ﰡ
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١ الى ٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤)النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
الإعراب:
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّماءِ: قسم، وجوابه إما مقدر محذوف: وهو لتبعثن، أو قوله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ. واختار أبو حيان أن يكون الجواب هو قوله تعالى:
قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ وحذفت اللام أي لقتل، وحسن حذفها كما حسن في قوله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها ثم قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها أي لقد أفلح من زكاها، ويكون الجواب دليلا على لعنة الله على من فعل ذلك وطرده من رحمة الله، وتنبيها لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم على أنهم ملعونون بجامع ما اشتركا فيه من تعذيب المؤمنين. وإذا كان قُتِلَ جوابا للقسم، فهي جملة خبرية، وقيل: دعاء، فيكون الجواب غيرها (البحر المحيط: ٨/ ٤٥٠).
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ أي الموعود به، وحذف للعلم به، وإنما وجب هذا التقدير، لأن الْمَوْعُودِ صفة لليوم، ولا بد من أن يعود من الوصف إلى الموصوف ذكر.
قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ النَّارِ: مجرور على البدل من الْأُخْدُودِ بدل الاشتمال.
البلاغة:
وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ بينهما جناس اشتقاق.
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ تأكيد المدح بما يشبه الذم، كأنه يقول: لا جرم لهم إلا إيمانهم بالله، وهذه مفخرة عظمي.
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ صيغة مبالغة.
المفردات اللغوية:
الْبُرُوجِ منازل الكواكب الاثني عشر، وقيل: الْبُرُوجِ: النجوم العظام، جمع برج: وهو الحصن، أو القصر العالي، أو منزل الكوكب، سميت بروجا لظهورها. والبروج على المعنى الأول اثنا عشر برجا للكواكب السيارة، تسير الشمس مثلا في كل واحد منها شهرا، ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلث يوم، فذلك ثمانية وعشرون منزلة، ويستتر ليلتين، أي يخفى.
ستة من بروج الشمس شمال خط الاستواء، وستة في جنوبه، أما التي في شماله: فهي الحمل والثور والجوزاء والسّرطان والأسد والسّنبلة. وأما التي في جنوبه: فهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت. وتقطع الشمس الثلاثة الأولى الشمالية في ثلاثة أشهر هي فصل الربيع، أولها ٢١ آذار (مارس) وتقطع الثلاثة الثانية في ثلاثة أشهر أخرى هي فصل الصيف، أولها ٢١ حزيران (يونيو) وتقطع الثلاثة الأولى الجنوبية في ثلاثة أشهر هي فصل الخريف، أولها ٢١ أيلول (سبتمبر) وتقطع الثلاثة الثانية الجنوبية في ثلاثة أشهر أيضا هي فصل الشتاء، أولها ٢٢ من شهر كانون الأول (ديسمبر) «١».
وإذا كان القصد بالبروج الكواكب العظيمة فهي التي لا يحصى عددها، والتي هي ذات أبعاد هائلة عن الأرض، فبعضها لا يصل ضوؤه إلى الأرض إلا بعد مليون ونصف سنة ضوئية، علما بأن الضوء يسير بسرعة ثلاث مائة ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، ويصل إلى القمر في ثانية وثلث، ويجري حول الكرة الأرضية في ثانية واحدة نحو ثمان مرات. والمريخ يبعد عن الأرض ٢٥٦ مليون ميل، وقد أطلقت روسيا مكوكا إلى المريخ في ١٣/ ٧/ ١٩٨٨ يصل إليه في منتصف عام ١٩٩٠، وأقسم اللَّه بهذه الكواكب حيث نيط بها تغييرات في الأرض بحلول الكواكب فيها.
الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ يوم القيامة. وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ الشاهد في ذلك اليوم على غيره من الخلائق، والمشهود عليه: ما يشهد به الشهود على المجرمين من الجرائم التي فعلوها بالشهود أنفسهم كأصحاب الأخدود أو بغيرهم، وهذا هو الأصح، أو الأنبياء الشاهدين على أممهم، أو مخلوقات اللَّه الظاهرة التي هي عامل الشهادة، الدالة على تمام القدرة الإلهية وعظم الحكمة، وهي مشهودة أيضا لكل ناظر إليها. وقال الأكثرون: الشاهد: يوم الجمعة فإنه يشهد بالعمل فيه، والمشهود: يوم عرفة
إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ قاعدون على حافة النار. وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أي وهم حضور على تعذيب المؤمنين باللَّه، بالإلقاء في النار، إن لم يرجعوا عن إيمانهم، ويشهدون على ما يفعلون يوم القيامة حين تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم. وَما نَقَمُوا أنكروا وعابوا.
الْعَزِيزِ الغالب الذي يخشى عقابه ولا يغلب. الْحَمِيدِ المحمود على نعمه وعلى كل حال، والذي يرجى ثوابه. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ شاهد عالم، وهو للإشعار بما يستحق أن يؤمن به ويعبد.
التفسير والبيان:
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ أي أقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام، وأشهر الأقوال أنها منازل الكواكب، وهي اثنا عشر برجا لاثني عشر كوكبا.
وهي التي تقطعها الشمس في سنة، والقمر في ثمانية وعشرين يوما. أقسم اللَّه بها تنويها بها وتعظيما وتشريفا لها، حيث نيط بها تغيرات في الأرض بحلول الكواكب فيها، فينشأ عنها الفصول الأربعة، وما فيها من حرارة وبرودة، وينشأ عنها عدد السنين والحساب.
وجاء ذكر البروج في آيتين أخريين هما: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ [الحجر ١٥/ ١٦]، وقال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان ٢٥/ ٦١].
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ أي وأقسم بيوم القيامة الموعود به، وبمن يشهد في ذلك اليوم، ومن يشهد عليه. وهذا إن كان ذلك مأخوذا من الشهادة. فإن كان مأخوذا من الحضور بمعنى أن الشاهد هو الحاضر، كقوله:
والخلاصة: أن الشاهد والمشهود إما من الشهود: الحضور، وإما من الشهادة، والصلة محذوفة، أي مشهود عليه أو به.
قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ هذا جواب القسم، وهو إخبار أو دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة اللَّه تعالى، أي لعن أصحاب الأخدود المشتمل على النار ذات الحطب الذي توقد به. وهم قوم من الكفار في نجران اليمن طلبوا من المؤمنين باللَّه عزّ وجلّ أن يرجعوا عن دينهم، فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودا (شقا مستطيلا) وأجّجوا فيه نارا، وأعدّوا لها وقودا يسعرونها به، ثم أرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها. وقد أشار سبحانه إلى عظم النار إشارة مجملة بقوله:
ذاتِ الْوَقُودِ أي لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس.
إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ، وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أي لعنوا حين أحدقوا بالنار، قاعدين على الكراسي عند الأخدود، وهؤلاء الذين حفروا الأخدود، وهم الملك وأصحابه، مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين، من عرضهم على النار ليرجعوا إلى دينهم، ويشهدون بما فعلوا يوم القيامة، حيث تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.
