ﰡ
﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ﴾ من الشياطين ﴿ ٱلْخَطْفَةَ ﴾ يخطف من الملائكة ﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [آية: ١٠] من الملائكة الكواكب، يعنى بالشهاب الثاقب، ناراً مضيئة، كقول موسى:﴿ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾[النمل: ٧]، يعنى بنار مضيئة، فيها تقديم.
ثم قال: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾ يا محمد من القرآن حين أوحى إليك نظيرها فى الرعد:﴿ وَإِن تَعْجَبْ ﴾من القرآن﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾[الرعد: ٥]، فاعجب من قولهم بتكذيبهم بالبعث، ثم قال جل وعز: ﴿ وَيَسْخُرُونَ ﴾ [آية: ١٢] يعنى كفار مكة سخروا من النبى صلى الله عليه وسلم حين سمعوا منه القرآن. ثم قال: ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ ﴾ [آية: ١٣] وإذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً ﴾ يعنى انشقاق القمر بمكة فصار نصفين ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ [آية: ١٤] سخروا، فقالوا: هذا عمل السحرة. فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٥] نظيرها اقتربت الساعة:﴿ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾[القمر: ٢].
﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى إبليس وجندة نزلت فى كفار قريش نظيرها فى يس:﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾الآية﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ ﴾[يس: ٦٠]، يعنى إبليس وحده ﴿ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ﴾ يعنى ادعوهم إلى طريق ﴿ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٢٣] والجحيم ما عظم الله عز وجل من النار.﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ ﴾ [آية: ٢٤] فلما سيقوا إلى النار حبسوا فسألهم خزنة جهنم ألم تأتكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين يقول الخازن: ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ﴾ [آية: ٢٥] نظيرها فى الشعراء:﴿ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ ﴾[الشعراء: ٩٣] يقول الكفار: ما لشركائكم الشياطين لا يمنعونكم من العذاب. يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ [آية: ٢٦] للعذاب ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ٢٧] يتكلمون ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ قال قائل من الكفار لشركائهم الشياطين ﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾ [آية: ٢٨] يعنون من قبل الحق، نظيرها فى الحاقة:﴿ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ﴾[الحاقة: ٤٥] بالحق، وقالوا للشياطين: أنتم زينتم لنا ما نحن عليه، فقلتم إن هذا الذى نحن عليه هو الحق.﴿ قَالُواْ ﴾ قالت لهم الشياطين: ﴿ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢٩] مصدقين بتوحيد الله عز وجل ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ من ملك فنكرهكم على متابعتنا ﴿ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ﴾ [آية: ٣٠] عاصين.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ٥٠] أى أهل الجنة حين يتكلمون، يكلم بعضهم بعضاً.
﴿ فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ ﴾ [آية: ٦١] فليسارع المسارعين. يقول الله عز وجل: ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً ﴾ للمؤمنين ﴿ أَمْ ﴾ نزل الكافر ﴿ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ﴾ [آية: ٦٢] وهى النار للذين استكبروا عن لا إله إلا الله حين أمرهم النبى صلى الله عليه سلم بها، ثم قال جل وعز: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا ﴾ يعنى الزقوم ﴿ فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٦٣] يعنى لمشركى مكة منهم عبدالله بن الزبعرى، وأبو جهل بن هشام، والملأ من قريش الذين مشوا إلى أبى طالب، وذلك أن ابن الزبعرى، قال: إن الزقوم بكلام اليمن التمر والزبد، فقال أبو جهل: يا جارية، أبغنا تمراً وزبداً، ثم قال لأصحابه: تزقموا من هذا الذى يخوفنا به محمد، يزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر، فكان الزقوم فتنة لهم، فأخبر الله عز وجل أنها لا تشبه النخل، ولا طلعها كطلع النخل. فقال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ ﴾ تنبت ﴿ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٦٤] ﴿ طَلْعُهَا ﴾ تمرها ﴿ كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾ [آية: ٦٥] ﴿ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا ﴾ من ثمرتها ﴿ فَمَالِئُونَ مِنْهَا ﴾ من ثمرها ﴿ ٱلْبُطُونَ ﴾ [آية: ٦٦] ﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً ﴾ يعنى لمزاجاً ﴿ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ [آية: ٦٧] يشربون على إثر الزقوم الحميم الحار الذى قد انتهى حره.﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ ﴾ يعد الزقوم وشرب الحميم ﴿ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٦٨] وذلك قوله عز وجل﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾[الرحمن: ٤٤] ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ﴾ وجدوا ﴿ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ ﴾ [آية: ٦٩] عن الهدى ﴿ فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ [آية: ٧٠] يقول: يسعون فى مثل أعمال آبائهم.
