تفسير سورة البروج

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة البروج من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " : اسم من لا عقل يكتنفه، اسم من لا مثل يشبهه، اسم من لا فهم يرتقي إليه بالتصوير، اسم من لا علم ينتهي إليه بالتقدير، اسم من لم يره بصر إلا واحد – وهو أيضا مختلف فيه، اسم من لا يجسر أحد أن يتكلم بغير ما إذن فيه، اسم من لا قطر يحويه، ولا سر يخفيه، ولا أحد يصل إلى معرفته إلا من يرتضيه.

قوله جلّ ذكره :﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ ﴾.
أراد البروج الاثني عشر.
يوم القيامة.
وجوابُ القَسَم قوله :﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾.
يقال : الشاهدُ اللَّهُ، والمشهودُ الخَلْقُ.
ويقال : الشاهدُ الخَلْقُ، والمشهودُ اللَّهُ ؛ يشهدونه اليومَ بقلوبهم، وغداً بأبصارهم.
ويقال : الشاهدُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والمشهودُ القيامة، قال تعالى :﴿ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ]، وقال في القيامة :﴿ ذلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ].
وقيل : الشاهد يومُ الجمعة، والمشهود يومُ عَرَفة.
ويقال : الشاهدُ المَلَكُ الذي يكتب العمل، والشاهدُ الإنسانُ يشهد على نفسه، وأعضاؤه تشهد عليه ؛ فهو شاهد وهو مشهود.
ويقال : الشاهدُ يومُ القيامة، والمشهودُ الناس.
ويقال : المشهودُ هم الأمة لأنه صلى الله عليه وسلم يشهد لهم وعليهم.
ويقال : الشاهدُ هذه الأمة، والمشهودُ سائر الأمم.
ويقال : الشاهدُ الحجرُ الأسود لأنَّ فيه كتابَ العهد.
ويقال : الشاهدُ جميعُ الخَلْق ؛ يشهدون لله بالوحدانية، والمشهود الله.
ويقال : الشاهدُ الله ؛ شهد لنفسه بالوحدانية، والمشهودُ هو لأنه شهد لنفسه.
قوله جل ذكره :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴾.
أي لُعِنوا. والأخدودُ : الحُفْرةُ في الأرض إِذا كانت مستطيلةً، وقصتهم في التفسير معلومة و " الوقود " الحطب.
وهم أقوامٌ كتموا إيمانَهم فلمَّا عَلِمَ مَلِكُهم بذلك أضرم عليهم ناراً عظيمة، وألقاهم فيها. وآخِرُ مَنْ دَخَلَها امرأةٌ كان معها رضيعٌ، وهَمَّت أن ترجع، فقال لها الولد : قِفي واصبري. . . فأنت على الحقِّ.
وألقوها في النار، واقتحمتها، وبينا كان أصحابُ الملك قعوداً حوله يشهدون ما يحدث ارتفعت النارُ من الأخدود وأحرقتهم جميعاً، ونجا من كان في النار من المؤمنين وسَلِموا.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾.
ما غَضبوا منهم إلاَّ لإيمانهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾.
أي أحرقوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا عن كفرهم ﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾ : نوعٌ من العذاب، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ : نوع آخر.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾.
﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ : النجاة العظيمة.
البطشُ الأخذ بالشدة.
يُبدئُ الخَلْق ثم يُعيدُهم بعد البعث.
ويقال : يبدئ بالعذاب ثم يُعيد، وبالثواب ثم يُعيد.
ويقال : يبدئ على حُكْم العداوة والشقاوة ثم يعيد عليه، ويبدئ على الضعف ويعيدهم إلى الضعف.
ويقال : يبدي الأحوال السَّنيَّة فإِذا وقعت حجبة يعيد ثانية.
ويقال : يبدي بالخذلان أموراً قبيحة ثم يتوب عليه، فإذا نَقَضَ توبتَه فلأَنه أعاد له من مقتضى الخذلان ما أجراه في أول حاله.
ويقال : يبدي لطائفَ تعريفه ثم يعيد لتبقى تلك الأنوار أبداً لائحةً، فلا يزال يبدي ويعيد إلى آخر العمر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾.
" الغفور " كثيرُ المغفرة، " الودود " مبالغة من الوَادِّ، ويكون بمعنى المودود ؛ فهو يغفر له كثيراً لأنه يَوَدُّهم، ويغفرُ لهم كثيراُ لأنهم يودُّونه.
قوله جلّ ذكره :﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾.
ذو المُلْكِ الرفيع، والمَجْد الشريف.
لأنه مالِكٌ على الإطلاق ؛ فلا حَجْر عليه ولا حَظْرَ.
قوله جلّ ذكره :﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ﴾.
الجموع من الكفار.
وقد تقدم ذكر شأنهما.
﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعني مُشْرِكي مكة ؛ ﴿ فِي تَكْذِيبٍ ﴾ للبعث والنشر.
عالمٌ بهم.
﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظِ ﴾ مكتوبٍ فيه. وجاء في التفسير : أنَّ اللوحَ المحفوظ خُلِقَ من دُرَّةٍ بيضاء، دِفَّتَاه من ياقوته حمراء عَرْضُها بين السماء والأَرض، وأعلاه متعلِّقٌ بالعرش، وأسفله في حِجْرِ مَلَكٍ كريم.
والقرآن كما هو محفوظ في اللوح كذلك محفوظ في قلوب المؤمنين، قال تعالى :
﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ﴾ [ العنكبوت : ٤٩ ] فهو في اللوح مكتوبٌ، وفي القلوبِ محفوظٌ.
Icon