تفسير سورة الصافات

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

فقال: خُضْرًا ولَم يقل: أخضر. وكل صواب. والشجر يؤنث ويُذكر. قَالَ الله (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) فأنّث. وقال (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) فذكر ولم يقل:
فيها. وقال (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فذكّر.
ومن سورة الصافات
قوله: وَالصَّافَّاتِ [١] تخفض التاء من (الصافات) ومن (التاليات) لأنه قسمٌ. وكانَ ابن مسعود يُدغم (وَالصَّافَّاتِ صفا) / ١٥٨ اوكذلك (فَالتَّالِياتِ) (فَالزَّاجِراتِ) يُدغم التاء منهن والتبيان أجود لأن القراءة بنيت عَلَى التفصيل والبيان.
وهذه الأحرف- فيما ذكروا- الملائكة.
قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [٦] تُضاف الزينة إلى الكواكب. وهي قراءة العامة. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس وَأَبُو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قرأ «١» (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) يخفض الكواكب بالتكرير فيَرُدّ معرفة عَلَى نكرة، كما قَالَ (لَنَسْفَعاً «٢» بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) فردّ نِكرة عَلَى معرفة. ولو نصبت «٣» (الْكَواكِبِ) إِذَا نَوَّنت فِي الزينة كَانَ وجهًا صوابًا. تريد: بتزييننا الكواكب. ولو «٤» رفعت الكواكب) تريد: زيَّناها بتزيينها الكواكب تجعل الكواكب هي التي زيَّنت السماء.
وقوله: لا يَسَّمَّعُونَ [٩] قرأها أصحاب «٥» عبد الله بالتشديد عَلَى معنى يتسمعونَ. وقرأها الناسُ (يَسْمَعُونَ) وكذلك قرأها ابن عباس وقال: هم (يتَسَمَّعُونَ ولا يسمعون «٦» ).
(١) هى قراءة حفص وحمزة.
(٢) الآيتان ١٥، ١٦ سورة العلق. [.....]
(٣) هى قراءة أبى بكر عن عاصم.
(٤) جواب لو محذوف أي لكان صوابا.
(٥) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف.
(٦) فى الأصول: «يسمعون ولا يتسمعون» والمناسب. ما أثبت. يريد ابن عباس أن المنفي السماع لا التسمع أي محاولة السماع فهذا حاصل منهم فى مذهيه. عند من قرأ من بالتشديد فهم يمنعون من طلب السماع.
382
وَمَعْنَى (لا) كقوله (كَذلِكَ «١» سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) لو كَانَ فِي موضع (لا) (أَنْ) صلح ذَلِكَ، كما قَالَ (يُبَيِّنُ «٢» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تضلّوا) وكما قَالَ (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ «٣» رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) «٤» ويصلح فِي (لا) عَلَى هَذَا المعنى الجزم. العرب تَقُولُ: ربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت عبدي لا يفِررْ. وأنشدني «٥» بعض بني عقيل:
وَحَتَّى رأينا أحسنَ الْوُدّ بيننا مساكتةً لا يقرِفِ الشرَّ قَارفُ
وبعضهم يقول: لا يَقْرفُ الشرّ والرفع لغة أهل الحجاز. وبذلك جاء القرآن.
وقوله: مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً [٨] بضم الدَّال. ونصبها أَبُو عبد الرحمن السلمي. فمن ضمها جعلها مصدرًا كقولك: دَحرته دُحُورًا. ومن فَتَحها جعلها اسمًا كأنه قَالَ: يقذفونَ بداحرٍ وبِما يَدْحَرُ. ولست أشتهيها لأنها لو وجِّهت عَلَى ذَلِكَ عَلَى صحة لكانت فيها الباء كما تقول: يقذفون بالحجارة، ولا نقول يُقذفونَ الحجارة. وهو جائز قَالَ الشاعر:
نُغَالِي اللحم للأضياف نِيئًا وتُرخصه إِذَا نِضجَ الْقُدورُ «٦»
والكلام: نغالى باللحم.
وقوله: (عَذابٌ واصِبٌ) (وَلَهُ الدِّينُ «٧» واصِباً) دائم خالص.
(١) الآيتان ١٢، ١٣ سورة الحجر.
(٢) الآية ١٧٦ سورة النساء.
(٣) الآية ١٥ سورة النحل، والآية ١٠ سورة لقمان.
(٤) سقط هذا الحرف فى ا.
(٥) ا: «أنشد».