وهذا أي حضورهم الإحراق دليل على أنهم قوم غلاظ الأكباد قساة القلوب، تمكّن الكفر والباطل منهم، وتجرّدوا عن الإنسانية، وفقدوا الرحمة، ودليل أيضا
ثم ذكر اللَّه تعالى سبب هذا التعذيب والإحراق بالنار، فقال:
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أي إن هؤلاء الكفار الجبابرة ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم، ولا عابوا على المؤمنين إلا أنهم صدقوا باللَّه الغالب الذي لا يغلب، المحمود في كل حال، وهو مالك السموات والأرض، وإليه الأمر كله، ومن كان بهذه الصفات، فهو حقيق بأن يؤمن به ويوحّد، واللَّه شاهد عالم بما فعلوا بالمؤمنين، لا تخفى عليه خافية، ومجازيهم بأفعالهم. وأشار بقوله:
الْعَزِيزِ إلى أنه لو شاء لمنع أولئك الجبابرة من تعذيب أولئك المؤمنين، ولأطفأ نيرانهم وأماتهم، وأشار بقوله: الْحَمِيدِ إلى أن المعتبر عنده سبحانه من الأفعال عواقبها، فهو وإن كان قد أمهل لكنه ما أهمل، فإنه سيثيب المؤمنين، ويعاقب أولئك الكفرة.
وقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وعيد شديد لأصحاب الأخدود، ووعد بالخير لمن عذّب من المؤمنين على دينه، فصبر ولم يتراجع في موقف الشدة.
ونظير الآية قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ [المائدة ٥/ ٥٩].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- أقسم اللَّه عزّ وجلّ بالسماء وبروجها وهي نجومها العظام أو منازل الكواكب لإناطة تغييرات في الأرض كالفصول الأربعة وبيوم القيامة الذي
قال الزمخشري: أنه قيل: أقسم بهذه الأشياء، إنهم ملعونون يعني كفار قريش، كما لعن أصحاب الأخدود، وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم حتى يأنسوا بهم، ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم أحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش، أي لعنوا، كما قتل أصحاب الأخدود «١».
٢- أسباب اللعنة على أصحاب الأخدود: أنهم حفروا أخدودا أي شقا مستطيلا في الأرض وأوقدوا فيه نارا عظيمة، ثم ألقوا فيه جماعة المؤمنين، بنجران اليمن في الفترة بين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وهم يتلذذون ويستمتعون بما تفعل النيران الملتهبة بأجساد هؤلاء المعذّبين، ويحضرون ذلك المنظر الرهيب إلى تمام الإحراق والالتهاب، فهم قوم قساة، مجدّون في التعذيب.
٣- القصة درس وعظة وتذكير للمؤمنين بالصبر على ما يلاقونه من الأذى والآلام، والمشقات التي يتعرضون لها في كل زمان ومكان ليتأسوا بصبر المؤمنين وتصلبهم في الحق وتمسكهم به، وبذلهم أنفسهم من أجل إظهار دعوة اللَّه.
وليس هذا بمنسوخ، فإن الصبر على الأذى لمن قويت نفسه، وصلب دينه أولى «٢». قال اللَّه تعالى مخبرا عن لقمان: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ،
(٢) تفسير القرطبي: ١٩/ ٢٩٣
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر».
ولقد امتحن كثير من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقتل والصّلب والتعذيب الشديد، فصبروا ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك، مثل قصة عاصم وخبيب وأصحابهما، وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق وغير ذلك.
٤- ما أنكر الملك وأصحابه من الذين حرّقوهم إلا إيمانهم باللَّه العزيز الغالب المنيع، الحميد المحمود على كل حال، مالك السموات والأرض الذي لا شريك له فيهما ولا نديد، وهو عالم بأعمال خلقه، لا تخفى عليه خافية.
عقاب الكفار وثواب المؤمنين
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١)
البلاغة:
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ.. وإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي.. بينهما مقابلة.
المفردات اللغوية:
فَتَنُوا ابتلوا واختبروا، والمراد هنا ابتلوهم بالأذى والإحراق. فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ بكفرهم وإحراقهم المؤمنين. عَذابُ الْحَرِيقِ هو عذاب جهنم، وهو بيان وتفسير لما سبق.
الْفَوْزُ الْكَبِيرُ النجاح الأكبر الذي تصغر الدنيا وما فيها دونه.
