" بسم الله " آية افتتح بها خطابه، فمن علمها أجزل ثوابه، ومن عرفها أكثر إيجابه، ومن أكبر قدرها أكرم مآبه.
ﰡ
يقال معناه : يا سيد. ويقال : الياء تشير إلى يوم الميثاق، والشين تشير إلى سِرِّه مع الأحباب ؛ فيقال بحقِّ يوم الميثاق وسِرِّي مع الأحباب، وبالقرآن الحكيم.
أي إِنَّكَ - يا محمد لَمِنَ المرسلين، وإِنَّكَ لَعَلَى صراطٍ مستقيم.
أي هذا الكتاب تنزيل ( العزيز ) : المتكبر الغني عن طاعة المطيعين، ( الرحيم ) : المُتَفَضِّل على عباده المؤمنين.
أي خَصَصْنَاكَ بهذا القرآن، وأنزلنا عليكَ هذا الفُرقان لِتُنْذِرَ به قوماً حصلوا في أيام الفترة، وانقرض أسلافُهم على هذه الصِّفَةِ.
أي حقَّ القول بالعقوبة على أكثرهم لأنهم أصرُّوا على جَحْدِهم، وانهمكوا في جهلهم، فالمعلومُ منهم والمحكومُ عليهم أنَّهم لا يُؤمنون.
سَنَجُرُّهُم إلى هوانهم وصغرهم، وسنذيقهم وبالَ أمرهم.
﴿ فَأَغْشَيْنَاهُمْ ﴾ : أعميناهم اليومَ عن شهود الحُجَّة، ونُلَبِّسُ في الآخرة سبيلَ المَحَجَّة، فَيتَعَثَّرُون في وَهَدَاتِ جهنم داخرين، ويبقون في حُرُقَاتها مهجورين، مطرودين ملعونين، لا نَقْطَعُ عنهم ما به يُعَذَّبُون، ولا نَرْحمهم مما منه يَشْكُون ؛ تَمَادَى بهم حِرْمانُ الكفر، وأحاطت بهم سرادقاتُ الشقاء، وَوقعت عليهم السِّمَةُ بالفراق.
مهجورُ الحقِّ لا يَصِلُه أحدٌ، ومردودُ الحقِّ لا يَقْبَلُه أحد. والذي قَصَمَتْه المشيئةُ وأقْمَتْهُ القضيةُ لا تنجعُ فيه النصيحة.
أي إنما ينتفع بإنذارك مَنْ اتَّبَعَ الذِكْرَ ؛ فإنَّ إنذارك - وإِن كان عاماً في الكُلِّ وللكُلَّ- فإنَّ الذين كفروا على غيِّهم يُصِرُّون. . ألاَ سَاء ما يحْكُمون، وإن كانوا لا يعلمون قُبْحَ ما يفعلون. أمَّا الذين اتبعوا الذكر، واستبصروا، وانتفعوا بالذي سمعوه منك، وبه عملوا- فقد استوجبوا أنْ تُبَشِّرَهم ؛ فَبَشِّرْهُم، وأخبِرْهم على وجهٍ يظهر السرور بمضمون خبرك عليهم.
﴿ وَأَجْرٌ كَرِيمٍ ﴾ : كبير وافر على أعمالهم - وإن كان فيها خَلَلٌ.
نُحيي قلوباً ماتت بالقسوة بما نُمْطِرُ عليها من صَوْبِ الإقبال والزلفة، ونكتب ما قدَّموا.
﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ : خُطَاهم إلى المساجد، ووقوفهم على بساط المناجاة معنا، وتَرَقْرُق دموعهم على عَرَصَات خدودهم، وتَصاعُدَ أنفاسهم.
قوله جل ذكره :﴿ وَكُلَّ شَيءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾.
أثبتنا تفصيله في اللوح المحفوظ. . لا لتناسينا لها - وكيف وقد أحصينا كل شيءٍ عدداً ؟ - ولكننا أحْبَبْنا إثبات آثار أحبائنا في المكنون من كتابنا.