(٦) ورد البيت فى اللسان (غلا) وفيه: «القدير» فى مكان «القدور» والقدير ما يطبخ فى القدر، والقدور جمع قدر، وهو هى ما يوضع فيه الطعام فرواية اللسان أجود. وإن كان يراد بنضج القدور نضج ما فيها يريد أنهم يشترون اللحم غاليا، ويبذلون للضيفان إذا نضج عن سماحة لا يحرصون عليه حرصهم على المتاع الغالي النفيس.
(٧) الآية ٥٢ سورة النحل
383
قوله: مِنْ طِينٍ لازِبٍ [١١] اللازب: اللاصق. وقيس تَقُولُ: طين لاتب. أنشدني بعضهم:
صُدَاع وتوْصيم العظام وفَترة وغثيٌ مع الإشراق فِي الْجَوْف لاتب «١»
والعربُ تَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بضربةِ لازِب ولازم، يبدلونَ الباء ميمًا لتقارب المخرج.
وقوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [١٢] قرأها الناس بنصب «٢» التاء ورفعها «٣» والرفع أحبّ إليّ لأنها قراءة عَليّ وابن مسعود وعبد الله بن عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ:
حَدَّثَنِي مِنْدَلُ بْنُ عَليّ الْعَنْزِيّ عَن الأعمش قَالَ: قَالَ شقيق: قرأتُ عند شُرَيح (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) فقال: إن الله لا يَعْجب من شيء، إنها يَعجب من لا يعلم. قَالَ: فذكرت ذَلِكَ لإبراهيم النَّخَعيّ فقال: إن شرُيحًا شاعر يُعجبه عِلمه، وعبد الله أعلم بذلك منه. قرأها (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ).
قَالَ أَبُو زكريّا: والعجب ١٥٨ ب وإن أُسند إلى الله فليسَ معناهُ من الله كمعناهُ من العباد، ألا ترى أَنَّهُ قال (فَيَسْخَرُونَ «٤» مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) وليس السُّخْرِي من الله كمعناهُ (من العباد «٥» ) وكذلك قوله (اللَّهُ «٦» يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (لَيْسَ ذَلِكَ من الله كمعناهُ من العباد) ففي ذَا بيانٌ (لكسر «٧» قول) شُرَيح، وإن كَانَ جائزًا لأن المفسرين قالوا: بَلْ عَجِبْتَ يا محمد ويسخرون هم. فهذا وجه النصب.
وقوله: كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ [٢٨] يقول: كنتم تأتوننا من قبل الدين، أي تأتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين: القدرة والقوّة. وكذلك قوله (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أي بالقوّة والقدرة.
(١) جاء فى اللسان (لتب) بيت قبله. وهو:
فإن يك هذا من نبيذ شربته فانى من شرب النبيذ لتائب
وفيه «غم» فى مكان «غثى». وتوصيم العظام: الفتور فيها. والغثى التهيؤ للقىء والدنو منه مما تجيش به المعدة.
(٢) الرفع لحمزة والكسائي وخلف. والفتح لغيرهم.
(٣) الرفع لحمزة والكسائي وخلف. والفتح لغيرهم. [.....]
(٤) الآية ٧٩ سورة التوبة.
(٥) سقط ما بين القوسين فى ا:
(٦) الآية ١٥ سورة البقرة.
(٧) ش: «الكسر لقول» والمراد إصعافه وتزييفه.
وقال الشاعر «١» :
إِذَا ما غاية رُفِعت لمجدٍ تلقاها عَرَابةُ باليمين
أي بالقدرة والقوة. وقد جاء فِي قوله (فَراغَ «٢» عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) يقول: ضربهم بيمينه التي قالها (وَتَاللَّهِ «٣» لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).
وقوله: لا فِيها غَوْلٌ [٤٧] لو قلت: لا غَوْلَ فيها كَانَ رفعًا ونصبًا. فإذا حُلْتَ بين لا وبينَ الغول بلامٍ أو بغيرها من الصفات «٤» لَمْ يكن إلّا الرفع. والغول يقول: ليس فيها غِيلَةَ وغَائلة وغُول وغَوْل.
وقوله: (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) و (يُنْزَفُونَ) وأصحابُ عبد الله يقرءون (يُنْزِفُون) وله معنيان.
يُقال: قد أنزفَ الرجل إِذَا فنيت خَمْره، وأنزف إِذَا ذهب عقله. فهذان وجهان. ومن قال (ينزفون) يقول: لا تذهب عقولهم وهو من نُزِف الرجلُ فهو مَنْزوف.
وقوله: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [٥٤] هَذَا رجل مِنْ أهل الجنة، قد كَانَ لَهُ أخ من أهل الكفر، فأحبّ أن يَرَى مكانه فيأذنَ الله لَهُ، فيطلع فِي النار، ويخاطبه.
