ﰡ
وقوله تعالى :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ﴾ أي لعن أصحاب الأُخدود، وجمعه أخاديد وهي الحفر في الأرض، وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى ما عندهم من المؤمنين بالله عزَّ وجلَّ فقهروهم، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا ع ليهم، فحفروا لهم في الأرض أُخدوداً، وأججوا فيه ناراً، وأعدوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها، ولهذا قال تعالى :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود * النار ذَاتِ الوقود * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ ﴾ أي مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين * قال الله تعالى :﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد ﴾ أي وما كان لهم عندهم ذنب إلاّ إيمانهم بالله ﴿ العزيز ﴾ الذي يضام من لاذ بجنابه، ﴿ الحميد ﴾ فلي جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، ثم قال تعالى :﴿ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض ﴾ من تمام الصفة أنه المالك لجميع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، ﴿ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ أي لا يغيب عنه شيء في جميع السماوات والأرض، ولا تخفى عليه خافية، وقد اختلف أهل التفسير في أهل هذه القصة من هم؟ فعن علي أنهم أهل فارس، حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فامتنع عليه علماؤهم، فعمد إلى حفر أُخدود، فقذف فيه من أنكر عليه منهم، واستمر فيهم تحليل المحارم إلى اليوم.
وقد روى الإمام أحمد : حدثنا عفان، حدثنا بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب الرومي « أن رسول الله ﷺ قال :» كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك : إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إليّ غلاماً لأعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب، فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه، وقال : ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال : إذا أراد الساحر أن يضربك فقل : حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل : حبسني الساحر، قال : فبينما هو ذات يوم إذا أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فاقل : اليوم أعلم : أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؟ قال : فأخذ حجراً، فقال : الله مإن كان أمر الراهب أحب وأرضى من أمر الساحر فاقتل الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، ومضى الناس، فأخبر الراهب بذلك، فقال : أي بني أنت أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ، فكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس، فعمي، فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة فقال : اشفني ولك ما هاهنا أجمع، فقال : ما أنا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عزَّ وجلَّ، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا لله فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال الملك : يا فلان من رد عليك بصرك؟ فقال : ربي؟ فقال : أنا! قال : لا، ربي وربك الله، قال : ولك رب غيري؟ قال : نعم، ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال : أي بني بلغ من سحرك أن تبرىء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال : ما أشفي أحداً إنما يشفي الله عزَّ وجلَّ. قال : أنا؟ قال : لا، قال : أولك رب غرير؟ ق ال : ربي وربك الله، فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأتى بالراهب، فقال : ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال الأعمى : ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام : ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفس إلى جبل كذا وكذا، وقال : إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فدهدهوه، فذهبوا به فلما عدلوا به الجبل قال : اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملكم، فقال : ما فعل أصحابك؟ فقال : كفانيهم الله تعالى : فبعث به مع نفسر في قرقور، فقال : إذا لججتم به البحر، فإن رجع عن دينه وإلاّ فغرقوه في البحر، فلججوا به البحر، فقال الغلام : اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل الملك، فقال : ما فعل أصحابك؟ فقال : كفانيهم الله تعالى، ثم قال الملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال : وما هو، قال : تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم قال : باسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، ففعل ووضع السهم في كبد قوسه، ثم رماه وقال : باسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم، ومات، فقال الناس : آمنا برب الغلام. فقيل للملك : أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك؛ قد أمن الناس كلهم، فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال : من رجع عن دينه فدعوه وإلاّ فأقحموه فيها، قال : فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي : اصبري يا أُماه فإنك على الحق «.