بعد بيان قصة أصحاب الأخدود وما فعلوه بالمؤمنين من الإحراق بالنار، أتبع اللَّه تعالى ذلك بأحكام الثواب والعقاب، وأوضح ما أعد للكفار من عذاب جهنم، وما أعد للمؤمنين من الثواب الجليل والتنعم بجنان الخلد.
التفسير والبيان:
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ أي إن الذين أحرقوا بالنار المؤمنين والمؤمنات باللَّه ورسله، ولم يتركوهم أحرارا في دينهم، وأجبروهم إما على الإحراق أو الرجوع عن دينهم، ثم لم يتوبوا من قبيح صنعهم ويرجعوا عن كفرهم، فلهم في الآخرة بسبب كفرهم عذاب جهنم، ولهم عذاب الاحتراق بالنار لأن الجزاء من جنس العمل.
وعذاب الحريق تأكيد لعذاب جهنم، وقيل: إنهما مختلفان في الطبقة، الأول- لكفرهم، والثاني لأنهم فتنوا أهل الإيمان وأحرقوهم بالنار، وهذا عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم، وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق. أو لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا، لما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم.
وقوله: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا إشارة إلى أنهم لو تابوا إلى اللَّه، وندموا على ما فعلوا، غفر اللَّه لهم. ولكن لم ينقل أن أحدا منهم تاب، بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر. قال الحسن البصري رحمه اللَّه: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.
ثم رغّب اللَّه تعالى وأرشد إلى ما أعدّ للمؤمنين من الثواب العظيم، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ أي إن الذين آمنوا وصدقوا باللَّه ربّا واحدا لا شريك له،
فقه الحياة أو الأحكام:
تدل الآيتان في الجملة على حكمين:
الأول- أن الذين حرّقوا المؤمنين بالنار، من أصحاب الأخدود وغيرهم «١»، ثم ماتوا على الكفر، ولم يتوبوا من قبيح صنيعهم، فلهم في الآخرة عذاب جهنم المخزي لكفرهم، ولهم العذاب المحرق لإحراقهم المؤمنين بالنار. وعذاب جهنم وعذاب الحريق إما متلازمان، والغرض من الثاني التأكيد، وإما مختلفان في الدركة: الأول لكفرهم، والثاني لأنهم فتنوا أهل الإيمان. وقيل: الأول في الآخرة، والثاني في الدنيا، أو أن الأول عذاب ببرد جهنم وزمهريرها، والثاني عذاب بحرّها.
وفي هذا تصريح بأن التوبة تسقط أثر الذنب وترفع العقوبة، واللَّه يرغب دائما بها.
الثاني- أن الذين آمنوا أي صدقوا باللَّه وبرسله، وعملوا الصالحات المأمور بها وتركوا المنهي عنها، لهم جنات (أي بساتين) تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذّة
وإنما قال تعالى: ذلِكَ الْفَوْزُ ولم يقل «تلك» لأن ذلِكَ إشارة إلى إخبار اللَّه تعالى بحصول هذه الجنات، وقوله «تلك» إشارة إلى الجنات، وإخبار اللَّه تعالى عن ذلك يدل على كونه راضيا، والْفَوْزُ الْكَبِيرُ: هو رضا اللَّه، لا حصول الجنة، فاللهم أرضنا وارض عنا يا كريم.
وقصة أصحاب الأخدود، ولا سيما آية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.. تدل على أن المستكره على الكفر بالإهلاك الشديد، الأولى به أن يصبر على ما خوف منه، وأن إظهار كلمة الكفر كالرخصة في ذلك
روى الحسن أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لأحدهما: تشهد أني رسول اللَّه؟ فقال: نعم، فتركه، وقال للآخر مثله، فقال: لا، بل أنت كذّاب، فقتله، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أما الذي ترك، فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه، وأما الذي قتل فأخذ بالفضل فهنيئا له» «١».