فإذا رآهُ قَالَ (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كِدْت لَتُغْوِين)، ولولا رحمة «٥» ربى (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي معك فِي النار مُحضرًا.
يقول الله (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وهذا من قول الله.
وقد قرأ بعضُ «٦» القراء (قالَ هَلْ أَنتم مُطْلِعُونِ فَأُطْلِعَ) فكسر النون. وهو شاذٌّ لأن العرب لا تختار عَلَى الإضافة إِذَا أسندوا فاعلًا مجموعًا أو موحدًّا إلى اسم مكنّى عَنْهُ. فمن ذَلِكَ أن
(١) هو الشماخ، وقبله:
رأيت عرابة الأوسى يسمو إلى الخيرات منقطع القرين
(٢) الآية ٩٣ سورة الصافات.
(٣) الآية ٥٧ سورة الأنبياء.
(٤) يريد حروف الجر وما فى معناها من الظروف.
(٥) التلاوة «نعمة ربى» ولكنه ذكر تفسيرها.
(٦) هو ابن محيصن، كما فى الإتحاف.
385
يقولوا: أنت ضاربي. ويقولون للاثنين: أنتما ضارباي، وللجميع: أنتم ضاربي، ولا يقولوا للاثنين:
أنتما ضاربانني ولا للجميع: ضاربونَني. وإنّما تكون هَذِه النون فِي فعل ويفعل، مثل (ضربوني «١» ويضربني وضربني). وربما غلط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول: أنتَ «٢» ضاربُني، يتوهم أَنَّهُ أراد: هَل تضربني، فيكون ذَلِكَ عَلَى غير صحَّة.
قَالَ الشاعر:
هَلِ الله من سَرْو الْعَلَاةِ مُرِيحنِي ولَمَّا تَقَسَّمْني النِّبَارُ الكوانِسُ «٣»
النِّبْر: دابة تشبه الْقُرَاد. وقال آخر:
وما أدري وظنِّي كلُّ ظنّ أمسلمني إلى قوم شراح «٤»
١٥٩ ايريد: شراحيل ولم يقل: أمسلميّ. وهو وجه الكلام. وقال آخر:
هم القائلونَ الخيرَ والفاعلونَه إِذَا ما خَشُوا من محدث الأمر مُعْظَما «٥»
ولم يقل: الفاعلوه. وهو وجه الكلام.
وإنّما اختاروا الإضافة فِي الاسم المكنى لأنه يختلط بِما قبله. فيصير الحرفان كالحرف الواحد.
فلذلك استحبُّوا الإضافة فِي المكنيّ، وقالوا: هما ضاربان زيدًا، وضاربَا زيدٍ لأن زيدًا فِي ظهوره لا يَختلط بِما قبله لأنه لَيْسَ بِحرف واحدٍ والمكنى حرف.
(١) ش: «يضربوننى ويضربونى».
(٢) الظاهر أن الأصل: «أأنت» سقطت همزة الاستفهام فى النسخ، وذلك ليستقيم تفسيره بالاستفهام.
(٣) سر والعلاة: اسم موضع.
(٤) ورد هذا البيت فى شواهد العيني على هامش الخزانة ١/ ٣٨٥. وفيها: «قومى» فى مكان «قوم» وفيها أن الرواية ليست كما ذكر الفراء وإنما هى:
فما أدرى وظنى كل ظن أيسلمني بنو البدء اللقاح
وعلى هذه الرواية لا شاهد فى البيت [.....]
(٥) ورد هذا البيت فى كتاب سيبويه ١/ ٩٦: وفيه أن الرواة زعموا أنه مصنوع. وانظر الخزانة ٢/ ١٨٧
386
فأمَّا «١» قوله (فَاطَّلَعَ) فإنه يكون عَلَى جهة فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، كما تَقُولُ: دعَا فأجيب «٢» يَا هَذَا.
ويكون: هَل أنتم مُطْلِعِونِ فَأَطَّلِعَ أنا فيكون منصوبًا بِجواب الفاء.
وقوله: شَجَرَةٌ تَخْرُجُ [٦٤] وهي فِي قراءة عبد الله (شَجَرةً نابتة «٣» فى أصل الجحيم).
وقوله: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [٦٥] فإن فِيهِ فِي العربية ثلاثة أوجه. أحدها أن تشبه طَلْعها فِي قبحه برءوس الشياطين لأنها موصوفة بالقبح، وإن كانت لا تُرى. وأنت قائل للرجل: كأنه شيطان إِذَا استقبحته. والآخر أن العرب تسمّي بعض الحيّات شيطانًا. وهو حَيّة ذو عرف «٤».