انقرض زمانُهم ونُسِيَ أوانُهم وشأنُهم ! ولكننا نتذكر أحوالهم بعد فوات أوقاتهم، ولا نرضى بألا يجري بين أحبائنا وعلى ألْسِنَةِ أوليائنا ذِكْرُ الغائبين والماضين، وهذا مخلوقٌ يقول في صفة مخلوق :
إذا نَسِيَ الناسُ إخوانَهم | وخَانَ المودَّةَ خِلاَّنُها |
فعندي لإخوانِيَ الغائبين | صحائفُ ذِكْرُكَ عنوانُها |
في القصة أنه جاءُ من قرية فسمَّاها مدينة، وقال من أقصى المدينة، ولم يكن أقصاها وأدناها لِيَتَفَاوَتَا بكثيرٍ، ولكنه -سبحانه- أجرى سُنَّتَه في استكثار القليل من فِعْلِ عَبْدِهِ إذا كان يرضاه، ويستنزِرُ الكثيرَ من فَضْلِه إذا بَذَلَه وأعطاه.
﴿ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً ﴾ فأبْلَغَ الوَعْظَ وَصَدَقَ النُّصْحَ. ولكن كما قالوا :
وكم سُقْتُ في آثارِكم من نصيحةٍ | وقد يستفيد البغضةَ المتنصِّحُ |
في القصة أنه جاءُ من قرية فسمَّاها مدينة، وقال من أقصى المدينة، ولم يكن أقصاها وأدناها لِيَتَفَاوَتَا بكثيرٍ، ولكنه -سبحانه- أجرى سُنَّتَه في استكثار القليل من فِعْلِ عَبْدِهِ إذا كان يرضاه، ويستنزِرُ الكثيرَ من فَضْلِه إذا بَذَلَه وأعطاه.
﴿ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً ﴾ فأبْلَغَ الوَعْظَ وَصَدَقَ النُّصْحَ. ولكن كما قالوا :
وكم سُقْتُ في آثارِكم من نصيحةٍ | وقد يستفيد البغضةَ المتنصِّحُ |
ما كانت إلا قضية مِنَّا بعقوبتهم، وتغييراً لِمَا كانوا به من السلامة إلى وصف البلاء.
ما كانت إلا قضية مِنَّا بعقوبتهم، وتغييراً لِمَا كانوا به من السلامة إلى وصف البلاء.
إن لم يتحسَّروا هم اليوم فَلَهُم موضع التحسُّر ؛ وذلك لانخراطهم في سِلكٍ واحد من التكذيب ومخالفة الرسل، ومناوءة أوليائه- سبحانه.
ألم يروا ما فعلنا بمن قبلهم من القرون الماضية، وما عاملنا به الأمم الخالية، فلم يرجع إليهم أحد، فكلُّهم في قبضة القدرة، ولم يَفُتنا أحدٌ، ولم يكن لواحدٍ منهم علينا عونٌ ولا مَدَدٌ، ولا عن حكمنا ملتحد.
ألم يروا ما فعلنا بمن قبلهم من القرون الماضية، وما عاملنا به الأمم الخالية، فلم يرجع إليهم أحد، فكلُّهم في قبضة القدرة، ولم يَفُتنا أحدٌ، ولم يكن لواحدٍ منهم علينا عونٌ ولا مَدَدٌ، ولا عن حكمنا ملتحد.
