تفسير سورة الصافات

تفسير التستري
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

قال سهل في قوله تعالى :﴿ بل عجبت ويسخرون ﴾ [ الصافات : ١٢ ] أراد به سرعة مجازاتهم على الإقامة والنفي، فسمى قوله باسم فعلهم. وقد أخبر عنهم بالعجب في مواضع، قال في قوله في قل أوحي :﴿ إنا سمعنا قرءانا عجبا ﴾ [ الجن : ١ ] وفي ق :﴿ بل عجبوا ﴾ [ ق : ٢ ] وفي ص :﴿ إن هذا لشيء عجاب ﴾ [ ص : ٥ ] وقد ذكر في الصافات :﴿ بل عجبت ويسخرون ﴾ [ الصافات : ١٢ ] أي رأيت جزاءهم عظيما، فسمى تعظيم الثواب عجبا، لأن المتعجب إنما يتعجب من أمر بلغ نهايته، فهذا هو المراد من قوله :﴿ بل عجبت ﴾ [ الصافات : ١٢ ].
وقد حكي أن شقيقا قرأ على شريح :﴿ بل عجبتُ ﴾١ فقال له شريح :«بل عجبتَ » إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم٢. قال شقيق : فأخبرت به إبراهيم فقال : إن شريحا يعجبه علمه، وإن ابن مسعود أعلم منه، وكان يقرأ :«بل عجبتُ » بالضم.
١ - معجم القراءات القرآنية ٤/١٩٧، القراءة رقم ٧٣٧٦، وذكر من مصادر القراءة: النشر ٢/٣٥٦؛ والبحر المحيط ٧/٣٥٤؛ والكشاف ٣/٣٣٧..
٢ - في معاني القرآن وإعرابه ٤/٣٠٠: (ومن قرأ «عجبتُ» فهو إخبار عن الله، وقد أنكر قوم هذه القراءة، وقالوا: الله عز وجل لا يعجب. وإنكارهم هذا غلط... والعجب من الله، خلافه من الآدميين، كما قال: «ويمكر الله» [الأنفال: ٣٠] و«سخر الله» [التوبة: ٧٩]، و«هو خادعهم» [النساء: ١٤٢. والمكر من الله والخداع خلافه من الآدميين...)..
السورة التي يذكر فيها الصافات
[سورة الصافات (٣٧) : آية ٨٤]
إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)
قوله تعالى: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [٨٤] أي مستسلم مفوض إلى ربه بكل حال راجع لسره.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)
قوله تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ [٨٨- ٨٩] قال: وحكي عن محمد بن سوار عن أبي عمرو بن العلاء قال: معناه نظر إلى النبات، كقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرحمن: ٦] وأراد بالنجم ما لا ساق له من النبات، وبالشجر ما له ساق.
[سورة الصافات (٣٧) : آية ١٠٧]
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)
قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [١٠٧] قال: إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أحب ولده بطبع البشرية تداركه من الله فضله وعصمته حتى أمره بذبحه، إذ لم يكن المراد منه تحصيل الذبح، وإنما كان المقصود تخليص السر من حب غيره بأبلغ الأسباب، فلما خلص السر له ورجع عن عادة الطبع فداه بذبح عظيم.
قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [١٠٦] قال: يعني بلاء رحمة، ألا ترون كيف بعثه على الرضى. قال: وبلغنا أنه مكتوب في الزبور: «ما قضيت على مؤمن قضاء أحَبَّه أو كرهه إلا وهو خير له». وحكي أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه: ما من أحد وسّعتُ إليه إلا أنقصت بقدره من آخرته، ولو كنت أنت يا خليلي. وقال أبو يعقوب السوسي: جاءنا فقير ونحن بأرجَّان وسهل بن عبد الله يومئذ بها، فقال: إنكم أهل العناية فقد نزلت بي محنة، فقال له سهل: في ديوان المحنة وقعت منذ تعرضت لهذا الأمر، فما هي؟ قال: فتح لي شيء من الدنيا فاستأثرت به في غير ذوي محرم ففقدت إيماني وحالي. فقال سهل: ما تقول في هذا يا أبا يعقوب؟ فقلت: محنته بحاله أعظم من محنته بإيمانه. فقال لي سهل: مثلك يقول هذا يا أبا يعقوب «١» ؟ وسئل سهل عن الحال فقال: حال الذكر من العلم السكون، وحال الذكر من العقل الطمأنينة، وحال التقوى من الإسلام الحدود، ومن الإيمان الطمأنينة. وقال: إذا كان للعبد حال فدخل عليه البلوى، فإن طلب الفرج بحال دون تلك الحال فهو منه حدث. قيل: وكيف ذلك؟
قال: مثل أن يكون جائعاً فيطلب الشبع، لأن درجة الجائع أعلى.
[سورة الصافات (٣٧) : آية ١٤٣]
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣)
قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ [١٤٣] قال: يعني من القائمين بحقوق الله تعالى قبل البلاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) اللمع لابن السراج ص ١٩٣.
Icon