قَالَ الشاعر، وهو يذم امرأة لَهُ:
عنجرد تحلف حين أحلف كمثل شيطانِ الحماط أعرف «٥»
ويُقال: إنه نبت قبيح يسمى برءوس الشياطين. والأوجه الثلاثة يذهب إلى معنى واحد فِي القبح.
وقوله: لَشَوْباً [٦٧] الْخَلْط يُقال: شاب الرجل طَعَامه يشوبُه شَوْبًا.
وقوله: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ [٧٠] أي يسرعونَ بسيرهم. والإهراع: الإسْرَاع فِيهِ، شبيه بالرِّعدة (ويُقال «٦» قد أُهْرِعَ إهراعًا).
وقوله: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ [٧٨] (يقول: «٧» أَبقينا لَهُ ثناءً حَسَنًا فِي الآخرين ويقال:
(تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ) أي تركنا عَلَيْهِ هَذِه الكلمة كما تَقُولُ: قرأت من القرآن
(١) ا: «وأما».
(٢) ا: «وأجيب».
(٣) ا: «ثابتة».
(٤) أي شعر نابت فى محدب رقبتها كما فى المصباح.
(٥) العنجرد: المرأة الخبيثة السيئة الخلق. والحماط: شجر تألفه الحيات.
(٦) ا: «وأما».
(٧) سقط ما بين القوسين فى ا
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيكون «١» فِي الجملة فِي معنى نصبٍ ترفعها بالكلام، كذلك (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) ترفعه «٢» بِعَلَى، وهو فِي تأويل نَصْبٍ. ولو كَانَ: تركنا عَلَيْهِ سَلامًا كَانَ صوابًا.
وقوله: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ [٨٣] يقول: إِنّ من شيعة مُحَمَّد لإبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يقول: عَلى «٣» دينه ومنهاجه، فهو من شيعته، وإن كَانَ إِبْرَاهِيم سابقًا لَهُ. وهذا مثل قوله (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أَيْ ذرية من (هُوَ منهم) «٤» فجعلها ذريتهم وقد سبقتهم.
وقوله: إِنِّي سَقِيمٌ [٨٩] أي مطعون من الطاعون. ويُقال: إنها كلمة فيها مِعْراض «٥»، أي إنه كُلُّ من كَانَ فِي عنقه الموت فهو سقيم، وإن لَمْ يكن بِهِ حين قالها سُقْم ظاهر. وهو وجهٌ حسن.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أبو كدينة عن الحسن ابن عمارة ١٥٩ ب عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي قوله (لا تُؤاخِذْنِي «٦» بِما نَسِيتُ) قَالَ: لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ وقد قال عُمَر فِي قوله: إنّ فِي معاريض الكلام لَمَا يُغنينا عَن الكذب.
وقوله: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [٩٣] أي مال عليهم ضربًا، واغتنم خَلوتَهم من أهل دينهم.
وَفِي قراءة عبد الله (فَرَاغَ عَليهم صَفْقًا باليمين) وكأن الروغ هاهنا أنّه اعتلّ رَوْغًا ليفعل بآلهتهم ما فعل.
وقوله: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ [٩٤] قرأها الأعمش «٧» (يُزِفُّونَ) كأنَّها من أزففت. ولم نسمعها
(١) أي قوله: «الحمد لله رب العالمين».
(٢) أي ترفع (سلام)
(٣) ش: «من».
(٤) كذا وفى الطبري: «من هم منه» أي ذرية نوح عليه السلام، وهم من نسله. وكأن هذا هو الصواب.
وقد يوجه ما هنا بأن المراد أن هذه الذرية ذرية نوح الذي هو من جنسهم.
(٥) المعراض التورية. يقال: عرفته فى معراض كلامه وفى لحن كلامه وفحوى كلامه بمعنى كما فى المصباح.
(٦) الآية ٧٣ سورة الكهف. ومن يحمل الآية على المعراض يذكر أن موسى عليه الصلاة والسلام أراد شيئا آخر نسيه غير ما يريده صاحبه، كما فى البيضاوي. [.....]
