ﰡ
إِذَا اعْوَجَجْن قُلْتُ صاحب قَوِّمِ «٣»
يريدُ صاحب قوم فجزم الباء لكثرة الحركات. قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي الرؤاسي عَن أبي عمرو ابن العلاء (لا يحزنهم) جزم.
ومن سورة يس
قوله: يس [١] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنِ الْحَسَنِ نَفْسَهُ قَالَ: يس: يَا رَجُلُ. وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ الهجاء كقولك:
حم وأشباهها.
القراءة بوقف النون من يس. وقد سمعت من العرب من ينصبها فيقول: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إِذَا سكن ما قبلها مثل لَيْتَ ولعلّ ينصب منها ما سكن الَّذِي يلي «٤» آخر حروفه. ولو خُفض كما خُفض جَيْرِ «٥» لا أفعل ذَلِكَ خُفضت لمكان الياء التي فِي جير.
(٢) الآية ١٠٣ سورة الأنبياء.
(٣) بعده:
بالدو أمثال السفين العوم
والدو: الصحراء. وأراد بأمثال السفين إبلا محملة تقطع الصحراء قطع السفن البحر. وانظر كتاب سيبويه والأعلم ٢/ ٢٩٧.
(٤) أي يكون بقربه. والحرف هنا قبله، وإن كان المتعارف فى الذي يلى أن يكون متأخرا.
(٥) جير بمعنى حقا. وتستعمل بمعنى اليمين.
وقوله: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [٥] القراءة بالنصب، عَلَى قولك: حقًّا إنك لَمِنَ المرسلين تنزيلًا حقًّا. وقرأ أهل الحجاز بالرفع، وَعَاصِم والأعمش ينصبانِها. ومن رفعها جعلها خبرًا ثالثًا: إنك «٣» لتنزيل العزيز الرحيم. ويكون رفعه عَلَى الاستئناف كقولك: ذَلِكَ تنزيل العزيز الرحيم كما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا «٤» ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي ذَلِكَ بلاغ.
وقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [٦] يُقال: لتنذر قومًا لَمْ يُنذَر آباؤهم أي لَمْ تنذرهم ولا أتاهم رسول قبلك. ويُقال: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، ثُمَّ تُلقي الباء، فيكون (ما) فِي موضع نصب كما قَالَ (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً «٥» مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ).
وقوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ [٨].
فكنى عَن هي، وهي للأيمان ولم تُذكر. وَذَلِكَ أن الْغُلّ لا يكون إلا باليمين، والعنق، جامعًا لليمين، والعُنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، كما قَالَ (فَمَنْ «٦» خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) فضمّ الْوَرثة إلى الوصيّ ولم يُذكروا لأن الصلح إنّما يقع بين الوصي والورثة. ومثله قول الشاعر:
وما أدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وجهًا | أريدُ الخير أيُّهما يليني |
أألخير الَّذِي أنا أبتغيه | أم الشرّ الذي لا يأتلينى |
(٢) ش: «يريد إنك».
(٣) ا: «إنه» وكونه خبرا ثالثا يقضى بإثبات ما أثبت وهو فى ش. وبعد فلا يتجه هذا الإعراب لأن التنزيل من صفة القرآن لا من صفة الرسول عليه الصلاة والسلام.
(٤) الآية ٣٥ سورة الأحقاف.
(٥) الآية ١٣ سورة فصلت.
(٦) الآية ١٨٢ سورة البقرة.
وقوله: فَأَغْشَيْناهُمْ [٩] أي فألبسنا أبصارهم غشاوة. ونزلت هَذِه الآية فِي قوم أرادوا قتل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني مخزوم، فأتوه فِي مصلاه ليلًا، فأعمى الله أبصارهم عَنْهُ، فجعلوا يسمعونَ صوته بالقرآن «١» ولا يرونه. فذلك قوله (فَأَغْشَيْناهُمْ) وتقرأ (فأعشيناهم) بالعين. أغشيناهم عَنْهُ لأن الْعَشْو بالليل، إِذَا أمسيت وأنت لا ترى شيئًا فهو الْعَشْو.
وقوله: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا [١٢] أمّا ما قدّموا فما أسلفوا من أعمالهم. وآثارهم ما استنّ به من بعدهم. وهو/ ١٥٦ امثل قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ
«٢» وْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ).
وقوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) القراء مجتمعونَ عَلَى نصب (كُلّ) لِمَا وقع من الفعل عَلَى راجع ذكرها. والرفع وجه جيّد قد سمعت ذَلِكَ من العرب لأن (كُلّ) «٣» بمنزلة النكرة إِذَا صحبها الجحد فالعرب تَقُولُ: هَلْ أحد ضربته، وَفِي (كلّ) مِثْل هَذَا التأويل، ألا ترى أن معناهُ: ما من شيء إلا قد أحصيناه.
وقوله: إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ [١٤] والثالث قد كَانَ أرسل قبل الاثنين فكُذِّبَ. وقد تراهُ فِي التنزيل كأنه بعدهما. وإنَّما معنى قوله (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) : بالثالث الَّذِي قبلهما كقولك: فعززنا بالأول. والتعزيز يقول: شدّدنا أمرهما بما علمهما الأول شمعون. وكانوا أرسلوا إلى أنطاكية «٤». وهي فِي قراءة عبد الله (فَعَزَّزنا بالثالث) لأنه قد ذكر فى المرسلين «٥»، وإذا
(٢) الآية ١٣ سورة القيامة.
(٣) كذا. وكأنه منعها الصرف لأنه أراد الكلمة، فاجتمع فيها العلمية لأنها علم على اللفظ، والتأنيث.
(٤) هى مدينة من أعمال حلب فى سورية. [.....]
(٥) أي فى قوله تعالى فى الآية السابقة «إذ جاءها المرسلون».
فأين الدرهمان؟ وقرأ عَاصِم «١» (فَعَززْنا) خفيفة. وهو كقولك: شدّدنا وشددنا.
وقوله: لَنَرْجُمَنَّكُمْ [١٨].
يريد: لنقتلنكم. وعامة ما كَانَ فِي القرآن من الرجم فهو قتل «٢»، كقوله (وَلَوْلا «٣» رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ).
وقوله: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [١٩] القراء مجتمعون على (طائِرُكُمْ) بالألف. والعرب تقول:
طيركم معكم.
وقوله: (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) قراءة العامة بالهمز وكسر ألف (إِنْ).
وقرأ أَبُو رَزِين- وَكَانَ من أصحاب عبد الله- (أأن ذكّرتم) ومن كسر قال «٤» (أَإِنْ) جعله جزاء أدخل عَلَيْهِ ألف استفهام. وقد ذُكِرَ عَن بعض القرّاء (طائركم معكم أين ذُكِّرْتُم) و (ذُكِرتم) يريد: طائركم معكم حيثما كنتم. والطائر هاهنا: الأعمال والرزق. يقول: هُوَ فِي أعناقكم.
ومن جعلها (أَين) فينبغي لَهُ أن يخفّف (ذكرتم) وقد خَفّف أَبُو جَعْفَر المدني (ذُكرتم) ولا أحفظ عَنْهُ (أين).
وقوله: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [٢٥].
أي فاشهدوا لي بذلك. يقوله حبيب للرسل الثلاثة.
وقوله: بِما غَفَرَ لِي رَبِّي [٢٧] و (بما) تكون فِي موضع (الَّذِي) وتكون (ما) و (غفر) فِي موضع مصدر. ولو جعلت (ما) فِي معنى (أي) كَانَ صوابًا. يكون المعنى: ليتهم يَعلمون بأي شيء غَفَر لي رَبِّي. ولو كَانَ كذلك لجازَ لَهُ فِيهِ: (بِمَ غفر لي رَبِّي) بنُقصان الألف، كما تقول:
(٢) سبق له فى الكلام على الآية ٤٦ من سورة مريم أن فسر الرجم بالسب.
(٣) الآية ٩١ سورة هود.
(٤) سقط فى ا. وهو بدل من (كسر).
إنا قتلنا بقتلانا سَراتكم | أهلَ اللِّوَاءِ ففِيما يُكثَر الْقِيلُ «٢» |
وقوله (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وَفِي قراءة عبد الله (إن كانت إلَّا زَقْيَةً) والزَقْيَة والزَقْوة لغتان. يقال زَقَيت وَزَقوت. وأنشدني بعضهم وهو يذكر امرأة:
تلد غلامًا عَارِمًا يؤذيكِ | ولو زَقَوت كَزُقاء الدّيك |
يا سيّدا ما أنت من سَيِّدٍ | موطّأ الأعقابِ رَحْبِ الذراع |
قوّال معروف وفعّاله | نَحّار أُمَّات الرِّبَاع الرِّتَاع «٦» |
(٢) السراة الأشراف واحدها سرى.