لمَّا كان أمرُ البعث أعظمَ شُبَهِهِمْ، وكَثُرَ فيه إنكارُهم كان تكرارُ الله سبحانه لحديث البعث، وقد ضَرَبَ - سبحانه - المَثَلَ له بإحياء الأرض بالنبات في الكثير من الآيات. والعَجَبُ ممَّنْ يُنْكِر علومَ الأصول ويقول ليس في الكتاب عليها دليل ! وكيف يشكل ذلك وأكثر ما في القرآن من الآيات يحث على سبيل الاستدلال، وتحكيم أدلة العقول ؟ ولكن يَهْدِي اللَّهُ لنوره من يشاء. ولو أنهم أنصفوا من أنفسهم، واشتغلوا بأهم شيءٍ عندهم لَمَا ضَيَّعوا أصول الدِّين، ولكنهم رضوا فيها بالتقليد، وادَّعَوْا في الفروع رتبةَ الإمامة والتصَدُّر. . ويقال في معناه :
يا مَنْ تَصَدَّرَ في دستَ الإمامة في | مسائل الفقه إملاءً وتدريسا |
غَفَلْتَ عن حججِ التوحيد تُحْكِمها | شيَّدتَ فرعاً وما مَهَّدَتَ تأسيسا |
تُنَبِه هذه الآيةُ على التفكُّرِ في بديع صُنْعِه ؛ فقال : تنزيهاً لِمَنْ خَلَقَ الأَشياء المتشاكلةَ في الأجزاء والأعضاء، من النبات، ومن أنفسهم، ومن الأشياء الأخرى التي لا يعلمون تفصيلها، كيف جعل أوصافَها في الطعوم والروائح، في الشكل والهيئة، في اختلاف الأشجار في أوراقها وفنون أغصانها وجذوعها وأصناف أنوارها وأَزهارها، واختلاف أشكال ثمارها في تفرُّقِها واجتماعها، ثم ما نيط بها من الانتفاع على مجرى العادة مما يسميه قومٌ : الطبائع ؛ في الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، واختلاف الأحداث التي يخلقها اللَّهُ عقيب شراب هذه الأدوية وتناول هذه الأطعمة على مجرى العادة من التأثيرات التي تحصل في الأبدان. ثم اختلاف صور هذه الأعضاء الظاهرة والأجزاء الباطنة، فالأوقات متجانسة، والأزمان، متماثلة، والجواهر متشاكلة. . وهذه الأحكام مختلفة، ولولا تخصيصُ حُكْم اللَّهُ لكل شيءٍ بما اختصَّ به لم يكن تخصيصٌ بغير ذلك أولى منه. وإنَّ مَنْ كحَّلَ اللَّهُ عيونَ بصيرته بيُمْن التعريف، وقَرَنَ أوقاته بالتوفيق، وأتَمَ نَظَره، ولم يصده مانع. فما أقوى في المسائل حُجَّتَه ! وما أوْضَحَ في السلوكِ نَهْجَه !.
إنَّها لأقْسَامٌ سَبَقَت على مَنْ شاءَه الحقُّ بما شاء.
نُبْطِلُ ضوءَ النهارِ بهجومٍ الليلِ عليه، وتزِيلُ ظلامَ الليل بهجومِ النهار عليه، كذلك نهارُ الوجود يدخل على ليالي التوقف، ويقود بيد كَرَمِه عصاَ مَنْ عَمِيَ عن سلوك رُشْدِه فيهديه إلى سَوَاءَ الطريق.
وشبيهُ القمر عبدٌ تتلون أحوالُه في تنقله ؛ فهو في حال من البسط يترقَّى إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان به من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقصان أمره إلى أن يرفع قلبه عن وقته، ثم يجود الحقُّ- سبحانه- فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته عن سَكْرَتِه، فلا يزال يصفوا حاله إلى أنْ يَقْرُبَ من الوصال، ويرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال. . كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، كما قالوا :
ما كنت أشكو ما على بَدَني *** من كثرة التلوين من بُدَّتِه
وأنشدوا :
كُلَّ يوم تتلون *** غيرُ هذا بِكَ أجمل
وشبيهُ القمر عبدٌ تتلون أحوالُه في تنقله ؛ فهو في حال من البسط يترقَّى إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان به من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقصان أمره إلى أن يرفع قلبه عن وقته، ثم يجود الحقُّ- سبحانه- فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته عن سَكْرَتِه، فلا يزال يصفوا حاله إلى أنْ يَقْرُبَ من الوصال، ويرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال.. كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، كما قالوا :
ما كنت أشكو ما على بَدَني *** من كثرة التلوين من بُدَّتِه
وأنشدوا :
كُلَّ يوم تتلون *** غيرُ هذا بِكَ أجمل
الإشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة في بحار التقدير عند تلاطم أمواجها بفنونٍ من التغيير والتأثير. فكَمْ من عبدٍ غرق في اشتغاله في ليلة ونهاره، لا يستريح لحظةً من كَدِّ أفعاله، ومقاساةِ التعب في أعماله، وجَمْع ماله.