(٧) وهى قراءة حمزة:
إلّا زَفَفْت: تَقُولُ للرجل: جاءنا يَزِفّ. ولعلّ قراءة الأعمش من قول العرب: قد أطردْت الرجل أي، صيّرته طريدًا، وطَرَدْته إِذَا أنت قلت لَهُ: اذهب عنّا فيكون (يُزِفّون) أي جَاءوا عَلَى هَذِه الهيئة بمنزلة المزفوفة عَلَى هَذِه الحال فتدخل الألف كما تَقُولُ للرجل: هُوَ محمودٌ إِذَا أظهرت حمده، وهو مُحَمَّد إِذَا رأيت أمره إلى الحمد ولم تنشر حمده. قَالَ: وأنشدني المفضل:
تَمَّنى حُصَين أن يسود جِذَاعَه فأَمْسَى حُصَين قد أَذَلّ وَأَقَهَرا «١»
فقال: أَقْهَرَ أي صار إلى حَالِ القهر وإنما هُوَ قُهِرَ. وقرأ الناس بعدُ (يَزِفُّونَ) بفتح الياء وكسر الزَّاي وقد قرأ بعضُ القراء (يَزِفونَ) بالتخفيف كأنها من وَزَف يَزف وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ لا يعرفها.
وقال الفراء: لا أعرفها أيضًا إلا أن تكون لَمْ تقع إلينا.
وقوله: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [١٠٠] ولم يقل: صالِحًا، فهذا بمنزلة قوله: ادْنُ فأصِب من الطعام، وهو كَثِير: يَجْتزأ بمن عَن المضمر كما قَالَ الله (وَكانُوا فِيهِ «٢» مِنَ الزَّاهِدِينَ) ولم يقل:
زاهدينَ من الزاهدين.
وقوله: بِغُلامٍ حَلِيمٍ [١٠١] يريد: فِي كِبَره «٣».
[قوله] : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [١٠٢] يقول: أطاقَ أن يعينه على عمله وَسَعْيه. وَكَانَ إِسْمَاعِيل يومئذ ابن ثلاث عشرة (فَانْظُرْ ماذا تَرى) وتُقرأ (تُرَى) «٤» حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (فَانْظُرْ ماذا تَرى) قَالَ الفراء:
وَحَدَّثَنِي حَفْص بن غِيَاث عَن الأعمش عَن عمارة بن عمير عَن الأسود أَنَّهُ قرأها (تَرَى) وأن يَحْيَى بن وثّاب قرأها (تُرِي) وقد رُفع (تُرِي) إلى عبد الله بن مسعود قَالَ الفراء، وحدثنى قيس عن
(١) ورد فى اللسان (قهر) منسوبا إلى المخبل السعدي يهجو الزيرقان وهو حصين وقومه المعروفين بالجذاع: ورواية الفراء: أذل وأقهر بالبناء للفاعل هى رواية الأصمعى، كما فى اللسان، ويرويان بالبناء للمفعول.
(٢) الآية ٢٠ سورة يوسف:
(٣) عبارة الطبري: «يعنى: بغلام ذى حلم إذا هو كبر، فأما فى طفولته فى المهد فلا يوصف بذلك.
(٤) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف
مغيرة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ (فَانْظُرْ مَاذا تَرى) : تشير، و (ماذا تَرى) : تَأمر قَالَ أَبُو زكريا: وأرى والله أعلم- أنه لم يستشره فِي أمر الله، ولكنه قَالَ: فانظر ما تريني من صبرك أو جزعك، فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وقد يكون أن يطلع ابنه عَلَى ما أمر بِهِ لينظر ما رأيه وهو ماضٍ عَلَى ما أُمِرَ بِهِ.
وقوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وتلّه للجبين [١٠٣] يقول: أسْلَما أي فَوَّضَا وأطاعَا وَفِي قراءة عبد الله (سَلَّمَا) يقول سَلّمَا من التسليم، كما تَقُولُ: إِذَا أصابتك مُصيبة فسَلّم لأمر الله أي فارْضَ بِهِ.
وقد قَالَ (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ولم يقل (بِهِ) كأنه أراد: افعل الأمر الَّذِي تؤمره. ولو كانت (بِهِ) كَانَ وجهًا جيدًا وَفِي قراءة عبد الله (إني أَرَى فِي المنامِ افعل ما أُمِرْت بِهِ).
ويُقال أين جواب قوله (فَلَمَّا أَسْلَما) ؟
وجوابها فى قوله (وَنادَيْناهُ) والعرب ١٦٠ اتدخل الواو فى جواب فلمّا (وحتّى إذا) وتُلقيها.
فمن ذَلِكَ قول الله (حَتَّى إِذا جاؤُها «١» فُتِحَتْ) وفى موضع آخر (وَفُتِحَتْ) «٢» وكلّ صَوَابٌ. وَفِي قراءة عَبْد اللَّه (فَلَمَّا «٣» جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ وَجَعَل السِّقَايَةَ) وَفِي قراءتِنَا بغير واو وقد فسرناهُ «٤» فِي الأنبياء «٥».
وقوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [١٠٧] والذِّبْح الكبش وكلّ ما أعددته للذَبْح فهو ذِبْح.