(٣) الخب: الخبث. وخاب بتشديد الباء: خدع ومكر.
(٤) الخب: الخبث. وخاب بتشديد الباء: خدع ومكر.
(٥) الآية ٢٩ سورة النساء. والنصب لعاصم وحمزة والكسائي وخلف. والرفع لغيرهم.
(٦) من قصيدة مفضلية للسفاح بن بكير اليربوعي، يرثى فيها يحيى بن شداد اليربوعي وقوله: ما أنت من سيد تعجب من سيادته وفضله. و «موطأ الأعقاب» الرواية فى المفضليات: «موطأ البيت» والمراد هنا أن الناس يتبعونه ويطئون عقبه لأصالة رأيه. وفى الأساس: «وفلان موطأ العقب أي كثير الأتباع» وأمات الرباع: النوق التي لها رباع وهى جمع ربع كصرد لما ينتج فى الربيع. والرتاع من صفة أمات وهى التي ترعى فى الخصب. وانظر المفضلية ٢٩٢ والخزانة ٢/ ٥٣٦.
ألا يا قتيلًا ما قتيلَ بني حِلْس | إِذَا ابتلَّ أطرافُ الرماح من الدَّعْسِ «١» |
يا دار غيرها البلى تغييرا
تريد: يا أيتها الدار غيَّرهَا. وسمعت أبا الجراح يقول لرجل: أيا مجنونُ مَجْنُونُ، إتباع «٢».
وسمعت من العرب: يا مهتمُّ بأمرنا لا تهتمّ، يريدون: يا أيها المهتمّ.
وقوله: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا [٣١] (كَمْ) فِي موضع نصب من مكانين: أحدهما أن توقع (يَرَوْا) عَلَى (كَمْ) وهي فِي قراءة عبد الله (ألم يروا مَن أهلكنا) فهذا وجه. والآخر أن توقع (أهلكنا) عَلَى (كم) وتجعله استفهامًا، كما تَقُولُ: علمت كم ضربت غلامك. وإذا كَانَ قبل مَن وأيّ وكم رأيت وما اشتُقّ منها، أو الْعِلم وما اشتقّ منه وما أشبه معناهما، جازَ أن توقع ما بعدكم وأيّ ومن وأشباهها عليها، كما قَالَ الله (لِنَعْلَمَ «٣» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ألا ترى أنك قد «٤» أبطلت العلم عَن وقوعه عَلَى أيّ، ورفعت أيّا بأحصى. فكذلك تنصبُها بفعل لو وقع عليها.
وقوله (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ) فُتحت ألفها لأن المعنى: ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الْحَسَن الْبَصْرِيّ، كأنه لَمْ يوقع الرؤية عَلَى (كم) فلم يوقعها «٥» عَلَى (أنّ) وإن شئت كسرتها عَلَى الاستئناف وجعلت كم منصوبة بوقوع يروا عليها.
وقوله: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ [٣٢] شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قومٌ كَثِير منهم من قرَّاء أهل المدينة وبلغني أن عليًّا خَففها. وهو الوجه لأنَّها (ما) أدخلت عليها لام تكون جوابا
(٢) سقط فى ا، ب وكأنه يريد أن «مجنون» الآخرة إتباع للأولى.
(٣) الآية ١٢ سورة الكهف. [.....]
(٤) ا: «إذ».
(٥) ا: «توقعها».
غداة طفتْ عَلْماءِ بكرُ بن وائل | وَعُجْنَا صدورَ الخيل نَحو تَميم |
ويقول: لا أعرفُ جهة لَمّا فِي التشديد فِي القراءة.
وقوله: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وما عملت أيديهم [٣٥] وَفِي قراءة عبد الله (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «٢» ) وكل صواب. والعربُ تضمر الْهَاء فِي الَّذِي ومن وما، وتظهرها. وكل ذَلِكَ صواب (وما عَمِلت) (ما) إن شئت فِي موضع خفض: ليأكلوا من ثَمره ومما «٣» عملت أيديهم. وإن شئت جعلتها جحدًا فلم تجعل لَهَا موضعًا. ويكون المعنى: أنا جعلنا لَهُم الجنات والنخيل والأعناب ولم تعمله أيديهم (أَفَلا يَشْكُرُونَ).
وقوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [٣٨] إلى مقدار «٤» مجاريها: المقدار المستقر. من قَالَ:
(لا مستقرّ لها) أو (لا مستقرّ/ ١٥٧ الها) فهما وجهان حَسَنانِ، جعلها أبدًا جاريةً. وأمّا أن يخفض «٥» المستقرَّ فلا أدري ما هُوَ.
(٢) القراءة الأولى «عملت» لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف. والقراءة الاخيرة (عملته) للباقين.
(٣) ا: «ما».
(٤) ا: «مقادير».
(٥) الظاهر أنه يريد كسر القاف.
وقوله: (كَالْعُرْجُونِ) والعُرْجون ما بين الشماريخ «٢» إلى النابت فِي النخلة. والقديم فِي هَذَا الموضع: الَّذِي قد أتى عَلَيْهِ حول.
وقوله: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [٤٠] يقول: تطلع ليلًا، ولا أن يسبق الليل النهار، يقول: ولا القمر لَهُ أن يطلُع نهارًا، أي لا يكون لَهُ ضوء. ويُقال: لا ينبغي للشمس أن تُدِركَ القمر فتُذهب «٣» ضوءه، ولا أن يسبق الليل النهار فيظلمه. وموضع (أن تدرك) رفع.
[قوله: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [٣٧] فإن قَالَ قائل: مَا قوله: (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ؟
فإنما معناه: نسلخ عَنْهُ النهار: نرمي بالنهار «٤» عَنْهُ فتأتي الظلمة. وكذلك النهار يُسلخ منه الليل فيأتي الضوء. وهو عربيٌّ معروف، ألا ترى قوله: (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أي خرج منها وتركها. وكذلك الليل والنهار.
وقوله: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ [٤٢] : من مثل فلك نوح (ما يَرْكَبُونَ) يقول: جعلنا لَهُم السفن مثلت عَلَى ذَلِكَ المثال. وهي الزواريق «٥» وأشباهها مما يَركب فِيهِ الناس. ولو قرأ قارئ:
من مَثَلِهِ كَانَ وجهًا يريد من مثاله: ولم أسمع أحدًا قرأ به.
(٢) الشماريخ ما يكون عليه البلح.
(٣) ا: «فيذهب».
(٤) ا: «النهار».
(٥) جمع الزورق، وهو السفينة الصغيرة. والمعروف فى جمعه الزوارق.
وقوله: فَلا صَرِيخَ لَهُمْ [٤٣] الصريخ: الإغاثة.
وقوله: إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا [٤٤] يقول: إلا أن نفعل ذَلِكَ رحمةً. وقوله (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) يقول: بقاء إلى أجَلٍ، أي نرحمهم فنمتعهم إلى حين.
وقوله: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ [٤٥] من عذاب الآخرة (وَما خَلْفَكُمْ) من عذاب الدُّنْيَا مما لا تأمنونَ من عذاب ثَمُود ومن مضى.
وقوله: إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ [٤٦] جواب للآية، وجواب لقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) فلما أن كَانُوا معرضين عَن كل آية كفى جوابُ واحدةٍ من ثنتين لأن المعنى: وإذا قيل لَهُم:
اتقوا أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا.
وقوله: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ [٤٩] قرأها «١» يَحْيَى بن وثّاب (يَخصمون) وقرأها عَاصِم (يَخِصِّمُونَ) ينصب الياء ويكسر الخاء. ويَجُوز «٢» نصب الخاء لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعرابُها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأها أهل الحجاز (يَخْصّمونَ) يشدّدون ويَجمعون بين ساكنين. وهي فِي قراءة أُبَيّ بن كعب (يَخْتَصِمُون) فهذه حجة لمن يشدد. وأمّا معنى يَحْيَى بن وثاب فيكون عَلَى معنى يفعلون من الخصومة كأنه قَالَ: وهم يتكلمونَ ويكون عَلَى وجه آخر: وهم يخصمون: وهم فِي أنفسهم يخصِمُونَ من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أي تأخذهم الساعة لأن المعنى: وهم عند أنفسهم يَغلبونَ من قَالَ لَهُم: إن الساعة آتية.
وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [٥٠] يقول: لا يستطيع/ ١٥٧ ب بعضهم أن يوصى إلى
(٢) وهى قراءة ورش وابن كثير وغيرهما. [.....]