فَجَرَّه ذلك إلى نسيان عاقبته ومآلِه، واستيلاء شُغْلِه بوَلَدِه وعيالِه على فِكْرِه وبالِه - وما سَعْيُه إلاَّ في وَبَالِه !
وكم من عِبْدٍ غرق في لُجَّةِ هواه، فجَرَّته مُناه إلى تَحمُّلِ بلواه، وخسيس من أمر مطلوبه ومُبْتَغَاه. . ثم لا يَصَلُ قط إلى منتهاه، خَسِرَ دنياه وعقباه، وبَقِيَ عن مولاه ! ومن أمثال هذا وذالك ما لا يُحْصَى، وعلى عقلِ مَنْ فكَّرَ واعتبر لا يَخْفَى.
أمَّا إذا حفظ عبداً في سفينة العناية أفرده - سبحانه- بالتحرُّرِ من رِقِّ خسائس الأمور. وشَغَلَه بظاهره بالقيام بحقِّه، وأكرمه في سرائره بفراغ القلب مع ربَّه، ورقَّاه إلى ما قال :" أنا جليسُ مَنْ ذكرني ". . وقُلْ في عُلُوِّ شأنِ مَنْ هذه صفته. . ولا حَرَجَ !
الإشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة في بحار التقدير عند تلاطم أمواجها بفنونٍ من التغيير والتأثير. فكَمْ من عبدٍ غرق في اشتغاله في ليلة ونهاره، لا يستريح لحظةً من كَدِّ أفعاله، ومقاساةِ التعب في أعماله، وجَمْع ماله.
فَجَرَّه ذلك إلى نسيان عاقبته ومآلِه، واستيلاء شُغْلِه بوَلَدِه وعيالِه على فِكْرِه وبالِه - وما سَعْيُه إلاَّ في وَبَالِه !
وكم من عِبْدٍ غرق في لُجَّةِ هواه، فجَرَّته مُناه إلى تَحمُّلِ بلواه، وخسيس من أمر مطلوبه ومُبْتَغَاه.. ثم لا يَصَلُ قط إلى منتهاه، خَسِرَ دنياه وعقباه، وبَقِيَ عن مولاه ! ومن أمثال هذا وذالك ما لا يُحْصَى، وعلى عقلِ مَنْ فكَّرَ واعتبر لا يَخْفَى.
أمَّا إذا حفظ عبداً في سفينة العناية أفرده - سبحانه- بالتحرُّرِ من رِقِّ خسائس الأمور. وشَغَلَه بظاهره بالقيام بحقِّه، وأكرمه في سرائره بفراغ القلب مع ربَّه، ورقَّاه إلى ما قال :" أنا جليسُ مَنْ ذكرني ".. وقُلْ في عُلُوِّ شأنِ مَنْ هذه صفته.. ولا حَرَجَ !
لولا جُودُه وفَضْلُه لحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه بِحُسْنِ الأفضال، يحفظهم في جميع الأحوال.
لولا جُودُه وفَضْلُه لحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه بِحُسْنِ الأفضال، يحفظهم في جميع الأحوال.
هذه صفاتُ مَنْ سَيَّبَهم في أودية الخذلان، وَوَسَمهم بِسِمَةِ الحرمان، وأصَمَّهم عن سماع الرُّشْد، وصَدَّهم بالخذلان عن سلوكِ القصد، فلا تأتيهم آيةٌ في الزَّجْرِ إلا قابلوها بإعراضهم، وتجافوا عن الاعتبار بها على دوام انقباضهم، وإذا أُمِرُوا بالإنفاقِ والإطعام عارضوا بأنَّ الله رازقُ الأنام، وإن يَشَأْ نَظَرَ إليهم بالإنعام :﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ﴾
يستعجلون هجومَ الساعة، ويستبطئون قيامَ القيامة - لا عن تصديقٍ يُريحهم من شَكِّهم، أو عن خوفٍ يمنعهم عن غَيِّهم، ولكن تكذيباً لدعوة الرسل، وإنكاراً لِصِحة النبوة، واستبعاداً للنشر والحشر.