كمال القدرة الإلهية لتأكيد الوعد والوعيد والاعتبار بإهلاك الأمم الكافرة السالفة
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٢ الى ٢٢]
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ الْمَجِيدُ بالرفع صفة: ذُو أو خبر بعد خبر، وبالجر: إما وصف للعرش، أو صفة: رَبِّكَ من قوله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ وهذا أولى لأن الْمَجِيدُ من صفات اللَّه.
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ فَعَّالٌ: إما بدل من ذُو الْعَرْشِ أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو فعّال، أو خبر بعد خبر.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ، فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ: في موضع جر على البدل من الْجُنُودِ، وقيل: في موضع نصب بتقدير أعني.
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ مَحْفُوظٍ بالجر صفة لَوْحٍ، وبالرفع صفة قُرْآنٌ.
البلاغة:
يُبْدِئُ وَيُعِيدُ بينهما طباق.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ؟ أسلوب التشويق لاستماع ما يأتي والاعتبار به.
لَشَدِيدٌ، الْغَفُورُ، الْوَدُودُ، فَعَّالٌ إلخ: صيغ مبالغة.
المفردات اللغوية:
بَطْشَ البطش: هو الأخذ بعنف وشدة، فإذا وصف بالشدة كان نهاية، والمراد بالآية:
أنه تعالى مضاعف عنفه بالكفار بحسب إرادته. يُبْدِئُ وَيُعِيدُ يبدئ الخلق ويعيده، فلا يعجزه ما يريد. الْغَفُورُ لمن تاب من المذنبين. الْوَدُودُ المحب لمن أطاع.
ذُو الْعَرْشِ خالقه ومالكه وصاحبه. الْمَجِيدُ العظيم الجليل المتعالي، المستحق لكل صفات العلو الكاملة، أو العظيم في ذاته وصفاته، فإنه واجب الوجود، تام القدرة والحكمة. ومجده: علوه وعظمته. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ لا يعجزه شيء، ويفعل ما يريد.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ هل بلغك يا محمد خبر الأقوام أو الجماعات الذين كذبوا الرسل وما حاق بهم؟ وأصل معنى الجنود: العسكر أو الأعوان. والمقصود تسلية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصبر على تكذيب قومه، وأمره بأن يحذرهم مثلما أصاب هؤلاء. فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ المراد بفرعون: هو وجنوده، أي هؤلاء هم الجنود: فرعون وأتباعه، وقبيلة ثمود من العرب البائدة، قوم صالح عليه السلام، أهلكهم اللَّه بكفرهم. وهذا تنبيه لمن كفر بالنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والقرآن ليتعظوا.
المناسبة:
بعد بيان وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجزاء كل فريق، أكّد اللَّه تعالى الوعد والوعيد بما يدل على تمام قدرته على ذلك. ثم بيّن أن حال الكفار في كل عصر، مع الأنبياء، شبيه بحال أصحاب الأخدود، في إلحاق أذى الكفار بالمؤمنين، فهم دائما في صراع معهم وعداوة وإيذاء. والقصد من هذا كله ترهيب الكفار، وتثبيت المؤمنين على إيمانهم، وشدّ عزائمهم بالصبر، وتطمينهم بأن كفار قريش سيلقون مثلما أصاب الأقوام السابقة: فرعون وأتباعه وثمود.
التفسير والبيان:
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ أي إن جزاء ربك وانتقامه من الجبابرة والظلمة، ومن أعدائه الذين كذبوا رسله، وخالفوا أمره، لشديد عظيم قوي، مضاعف إذا أراد، فإنه تعالى ذو القوة المتين، الذي ما شاء كان، ويكون ما يريد مثل لمح البصر أو هو أقرب. وفي هذا تأكيد للوعيد، وإرهاب لكفار قريش وأمثالهم.