ويُقال: إنه رَعَى فِي الجنة أربعين خريفًا فأعظم بِهِ. وقال مجاهد (عَظِيمٍ) متقبَّل.
وقوله: وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ [١١٦] فجعلهَما كالجمع، ثُمَّ ذكرهما «٦» بعد ذَلِكَ اثنين وهذا من سعة العربيّة:
(١) الآية ٧١ سورة الزمر
(٢) الآية ٧٣ سورة الزمر.
(٣) الآية ٧٠ سورة يوسف
(٤) ش: «فسرناها».
(٥) أي عند الكلام على قوله تعالى فى الآية ٩٧: «واقترب الوعد الحق».
(٦) أي فى قوله: «وآتيناهما الكتاب المستبين».
أن يُذهب بالرئيس: النَّبِيّ والأمير وشبهه إلى الجمع لِجنوده وأتباعه، وإلى التوحيد لأنه واحد فِي الأصل. ومثله (عَلى خَوْفٍ «١» مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) وفى موضع آخر «٢» (وَمَلَأَهُ) ورُبّما ذهبت العرب بالاثنين إلى الجمع كما يُذهب بالواحِدِ إلى الجمع ألا ترى أنك تُخاطب الرجل فتقول:
ما أحسنتم ولا أجملتم، وأنت تريده بعينه، ويقول الرجل لِلْفُتْيا يُفتي بِهَا: نحن نقول: كذا وكذا وهو يريد نفسه. ومثل ذلك قوله فى سورة ص (وَهَلْ أَتاكَ «٣» نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) ثُمَّ أعاد ذكرهما بالتثنية إذ قَالَ: خَصْمَانِ بغى بعضنا على بعض.
وقوله: وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [١٢٣] ذُكِرَ أَنَّهُ نبيٌّ، وأنّ هَذَا الاسم اسم من أسماء العبرانية كقولِهم: إِسْمَاعِيل وإسحاق والألف واللام منه، ولو جعلته عربيًا من الألْيَس «٤» فتجعله إفعالًا مثل الإخراج والإدخالِ لَجَرى «٥».
ثُمَّ قال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [١٣٠] فجعله بالنون. والعجميُّ من الأسماء قد يفعل بِهِ هَذَا العرب. تَقُولُ: ميكالُ وميكائيل وميكائل وميكائين بالنون. وهي فِي بني أسد يقولون: هَذَا إسماعين قد جاء، بالنون، وسائر العرب باللام. قَالَ: وأنشدني بعض بني نُمَير لضب صاده بعضهم:
يقول أهلُ السوق لَمَّا جينا هَذَا وَربِّ البيت إسرائينا «٦»
فهذا وجه لقوله: إلياسينَ. وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعا «٧». فتجعل أصحابه
(١) الآية ٨٣ سورة يونس.
(٢) الآية ١٠٣ سورة الأعراف. وتكرر فى مواطن أخرى
(٣) الآية ٢١ سورة ص. [.....]
(٤) الأليس: الذي لا يبرح بيته. ويقال أيضا: رجل أليس: شجاع.
(٥) أي لصرف ونون.
(٦) ا: «رب» فى مكان «أهل» وقوله: «إسرائين» أي ممسوخ إسرائين، وكان بعض العرب يعتقد أن الضباب كانت من بنى إسرائيل فمسخت. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة ٢/ ٤٢٥.
(٧) شىء: «جميعا»
داخلين فِي اسمه، كما تَقُولُ للقوم رئيسهم الْمُهَلّب: قد جاءتكم المهالبة والمهلَّبون، فيكون بمنزلة قوله:
الأشعرِين والسَّعْدِين وشبهه. قَالَ الشاعر «١» :
أنا ابن سعدٍ سَيّدِ السَّعْدِينا
وهو فِي الاثنين أكثر: أن يضم أحدهما إلى صاحبه إِذَا كَانَ أشهر منه اسمًا كقول الشاعر «٢» :
جزاني الزَّهدمان جزاء سَوءٍ وكنتُ المرءَ يُجزَى بالكرامَهْ
واسم أحدهما زَهْدَم. وقال الآخر «٣» :
جزى الله فيها الأعورَين ذَمَامةً وفروة ثَغْر الثورة المتضاجِم
واسم أحدهما أَعور:
وقد قرأ بعضهم (وَإِنَّ الْيَأْسَ) يجعل اسْمه يأسًا، أدخل عَلَيْهِ الألف واللام. ثُمَّ يقرءون (سَلامٌ عَلَى آل «٤» ياسينَ) جاء التفسير فِي تفسير الكلبي عَلَى آل ياسين: عَلَى آل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والأوّل أشبه بالصواب- والله أعلم- لأنها فِي قراءة/ ١٦٠ ب عبد الله (وَإِنّ إدريسَ لَمِنَ المرسَلِينَ) (سَلَامٌ عَلَى إدراسِين) وقد يشهد عَلَى صواب هَذَا قوله: (وَشَجَرَةً «٥» تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (وَطُورِ «٦» سِينِينَ) وهو معنى واحد وموضع واحد والله أعلم.