﴿ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٨٧] إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ﴿ فَنَظَرَ ﴾ إبراهيم ﴿ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ ﴾ [آية: ٨٨] يعنى الكواكب وذلك أنه رأى نجماً طلع ﴿ فَقَالَ ﴾ لقادتهم: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ [آية: ٨٩] وهم ذاهبون إلى عبدهم إنى سقيم يعنى وجيع، وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام كانت اثنين وسبعين صنماً من ذهب وفضة وشبه ونحاس وحديد وخشب، وكان أكبر الأصنام عيناه من ياقوتتين حمراوين، وهو من ذهب وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم دخلوا قبل أن يخرجوا فيسجدون لها ويقربون الطعام، ثم يخرجون إلى عيدهم، فإذا رجعوا من عيدهم، فدخلوا عليها سجدوا لها ثم يتفرقون، فلما خروجوا إلى عيدهم اعتل إبراهيم بالطاعون، وذلك أنهم كانوا ينظرون فى النجوم، فنظر إبراهيم فى النجوم، فقال: إنى سقيم، قال الفراء: كل من عمل فيه النقص ودب فيه الفناء وكان منتظراً للموت فهو سقيم. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾ [آية: ٩٠] ذاهبين وقد وضعوا الطعام والشراب بين يدى آلهتهم.
﴿ فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴾ [آية: ٩٤] يمشون إلى إبراهيم يأخذونه بأيديهم فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ [آية: ٩٥] وما تنحتون من الأصنام ﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٩٦] وما تنحتون من الأصنام. قال أبومحمد: قال الفراء: ﴿ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ ﴾ الذى حلفها عليها، فقال:﴿ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾[الأنبياء: ٥٧]، قال أبو محمد: حدثنى هناد، قال: حدثنا ابن يمان، قال: رأيت سفيان جائياً من السوق بالكوفة فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من دار الصيادلة نهيتهم عن بيع الداذى، وإنى لأرى الشىء أنكره فلا أستطيع تغييره، فأبول دماً رجع إلى قول مقاتل.﴿ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً ﴾ قال ابن عباس: بنوا حائطاً من حجارة طوله فى السماء ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً ﴿ فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٩٧] فى نار عظيمة قال الله عز وجل فى سورة الأنبياء﴿ يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾[الأنبياء: ٦٩]،﴿ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً ﴾[الأنبياء: ٧٠] سوءاً، الآية وعلاهم إبراهيم، عليه السلام، وسلمه الله عز وجل وحجزهم عنه، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى أهلكهم الله عز وجل، فما بقيت يومئذ دابة إلا جعلت تطفىء النار عن إبراهيم، عليه السلام، غير الوزغ كانت تنفخ النار على إبراهيم، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بقتلها.﴿ فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ ﴾ [آية: ٩٨] ﴿ وَقَالَ ﴾ وهو ببابل ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ ﴾ يعنى مهاجر ﴿ إِلَىٰ رَبِّي ﴾ إلى رضى ربى بالأرض المقدسة ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ [آية: ٩٩] لدينه، وهو أول من هاجر من الخلق، ومعه لوط وسارة، فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينِ ﴾ [آية: ١٠٠] هب لى ولداً صالحاً، فاستجاب له.
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا ﴾ أنعمنا ﴿ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ [آية: ١١٤] بالنبوة وهلاك عدوهما ﴿ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا ﴾ بنى إسرائيل ﴿ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ١١٥].
﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٢٤] يعنى ألا تعبدون ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً ﴾ أتعبدون ربا بلغة اليمن إلاله يسمى بعلاً وكان صنماً من ذهب ببعلبك بأرض الشام، فسكره إلياس، ثم هرب منهم.﴿ وَتَذَرُونَ ﴾ عبادة ﴿ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ ﴾ [آية: ١٢٥] فلا تعبدونه ﴿ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٢٦] ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ فكذبوا إلياس النبى، عليه السلام.
﴿ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ١٢٧] النار. ثم استثنى ﴿ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ١٢٨] يعنى المصدقين لا يحضرون النار ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ١٢٩] ﴿ سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ﴾ [آية: ١٣٠] يعنى بالسلام الثناء الحسن والخير الذى ترك عليه فى الآخرين.