ثم زاد الأمر تأكيدا بقوله:
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أي إنه تعالى تام القدرة، فهو الذي يبدأ الخلق ويخلقهم أولا في الدنيا، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت. أو هو الذي يبدأ البطش
ثم أكّد اللَّه تعالى الوعد بإيراد خمس صفات لجلاله وكبريائه وهي:
١- ٢: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ أي واللَّه سبحانه بالغ المغفرة لذنوب عباده المؤمنين إذا تابوا وأنابوا إليه، يغفر ذنب من تاب إليه، وخضع لديه، مهما كان الذنب كبيرا أو صغيرا، وهو تعالى بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه، بليغ الوداد، والمراد به: إيصال الثواب لأهل طاعته على الوجه الأتم، فيكون كقوله تعالى:
يُحِبُّهُمْ [المائدة ٥/ ٥٤]، أو هو بمعنى مفعول فيكون كقوله: وَيُحِبُّونَهُ [المائدة ٥/ ٥٤].
٣- ٤: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ أي هو تعالى ربّ العرش العظيم العالي على جميع الخلائق، وصاحب الملك والسلطان، والعظيم الجليل المتعالي، صاحب النهاية في الكرم والفضل، وبالغ السمو والعلو.
٥- فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أي صاحب القدرة المطلقة على فعل ما يريد، فمهما أراد فعل شيء، لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره، وحكمته وعدله. فإذا أراد إهلاك الظالمين الجاحدين، ونصر المؤمنين الصادقين، فعل دون أن يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يصرفه عنه صارف.
ثم ذكّر اللَّه تعالى الكفار وغيرهم، وسلّى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقصة فرعون وثمود من متأخري الكفار ومتقدميهم، فقال:
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ أي هل أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، والتي جندت جنودها لقتالهم؟ أو هل بلغك ما أحلّ اللَّه بهم من البأس، وأنزل عليهم من النقمة بسبب تماديهم في الكفر
ثم أشار اللَّه تعالى إلى أن هذا شأن الكفار وصنيعهم في كل زمان، فقال:
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ أي فالواقع القائم أن هؤلاء المشركين العرب في تكذيب شديد لك أيها النبي، ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار.
وفي هذا إضراب عن التذكير بقصة الجنود إلى التصريح بتكذيب كفار قريش.
وبعد تطييب قلب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بحكاية أحوال الأولين وموقفهم من الأنبياء، سلّاه بعد ذلك من وجه آخر، فقال:
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ أي إن اللَّه تعالى قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك، قاهر الجبارين لا يفوتونه ولا يعجزونه، فهو مقتدر عليهم، وهم في قبضته لا يجدون عنها مهربا. وهذا دليل على أنه تعالى عالم بهم فيجازيهم، وعلى أنه لا داعي للجزع من تكذيبهم وإصرارهم على الكفر وعنادهم.
ثم ردّ على تكذيبهم بالقرآن، فقال:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ أي إن هذا القرآن الذي كذبوا به شريف الرتبة في نظمه وأسلوبه حتى بلغ حدّ الإعجاز، متناه في الشرف والكرم والبركة، وليس هو كما يقولون: إنه شعر وكهانة وسحر. وإنما هو كلام اللَّه
قال بعض المتكلمين: اللوح شيء يلوح للملائكة، فيقرءونه، وأمثال هذه الحقائق مما يجب به التصديق سمعا، أي أن اللوح المحفوظ شيء أخبرنا اللَّه به، فيجب علينا الإيمان به كما أخبر اللَّه، وإن لم نعرف حقيقته.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إن عقاب اللَّه وانتقامه، وأخذه الجبابرة والظلمة لشديد قوي، كما قال جلّ ثناؤه: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى، وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود ١١/ ١٠٢].
٢- إن اللَّه تعالى بدأ خلق الناس أولا في الدنيا، ثم يعيدهم عند البعث.