وقوله: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [١٢٥] ذكروا أَنَّهُ كَانَ صنمًا من ذهب يُسمَّى بعلا، فقال (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي هَذَا الصنم ربًّا. ويُقال: أتدعون بعلًا ربًّا سوى الله. وذُكر عَن ابن عباس أن ضالّة «٧»
(١) هو رؤية. وورد هذا الشطر فى كتاب سيبويه ١/ ٢٨٩، والرواية فيه: «أكرم» بالنصب على المدح ويريد بسعد سعد بن زيد مناة بن تميم وفيهم الشرف والعدد.
(٢) هو قيس بن زهير كما فى اللسان (زهدم)، قال أبو عبيدة: الزهدمان هما زهدم وكردم. وانظر اللسان
(٣) هو الأخطل كما فى اللسان (ثغر) وفيه «ملامة» فى مكان «ذمامة». والذمامة: العار وفى الطبري:
«دمامة» أي قبح خلقه وفروة لقب لمن يهجوه. والثغر للدابة فرجها والمتضاجم: المائل أو المعوج الفم. وهو من وصف فروة وحقه النصب، ولكنه جر للمجاورة.
(٤) فى الطبري: «اليأسين» وهو الموافق لما قبله.
(٥) الآية ٢٠ سورة المؤمنين.
(٦) الآية ٢ سورة التين.
(٧) أي وجدت وعرفت ليهدى إليها صاحبها.
أُنشدت، فجاء صاحبها فقال: أنا بعلها. فقال ابن عباس: هَذَا قول الله (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي ربّا.
وقوله: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [١٢٦] تقرأ نصبًا «١» ورفعًا «٢». قرأها بالنصب الربيع بن خيثم.
وقوله. الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
[١٤٠] السفينة إِذَا جهزت وملئت وقع عليها هَذَا الاسم. والفُلك يذكر ويؤنث ويُذهب بِهَا إلى الجمع قَالَ الله (حَتَّى إِذا «٣» كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) فجعلها جَمعًا. وهو بمنزلة الطفل يكون واحدًا وجَمعًا، والضيفُ والبَشَر مثله.
وقوله: وَهُوَ مُلِيمٌ [١٤٢] وهو الَّذِي قد اكتسبَ اللَّوْمَ وإن لَمْ يلم. والموم الذي قد لِيم باللسان. وهو مثل قول العرب أصبحت مُحمقًا معطِشًا أي عندك الحمق والعطش. وهو كثير فى الكلام.
وقوله. المدحضين [١٤١] المغلوبين. يُقال: أدحض الله حُجَّتك فَدَحضت. وهو فِي الأصل أن يَزْلَق الرَّجُل.
وقوله: مِنْ يَقْطِينٍ [١٤٦] قيل عند ابن عباس: هُوَ ورق الْقَرْع. فقال: ومَا جعل ورق الْقَرع من بين الشجر يقطينًا! كل وَرَقةٍ اتسعت وسَترت فهي يقطين.
وقوله: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [١٤٧] أو هاهنا فِي معنى بَلْ. كذلك «٤» فِي التفسير مع صحته فِي العربية.
وقوله: فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [١٤٨] وَفِي قراءة عبد الله (فمتعناهم حَتَّى حين) وحتى وإلى فِي الغايات مع الأسماء سواء.
وقوله: فَاسْتَفْتِهِمْ [١٤٩] أي سلهم سل أهل مكة.
(١) النصب لحفص وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، والرفع للباقين.
(٢) النصب لحفص وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، والرفع للباقين.
(٣) الآية ٢٢ سورة يونس. [.....]
(٤) كذا. والأسوغ: جاء فى التفسير.
وقوله: لَكاذِبُونَ [١٥٢] أصطفى [١٥٣] استفهام وَفِيهِ توبيخ لَهُم. وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ. ومثله قوله (أَذْهَبْتُمْ «١» طَيِّباتِكُمْ) يُستفهم بِهَا ولا يستفهم. ومعناهما جَميعًا واحد.
وألف (أَصْطَفَى) إِذَا لَمْ يُستفهم بِهَا تذهب فِي «٢» اتّصال الكلام، وتبتدئها بالكسر.