لا يستطيعون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق.
وقوله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [٥٢] يُقال: إن الكلام انقطعَ عند المرقد. ثُمَّ قالت الملائكة لَهُم: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ف (هَذَا) و (ما) فِي موضع رفع كأنك قلت:
هَذَا وعد الرحمن. ويكون (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) فيكون (هَذَا) من نعت المرقد خفضًا و (ما) فِي موضع رفع: بعثكم وعد الرحمن. وَفِي قراءة عبد الله بن مسعود (مَنْ أَهَبَّنَا من مرقدنا هَذَا) والبعث فِي هَذَا الموضع كالاستيقاظ تَقُولُ: بعثت ناقتي فانبعثت إِذَا أثارها.
وقوله: فاكِهُونَ [٥٥] بالألف. وتقرأ (فكِهون «١» ) وهي بمنزلة حَذِرون وحاذرون وهي فِي قراءة عبد الله (فاكهينَ) بالألف.
وقوله: عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [٥٦] و (عَلَى الأرائك متكئين) منصوبًا عَلَى القطع. وَفِي قراءتنا رفع، لأنها منتهى الخبر.
وقوله (فِي ظُلَلٍ «٢» ) أراد «٣» جمع ظُلَّة وظُلَل. ويكون أيضًا (ظِلَالًا «٤» ) وهي جمع لظُلَّة كما تَقُولُ: حُلّة وحُلل فإذا كثرت فهي الحلال. والجِلال «٥» والقلال «٦». ومن قال: (فى ظلال) فهى جمع ظلّ «٧».
وقوله: سَلامٌ قَوْلًا [٥٨] وَفِي قراءة عبد الله (سلامًا قولًا) فمن رفع قَالَ: ذَلِكَ لَهُم سلام قولًا، أي لَهُم ما يدّعونَ مُسَلّم خالص، أي هُوَ لهم خالص، يجعله خبرا لقوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ)
(٢) فى الأصول: «ظلال» والمناسب لما بعده ما أثبت.
(٣) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(٤) هى قراءة غير من ذكر فى الحاشية السابقة.
(٥) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال.
(٦) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال.
(٧) ش: «ظلة».
عِدَة من الله.
وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ [٦٥] وَفِي قراءة عبد الله (ولِتُكَلِّمَنَا) كأنه قَالَ: نختم عَلَى أفواههم لتكلمنا. والواو فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله (وَكَذلِكَ «١» نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ) وقوله: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [٦١] قرأ عَاصِم والأعمش وحَمْزَة (نُنَكِّسْهُ) بالتشديد. وقرأ الْحَسَن وأهل المدينة (نَنْكُسْهُ) بالتخفيف وفتح النون
وقوله: فَمِنْها رَكُوبُهُمْ [٧٢] اجتمعَ القراء عَلَى فتح الرّاء لأن المعنى: فمنها ما يركبون. ويقوّي ذَلِكَ أن عائشة قرأت (فمنها رَكُوبَتُهم) ولو قرأ «٢» قارئ: فمنها رُكوبهم كما تَقُولُ: منها أكلهم وشربهم ورُكوبهم كان وجها.
وقوله: مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ [٨٠] ولم يقل: الْخُضْر. وقد قَالَ الله (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ «٣» خُضْرٍ) ولم يقل: أخضر. والرَفْرَف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتماعًا وأشبه بالواحد من الرفرف ألا ترى اجتماعه كاجتماع الْعُشب والحصى والتمر، وأنت تَقُولُ: هَذَا حَصًى أبيض وحَصًى أسود، لأن جمعه أكثر فِي الكلام من انفراد واحده. ومثله الحنطة السمراء، وهي واحدة فِي لفظ جمع. ولو قيل حنطة سمركان صوابًا ولو قيل الشجر الْخُضُر كَانَ صوابًا كما قيل الحنطة السمراء «٤» وقد قَالَ الآخر:
بهر جاب ما دام الأراك به خضرا «٥»
(٢) قرأ بذلك الحسن والمطوعى عن الأعمش.
(٣) الآية ٧٦ سورة الرحمن.
(٤) كذا فى الأصول. والمناسب: «السمر».
(٥) هرجاب: اسم موضع. وقد ورد الشطر فى اللسان (هرجب). وفى ا: «قام» فى مكان «دام»