٣- للَّه تعالى صفات عليا لا تتحقق في غيره، فهو الغفور الستور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها، الودود المحب لأوليائه، صاحب العرش الأعظم من كل المخلوقات، وصاحب الملك والسلطان المطلق، المجيد البالغ النهاية في الكرم والفضل، السامي القدر المتناهي في علوه، الفعال لما يريد، أي لا يمتنع عليه شيء يريده. قال القفال: فعّال لما يريد على ما يراه، لا يعترض عليه معترض، ولا يغلبه غالب، فهو يدخل أولياءه الجنة، لا يمنعه منه مانع، ويدخل أعداءه النار، لا ينصرهم منه ناصر، ويمهل العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم، ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء، ويعذب من شاء منهم في الدنيا وفي الآخرة، يفعل من هذه الأشياء ومن غيرها ما يريد «١».
والواقع أن كفار قريش في تكذيب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كدأب من قبلهم.
٥- اللَّه يقدر على أن ينزل بكفار مكة في الدنيا ما أنزل بفرعون، واللَّه عالم بهم، فهو يجازيهم في الآخرة.
٦- ليس القرآن كما زعم المشركون أنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو كتاب متناه في الشرف والكرم والبركة، وهو بيان ما يحتاج إليه الناس من أحكام الدين والدنيا. وهو مكتوب عند اللَّه في لوح، ومحفوظ عند اللَّه من وصول الشياطين إليه.
قال ابن عباس: أول شيء كتبه اللَّه تعالى في اللوح المحفوظ: «إني أنا اللَّه، لا إله إلا أنا، محمد رسولي، من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صدّيقا وبعثته مع الصدّيقين، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ إلها سواي» «١».
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الطارقمكيّة، وهي سبع عشرة آية.
تسميتها:
سميت سورة الطارق تسمية لها بما أقسم اللَّه به في مطلعها بقوله:
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَالطَّارِقِ: هو النجم الثاقب الذي يطلع ليلا، سمي طارقا لأنه يظهر بالليل ويختفي بالنهار. وكذلك الطارق: هو الذي يجيء ليلا.
مناسبتها لما قبلها:
السورة مرتبطة بما قبلها من ناحيتين:
١- ابتداء السورتين بالحلف بالسماء كسورتي (الانشقاق) و (الانفطار).
٢- التشابه في الكلام عن البعث والمعاد وعن صفة القرآن للردّ على المشركين المكذّبين به وبالبعث، ففي سورة البروج: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [١٣]، وفي هذه السورة: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ [٨]، وفي السورة السابقة: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [٢١- ٢٢]، وفي هذه السورة: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ [١٣].
ما اشتملت عليه السورة:
إن محور هذه السورة المكية كغيرها من السور المكية الكلام عن الإيمان
وقد افتتحت السورة بالقسم بالسماء وبالكواكب المضيئة ليلا على أن كل إنسان محفوظ بالملائكة الأبرار: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ.. [الآيات: ١- ٤].
ثم أقام اللَّه تعالى الدليل على إمكان البعث وقدرته عليه بعد الموت والفناء بخلق الإنسان أول مرة من تراب ثم من نطفة: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ...
[الآيات: ٥- ٨].
وأعقبت السورة ذلك ببيان كشف الأسرار في الآخرة على نحو كامل تام، في حالة كون الإنسان بين يدي العدالة الإلهية دون أن يكون له قوة ولا نصير:
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ [٩- ١٠].
وختمت السورة بالقسم الإلهي بالسماء والأرض على صدق القرآن وأنه القول المحكم الفصل بين الحق والباطل، وعلى تهديد الكفار المكذبين به ووعيدهم:
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ.. [١١- ١٧].
فضلها:
أخرج الإمام أحمد عن خالد بن أبي حبل العدواني أنه أبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مشرق ثقيف، وهو قائم على قوس أو عصا، حين أتاهم يبتغي عندهم النصر، فسمعته يقول: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ حتى ختمها، قال: فوعيتها في الجاهلية، وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف، فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه.
وأخرج النسائي عن جابر بن عبد اللَّه قال: صلّى معاذ المغرب، فقرأ البقرة