تفسير سورة الليل

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الليل من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " : كلمة تخبر عن إلهية الله ؛ وهي استحقاقه لنعوت المجد والتوحد، وصفات العز والتفرد ؛ فمن تجرد في طلبه عن الكسل، ولم يستوطن مركب العجز والفشل، ووضع النظر موضعه وصل بدليل العقل إلى عرفانه، ومن بذل روحه ونفسه وودع في الطلب راحته وأنسه، ولم يعرج في أوطان الوقفة ظفر بحكم الوصل إلى شهود سلطانه، والناس فيه بين موفق ومخذول، أو مؤيد ومردود.

قوله جل ذكره :﴿ والَّليْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾.
يغشى الأفقَ، وما بين السماء والأرض فيستره بظُلْمتِه.
والليلِ لأصحاب التحيُّر يستغرِق جميعَ أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد.
أنارَ وَظَهرَ، ووَضح وأسفر.
ونهارٌ أهلِ العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم، حتى لا يَخْفَى عليهم شيءٌ، فسكنوا بطلوعِ الشمس عن تكلُّف إيقاد السراجِ.
أي :" من " خَلَقَ الذكر والأنثى ؛ وهو الله سبحانه :
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.
هذا جوالُ القَسَم، والمعنى : إنَّ عملكم لمختلف ؛ فمنكم : مَنْ سَعْيُه في طلب دنياه، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ نَفْسِه واتباع هواه، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ، ومنكم مَنْ في طَلَبِ جاهِه ومُناه، وآخر في طلب عقباه، وآخر في تصحيح تقواه، وآخر في تصفية ذكراه، وآخر في القيام بحُسْنِ رضاه، وآخر في طلب مولاه.
ومنكم : من يجمع بين سعي النّفْس بالطاعة، وسَعْي القلب بالإخلاص، وسعي البَدَن بالقُرَب، وسعي اللسان بذكر الله، والقول الحَسَنِ للناس، ودعاء الخَلْقِ إلى الله والنصيحة لهم.
ومنهم مَنْ سعيُه في هلاكِ نَفْسِه وما فيه هلاك دنياه. . ومنهم. . ومنهم.
قوله جل ذكره :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾ من مالِه، ﴿ وَاتَّقَى ﴾ مخالفةَ ربِّه. .
ويقال :﴿ أعطى ﴾ الإنصافَ من نَفْسِه، ﴿ وَاتَّقَى ﴾ طَلَبَ الإنصافِ لنفسِه. . .
ويقال :" اتقى " مساخِطَ الله.
﴿ وَصَدَّقَ بالْحُسْنَى ﴾ : بالجنة، أو بالكَرَّةِ الآخرة، وبالمغفرةِ لأهل الكبائر، وبالشفاعة من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالخَلَفِ من قِبَل الله. . . فسَنُيَسِّرهُ لليُسْرَى : أي نُسَهِّلُ عليه الطاعاتِ، ونُكَرِّهُ إليه المخالفاتِ، ونُشَهِّي إليه القُرَبَ، ونُحبِّبُ إليه الإيمان، ونُزَيِّن في قلبه الإحسان.
ويقال : الإقامة على طاعته والعود إلى ما عمله من عبادته.
أما من مَنَعَ الواجبَ، واستغنى في اعتقاده، وكَذَّب بالحسنى : أي بما ذَكَرْنا، فسنيسره للعسرى ؛ فيقع في المعصية ولم يُدَبِّرْها، ونوقف له أسبابَ المخالفة.
ويقال :" أعطى " أعْرَضَ عن الدارين، " واتَّقى " أن يجعل لهما في نفسه مقداراً.
قوله جل ذكره :﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾.
يعني : إذا مات. . فما الذين يغني عنه ماله بعد موته ؟
قوله جل ذكره :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾.
لأوليائنا، الذين أرشدناهم. ويقال :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ بنصيب الدلائل.
مُلْكاً، نعطيه من نشاء.
أي : تتلظَّى.
أي : لا يُعَذَّبُ بها إلاَّ الأشقى، وهو :﴿ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾.
يعني : كَفَرَ.
﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾.
يُعْطى الزكاة المفروضة.
ويقال يَتَطهَّر من الذنوب.
ونزلت الآية في أبي بكر رضي الله عنه، والآية عامة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾.
يُعْطى الزكاة المفروضة.
ويقال يَتَطهَّر من الذنوب.
ونزلت الآية في أبي بكر رضي الله عنه، والآية عامة.

حتى تكون هذه مكافأة له. ولا يفعل هذا لَيَتَّخِذَ عند أحدٍ يَداً، ولا يطلب منه مكافأةٍ :
﴿ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ ربِّه الأَعْلَى ﴾.
أي : ليتقرَّبَ بها إلى الله.
يَرْضَى اللَّهُ عنه، ويرضى هو بما يعطيه.
Icon