راجع إلى مقاتل.﴿ وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٣٣] أرسل إلى سدوم، ودارموا، وعامورا، وصابورا، أربع مدائن كل مدينة مائة ألف ﴿ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١٣٤] يعني ابنتيه ريثا، وزعونا. ثم استثنى امرأة، فقال جل وعز: ﴿ إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ ﴾ [آية: ١٣٥] يعنى فى الباقين فى العذاب ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ١٣٦] نظيرها فى الشعراء﴿ ٱلآخَرِينَ ﴾[الشعراء: ١٧٢]، ثم أهلكنا بقيتهم بالخسف والحصب.﴿ وَإِنَّكُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ ﴾ [آية: ١٣٧] ﴿ وَبِٱلْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٣٨] على القرى نهاراً وليلاً وغدوة وعشية، إذا انطلقتم إلى الشام إلى التجارة.
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ ﴾ وهو ابن متى من أهل نينوى ﴿ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٣٩] كان من بنى إسرائيل.﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [آية: ١٤٠] الموقر من الناس والدواب، فساهم وذلك أنه دخل السفينة، فلف رأسه ونام فى جانبها، فوكل الله عز وجل به الحوت، واسمها اللخم، فاحتبست سفينتهم ولم تجر، فخاف القوم الغرق، فقال بعضهم لبعض: إن فينا لعبداً مذنباً، قالوا له وهو ناحيتها، ياعبدالله من أنت؟ ألا ترى أنا قد غرقنا؟ قال: أنا المطلوب أنا يونس بن متى، فاقذفونى فى البحر. قالوا: نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه، فقالوا: لا، ولكن نكتب أسماءنا، ثم نقذف بها فى الماء، ففعل ذلك، فقالوا: اللهم إن كان هذا طلبتك، فغرق اسمه، وخرج أسماءنا، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم، ثم قالوا الثانية: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق أسماءنا وارفع اسمه، فغرقت أسماؤهم، وارتفع اسمه، ثم قالوا الثالثة: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه، وارفع أسماءنا، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم، فلما رأوا ذلك ثلاث مرات أخذوا بيده ليقذفوه فى الماء. ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذى يريد به؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت، وليس بينه وبين الماء إلا شبران، لى من عبدى حاجة إن لم أجعل عبدى لك رزقاً، ولكن جعلت بطنك له مسجداً، فلا تحسرى له شعراً وبشرا، ولا تردى عليه طعاماً ولا شراباً، قال: فقال له الماء والريح: أين أردت أن تهرب؟ من الذى يعبد فى السماء والأرض، فوالله إنا لنعبده، وإنا لنخشى أن يعاقبنا، و جعل يونس يذكر الله عز وجل، ويذكر كل شىء صنع ولا يدعوه فألهمه الله جل وعز عند الوقت، فدعاه ففلق دعاءه البحر والسحاب، فنادى بالتوحيد، ثم نزه الرب عز وجل، أنه ليس أهل لأن يعصى، ثم اعترف، فقال:﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾[الأنبياء: ٨٧].
﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ ﴾ [آية: ١٤١] يعنى فقارعهم فكان من المقروعين المغلوبين ﴿ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [آية: ١٤٢] يعنى استلام إلى ربه، قال الفراء: ألام الرجل إذا استحق اللوم وهو مليم، وقال أيضاً: وليم على أمر قد كان منه، فهو ملوم على ذلك، رجع إلى قول مقاتل.﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ ﴾ قبل أن يلتقمه الحوت ﴿ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ ﴾ [آية: ١٤٣] يعنى من المصلين قبل المعصية، وكان فى زمانه كثير الصلاة والذكر لله جل وعز، فولا ذلك ﴿ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ ﴾ عقوبة فيه ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ١٤٤] الناس من قبورهم.
﴿ وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ١٥٢] فى قولهم، يقول الله عز وجل: ﴿ أَصْطَفَى ﴾ استفهام، أختار ﴿ ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ ﴾ [آية: ١٥٣] والبنون أفضل من البنات ﴿ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [آية: ١٥٤] يعنى تقضون الجور حين يزعمون أن لله عز وجل البنات ولكم البنون.﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ١٥٥] أنه لا يختار البنات على البنين ﴿ أَمْ لَكُمْ ﴾ لما تقولون ﴿ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٥٦] كتاب من الله عز وجل أن الملائكة بنات الله ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ١٥٧].
ثم قال جل وعز: ﴿ وَجَعَلُواْ ﴾ ووصفوا ﴿ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً ﴾ بين الرب تعالى، والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله عز وجل ﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ١٥٨] لقد علم ذلك الحى من الملائكة، ومن قال: إنهم بنات الله إنهم لمحضرون النار.
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ١٧٤] يقول الله عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب إلى القتل ببدر.﴿ وَأَبْصِرْهُمْ ﴾ إذا نزل بهم العذاب ببدر ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ١٧٥] العذاب، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: متى هذا الوعد؟ تكذيباً به، فأنزل الله عز وجل ﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [أية: ١٧٦].