأن بعضهم مقابل بعضاً وهو أتم السرور وآنسه ثم المشروب وأنهم لا يتناولون ذلك بأنفسهم بل يطاف عليهم بالكؤوس، ثم وصف ما يطاف عليهم به من الطيب وانتفاء المفاسد، ثم ذكر تمام النعمة الجسمانية وختم بها كما بدأ باللذة الجسمانية من الرزق وهي أبلغ الملاذ وهي التأنس بالنساء فقال:
386
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥)
387
(وعندهم قاصرات الطرف) أي نساء حابسات الأعين غاضات العيون قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم، والقصر: معناه الحبس، وقيل: القاصرات المحبوسات على أزواجهن والأول أولى، لأنه قال قاصرات الطرف ولم يقل مقصورات.
(عين) أي عظام العيون جمع عيناء وهي الواسعة العين، والذكر أعين قال الزجاج: معنى عين كبار الأعين حسانها، وقال مجاهد العين حسان العيون عظام المقلة، وقيل: نجل العيون بضم النون جمع نجلاء وهي التي اتسع شقها سعة غير مفرطة، وقال الحسن: هن الشديدات بياض العين الشديدات سوادها والأول أولى.
(عين) أي عظام العيون جمع عيناء وهي الواسعة العين، والذكر أعين قال الزجاج: معنى عين كبار الأعين حسانها، وقال مجاهد العين حسان العيون عظام المقلة، وقيل: نجل العيون بضم النون جمع نجلاء وهي التي اتسع شقها سعة غير مفرطة، وقال الحسن: هن الشديدات بياض العين الشديدات سوادها والأول أولى.
(كأنهن بيض) جمع بيضة وهو معروف (مكنون) أي مصون مستور من كننته إذا جعلته في كن، قال الحسن وابن زيد: شبهن ببيض النعام تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار، فلونه أبيض في صفرة، وهو أحسن ألوان النساء عند العرب، وإلا فأحسنها عند العجم والروم: الأبيض المشرب بحمرة وقال سعيد بن جبير والسدي: شبههن ببطن البيض قبل أن يقشر وتمسه الأيدي، وبه قال ابن جرير قال المبرد: وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة: كأنه بيض النعام المغطى بالريش.
وقيل: المكنون المصون عن الكسر أي إنهن عذارى وقيل: المراد بالبيض اللؤلؤ كما في قوله وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون والأول أولى، وإنما قال مكنون ولم يقل مكنونات لأنه وصف البيض باعتبار اللفظ، وعن ابن عباس في قوله: (كأنهن بيض مكنون) قال اللؤلؤ المكنون: وعنه قال بياض البيضة
وقيل: المكنون المصون عن الكسر أي إنهن عذارى وقيل: المراد بالبيض اللؤلؤ كما في قوله وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون والأول أولى، وإنما قال مكنون ولم يقل مكنونات لأنه وصف البيض باعتبار اللفظ، وعن ابن عباس في قوله: (كأنهن بيض مكنون) قال اللؤلؤ المكنون: وعنه قال بياض البيضة
387
ينزع عنها فوفها وغشاؤها.
388
(فأقبل بعضهم على بعض) يعني أهل الجنة في الجنة (يتساءلون) أي يسأل هذا ذاك، وذاك هذا حال شربهم عن أحوالهم التي كانت في الدنيا، وما جرى لهم، وما عملوه، وذلك من تمام نعيم الجنة، والتقدير فيقبل بعضهم على بعض وإنما عبر عنهم بالماضي للتأكيد والدلالة على تحقق وقوعه، قيل: المعنى يشربون ويتحادثون على الشراب كعادة الشراب، قال الشاعر:
فما بقيت من اللذات إلا | أحاديث الكرام على المدام |