ويومَ القيامةِ هم في العذاب مُحْضَرُون، ولا يُكْشَفُ عنهم، ولا يُنْصَرُون.
يستعجلون هجومَ الساعة، ويستبطئون قيامَ القيامة - لا عن تصديقٍ يُريحهم من شَكِّهم، أو عن خوفٍ يمنعهم عن غَيِّهم، ولكن تكذيباً لدعوة الرسل، وإنكاراً لِصِحة النبوة، واستبعاداً للنشر والحشر.
ويومَ القيامةِ هم في العذاب مُحْضَرُون، ولا يُكْشَفُ عنهم، ولا يُنْصَرُون.
يستعجلون هجومَ الساعة، ويستبطئون قيامَ القيامة - لا عن تصديقٍ يُريحهم من شَكِّهم، أو عن خوفٍ يمنعهم عن غَيِّهم، ولكن تكذيباً لدعوة الرسل، وإنكاراً لِصِحة النبوة، واستبعاداً للنشر والحشر.
ويومَ القيامةِ هم في العذاب مُحْضَرُون، ولا يُكْشَفُ عنهم، ولا يُنْصَرُون.
﴿ قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ يموتون على جهلٍ، لا يعرفون ربَّهم، ويُبْعَثُون على مِثْلِ حالِهم، لا يعرفون مَنْ بَعَثَهم، ويعدون ما كانوا فيه في قبورهم من العقوبة الشديدة -بالإضافة إلى ما سَيَلْقَوْنَ من الآلام الجديدة - نوماً ورقاداً، وسيطئون من الفراق المبرح والاحتراق العظيم الضخم مهاداً، لا يذوقون بَرْداً ولا شراباً إلا حميماً وغَسَّاقاً، ولقد عوملوا بذلك استحقاقاً : فقد قال جل ذكره :-
﴿ فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا َتُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
﴿ قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ يموتون على جهلٍ، لا يعرفون ربَّهم، ويُبْعَثُون على مِثْلِ حالِهم، لا يعرفون مَنْ بَعَثَهم، ويعدون ما كانوا فيه في قبورهم من العقوبة الشديدة -بالإضافة إلى ما سَيَلْقَوْنَ من الآلام الجديدة - نوماً ورقاداً، وسيطئون من الفراق المبرح والاحتراق العظيم الضخم مهاداً، لا يذوقون بَرْداً ولا شراباً إلا حميماً وغَسَّاقاً، ولقد عوملوا بذلك استحقاقاً : فقد قال جل ذكره :-
﴿ فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا َتُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
إنما يضافُ العبدُ إلى ما كان الغالبَ عليه ذِكْرُه بمجامع قلبِه، فصاحبُ الدنيا مَنْ في أسْرِها، وأصحابُ الجنة مَنْ هم طُلاّبُها والساعون لها والعاملون لِنَيْلِها ؛ قال تعالى مخبراً عن أقوالهم وأحوالهم :﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
[ الصافات : ٦١ ]. وهذه الأحوال - وإن جَلَّتْ منهم ولهم - فهي بالإضافة إلى أحوال السادة والأكابر تتقاصر، قال صلى الله عليه وسلم :" أكثر أهل الجنة البُلْه " ومَنْ كان في الدنيا عن الدنيا حُرَّاً فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حراً، والله يختص برحمته من يشاء.
وقيل إنما يقول هذا الخطاب لأقوام فارغين، فيقول لهم :﴿ إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ﴾ وهم أهل الحضرة والدنو، لا تشغلهم الجنة عن أُنس القربة، وراحات الوصلة، والفراغ للرؤية.