وقوله: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [١٥٨] يُقال: الْجِنَّة هاهنا الملائكة. جعلوا بينه وبين خلقه نسبا. (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أنّ الذين قالوا هذا القول (لَمُحْضَرُونَ) فى النار.
وقوله: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ [١٦١] يريد: وآلهتكم التي تعبدون (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) بمضلّين.
وما أنتم عَلَيْهِ [١٦٢] أي عَلَى ذَلِكَ الدين بمضلين. وقوله (عليه) و (به) و (له) سواء.
وأهل نَجد يقولون: بمُفتنينَ. أهل الحجاز فتنت الرجل، وأهل نَجد يقولون: أفتنتُه.
وقوله: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [١٦٣] إلا من قُدّر لَهُ أن يَصْلَى الجحيم فِي السابق من علم الله.
وقرأ الْحَسَن (إِلَّا من هُوَ صَالُ الجحيم) رفع اللام فيما ذكروا فإن كَانَ أراد واحدًا فليس بِجائز لأنك لا تَقُولُ: هَذَا قاضٌ ولا رامٌ. وإن يكن عَرَف فيها لغة مقلوبة مثل عاثَ وعثا فهو صواب.
قد قالت العرب. جُرُفٌ هارٌ وهَارٍ وهو شاكُ السّلاح ١٦١ اوشاكى «٣» السّلاح وأنشدني بعضهم:
فلو أَنِّي رميتك من بَعيد لَعاقَكَ عَن دعاء الذئبِ عَاقِي «٤»
يريد: عائِق. فهذا مما قُلِب. ومنه (وَلا تَعْثَوْا «٥» ) ولا تعِيثوا لغتان. وقد يكون أن تجعل (صالو) جَمعًا كما تَقُولُ: من الرجال من هُوَ إخوتك، تذهب بِهُوَ إلى الاسم المجهول، وتُخرج فعله عَلَى الجمع كما قَالَ الشاعر:
(١) الآية ٢٠ سورة الأحقاف.
(٢) ش: «إلى».
(٣) فى الأصول: «شاك» والأولى ما أثبت: كما فى الطبري.
(٤) يم فى ش: «عاق».
(٥) الآية ٦٠ سورة البقرة. وتكرر فى مواطن أخرى.
إِذَا ما حَاتم وُجد ابن عمّي مَجَدنَا من تكلّم أجْمَعينَا «١»
ولم يقل تكلّموا. وأجود ذَلِكَ فِي العربية إِذَا أخرجت الكناية أن تخرجها عَلَى المعنى والعدد لأنك تنوي تَحقيق الاسم.
وقوله: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [١٦٤]، هَذَا من قول الملائكة. إلى قوله (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) يريد: (المصَلُّون) وَفِي قراءة عبد الله (وإِنْ كُلَّنا لَمَّا لَهُ مقامٌ معلوم).
وَفِي مريم (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي «٢» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) ومعنى إن ضربت لزيدًا كمعنى قولك: ما ضربت إلا زيدًا، لذلك ذكرت هذا.
وقوله: وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ [١٦٧] يعني أهل مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) يقول: كتابًا أو نُبُوَّةً (لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ).
قال الله: فَكَفَرُوا بِهِ [١٧٠] والمعنى: وقد أرسل إليهم مُحَمَّد بالقرآن، فكفروا بِهِ. وهو مضمر لَمْ يُذكر لأن معناهُ معروف مثل قوله (يُرِيدُ أَنْ «٣» يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) ثم قال (فَماذا تَأْمُرُونَ) «٤» فوصل قول فرعون بقولِهم لأن المعنى بيّن.
وقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا [١٧١] التي سبقت لَهُم السعادة. وهي فِي قراءة عبد الله (ولقد سبقت كلمتنا عَلَى عبادنا المرسَلين) وَعَلَى تصلح فِي موضع اللام لأن مَعْنَاهُمَا يرجع إلى شَيء واحدٍ.
وكأن المعنى: حَقّت عليهم ولهم، كما قَالَ (عَلى «٥» مُلْكِ سُلَيْمانَ) ومعناهُ: فِي مُلك سُلَيْمَان. فكما أُوخِيَ بين فِي وَعَلَى إذَا اتّفقَ المعنى فكذلك فُعِلَ هذا.
(١) مجدنا أي غلبنا فى المجد.
(٢) الآية ٩٣. وقراءة الجمهور: «إلا آتى الرحمن».
(٣) الآية ١١٠ سورة الأعراف.
(٤) هذا على أن «فماذا تأمرون» من قول فرعون لا من قول الملأ:
(٥) الآية ١٠٢ سورة البقرة.
Icon