" بسم الله " كلمة ما استولت على قلب عارف إلا تيمته بكشف جلاله، وما استولت على قلب متأفف إلا أكرمته بلطف أفضاله. . . فهي كلمة قهارة للقلوب. . ولكن لا لكل قلب، مذهبة للكروب. . . ولكن لا لكل كرب.
ﰡ
أقسم الله بهذه الأشياء ( التي في مطلع السورة )، وجواب القَسَم قوله :﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾. والطورُ هو الجبلُ الذي كُلِّم عليه موسى عليه السلام ؛ لأنه مَحَلُّ قَدَم الأحباب وقتَ سماع الخطاب. ولأنه الموضعُ الذي سَمِعَ فيه موسى ذِكْرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وذِكْرَ أُمَّته حتى نادانا ونحن في أصلاب آبائنا فقال : أعطيتكم قبل أن تَسألوني ﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴾ مكتوب في المصاحف، وفي اللوح المحفوظ.
وقيل : كتاب الملائكة في السماء يقرؤون منه ما كان وما يكون.
ويقال : ما كتب على نفسه من الرحمة لعباده.
ويقال ما كتب من قوله :" سبقت رحمتي غضبي ".
ويقال : هو قوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ].
ويقال : الكتاب المسطور فيه أعمال العباد يُعْطَى لعباده بأَيْمانهم وشمائلهم يوم القيامة.
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكن | إليه بوجه آخَر - الدهر- تُقْبِلُ |
﴿ تَمُورُ ﴾ : أي تدور بما فيها.
ثم يسألون : أهذا من قبيل السحر على ما قلتم أم غُطِّيَ على أبصاركم ؟ !
ثم يسألون : أهذا من قبيل السحر على ما قلتم أم غُطِّيَ على أبصاركم ؟ !
ثم يسألون : أهذا من قبيل السحر على ما قلتم أم غُطِّيَ على أبصاركم ؟ !
والصبرُ على الجزاء في العاقبة لا قيمة له، لأنَّ عذابَهم عقوبةٌ لهم :
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ﴾.
ويقال : فاكهون : أي ذوو فاكهة : كقولهم رجل تامر أي ذو تمر، ولابنٌ أي ذو لَبن.
قوم يصير لهم ذلك هنيئاً بطَعْمِه ولَذَّتِه، وقومٌ يصير هنيئاً لهم سماعُ قولهم عنه – سبحانه - هنيئاً، وقوم يصير لهم ذلك هيناَ ليِّناً وهم بمشهد منه :
فاشرب على وجهها كَغُرَّتِها | مُدامةً في الكؤوس كالشَّررِ |
يُكْملُ عليهم سرورهم بأَنْ يُلْحِق بهم ذُرِّياتِهم ؛ فإنَّ الانفرادَ بالنعمة عَمَّنْ القلبُ مشتغِلٌ به من الأهل والولد والذرية يوجِب تَنَغص العيش.
وكذلك كلُّ مْن قلبُ الوليِّ يلاحِظه من صديق وقريب، ووليٍّ وخادم، قال تعالى في قصة يوسف :﴿ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ يوسف : ٩٣ ].
وفي هذا المعنى قالوا :
إنيِّ على جفواتها - فبربِّها | وبكلِّ مُتَّصلٍ بها متوسِّلِ |
لأحُّبها، وأُحِبُّ منزلَها الذي | نزلت به وأحب أهل المنزِل |
أي ما أنقصنا من أجورهم من شيءٍ بل وفينا ووفَرنا. وفي الابتداء نحن أَوْليْنا وزدنا على ما أعطينا.
﴿ كُلُّ امْرئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ مُطَالَبٌ بعمله، يوفىَّ عليه أَجره بلا تأخير، وإنْ كان ذنباً فالكثيرُ منه مغفور، كما أنه اليوم مستور.
أي لا يجري بينهم باطلٌ ولا يؤثمهم كما يجري بين الشَّربِ في الدنيا، ولا يَذْهبُ الشُّرْبُ بعقولهم فيجري بينهم ما يُخْرِِجهم عن حَدِّ الأدبِ والاستقامة.
وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة ومِن المعلوم من يسقيهم، وهم بمشهد منه وعلى رؤية منه ؟
أي لا يجري بينهم باطلٌ ولا يؤثمهم كما يجري بين الشَّربِ في الدنيا، ولا يَذْهبُ الشُّرْبُ بعقولهم فيجري بينهم ما يُخْرِِجهم عن حَدِّ الأدبِ والاستقامة.
وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة ومِن المعلوم من يسقيهم، وهم بمشهد منه وعلى رؤية منه ؟
والقومُ عن الدارِ وعمَّن في الدار مُخْتَطَفون لاستيلاء ما يستغرقهم ؛ فالشرابُ يؤنِسُهم ولكن لا بِمَنْ يجانسهم ؛ وإذا كان - اليومَ - للعبد وهو في السجن في طول عمره ساعة ُ امتناع عن سماع خطاب الأغيار، وشهود واحدٍ من المخلوقين - وإنْ كان ولداً عزيزاً، أو أخاً شفيقاً - فمِنَ المحال أنْ يُظَنْ أنه يُرَدُّ من الأعلى إلى الأدنى. . . إِنْ كان من أهل القبول والجنة، ومن المحال أن يظن أنه يكون غداً موسوماً بالشقاوة.