ويقال : لو عَلِمُوا عمَّن شُغِلُوا لَمَا تَهنَّأوا بما شُغِلُوا.
ويقال بل إنما يقول لأهل الجنة :﴿ إنَّ أًَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾ كأنه يخاطبهم مخاطبة المُعاينة إجلالاً لهم كما يقال : الشيخ يفعل كذا، ويُرَادُ به : أنت تفعل كذا.
ويقال : إنما يقول هذا لأقوام في العرصة أصحاب ذنوب لم يدخلوا النار، ولم يدخلوا الجنة بَعْدُ لِعِصْيانِهِم ؛ فيقول الحق : عبدي. . أهلُ النار لا يتفرغون إليك لأهوالهم، وما هم فيه من صعوبة أحوالهم، وأهل الجنة وأصحابها اليومَ في شُغْلٍ عنك لأنهم في لذَّاتهم، وما وجدوا من أفضالهم مع أهلهم وأشكالهم ؛ فليس لك اليوم إلا نحن !
وقيل شغلهم تأهبهم لرؤية مولاهم، وذلك من أتم الأشغال، وهي أشغالٌ مؤنِسَةٌ مريحةٌ لا مُتْعِبَةٌ موحِشَةٌ.
ويقال : الحقُّ لا يتعلَّق به حقُّ ولا باطل ؛ فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بأبدانهم مع أهلهم، وشهودهم مولاهم، كما أنهم اليومَ مشغولون مستديمون لمعرفته بأي حالةٍ هم، ولا يَقْدَحُ اشتغالهم - باستيفاء حُظُوظِهم - في معارفهم.
ويقال شَغَلَ نفوسهم بشهواتها حتى يخلص الشهود لأسرارهم على غيبةٍ من إحساس النَّفْس الذي هو أصعب الرُّقباء، ولا شيء أعلى من رؤية الحبيب مع فَقْدِ الرقيب.
﴿ وَأَزْوَاجُهُمْ ﴾ : قيل أشكالهم في الحال والمنزلة، كقوله :﴿ احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [ الصافات : ٢٢ ] وقيل حَظَاياهم من زوجاتهم.
﴿ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ ﴾ : ما يريدون، ويقال تسلم لهم دواعيهم، والدعوى -إذا كانت بغير حقٍّ- معلولة.
يسمعونَ كلامَه وسلامَه بلا واسطة، وأكَّد ذلك بقوله :" قولاً ".
وبقوله :﴿ مِّن رَّبٍّ ﴾ ليعلم أنه ليس سلاماً على لسان سفير.
﴿ مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ والرحمةُ في تلك الحالة أن يرزقهم الرؤية في حال ما يُسَلِّم عليهم لِتَكْمُلُ لهم النعمة. ويقال الرحمة في ذلك الوقت أن يُنَقٍّيَهم في حال سماع السلام وحال اللقاء لئلا يصحبهم دهش، ولا تلحقهم حيرة.
ويقال إنما قال :﴿ مِّن رَّبٍّ رَّحيمٍ ﴾ ليكون للعصاة من المؤمنين فيه نَفَسٌ، ولرجائهم مساغ ؛ فإن الذي يحتاج إلى الرحمة العاصي.
ويقال : قال ذلك ليعلم العبدُ أنه لم يصل إليه بفعله واستحقاقه، وإنما وصل إليه برحمة ربه.
غيبةُ الرقيب أتمُّ نعمةٍ، وإبعادُ العدوِّ مِنْ أجَلِّ العوارف ؛ فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداء في العذاب والحجبة.
لو كان هذا القول من مخلوقٍ إلى مخلوقٍ لَكَانَ شِبْهَ اعتذار ؛ أي لقد نصحتُكم ووعظتُكم، ومن هذا حَذَّرْتُكم، وكم أوصلتُ لكم القولَ، وذكَّرْتُكُم فلم تقبلوا وَعْظِي، ولم تعملوا بأمري، فأنتم خالَفْتُم، وعلى أنفسكم ظَلَمْتُم، وبذلك سبَقَت القضيةُ مِنَّا لكم.
لو كان هذا القول من مخلوقٍ إلى مخلوقٍ لَكَانَ شِبْهَ اعتذار ؛ أي لقد نصحتُكم ووعظتُكم، ومن هذا حَذَّرْتُكم، وكم أوصلتُ لكم القولَ، وذكَّرْتُكُم فلم تقبلوا وَعْظِي، ولم تعملوا بأمري، فأنتم خالَفْتُم، وعلى أنفسكم ظَلَمْتُم، وبذلك سبَقَت القضيةُ مِنَّا لكم.
اليومَ سَخَّرَ الله أعضاءَ بَدَنِ الإنسان بعضها لبعض، وغداً ينقض هذه العادة، فتخرج بمضُ الأعضاء على بعض، وتجري بينها الخصومة والنزاع ؛ فأمَّا الكفار فشهادةُ أَعضائهم عليهم مُبيدةٌ، وأمَّا العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم بعضُ أعضائهم بالعصيان، ولكن تشهد لهم بعض أعضائهم أيضاً بالإحسان، وكما قيل :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ | والحاكم العَدْلُ الجوادُ المُنْصِفُ |
يَرُدُّه إذا استوى شبابُه وقُوَّتُه إلى العكس، فكما كان يزداد في القوة يأخذ في النقصان إلى أن يبلغَ أرذلَ العمر في السن فيصير إلى مثل حال الطفولية في الضعف. ثم لا يَبْقَى بعد النقصان شيءٌ، كما قيل :
طوى العصران ما نشراه مني | وأبلى جدتي نَشْرٌ وطيُّ |
أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ | ولا يَبْقَى مع النقصان شيءُ |
كلامه صلى الله عليه وسلم كان خارجا عن أوزان الشعر، والذي أتاهم به من القرآن لم يكن من أنواع الشعر، ولا من طرق الخطباء.
تحير القوم في بابه ؛ ولم تكتحل بصائرهم بكحل التوحيد فعموا عن شهود الحقائق.
ذَكَرَ عظيمَ مِنَّتِه عليهم، وجميلَ نعمته لديهم بما سخر لهم من الأنعام التي ينتفعون بها بوجوه الانتفاع.
ولفظ ﴿ أَيْدِينَا ﴾ تَوَسُّع ؛ أي مما عملنا وخلقنا، وذلك أنهم ينتفعون بركوبها وبأكل لحومها وشحومها، وبشرْبِ ألبانها، وبالحَمْلِ عليها، وقَطَعَ المسافاتِ بها، ثم بأصوافها وأوبارها وشَعْرِها ثم بِعَظْمِ بعضها. . فطَالَبَهم بالشكر عليها، ووصَفَهم بالتقصير في شُكْرِهم.
ذَكَرَ عظيمَ مِنَّتِه عليهم، وجميلَ نعمته لديهم بما سخر لهم من الأنعام التي ينتفعون بها بوجوه الانتفاع.
ولفظ ﴿ أَيْدِينَا ﴾ تَوَسُّع ؛ أي مما عملنا وخلقنا، وذلك أنهم ينتفعون بركوبها وبأكل لحومها وشحومها، وبشرْبِ ألبانها، وبالحَمْلِ عليها، وقَطَعَ المسافاتِ بها، ثم بأصوافها وأوبارها وشَعْرِها ثم بِعَظْمِ بعضها.. فطَالَبَهم بالشكر عليها، ووصَفَهم بالتقصير في شُكْرِهم.
ذَكَرَ عظيمَ مِنَّتِه عليهم، وجميلَ نعمته لديهم بما سخر لهم من الأنعام التي ينتفعون بها بوجوه الانتفاع.
ولفظ ﴿ أَيْدِينَا ﴾ تَوَسُّع ؛ أي مما عملنا وخلقنا، وذلك أنهم ينتفعون بركوبها وبأكل لحومها وشحومها، وبشرْبِ ألبانها، وبالحَمْلِ عليها، وقَطَعَ المسافاتِ بها، ثم بأصوافها وأوبارها وشَعْرِها ثم بِعَظْمِ بعضها.. فطَالَبَهم بالشكر عليها، ووصَفَهم بالتقصير في شُكْرِهم.