وإذا كان العبدُ في الدنيا يقاسي في غُرْبتَه من مُقاساة اللتيا والتي - فماذا يجب أن يقال إذا رجع إلى منزله ؟ أيبقى على ما كان عليه في سفرته ؟ أم يلقى غير ما كان يقاسي في سَفْرته، ويتجرع غير ما كان يُسْقى من كاسات كُرْبته ؟
لولا أَنهم قالوا :﴿ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا ﴾ لكانوا قد لاحظوا إشفاقَهم، ولكن الحقّ - سبحانه - اختطفهم عن شُهود إِشفاقهم ؛ حيث أَشهدهم مِنَّتَه عليهم حتى قالوا :﴿ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ ﴿ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾.
أي أنهم يعلمون أَنَّكَ ليست بك كَهَانةٌ ولا جُنونٌ، وإنما قالوا ذلك على جهة التسفيه ؛ فالسّفيهُ يبسط لسانُه فيمن يَسُبُّه بما يعلم أنه منه بريء.
ويقال : قالوا : إنَّ أباه مات شابّاً، ورَجَوْا أَنْ يموت كما مات أبوه، فقال تعالى :﴿ قُل تَرَبَّصُواْ. . . ﴾ فإننا منتظرون، وجاء في التفسير أَنّ جميعَهم ماتوا. فلا ينبغي لأحدٍ أن يُؤمِّلَ موتَ أحدٍ. فَقَلْ مَن تكون هذه صَنعتُه إلاّ سَبَقَتْه المَنيَّةُ - دون أَنْ يُدْرِكَ ما يتمنّاه مِنْ الأمنيّة.
ويقال : قالوا : إنَّ أباه مات شابّاً، ورَجَوْا أَنْ يموت كما مات أبوه، فقال تعالى :﴿ قُل تَرَبَّصُواْ... ﴾ فإننا منتظرون، وجاء في التفسير أَنّ جميعَهم ماتوا. فلا ينبغي لأحدٍ أن يُؤمِّلَ موتَ أحدٍ. فَقَلْ مَن تكون هذه صَنعتُه إلاّ سَبَقَتْه المَنيَّةُ - دون أَنْ يُدْرِكَ ما يتمنّاه مِنْ الأمنيّة.
أتأمرهم عقولهم بهذا ؟ أَم تحملهم مجَاوزة الحدّ في ضلالهم وطغيانهم عَلَى هذا ؟
إذا كانوا يزعمون أنك تقول هذا القول من ذاتِ نَفْسك فليأتوا بحديثٍ مثلِه إنْ كانوا صادقين فيما رَمَوْك به !
إذا كانوا يزعمون أنك تقول هذا القول من ذاتِ نَفْسك فليأتوا بحديثٍ مثلِه إنْ كانوا صادقين فيما رَمَوْك به !
كلا ليس الأمر كذلك، بل الله هو الخالق وهم المخلوقون.
- أي خزائن أرزاقه ومقدوراته ؟ ﴿ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرونَ ﴾ المُتَسلِّطون عَلَى الناس ؟
أم لهم سُلّمٌ يرتقون فيه فيستمعون ما يجري في السماوات ؟ ﴿ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ ثم إنه سفّهَ أحلامهم فقال :
﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾.
أي إِنْ رأوْا قطعةً من السماء ساقطةً عليهم قالوا : إنه سحابٌ مركوم رُكم بعضه عَلَى بعض والمقصود أنهم مهما رَأَوْ من الآيات لا يُؤمِنون. ولو فتحنا عليهم باباً من السماء حتى شاهدوا بالعين لقالوا : إنما سُكرَتْ أبصارنا، وليس هذا عياناً ولا مشاهدةً.
أي فأعرضْ عنهم حتى يُلاقوا يومَهم الذي فيه يموتون، يوم لا يُغْني عنهم كيدُهم شيئاً، ولا يُمْنَعون من عذابنا.
أي فأعرضْ عنهم حتى يُلاقوا يومَهم الذي فيه يموتون، يوم لا يُغْني عنهم كيدُهم شيئاً، ولا يُمْنَعون من عذابنا.
دونَ يوم القيامة لهم عذابُ القَتْلِ والسّبْيِ، وما نَزَلَ بهم من الهوان والخزي يوم بدر وغيره.
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ : أَنَّ اللَّهَ ناصرٌ لدينه.
أنت بمرأىً مِنَّا، وفي نصرةٍ منَّا.
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ : في هذا تخفيفٌ عليه وهو يقاسي الصبر.
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾
أي تقوم للصلاةِ المفروضةِ عليك.
وفي الآية دليل وإشارة إلى أنه أَمَرَه أَنْ يَذْكُرَه في كلَّ وقت، وألا يخلوَ وقتٌ من ذِكْره.
والصبرُ لحُكمِ اللَّهِ شديدٌ، ولكن إذا عَرَفَ اطلاعَ الربِّ عليه سَهُلَ عليه ذلك وهان.