اكتفوا بأمثالهم معبوداتٍ لهم.
اكتفوا بأمثالهم معبوداتٍ لهم.
﴿ فَلاَ يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾.
وإذا عَلِمَ العبدُ أنّه بمرأى من الحقّ هَانَ عليه ما يقاسيه، ولا سيما إذا كان في الله.
أي شَدَدْنا أسْرَهم، وجمعنا نَشْرَهم، وسَوَّينا أعضاءهم، ورَكَّبْنَا أجزاءهم، وأودعناهم العقل والتمييزَ. . . ثم إنه ﴿ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴾ : ينازعنا في خطابه، ويعترض علينا في أحكامنا بِزَعْمِه واستصوابه، وكما قيل :
أُعَلِّمُه الرمايةَ كُلَّ يومٍ | فلمَّا اشتدَّ ساعِدُه رماني |
مَهَّد لهم سبيل الاستدلال، وقال إن الإعادة في معنى الإبداء، فأي إشكالٍ بقي في جواز الإعادة في الانتهاء ؟ وإنَّ الذي قدر على خَلْقِ النارِ في الأغصان الرَّطبة من المرْخ والعَفَار قادرٌ على خَلْقِ الحياةِ في الرِّمة البالية، ثم زاد في البيان بأن قال : إن القدرة على مِثْلِ الشيء كالقدرة عليه لاستوائهما بكلِّ وجه، وإنه يحيي النفوسَ بعد موتها في العرصة كما يُحْيي الإنسانَ من النطفة، والطيرَ من البيضة، ويحيي القلوبَ بالعرفان لأهل الإيمان كما يميت نفوسَ أهل الكفر بالهوى والطغيان.
مَهَّد لهم سبيل الاستدلال، وقال إن الإعادة في معنى الإبداء، فأي إشكالٍ بقي في جواز الإعادة في الانتهاء ؟ وإنَّ الذي قدر على خَلْقِ النارِ في الأغصان الرَّطبة من المرْخ والعَفَار قادرٌ على خَلْقِ الحياةِ في الرِّمة البالية، ثم زاد في البيان بأن قال : إن القدرة على مِثْلِ الشيء كالقدرة عليه لاستوائهما بكلِّ وجه، وإنه يحيي النفوسَ بعد موتها في العرصة كما يُحْيي الإنسانَ من النطفة، والطيرَ من البيضة، ويحيي القلوبَ بالعرفان لأهل الإيمان كما يميت نفوسَ أهل الكفر بالهوى والطغيان.
مَهَّد لهم سبيل الاستدلال، وقال إن الإعادة في معنى الإبداء، فأي إشكالٍ بقي في جواز الإعادة في الانتهاء ؟ وإنَّ الذي قدر على خَلْقِ النارِ في الأغصان الرَّطبة من المرْخ والعَفَار قادرٌ على خَلْقِ الحياةِ في الرِّمة البالية، ثم زاد في البيان بأن قال : إن القدرة على مِثْلِ الشيء كالقدرة عليه لاستوائهما بكلِّ وجه، وإنه يحيي النفوسَ بعد موتها في العرصة كما يُحْيي الإنسانَ من النطفة، والطيرَ من البيضة، ويحيي القلوبَ بالعرفان لأهل الإيمان كما يميت نفوسَ أهل الكفر بالهوى والطغيان.
﴿ إِذَا أرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونَ ﴾ يَخْلِقه وقدرته. وأخبرنا أنه تتعلَّق بالمكوَّن كلمتُه على ما يجب في صفته، وسيَّان عنده خَلْقُ الكثيرِ في كثرته والقليلِ في قِلَّته.
أي بقدرته ظهورُ كلِّ شيء : فلا يحدث شيء - قَلَّ أو كَثُرَ- إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيءٌ إلا بإبقائه، فمنه ظهور ما يُحْدِث، وإليه مصير ما يخلق.